بدأت الحرب العالمية الأولى في 28/7/1914، وانتهت في 11/11/1918، وخلال أكثر من أربعة سنوات من الحروب والمعارك الطاحنة، وعلى الرغم من أن أبرز طرفي الصراع قُوىً أوروبية، إلا أنه كان للحرب وتقسيمات مناطق الدولة العثمانية التاثيرات والتداعيات المباشرة على فلسطين وعلى مختلف الصعد الجيوسياسية والإقتصادية والإجتماعية والقانونية، فقد ظلت فلسطين تابعة للدولة العثمانية أربعة قرون من سنة 1516 وحتى 1918، وجاءت الحرب لتنهي حكم الدولة العثمانية، وليدخل الجنرال البريطاني اللمبي فلسطين في 31/10/1917 ليحتل كل من بئر السبع ثم غزة وتبعتها مدينة يافا ثم كامل فلسطين، وليطلق وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور وعده الشهير في الثاني من تشرين الثاني سنة 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا في نهاية القرن التاسع عشر في 29 آب/أوغسطس عام 1897 وكانت من أهم نتائجه، "إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن الهدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام"، وبقيت الصهيونية تنتظر الظروف المناسبة للإنقضاض على فلسطين. في العام 1901 حاولت الحركة الصهيونية إغراء السلطان عبد الحميد الثاني بالإستيلاء على فلسطين مقابل تسديد الديون المالية التي كانت غارقة فيها الدولة العثمانية وما بدأت تعانيه من التصدعات الإدارية في هيكلها وانعكاس هذا التصدع على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. رفض عبد الحميد العرض المغري وقال كلمته الشهيرة من خلال رسالة وجهها الى هرتزل " إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أنفسنا ونحن على قيد الحياة".
خلال فترة اندلاع الحرب العالمية وفي الوقت الذي كان ينشغل فيه قادة الدول في كيفية تسيير المعارك كانت أيدٍ صهيونية خفية تراقب التطورات، ولا تحسم موقفها تجاه أي من الفريقين المتصارعين تنتظر النتائج، لتعود وتستغل مشاركة أكثر من مليون جندي يهودي في الحرب بجانب الحلفاء ليتحول إلى نقطة قوة ولفرض أمر واقع على الدول المشاركة لا سيما بريطانيا التي كانت لها أطماع في المنطقة العربية لتكون سباقة بإطلاق وعد بلفور كمكافأة للصهاينة على ما قدموه من مساعدات لبريطانيا إبان الحرب.
استطاعت بريطانيا وبمساعدة الدول الكبرى وعلى مدى ثلاثين سنة هي فترة الإنتداب على فلسطين تحقيق حلم المنظمة الصهيونية والتمهيد لإقامة دولة "إسرائيل" وتسليم فلسطين كاملة للعصابات الصهيونية وممارسة النفوذ السياسي لفرض أمر واقع على الدول العظمى للإعتراف فيها على الرغم من معارضتها للقوانين الدولية كدولة إحتلال بعدم أحقيتها بوعد أو بتسليم إقليم محتل الى آخرين، والأنكى أنه وبعد مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى، فلا تزال بريطانيا حليفاً إستراتيجياً لدولة الإحتلال ولا تتردد في تقديم الدعم والمساعدات العسكرية واللوجستية التي تستخدمها في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم وبُناهم التحتية..، عدا عن العلاقات الدبلوماسية والتجارية.. والأهم الوقوف بجانب الإحتلال ودعمه معنوياً وسياسيا في المحافل الدولية لا سيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؛ وكأن الدول التي خاضت الحرب العالمية الأولى والثانية ومنها بريطانيا لم تتعلم من الخسارة الفادحة التي سببتها للإنسانية جمعاء، فقد قُتل في الحرب العالمية الأولى ما يزيد عن ثمانية ملايين جندي، وسبعة ملايين جندي آخر أصيب في إعاقة، وتدمير دول بأكملها، وقتل وتشريد وتهجير الملايين من المدنيين الأبرياء..
حاولت الدول العظمى تصليح ما خربته الحرب العالمية الأولى بإنشاء عصبة الأمم في العام 1922 وتكريس نظام عالمي جديد على أساس العدل والمساواة، لكن مع النفوذ الصهيوني فقدت دائرة العدل والمساواة أحد أبرز مُكمِّلاتها، إذ ضمت عصبة الأمم وعد بلفور إلى تشريعاتها. فشلت عصبة الأمم في تحقيق أهدافها واندلعت الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، لتنتهي بتشكيل هيئة الأمم المتحدة في العام 1945 التي عملت هي الأخرى على ضم تشريعات عصبة الأمم بما فيها وعد بلفور، ولتنتهي فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين بقيام دولة الكيان الإسرائيلي في 15/5/1948.
يأتي إنعقاد المؤتمر الأكاديمي الدولي في الثامن والتاسع من الجاري تشرين الثاني 2014، تحت عنوان "الحرب العالمية الأولى وأثرها على فلسطين – إرث مائة عام" والذي ينظمه في لندن كل من مركز الجزيرة للدراسات ومركز العودة الفلسطيني، وبمشاركة خبراء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ليشكل إضافة نوعية لأدوات الحراك الإستراتيجي لزوال الإحتلال وإسترجاع فلسطين، وليجيب عن تساؤلات ويناقش التحولات التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط نتيجة الحرب وفي القلب منها فلسطين. لعل إنتهاء قرن على الحرب العالمية الأولى وبدء قرن جديد، يمثل حالة من المراجعة السياسية والإنسانية والأخلاقية والقانونية الدولية، لرسم إستراتيجية جديدة هدفها إسترجاع الحقوق المعنوية والمادية التي سلبت ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، وفي المقدمة منها فلسطين.
*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 6/11/2014
0 comments:
إرسال تعليق