المــايستــرو/ أنطوني ولسن

قبل أن نتحدث عن المــايستــرو ، دعوني أتقدم بالشكر لله لحفاظه على اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية المصري الذي فشلت محاولة إغتياله عند شارع مصطفى النحاس في صباح يوم الخميس الخامس من سبتمبر عام 2013 . ونعزي أسرة الشهيد الذي أستشهد في الحادث ، مع تمنياتنا بالشفاء للذين أصيبوا ومنهم الطفل الذي تم بتر قدمه .

نعود إلى المــايستــرو قائد الأوركسترا الذي يقود الفرقة الموسيقية مهما كان عدد العازفين ، ومهما إختلفت آلات العزف .

يقف في مواجهة الفرقة وبيده عصا صغيرة وأمامه النوته الموسيقية الخاصة باللحن الموسيقي الذي ستعزفه الأوركسترا ومن الطبيعي أن تكون  هذه النوته متعددة . قد تكون جماعية أو فردية لكل فريق عزف على آلة بعينها أو أكثر من آلة.  لذا نجده يحرك العصا بيد واليد الأخرى تتحرك معها مشيرا للفرقة ككل . بعد إنتهاء الصفحة التي أمامه يبدأ بالأنتقال إلى الصفحة التي تليها فإذا كانت النوته تخص فريق معين من العازفين يوقف بيده بقية الفرق ويشير بيده الممسكة بالعصا إلى هذا الفريق أو ذاك . وهكذا يتم عن طريق المــايستــرو التجانس الموسيقي بين الأوركسترا المتعددة الآلات والعازفين طبقا لنوتة أعدها الملحن فيخرج اللحن إلى أذن المشاهد أو المستمع سلسا ممتعا للمشاهد أوالمستمع فيعيش فترات العزف في جو تجاوبي مع ما يسمع إن كان اللحن دراميا أو غير ذلك . كل هذا يعود إلى المــايستــرو الذي قاد الأوركسترا قيادة فنية وبقدرة الدارس الفاهم لمعنى أهمية ما أمامه من نوتة مكتوبة وعليه أن يجعل كل عازف أو عازفين عينهم عليه وعلى عصاه ويده الأخرى للسكوت أو الأنتقال بالعزف إلى الصفحة التالية .

هذا مجرد محاولة مني أشارك بها القاريء أهمية المــايستــرو في حياة الفن الموسيقي ليستمتع الأنسان بأفضل ما لحن الموسيقار .. أي موسيقار مع أي مــايستــرو يقود أي أوركسترا لأمهر العازفين .

هذا عن الفن والموسيقى التي تشرح الصدر وتعمل على الأبداع . فالأنسان السعيد إنتاجه يزيد .. أليس كذلك !!.

على هذا دعوني أنتقل معكم إلى أهمية المــايستــرو في حياة الشعوب . وهنا سيختلف المــايستــرو من قائد للأوركسترا موسيقية ، إلى مــايستــرو قائد لأمة ، لدولة والذي له إسم نعرفه جميعا ومتشابه مع دول العالم أجمع .

مــايستــرو الدولة في بعض الدول يسمى رئيس الوزراء ، ودول أخرى يسمى رئيس الجمهورية . سأكتفي بهاتين التسميتين لأن الملكية أصبح من الصعب تقنينها فليس بين الممالك غير المملكة البريطانية العظمى التي يملك فيها " الملك أو الملكة " ولا يحكم ، لكن رئيس الوزراء هو الحاكم المنتخب من الشعب .   

ماذا لو أعدنا النظر في مــايستــورات مصر الذين حكموا ولن نذهب بعيدا يكفي أن نبدأ بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر . لأن مصر الحديثة بدأت مع محمد على باشا . لكنها عادت إلى ما يمكن تعريفه بألأرتباك لتدخل الإنجليز وتعدد الأحزاب والصراعات بين القصر والحكومات المتعاقبة وضياع حقوق وشخصية الشعب المصري .

عندما تولى عبد الناصر سدة الحكم بدأ بوضع الدولة المركزية التي يتولى شؤونها رجل واحد وهو رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر .

في بداية حكمه عندما كان رئيسا للجمهورية وفي نفس الوقت رئيسا للوزراء كانت ملفات الوزارات تصل إليه عن طريق مكتبه ملخصة تلخيصا وافيا عن أداء كل وزارة وما قدمته من خدمات للشعب وما سوف تقدمه . بهذا الشكل أصبح المــايستــرو عبد الناصر بيده وأمام عينيه جميع ملفات الدولة .

وعندما تم تعين رئيس وزراء ، ظل العمل سائرا كما كان من قبل مع إختلاف بسيط وهو تقديم كل وزارة تقريرا شهريا إلى رئيس الوزراء الذي عليه بدوره إرسال التقارير إلى رئاسة الجمهورية مع توضيحات منه لما قرأه من تقارير .

سار الوضع على هذا المنوال وبدأ عبد الناصر بالعمل من أجل الفلاح والعامل والمواطن العادي فحدد مساحة الأرض الزراعية بمائتي فدان لكل أسرة ووزع على الفلاحين المعدمين 5 فدادين لكل عائلة . هكذا تصرف في أشياء كثيرة قام بها الهدف منها مصلحة مصر والمصريين ، هذا في حد ذاته شيء محمود وجيد .  لكنه حادَ عن خطْ أخذ مصر إلى المستوى العالمي من تقدم ورفاهية كما بدأنا نحن شباب الثورة نأمله من الثورة وعبد الناصر شخصيا .

بدأ ينظر إلى عظمة مصر في عظمته الشخصية فأصبح نجما عالميا بين رؤساء الدول . وكم كنت أتمنى في تلك الأيام أن يعود إلى مصر ليس كرئيس " وكان كذلك " لكن كرجل مصري شغله الشاغل إدارة شؤون الشعب المصري مفضلا ذلك عن النجومية التي ذاق طعمها إلى أن وصلنا إلى هزيمة كان وقعها شديد على الشعب المصري عامة وشبابه خاصة . من الطبيعي أن ما حدث كان بسبب عدم قيادة المــايستــرو لأوركسترا القائمين على العمل ، بل تركها لأهل الثقة .

نأتي إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي تولى الرئاسة محملا بأثقال الهزيمة . فسار عكس ما سار عليه عبد الناصر وإرتمى في أحضان الأمريكان بعد توقيع معهادة كامب ديفيد . ولتخفيف وقعة المعاهدة على المسلمين قام بالأعفاء عن جميع المعتقلين من أتباع الأخوان والجماعات السلفية والجهادية بعد طرد السوفيت . وماذا كانت النتيجة إغتيالة في يوم الأحتفال بالنصر . والسبب أنه ترك  إهتمامه بمصر والعمل على إنتهاز ذلك الأنتصارمن أجل مصر والشعب المصري . لكن كانت فرحته  بالترحيب الأميركي به وإحتضان الرئيس السابق جيمي كارتر له ولأسرته . وهو نفسه جيمي كارتر الذي إحتضن الأخوان بناء على رغبة الرئيس أوباما ورأيناه يوقع مع الرئيس المعزول مرسي على أوراق لم نعرف ما تحتويه وكان ذلك حسب ما شاهدناه بعد خلعه في فيديو ورأينا صورة أخذت لهما ، وصورة أخرى ومعهما المهندس خيرت الشاطر. وهكذا عندما يترك المــايستــرو قيادة الأوركسترا نبدأ في سماع أنغام شاذة وفقدان لمعنى ضياع الأهتمام بمصر والشعب المصري .

نأتي إلى ثالثهما الرئيس المخلوع مبارك الأكثر تأثيرا سلبيا لما حدث في مصر بعد توليه الحكم .   

مما لا شك فيه إغتيال السادات كان له تأثير على الرئيس مبارك . لذا نجده في بداية حكمه حاول بكل جهد السيطرة على أمور البلاد والأستمرار فيما كان يفعله السادات. فترك الأمور تسير كما هي مع الأخوان . لكنهم لم يتركوا الأمور تسير طبيعية مما هدد أمن الدولة وخاصة في التسعينات وما كان يحدث من مجازر وقتل وحرق كنائس المسيحيين . مع الأسف تم التصالح ، أما الرافضون فقد أودعو السجون .

عدم إهتمام مبارك بمصر والشعب المصري جعل الأخوان ينتهزونها فرصة ذهبية لتوسيع رقعة تنظيمهم سواء عن طريق إنضمام أعضاء جدد وخاصة في الصعيد أو إظهار إهتمام بأهل القرى بتقديم بعض الخدمات . والسؤال هنا لماذا لم يهتموا بسكان العشوائيات وسكان المقابر من الأحياء ؟

 كل هذا كان يتم وصلتهم بالرئاسة على أحسن ما تكون إلى أن تم انتخاب 88 عضوا منهم  في برلمان 2005 ونعرف بقية القصة وما حدث في إنتخابات 2010 وعدم نجاحهم في تلك الأنتخابات .

إذن الرئيس مبارك شارك مشاركة فعلية في تمكينهم من الشعب المصري فأصبح لهم سطوة وسلطة على غلابة الشعب المصري فقد كان مشغولا بما هو أهم من مصر والشعب المصري. كان الرئيس المخلوع مبارك وعائلته لهم هدفين ، الأول توريث الحكم لجمال ، والثاني تكوين أكبر ثروة ممكنه . والشعب المصري لم يعد يحتمل تلك الأوضاع فقام بثورته في 25 يناير 2011 خاصة بعد أن خرج أبناء وإخوة وأخوات الشهداء ، شهداء كنيسة القدّيسَّين فكان لخروجهم في شوارع الأسكندرية يهتفون علانية بسقوطه ورحيله مباشرة بعد الحادثة التي وقعت في ديسمبر 2010 .

نعيش أحداث حكم الرئيس المعزول محمد مرسي منذ توليه الحكم إلى أن تم عزله بسلطة الشعب الذي قال كلمته في توليه الحكم ، وقال كلمته لعزله من الحكم . والحق يقال عام من حكم الأخوان كان كافيا بفضحهم وإثبات عدم إنتمائهم لمصر ولا لأي مصري بما فيهم الأهل والعشيرة . لأنهم لو كانوا بالفعل يهتمون بالأهل والعشيرة لكانوا على الأقل إهتموا بالشعب المصري الذي منهم الأهل والعشيرة . لكنهم مع الأسف كان لهم هدف واحد وهو أخونة مصر وتحقيق أجندة الرئيس الأميركي أوباما التي تسعى إلى تفتيت القضاء المصري العريق والشرطة والقوات المسلحة . لكن شاء الله أن يحفظ  مصر وشعبها على الرغم أنها تمر بفترة من أهم وأدق الفترات التي سبق ومرت بها مصر . فترة يكون فيها الشعب المصري أو لا يكون .

الحكومة المؤقته من رئيس جمهورية إلى رئيس وزراء ووزراء ليست لديها السلطة المطلقة . وليست لديها الخبرات اللازمة لقيادة دولة مثل مصر في هذه الفترة الحرجة من تاريخها .

أعداء مصر في الداخل أكثر منهم في الخارج . الكل يتربص بها لتحقيق مآربه . لذا نجد مصر في أشد الحاجة إلى المــايستــرو القائد الذي يستطيع أن يقود مصر والشعب المصري عبر أوركسترا تعرف جيدا مفهوم ومعني النوته الموسيقية للحن الذي كتبه فنان موسيقار لقصة أو نشيد وطني كتبه أديب مهتم بشجون وشؤون الوطن مصر .

هذا المايسترو القائد وجدته في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي ليس ليكون رئيسا للبلاد كما يريد البعض ، لكن كرجل دولة مخوّل من الشعب لتولي قيادته والأخذ بيده لبناء مصر الحديثة .

وهذا لن يتآتى إلا إذا تدخل بالفعل في كل ما يدور على أرض مصر . وأن تتجمع لديه يوميا أعمال جميع الوزراء بما فيهم رئيس الوزراء نفسه . وأن يتعاون معه في هذه المهمة رئيس الجمهورية بغض النظر إن كانت الحكومة أو رئيس الجمهورية وجودهما محدود ومؤقت .

أيضا لا إستعجال في إنتخابات سريعة . بل نتريث فما زال داخل مصر طابور خامس يعمل على فشل مصر وتجويع الشعب المصري وإركاعه .

لن ننتظر حتى يأتي مسؤول أو مسؤولين عن طريق إنتخابات برلمانية أو إنتخابات رئاسية ونعود للسير في دائرة مفرغة لا حول لنا ولا قوة .

أقول وأضغط على ما أقول .. تطهير مصر من جميع الجيوب التي تعمل ضد مصر والشعب المصري . وهذا لن يتم عن طريق إنتخابات نجريها في أقرب فرصة ممكنة حتى نكون صادقين مع الغرب وأميركا . كل الذي تحتاجه مصر هو القائد المتمكن والمحب لمصر والذي يستطيع بالفعل بتعاون الحكومة ورئاسة الجمهورية معه وعدم الأهتمام بأن الحكومة والرئاسة مؤقته . وإنما المهم الخروج بمصر من الحصار المضروب حولها وبداخلها من أعداءها . والأهم هو تثبيت الأستقرار في البلاد ونشر الأمن والأمان بين أبناء مصر ، مع دفع عجلة الأنتاج بالعمل الصادق ، حتى لا نحتاج لأحد ، ثم نفكر في إختيار برلمان ورئيس جمهورية . لا داعي للعجلة مصر تحتاج إلى لم شمل أبناءها تحت سقف واحد ، قبل إحتياجها لسرعة إنتخاب رئاسة تحكم فلدينا من يحكم إلى أن يتم الأستقرار .

سيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد يكون في مصر ، بل من المؤكد يوجد في مصر أكثر من مــايستــرو بإمكانه قيادة مصر والخروج بها من النفق المظلم .

لكن هذه الحقبة التاريخية الحرجة التي تمر بها مصر في أشد الحاجة إلى رجل عسكري له قدرة التحرك والعمل الصادق لأجل مصر، يحبه رجال القوات المسلحة وبأغلبية ساحقة خوّلهُ فيها الشعب المصري بتولي شؤونه . وهذا لم يحدث في تاريخ العالم .   

CONVERSATION

0 comments: