الجنازة حامية والمخطوف "شحاطة"/ محمود شباط

صداقات الغربة أشبه بسلعة تشتريها من بائع متجول، قد تكون بخسة كصداقات الضرورة التي تنطفىء شمعتها مع أول هبة ريح، أو قد تغالي بها وتدخرها كأيقونة مقدسة إلى الحد الذي يعوضك الأصدقاء الحقيقيون عن بعدك عن أهلك وبلدك.
من أولئك الأصدقاء صديقان لي هما رفيق عماد (أبو رمزي) و ابن عمه معروف عماد (أبو أدهم) من قرية بقعسم السورية. وما بين أبناء قريتي (عيحا) اللبنانية الحدودية وقريتهما السورية المتجاورتين العديد من القواسم المشتركة لناحية اللهجة (نسبياً) والعادات والتقاليد والمصاهرة والزيارات المتبادلة ، وأخيراً لا آخراً التهريب "القانوني".
الصديقان المذكوران كانا يقيمان في مدينة الخبر السعودية وغادراها منذ عدة سنوات، وفي أحد زياراتي إليهما قضينا سهرة لطيفة، تلطفها أكثر أخلاقهما الدمثة وطيب معشرهما. وحين انصرافي أنتعلتُ بطريق الخطأ فردة خف "أبو رمزي" المشابهة جداً لفردة خفي وتوجهت إلى سكني دون أن أدري بأني قد "سبيت" غنيمة وتركت في أرض المعركة "أسيراً" .
بعد وصولي إلى المنزل لاحظت باندهاش اختلافاً في لون أرضية إحدى فردتي الخف. إذ أن خفي لونه أسود وأرضيته سوداء بينما الفردة الدخيلة الجديدة سوداء وأرضيتها بيج. حيرني الأمر فعلاً ولم أصل إلى تفسير منطقي فصرفت النظر عن انشغالي بهذا الهم غير المهم.
في تلك الأثناء وردني اتصال هاتفي من إبي رمزي ليبلغني بأنه افتقد " فردة شحاطته ووجد بدلاً منها فردة شحاطة "غريبة" وطالبني برد الفردة على الفور وإلا ، أعقب "تهديده" بضحكته المجلجلة المحببة وتابع بأنه لن يستلم "أسيره" إلا بعد أن "أحرر" له مضبطة – قصيدة عن تلك الواقعة ، فرحبت ودعوته لزيارتي بصحبة ابن عمه معروف.
لبيا دعوتي وسهرنا . أهديتهما حبقاً وياسمينا مما لدي في فسحة صغيرة أمام السكن. وجرت مراسم عملية تسلم وتسليم الفردتين المختطفتين وغادرا بعد أن صار في جيب أبي رمزي القصيدة التالية بالعامية اللبنانية بعنوان "الجنازة حامية والمخطوف شحاطة ":

يا مْدوِّن التاريخ سجِّل هالخَبَر
عَن ْواقعه صارت حقيقة بالخُبَر
لا مْخططنلا .. ولا حسابا حاسبين
بلشِت لوَحْدا تشق بالواقع مَمَرّ
مِن بَعد سهرة مع أحبة طيبين
استأذنتهن ومشيت وببالي صور
عن وفاهن عن صداقة صادقين
عن ناس بحضورن إلو نكهة السمر
ولما وصلت عالبيت وصلة غافلين
عن خطأ صار بدون قصدي بالضرر
شفت أرض الخف بالأجر اليمين
تغير للون البيج .. حَسَّبـتو انقشر
بأمري احترت وبقيت بين شك ويقين
وما كنت إعثر للحقيقة عا أثر
حتى اتصل خيي بو رمزي بعد حين
ووضَّح الغامض للبصيرة والبصر
وعرفت أنو بعهدتي خفُّو الحزين
وأسرى ورهائن صار عَ مَدّ النظر
قـلي يا بو أياد نحنا قاصدين
بصحبة أخي معروف نعقد مؤتمر
رحبت واستنظرت وفد الساهرين
وتصوَّر بهاك الليل شو طاب السهر
بآخر السهرة قال بو رمزي الأمين
يلا يا بو أياد نتبادل نـمـَرْ
وبجو عابق بالحبق والياسمين
هوي استلم "شحاطتو" ورد الـ إلي
وكلمن استرجع فردتو و خَيُّو شكر

CONVERSATION

0 comments: