أيام/ عبدالقادر رالة

 اليوم عاد صاحب العمل من مسقط رأسه ، وبعد أن استراح قليلا جاء لزيارتي في البيت لما سمع أني اصبت بكسر في رجلي اليمنى. أدخله أخي الصغير الى البيت ، وطلبت منه احضار القهوة والبسكويت. وبعد أحاديث متفرعة ترجاني أن أعود الى العمل بعد أن أشفى ، فهو يعتبرني من أحسن عماله ... وفي تلك الأثناء دخل جاري مسعود ، وهو شاب بطال كان يرغب دائما في العمل عنده ، لكنه كان دائم التردد ، لأن الأخرين أخبروه أن صاحب العمل مثله مثل  كل الأثرياء  متكبر ، ظالم لا يعطي العمال حقهم كاملا ، إلا بعد أن يعذبهم!

وجلس معنا متعجبا من علاقتي بصاحب العمل العادية وانبساطه في الحديث معي دون كلفة الأمر والمأمور! وانتظر حتي خرج صاحب العمل ، فأراد أن يتأكد مما سمع من الأخرين أو مما شاهده الآن أمامه....فطمأنته وقلت له أن نظرة الفقراء عن الأغنياء دائما ما تكون خاطئة بسبب الحقد والحسد  ! واقترحت عليه لأن ينضم الينا إذا كان يرغب في العمل وقتل التبطل والفراغ ،فصاحب العمل انسان طيب ، وبأني أعمل عنده منذ مدة طويلة ولم تحدث لي معه أي مشكلة أو سوء تفاهم! ففرح كثيرا . وانضم الى العمال ، بينما بقيت أنا في البيت مطروحا على سرير المرض...وبدأ مسعود يعمل، فأسره العمل ووجد نفسه فيه مرتاحا...

وبعد عشرين يوما التقيت به وقد كنت بدأت اتحسن قليلا وصار بإمكاني المشي، فسألته عن العمل وصاحبه ، فقال العمل جيد ، وصاحب العمل انسان رائع! وأخبرته أني لما أتحسن سأعود الى العمل ، فقال بأني لا استطيع العودة ، ولا استطيع اتقان العمل مثله ! اندهشت لسماع مثل هذا الكلام الخالي من أي معنى! فقلت مبتسما : لما أرغب في العودة فإني أعرف مكان العمل ، ومسكن صاحبه....

ولما عدت كانت دهشتي أكبر ، إذ وجدت العمال تغيروا بسبب  مسعود الذي أوغر صدورهم ضدي! وصار يستفزني ، فتشاجرت معه ثلاث مرات ، ثم بدأت أتحاشه عملا بنصائح دايل كارنيجي... وانشغلت بعملي... دائما يصرخ في وجهي: ـ أيامك قد انتهت يا الماحي! وأيامي هي المقبلة....

لكن ما هي الا أيام حتى تشاجر مع صاحب العمل ، إذ طالب بالزيادة في الأجرة ، وقال أن ما يتقاضونه قليل جدا مقارنة بمداخيل صاحب العمل! وأن العمل مرهق فطرده صاحب العمل غير أسف عليه......

ووجدته مساءا عند باب بيتي ينتظرني ، وهجم علي يترجاني بأن أكلم صاحب العمل في شأنه، فهو لا يطيق الفراغ ، وكل مدخراته انتهت خلال الشهرين، ولا يقبل أن تستمر حياته روتينية خاوية! وأسفت لحاله ،فهو جاري قبل أن يكون ذاك الوقح الذي اراد الاساءة الي!

  لكن صاحب العمل رفض بشدة ، ورفض أن يستمع الي .....

قال صاحب العمل:ـ ذاك النوع من الشبان لا مكان له الا عند الحائط! ذاك شاب لا يحب العمل وانما يبحث عن الشغب! هل يعقل أن عاملا جديدا لم يمضي عليه اقل من نصف العام أن يطالب بالزيادة في الأجرة؟ هذا غير معقول! الفراغ سيعلمه قيمة العمل....

ولم أيأس فكنت دائما كلما التقيته أفاتحه في موضوع جاري مسعود، فصار يتفادني ويتحاشى أن يجلس معي أو يحادثني......


CONVERSATION

0 comments: