فِي الذَكرى الرَّابِعَةَ عَشرَةَ/ هلال وَليد طه


هُنا.. عَلى عَتَبَةِ هذا اليَومـِ، تَحدوني رَغبَةٌ إلى نَحتِ تِمثالٍ بالكَلِماتِ تَخليدًا لِذِكرَى صَاحِبِ الياسَمينِ وَالفُلِّ وَالنَّرجِسِ وَوُرودٍ أُخَرَ ذَكَرَها الغالي في دَواوينِهِ، وَرَسَمَها بالكَلِماتِ. يُسعِدُني أن أرسُمَكَ أيُّها القَبّانِيُّ/ العَصرُ بِكَلِماتِكَ أنتَ الَّتي ألبَسَتني شِعرَكَ قَميصًا وَضَعَتْ جَميعُ الماركاتِ شِعارَها عَليهِ زورًا وَبُهتانًا عَظيمًا.
في مِثلِ هذا اليَومِ (30.04.1998) انتَقَلَ إلى رَحمَتِهِ تَعالى الشَّاعِرُ السُّورِيُّ بنُ مِئذَنَةِ الشَّحمِ في دِمشقَ نِزار تَوفيق قَبّاني عَن عُمرٍ يُناهِزُ الخَمسَةَ وَالسَّبعينَ عامًا في مَنفاهُ/ الجَنَّةِ "لُندن".
هُوَ نِزارُ الَّذي اقتَحَمَ قانونَ الانتِخابِ الطَّبيعيّ دونَ سِلاحٍ أبيَضَ أو أسوَدَ، دونَ نَظَرِيَّةٍ أو فَرَضِيَّةٍ، بَل بِعَشوائِيَّةِ الغَريزَةِ الَّتي تَنظُرُ إلى مَجهولٍ جَميلٍ لا تَعرِفُهُ الأقلامُ وَالنُّصوصُ والميتَافيزِقِيَّاتُ..
فَفِي فَترَةِ الإنتِدابِ الفَرَنسيِّ عَلى سورِيا (1920-1946) لَم يَحمِل قَلَمًا حُسامِيًّا وَوَرَقَةً فولاذِيَّةً، بَل حَمَلَ المَرأةَ وَأُنوثَتَها وَأشياءَها حَتّى يُطلَعَ الثّائِرينَ عَلى مَفهومِ "الحُرِّيَّةِ" الّذي كانَ يُؤمِنُ بِهِ.. لِيَحُثَّهُم على مَفهومِها الصَّحيحِ بِازدِواجِيَّةِ الحُبِّ وَالجَماليَّةِ الشِّعرِيَّةِ قبلَ أن تُعَلَّقَ الكَلِماتُ عَلى رُؤوسِ الرِّماحِ ثُمَّ نَسكُتُ تحتَ خَديعَةِ التَّحكيمِ. فَعِندَما كانتِ الرَّصاصَةُ تتَكَلَّمُ، كانَ "قالَت ليَ السَّمراءُ" تُلقي مُحاضَرَةً في الحُبِّ وَالجَمالِ، وَبَينَما كانتِ العَتمَةُ تَقولُ "هل مِن مَزيدٍ؟"، كانَ "طُفولَةُ نَهدٍ" يُلقي خِطاباتِ الجُمعَةِ في المَساجِدِ الَّتي شَبِعَت مِنَ المُؤمِنينَ، وَبَينَما كانَ الرُّوتينُ يَرقُصُ عَلى قُلوبِ المُواطِنينَ، كانَ "سامبا" يُعطِي دُروسًا في الرَّقصِ أمامَ هذا الرُّوتينِ وَأشياءِهِ..
فَنِزارُ لم يَذهَب كالآخَرينَ إلى دَواوينِ الالتحاقِ بِصُفوفِ الثَّورَةِ المَكتوبَةِ، وَلَم يَسعَ إلى الأفخاخِ الزُّمُرُّدِيَّةِ المُحَلَّاةِ بِطَعمِ العُروبَةِ وَتاريخِها المُستَحضَرِ الَّتي لا نُشاهِدُها إلَّا مِن خِلالِ شاشاتِ ال "L.C.D" في المَناهِجِ التَّاريخِيَّةِ..
لا أُريدُ أن أُرَجِّحَ كَفَّةً عَلى حِسابِ أخرى حينَ أضَعُ نِزارَ في الميزانِ، فَبِالإضافَةِ إلى هذهِ المُحَسَّناتِ المُتواجِدَةَ في شَخصِ وَشخصِيَّةِ نزارَ، أعتَرِفُ أنَّ هُناكَ سَلبِيَّاتُهُ أيضًا. وَلكنَّ هذهِ الأمورَ لا يُمكِنُ ذِكرُها فِي هذا المَقامِ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجودِ مُناسَبَةٍ ما لِذِكرِها، وَقد أورَدتُ ذلكَ لأنَّ الطَّريقَةَ الأمثَلَ لإعطاءِ الشَّاعِرِ حقَّهُ مِنَ التَّقديرِ وَالاحتِرامِ بعدَ ممَاتِهِ هِيَ تَناوُلُ آثارِهِ الأدَبِيَّةِ بالدِّراسَةِ المَوضوعِيَّةِ الحِيادِيَّةِ، ووَضعِها في مَوازينِ النَّقدِ دونَ نَقصٍ أو زِيادَةٍ، وهذا ما هُو مُتَّبَعٌ في الغَربِ. وَلأنَّنِي لا أريدُ أن أبحَثَ في نِزارَ كَشاعرٍ، بَل أهدِفُ إلى التَّذكيرِ بِهِ في ذكراهُ الرَّابِعَةَ عَشرَةَ ، فَسَوفَ أكتَفي بِهذا المِقدارِ، وَالسَّلامُ خِتامُ.

CONVERSATION

0 comments: