مظفر النوّاب الشاعر العراقي المرموق و"الغجري " المتمرد المتميز والمتفرد ، المعروف والمشهور بشتائمه وألفاظه وتعابيره النابية البذيئة ، وكراهيته العمياء لأنظمة القهر والذل والعار، التي بدأت تذبل وتتساقط كأوراق الخريف المتناثرة.هذا الشاعر خطف الأبصار، وسكنت محبته قلوب الثائرين والأحرار والمثقفين والمتأدبين، وقلوب القطاعات الشعبية المقهورة والمنسحقة على امتداد الخاصرة العربية.
وهذا الشاعر المبدع ، لا يهاب ، ولا يساوم، ولا يرتاح،ادمن الشعر في سبيل حبه الجميل ،وغار في ملاحم الثورة والعشق العربي قبساً تتقاسمه نوائب الدهر . فكان شاعر الثورة العربية المغتربة ،التي غنى لها وتنبأ بها ، وانفجرت أخيراً لتدك العروش الرجعية المهترئة التي اكل عليها الدهر وشرب.
ومظفر هو شاعر الجماهير المنصهرة في دمه ، حمل جراحه فوق كتفه، وعاش في قلب الحدث السياسي ، وترك وطنه وبلده ، بلد الرشيد والنخيل ، ودجلة والفرات، باحثاً عن وطن يعيد اليه ملامحه القديمة . وظلت حياته رحيلاً دائماً بعد أن عانى الملاحقة وتعذيب السجان من قبل النظام الديكتاتوري الاستبدادي في العراق ، وجاء الى سوريا هاتفاً :
اتيت الشام احمل قرط بغداد السبية
بين ايدي الفرس والغلمان
مجروحاً على فرسي من اللهب
قصدت المسجد الاموي لم اعثر على أحد من العرب
فقلت أرى يزيد لعله ندم على قتل الحسين
وجدته ثملاً وجيش الروم في حلب
وهو الصوت الشاعري الغاضب المدوّي ، القريب من الأمل والحلم المطرز بالخلاص والفرح، والمناضل الذي أسكره القمع البوليسي وحوله الى قارورة خمر للشعر العربي الثوري الراديكالي ، وأتانا بالابداع الشعري الجميل في غنائيات للحم المحروق في تل الزعتر ، وللمتألمين المعذبين المتطلعين للحرية في عروس العروبة (القدس)، التي قال فيها مخاطباً أنظمة التخاذل :
القدس عروس عروبتكم
فلماذا ادخلتم كل زناة الليل الى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافحتم شرفاً
وصرختم فيها ان تسكت صوناً للعرض
فما أشرفكم !
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟؟!
ومظفر النواب مسكون بهاجس الكتابة ، مخلص للقصيدة، منغمس في الهم العام الجماعي والقضايا العربية المصيرية . جاءت أشعاره حارة كالفلفل، جريئة ومتمردة وصادقة ، ترفض الجور والظلم والاستبداد ، وتتمرد على القهر والاضطهاد. وهو بمثابة الطبيب الجراح يشخص الحالة ويكشف مكامن الألم والوجع في الجسد العربي المهترئ بحرارة نادرة ، تجعل أجهزة الأمن العربية يتحسسون بنادقهم ومسدساتهم باستمرار ـ على رأي (غوبلز) وزير الاعلام الهتلري.
واليوم يعود مظفر الى عرينه زائراً ، في طريقه للعلاج ، يملأه الشوق والظمأ لبغداد ، التي لم تغب لحظة واحدة عن عينيه . انه يعود اليها بكل إباء وشموخ ،وبهامة عالية تطاول عنان السماء .
فالتحية اليك يا مظفر النوّاب ، ولتظل قصيدتك سعفة نجدف بها قارب الحب والثورة نحو مرافئ الشمس والمستقبل .
إقرأ أيضاً
-
Trifles أشخاص المسرحية سبعة وهم : جورج هندرسون (مفوض المقاطعة) ، هنري بيترز ( الشريف)، لويس هايل ( مزارع وجار لآل رايت) ، السيدة بيترز (زوج...
-
حازت الروائية والشاعرة اللبنانية المقيمة في فرنسا فينوس خوري غاتا (74 سنة)، جائزة أكاديمية "غونكور" للشعر 2011 عن مجمل أعمالها، ع...
-
يعتبر التراث الشعبي لكل أمة حجر الزاوية في بناء حضارتها وتطورها وتقدمها،والتراث هو ما ورثناه عن الآباء والأجداد وتناقلته الأجيال المتعاقبة م...
-
تحقيق ريما يوسف سلس، عذب، يتهادى على أنغام ربانية، تخرج من الحنجرة بأروع قافية وخاتمة، روعته تكمن بالتحدي، وسحره بتسلسله المتناغم،...
-
ما من شك ان العمل الذي اقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر أثناء عملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ، بإشعال النيران في منزل الصح...
-
السيدة الوزيرة وانا اصاحب احدى السيدات لتضع مولودها بإحدى المستشفيات العمومية، حيث تقف عن وجه من او...
-
يغادرنا اليوم اللواء أنطوان لحد الذي غاب عن الاعلام منذ الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب سنة 2000 وهو كان قاد جيش لبنان الجنوبي مدة 16 عاما و...
-
ليست الرواية الأولى التي أخوض غمارها للكاتب السوري الشاب عبد الله المكسور، وربما لحسن الحظ أننا قد ارتبطنا بصداقة قوية رغم المسافات م...
-
خليل حاوي * خليل حاوي شاعر لبناني درس الفلسفة في جامعة كمبردج البريطانية وبعد أنْ نال شهادة الدكتوراه رجع إلى لبنان ليمارس التدريس في إح...
-
الغربة من فريد بو فرنسيس أقامت بلدية مزيارة حفلاً تكريميًا للشاعر يونس الإبن، وذلك برعاية معالي وزير الثقافة الأستاذ غابي ليون مم...
0 comments:
إرسال تعليق