عزيزي السيد أبوت، رئيس الوزراء المحترم،
تحركك لمجابهة اي خطر ارهابي محتمل على استراليا، مشكور ومرغوب ومطلوب نهنئك عليه. ونتمنى ان تتمكن استراليا من المساهمة الفعلية للحد من تفشي موجة الارهاب داخلياً وخارجياً...
الميزانية التي اعلنتها من 64 مليون دولار توازي حبة اسبرين لمريض يعاني من انسداد في شرايين القلب... الجزء الاكبر من هذا المبلغ سيذهب الى مؤسسة الشرطة. ونحن بالطبع نؤيد زيادة امكانيات الشرطة لتتمكن من التصدي للارهابيين او توقيفهم قبل ان يرتكبوا جرائمهم البشعة... وجزء صغير – أقل من الخمس – سيذهب لاشراك مؤسسات اهلية. وهذا جيد ايضاً... ولكن، وبكل بساطة، فحبة الاسبرين هذه، لن تساهم مساهمة فعلية بتجفيف منابع الارهاب... طبعاً ستسأل: كيف نحارب الارهاب اذن؟
أشكرك على سؤالك الافتراضي. واقول: الارهاب ، يا سيدي، له روافد عديدة منها: الجهل، التخلف، الفقر، البطالة، التعصب، القهر، الاستبداد، فقدان العدالة، التهميش، الاقصاء... والارهاب نوعان: خارجي وداخلي. وسأتكلم في الشق الاول من رسالتي عن الارهاب الخارجي.
الراعي الاول للارهاب في العالم هو حليفتاك: اميركا واسرائيل. دعك من التقارير الصحفية التي تشير الى ان الخليفة، غير الراشد، ابو بكر البغدادي القرشي، هو خرّيج الموساد والسي آي آي. وهناك من يقول انه ليس بغدادياً ولا قرشياً حتى ولا "ابو بكر"... ودعك من تقرير المجلة الالمانية الرصينة، دير شبيغل، التي تقول ان الامريكيين تعبوا كثيراً على البغدادي وقياداته في غوانتانمو باي، تدريباً وتنظيماً واعداداً وحشواً لدماغه بالمتفجرات المذهبية... دعنا من كل ذلك وانظر الى ملهم الارهابيين في عصرنا الحديث، اسامة بن لادن وقاعدته، هل تتذكر من اطلق القاعدة؟ مَن درَّب رجالها؟ من امدّهم بالمال والتكنولوجيا ليحاربوا في افغانستان؟ لا شك تتذكر. انها اميركا ما غيرها. الحاضنة الاولى للارهاب في العالم... هل تعرف ان حليفتك أجهضت كل محاولة في العالم العربي والاسلامي، وفي العالم، نحو التقدم والتطور وازاحة طبقات الجهل الكثيفة؟ دعمت كل الانظمة الدكتاتورية في العالم ومنعت اي ضوء ديمقراطي يتسرب. وانت تعرف ان الديمقراطية هي امضى سلاح في محاربة الارهاب... فكل هذه الحركات الارهابية وُلدت، وعاشت وترعرعت وكبرت في ظل هذه الدكتاتوريات التي حضنتها اميركا... ورعت مباشرة القاعدة والتي تفرع عنها "قواعد"... هل تعرف ان السلفية/ الوهّابية القائلة: "باللسان إن قبلوا وبالسيف إن رفضوا..." هي ام كل الحركات الجهادية التكفيرية الارهابية؟ وهل تعلم ان من الوهابية تفرع "الاخوان المسلمون"، الحلفاء الطبيعيون لاميركا؟ ومنها تفرع ايضاً كل الحركات الجهادية التي كفَّرت العقل والمنطق وحجَّبت العقل قبل ان تحجّب الجسد؟ اميركا، يا سيدي، هي الراعية الاولى للارهاب الاسرائيلي في المنطقة. خذ مثلاً المجزرة الاخيرة في غزة. أكثر من الفي قتيل فلسطيني. معظمهم مدنيون سقطوا بفضل السلاح الاسرائيلي/الاميركي المتطور. احياء بكاملها مُسِحت عن وجه الارض. عائلات بكاملها أُبيدت. مدارس، مستشفيات وملاجىء تابعة للامم المتحدة هُدِمت على مَن فيها من ابرياء... تاريخ اسرائيل كله مجازر بحق المدنيين الابرياء في فلسطين ومصر والاردن وسوريا ولبنان... ناهيك عن تاريخ اميركا المباشر في المنطقة والعالم...ماذا كان موقفك منها؟ وماذا قلت؟ هل سمعنا منك كلمة ادانة واحدة؟ نعم سمعنا. ادنت اطلاق الصواريخ من غزة التي قتلت اربعة او خمسة اسرائليين مدنيين، ولم تدن من قتل الاف المدنيين الابرياء... أما ان نداوي بيد ونقتل بيد اخرى فليست هذه مكافحة للارهاب. نمنع ونلاحق الارهابيين الاسلاميين الذين يلتحقون بالنصرة وداعش وغيرها، وهذا واجب، ثم نغض الطرف عن ارهابيين يهود يلتحقون بجيش الاحتلال الاسرائيلي. يرتكبون من الفظائع اضعاف ما يرتكبه الداعشيون. داعش تذبح بالسكين. وجيش اسرائيل يهدم البناية والمدرسة والمستشفى على مَن فيها بالمدفع والصاروخ والطائرة. انت تدين داعش وتدافع عن اسرائيل. ونحن ندين داعش وندين اسرائيل...
ألا تعتقد ان هذا الظلم العالمي الاميركي الاسرائيلي المدعوم عالمياً ومنكم بالتحديد، قد اوجد الارضية الصالحة لاستغلالها من قبل المتطرفين؟ فاذا كنت لا تستطيع لجم حليفتَيك: اميركا واسرائيل، عن العيش على دماء الشعوب المقهورة، ولن تستطيع. أليس الاجدى بك، وبخصومك السياسيين، من التعاقد على ميثاق شرف انكما لا تؤيدان ولا تدعمان اية قضية الا المبنية على العدالة واحترام حقوق الانسان؟ ألا تخففون، إن فعلتم، من قطع رافد من روافد الارهاب؟ وهل في ميزانيتك شيء للتصدي لهذا الرافد المهم من روافد الارهاب؟ او هل هناك على الاقل محاولة للتعرف على الاسباب الفعلية التي تغذي الارهاب المضاد؟ لا اعتقد ذلك... سأكتفي بهذا القدر من الاسباب الخارجية، ولنتوجه الى الداخل، وهو بيت الداء والدواء.
روافد الارهاب الداخلي، اضافة الى الروافد الخارجية، كثيرة سأذكر ثلاثة منها: التمييز، النظام التعليمي والبيت.فالتمييز لا زال معششاً في الكثير من مؤسسات المجتمع الاسترالي من جهاز شرطة ومؤسسات اعلامية الى المدرسة والبيت. حتى وصل مؤخراً الى محاولة شرعنته قانونياً. وعلى حكومتك يا سيد ابوت، وعلى كل الحكومات القادمة، ان تبذل الكثير من الوقت والجهد والمال لمحاربة التمييز ودعم التعددية الثقافية الصحيحة، الطريق الامثل لمحاربة الارهاب...هذا اذا كنت تفكر جدياً بذلك.
بالنسبة للنظام التعليمي: اراهنك يا سيد أبوت، ان كل الارهابيين الشباب، الذين التحقوا بالحركات الارهابية، والذين يجهزون انفسهم للالتحاق، مروا بنظامنا التعليمي ولم يستطع هذا النظام حمايتهم او تحصينهم. معظمهم ظهرت عليهم، في اوقات مبكرة، عوارض "الارهاب" ولم يستطع النظام التعليمي معالجتهم... معظمهم عانوا من اضطرابات عقلية او نفسية ولم يستطع النظام كشفهم. أو لو كشفهم لما استطاع مساعدتهم بسبب العجز الفاضح في الموارد والامكانيات... لقد عملت لاكثر من عشرين سنة، من خلال وزارة التعليم في الولاية، في برنامج لمساعدة الطلاب للبقاء في المدارس. اسأل اي مدرس من اعضاء هذا البرنامج، يدلك على عشرات الارهابيين المحتملين. إن كان من مجرمي الداخل ضد مجتمعنا، او المجرمين الذين نصدرهم للخارج للالتحاق بالنصرة وداعش... بدل ان تطور الوزارة هذا البرنامج وتستعين بخبرة اعضائه تبدأ بنتف رياشه لافراغه من اية قيمة...امامك، يا سيدي، وامام الحكومات اللاحقة، عمل كثير في هذا المجال... النظام التعليمي هو الاساس في مكافحة الارهاب...فهل في ميزانيتك شيء لدعمه؟
اما البيت فهو الفقَّاسة الاهم ل "دعشوشيين" صغار. والبيت الذي اعنيه لا يمكن الوصول اليه من خلال ما خصصته في الميزانية، مشكوراً، لاشراك المؤسسات الاهلية. أهل هذا البيت يعيشون في استراليا بالجسد، ويعيشون بالممارسة في دولة الخلافة الاسلامية. يعلّمون اولادهم على الحقد والكراهية ورفض الاخر. يرسلونهم الى مدارس تعلِّم الفصل والتمييز. يستمعون الى شيخ حاقد. او الى فضائية وهّابية مسمومة. او يتابعون مشايخ التحريض على الانترنت. فتُحشي ادمغتهم البريئة بفقه نكاح السبايا، ومفاخذة الطفلة، وفتاوى العار مثل فتوى مضاجعة الوداع... ثم يقولون لهم " انتم خير امة أُخرجت للناس..." فماذا في ميزانيتك للوصول الى هذه الفقّاسات الارهابية يا سيد أبوت؟
ملاحقة الارهاب والارهابيين واجب كل مواطن. والتعرف على منابع الارهاب واجب كل مسؤول قبل وصف الدواء. فلماذا يا سيدي لا تستعين بالخبراء، وعندنا منهم الكثير، وبعد التعرف على جميع الاسباب التي تدفع بالشباب الى احضان المنظمات الارهابية، تتفق مع كل الشركاء في الوطن على سياسة موحدة لمكافحة الارهاب. هذا الموضوع يجب الا يكون موضوعاً لمساومة سياسية. يجب ان يكون من المسلمات الاساسية ويجب ان يلتقي حوله الجميع. التشخيص الصحيح للمرض يقود الى وصف العلاج الصحيح...
الارهاب ارهاب. من اية جهة اتى. واذا كنا غير قادرين على معالجة اسبابه الخارجية، فعلى الاقل يجب عدم الكيل بمكيالين... اما على الصعيد الداخلي فنحن اكثر من قادرين على تشخيص المرض تشخيصاً صحيحاً ليتمكن اطباؤنا من وصف العلاج الصحيح.
مع تحياتي
جورج هاشم
2 comments:
استاذي العزيز جورج هاشم المحترم : اهنيك على جرأتك بموقفك الجريئ اتجاه القضية القومية و الوطنية و خطابك الموجه للسيد طوني ابت بسبب مواقفه التخاذلة و التي لا تمت بصلة للضمير ولا للوجدان خاصة من رجل يترأس حكومة دولة ديمقراطية تدعي انها مع حقوق الانسان اي المستضعفين . لكن كنت اسعد اكثر لو كانت هذه الرسالة مرسلة من بيت واحد موحد هو البيت اللبناني في استراليا ليكون لنا صوت نسمعه للذين لا يسمعون صراخ شعبنا . نعم استاذ جورج انت وقفت وقفة عز تحكم بها الضمير و صحت الوجدان و اعادت الحنان و الاشواق الى بلادنا لنختلي مع انفسنا و نحاسب انفسنا على اننا قصرنا بحق الوطن و الامة و بحق من تركناهم يعانوا بسبب تركنا للحمل الثقيل على عاتقهم و نحن هنا تنعمنا بالراحة و لبسنا الديباج و ركبنا الهودج و نذهب الى العزومات و نتناول اشهى المأكولات وما طاب من الفاكهة و الملذات و انشغلنا عن شعبنا باللهو بالصور في الصحف ببعضنا البعض مين جلس على طاولة الشرف و مين لا يجلس و كأن فينا ناس بشرف و ناس بلا شرف و كلنا من آدم و حواء و هم من تراب و كلنا اولاد تسعة ( أماانا سباعي )وصلت السكين الى رقبة محمد و علي و جورج و معروف و وطن يبحث عن من يعمل في وظيفة رئيس جمهورية و هذا 8 و ذاك 14 و كلهم من شهر واحد آذار و وطن واحد لبنان و الثاني جار من جيران كيانات امة واحدة , اهنيك مرة اخرى و انا معك .
عزيزي السيد موسى مرعي
اشكرك على رأيك الايجابي برسالتي وانا مثلك اتمنى ان نصل الى اليوم الذي تستطيع فيه جاليتنا ان يكون لها موقف موحد من القضايا المصيرية والحساسة وان يصدر هذا الموقف عن " البيت اللبناني" الذي نحلم به جميعاً.
إرسال تعليق