تقول الكاتبة السعودية د.نورة خالد السعد صاحبة رسالة دكتوراه بعنوان "التغير الاجتماعي في فكر مالك بن نبي"في مقال لها:«ما نقوم نحن الكاتبات به من دور تثقيفي مجتمعي أسهم ويسهم في زيادة مساحة الوعي في المجتمع.. وجميعنا إن لم أكن مبالغة يهمه جداً معرفة ردود الفعل لمن يقرأ ما نكتبه. وأنا واحدة من هؤلاء. بالطبع يسعدني أن يكون تجاوباً إيجابياً ولكن لا يزعجني أن أقرأ العكس فلكل قارئ حرية التقبل أو الاعتراض.. يهمني جداً مستوى الحوار المطروح ورقى العبارة المكتوبة وموضوعية الاعتراض فالكتابة هي صورة الكاتب!ومن صدى هذه الزاوية ما ألمسه من تجاوب عدد من المسؤولين والمثقفين وعدد كريم من القراء والقارئات الذين تصلني ملاحظاتهم وأيضاً انتقادات بعضهم."
وما من شك أن الكاتبة الجزائرية فاطمة غولي يهمها ككثير من الكتاب أن تجد ذلك التجاوب الذي يمكنها من قراءة نفسها بعيون الآخرين/الرجال...فإليها والى كل مبدعة لم تحمل القلم إلا من اجل الإبداع والإبداع وفقط..أقدم هذه القراءة المتواضعة.
أبو يونس الطيب
التصنيف السردي أنثوي/ رجالي
لعل المتتبع لعديد القراءات النقدية والمقاولات والتحليلات الخاصة بالسرد النسائي في العالم العربي يجد نفسه بين عدة أراء يمكن بلورتها في رأيين اثنين ، فالري الأول وهو القائل أن هناك أدب نسائي و ضمنيا هناك بالمقابل أدب رجالي ونجد الراي الثاني القائل أن هناك أدب إنساني محض والمرأة هي شريك فاعل في عملية البناء والإبداع ويعتمد أصحاب الرأي الأول على عملية تحليل الخطاب سواء تعلق الأمر بعملية استنساخ المتن الحكائي أو المبنى الحكائيي "القصة والخطاب " مع التركيز على الجانب الاجتماعي والنفسي الذي تولد فيه النص حيث يؤكدون على تجسد هاجس إثبات الذات الأنثوية الذي يرونه من خلال اعتماد السرد النسوي على الاستبطان وتعمد إظهار الأنا كفاعل له فعل ورؤية كردة فعل وتصد ضد التهميش والانتقاص الذي تعانيه المرأة الإنسانة في العالم أجمع والعالم على الخصوص وفي هذا تقر الكاتبة هيلينسيكسوHelen Cixousبوجود "كتابات تحمـل بصـمات الأنوثة، اذ تصف النص النسائي بأنه نص لا ينتهي، نص يبدأ من كل النواحي في آن واحد، وتقترب لغته من لغة اللاشعور وتؤكد أنه لا ينبغي الخلط بين جنس الكاتب وجـنس النص. وفي مقامٍ آخر،"
ويؤيد الطرف الآخر رأيه بالقول أن الأدب مثله مثل العلوم الأخرى ومثلما يتم الاعتراف بإبداع المرأة في المجالات العلمية الأخرى دون تمييز فانه لا يمكن إلا الكيل بنفس المكيال في مجال الإبداع الأدبي ويرون أن الفارق الذي يعتمد عليه أصحاب الراي الأول فيما يخص نمط الكتابة والرؤية والتحليل مردة ليس إلى كونه جنسي الهوية وإنما اختلافه مثل اختلاف كاتب صحفي وكاتب فيلسوف وما التصنيف والقول بان هناك أدب نسائي إلا من اجل إظهار المرأة كأديبة في الوطن العربي وفي هذا تقول توريلموي Toril Moi أنجوليا كريستيفاJulia Kristiva لا تتبنى أي نظريـة عـن التأنيث في اللغة، ولا عن الأنثوية فهي لم تصرح بوجود لغة خاصة بالمرأة الكاتبة ...
والحقيقة أن أصحاب الراي الثاني القائلين بعدم وجود جنسين من الأدب لم يعتمدوا على أداة تحليل الخطاب باعتباره ضرورة ملحة تمكن من دراسة وتفكيك الخطابات وصولا إلى اللغة كألفاظ في سياقها الداخلي والخارجي باعتبارها لصيقة أو وليدة العامل النفسي المتأثر بظروف محيطه وما الكاتب إلا أداة وصل في دائرة خطابه فهم لم يعتمدوا على التحليل وإنما تخندقوا عن تعاطف اتجاه فئة نسائية ترى في تمييز أدب الأنثى تسلط ذكوري من نوع آخر وتمييز عنصري وفي الحقيقة هذه النظرة لا تخرج عن كونها ردة فعل لا واعية لا شك تسلكها المرأة برغبة الذات الأنثوية للتمظهر كرؤية فاعلة وليس مجرد ردة فعل .
إن تصنيف الجنس "الأنثى والذكر " في خانة المهن والقول بان اختلاف الأدب النسائي مع الأدب الرجالي مثله مثل اختلاف أدب الأديب الطبيب والأديب الرياضي والأديب الفيلسوف هو تجنعلى الاختلاف البيولوجي الذي تتميز به المرأة تميزا من شأنه أن يضيف لشخصيتها قيما ترفع من مكانتها الاجتماعية وتضعها موضع النصف الآخر للآخر /الرجل وهذا الاختلاف لا يمكن أن نصنفه تصنيف التناقص كما في تعريفات الجرجاني الذي يراه تقابل صفتين مختلفتين كل الاختلاف تتعاقبان على موضوع واحد ولا تجتمعان فهما ليس ضدان ولا نقيضين وإنما اختلافهما اختلاف تكاملي وفي هذا يقول الكاتب والناقد والمترجم المغربي محمد برادة "القصّة العربية،مجلّة آفاق العدد 12/10/1983 ص 135”يلتقي الرجل الكاتب والمرأة الكاتبة في اللغة التعبيرية واللغة الإيديولوجية،لكن هناك اللغة المرتبطة بالذات(ببعدها المثولوجي) من هذه الناحية يحق لي أن أفتقد لغة نسائية،فأنا من هذه الزاوية لا أستطيع أن أكتب بدل المرأة. لا أستطيع أن أكتب عن أشياء لا أعيشها. التمايز موجود على مستوى التميّز الوجودي.
إذا فالاختلاف المثولوجي والفسيولوجي من شأنه ان يؤثر سلبا أو ايجابيا على نفسية المرأة مثلها مثل الرجل وله أيضا تأثيره المباشر على كل أوجه التعامل فيما بينهما فالأمومة عند المرأة تقابلها الأبوة ولكن تختلف هاتين الصفتين فيما بينها اختلاف جذري لا يمكن إجراء مقارنة بينهما ....ولكن هذه التأثر أخذا وعطاء له انعكاسات تختلف في تأثيرها اختلافا جذريا بين الذكر والأنثى وتنعكس بالتالي على النشاط الذهني من تفكير ووجدان وإرادة وعاطفة وفي هذا يقول ديكارت ما أنا على التدقيق إلا شيء مفكر أي ذهن أو روح أو فكر أو عقل.. أي شيء يشك ويفهم ويتصور ويثبت وينفي ويريد ولا يريد ويتخيل ويحس أيضا ومن ثمة فان هذا كله هو مصدر كل إرادة وحيث لا إرادة لا استطاعة كما ذهب ديكارت، ولا يخفى على احد تلك الفوارق الاجتماعية الكبيرة في مجتمعنا العربي التي تحد من حرية الإرادة لدى المرأة وتضعها في بوتقة الاتهام ما من شك ان لها تأثيرها على النفس فتتولد لديها ديمومة دفاعية حذرة وهو ما يظهر على شكل تذويت يطغى في كل علاقاتها مع الأخر /الرجل وبالتالي نجد أثره في سردياتها ككاتبة.
وهذا لا يمنع من القوال بأن أصحاب الراي الثاني قد يؤولون نظرية التمييز بين الأدب النسائي والرجالي إلى كونها مجرد ردة فعل نتجت عن عدم تكيف "الآخر الرجل " اجتماعيا في ظل التغيرات التي يشهدها العالم العربي مع الوضعية الجديدة التي باتت المرأة تحتلها في المجتمع.
وبمكن القول انه في ظل هيمنه الأدب الرجالي على الساحة الثقافية العربية باعتبار الرجل هو أول من مارس اللغة متكلما ومؤسسا لقواعدها وكتحصيل حاصل محتكرا ومروضا إياها لخدمته مستغلا المرأة فيها كعنصر محسن، فان المرأة الأديبة ما من شك صنعت من الكلمة سلاحا «لتقاوم الرجل، فحولته إلى مستمع، وأدخلته في لعبة المجاز وشبكته في نص مفتوح، تقوم الحبكة فيه على الانتشار والتداخل والتبدل والتنوع. وتاه الرجل في هذا السحر الجديد» .
السرد القصير والحبكة النسائية
وتتضح هذه الحبكة النسائية بصورة عميقة في القصة القصيرة التي يمكن أن تعالج الحياة التي تبقى سراً " كما أوضح فرانك أوكونور فهي كسرد قصير تتلاءم واستطراد المواقف الفردية في مواجهة كل أنماط التسلط وهي عند فاليري شو: "انسجام بين المتناقضات، تفاعل بين التوترات والمقولات المتعاكسة" وباعتبار أن المرأة شخصية خارجة عن القانون الذكوري فان القصة القصيرة تعتبر ذلك المسرح المفتوح لاحتضانها وفي هذا يضيف وفرانك أوكونور: "يوجد في القصة القصيرة دائماً ذلك الإحساس بالشخصيات الخارجة على القانون التي تهيم على حواف المجتمع".
ومن هذا المنطلق نجد أن المجموعة القصصية "كما لو أن ..." للقاصة الجزائرية فاطمة عولي تقوم على ركائز وعناصر تتسم بتماهي الذات الكاتبة بالذات الساردة لتتجلى الهوية الأنثوية المنتفضة بضمير السارد "أنا "المتخفي تارة خلف المستتر "هي" المتقدة على ورق في صمت بحثا عن الذات الفاعلة التي ترى فيها طمأنينة النفس وابتعادا عن القهر والخوف والانتفاضة وهذا لا يعني" أن المرأة "الساردة " دخلت في صراع مع الآخر/الرجل من أجل إلغاء موقعه، أو تستثمر منطق الثقافة السائدة في أسلوب التهميش والتغييب، وإنما بهدف الدعوة إلى إعادة النظر في اللاتوازن الإنساني"
التحول من المفعول به إلى الفاعل
في المحكي الذاتي تطرح فاطمة غولي هواجس المرأة كانسان مقهور من الداخل يتجلى ذلك بداية من خلال اختيارها صورة الغلاف حيث غلب اللون البني الداكن المائل للصفرة على عموم اللوحة التشكيلية وفي ضبابية تظهر ملامح امرأة مكدودة العينين تبدو على محياها الحيرة وقد أحاط بها السواد كأني بالعتمة تأكل جسدها في إيحاء بالمعاناة والإحساس بالقهر، يعلو الصورة العنوان : "كما لو أن ... الذي يجمع بين تحفيز القارئ على الاجتهاد لملء الفراغ الظاهر في العنوان على شكل ثلاث نقاط ... من جهة ومن جهة أخرى فان له تفسير نفسي مرده إلى شعور ضعيف لدى الساردة لا يدرك إلا إدراكا غامضا ينفلت تواترا مع الاستمرار في عملية الاستبطان الوجداني والبوح الذاتي الذي يحاول الابتعاد عن المفعول به .. عنوان طُرح على سبيل التمني "لو" حرف تمنّ تضمّن معنى الشرط (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد على وجود فعل يريده التمني ، فنجدها تبوح على سبيل التمني كأننا بها تريد القول بنبرة الآسف""آه لو أن الذي بحُت به حدث قولا وفعلا "وتعني بذلك مقاومتها الشرسة وتصديها " للأخر/الرجل" .وإفراغ غضبها في وجهه دفعة واحدة للتخلص من القوامة المهيمنة .ومن أعراف مجتمعية تراها قيودا ليس بشكل مطلق لا محدود ولكننا نلمس مع هذا أنها لا تعمني الخروج خارج قيم مجتمعها السامية المستمد من الدين الإسلامي، وكتناص نجد أحلام مستغانمي تقول هي الأخرى على سبيل التمني في روايتها " الأسود يليق بكِ ": "ارقص كما لو أن.. لا أحد يراك ، غَنِّ كما لو... أنّ لا أحد يسمعك ،أحبَّ كما لو أن ... لا أحد سبق أن جرحك " وهنا نجذ أحلام الأنثى التي تملأ الفراغ وتبوح غاية لتمنى وتعبر صراحة عن الذات الأنثوية ومكامن القهر فيها حين تعلن صراحة جرحها الذي تسبب فيه الآخر/الرجل.
وفي تخطينا للعنوان إلى الإهداء يزداد التأويل رسوخا عندما نجده مختصرا مركزا في قولها:" إلى مرايا الروح في تشظيها" فالروح كما تُعرف بوجه عام على أنها مبدأ الحياة وفلسفيا هي الحقيقة المفكرة والذات التي تتصور الأشياء وما انكسارها وتشظيها إلا دلالة على وقوع ضرر عليها سيميائيا التشظي هو نتاج التحطيم الذي هو في غالبيته عند المرأة مخلفات معركة مع "الأخر الرجل" .تندرج ضمن كفاحها ضد فئة قوية مهيمنة أزليا " الثقافة المسيطرة"
سيمات الطبيعة البيولوجية والنمط السردي
قبل التوغل في النص الأول تضع الكاتبة عبارة كتوطئة أولى غاية في الأهمية من الجانب النقدي فهي تعزز بشكل واضح مبدأ إظهار الطبيعة البيولوجية للكاتبة في هذه المجموعة القصصية بل نجدها تتحدث منذ البداية دون مراوغة كذات أنثوية لإدراكها أن ما هي عليه هو حقيقة طبيعية ومن ثمة تبدي تلك المقاومة لسطوة الآخر/الرجل حيث تقول: «كما لو أنك كنت في مهمة وحيدة هي اغتيالي .. أكثير حين غدا العمر بحجم حنيني، فتعالى لحظة انفجار صدقي في وجه حقيقتك" ..هو انفجار الأنا " الضحية " لا شك في وجه الآخر /الرجل خلافا للصمت الذي أحاطت بها نفسها ومارسته قبل الانفجار " الشرنقة " "الصمت " اتقاءً لعملية الاغتيال التي تهدد كينونتها. وترى أن الحقيقة التي يزعم الآخر / الرجل امتلاكها هي مجرد واقع حال في انتظار لحظة انفجار صدقها.
هواجس امرأة والمحكى الذاتي
أمام هذا الإصرار على التحدي تبدو المغامرة ماتعة تحث القارئ على التوغل في "هواجس امرأة" تفضي بمكنونات الذات حيث يحظى الأخر/الرجل بالمكانة التي يطمح إليها كمحور تدور من حوله الأشياء وهو إقرار من الذات الراوية بحتمية وجوده فلابد من وجود ثنائية "أنا والآخر" في العملية الحكائية سواء أكان السارد ذكرا أو أنثى ولكن لابد من وجود الآخر/الرجل الذي يصنع القهر الذكوري في شكلية المعنوي او المادي ونجد ان توظيف ذلك في المتن الحكائي هو نوع آخر من الاستغلال يوازيه توظيف المرأة في المحكى الروائي باعتبارها " صورة أكثر رهافة وحساسية وأشد وضوحًا في تعبيرها عن الواقع من صورة الرجل... »( ).
وهكذا نجد الكاتبة تعطيه المكانة المجتمعية فتقول "كنت في نظري رجلا في أعلى درجات السلم "ص11 ومن ثمة تقول بلغة فيها من المرارة ما فيها: " لم اعد أجد مساحة بذاك الاتساع …وأتعبني الصمت البارد ..بعد تعب الحديث المميز بحضرتك .. " هو الجهر بمحاكمته ووصفه باللامبالاة التي تخفي التنصل من المسؤولية الطبيعية التي يتمتع بها في بيئته من خلال استبطان الوجدان "المحكي الذاتي" في حالة من الوعي والإدراك على شكل مونولوج حيث نجد فاطمة غولي هنا ترتكز على هذه التقنية النصية في عملية السرد فهي تمثل "الراوية والمروية" حيث تقول: «كم كنتَ رجلا وكم كنتُ طفلة.. كم كنتَ مخدرا بنشوة الأحلام ..وكم كنتُ مجرد مشاكسة لعالم ابتلع اليوم كل .. أحلامي "ص11 تتحدث بلغة الماضي حين كانت في حالة من اللاوعي "طفلة " لتعلن من خلال الحاضر كنص غائب عن انتفاضتها الواعية.
الذات "أنا "والذات "هي"
لم تكتف الكاتبة بالخطاب المباشر من خلال تذويت السرد بل تخطته إلى استعمال ضمير الغائب المؤنث في قصة " الشرنقة " ولكن ظل التذويت ظاهرا من خلال استمرارها في الثورة على الآخر/الرجل وعلى الذات وتكشف عن حالة اللاوعي مرة أخرى من داخل "الشرنقة" حين كانت تراه غامضا يلفه الضباب وكانت " مجرد نقطة ثابتة بلهاء في محيط يعج بالحركة " ص17 وفي حالة من الوعي تتخذ قرار الاختفاء لتعلن مرة أخرى انتفاضتها الصامتة تظل محاورة الآخر/الرجل هي اللغة السائدة في "سكرات التحول" بل ونجد التذويت أكثر طغيانا ويظل الرجل بسلبيته مصدر العذاب والقهر ومحل الشكوى و يتجلى ذلك في هذه الفقرة "صمتك –سيدي- في الوقت الذي كنت أقف فيه قبالتك كجندي ألبسوه خطأ " ص24 هذه السلبية التي ألبستها الكاتبة للآخر/الرجل في اللاوعي من شأنها أن تعزز حضور الذات برؤية نسوية .
تعود فاطمة إلى الكتابة بلغة الغائب المؤنث لتعلن ان الشجن لا ينتهي مستبطنة الذات في جو صوفي تشوبه الرغبة في استحضار روح الآخر/الرجل الطاغي المنفعل الذي تراه هذه المرة غريبا لا يتقن الاستماع لمعاناتها، ولكن نجد "هي " أنثى مقهورة تعاني حالة اللاوعي تقول "لعلها الآن خارج ذاتها خارج سلطان إرادتها " ص29 وفي نفس الوقت تحاول تسليط الضوء على نفسها فترسم المعاناة والاحتجاج بحس أنثوي رهيف حيث تقول "منذ الكلمة الأولى تساءلت لماذا لم تكاتبه حتى هذا الوقت؟ استرسلت في الكتابة غير آبهة ...ص29
في قصة ونشريس تدخل فاطمة لذاتها للحظات في المحكى السردي لتخرج منه في علاقتها بالمرجعية المحيطة بالنص فتحاول إنشاء أرضية ترتكز عليها وتصنع منها منظارا تطلق عبره رؤيتها للأشياء من حولها ومن ثمة تفكيرها لتترجم علاقة الذات بما حولها عن طريق الشخصية فنجدها صريحة كاشفة عن جوانب من شخصيتها " الكاتبة "
السيرة الذاتية ومادية المكان
كنوع من السرد الاطبوغرافيي "احتكاما إلى صلة الكاتب بالمكان الذي درج فيه ، هو أقرب ما يكون إلى نص يكتبه المكان بتقنياته وعلاماته الخاصة بوحي من الفاعل فيه؛ فالبنيـة فيه هرميـة، ماثلة في لغة النص وأسلوبه ، بشكل يلفت القارئ إلى مادية المكان" الأمر الذي يتراءى منذ الانطلاقة من خلال ذكر اسم "ونشريش" معتمدة على المرجعية الواقعية في توظيفها للتنقيح التخيلي المسرود ، فتصور للقارئ بحسها الأنثوي مناطق ونشريس وتقاليد الأعراس دون أن تبدي رأيا أو انتقادا وتسترسل في استرجاع ذكريات الطفولة التي كانت فيها طفلة وكان الآخر/الرجل طفلا مجردا من التاج الذكوري الطاغي في معركة متساوية فتكون الغلبة لها "وعدوت خلفه مقسمة أن ألقنه درسا لن ينساه ... أخرجت قرن الفلفل مررت به على كامل وجهه "ض34 ولكنها سرعان ما تعود إلى خط التذويت فتتقوقع خارج الذات لاستنباط الذات معتمدة بالكلية على المرجعية التخيلية فترسم حالة اللاوعي حين تقول "لقد طغى أخيرا على سمعي وصرت كائنا مفتوح العينين معطل الحواس الأخرى ولم أفق إلا بيد إحداهن " ض35 .
التشظي الزمني والسردي
ونحن على عتبة القصة السادسة يتراءى لنا وكأننا بصدد قراءة فصل من رواية كاملة كانت ذكريات ونشريس بمثابة السيرة الذاتية الطفولية حيث التقطت عدسة الباثّة صورا واقعية عن نشأتها في منطقة ونشريس الريفية الجبلية أثناء وفيها رصدت لنا بعض مواقف المراهقة الطائشة.و الملاحظ في هذه القصص تزاوج الضميرين، المتكلم " أنا "والغائب "هي "الأمر الذي أعطى مساحة اكبر للسارد في الانفتاح في استقراءاته النفسية ، والملاحظ أيضا أن هذا الخط المزدوج الذي انتهجته الساردة صيغ من الناحية الفنية على وتيرة واحدة ظهر فيها التذويت بطريقة شاعرية اعتمدت على عمليات والاستبطان واستقراء الذاكرة في عالميها الواقعي والخيالي
لتتفجر هواجس الذات كمرحلة عمرية تنتشر داخل المتن الحكائي فتصنع عامل ربط بين قصص المجموعة كلها ويتماهى كسيرة ذاتية انفتحت على بداية مستقبل غامض وماذا بوسع الإحساس المرهف أن يفعل؟ ...، غير انتهاج الصمت كعنوان وكمحطات ومواقف و رورد أفعال وكثورة أمام هيمنة الآخر/المجتمع الذكوري فينعكس على النص في بناءه ليتسم في عموم بنيته بالتشظي والانشطار من حيث السرد ومن حيث الزمن فنجد أن قصة "الصمت "التي يظل فيها الآخر صامتا قاسيا غير مبال كأنها تتمة لقصة "شجن لا ينتهي "فتشكلان قصة واحدة ولكنها تعرضت للتشظي ونرى هنا تلاحم هاتين الفقرتين وكل واحدة تنتمي إلى نص: "وفي جو صوفي في استحضار روحه الغريبة كتبت إليه."ص 29. أمسكت القلم ودون صورته المبثوثة على الورق كتبت .. استمرت في الكتابة بنهم ...ص 45 ثم هنا في نهاية القصتين نجد ذلك التمازج اللغوي الذي يجعل منهما قصة واحدة كدلاله على الذات الواحدة المتشظية حيث نجد الفقرتين: «وطلبا لبعض الراحة تنهدت بحجم كل رغبات التسامح والصفح عنه ولكن هيهات .. بتثاقل سارت نحو السرير للمرة الألف استملت الروح لدوامة شجن لا ينتهي ولكن من حيث التسلسل نجد أن قصة ونشريس ومشاهد الطفولة تفصل بينهما لتصنع التشظي الزمني كما سبق الإشارة إليه.
انتفاء الواقع وإدراك اللامحسوس "الرمزية "
أتساءل بضمير القارئ المتكلم إذا ما كانت الكاتبة قد رتبت قصصها بشكل يوحي باتصالها مع بعض من حيث النسق الزمني؟ فبعد تخطي "الصمت" الطلاق تسقط في "تلك الدائرة" وهي لا تعني بها إلا الفراغ والتيه والوحدة، الملل والرتابة في واقعها فنقف على هذه العبارات:" في سكون الليل يمتد...وشيء من الرحيل الأبدي،ص49 " استفزها الألم وهي تحاول انتفاءه واللجوء إلى عالم اللامحسوس بحثا عن السكن النفسي. تقفز فجأة إلى عالم الخوارق حين تتمثل تمثلت لها دوائر رسمتها بقلمها كأنها شيء فاغرا فاه حتى اتخذت شكل ادمي دبت فيه الحياة "ص50 لم يكن ذلك سوى هموم الماضي التي أخرجتها من دائرة الأيام .. كأنها تعني بالماضي تلك المعاناة المعبر عنها في سياق سرد مضامين القصص السابقة ، ولكن بمعزل عن المجموعة فإننا نجد أن قصة " تلك الدائرة " في بنيانها موغلة في الرمزية المثيولوجية فنجد الساردة استجلت دواخل نفسها مما وراء عالم الحس الخفي، و تصنع من الهموم غولا مخيفا يتراءى لها من العدم في سكون الليل ، حتما ستُستثار نفس القارئ أمام هكذا موقف وسيجد مشقة في فك رموزها وهو يستقرأ تلك النظم الكلامية التي لا تؤدي من حيث السياق إلى دلالة واضحة ، وتلك هي طريقة الرمزيين الذين ينشدون من خلال الغموض استثارة نفس القارئ من خلال نقل الحالة النفسية التي عايشها الكاتب بالطريقة نفسها. فالرمزية في الأدب بكل أشكاله هو " الإشارة بكلمة تدل على محسوس، أو غير محسوس، إلى معنى غير محدد بدقة، ومختلف حسب خيال الأديب، وقد يتفاوت القراء في فهمه وإدراك مداه بمقدار ثقافتهم، ورهافة حسهم , فيتبين بعضهم جانباً منه وآخرون جانباً ثانياً, أو قد يبرز للعيان فيهتدي إليه المثقف بيسر".
هل فقدت الراوية خيوط الحبكة ام أن المروى عنها هي التي ظلت السبيل، بالكاد أميز بينهما فهذه تدخل الطريق السريع بشكل مقلوب هروبا من البئر المهجورة في محاولة للنسيان والأخرى تستهل قصتها "زوج في حقيبة" بالقول: أنا الآن أبدو امرأة عاجزة... احمل قلبا باردا .. وقلما بائسا وارمق ما حولي بسكون بليد ... أنا الآن بوجه آخر ... امرأة تغازل الحكمة حين تختار انزواءها بصمت حذر ..." ص69 هناك الاستمرارية فالأولى لجأت إلى الهروب طلبا للانزواء والثانية انزوت مُحاولة النسيان ، وفي هذا النص ينتصب العنوان "كما لو أن" ... أمام القارئ كتأويل آخر يضع التساؤل في بوتقة الصراع النفسي لمرحلة ما قبل اتخاذ القرار ، هو تفسيرا آخر لاشك ينطلق من الصور الورائية التي ارتسمت في ذهن القارئ تواترا فيما سبق من قص حيث برودة الآخر/الرجل ولامبالاته وصمته والقسوة والمرارة التي عانت منها "أنا الأنثى " وأخيرا قرار الفراق فنجدا عملية السرد الحكائي تنطلق من حالة الوعي"الواقع " وتهوي في اللاوعي "الشرود في عالم الخيال "وهو ما تم التعبير عنه بحالة الانعزال طلبا للحكمة ولا تجد الساردة أسلوبا ابغ تعبيرا للاتكاء عليه في تفسير واقعها النفسي الا أسلوب الإيحاء للتعبير بوعي عن حالة اللاوعي ، تستحضر أفكارها ومشاعرها اللحظية وتطرحها على شكل صور لا متلاصقة وأفكار متنافرة ، بل وخارجة عن كل منطق في بعض منها لترسم لوحات سريالية غامضة حيث نجد هذه العبارات "حملت معولا وأجهزت على آخر الأوثان ...ظللت انبش الأرض بأظافري ...لقد قتلته أمس ...لقد أعلنت عن غياب رجل في ظروف غامضة " ولكن عند استقراء الإجمالي من خلال جمع هذه الصور ونحن نصبو لبلوغ البنية التبليغية في النص نجد لهذه الإيحاءات تفسيرها خارج الخطاب ، هو تيه ذاتي لاسترجاع صورة الرجل المثالي الذي كانت تعتقد يقينا انه مرآتها الأخيرة و أن الحب ضرورة ملحة لا يمكن تجاوزها والعيش بدونها ولكن هاهي تجد نفسها تحيا من غير ذلك كله ، وفي مرحلة التقوقع لا تجد من بد غير محاولة لملمته الآخر/الرجل في صورته المثالية لتلفه بين أوراق الإشعار وتدسه في حقيبة فتتجلى أنانية الأنثى ، مثلها مثل الصبية الصغيرة التي تحرض على وضع دميتها داخل صندوق ألعابها ولا يهنأ لها بال إلا وهي تغلق الصندوق بإحكام، ولكن حين تقول :" ظل القلب يراوح النبض بينه وبين الحقيبة ... مكنت لوجوده بوجودين .. وغيابين " هي حالة الوعي واللاوعي بين الذاكرة والواقع تصنع المخيلة عالمين متداخلين حقيقة الماضي بخيال الحاضر وحقيقة الحاضر بخيال الماضي في عملية بحث الروح الأنثى عن الروح /الآخر
أن ما يميز في هذه القصة "زوج في حقيبة " هو ذلك التوغل والشرود في الرمزية فتنحى كاتبتنا بذلك منحى الرمزيين ، وكان الإبداع حين اتخذت من الرمزية مطية مكنتها من استعمال ألفاظ وتراكيب نسجت منها صورا تترجم العواطف الأفكار زمن الحدوث بأسلوب إيحائي وفي هذا يقول تشادويك في كتابه الرمزية : "الرمزية فن التعبير عن الأفكار والعواطف ليس بوصفها مباشرة ولا بشرحها من خلال مقارنات صريحة ملموسة ، ولكن بالتلميح إلى ما يمكن أن تكون عليه صورة الواقع المناسب لهذه الأفكار والعواطف ، وذلك بإعادة خلقها في ذهن القارئ من خلال استخدام رموز غير مشروحة " ورغم ذلك الشرود في عالم الخيال فان استعمال أسماء بعض الأمكنة " المؤسسة الصحفية ،الشريط المتيجي من شأنه أن يربط تلك الصور كلها بواقع الواقع الذي مارست عليه عملية استرجاع وما تلك الأخبار التي كانت تظهر كل مرة في النص على شكل منولوج يؤثر في الأحداث ويعير من مجراها إلا نوع من التملص في السياق سلكته الكاتبة لعرض الانتقال المفاجئ دون إحداث شرخ والوصول إلى تفاعل الشخصية " الأنا " مع واقعها المرير، كل ذلك صنعته بقلمها الذي تقول عنه "ظللت اكتب .. واكتب ... واكتب، ثم أقرا واستفيق ... وأمزق... ثم لا شيء " ض71 " "لا شيء.. ثم القول البحث عن أشياء صغيرة ومثيرة ... قد تبني الحياة من جديد "ص 75 هي حالة الوعي الذي نكتشف فيه شخصية الكاتبة غولي فاطمة حين تقول "نشوة الكتابة يا رب لا تضاهيها نشوة "ص73.
الرؤية النسائية لأعمال العنف.
إن الفترة التاريخية المريرة "العشرية السوداء " أصفت على السرد الجزائري بعد انقضائها العنف المضموني كمرحلية .وهاهي فاطمة غولي تطل في قصتي "عبد النور " وما تبقى منهم "على تلك الحقبة التي اتسمت بالعنف والتقتيل لتصنع من عبد النور الدكاني الذي راح ضحية مجزرة رهيبة محورا لقصتها رصدت من خلاله الجو العام الذي ساد المجتمع في تلك المرحلة من عمر القاصة لتؤكد اهتمام الذات "أنا " بمواضيع أخرى كان لها تأثيرها السلبي على الذات "المرأة " باعتبارها الطرف الأكثر تضررا أما كانت أو أختا أو زوجة وما تؤول إليه حالها في حال فقدان المعيل دون أن تغفل للحظة عن نقل الإحساس الآني الملاصق للحدث " صباح يوم أفقت على جرح ينزف بعمق يوما دريت له سببا ولاح بريق اختلاج مفاجئ " ص53 وترصد لنا الكاتبة ردود أفعال العامة من الناس التي تجدها سلبية ولكن لا تحاول إطلاقا التركيز على هذه السلبية أو انتقادها أو تصدر أحكام بشأنها حيث تقول النظرات غائرة والبلدة في ذهول " ص 53 .. فكرن في ترك البلدة " ص 54 ولكنها في إيحاء تصنع المقارنة ببن مواقف بيني البشر من عمليات القتل وبين ذلك الحيوان الأليف "فوكس" الذي اتسمت ردود أفعاله الحيوانية بالوفاء في مرحلة انتشر فيها بين بني البشر الغدر والتقتيل والنفاق حيث تصف ذلك بالقول " ظل الكلب فوكس يقف لعدد لا يحصى من المرات يدور .. يصدر عويلا على طريقته ثم يرحل في صمت "ص93.
تظل القصة "عبد النور" من حيث موقعها مجرد حدث لا يفتأ القارئ أن ينساه حين تترائي أمام عينيه " ورقة للنسيان " محطة أخرى تعود من خلالها الساردة إلى الذات والى الاستبطان الوجداني العميق فيطفوا حادث المرور بما أحدثه من اضرر جسمية ولكن هذا الحادث " المحكى "ظل حيث المضمون والبناء السردي مجرد عناصر ارتكاز في حين تم التركيز بشكل بارز على علاقة الذات بما حولها بالكثير من الدقة والتفصيل مع التركز على ذلك الصراع الداخلي في محاولة لنسيان البئر المهجورة بأعماق الذات وما حوته من هموم فنجدها تقفز بين الواقع والخيال بشكل فجائي يدعو إلى التأمل ليس من حيث السياق فقط ولكن من حيث النسق ، الفقرة :تحت الأشجار كانت جراحي هادئة وقلبي ساكنا مطمئنا والبئر المهجورة بأعماقي تناوشني وأنا لا اسمع " ص 65 حتما هذا التمازج بين الواقع والخيال من شأنه ان يُحيل القارئ في رمزيته إلى المعاناة التي صادفها "هي و أنا " في مضامين ما سبقها من القصص لتؤكد نظرية التشظي الذاتي "التذويت " على مدار المجموعة القصصية التي تنحى فيها الكاتبة منحى الاستمرارية في كإجراء للربط الإيحائي في عملية السرد كلها .
الخاتمة
كاستقراء للمنحى السردي والحكائي الذي تواتر كخط سير في العمليتين يمكن ان نستشف خارطة كان منطلقها العلاقة بالآخر/الرجل التي اتسمت في بدايتها بالعاطفية مع غموض في الجانب الآخر/الرجل لتعمد ربما في عدم الكشف عنها ، ثم تجلت السلبية في صورة القسوة واللامبالاة والعنف كدرجة أخيرة قابلها"أنا" الأنثى بالصمت ومحاولة التكيف مع واقع حال مفروض ثم مرحلة اتخاذ القرار وظل الآخر/ الرجل مغلفا بالسلبية وكمرحلة متوقعة تأتي مرحلة اتخاذ القرار ومن ثمة ا الفرار والانزواء في حالة اللاوعي "مرحلة النسيان" ثم مرحلة التقييم وهي مرحلة الوعي " الكتابة والتذويت " يمكن أن يكون هذا المنحى الأدبي هو المنحى الواقعي ذاته الذي انتهجته المرأة في تعاملها مع واقعها الاجتماعي .
ترى الناقدة اللبنانية يمن العيد أن أدب المرأة ،يتميز بخصوصية ما، وإن بدت خصوصية غير طبيعية أو ثابتة، بل هي ظاهرة تجد أساسها في الواقع الاجتماعي التاريخي الذي عاشته المرأة" ونجد أن الواقع الاجتماعي التاريخي للمنطقة التي عاشت بها الكاتبة الجزائرية فاطمة عولي أضفى على كتاباتها خصوصية البوح و التذويت وتفكيك الذاكرة ٬والبقاء داخل قوقعة الذات حتى في تعاملها مع العالم المحيط بها .. وذلك باعتبار أن المجموعة القصصية كما لو أن.. هي التجربة الأولى لها وتجلى كل ذلك من خلال انصهار الذات وانسيابها في المحكى السردي باعتباره العنصر المحوري " أنا " و "هي" والذي أضفى على السرد تقنية التذويت النصية كنوع جديد في السرد الذي تبنته كثير من الكاتبات في العالم العربي والذي عبرته عنه الناقدة يمنى العيد بالخصوصية.
إن علاقة الكاتبة بالسرد في هذه المجموعة القصصية ظهرت كدلالة تضمُّنٍ بالسيرة الذاتية على صعيد السياق اللفظي فكان المحكى في غالبه بضمير المتكلم "أنا "ونجد بعضا من اللجوء إلى ضمير الغائب "هي " تحقيقا لمنحى الانفصام عن الذات طلبا لجمالية البناء الفني أو اقتناعا منها لضرورة نصية وصفية تكون أكثر عمقا لتوصيل الرسالة في أحسن ما تكون ولكن تظل الكاتبة بروحها الأنثوية ملتصقة كدلالة لُزومٍ بالمادة النصية التي تنقلها لتصنع متعة التلقي لدى القارئ وتصبغها بلون الأنوثة.وكرست بذلك مبدأ الاختلاف بين الأدب الأنثوي والذكوري تفكيرا وأسلوبا وفي هذا تقول (كارمن البستاني): "ليس لنا نحن " النساء والرجال" الماضي نفسه والأسلوب نفسه"مما يعني أن العلاقة بين الجنسين مبنية على فلسفة الاختلاف (بيولوجيا، عقليا، فنيا، ثقافيا..) فضلا على أن حقيقة اختلاف التفكير نجد مبررها عند ديكارت الذي يقول "العقل هو أحسن الأشياء توزيعا بين الناس (بالتساوي).. وإن اختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا بطريقة مختلفة".
تطرح الكاتبة فاطمة غولي أيضا تصورا آخر مغايرا أكثر عمقا عن الرجل من خلال التركز عليه حتى بدا ككائن غريب حين صورته إما صامتا باردا أو عنيفا غير مبال وهي بذلك تطرح إشكالية العلاقة الثنائية التي تربط المرأة بالرجل بنظرة نسائية حين ركزت في معالجتها للإشكالية على الجانب النفسي الذي يخفى عن الآخر/الرجل شريكا كان أو قارئا، وكذا الأضرار التي تلحق بالمرأة ككائن حساس جراء المعاملات الخشنة بعيدا عن العنف طبعا.
في كل متن النص القصصي "التذويتي"اعتمدت الكاتبة على الرؤية المستوحاة من الداخل ، للإيحاء بالمعاناة نتيجة المشاكل الناتجة في ممارسة العلاقة بالأخر/الرجل فغيبته كشخصية إيجابية وهي في اللاوعي سعيا منها لتغييب "الأنا" الذكورية المهيمنة على واقعها ،وفي مواجهة سلبيته اتخذت المرأة "هي" و "أنا" من الصمت وسيلة تعبير عن الرفض والثورة فكانت مسالمة اتجاه كل المواقف السلبية للآخر/الرجل ورغم ذلك نلمس بعض من التحدي الذي لم يكن عدائيا أو من اجل أن تصبح المرأة من خلاله عنصرا موازيا للذكر أو منافسا له كما هو الحال في كثير الكتابات النسائية و إنما كان من اجل تحسين وضعيتها طلبا لمكانه أكثر رفعة وفي المقابل نجد إن فاطمة غولي لم تحاول البتة تقديم الأخر/الرجل في صورة الفاشل كنتيجة لسلبيته ولكن في المقابل تركت انطباعا أفضى إلى أن الأنثى المثقفة لم تتمكن من أحداث أي تغيير للواقع من شأنه أن يذكر أو يتخذ كحل يقتدي به .
الجزائر يناير 2015
المراجع :
1. The Helene Cixous Reader, Edited by Susan Sellers (New York: Routdlge, 1994), p108
2. TorilMoi, Sexual textual poetis /Feminist Literary Theory (London &New
York:Routledge, 1985) pp. 75 – 76
3. المرجعين 2و3 مذكورين في دراسة نقدية بعنوان المقالة النسائية السعودية رسالة دكتوره "مينة بنت عبد الرحمن الجبرين المسهر"
4. معجم الفلسفة تعريف الضد 571 نعريفات الجرجاني للتناقض
5. التذويت في الكتابة النسائية للناقد المغربي عثماني الميلود
6. معجم الفلسفة ديكارت:التأملات، التأمل الثاني ط4 ص100-101
7. عبد الله محمد الغذامي، المرأة واللغة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2006، ص: 58.
8. فرانك أوكونور في الصوت المنفرد –مقالات في القصة القصيرة- ترجمة د. محمود الربيعي- مراجعة محمد فتحي-الهيئة العامة للتأليف والنشر- دار الكاتب العربي- القاهرة- 1969 ض 173
9. نقلاً عن كتاب تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة –د. مجدي دومة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- 1998- ص76.
10. فرانك أوكونور في الصوت المنفرد –مقالات في القصة القصيرة- ترجمة د. محمود الربيعي- مراجعة محمد فتحي-الهيئة العامة للتأليف والنشر- دار الكاتب العربي- القاهرة- 1969 ض 14
11. السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب - زهور كرام
12. رواية الأسود يليق بكِ " لأحلام مستغانمي : الصفحة الأخيرة
13. عنوان القصة 2 ص 15 من المجموعة القصصية كما لو ان ...
14. عنوان القصة 6 ص 41 من المجموعة القصصية كما لو ان ...
15. طه وادي، صورة المرأة فيالرواية المعاصرة، المعارف، مصر، 1984، ص: 53.
16. عبد الصمد زايد: المكان في الرواية العربية،ص62.
17. المجموعة القصصية كما لو أن ..الصفحة 46
18. المجموعة القصصية كما لو أن .. الصفحة ص 30
19. المعجم الأدبي , مادة الرمز، بيروت, جبور عبد النور : 1979,.ص 124 ..
20. كتاب الرمزية لتشارلز تشادويك ترجمة نسيم ابراهيم يوسف ص 41.42
21. يمنى العيد، "مساهمة المرأة في الإنتاج الأدبي"، مجلة الطريق، ع ٤، نيسان 1985م،ص 66.
22. المرأة والإبداع الدكتور عبد الرحمن التمارة
0 comments:
إرسال تعليق