الكابتن ماجد/ عبدالقادر رالة

 كان فصل الشتاء هو الموسم المفضل للعب بالكريات الزجاجية الصغيرة، وفصل الصيف موسم كرة القدم....وفي فصل الصيف تحتدم المنافسة في المباريات التي يشارك فيها الأطفال من جميع أحياء مدينتنا الهادئة....وفي كل موسم تمتلأ الملاعب الترابية بالتحدي ،الحماس ،الشجار والدموع... تسيل الدماء بغزارة... بسبب التدخلات العنيفة بين اللاعبين ،فلا تكاد مباراة واحدة تخلو من سقوط اللاعبين ،أو الارتطام العنيف بينهم  وتتدفق الدماء على أرض الملعب.. من الركب.. من المرافق...من الرؤوس...والأروع أننا ننسى كل ذلك بمجرد أن نشرب المشروبات الغازية والبسكويت التي يدفع ثمنها الفريق الخاسر ،ونشرع في التفكير في المباراة القادمة أما إذا أصر الفريق الخاسر على التحدي مرة أخرى لأجل الثأر فالثمن يتضاعف  التفاح والإجاص....
   هذا الموسم كان مميز جدا، وسر تميزه أن التلفزيون الوطني يبث المسلسل الكارتوني الكابتن ماجد الذي زاد الملاعب اشتعالا والتحدي عنفوانا....فملأنا حماسا، وصار كل لاعب يريد أن يفرض نفسه الكابتن ماجد في الملعب....وكل طفل يتخيل نفسه بسام!...وكل حارس مرمى يجزم بأنه رعد....!
   كان فريقنا فريق الخشة هو ثاني أقوى الأفرقة  الاثنا عشر ....لكن هذا الموسم كان صعبا علينا  بسبب تأثير الكابتن ماجد ورفاقه في لاعبي الأحياء الأخرى! هذه هي المرة الأولى التي يسجل علينا فريق "طريق الجامع" المتواضع ثلاث أهداف! بدون أن نسجل ولا هدف واحد....احتار هدافنا حكيم! و يأس الماحي! وقلق هواري....كل الفريق اهتز وتشتت تركيزه وامتصت الهزيمة لياقته!....كل مهارتنا وخططنا كانت تتحطم عند اللاعب الجديد الضخم مرزوق! مدافع عنيف يسقطك بدون أن يبذل جهدا وانما يتركك ترتطم به! أسقطني أربع مرات.....
    لم يستطع صديقنا فيصل تجاوزه ولما حاول أن يدفعه كاد مرزوق أن يسقطه...فيصل كان اللاعب الوحيد  الضخم في فريقنا.... تماسك ثم صرخ فيه غاضبا:ـ العب بتأني يا ابن الحركي!...   ابن الحركي!...توقف جميع اللاعبين عن الركض! بل الزمن نفسه توقف !كلمة جديدة لأول مرة نسمعها في الملعب تختلف عن كل الكلمات البذيئة التي كانت تملأ ملاعبنا!
 ـ ماهذا الكلام يا فيصل؟.....
ـ فيلعب بتأني! كاد أن يسقطني!
توجه اليه مرزوق  وضربه برأسية قوية ثم اشتبكا بعنف...حاولت أن أفرق بينهما....وجاء أصدقاء مرزوق واحشدوا وراءه....صرخت:
ـ لا...لا...ياجماعة...لا تفسدوا المباراة بالشجار!
قال أحدهم:ـ ألا تسمع ما يقول لاعبكم؟ انه يشتم صديقنا!
فرد فيصل بتوتر:ـ أنا لا أشتمه وانما أقول الحقيقة! هو إبن حركي...وأنا أبي دركي ..وان كنتم لا تعرفون ذلك فاسألوا أباءكم!...
 لم يستطع مرزوق السيطرة على نفسه فانقضى على فيصل...واسقطه أرضا...تبادلا اللكمات... كنا ننظر ولا نستطيع أن نفعل شيئا ..فإن تقدم أي واحد منهم أو منا فسيشترك الجميع  في العراك ويكبر فيفسد الاستمتاع بكرة القدم الجميلة...ويتحول الثأر من تنافس كروي الى عراك تافه!
  وفي الغد لما تذكرت العراك سألت والدي عن عرقوب هل فعلا كان حركي؟...
ـ من قال ذلك؟ اياك أن تذكر ذلك أمام أولاده!
ـ فقط أريد أن أعرف يا والدي!
ـ بعد الاستقلال فر الى فرنسا... ثلاث من أولاده ولدوا هناك...ولما هدأت الأمور عاد الى الوطن...زمن الحرب تعامل مع كل المعمرين والقادة العسكريين...وأهم عمل اشتهر به هو قيامه بإبطال مفعول قنبلة يدوية رماها أحد المتعاطفين مع الثورة في عربة ماسيو لا بروف الخبيث! وبما أنه ابن المدينة ..ونعرف والده وجده...لا نحاول أن نذكره بذلك...حتى اولئك الذين تعرض أباءهم واخوانهم للتعذيب أو استشهدوا بسبب وشايته....سامحوه...الحمد لله لقد استطاعت بلادنا أن تتجاوز جراحها...وقد مضى ثلاثون سنة على الاستقلال. .فيجب... وبالأخص أنتم...الأطفال...افتخروا بالأبطال ولا تنشغلوا بصراعات الماضي...انتم ..يجب أن تتطلعوا نحو المستقبل...يكفي الخونة ما يشعرون به من تأنيب ضمير....
ـ بالفعل هذا ما حاولنا جميعا قوله لزميلنا فيصل! لا يعنينا ما كان يفعل أباءنا.....
ـ فيصل ! والده دركي. ...لذلك يعتقد أنه الوحيد الذي يحب الوطن ويغار عليه! وأمثال والد فيصل كثيرون، لا يزالون يتوجسون من الحركى ولا يثقون فيهم...الذي خان بالأمس يخون اليوم وفي أي لحظة تتاح له...حتى وإن كان اعتقاده صحيحا... لكن ما كان عليه ذكر ذلك أمام أولاده...على الكبار أن يتركوا الصغار وشأنهم ولا يفسدوا عليهم الاستمتاع بالصداقة واللعب والمرح...,أيضا....
ـ حديثك شيق يا والدي!....لكن إني أسمع موسيقى شارة البداية الخاصة بالكابتن ماجد...
الكابتن ماجد
نجم خلاب متجدد
يعرف أن اللعب مهارة....

CONVERSATION

1 comments:

محمودي انور من الجزائر يقول...

مقالاتك رائعة وأنت من الكتاب الذي يكرسون ابداعهم للريف والاشياء البسيطة في حياة الانسان..نتمنى أن تستمر وتصبح كاتبا معروفا ومميزا بهذا النمط من الكتابة الذي يفتقده أدبنا العربي والجزائري خصوصا