كان يسكن معي في الغرفة طالب لغة انجليزية ورغم أني كنت أدرس التاريخ الا أنه كانت لي اهتمامات باللغة الانجليزية ، لذلك نشأت بيننا صداقةعلمية بالإضافة الى الصداقة الانسانية والاجتماعية ، وكانت ميزته أنه يتعمد معاكستي خلال أي نقاش بيننا نحن طلبة التاريخ والفلسفة واللغة الانجليزية !
ورغم أنه مضى على رحيلي عن الجامعة أكثر من خمسة عشر سنة إلا أني لا زلت أتذكر نقاشاتنا وكأنها البارحة فقط ، ولا أعرف ماذا يفعل صديقي الآن؟
وبعد هذه المدة أدركت أن بعض كلامه كان صحيحا ووجيها...مثلا فأنا بسبب كرهي للغة الفرنسية وتحمسي للغة الانجليزية، كنت دائما أقول له أن الانجليزية ستصبح اللغة الاولى في الجزائر بعد خمس سنوات، بسبب ما كنت أقرأه عن العولمة واهتمام الولايات المتحدة بشمال افريقيا وهو كان يصر أن الجزائريين أوفياء للغة الفرنسية، وسيبقون كذلك لمدة قرن أخر على الأقل!
واليوم لا تزال الفرنسية هي السيدة في الادارة والاعلام والفكر ، وللأسف كان كلام صديقي صحيحا!
والنقاش الثاني كان حول وليام شكسبير إذ قلت له أن مؤرخي الأدب الانجليزي يشكون بل ويجزمون أن من كتب تلك الروائع الخالدة ليس شكسبير وإنما شخص أخر ؟
بل يقولون أن شكسبير شخصية متخيلة لا وجود لها أصلا !
فيبتسم ويقول:ـ حتى ولو كان هذا الافتراض صحيحا... وأن من ألف تلك الروائع ليس شكسبير وإنما بيل أو هنري....فذلك لا أهمية له بالنسبة لنا ، ما يهمني هوالاستمتاع بهاملت، وروميو....ومأساة الملك لير...
وبالرغم من أني كنت ادرس التاريخ الا أني كنت مولعا بقراءة روايات نجيب محفوظ ويوسف ادريس ، فكان دائما يحاول تثبيطي ، فيقول عني ،أني مهما قرأت أو كتبت فلن أكتب شيئا رائعا مثل ما كتب محفوظ، ورغم أن طموحي لم يكن أن أكون مثل محفوظ أو وطار أو مينة...لأن كل انسان يخلق نصه الخاص به، لكن للأسف رغم مرور كل هذه المدة ، من القراءة والخربشة لم أستطع أن أكتب نصا مميزا ...
وعن محفوظ أيضا ، كان يقول دائما أن الأدب لا فائدة منه سوى تدرسيه مقابل تقاضي الاجرة ! فكنت أحاول اقناعه أن للأدب والفن عموما دور حضاري وتنموي كبير...ولما حدثته عن الرمز في الرواية قهقه ثم قال:ـ كيف تفهم أنت الرمز الذي يستخدمه الروائيون الكبار ويغيب عن رجال الرقابة؟ هل أنت أذكى منهم؟هل أنت أكثر ثقافة منهم؟ كان كلامه مفحما فلم أجد بماذا أجيب....هذا ما تذكرته من نقاشات لذيذة مع صديق مميز....
الجزائر
0 comments:
إرسال تعليق