منذ ان شنت اسرائيل حربها العدوانية بالوكالة عن امريكا لأول مرة على المقاومة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله في تموز/2006، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية أنذاك "كونداليزا رايس" بان هدف تلك الحرب،هو بناء وخلق شرق اوسط جديد،ولكن صمود وانتصار حزب الله اللبناني افشل ذلك المخطط،ومن قبل ذلك عندما تورطت امريكا في المستنقع العراقي،كانت مراكز البحث والدراسات والمخابرات الأمريكية،تبحث عن مشاريع جديدة للمنطقة،تمكن من إستمرار السيطرة الأمريكية على المنطقة لعشرات ان لم يكن مئات السنين القادمة،وكان تقرير بيكر- هاملتون حول السياسة الخارجية الأمريكية للمنطقة،والذي اوصى بتطبيق مشروع ما يسمى بالفوضى الخلاقة،والذي يرتكز إلى إدخال المنطقة في اتون حرب مذهبية وطائفية،من شانها ان تقسم وتجزء وتذرر وتفكك الجغرافيا العربية وتعيد تركيبها من جديد على اساس الثروات خدمة لهذا المشروع،ونحن شهدنا كيف اندفع هذا المشروع الى الأمام بعد ما يسمى ب"ثورات الربيع" العربي،حيث التقت وتزاوجت مصالح فقه البداوة والبترودلار والمال الخليجي والإخوان المسلمين"جماعة التتريك" مع الأمريكان في هذا المشروع،وعهد لكل طرف بتنفيذ الدور المنوط به،ولكن لم تأتي حسابات الحقل على حسابات البيدر وتعثر المشروع في مفاصله الأساسية،فالمطلوب للتنفيذ ضرب المشروع القومي العربي والقضاء عليه في مراكز عصبه الأساسية دمشق والقاهرة،فبعد تدمير العراق وتحطيمه وتفكيكه سلطة وجيش وجغرافيا،كان الإستهداف للحلقتين السورية والمصرية،ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان،مصر سقط الإخوان بعد اقل من عام وسقط مرسي،وسوريا صمدت ولم ينجح المشروع،ولذلك كان لا بد من معاودة الهجوم على المنطقة من اجل تحقيق هذا المشروع وتحقيقه مرتبط بالأساس بكسر صمود الحلقة السورية،حيث ان القوى التكفيرية من نصرة وتوابعها وما يسمى بالمعارضة السورية وغيرها فشلت في الدور المنوط بها في سوريا،وفي هذا السياق كان يجري بلورة تحالف ايراني- عراقي- سوريا ولبناني من خلال حزب الله،من شأنه ان يغير الخارطة الجيو سياسية للمنطقة،وبما يعزل حلفاء امريكا ويقزم ويحجم دورهم،بل ربما يشكل خطر جدي على مشيخات النفط والكاز،وجماعة التتريك لصالح ايران وسوريا وحزب الله،وبما يكمل الهلال الشيعي من طهران حتى بيروت،ويعزز من التحالف العراقي – السوري،ولذلك جاء مشروع ما يسمى بدولة الخلافة في العراق وسوريا"داعش"،هذه الحركة التي جرى تصنيعها في دفيئات الخليج وعواصمه،وتم إمدادها بكل مقومات القوة والبقاء والتمدد مالياً وعسكرياً ولوجستيا واستخباراتياً وتوزعت الأدوار بين الرياض والدوحة وانقرة وواشنطن وتل ابيب وباريس على وجه الخصوص،وتمكنت "داعش" بفضل ذلك من إحتلال مساحات واسعة من الأراضي العراقية وكذلك السيطرة على جزء من الأراضي السورية وتحديدا في منطقة الرقة.
وازا ما ارتكبته داعش من جرائم وفظائع بالقتل والتدمير والتخريب والتهجير للسكان،وحيث أصبح من الممكن في حالة عدم ضبط إيقاعات داعش والسيطرة عليها ان يرتد ارهابها الى حواضنها ودفيئاتها الأساسية في الخليج،وكذلك ان ينتقل ارهابها مع المقاتلين الأوروبيين مع "داعش" إلى العواصم الأوروبية،ولذلك وجدنا بأن هناك قرارا امريكياً وخليجياً تركياً بتقليم اظافر "داعش" في العراق" ونزع اللحى والعمائم عنها في سوريا،لكي تصبح معارضة مقبولة تتولى عملية التفاوض من اجل السيطرة على الحكم هناك،بعد إسقاط النظام السوري،حيث ان النظام يمنع قيام الشرق الأوسط الأمريكي الجديد،وتحت ذريعة محاربة"داعش" تعود امريكا للمواجهة مباشرة من اجل ضرب النظام السوري لتحقيق إختراق جدي لصالح مشروعها،فكذبة الحرب على "داعش" مكشوفة واضحة،فمن يريد محاربة "داعش" يوقف ويقطع كل شريان ومقومات بقائها ووجودها وقوتها من الرياض والدوحة مروراً بانقرة وواشنطن وتل ابيب،تجفيف منابعها ومصادرها المالية ووقف تسليحها وإغلاق الحدود التركية من جهة سوريا والعراق كفيل بان ينهي "داعش"،ولكن "داعش" لها دور في سياق المشروع الأمريكي،فامريكا تريد ان تتخذ من حربها المزعومة على "داعش" ذريعة لكي تقوم بضرب النظام السوري،وإقتطاع جزء من أراضيه لإقامة ما يسمى بالمناطق العازلة،وبغطاء دولي خارج إطار الأمم المتحدة،هذه المناطق العازلة تريد قيامها من خلال قيام الطائرات الأمريكية بضرب قواعد" ل"داعش" في سوريا بدون موافقتها،وفي حالة تصدي المضادات السورية للطائرات الأمريكية فإنها ستشن عدواناً على سوريا،عدواناً من اجل تحقيق اهدافها المقررة والمعدة سلفاً،تقسيم وتذرير وتفكيك وإعادة تركيب جغرافية المنطقة من العراق الى سوريا فلبنان فالأردن وحتى مصر والسعودية.
واضح بان امريكا وحلفائها يريدون ان يوصلوا رسالة الى ايران وروسيا وجس نبضهما وردة فعلهما على هكذا عدوان،حيث رفضت طهران ان تكون جزءاً من اجتماع باريس بدون سوريا للمشاركة في الحرب على"داعش" وموسكو اعتبرت ذلك عدواناً على سوريا،وهي ستعمل على تزويد سوريا باحدث الأسلحة للتصدي لهذا العدوان،فهي ترى في دمشق خطاً احمر وتدخل في إطار مصالحها الإستراتيجية،ولذلك ستمنع بالقوة سقوط النظام السوري.
والمناطق العازلة التي يروج لها أردوغان وكيل النفط السوري والعراقي المسروق من قبل "داعش" والذي يشتريه بما يوازي 10% من قيمته الحقيقة،هو من يدعم إرهاب "داعش" وغيرها من الجماعات والحركات الإرهابية ضد سوريا والعراق ومصر. اما السعودية التي شكلت حاضنة ودفيئة لهذه الجماعات الإرهابية،والتي تدعي الخلاف معها الان ومع اردوغان،هي من تقوم بإرسال الأموال للمرتزقة القابعين على الحدود التركية السورية وإعلانها عن إنشاء ما يسمى معسكرات تدريب على أراضيها لما يسمّى معارضة سورية من أجل محاربة داعش كل هذا يأتي في إطار إعادة تقسيم سورية إلى دويلات كما جاء تقسيم فرنسا إبان الانتداب الفرنسي لسورية منذ قرن من الزمن تقريباً. ويكمل الصورة الخائن لوطنه المدعو كمال اللبواني الذي تشدّق في «إسرائيل» باسم الشعب السوري وزار أحد أعوان نتيناهو طالباً منه أن يساعده في إقناع عصابات تل أبيب بدعم الجنوب،خصوصاً السويداء،وهو يعلم أي اللبواني أنه لم يفوّض من أهل سورية عموماً ولا من أهل الجنوب خصوصاً. فحديثه هذا جاء في إطار استكمال التقسيم النظري الذي رسمته حدود الدم الأميركية للمنطقة بهدف ضمان أمن «إسرائيل» والاستيلاء على المياه والثروات وضمان مستقبل قد يستمر مئة عام أخرى من أجل مصالح الشركات الأميركية لا الشعب الأميركي. واهمين أن أمن «إسرائيل» سيكون بتقسيم سورية ولبنان والعراق من جديد وإشغالهم بحرب طائفية يزيح عن «إسرائيل» همومها ويضعف المقاومة.
هذه هي الأهداف الحقيقة للحرب الأمريكية،والحرب على "داعش" مجرد ذريعة وغطاء لحشد الدعم والتأييد الأممي للعدوان على سوريا.
0 comments:
إرسال تعليق