تقليصات الأونروا.. إنتهاك لحقوق الإنسان/ علي هويدي

آخر ما كان يفكر فيه المرء بأن يكون تقليص خدمات منظمة من المنظمات التي أسستها الأمم المتحدة يشكل انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أطلقته الأمم المتحدة بمواده الثلاثين في 10/12/1948، وأن يكون الإنتهاك على مرآى ومسمع الدول التي نفسها تبنت المصطلحات السحرية كالديموقراطية والمشاركة وحرية الرأي والتعبير والمساواة واحترام كرامة الإنسان وعدم التمييز بين جميع أبناء البشر بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد..!   

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 والذي وافق عليه 51 دولة هو من أسس وكالة "الأونروا" في 8/12/1949، وتلك الدول الـ 51 نفسها هي التي وبعد ثلاثة سنوات من العمل المضني إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية، صاغت وتبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أصبح عددها في الوقت الحالي 193 دولة، أي أن من وقَّع على الإعلان العالمي للعام 1948 قد تبنى عملياً مضامين تأسيس الوكالة السياسية والإنسانية وهو الأمر الذي لم يتحقق لا سيما على المستوى السياسي الذي بدأ مع الفقرة الثانية من المادة 13 للإعلان التي تشير إلى أن " يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه"، ولا تزال هذه المادة معلقة أمام السماح للاجئ الفلسطيني بالعودة إلى بلده بعد 67 سنة من النكبة أمام تعنت صهيوني وتواطؤ دولي، على الرغم من أن قرار تأسيس الوكالة يستند الديباجة والفقرة الخامسة وكذلك الفقرة عشرين منه على القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لتاريخ 11/12/1948 الذي يؤكد على المادة 13 وكذلك على الحق في التعويض واستعادة الممتلكات..!

خلال أكثر من ستة عقود تعرضت وكالة "الأونروا" لأكثر من انتكاسة مالية نتيجة عدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها وأدى ذلك إلى تقليص في الخدمات يعاني منه اللاجئ الفلسطيني سواء على مستوى الإستشفاء أو التعليم أو الإغاثة.. لكن لم تصل يوماً إلى حد التهديد بوقف برنامج من برامجها بشكل نهائي إن لم تغطي الدول المانحة العجز المالي والتعهد باستمرار تقديم الخدمات ونتحدث هنا عن برنامج التعليم، وكذلك التهديد بوقف البرنامج الصحي الذي أعلن عنه صراحة سامي مشعشع الناطق الرسمي باسم "الأونروا" بتاريخ 26/7/2015، بأن الوكالة لديها من الأموال ما يكفي للبرنامج الصحي حتى نهاية العام 2015، أي بمعنى آخر، إن لم يتم توفير الاموال المطلوبة للبرنامج الصحي هو الآخر مهدد بالتوقف. هذه الحالة الخطيرة والإستثنائية بدأت مع المؤتمر الصحفي الذي عقده المفوض العام للوكالة بيير كرينبول في 14/5/2015 وأعلن فيه عن حالة من التقشف الحاد ستواجه الوكالة نتيجة العجز في الموازنة..!

توقف برنامج التعليم والصحة يعتبر إنتهاكاً صارخاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تشير المادة 25 من الإعلان إلى أن "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة للحفاظ على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الإجتماعية اللازمة.." كما تشير المادة 26 من الإعلان إلى أن "لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني.."..!

توقف برنامج التعليم فيما لو اتخذت "الأونروا" قرارها الرسمي بذلك، والتمهيد سيكون في النصف الأول من شهر آب/أوغسطس القادم..، يعني حرمان 479.519 طالب وطالبة في المرحلة الإبتدائية والإعدادية والثانوية من الحق في التعليم بالإضافة إلى الآلاف من طلاب مراكز التدريب المهني، وتوقف 22.646 موظف عن العمل، وإقفال حوالي 700 مدرسة وتسعة مراكز تدريب مهني..، يعني شطب 55% من الميزانية العامة للوكالة..!

إذا عجزت الدول المانحة عن الإيفاء بالتزاماتها المالية لسبب أو لآخر، واجب على الأمم المتحدة وحرصاً منها على الأسس والمبادئ التي انطلقت لأجلها، أن تبادر لتغطية العجز المطلوب من صندوقها المركزي، وأن تسارع لإنقاذ سمعتها أو ما تبقى من سمعتها بسبب "تغليبها المصالح السياسية على حساب مصالح قِيَم العدالة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان"..!

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 29/7/2015

CONVERSATION

0 comments: