لماذا أكثر من 96% انتخبوا السيسي؟/ سعيد ب. علم الدين

عرس في مصر. فرح في مصر. دولة في مصر عريقة عبر آلاف السنين تتجدد مع شعبها الأبي الثائر الحر، الذي حقق بسواعد بناته وأبنائه أروع قوس نصر. وأمل بربيع ديمقراطي يشع من القاهرة نورا لدمقرطة العرب وافريقيا والسير معا لخير كل شعوب الأرض.
لقد أطلت مصر البهية يوم 9يونيو/حزيران بوجهها المشرق الديمقراطي الحضاري حيث تم الانتقال السلمي للسلطة في حلة زاهية من المهابة والعظمة تليق بشعب مصر العظيم. صورة أدمعت اعيننا لها ونحن نرى أم الدنيا تُزَفُّ لعريسها وتبتسم للمستقبل بعد ان حاول الماضي الكئيب ان يلفها بعباءته الكالحة السواد. فألف ألف مبروك لمصر الغالية على قلوبنا جميعا بعرسها الديمقراطي الوطني التاريخي على يد ابنها المقدام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وشعبها الهمام صانع المعجزات العظام: 
فمن معجزة اختراع رسوم اللغة ونظام الكتابة، إلى معجزة الأهرامات التي ما زالت أسرارها تذهل كل باحث في خفاياها، وعظمتها تبهر كل ناظر إلى بنائها، الى معجزة بناء قناة السويس وتأميمها في مواجهة القوى العظمى على يد ابنها الكبير جمال عبد الناصر، الى معجزة العبور على يد رجال جيشها الشجعان في حرب 73، الى معجزة التخلص من نظام الإخوان. هذا النظام الغير رشيد والمستكبر المتعجرف المعاند الجاهل الذي تحول خلال سنة حكم الى سرطان مدمر أخذ يتفشى في مفاصل الدولة لأخونتها وبعثرة مقدراتها والعبث بأمنها واستقرارها، وفي صفوف الشعب ببث الكراهية والفرقة بين أبنائه الى درجة خطيرة جدا جدا أدت ولأول مرة في التاريخ المصري الى تنافر وتنابذ وتخاصم بين شرائح المجتمع الواحد لم يسبق لها مثيل في كل العهود السابقة. 
وتحت أنظار الشعب المصري المصدوم مما يحدث: 
سرقوا ثورة الشباب الربيعية الزاهية وحولوها الى كهول خريفية فاشلة، وعدوا ونكثوا بالوعود، استغلوا الدين الى ابعد الحدود، أما شراهتهم الى السلطة والاستئثار بها فلم يكن لها حدود، حتى شريكهم حزب النور السلفي انقلبوا عليه وغدروا به، أفرجوا عن القتلة الإرهابيين وسلموا بعضهم مناصب مهمة في الدولة، حاصروا المدينة الإعلامية لتكميم الأفواه، حتى عادل امام وجه مصر الضحوك لم يسلم من شرورهم، حاصروا المحكمة الدستورية وعطلوا عملها، وتدهور الجنيه والبورصة ومعهما الوضع الاقتصادي، وبالاعلان الدستوري تأزمت الأوضاع وتعقدت الأمور وتم  تقسيم الشعب بين مسلم اخواني جيد مطيع لأوامر المرشد بديع وكافر علماني متمرد رديء، ومواجهته لبعضه في مظاهرات عنيفة وسقوط ضحايا من الجانبين.  
وصار المصري يطلق النار على اخيه المصري وعمت الفوضي وانتشرت العصابات، أدى ذلك الى فلتان امني في عموم  المدن والأقاليم المصرية إلى درجة أن مصر كانت متجهة الى حرب اهلية لا محالة. وبدأ الإخوان بالاستعداد لها من خلال الاستعانة بالخبرة الإيرانية المتمرسة في عمليات الاغتيال والغدر وطرق قمع الشعب وخنق الحرية وتزوير الانتخابات وتحويل الديمقراطية الى دكتاتورية مقنعة ليصبح مرشد الاخوان هو المرشد الأعلى للجمهورية. 
هذا وكانت تجمع الإخوان علاقات ودية وثيقة وصلات قديمة ومستمرة مع نظام الملالي، حيث فتح لهم مرسي بوابات القاهرة على مصراعيها، بعد ان كانت مغلقة في وجوههم ايام مبارك، ليرفع الحاقد نجاد شارة النصر في أزهرها وليتغلغل الحرس الثوري الحزبلاتي في ربوعها. وفي الخفاء أرسل خامنئي فريقا أمنيا وإداريا لمساعدة مرسي في إدارة الدولة على الطريقة الإيرانية في التسلط والقمع والاستبداد. 
وعلى قدم وساق انصبت جهود الإخوان وفي سباق محموم مع الوقت لإسقاط مؤسسات الدولة المهمة والاستيلاء عليها من خلال أخونة الشرطة والجيش والقضاء والإعلام، فأقالوا المشير طنطاوي ثم أقالوا النائب العام المخلص الأصيل عبد المجيد محمود ونصبوا متعاطفا معهم بديلا عنه.
الى جانب ذلك بدأ الاخوان بتشكيل ميليشياتهم المسلحة على طريقة الحرس الثوري الإيراني لتكون ذراعهم الموثوق بها والأقوى في السيطرة على مصر. إلا ان يقظة الجيش والمخابرات المصرية كانت لهم بالمرصاد والتي كانت تنتظر الإشارة الشعبية الجماهيرية الواضحة لتتحرك. وبدأت المظاهرات في وجه مرسي تحركها جبهة الانقاذ. نذكر هنا المظاهرات امام قصر الاتحادية وكيف انقضت عليها ميليشيات الاخوان وسقط شهداء. وظهرت حركة تمرد التي قصمت ظهر بعيرهم بملايين التواقيع التي جمعتها وكانت الشرارة الجماهيرية المليونية في 30 يونيو التي كانت إشارة واضحة لقيادة الجيش لتتحرك وتنقذ مصر من ما يخطط لها من مستقبل مظلم مجهول وتخلف وضياع وحرب أهلية لن تبقي ولن تذر. 
وهنا كان دور السيسي الشجاع كوزير للدفاع في اتخاذ القرار الصائب الذي اتخذه بترو ووضوح وفي وضح النهار حيث اعطى الفرصة تلو الأخرى لمرسي لكي يجد مخرجا للأزمة المحتدمة، إلا ان المعزول أضاع الفرص لقصر نظره السياسي وعدم فهمه او تعاميه لحركة المجتمع المصري الذي ضاق ذرعا بممارسات الإخوان الشاذة في الحكم. مرسي هنا كان العوبة طيعة بيد المرشد بديع الذي كَبَّر برأسه الى درجة ان رأس مرسي صار اكبر منه. ناسيا ان رأس أبو الهول هو أكبر الرؤوس في مصر.
وتم عزل مرسي جماهيريا قبل ان يتم عزله من قبل القيادة العسكرية برئاسة السيسي الذي ظهر للمصريين كبطل من ابطال مصر وفي مرحلة تاريخية مفصلية. لقد أنقذ عبد الفتاح السيسي مصر من مصير مظلم قاتم. 
وهنا انصدم الشعب المصري أكثر بعد عملية العزل بحيث أظهرت ممارسات قادة الإخوان التحريضية حقيقتهم الإرهابية الدموية التدميرية واسقطت عنهم ورق التوت التي كانوا يتلطون خلفها باسم الدين. فمارسوا كل انواع العنف على الشعب والدولة قبل رابعة وبعد رابعة والى الآن. ومن مخططاتهم تدمير الجيش المصري، فحرضوا الشعب ضده وطالبوا الجنود حتى بالانشقاق على طريقة انشقاقات احرار الجيش السوري عن المجرم بشار. الا انهم خاب ظنهم وتوحد الجيش المصري مع الشرطة كرجل واحد خلف قائدهم دفاعا عن الشعب والدولة. 
ولهذا كان رد الشعب مدويا على الإخوان في صناديق الاقتراع، مؤكدا صوابية القرار الذي اتخذه السيسي بعزل مرسي وانقاذ الجمهورية، مكافئا اياه بأكثر من 96% من أصوات الناخبين وبشكل ابهر العالم، انهم أكثر من 23 مليونا. رقم كهذا وبانتخابات ديمقراطية نزيهة يحلم به كل رؤساء العالم الحر. 
أضف الى ذلك ان نتيجة الانتخابات المصرية هي زلزال سياسي كبير تداعياته الحالية والمنتظرة المبشرة بالخير طبعا، ستكون ليس على مستوى مصر وحدها، وانما على مستوى المنطقة ككل أكبر بكثير. 
فهذه مصر أم الدنيا حضارة وعراقة وريادة كانت وما زالت وستظل قلب العروبة النابض وقلعته الحصينة وليست أي دولة أخرى. وفشلت وستفشل أي دولة او محور يحاول أخذ موقعها المميز والثابت تاريخيا وعربيا. 
ومصر الديمقراطية المتجددة بشبابها والنافضة عن كاهلها غبار حسني مبارك ودمار الاخوان ستعود لتلعب دورها الطبيعي والطليعي الرائد في قيادة المنطقة مع الأشقاء المخلصين كالسعودية وغيرها من الدول العربية والصديقة الفاعلة. وعندما تميل مصر الى جهة فستميل معها المنطقة كلها. واكدت نتيجة الانتخابات ميل مصر الى الربيع العربي الذي كاد ان يبتلعه الخريف الاخواني.
والدليل على ذلك هذا الهلع الذي اصاب ملالي التخلف والاستبداد والارهاب في ايران. وخامنئي الآن يضرب الأخماس بالأسداس على الخيبة التي أصيبت بها امبراطوريته المتصدعة بعد عبور مصر الى بر الأمان.
ولكن لا بد من التنويه ايضا الى ان اهم شيء في هذه الانتخابات،  والتي تعرضت منذ البداية لعمليات تخريب وتهديد معلنة من قبل جماعات الارهاب الإخوانية الجهادية المسلحة، أنها تمت بحرية ونزاهة وشفافية واستقلالية ومن دون تسجيل أي خروقات جوهرية تذكر وبشهادة المراقبين، وايضا بهدوء وانتظام واستقرار. لقد كانت عرسا وطنيا ديمقراطيا عاشه الشعب المصري ومعه كل الشعوب العربية الشقيقة من محيطها الى خليجها.
فتحية تقدير واحترام لقوى الأمن المصرية التي استطاعت مواجهة موجات الشر ولجمها وتحقيق هذا الاستقرار المميز لثلاثة ايام انتخابية طويلة. هذا سيؤدي بالتأكيد الى استعادة هيبة الدولة على كامل الأراضي المصرية. فالرحمة لشهداء الجيش والشرطة اللذان بدمائهما الزكية استطاعا حماية هذه الحرية. المعركة لن تنتهي هنا ونجاح الرئيس السيسي لن يكتمل، الا بالقضاء نهائيا على قوى الظلام والارهاب المتربصة بالديمقراطية المصرية الوليدة وبكل القوى الحية والديمقراطية والتنويرية في العالم العربي.
فالتهنئة كل التهنئة للشعب المصري العريق على شجاعته عبر ذهابه لصناديق الاقتراع رغم تهديدات الجماعات الاجرامية بتخريب العملية الانتخابية.  
ومن المعجزات التي ننتظر من الرئيس السيسي تحقيقها: 
أولا- نجاح تجربة الديمقراطية المصرية العربية وترسيخها الدائم كقيم ومبادئ وفلسفة نظام سياسي قائم على فصل السلطات والتبادل السلمي للسلطة تحت ظلال دولة القانون والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان. فنجاح تجربة مصر وهذا ما نتوقعه سيسري كالنار في الهشيم لتغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة عند عامة الشعب العربي الذي تستغله التيارات والحركات الدينية المتطرفة في مشاريع مدمرة للإنسان والأوطان.
ثانيا- تحقيق المعجزة الاقتصادية المصرية التي ستقضي على الفقر والعوز وعلى الجهل والأمية، وتجلب الاستثمار والامن والاستقرار والرفاهية والرخاء وتعيد لمصر مكانتها وتحولها الى دولة عصرية مدنية ناجحة. 


CONVERSATION

0 comments: