ليلة عاصفة/ عبدالقادر رالة

  رفضت طلب أمي بأن أنام لأني غدا سأنهض باكرا لأجل المدرسة.. تريد أمي أن تصفعني لكن جدتي تمنعها ...كان أخي الصغير مستغرقا في نوم عميق ولذيذ، أما أنا فلم أستطع النوم...
ـ لا أعرف لماذا تصر هذه البنت أن تبقى لهذا الوقت المتأخر من الليل البارد؟!

تصمت جدتي ولا تجيب... لم يعرف النعاس طريقه إلي لأني رأيت أمي وجدتي مضطربتين  ...

سبب ذلك الاضطراب الشديد هو القلق على والدي الذي لم يعد بعد...وعمي الذي ينتظره، بين الحين والأخر يطل من غرفة نومه، يتحسس وقع أقدام أو دق على الباب الخارجي الخشبي....كانت ليلة شديدة البرد من ليالي جانفي ...تساقط الثلج هذا العام بكميات كبيرة ، وابيضت الارض ،وفي الليل ينعكس ضوء العمود الكهربائي الذي أمام بيتنا متلألأ على تلك الأرض البيضاء....
   
من وراء الباب الخشبي تناهت الى سمعي دقات خفيفة فأسرعت أريد أن أفتح...لكن عمي أمرني بشكل مفاجئ....
ـ ارجعي إلى غرفتكم!...
  وقفت وسط الفناء...نظرت إلى جدتي فأشارت إلى بالعودة...

. فتح عمي الباب...دخل أبي يترنح ثملا...أوقفه عمي ثم أمسكه بشدة من ياقة معطفه...
 
 ـأين كنت ؟ ألا تخجل من نفسك؟ دائما مخمور!
 
ـ لا داعي لأن تنتظرني أو تقلق لأجلي! ابنتي ، أو زوجتي تفتح الباب!
                                                                   
ـ الليلة أريد أن أتحدث معك...علي أن أوضح بعض الأمور.....
                                                                                
ـ أي حديث؟ إذا كنت تقصد البيت...بيت الوالدة..لا رغبة لي فيه ومستعد للتنازل عن حقي فيه...لكن اصبرعلي فقط بضع أشهر حتى أنهي بيتي...
ـ لا أقصد هذا! فهذا أمر واضح ..وإنما التحرش بزوجتي!

 صمت أبي ذاهلا...صفعه عمي بقوة حتى أسقطه على الأرض.. ركضت  جدتي نحوهما  حافية القدمين وهي تصرخ:ـ أسكت! أيها الحقير ...ما هذا الكلام ! ألا تخجل من قول هذا أمام ابنته! عيب، رجل مثلك وبموستاش أسود يستمع الى زوجته الـ.....
 حاولت جدتي أن ترفع والدي من على الأرض......
                                                                                                
ـ لم أتصور أبدا أن تكون حقيرا بهذا الشكل! أخوك .سكير..لكن كل الوقت الذي قضيناه في هذا الحي ما اشتكى منه أحد من الجيران أو قال أنه أخطأ و دق على باب أحدهم! بل الجميع يمدحونه لاحترامه لهم!
 ـ ما أريده هو أن لا يبقى في بيتي ولو لليلة....
                                                                                                       
ـ بيتك! لم أكن أعلم أنك ورثتني وأنا حية!..... 
 بعد يومين تعمدت اختلاس السمع ، وأنصت إلى حوار بين أمي وزوجة عمي، جدتي لم تكن بالبيت....
ـ أستحلفك بالله العظيم! وبحق أمك الغالية ، وإبنك العزيز....أن تقولي لي الحقيقة ! هل فعلا تحرش بك مروان أو نظر اليك نظرة تختلف عن نظرة الأخ الى زوجة أخيه؟!..بحق...
ابتسمت زوجة عمي:ـ لم يفعل...وإني لن أنسى  أبدا صنيعه معي لما كنت حامل بإبني الأول.. لولاه لما كان مُد لي في الحياة.....
ـ الحمد لله!  لكن لماذا الكذب وتسويد قلب الأخ على أخوه؟!
 ـ أعرف أن الأخ لن يفوت أخاه! وأن الدم لن يفرط في دمه! لكن لي أربعة أولاد يجب أن أفكر فيهم وأقلق على مصيرهم...وزوجك استطاع أن يشتري قطعة أرض....
 ـ لكن ليس بهذه الطريقة!...
   لم يمضِ وقت طويل حتى رحلنا الى بيتنا الجديد. وكان عمي وزوجته وأولاده يزوروننا بين الحين والأخر ، فتستقبلهم أمي بالترحاب ونمضي الوقت في الضحك واللعب وتبادل ذكريات طفولة عمي وأبي، وجدتي تروي أيامها الجميلة معى جدي الله يرحمه!و الأكيد أن لا أحد يرغب في تذكر تلك الليلة العاصفة....
/ الجزائر

CONVERSATION

0 comments: