امير الشعر يونس الإبن مكَرَّماً في بلدته مزيارة


الغربة من فريد بو فرنسيس

أقامت بلدية مزيارة حفلاً تكريميًا للشاعر يونس الإبن، وذلك برعاية معالي وزير الثقافة الأستاذ غابي ليون ممثلاً برئيس الاتحاد الفلسفي العربي الدكتور أدونيس العكره، في نادي شبيبة مزيارة. حضر الحفل عدد كبير من مسؤولي، رؤساء بلديات المنطقة ومخاتيرها وأصدقاء ومحبي الشاعر الكبير في مزيارة. البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناني أدته جوقة رعية مزيارة والمطرب سركيس رفول. من ثم كلمة شعر ترحيبية من الأستاذ إيليا رفول خاصة بابن مزيارة ومؤلفة من أبرز أعمال يونس الإبن: "لبنان وطنٌ عشقه يونس الإبن ونظم فيه أجمل الأشعار، هيامه بهذا الوطن لا يوصف، وبشعره، أصبح يونس أباً للبنان. هنيئاً لمزيارة بهذا المجد! بهذا الشاعر الذي صار الخيط والغزال والمغزَل!  فمزيارة هي أم الصبي، والأم هي الأولى للاحتفال، أبناؤها حلقوا مع الريح إلى كل أرجاء العالم، وأينما كانوا، كانت مزياريتهم ترافقهم وبها علوا أينما حلوا."
ثم كانت كلمة البلدة ألقاها رئيس البلدية المهندس ريمون الشدياق: قال فيها "أقف بينكم اليوم وقفة عز لأن البلدية تقوم بتكريم كبير من عندنا ملأت أشعاره المغناة أرجاء الدنيا في لبنان وبلاد الاغتراب فبفضله كم من "مروان" شده الحنين وعاد إلى "قطعة السما اللي ثاني ما إلا". فهذا الكبير ساهم مساهمة فاعلة في رفع مستوى الأغنية اللبنانية وغنى كبار المطربين أشعاره فخلدهم وخلدوه. وبلداتنا الأربعة أي مزيارة وحرف مزيارة وحميص وصخرة التي تتشكل منهم بلديتنا ذخرت وتذخر بأشخاص عديدين رفعوا اسم بلداتهم عالياً وهم جديرون بالتكريم ولعل هذا الاحتفال اليوم هو الباكورة. فاهلاً وسهلاً بكم! أما إنت يا أستاذ يونس، لك مني كل محبة وتقدير وإذا جئنا للشعر، فانت نسر ونحن أمامك عصافير.
يونس إنت بيّ وابن   
والكلمي حبكتا أشعار
إحساسك نثر نشرتو   
اسمك باقي مع الكبار
كل يوم بنكها جديدي   
صورا لمعت بالأنوار
بكلمي ما فينا نكافيك   
ولا تفكر حا لك ختيار
روح الشب بقلبك بعد   
بيحبوك كبار صغار
والدنيي شفتا من فوق   
عندك نظرا وطبعك نار
بركان بيغلي وبيفور   
وبيطلع ورد وازدهار
عطيت سقيت الكلمي الحرف   
مزيارة إمك بتغار
جوات ضلوعا تخبيت   
واسمك رح يبقة تذكار"
بعده كانت كلمة رئيس تحرير جريدة الشرق الأستاذ خليل الخوري، الذي بدأ كلامه بمدح "مزيارة":
أميرة البلدات وعروس الروابي التي فيها يطيب الكلام ويحلو. ومن على روابيها الشامخات، انطلق ذلك المزياري، يجوب الآفاق، فيضيف إلى دفق الأمازون من طاهر عرقه، وبه يروي رمال أفريقيا.. وهو عرق العافية، والإرادة والإقدام، وهو خصوصاً عرق المحبة والإلفة. فهي لؤلؤة هذا الجبل الأشم، المشعة أبداً بعطاء أبنائك، منارةً للدين والدنيا." ومن ثم تحدث عن يونس يوسف يونس، صديقه الصدوق منذ الصغر: شكل، دائماً، لغزاً جميلاً في خاطري. فمنذ أن خطوت أولى نقلاتي على درج هذا البيت الذي نشأ فيه العباقرة، كان يونس جاذباً لي، موضع إعجابي، مرتع محبتي، مثارةً لاهتمامي. أول ما جذبني خطه المشرق، فبيانه الأكثر إشراقاً في لغةٍ متينةٍ على يسرٍ، ويسيرةٌ على تمنُع. كان يونس، يثير فيّ غيرةً مفهومة: لماذا يستقطب هذا الاهتمام؟... قال جورج اسحاق الخوري عن يونس: "يونس يونس مثل الدهر، ساعة معك، ساعة عليك". لكني أدركت ان يونس لم يكن سويعاتياً في المع والضدّ، إنما هو من القلائل الذين لا يتخلون عن صديق، ولا يطعنون في الظهر، ولا يسيئون الأمانة. هو الشاعر الألمعي الذي سبق عصره في الانتفاض، شاباً، على واقع وتقاليد ومسلمات، يمثل لي، اليوم، ذاك الزمن الجميل الذي نتوق إليه في غمرة هذا الزمن المتمادي في الرِدة والرداءة. أنت العبقري الذي علمتنا الانتفاضة بقصيدتك "نعم، أنا شاعر فقير".. أنت الأغنى يا يونس. وأنت الأبقى يا يونس."
الشاعرة و الفنانة التشكيلية باسمة بطولي قالت في كلمتها: "أما ليونسنا.. فاليومَ ها نجد.. على براعته المعطاء قد سهروا.. تكريمُ.. يا لتكريم الكرامِ لنا!.. يغلّ فينا كما في ليلنا السحر، نحبه، نشتهي لو حبنا نهر، يؤبد الخصب في أوراقه النهر، على نضالاته، نهمي هناءَ غدٍ، يطل زهو ربيعٍ ما همى مطر لو استطعنا لخلينا الحياة ضحًى لديه.. من بعده لا يغرب العمر له انتزعنا نجوماً من أسرتها تصحو بتاجٍ لملكٍ ليس يندثر وما ارتضينا كنوز الأرض نثرها عليه عطراً كفى تاريخه العطر في عجزنا قد نعزى بالردى... قلقاً أمام ما خطّ إذ يجثو ويعتذر وقد تفنن في إركاعنا قدرٌ، إذ بالفنون قضت أن يركع القدر.."
ثم كانت كلمة تحليلية لشعر يونس الإبن من النقيب الشاعر أنطوان رعد:  "لقد نلت هذه العشية حظوتين دفعة واحدة: مرة لأنه أتيح لي أن أزور مزيارة هذه البلدة التي كسر الله إزميله بعد أن نحتها واستراح، وأنا لم أزرها من قبل، ومرة لأنه أتيح لي أن ألتقي للمرة الأولى يونس الإبن هذا الشاعر الذي صلى للجمال، لكنه لم يصم يوماً عن أطايبه وطيباته. يونس الإبن شاعر مؤمن ومشرك على حد سواء، مؤمن بالجمال مشرك بالنساء ومجموعته ألف ليلى وليلى لا تشي بهذا الأمر فحسب، بل تعلنه على الملأ وعلى رؤوس الاستشهاد إيماناً منه بان التقية في الحب حلالاً كان أم حراماً تدنس قدسيته وتلغي شرعيته. وهو شاعر متعدد المواهب مثلث البركات عشق الفصحى كما عشق العامية وقد جمع العشيقتين فوق سرير واحد دون أن تقع حرب الوردتين، فخرجت الفصحى راضية، وانتنت العامية مرضية أما هو فقد ظفر بالنشوتين. وفي غفلة من الزمن خان العشيقتين إذ راود الفرنسية عن نفسه، فوقعت هذه في التجربة وأنجبت الخيانة قصائد فيها من خفر العذارى ومن إغواء بنات الجن. إن ثمة ثلاثة يحاورون الله تجربة وإنطلاق ولا يخافون: المجنون والسكران والشاعر. وقد تسنى ليونس الإبن أن يجمع هذه الأقانيم الثلاثة في شخصه فكان الثالوث الشيطاني: فقد سمح لنفسه بان يرفع الكلفة بينه وبين الله، فمازحه كما لو كان واحداً من أترابه، وسبحانه لا يستسيغ المزاح، وتمادى في عبثه فعاتبه ولامه، وبلغت فيه الوقاحة حد اتهامه بالتجسس والحقد، ولم يلبث أن ساقه مخفوراً إلى قوس المحكمة."
المحامي هنري خوري القى كلمة تفسيرية لشعر يونس الإبن مستوحاة من مجموعة أشعار له جاء فيها: "بلغ يونس الإبن في شعره الأصقاع الإرتيادية والنائية حيث يتجلى الشعر المتألق في مجال الوطنية والحب والمجتمع. إن في شعره عاملاً تجسيدياً قلما يتنبه إليه النقاد وهو عامل الإيقاع النفسي الذي يتصل بخلق الجمال أكثر مما يتصل بالزخرف والبراعة. شعره هو شعر الحياة والتنوع وهو يختلف تماماً عن شعراء القصيدة النثرية. في شعره، صياغةُ محترفٍ ناجحٍ كسرت جمود الشعر الغامض وجعلته مفهوماً ومأنوساً: هو يهرب من القواميس والمعاجم إلى لغة الناس يخطفها من الأحاديث اليومية ويلتقطها من أفواه الناس ويبث فيها بعض عطره الشعري فكأن لشعره كيمياء تحول ترابيات الألفاظ إلى درر وجواهر.  أما غزله فهو عبارة عن تجربة ذاتية، حيث كان يعيش حالة الحب التي يعبر عنها في شعره، وبذلك تتخذ بعض القصائد طابع المذكرات الشخصية التي ترسم صورة شبه واضحة لشخصية الشاعر. يونس الإبن: هو المرتل في هيكل الحب والوطنية، لا يشبه صوته أي صوت، ما عرف الحبر يوماً، بل كتب بدمٍ وعرقِ جبين وعصارة روح... ينطلق من حروفه نفح طيبٍ كأنه البخور من أرز لبنان. شعره حديثُ الحياة، وتجميلٌ لواقع وتجويد لقول وتخليد لعاطفة، نحبه لأننا نرى فيه غنى المحتوى ورقي المستوى الذي يقودنا إلى محجة الحكمة والفن والجمال."
كلمة الشاعر يونس الإبن كانت عبارة عن قصيدة له بعنوان: "خناقة مع الله"، بعدها سلم ممثل وزير الثقافة الدكتور أدونيس العكره درع تكريمي للشاعر وكانت له كلمة بهذه المناسبة وقال: "اليوم يدهَمُنا زمنُ العمل المحتاج إلى نضالاتٍ من الأصعب والأشرس: إنه العمل على الخروج بالتعلم والتثقف والاطلاع من دفاتر العلامات والشهادات الورقية إلى الساحات العامة وإلى الفضاء العمومي من خلال الإنتاج الفكري والإبداع الثقافي المتمكن من أصول الجماليات ومبادىء الخير وقواعد الحق، وكلها مناخات متماهية يتولد من طياتها الشعر، ويولد من تزاوجها الشعراء فيرسمون بالكلمة وموسيقاها مشروع تربية على الثقافة المواطنية. إن شاعرية هذا المشروع تقوم على الإنهمام بتكوين المواطن في بلادنا بما يرسخُ وحدة الانتماء، ويضمن الولاء للهوية الجامعة بين مشتركات التنوع ضمن مبدأ الحق بالاختلاف، وينصبُ المواطنين مستنداً فعلياً لسيادةٍ لا تُجتزأ في دولتهم، ومصدراً لكل سلطة مدنيةٍ فيها. إنه مشروع يُعنى بكل ما من شأنه أن يكون مواطنين مستنيرين بالحب والخير والجمال والحق والمعرفة، أسياداً في وطنهم، أحراراً في معتقداتهم الدينية والفكرية، متآزرين معاً على الحدود تجاه الخارج، ملتزمين في الداخل بالمصلحة العمومية، لا الخصوصية، معياراً للعمل السياسي وشرطاً للخوض في الشأن العام. إن السياسة التربوية التي تقوم على التلقين وكَسبِ العلامات من أجل النجاح، تجعنا نخاف على أبنائنا، ونخاف منهم: نخاف عليهم خوفاً عظيماً عندما يسعون إلى النجاح على دفاتر العلامات، لأن الذين معيارُ نجاحهم دفتر علاماتهم كثيرون في هذا العالم، والتعرف إليهم هو في غاية السهولة. فهم يقفون بين الناس، بجبة التقوى، وهيبة السيادة، وقيافة الرئاسة، ولكن ركابهم معفرةٌ وعلى رقابهم صدأ الحديد ظاهر. وخوفنا منهم أعظم، إذ نخشى أن يختبؤا خلف شهاداتهم، ويحكموا بلدهم بالطغيان وهم في قصورهم ركوعٌ وعلمهم لا يردعهم. لئن تُعطِ المملوك سلطةً يَحكم بها كفرعون، ويَحكُم به مالكوه. إن اكتساب العلم بثقافة الجمال والمحبة والتشارك تجعل النجاحَ في العلم أخلاقاً في تطبيقه، والنجاحَ في الحكم أخلاقاً في ممارسة السلطة، والنجاحَ في النضال أخلاقاً ورفعةَ رأس في حملِ القضية الوطنية، وتجعل النجاحَ في السيادة أخلاقاً في التوكل عنها.. أما المعارفُ كلها، فإن النجاحَ فيها يأتي لاحقاَ. إن أهل الشعر المتشبعين بثقافة المواطنية هذه، لا يركعون للمال كي لا يَسهُلَ عندهم بيعُ شعبهم، ولا للجبَروت الخارجي لءلا يَسهُلَ عندهم بيعُ الوطن، ولا لشهوة السلطة لئلا يَسهُلَ عندهم بيع أنفسهم للشيطان. أيها الشاعر الذي عشقنا مع أترابي بغزلياتك، وتربينا على جمالياتك التي لا تزال محفورةً في سلوكنا ونضالاتنا في هذا الوطن، يشرفني أن أقف إلى جانب أهل مزيارة لأقول لك: إنك من الذين صنعوا حجمَ هذا الوطن، وفي حساب مساحتِه دخلت أسماؤهم."
ثم قدمت بلدية مزيارة ممثلةً برئيسها المهندس ريمون الشدياق درعاً تكريمياً لإبنها الشاعر يونس الإبن. وتخلل الحفل عروضات وثائقية مرئية من إعداد شادي يونس الإبن. وقد أُقيم كوكتيل على شرف المُحتفى به.

CONVERSATION

0 comments: