اليابان في ذكرى زلزالها وعاصفتها المدمرة/ د. عبدالله المدني

كان يوم الحادي عشر من مارس 2011 من أفظع الأيام على الاطلاق في تاريخ اليابان، بل أكثر مأساوية مما حل بها بعد كارثتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب الكونية الثانية. ففيه وقع خامس أقوى زلزال في تاريخ الكرة الأرضية منذ عام 1900 بقوة 8.9 على مقياس ريختر قبالة الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، وتلاه موجة مد بحري هائلة (تسونامي)، ومن ثم إنفجار في مفاعل فوكوشيما النووي تسبب بكارثة أتتْ على المنطقة برمتها، وأودت بحياة نحو 19 ألف شخص من الشيوخ والشباب والاطفال، ناهيك عن آلاف الجرحى والمفقودين والخسائر الضخمة في المباني والسيارات والممتلكات الشخصية التي قدرت قيمتها الإجمالية بأكثر من 500 مليار دولار. وقتها قــُدرتْ تكلفة إعادة إعمار ما تدمر بنحو 150 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
وبطبيعة الحال فإن تداعيات تلك الكوارث المتتابعة كان من المفترض أن تكون ضئيلة، خصوصا في ظل ما هو معروف عن اليابان من تفوق صناعي وتكنولوجي واقتصادي، وسمعة دولية في مجال إدارة الكوارث الطبيعية على إعتبار أن الأراضي اليابانية من الناحية الجيولوجية هي واحدة من أكثر مناطق العالم الناشطة على مستوى الزلازل وبنسبة 20% من زلازل العالم التي تتجاوز قوتها ست درجات حسب مقياس ريختر، وذلك جراء موقعها الجغرافي القريب من صفائح القشرة الأرضية. غير أن المصيبة كانت أكبر من أنْ يتوقعها أي إنسان وتجاوزت كل السيناريوهات التي كان من الممكن تصورها سابقا. 
ومنذ وقوع الكارثة، التي حلت ذكراها السنوية مؤخرا وأحياها اليابانيون بطرقهم الخاصة عبر الصمت المطبق وخفض النظر وشبك الأيادي وإيقاف العمل في حضور الإمبراطور أكيهينو وزوجته ورئيس الوزراء شينزو آبي ، أطلقت الحكومة اليابانية ورشة عمل ضخمة، وأعلنت حالة الطواريء، ورصدتْ نحو 19 مليار دولار لتسريع عملية إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي في المناطق المنكوبة، وبناء منازل آمنة للأفراد والأسر المشردة التي يقال أن عددها تجاوز مئات الآلاف. كما قام مصرف اليابان المركزي بضخ تريليونات من الين في سوق المال كي يواصل عمله بسلاسة، وبمضاعفة حجم خطته لشراء الأصول. 
وتفيد التقارير الاخبارية أنه تم حتى الآن إزالة معظم الركام المتخلف من الكارثة البالغ وزنه نحو 23 مليون طن، وتم تعبيد الطرق وإعادة تنصيب أعمدة النور في البلدات الساحلية المدمرة وبما ساهم في عودة الحياة إليها بشكل تدريجي. كما قامت الحكومة بوقف العمل في 48 مفاعلا من أصل مفاعلاتها النووية الخمسين تحت ضغط منظمات المجتمع المدني القلقة على صحة سكان السواحل من تأثيرات الإشعاعات، على الرغم من وجود تأكيدات من منظمة الصحة العالمية بأن الاشعاعات الناجمة عن انفجار مفاعل فوكوشيما لم تتجاوز مسافة عشرين كيلومترا من موقع المفاعل المذكور.
بل أن صحيفة الديلي ميل البريطانية نشرت صورا لما حل بالمناطق المتضررة، وصورا أخرى لها بعد إعادة تعميرها مع مانشيت عريض يقول: زلزال اليابان .. كأن شيئا لم يكن! وذلك في إشارة إلى سرعة تخلص اليابانيين مما حل بهم في غضون عامين لا أكثر، على الرغم من هول المصاب وضخامة الخسائر المادية والبشرية
والحقيقة أن هذا ليس بمستغرب على أمة استطاعت أن تنهض وتقف على قدميها مجددا خلال سنوات معدودة بعد تلقيها ضربة ساحقة ماحقة غير مسبوقة تاريخيا بالقنابل النووية الامريكية، وذلك من خلال التضامن والتكاتف ومواجهة التحديات بـ "الانضباط النفسي والحلم المجتمعي وقيم المشاركة المجتمعية والذكاء العاطفي وتحويل الخصم إلى رفيق درب في التنمية والديمقراطية والتعليم والابداع والابتكار وامتلاك التكنولوجيات الدقيقة" طبقا لما ورد في مقال كتبه مؤخرا معالي سفير مملكة البحرين في طوكيو الدكتور خليل حسن (صحيفة أخبار الخليج 1/11/2014). 
لكن المستغرب حقا هو أن تلجأ جماعة من الإسلاميين المتشددين إلى التشفي مما حل بالأمة اليابانية بالقول في مواقعهم الالكترونية الموبؤة إنّ ما حدث هو "عقاب رباني لهم على إرسالهم لقواتهم إلى أفغانستان والعراق لقتال المسلمين"، مضيفين "نسأل الله ان يرينا بهم ماتقر به أعيننا وتُشفى به صدورنا وتتقطع به من الفرح نياط قلوبنا". وهو ما أثار أحد المتابعين وجعله يذكـّر هؤلاء القساة الغلاظ المجردون من الانسانية بأن الاسلام لم يكتف باحترام الأحياء من أتباع سائر الأديان، بل فرض ايضا احترام الأموات بغض النظر عن مللهم ونحلهم، مستشهدا في هذا السياق بما ورد في صحيح البخاري بسند عن جابر بن عبدالله الذي قال "مر بنا جنازة فقام لها النبي (ص) وقمنا به، فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي! قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا". وفي رواية أخرى "كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا: إن النبي مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا؟". وكان هناك متابع آخر استفزه الأمر فكتب حول التناقض الذي يقع فيه هؤلاء بمعنى أنهم يدعون على اليابانيين بالويل وعظائم الأمور في الوقت الذي ينعمون فيه بآخر ما صنعته العقول اليابانية، إبتداء من مركبات تويوتا ونيسان وهوندا وانتهاء بكاميرات سوني ومكيفات توشيبا وتلفزيونات شارب. إنها والله لقمة التناقض! 
د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2014 
الايميل: Elmadani@batelco.com.bh

CONVERSATION

0 comments: