السندباد الذي طار وترك ريشه في كل مطار/ فاطمة الزهراء فلا‏

إذا خفت الليل فاجعل كتابك أنيسا, وإذا هجرك الأحباب اتخذ من كتابك جليسا .
رحل الفيلسوف والمفكر والمبدع والأديب أنيس منصور , والمثل يقول : من علمني حرفا صرت له عبدا , وهو علمني أشياء كثيرة , تعلمت منه أن الأدب والمعرفة شئ واحد , جزء لا يتجزأ , فأديب بلا ثقافة قلة بلا ماء , وزير بلا غطاء , ونهر ناضب بلا عطاء , وسيارة بلا بنزين , ونافذة لا تجلب الهواء .
أنيس منصور هذا الخضم الواسع ىمن المعرفة , أصابع ذهبية تكتب بعقل مسحور , أنتج أنيس أكثر من مائتين من الكتب التي يلهث القارئ لمتابعتها في شغف , متألق مع ذاته , عاشق لقلمه الثائرالهادئ , الباحث , المتقلب علي جمر الكلمات , كان قويا في كل شئ لكن هزمه السن والمرض وأين منهما المفر؟ ..لازالت تنهداته يرسلها من عالمه الآخر إلينا متسائلا ...هل حصاد العمر الملقي بين أيديكم يكفيكم لكي تتذكروني ؟ والإجابة نعم ..لقد كان أنيس يحلم بتأسيس دار للنشر , لكن الأمل لم يتحقق , مقولاته مأثورة , تذكرته وهو يقول ..قد تقول لنفسك كل هذا التعب في الحياة لماذا؟ ..العذاب لماذا ؟ ..صارعت وحاربت ومرضت وسهرت وناقشت , وشربت وكسبت وخسرت وعشقت المرأة وخانتك ودق قلبك طالعا , نازلا , ثم ضاق صدرك والتوت أمعاءك , واحترقت معدتك وزاغت عينيك , وانشطر رأسك ...والنهاية من الدنيا أخذت لا شئ , لأن الحياة لا شئ .
أنيس منصور موسوعة تغوص فيها بإرادتك وأنت قانع بأنك الكاسب ولن تخسر شيئا
الحب في حياته هو الحياة وزوجته رجاء عاشت لترويه سر الإبداع حين يصبح الإنسان عاشقا فعاش معها ولها وتحدث بلسان الحب وكأنه مراهقا يعيش الحب لأول مرة فيغني مثل عبد الحليم قائلا : ليه بيقولوا الحب أسية ..ليه بيقولوا دموع وعذاب ...أول حب يمر عليه أملا الدنيا شموع ..ذكرني أنيس بنزار قباني حين عشق زوجته بلقيس , وكتب لها أروع قصائد الحب , وما أروع أن يعشق الفيلسوف المرأة التي اختارها بقلبه , بالتأكيد حياة أخري يشع منها الحلم , ويذوب , ويقطر حلاوة رباني مع كل لحظة يعيشها , وياليت من يعيش بلا مشاعر يتعلم من أنيسكيف يعامل المرأة وينظر إليها
له كتب عديدة في معظم ما قيل عن المرأة وكيف جعل من المرأة نجمة تضئ السماء حين يغيب القمر
هو كرة من الثلج في لهيب الصيف وكرة من اللهيب في شتاء قارص يجعلك لا تغادر سريرك, فيلسوف يكتب بقلم شاعر , يسقيك المعلومة التي تكرهها في ملعقة دواء مسكن وملطف , فتتقبلها حتي وإن كانت لا تعنيك’ تسرح معه بخيالك وتغمض عينيك فتري أرواح من تحب تحلق حولك.
وإذا كانت المرأة شغلت حيزا كبيرا في كتابات أنيس منصورفإنه اهتم بالكتابة عن كل شئ في الحياة ..في التاريخ فكان أشهر رحالة في التاريخ , صعد الجبال وتسلق الأشجار باحثا عن جزء من الحقيقة , كتاباته معجونة بمية عفاريت , كما يقولون بها كمية شطة وبهارات, لا تقوي علي مقاومتها , فلا يسعك إلا أن تلتهمها مرة واحدة برغم التحذيرات من البواسير , وهذا لأنها طعمة تعطيك احساسا بالحياة والسرعة واللذة والحركة , وحينما نعجب بفلان نقول أنه مثل قرن الشطة , فالكتب التي أنتجها لم ينتجها كاتب سواه , خفيفة الظل , تشع بالشباب والحيوية , لم يعرف قلمه البرود ولا السماجة ولا الغلاسة , لكنه كان يقطر رقة وهمسا وجنونا وصراحة ووقاحة إذا لزم الأمر
كتبت عنه منذ عشرين عاما في كتابي ( المرأة في عيون المبدعين ) فأنيس بلدياتي وكان الفصل الذي كيبته عنه يحمل عنوان ( فيلسوف لالم يفهم المرأة يوما )ووصفته بأنه مثل القرموط الذي لا تستطيع أن تمسكه وتطلع روحه وهو لا زال يهابر حبا في الحياة , هكذا رحل أنيس منصور لكنه سوف يظل باقيا بيننا بحروفه وإبداعه ولن يموت وأقول أنا طار السندباد وستبقي ريشاته بكل مطار للعاشقين مزار .

CONVERSATION

0 comments: