
وفي هذه العجالة اود ان اتحدث عن (الديوان العربي) الذي كان بمثابة (برلمان) محلي ، حيث جرت العادة في قرانا العربية بالجليل والمثلث ان يلتقي رجال الحارة أو الحي في بيت شيخ العائلة أو الحمولة ، او من هو اكثر مالاً وجاهاً ووجاهة، وكان (الديوان) بيتاً رحباً واسعاً مفروشاً بالفراش العربي المصنوع من صوف النعاج . وفي هذا الملتقى الرجالي كان كبار السن ومشايخ القرية أو العائلة الواحدة يجتمعون ويلتفون حول (كانون النار)يدخنون النرجيلة ويحتسون القهوة (السادة) المهيلة والمعتقة ، ويشربون الشاي بالنعناع والميرامية والزوفا، ويأكلون ما لذ وطاب من الأطعمة الشعبية والحلويات (بيض القاضي "الزنقل" والبحتة والخبيصة ) . كما كانوا يتحدثون عن العلاقات والقضايا الاجتماعية ، ويتناقشون في أحوال وشؤون القرية وأخبار الساعة ، وأيضاً يتسامرون ويتبادلون في السهرات الليلية الأحاديث عن امور الزواج والمسائل الدينية ويروون الحكايات والنوادر والقصص الشعبية ، التي كانت تعرف بـ "الخراريف" مثل :"جبينة والغول ونص نصيص" ، وكانت الدواوين تشهد المناظرات والمبارزات الشعرية وحكايات أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد ونمر العدوان وغيرها الكثير.
ولشاعرنا الفلسطيني الشهيد (راشد حسين) قصيدة تتحدث عن (ديوان القرية) ، ويقول في خاتمتها:
وترف في الديوان أنفاس
السجائر كالسحاب
وصوت قهقة الشباب
والصالحون القانتون
الباحثون عن الثواب
وحديث نرجيلاتهم ،
يا للحديث المستطاب
ولربما طعن التفاؤل
خنجر مر السحاب
انذار دائرة الضرائب
للضرير "ابي رباب"
ومع التطور العاصف الذي طرأ على مبنى وهيكلية وحياة القرية العربية ،اندثرت (الدواوين) وتلاشت ، ولم يعد لها وجود في حياتنا الراهنة ، وأصبحت في أيامنا هذه بيوتاً للمسنين يقضون فيها أيام شيخوختهم وأوقات فراغهم في لعب "النرد" و"المنقلة" وسماع المحاضرات الطبية ، والقيام برحلات استجمامية وترويحية في ربوع هذا الوطن وخارجه، وفي النهاية يبقى (الديوان) صورة نوسطالجية من الماضي والزمن الجميل.
0 comments:
إرسال تعليق