حدوثة رعب مصرية 5/ فراس الور

ركنت نرجس سيارة السآب في مصف كنيسة السيدة العذراء في منطقة الزيتون، و نظرت الى مدخلها الرحب، كانت الشوراع من حولها تعج بضجيج السيارات و حركة المشاة ما عدى حرم الكنيسة الضخم فكان هادئا جدا، نزلت من السيارة الفخمة لتلاحظ بعض عيون المارة تراقبها، و لكن لم تأبه لها فكان همها الوحيد الدخول الى الكنيسة و الصلاة لعل نفسها المضطربة تهدء قليلا، وجدت الباب مفتوحا على مصرعيه و المكان فارغ من البشر، ولكن سمعت و هي تدخل اصوات حديث منخفضة لم تسمعها وهي في خارج المبنى، رسمت اشارة الصليب على وجهها و تلفتت باحثتا عن مصدر الحديث فقالت في سرها "الحمدلله،" كانت التمتمات الخفيفة آتية من كرسي الاعتراف في الزاوية الخلفية لصحن الكنيسة، فاقتربت قليلا من صف من صفوف المقاعد الخشبية بجانب الكرسي و ركعت ناظرة الى صور العذراء و المسيح المعلقة على الايكنستاس في مقدمة الكنيسة، مصلية في سرها "يا رب، ليس شيئا عصيا امام قدرتك الرهيبة، فها انا ماثلة امامك طالبتا منك المغفرة و الرحمة،" عادت الدموع الى عينيها فبكت بكاءا مريرا و دوت في الكنيسة تنهداتها و شهقات بكائها،
ودع الاب جرجس الاخ الذي كان برفقته و نظر باستغراب الى ضيفته الجديدة سائلا ذاته "ما الذي اتى بمعاليها الى الكنيسة يا ترى؟ و من دون حراسة؟" كانت نرجس ابنة رعيته و كان من أول المهنئين لها حين اتتها ثقة رئيس الوزراء الغالية بتعينها بمنصب وزير للداخلية، فكان يعلم انها تتمتع بشخصية قوية و حب خالص لبلادها و كانت تملك ايمان قوي بالله، فلم تقطع فرض او صلاة بالكنيسة على الاطلاق طوال حياتها، كان دائما يقول لها ان خصالك الممتازة كنوز و ستوصلك الى منصب ممتاز في يوم من الايام، و سرعان ما تحقق شكه بثقة الدولة التي أتتها منذ فترة، 
و لكن تبين له ان مجيئها اليوم كان يخيم عليه حزن شديد، بعد ثوان من التأمل بها جذبته دموعها نحوها فركع بجانبها و نظر لها بحنو، ردد المزمور الخمسين لداود النبي "ارحمني يا الله بعظيم رحمتك و بكثرة رأفتك امح مآثمي،" فقاطعته قائلة "يا ابونا اغفرلي بما لديك من سلطان من الرب يسوع،"
فرد بهدوء مطمئنا "ليست هنالك خطيئة لا يستطيع الرب مغفرتها، و لكن الدور المهم علينا هو ان نرفض ارتكاب المعاصي،"
"و لكن يا أبونا انا السبب المباشر بقتل زميلتي بالمهنة،"
نظر الاب جرجس الى نرجس بصدمة شديدة، اعترافها ربط لسانه و شل تفكيره لبرهة من الزمن، كاكاهن يافع ذو ثلاثين سنة من العمر كان يعلم رأي الاباء المتقدمين في صفوف الخدمة و الذي يحثون على ابلاغ الشرطة بهذه الامور، و لكن صوت نرجس كان مليئا بالندم و التوبة، فقال لها طالبا من الله الحكمة في سره "اريدك يا معالي الوزيرة ان تسلمي كل تعبك الى المسيح له المجد و تقولي لي ما الذي حدث،"
انطلق من نرجس تنهد عميق و قالت "اتصل بي منذ يومين ضابط متقاعد كان زميلي في يوم من الايام في الخدمة العسكرية، و قال لي انه بحاجة لمعرفة هوية صاحب بصمات معينة كانت لديه، فالبصدفة كانت على مكتبي سيرة ذاتية لابنة احد اقاربي كان قد طلب مني والدها ان اساعدها في اكثر من مناسبة و بالحاح لايجاد وظيفة لها بشركة خاصة، فطلبت من الضابط بالمقابل كونه مالك شركة استيراد و تصدير ان يوظفها، فلذلك لم اعارض طلبه لي و قمت بكل اهمال و عدم مبالاة متعمدة بمهاتفة صغيرة لتسهيل طلبه،"
صمتت قليلا و هي غير قادرة على حبس دموعها و بكت بشدة ثم بعد برهة أكملت "اتضح لي بعد ذلك بصورة مفجعة ان صاحبة البصمات كانت تعمل كعميلة سرية لكشف عصابة تتاجر بممنوعات كثيرة و اكتشف امرها و قتلت بوحشية من قبل المافيا" صفعة الكراسي الخشبي امامها و غصة بآلآم الندم قائلة "انا قاتلة يا ابتي، ماذا عساي ان افعل؟!"
اجابها الكاهن بتبكيت هادئ "لا شك انك باهمالك ارتكبت عملا كانت عواقبه مدمرة، من غير ان تعلمي اسلمت ذاتك الى خدمة الشيطان،" نظرت نرجس اليه بخوف، كانت صورته تتراقص بعينيها من كثرة الدموع وهو يقول "كان يجب ان  تحرصي على اتمام ارادة الله في عملك و اعطاء ضميرك المهني الاولية في عملك بدلا من مصالحك الشخصية، انت وزيرة يا اختي و مصالح بلد كامل ملقاة على كتفيك، فالبرغم من سمعتك الطيبة التي وصلت مسامعها الى ربوع مصر باكملها الا انك مثل بقية البشر خاطئة و يعوزك مثلهم مجد الله، ليست هنالك عند الله خطيئة كبيرة و صغيرة فالخاطئ خاطئ ما لم يردعه ايمانه و ضميره للعزوف عن الخطيئة، الكنيسة هنا جزء لا يتجزء من ملكوت الله و لن يدين اهمالك و خطئك احد هنا سوى الله، يجب ان تصلي كثيرا و انا سأصلي لك كثيرا، و لكن مسؤلية الموقف تفرض علي ان انصحك لكي تسلمي ذاتك الى المسؤلين لكي يتجلى العدل في هذه القضية، فالرب يقول في الانجيل لا تخافوا من الذي له سلطان على الجسد بل خافوا من الذي له سلطان على الروح و الجسد، و لكن انا على يقين ان الله سيجاوب دموع الندم و صلاتك و يلهمك الى ما يجب ان تفعلي و تصلحي به خطئك،"
نهض الاب جرجس و ساعدها على النهوض متمما حديثه "الله جل جلاله و حاشاه ليس اعمى او اطرش، بل يعرف بمكنونات انفس كل البشر، سأسلك سؤالا و جاويبي عليه بمصداقية لاجلك انت و خلاص نفسك لا لاجلي، لو علمت ان هذه العميلة ستقتل،،،"
فردت نرجس بحزم و هي تجفف دموعها بمنديل "صدقني لكنت عارضت طلبه بكل تأكيد واسلمته الى الشرطة"
"ممتاز فإذ و نحن بشر خاطئين نعلم كيف نتصرف بتعقل فكيف سيكون قضاء الله الذي يتجلى به قمة الكمال سبحانه و تعالى، فالرب يدرك النوايا الخفية ايضا، المسيح قلبه اكبر مما تتخيلي فالذي غفر خطايا المرضى و شفاهم و الذي قبل توبة الزانية و الذي غفر لصالبوه و جالدوه و الذي اصقاه الخل المُرْ بدل الماء على الصليب و الذي طعنه بالحربة المريرة ايضا، و هو الذي لم تمنعه آلآمه من الاصغاء و قبول توبت اللص و هو يلتقط انفاسه الاخيرة على الصليب بجانبه، هذا الاله الذي اشبعنا حبا و عطفا هل سيرفض توبتك و دموعك الصادقة؟"
غادر الاب جرجس الكنيسة تاركا في داخل نرجس وميض من الامل و الراحة،  أحست ان كلامه اقام روحها من الموت و وادي الندم المرير، خلعت نعليها و مشة في الممر في منتصف الكنيسة المؤدي الى الهيكل و أقتربة من  صورة الصليب المعلقة على الاكنستاس، قبلتها  و صلت في داخلها "يا رب انا احقر بغلطتي من اللص الذي غفرت له خطاياه على الصليب فاغفرلي يا رب و سأعدك و انا في هذه الكنيسة امام مذبحك المقدس ان اسلم نفسي و اعترف بغلطتي امام مدرائي،"
عادت الى المقاعد الخشبية و ارتدت نعليها ثم خرجت من الكنيسة، فهمَ احمد فهمي مرافقها الامني مع اثنين من معاونيه مسرعا نحوها و صارخا في وجهها "كيف يا معالي الوزيرة تخرجين من دون حراسة!!! هذا خطر على حياتك و لا يجوز!!!" 
فقالت له "حصل كل خير، اريد الذهاب الى رئاسة الوزراء،"
*****
نظر عبدالعزيز ابوالوفاء الى نرجس التي كانت تجلس بصمت على كنب مكتبه امامه برئاسة الوزراء، كانت امراءة في الستين من العمر ذات قوام طويل و خصر نحيل، وكان شعرها الاسود الطويل يضفي عليها حسن رائع، و كان وجهها جميل جدا فما كانت من النساء التي يضعن مساحيق تجميل الا انها كانت تشع جمالا و اشراقا، فكانت بشرتها السمراء من النوع التي لا يظهر عليها علامات كبر سن بسرعة فرغم الستين عام كانت هنالك بعض التجاعيد الخفيفة فقط حول عينيها السوداء في وجهها الحزين،
ابتسم قليلا لاعترافها و الكلام الذي قالته، بالرغم من خطأها الكبير فإن دل موقفها دل على الضمير الحي الذي كان في داخلها، كرئيس للوزراء عندما يكلف أحد بوزارة كان يفترض به اداء مهامه على اكمل و جه و من دون تقصير و لكن عندما تحدث الهفوات ما كان يأتيه أحدهم معترفا بها الا اذا وقعت الطامة الكبرى، اما هذه السيدة فبينت شجاعة غير مسبوقة عنده و بتاريخ خدمته السياسية، فأتت كالملاك معترفة بغلطتها طالبة منه قبول استقالتها و حكمه عليها، ففكر في قرارة نفسه "يا نرجس لو حرمتك من منصبك و قبلت استقالتك لن تعود ليلى الى الحياة، و حتى لو جلدتك بالصيات فعذاب ضميرك سيكون عليك اقوى منها بكثير، فماذا عساي ان افعل؟ هل اسلمك الى القضاء لتتناولها الجرائد و تكبر الهفوة الى ملحمة صحفية و تحولها الى فضيحة فساد؟ ربما ستأخذين عقابك و لكن حكومتي ستنقض عليها المعارضة و صحفها كالكلاب المسعورة و لن ترحمني، واذا سترت الموضوع ربما عذاب ضميرك سيصلح الامور،،،"
قرر أخيرا في داخله و قال بحزم " انا لست مسرورا بالخطأ التي ارتكبتيه، و لكن الواقع ان ملف خدمتك النظيف و المشرف يتشفع لكِ عندي، فسأعطيكِ الفرصة لتصلحي خطأك و لكي تفعلي هذا يجب ان تديري بنفسك تحريات هذه القضية، فعزلتك من منسبك لن تخفف جسامة خطأك و لكن اشرافك على هذه القضية سيريح ضميرك و يخلص مجتمعنا من العينات التي تستخف بسلامته و أمنه، و هكذا لن يذهب موت ليلى سُداً، و سأتابع بنفسي هذه القضية و سأشاهد نسخة الشريط الذي اعطيتيني اياه لان هذا التهديد موجه لنا جميعا، "
اجابت بوقار ممتنة "شكرا دولة الرئيس و سأعدك بهذا، فلن ادعك تندم انك عفوت عني،"
أجاب محذرا بشدة "ولكن حذاري ان يتكرر هذا من انسانة في ثقافتك و منصبك، لن ارحمك لو تكرر اي تقصير، سأقول نفس الكلام  لأي وزير مقصر في منصبك، فحينها عزلك من منصبك سيكون ابصط اجراء سأتخذه معاك،"
"هل تأموروني بأي شيئ دولة الرئيس،"
"تستطيعي الذهاب،"
خرجت نرجس و عرق التوتر و الرهبة يتصبب من جسدها، لم تكن تتوقع ان يعفوا عنها دولة الرئيس، ناهيك عن المحاكمة العسكرية التي كانت ستتعرض لها، و أزمة الصحف و المجلات و التي ستكون فضيحة لها ولأسرتها، شكرت الله على لطفه في قضيتها و لكن كانت تعلم انه ربما اعفى عنها اختبارا لها لتصلح غلطتها القاتلة مع ليلى، خرجت مصممة على القيام ببضع زيارات ضرورية، فلن تُسَلِمْ ملف ليلى الا الى اكفأ ضباط المتابعة فكما كانت عنصر في قتلها ستـفتح ابواب الجحيم على الجنرال رؤوف و عصابته مهما كانت قوتهم و شراستهم، ضربة رقم حسن رستم مدير مباحث امن الدولة و عازمة على لقائه،  

*****
3:00 بعد الظهر – الباطنية – القاهرة
كانت تقسم الباطنية في القاهرة واقعيا الى قسمين كبيرين، فالقسم الاول و الذي كان يعرف بين العامة بحي الذوات كان عبارة عن مناطق مرممة بالكامل محتوية على فلل فاخرة و عمارات حديثة تم بنائها من قبل مستثميربن لاغراض التجارة و البيع، فبعدما اشترى بعض التجار العقارات القديمة من ملاكها بتشجيع من الدولة و هدموها بالكامل تشجع عدد واسع من منافسيهم لتقليدهم فكانت النتيجة ايجابية على جزء يسير من هذا الحي القديم، فكاد حي الذوات في الباطنية ان يشبه في نهاية المطاف قرية سياجية فاخرة يعلوا قيمة العقار فيها الى اسعار تنافس المناطق الراقية بالقاهرة تماما، و لكن لم تكتمل حركة الترميم هذه و توقفت بالكامل بقرار وزاري بعد مرور سبعة اعوام على بدايتها، فبقي ثلث الحي المسمى بحي الغلابة مرتديا زيه العربي القديم بعماراته الآيلة للسقوط و شوارعه القديمة المهترئة،
و كانت اجواء هذا الحي مقيدة بسلاسل الفقر المطقع و تجارة المخدرات و تعاطيها القاتل لدرجة ان شوارعها كانت تسمى احيانا بشوارع الجحيم، فما يلبث الفرد ان يترك اجواء الذوات الراقية بابنيتها المذهلة و سياراتها الفاخرة و اهلها بلبسهم الانيق الا و يتواجه مع مساحة محدودة من الاراضي الخالية التي تم شرائها من المستثمرين ليلاقوا قرار توقف الترميم يكبل طموح عقاراتهم، ثم تبدء العقارات القديمة بالظهور على الشوارع الباطنية بمحلاتها الصغيرة و اهلها الغلابة و لباسهم الشعبي، فكأنها رحلة عبر الزمن في غضون ثلاثة دقائق داخل حي يجمع القديم و الجديد باعجاز و بمساحة محددة، 
تحركة سيارة عبدالحليم شوكت العسكرية بحذر شديد داخل شوارع الغلابة و هو ينظر من حوله الى الارصفة المكتظة بالناس باحث بتركيز شديد عن صديقه الشهير لعل و عسى يجده بين المارة او خارجً من احد المتاجر، كانت الحياة تسير بصورة طبيعية في الحي فابواب المحالات جميعها كانت مفتوحة تستقبل زبائنها، كانت محلات الخضار تعج بالناس، و البقالة كان لها من يشتري منها، فتارة كان يسمع اصوات الناس و هي تساوم البياعين على اسعارها، و تارة كان يرى سيارات توزيع اللحوم و شاحنات نقل السلع تنقل بضاعتها الى مخازن التجار، فَبَدَى له ان الحي كان على ما يرام بغير عادة، ام ان وجود سيارة الشرطة كانت تضبط تصرفات الناس؟ غريب ان يحدث هذا فالمقولة تقول ان رمل الباطنية بودرة بيضاء بدل من الرمال الطبيعة من كثرة تجارة السموم فيها، اما عن حوادث القتل و المشجارات فكانت شائعة جدا، 
ابتسم قليلا حين تفجر شجار فجأة امام احد المتاجر، هل حسد تفكيره السكون الكيبر منذ برهة؟ فأوقف سيارته على يمين الشارع و نظر ليرى ما كان يجري، كان تاجر شاب يرتدي جلبابً ابيض يجري وراء طفل يرتدي بيجامة مهترئة و حافي القدمين يسب و يلعن تربيته، فتجمع حوله المتطفلين من اهل الحي سائلين عن غضبه، فنظر الى الشرفات المنزلية فوق مَحَلِهِ حين اختفى الطفل في داخل العمارة و صرخ بصوت عال "يا ست نبيلة!!!يا ست نبيلة!!! الا تربي ابنك!!!"
فطلت امرأة شابة مرتدية جلباب اسود و هي تضع الحجاب على شعرها من الشرفة في الطابق الثاني قائلة "ماذا هنالك يا تاجر الغبرة!!!"
"ابنك سرق مني لوح بسكويت هذه المرة ايضا و هرب من المتجر من غير ان يدفع!!!"
"ابني ولد مؤدب و لا يسرق!!! انت تفعل هذا معي و مع جاراتي عندما لا تبيع كي تبتاعنى بالبلطجة!!!"
فصرخ باعلى صوته "انا اتبلطج!!! يا اخوان احكوا لها ماذا رأيتم!!!" فرد شاب طويل ذو ملامح ودودة قائلا "انا رأيت ولدك خارجا من الدكان يركض و بيده لوح البسكويت يا ام ليث!!!" 
فنظرت الى داخل البيت و صرخت بابنها "سأربيك!!!" ثم دخلت و سُمِعَتْ اصوات صفعات حادة تلاها صراخ و عويل طفل صغير يطلب الرحمة، ابتدء الناس يرحلون بينما استمرت الام بتأديب ابنها الا ان ذاق الولد عشرين صفعة قبل ان تهدأ ثورة الام، 
كان التاجر يضرب في هذه الاثناء كف بكف قائلا بصوت عال "متى يرحلوا و ارتاح من ابنها فمرة او مرتان في الاسبوع يفعل نفس الشئ بي،" 
نزل عبدالحليم من سيارة الشرطة ليجد الرصيف تماما خالي من المشاة، فكر معلقا على هروب الناس "لنا شعبية ضخمة هنا، ولكن بكل الظروف يجب ان اجد العنوان الذي ابحث عنه بالذوق او بالقوة" فاقترب من التاجر الذي كان على وشك ان يدخل الدكان قائلا "يا أخ"
فانضبط الشاب فجاة و ضرب تعظيم سلام قائلا "اهلا و سهلا يا باشا نورة الباطنية يا باشا،"
فسأل "اين اجد منزل سليم البحيري يا اخ؟"
توترت ملامح وجهه و اجاب "انا اول مرة اسمع بهذا الاسم،"
فاجاب مهددا "سنتحقق من هذا في قسم الشرطة ام ربما تريد مني ان ادخل و افتش دكانك"
فرد متوترا و مترجيا "لماذا القسم يا باشا و انا ودكاني في السليم، انت تسألني عن ابو التوزيع كله،،،" و فجأة رفع يده ليغطى فمه بارتباك شديد و سَكًتَ لسانه،
فرد مستهزءأ "ابو التوزيع كله؟" امر الجند المرافقين في السيارة "فتشوا الدكان،" ثم نظر الى التاجر مهددا "والله اذا وجدت شيئا ستتمنى الموت كل يوم وانت في النيابة، هيا قل لي ماذا تعرف!"
خرج اربع جنود من السيارة الجيب و دخلوا الدكان و التاجر يترجى "انه يقطن في نفس هذه العمارة في الطابق الاخير،" ثم بكى مترجيا "ارجوك ان لا تأخذني الى القسم،"
خرج الجنود و معهم 3 اكياس صغيرة فيها مادة ناعمة بيضاء تزن كل واحدة منها ربع كيلوغرام، فقال عبدالحليم "يا سلام، كانت معها حق ام ليث ان تناديك تاجر الغبرة" فتح احد الاكياس و ذاق القليل من محتوياته ثم ابتسم متوعدا "والله هذه التهمة فيها خمسة سنوات على الاقل" امر الجنود بحزم "اغلقوا دكانه و خذوه الى السيارة،" فبكى الرجل بكاء مريرا و ترجى في الشارع "هذه ليست لي، اتصدق انني اتاجر بالممنوع و ليس عندى سوى هذا الدكان الصغير،"
فرد صارخا "القانون لا يميز بين حيازة و رواج المخدرات!!!" امسك التاجر من اكتافه و هزه بعنف صارخا في وجهه "قل لي من يعطيك اياها و لمن تحتفظ بها؟" 
صرخ و بكى التاجر "لا اعلم ما إسمه و لكن يأتي في كل ليلة ليأخذها مني سليم،" 
"هيا الى البوكس!" أخذوا الجنود التاجرالى السيارة، دخل عبد الحليم العمارة القديمة متجها الى السلالم، كانت جدرانها قديمة تملئها التصدعات و الترهلات و لون الاسمنت ظاهرا عليها بالكامل، و كانت حفف الأدراج مكسرة و سورها الحديدي يتراقص بيده وكأنه على وشك الوقوع، كانت الصراصير تسير على الجدران و الادراج و بعضها كان يطير في الاجواء، صعد الادراج و هو يفكر بإشمئزاز "كيف يعيشوا الناس في هذه الاجواء و مع هذه الآفات؟" وصل الى الطابق الاول الذي يضم ثلاثة منازل ثم هم بالصعود الى الثاني، فطابق بعد طابق كانت التصدعات تتكرر بين المنازل و الطوابق الى ان وصل الى الثالث و الاشمئزاز يزداد بداخله من المكان و آفاته، و قبل ان يهم بالصعود الى الرابع توقف، اصغى جيدا الى الاصوات التى ظهرت فجأة، كانت آهات نسائية ملتهبة و ملوعة يتخللها احيانا صرخات متقطعة، تبع الاصوات الى ان قادته الى شقة في الدور الرابع، فتوقف عندها بإستغراب من سكان هذه الشقة فهذا خدج للحياء العام بصورة جريئة، قرر ان يطرق الباب و لكن قبل ان يفعل هذا استوقفه رجل يصرخ بغضب و هو يفتح باب الحديد القديم للشقة المقابلة من الداخل "يا زفت يا سليم، الا تستطيع القحبة التي معك ان تغلق ارجلها ولو لساعة،،،" فتوقف مصدوما بوجود عبد الحليم ببذلته العسكرية مسلحا امام شقة سليم، علت اصوات الصرخات النسائية الى أهات متواصلة بينما استمر الجار بالنظر الى الشقة باستغراب شديد، فسأل عبدالحليم "اليست هذه شقة سليم البحيري؟" فقال "نعم" و أغلق الباب بسرعة، كانت الصرخات الجنسية تدوي في العمارة الى ان طرق عبدالحليم الباب فسكتت فجأة، صرخ صوت غاضب من الداخل "يا حمار يا صبري، الم اقل لك أن تعود بعد ساعة،" فتح باب الشقة شاب طويل و ضعيف ذو شعر اسود و عيون عسلية و بشرة سمراء، كان يرتدي فقط البنطال، ارتسمت الصدمة على وجهه من رؤية عبدالحليم و فجأة اغلق الباب لتردعه يد الضابط القوية، هرب من امام الباب ليفتحه عبد الحليم على مصرعيه، وقفت امرأة عارية قوامها طويل نحيلة الخصر كبيرة النهدين صارخة و هاربة الى غرفة النوم الدخلية، فلحقهم عبدالحليم الى غرفة النوم و أمسك سليم و لكمه على وجهه فوقع على الارض وهو يصرخ من الآلم، نظر الى العاهرة و صفعها على وجهها صفعة قوية دوى صوتها في غرفة النوم، فوقعت على الفراش صارخة و باكية، امسك عبدالحليم سليم و قال "انت لا تتوب!!! ثلاث سنين سجن و خرجت من سنة فقط لتعود الى الدعارة و التعاطي يا حيوان!!! و بما ان عندك غرفة نوم في المنزل فلماذا تضاجعها في الصالة!!!صوتها كان منتشر  في العمارة السكنية بين العائلات يا حيوان!!!"
 انهت العاهرة لبسها بسرعة و هي ترتعد من الخوف و هربت الى خارج الشقة بينما كان عبدالحليم يضرب سليم، فوقف سليم يترجى "ارجوك دعني يا باشا و اعدك ان لا اكررها ثانية!!!"
"نعم يا حبيب أمك!!! ما اسم العاهرة"
اجاب سليم "سناء"
 امسك عبدالحليم اللاسلكي و أمر رجاله "هنالك امراة ستخرج من العمارة بعد قليل اسمها سناء، ترتدي تنورة سوداء و قميص بني، لا اريدها ان تفلت من ايديكم،"
علق اللاسلكي على خسره و امسك سليم و دفعه نحو مدخل الشقة، ارغمه على الصعود الى سطح العمارة و خرج به الى العراء، كان السطح كله مكشوف امامه فكان خالياً من البشر، حتى الاسطح المجاورة لم تكن تشهد اية حركة، امسكه من رقبته و سحب مسدسه و صوبه على رأسه قائلا "هنا لن يسمعنا احد و اريد بعض من الاجوبة يا حيوان،"
رجف سليم من الخوف و مسدس الاوتوماتيك امام جبينه فقال مترجيا "والله العظيم يا باشا سأقول لك كل ما تريد!!!"
"انا أعلم ان شخص مجهول الهوية يضع لك الكوكايين في المتجر الذي في اسفل العمارة فقل لي من هو!!!"
"والله يا باشا حتى انا لا اعلم،،،"
ركل عبدالحليم سليم على بطنه فارداه طريحا على الارض، دوت منه آهات ملوعة من الوجع، فامسكه عبدالحليم مرة ثانية و أرغمه على الوقوف قائلا "والله سأقتلك مثل الكلب ان لم تعطيني اجوبة، و لن احاكم عليها لانني في منطقة يسري بها تجار المخدرات كجماعات الجرذان في المجاري، عندما ترى رجل برتبتي يحقق في جريمة اعرف ان الامر ليس لعبة يا كلب!!! هيا قل لي من هو الرجل!!!"
اجاب عبدالحليم ممسكا معدته من الالم قائلا ":صدقني لم اعمل معه شخصيا و لكن الاشاعات تقول ان اسمه مدحت و هو يعمل لحساب جماعة ذات سلطة و نفوذ، هذا ما اعرفه!"
" لا اصدقك!" ضرب عبدالحليم طلقا ناريا بجانب رأسه جعله يرتعد و يصيح كالطفل الصغير "صدقني هذا كل ما عندي!!! أرجوك!!!" فامسك عبدالحليم المسدس ووضعه بين ارجله مهددا "وديني الطلقة الثانية ستنهي حياتك الرجولية،"
فدوى صوت سليم و هو يعترف "يقال عن جودة مخدراتهم انها الارقى و الاغلى و يستوردونها من امريكا الجنوبية، مدحت صاحب هايروغليفكس،،،"
فجأة انطلقة صدى لطلقة و اهتز رأس سليم بعنف، انفجرت برأسه فجوة كبيرة نتعت منها الدماء و اللحم الحي ملطخة وجه عبدالحليم و ثيابه البيضاء، سقط سليم جثه هامدة على الارض فصرخ عبدالحليم من المنظر و نظر من حوله على الاسطح المجاورة فلم يرى حركة على الاطلاق، جن جنونه و هو يركض على السطح مراقبا الابنية المجاورة ليجد السكون التام عليها، عاد الى سليم و نظر الي بركت الدماء التي احاطت برأسه مفجوعا، مسح قطع اللحم الحمراء عن وجهه و بذلته بمنديله و افكاره تصرخ"هذا ما نجنيه عندما نلعب مع الحيتان!" 
4:30 مساء-المتحف المصري - العام
كانت سماء القاهرة الزرقاء تختفي شيئا فشيئا وراء حزم السحب الداكنة، و كانت الرياح المشبعة بالرطوبة و البرودة تعصف بالاحياء و الشوارع بقوة، فَتَنَبُئْ الارصاد الجوية كان في محله لهذا اليوم، و كان يعلو صفير نوء من حين الى آخر منذرا الناس بما تحمله العاصفة في حلولها الوشيك، فخلت الشوارع تقريبا من المارة ما عدى من كانت تجبره ظروفه ان يمشي او ينتظر سيارات الاجرة،
و لكن بالرغم من الاحوال الجوية السائدة كانت طوابق المتحف لا تخلو من الزائرين، فالاعلانات التلفزيونية عن وضع القطع الاثرية الجديدة لأول مرة للعرض ضمن ممتلكات المتحف كان لها صدى كبير في بين الناس مشجعةً اعداد كبيرة منهم من جميع المحافظات لزيارتها، فاعتادت مرفت ان ترى الناس متجمهرين حول مومياء الملكة سخمت و هي تتجول في الطوابق بين الفينة و الاخرى لتطمئن على اروقة المتحف وانضباط الحركة به، و احيان كانت تتوقف للحديث مع المجموعات السياحية و الضيوف لتسألهم عن انطبعاتهم و أرأهم حول المعروضات، 
و كان روماني يقضي معظم اوقاته بين الطوابق ليساعدها نظرا لكبر مسطحات الطوابق و كثرة معروضاته ضامً حهوده الى جهود رجال الامن في اروقة المتحف، و كان هذا الشئ بمثابة الرحمة له فكان و هو يسير بالطوابق يلتهي مع الناس بالشرح لهم عن تاريخ الاثار الحافل فكانت فرصة لكي ينسى مرفت من تفكيره و الذي كان يجبره عمله على الاحتكاك بها يوميا،  ولكن سرعان ما كان يتذكر جرحه حينما تطلبه الى مكتبها للحديث معه من حين لآخر، بواقع الأمر كان يشعر بالمرارة بصورة يومية عندما كان يأتي ابن عمها فارس الى مكتبها لاصطحابها في نهاية الدوام، فكان يسمع احيانا ضحكاتهم و حديثهم مع بعض من مكتبه المجاور، و كم كان هذا الألم يزداد لدرجات كبيرة جدا عندما كان يضمها فارس اليه و يقبلها، بل كانت تثير جرحه لدرجة لا ترحم،
اوقف روماني تجواله في الطابق الاول عند دولاب عرض زجاجي مسنود على عامود في وسط الطابق، كان حيط هذا الدولاب يخلو من الزائرين و كانت ادراج الطابق الكهربائية الكبيرة التي على مقربة منه فارغة من الزوار، و كان معروض في الدولاب اجزاء من ورق البردي، و كانت من تأليف كهنة معبد رمسيس في ابوسمبل و تحتوي على كلمات سحرية لطقوس كانت تتلى أثناء التحنيط لكي يقوم الميت برحلة عبر نهر الخلود و تفتح امامه الثلاث بوابات الضرورية لكي يلاقي محفل حكام الدينونة، فعندها يقوموا بوزن قلبه و يحكموا عليه اذا كان جديرا بالعيش ما بعد الموت ام لا، و اذا وُجِدَ بغير جدارة كان الشيطان الحيواني بانتظاره لابتلاعه عقابا له، كان روماني ينظر الى الاثر بلوعة شديدة فكان هنالك فقط حاجز زجاجي يحول دونه و دون الاثر النفيس، ففكر بصمت "الذي يكون قلبه طيب لن يعرف كيف يعيش في هذه الدنيا، فما كان من نصيبي الا المرارة و الحصرة، وداعا للحملان الوديعة و اهلا بالشياطين، لو سرقت هذه الورقة و بعتها في السوق السوداء ستجلب لي المال الوفير،،،و لكن كيف سأنفذ من كاميرات المراقبة و الشكوك و التحقيق مع الشرطة،،،يا ليتني لو شبح او ساحرا لكي امشي بالخفية ولا يراني أحد، يجب ان اجد طريقة و الليلة قبل الغد،"
*****
كان واقفا بجانبه يراقبه و يسمع افكاره، عبد صالح طينته من طينتنا الشيطانية و لكن يلزمه شريكا ليتمم خطته، ايها البشر الغبي ما جلبني لعالمكم الا طمعكم و عدم مسامحتكم لبعض و كرهكم لبعض، أخيرا وجدت ما يلزمني لاعبر به الى العالم و انتقم، أخيرا استطيع ان امشي بالعالم، ايها الغبي ستراني،،،!!

CONVERSATION

0 comments: