هذه رسالة أرجو أن تصل إلى لجنة تعديل الدستور المصري والمعروفة بـ "لجنة الخبراء"، والمكونة من العشرة قانونيين المجتمعين حالياً لهذا الغرض العظيم. فالدستور هو وثيقة اقرار المساواة والعدالة بين جميع المواطنين بالوطن مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم وأعراقهم وأجناسهم. فالعدل هو ركيزة الإنسانية. ولو خلا الدستور من العدل فقد خلا من الإنسانية وتخلى عنها.
أما الإنسانية فهي نسيج الحياة كما أرادها الله للبشرية خليقته. والله هو العدل ذاته، والعدل صِفة من صِفاته، وسِمَة من سِماته، وإسم من أسمائه. فمن يحيد عن العدل فقد حاد عن الله. ومن لا يُقَدس العدل فقد فقد إيمانه بالله ذاته.
والعدل – كما قيل – هو أساس الملك، وأساس الحكم، بل العدل أساس الدين، وأساس التعامل بين الناس. إن لم يكن العدل شريعة عظمى وتطبيقه بين البشر (أجمعين) بنداً أساسياً من بنود الدين – أي دين - يكون الدين غير مكتمل. فالعدل في كل الأديان هو معني الدين وجوهره.
والعدل عكسه الظلم. فلو خلا دستور من "العدل المطلق" فقد صار لا قيمة تذكر له كدستور عادل منصف لجميع أبناء الوطن كدين أو شريعة. حيث يصير مثله مثل أي مبدأ سياسي شأنه في ذلك شأن الشيوعية والفاشية والنازية والبعثية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها من الأحزاب السياسية والطبقية التي تخدم فئة أو طائفة أو طبقة شعبية دون غيرها، ولا دخل لله بها ولا صلة.
وقد ثبت فشل تجربة الحكم الديني ومحاولة "زج" الدين و"حشر" أحكام الشريعة بالدستور. فالدين متحيز بطبيعة أنه "دين" طائفة بعينها، أو "مذهب" طائفة بعينها أو "شريعة" طائفة بعينها. فتلك هي حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن الدين عادل لفصيل واحد أو طائفة بعينها من المواطنين دون الطوائف الأخرى حتى من نفس الدين. ناهيك عن المواطنين الذين لا يتبعون ذلك الدين. لذلك ليس للدين مكان بدستور الوطن، إلا أن الدستور يحمي "كل" الأديان ويكفل حرية العقيدة وحرية ممارستها "لجميع" المواطنين.
أقدم هنا قصيدة رائعة وَجَدتُ أنها تلبس حياتنا من قمّة رؤوسنا لإخمص أقدامنا، وتلمس واقعنا بدول الشرق الأوسط العربي المغلف بالظلم والتمييز والتحيّز حتى بين أبناء الدين الواحد، والدَوس على القوانين الإنسانية في سبيل الدين، والتغاضي عن الشر والإجرام ما دام الجاني من طائفة معينة والمجني عليه من طائفة استناداً على أيات معينة منتقاة من الدين دون آيات أخر تنادي بالعدل والمساواة والمحبة والتعامل بالحسنى بين البشر. ولو حكـَّمَنا شعورنا الإنساني وعقولنا التي وهبنا الله إياها نجد أن الدين هو العدل الصريح وإلا ما كان دين. فالدين يفرض العدل ويحرِّم الظلم. والعدل عند الله أهم وأرفع وأرقى وأكثر قبولا من الصوم والصلاة والزكاة والتعبد السلبي والسطحي.
فالإيمان المغلـَّف بالظلم.. كـُفر
والكـُفر المدعـَّم بالعدل.. إيمان
لذلك فالدين يُساء استعماله ولا يصلح كقانون أو كدستور لتقنين العدالة والمساواة بين المواطنين.
هذه قصيدة بل لوحة شاعرية فنية بديعة تخاطب التدين السطحي المغلف بالدروشة، والتدين المعجون بالظلم والرياء والنفاق والتـَلوّن والمكر والدهاء والتقيـَّة وإساءة تفسير الآيات أو تفضيل السَـيء على الخيِّـر منها، واستغفال البسطاء الأبرياء، واستعمال العمم والذقون للضحك على الذقون.
أستسمح كاتبها الشاعر العراقي الكبير، الأستاذ أحمد مطر في تقديمها بعنوانها.
هـات العــدل
إدعُ إلى ديـنــِـــكَ بالحــُســنى
ودعِ الـبــــــــاقي للـدّيـــَّــــانْ
أمَّـا الحُـكــمُ فـأمـــــرٌ ثـــــانْ
أمـْـرٌ بالعــَـدلِ تُعـَـادِلـُه، لا بالعـِمـَّـةِ والقفطـانْ!
***
تـوقــــِــنُ أمْ لا تـوقــــِــنُ، لا يعنـيـــــني
مَن يُدريـــــني!
أنَّ لســانكَ يلهَــجُ باســم اللـَّـهِ
وقلبـُــكَ يرقـُـُــصُ للشـيطانْ!
أوْجـِـزْ لـي مضـْـمونَ العـَـدلِ
ولا تـفـلـقـــُــني بالعـنـــْـــوانْ
***
لـَنْ تقــْـوى عِنـْـدِيَ بالتّقــْـوى
إنْ لـَــمْ يَعـْتــــَــدِلِ الميــْــزانْ
شـَـعرةُ ظـُلـْـمٍ تنـسِفُ وزنـَـكَ
لـَــوْ أنَّ صـَـلاتــكَ أطـنــَــانْ!
***
الإيـمـَــانُ الظــَّــالِـمُ كـُـفــْـــرٌ
والكـُـفــْــرُ العــــادلُ إيـمـَــانْ
هـــذا مـا كـَتــَـبَ الرحْـمـَــانْ
***
قــالَ فـــُــلانٌ عــنْ عـــِــلانٍ
عـن فـِلتــَــانٍ عــن عـِلتــَــانْ
أقــــْـــوالٌ فـيـــها قـــــَــوَلانْ
لا تعــْــدِلُ ميــْــزانَ العــَــدلِ
ولا تمنحـُـــني الإطمِئــْـــنـانْ
دعْ أقــوالَ الأمـسِ وقـــُـلْ لي
مــاذا تـفـعـَـــلُ أنـــْــتَ الآنْ؟
هـلْ تفـتـــحُ للـدِيـــنِ الـدُّنيــــا
أمْ تحـبِـسُـــهُ في دُكـــّـــانْ؟!
هَـلْ تُعطيــنا بعـضَ الجَـنــّــةِ
أمْ تحجــِـــزُها للإخــــــوانْ؟!
قــُـلْ لـي الآنْ
فعـــلى مُختـــلـفِ الأزمــــانْ
والطـّغـيــــــانْ
يذبُحـــني بـاســـمِ الرحـمـــانِ
فـــــداءً للأوثــــانْ!
هــــذا يـذبـــَـــحُ بالـتــــَّــوراةِ
وذلـــكَ يـذبــَـــحُ بالإنجـيــــلِ
وهـــذا يـذبـــَـــحُ بالــقــــرآنْ
لا ذنـــْــبَ لكــُــلِّ الأديــــــانْ
الذنـــْــبُ بطـبـــْـعِ الإنســــانِ
وإنــَّــكَ يـا هــــذا... إنـســـانْ
***
كـُنْ ما شـئتَ: رئيسـاً، ملـِـكاً،
خـانـــاً، شــيخـاً، أو دِهـقـــانْ
كـُـنْ أيــّــاً كــانْ
مِـنْ جنـسِ الإنــسِ أو الجــانْ
لا أســألُ عنْ شـكلِ السـُّـلـْطةِ
أســألُ عنْ عــَــدْلِ السـُّـلطانْ
هـاتِ العَــدلَ وكـُنْ طـَـرَزانْ!
**
0 comments:
إرسال تعليق