الحبُّ قد أمر/ فاطمة ناعوت

"الشيُء الجميل/ هو تلك الرواية/ التي قررنا أن نخطَّها يومًا/ لأن القلمَ
يصنعُ أحيانًا ما يعجزُ عنهُ/ رجلٌ يتلو كلامَ الله/ سنقولُ لمحاكمينا:/ "نحن فنانون
نحيا كبوهيميين/ منطقُكم يخصّكم وحدكم/ سامحونا/ فقط/ نريدُ أن نتنفَّس.” 
***
في عيد الحب، أحكي لكم شوية حواديت. 
كنّا نقفُ في طابور طويل كأنه الدهر، تحت مطر أمستردام، أمام شباك تذاكر متحف الشمع (مدام توسو ). صديقي المصري الطبيب "يوسف رمزي"، الذي يعيش في هولندا منذ ٣٠ عامًا، وأنا. أمامنا أسرةٌ من أب وطفلاته الثلاث. كان واضحًا أنهم جاءوا من الريف الهولندي للتنزه بالعاصمة في عطلة نهاية الأسبوع. الطفلات يتقافزن فرحًا ولا يصبرن على الدخول ويحكين عما سيشاهدنه من عجائب داخل المتحف، كما سمعن من أصدقائهن. داعبهن د. يوسف وسأل واحدة: “خايفة؟" فقالت وهي تضحك: “سنشاهد الناس الذين ماتوا كأنهم أحياء، ربما سأخاف!” وصلت الأسرة إلى شباك التذاكر ولما وجد الأبُ التذكرة بـ٢٢ يورو، سحب طفلاته ومضى لأن ٨٨ يورو مبلغ ضخم بالنسبة لقروي بسيط. بكت الطفلاتُ ومشين وراء الأب منكّسات الرأس. همس صديقي الطبيب لعامل التذاكر، فنادى الأبَ وأخبره أن اليوم تخفيض ٥٠٪. ودفع صديقي الطيب "سرًّا" بقية قيمة تذاكر تلك الأسرة الجميلة، دون أن يعرف الأبُ ولا طفلاته ما حدث. لماذا فعل صديقي ما فعل؟ "إنه الحب قد أمر". ولماذا جعلنا اللهُ نقفُ مباشرة خلف تلك الأسرة؟ لأن اللهَ يحبُّ ويرسم الطريقَ للبشر لكي يتعلموا الحب.
كلما أتى صديقي هذا إلى مصر، ملأ حقيبته بالهدايا، التي تشتريها زوجته الهولندية "مارجو" لأطفال مصر الفقراء، فمنحتُه لقبَ: "سانتا كلوز المصري”.
صوماليٌّ أسود اسمه "مختار" يعمل سائق باص في الدنمارك. توقف الباص في محطة، فصعد رجلٌ يحمل "ساكس"، وراح يعزف لحن "عيد الميلاد"، وشرعت سيدةٌ في الغناء. وسرعان ما شاركها الركّاب. اندهش السائق. عيد ميلاد في الباص؟! يا للمجانين! في المحطة التالية، حشدٌ من البشر يقطعون الطريق، حاملين أعلامًا ملونة عليها عبارة: "عيد ميلاد سعيد يا مختار!" الدهشةُ التي ارتسمت على وجهه، وشهقة عدم التصديق، تقفُ دونها الكلمات، مهما بلغتْ من بيان وتبيان. لابد أن تشاهدوها بأنفسكم، مثلي، لكي يصلكم الفرحُ الذي غمر قلبَ عامل بسيط يكدّ من أجل الخبز، في بلاد جادّة لا مكان فيها لخامل. اليوم عيد ميلاده. وشأن كل الكادحين في العالم، لم يتذكر الرجلُ. وإن تذكّر ما الفرق؟ لكن مؤسسة النقل العام، قررت أن تمنحه شيئًا من الفرح، وتحتفل به على نحو مبتكر، على الطريق! راوغ الدمعُ عينيه، بينما يعانقه رؤساؤه وزملاؤه السائقون، وسط المارّة والركّاب الذين يلوحون بالرايات الملونة التي تحمل اسمه "العربي، المسلم". ما الذي جعل مواطنين دنمارك يفكرون في إبهاج سائق بسيط أسود؟ "إنه الحبُّ قد أمر.”
أولئك بشرٌ يفهمون الحياةَ على نحو مختلف عما يفهمه سواهم من الشكلانيين الذي يمسّون الحياة مسًّا طفيفًا ولا يتقنون شيئًا. أصدقاؤنا الدنمارك وصديقي المصري وغيرهم من نماذج البشر الطيبة، يتفانون في العمل، ويتفانون في الحياة، ويتفانون في حب الله. يحبون الناسَ؛ دون النظر إلى اللون والعقيدة والعِرق. يقدسون وقتَ العمل؛ فيهبونه "كاملاً" للعمل، ويقدسون وقتَ الراحة؛ فيهبونه "كاملاً" للراحة، ويقدسون وقتَ العبادة، فيهبونه "كاملاً" للعبادة. بينما نحن، في أحيان كثيرة. لا نعملُ بجد، ولا نستمتعُ بجد، ولا نحبّ بجد. نمسُّ الأمورَ دون عمق، فلا نخلصُ لشيء! كم واحدًا منّا أحبّ أولئك الكادحين، الذين على سواعدهم تسيرُ حياتنا، ثم لا نعبأ حتى بأن نقول لهم: شكرًا. 
دعونا نستسلم لقانون الحب، وننصت إليه إذا أمَر.
***
* من قصيدة "أرجوحة الفلّ" | من ديوان "نقرة إصبع" | فاطمة ناعوت | الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002
مجلة "نصف الدنيا"
٢١ فبراير ٢٠١٤

CONVERSATION

2 comments:

جوزاف بو ملحم يقول...

الدنيا كلها تحبك يا بنت ست الدنيا

جوزاف بو ملحم

د/ اكرم الشرقاوى يقول...

سلمت يداكى سندريلا
دائما تبحثين عن الافضل
فى الإنجيل. اللة محبة
وفى الإسلام فى الحديث القدسى. إن الله إذا احب عبدا نادى فى اهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوة فيحبه اهل السماء
ثم ينادى مناد من قبل الله فى اهل الارض. إن الله يحب فلانافأحبوه
فيوضع لة القبول فيحبة اهل الارض. او كما قال تعالى.
قانون الحب قانون سماوى
حب الله. حب الوطن. حب الناس. حب العمل. حب الخير. إلخ
اتمنى ان نرضى جميعا بقانون الحب وننصت لامره
عندئذ سنحيا فى المدينة الفاضلة.
تحياتى تقديرى يا سندريلا.
د/ اكرم الشرقاوى