من الواضح جداً بأن جولات كيري المتكررة الى المنطقة،وإعادة ترميم التحالف الأمريكي- الاسرائيلي- السعودي،ستترك آثارها وتداعياتها على اكثر من ملف في المنطقة،ويبدو انه كما قالت القيادة الايرانية فإن الأزمة السورية في النهايات،وان مؤتمر جنيف(2) أصبح في خبر كان،وخصوصا بعد تفكك الجيش الحر وإنهياره،وحسم الأمور لصالح قوى الإرهاب والتطرف من داعش وجبهة النصرة والقاعدة،التي استولت على مواقع الجيش الحر وأسلحته،وبالتالي امريكا وبريطانيا علقتا مساعدتهما العسكرية لما يسمى بالمعارضة السورية،ويبدو ان المعركة الحاسمة ستكون في عدرا العمالية،حيث قوى الارهاب احتشدت هناك وارتكبت مجازر بحق المدنيين الابرياء،الأمر الذي دفع بالجيش السوري لشن حرب شاملة عليهم،وهذا يعني أن السعودية ستكون قد خسرت المعركة في الشام بالضربة القاضية،حيث ان هناك الف مسلح سعودي والف آخرين من جنسيات مختلفة يتواجدون هناك،ولذلك يصبح جنيف(2 ) بدون وظيفة وهدف،وستبقى حرب الدولة السورية على قوى الارهاب قائمة.
أما على الصعيد الفلسطيني،فهذا التحالف بعد ترميمه يلقي بكل ثقله من أجل ان يدفع الفلسطينيون،ثمن الاخفاق في الملفين السوري والايراني،حيث نرى ان هناك ضغط شديد يمارس على السلطة الفلسطينية،لكي توقع على اتفاق انتقالي طويل الاجل،واسرائيل التي لا تريد تقديم تنازلات جدية تلامس الحدود الدنيا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ،دولة فلسطينية على مساحة 22 % من فلسطين التاريخية،فهي خلقت ازمة جديدة في قضية الأغوار،وكيري يتبنى وجهة نظرها،حيث تراجع عن طرحه السابق بوجود قوات دولية في الأغوار وعلى المعابر،فهو يريد وجود ومرابطة قوات اسرائيلية هناك لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد،وقد رفضت السلطة الفلسطينية هذا الطلب،وقد سعى كيري للضغط على السلطة الفلسطينية من خلال ملف الأسرى بتأجيل إطلاق سراح الدفعة الثالثة منهم،ولكن يبدو انه تراجع امام تهديد السلطة بالذهاب للأمم المتحدة واستكمال عضويتها في مؤسساتها ورفع قضية على اسرائيل في قضايا الأسرى والإستيطان والأقصى، ويحاول كيري جاهداً أن يعقد قمة فلسطينية – اسرائيلية حتى لو لم تحدث اختراقات جدية في المفاوضات،لكي يستطيع أن يواصل مهمته بالتمديد للمفاوضات بتسعة أشهر أخرى.
واستمرار التفاوض على هذا المنوال يعني بأن الطرف الفلسطيني الضعيف،وفي ظل رؤيا امريكية للأمور من زاوية مصالح اسرائيل الأمنية فقط،يعني ان هناك خطر جدي وحقيقي على المشروع الوطني الفلسطيني،وعلى السلطة الفلسطينية،ان تدرك تماماً بان الرعاية الأمريكية المنفردة لن تؤدي الى دولة فلسطينية مستقلة على كامل اراضي الخامس من حزيران/1967،فهذه الرعاية صارت من الماضي،وعليها ان تستفيد من المتغيرات والتوازنات الدولية الجديدة بالاصرار على ان يكون هناك جنيف دولي للقضية الفلسطينية،وليس رعاية امريكية منفردة، فهذا الخيار والنهج جربته وخبرته القيادة من عشرين عاما،وهو لم يؤدي لأي نتيجة سوى مساعدة الاحتلال على فرض المزيد من الوقائع والحقائق على الارض لصالحه من استيطان وتصفية لحقوق شعبنا الفلسطيني.
اليوم نحن أمام خطر جدي وحقيقي يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني،فمطلوب منا ان ندفع ثمن قبول اسرائيل بما تم الاتفاق عليه فيما يخص الملفين الكيماوي السوري والنووي الايراني،والضغط ليس فقط امريكيا واسرائيليا بل هناك قوى اقليمية وعربية تمارس هذا الدور وتدفع باتجاه القبول بمشروع كيري للحل والتسوية،وهو حل اسرائيلي بامتياز،ولا يخرج عن صيغة السلام الاقتصادي الذي طرحه نتنياهو،وبما يضمن شرعنة وتأبيد الاحتلال.
هذا في تداعيات العملية السياسية الجارية الآن على أكثر من صعيد والشاملة لأكثر من قضية عربية وإقليمية،اما على صعيد تداعيات الحالة الجوية،وما تسببت به العاصفة الثلجية القطبية "اليكسا" من دمار وخراب وانهيار في البنية التحتية بشكل شبه كامل،وخسائر كبيرة للمواطنين والمزارعين في الممتلكات والمزروعات،فقد كشفت تلك العاصفة بأن البنية التحتية الموجودة والحالية،والتي كان البعض يتشدق ويقول ببناء مؤسسات الدولة المستقلة، غير قادرة على مواجهات احوال جوية يمتد فيها المطر والثلج لفترة لا تزيد عن ثلاثة أيام،بل في إطار ما حصل،فقد وجدنا بان مدن كاملة قد غرقت بالسيول وانقطعت الطرق والشوارع واغلقت وانهار العديد منها وتعطلت شبكات الاتصال،ولم يكن هناك استعدادات وامكانيات كافية قادرة على مواجهة مثل هذه الظروف الجوية،وهذا يستوجب من الجميع العمل من اجل محاصرة آثار هذه العاصفة بشكل سريع،حيث ان فرق المتطوعين من المؤسسات واللجان الشعبية والصحية والأهالي والأفراد والدفاع المدني قد لعبت دورا بارزاً في مساعدة الناس وايصال الدعم والمساعدات اليهم وانقاذهم من الحصار بسبب تلك العواصف والثلوج،وكان يجب على السلطة الفلسطينية،ان تحول كل العاملين في اجهزتها من شرطة واجهزة امنية للقيام بمهام الانقاذ وفتح الطرق والشوارع ومساعدة الناس،فاسرائيل والتي لديها من الامكانيات عشرات اضعاف ما عندنا لم تحتمل جبهتها الداخلية تداعيات العاصفة، واستعانت بالجيش للمساعدة في عمليات الانقاذ والاخلاء وفتح الطرق والشوارع.
ان الاحوال الجوية المتوقع في الايام القادمة ان تشهد عاصفة مشابهة او اكثر حدة،ولذلك على السلطة ان تتأكد من ان المشاريع التي قامت بتمويلها من خلال المؤسسات الدولية،قد جرى تنفيذها وفق المعايير والمقاييس والمواصفات المطلوبة،او انه جرى التلاعب فيها من قبل الجهات المنفذه من شركات ومتعهدين وبتواطؤ مع الجهات التي ارست عليهم العطاءات وحتى الجهات المانحة نفسها،وهل جرت هناك عملية صيانة شاملة لعبارات الصرف الصحي والمياه والشوارع والطرق،؟؟وهل تم تجهيز وتحضير المعدات والآلات الكافية والطواقم البشرية والفنية لمواجهة مثل هذه الظروف والأحوال الجوية العاصفة؟؟،فمن غير المعقول ان تغرق مدينة كطولكرم كاملة بالمياة،قبل المنخفض الجوي،لو كانت هناك عبارات تصريف المياه تعمل وجرت لها عمليات صيانه،أو ان الطرق والعبارات والجسور والشوارع المقامة،معمولة وفق المواصفات والمعايير المطلوبة،فهناك خلل جدي وجوهري،ولا يجوز التهاون في حياة المواطنين في مثل هذه القضايا.
ولذلك يجب ان تجري عمليات محاسبة ومساءلة لماذا كان هذا الانهيار السريع في البنية التحتية والتي صرف عليها ملايين الدولارات؟؟.
وفي كل الأحوال تبقى تداعيات العملية السياسية،هي الأخطر علينا،فهي تعادل خطر "اليكسا"مئات المرات،على الرغم من وجود كارثة انسانية حقيقية وجدية في القطاع يتحملها بشكل اساسي حكام امارة غزة وسلطة رام الله،فالناس لا ذنب لهم في هذا الاقتتال على المصالح والنفوذ والامتيازات،ولا يحق لهم جعل الشعب يموت جوعاً ويغرق في الظلام على مذبح الانقسام.
0 comments:
إرسال تعليق