اليونان قالت لا.. فهل من زعيم عربي أو فلسطيني يقول لا؟/ راسم عبيدات

القيادة اليونانية اليسارية الشابة والتي وصلت للسلطة والحكم عبر انتخابات ديمقراطية،قيادة ملتحمة مع جماهيرها ومعبرة عن طموحاتها وهمومها،ووصلت للسلطة عبر برنامجها الخاص،وليس من خلال تحالفات مع قوى أخرى تتناقض معها في البرنامج،وهذه القيادة بحضورها وقاعدتها الشعبية،وبما تمتلكه من إرادة وموقف،وعدم "إرتعاش" سياسي او خوف على سلطة أو منصب،تحدت في سبيل مصلحة الشعب اليوناني أعتى قوى النصب والإحتيال والإستغلال والنهب الرأسمالي المتوحش ( صندوق وبنك النقد الدوليين والبنك المركزي الأوروبي) والتي أرادت ان تفرض على شعب اليونان شروط تبعية وتقشف مذلة،تمنع وتعيق أي عملية تطور وتنمية ورفاهية للشعب اليوناني لمدة أربعين سنة قادمة،حيث يبلغ حجم الديون اليونانية (340) مليار يورو ،يحتاج سدادها والفوائد عليها لفترة تمتد لعام(2057).
كهنة المشروع الأوروبي غير مصدقين بأن اليونان ستجرؤ على خطوة كبيرة من هذا النوع،خطوة سيكون لها الكثير من المفاعيل والتداعيات على أعضاء آخرين يعانون من ظلم وإجحاف المتنفذين في الإتحاد الأوروبي واقتصاد دولهم على حافة الإنهيار (اسبانيا والبرتغال).
ما حدث في اليونان كان يبدو فوق التصديق او الحسابات،ولكن حدث الإستفتاء وصوت الشعب اليوناني بلا كبيرة لتحكم الدائنين من مؤسسات وعصابات النهب الدولية بإقتصاد الإغريق،لم يأبه الإغريق بحملة التهديد والوعيد الأوروبية غير المسبوقة ب"الإخراج" من اليورو،حدث تاريخي ومدوي وكبير وربما زلزال كبير سيعكس نفسه على دول الإتحاد الأوروبي التي يعاني اقتصادها من سياسة تقشف،يجعلها تحذو حذو اليونان مثل البرتغال واسبانيا التي نزل المواطنين فيها للشوارع تضامناً مع الإستفتاء اليوناني،الزلزال وهذا الحدث التاريخي رغم ان رئيس الحكومة اليونانية تسيبراس قال بانه لا يعني القطيعة مع الإتحاد الأوروبي،ولكن حجم التداعيات حملت قيادة الإتحاد الأوروبي لعقد قمة طارئة غداً في بروكسل لبحث تداعيات الزلزال اليوناني،وكذلك زعيم المعارضة اليونانية اليميني ووزير المالية إستقالا على خلفية نتائج هذا الإستفتاء.الإستفتاء اليوناني أدخل الإتحاد الأوروبي في أزمة كبيرة،تنفيذ التهديد وإخراج اليونان من اليورو ،يعني عدم تزويد المصرف المركزي اليوناني باليورو وهذا سيضطر اليونان الى إعلان إفلاسها،ويترتب على ذلك خسارة جزء كبير من الديون اليونانية،والتي تخص أساطين الرأسمال الأوروبي المتوحش،والإذعان يعني المخاطرة بتمرد اوروبي آخر تعاني دوله من سياسة التقشف والشروط الظالمة (اسبانيا والبرتغال).
عدة سيناريوهات مطروحة في المرحلة المقبلة،على رأسها إجراء مفاوضات بين اليونان والاتحاد الأوروبي، إذا فشلت هذه المفاوضات، بحسب مراقبين فلا خيار أمام تسيبراس سوى الخروج من منطقة اليورو، وربما تشكيل تحالفات جديدة مع دول كروسيا والصين. خروج سيدخل اليونانيين في ضغوط وأزمات اقتصادية لبعض الوقت، لكنه في المقابل سيصيب منطقة اليورو بتخبط في أسعار العملة الأوروبية الموحدة والبورصة، بالإضافة إلى تهديد الاستثمارات الأوروبية في اليونان، واحتمال خسارة منطقة اليورو دولاً أوروبية أخرى.
هذه قيادة تريد مصلحة شعبها ومستعدة للتضحية ودفع الثمن في سبيل حماية تلك المصالح،فهي جاءت منتخبة من الشعب،وفق برنامج نالت ثقة الشعب عليه،ولم ترتعش سياسياً او تجبن رغم جبروت التكتل المضاد،في حين قياداتنا العربية والفلسطينية تعاني من عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة في قضايا عربية وفلسطينية كبرى ومصيرية،هذا الإرتعاش سببه الأول والمباشر،ان تلك القيادات همها الأول والأخير مصالحها وسلطتها،وليس مصلحة الشعب والجماهير،لكونها غير منتخبة ديمقراطياً من تلك الجماهير،وكذلك لكون هذه الجماهير أدمنت الذل والهوان،وحولت نفسها لعبيد ومرتزقة عند تلك الأنظمة،ولذلك أضحت عاجزة على ان تقول لاء لقياداتها عندما تفرط بأمنها وسيادتها الوطنية والقومية وحقوقها،أو تعمق من أزماتها الإقتصادية وتنهب خيرات وثروات بلدانها لصالح أسرها وعائلاتها ،فعلى سبيل المثال لا الحصر،ما يسمى بمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت في عام 2002،يجري ترحيلها من قمة عربية الى أخرى مع الهبوط بسقفها لكي توافق عليها "اسرائيل"،دون قدرة على ترجمتها الى فعل حقيقي على أرض الواقع،او إلزام "اسرائيل" بقبولها،بسبب عدم إمتلاك الإرادة والقرار،والتعامل بدونية مع الآخرين،وسيادة لغة وثقافة الهزيمة،وما ينطبق على المبادرة العربية للسلام،ينطبق علينا نحن كفلسطينيين،فنحن اتخذت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية قرارات استراتيجية في قضايا تتعلق بقضيتنا ومشروعنا الوطني،فكان قرار التنفيذية برفض العودة للمفاوضات إلا ضمن شروط وأسس منها الوقف الكامل للإستيطان وإطلاق سراح الأسرى،وانسحاب إسرائيلي من كل الأراضي العربية المحتلة عام/1967 تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية،ومرجعية دولية للمفاوضات،ولكن سرعان ما جرى التخلي عن تلك الشروط والعودة للمفاوضات دون ان يتحقق أي منها،وكذلك حال قرار المجلس المركزي في شباط الماضي بوقف التنسيق الأمني مع دولة الإحتلال،والذي نرى انه بدلاً من ان يتوقف يتعزز ويتطور...الخ من القضايا الجوهرية والمصيرية.
دول حوصرت عشرات السنين ورفضت ان تنصاع للإرادة والإملاءات الأمريكية والأوروبية وفي النهاية انتصرت بصمودها وإرادتها ووحدتها وصلابة موقفها الشعبي،كوبا الجزيرة الصغيرة (57) عاماً لم تذعن للحصار الأمريكي وانتصرت في النهاية،ايران(37) عاماً من الحصار،تحولت خلالها الى قوة إقليمية كبيرة مقررة في المنطقة،وها هي تحقق إنتصاراً كبيراً في فرض شروطها بالنسبة لبرنامجها النووي.
الأمثلة كثيرة ولكن غياب الإرادة والقرار والموقف،وتغييب الجماهير او غيابها،و"إرتعاش" القيادات السياسية المستديم لن يفضي الى تحرير او نيل حقوق،بل للمزيد من التراجع والإنهيار،نحن بحاجة الى قيادات امثال الكسيس تسيبراس،والقيادة الإيرانية والفنزويليه والكوبية وغيرها من قيادات أمريكا اللاتينية التي صنعت انتصارات لشعوبها، لا قيادات تستدخل الهزائم وتنظر لها على انها إنتصارات.

القدس المحتلة – فلسطين

CONVERSATION

0 comments: