مواسم المطر... قراءات شعرية، ودراسات نقدية (1-3)/ صالح الطائي

ضمن موسمها الثقافي الثالث أقامت الكلية التربوية المفتوحة/ مركز واسط يوم الجمعة 23/12/2011 جلسة قراءات شعرية لثلاثة من شعراء المحافظة المبرزين هم : أ.م. د. محمد تقي جون الأستاذ في جامعة واسط، والأستاذ الشاعر ياسر العطية
والأستاذ الشاعر سعد هاشم الطائي. تلت كل قراءة دراسة نقدية للدكتور رحيم عبد علي فرحان التدريسي في الكلية التربوية المفتوحة.
ابتدأ الحفل بقراءة آيات من الذكر الحكيم، ثم ألقى مدير المركز الأستاذ الدكتور احمد جعفر كلمة ترحيب بالحضور الذين أسهموا من خلال تواصلهم مع المواسم الثقافية التي تقيمها الكلية وتفاعلهم معها في رفد هذه التجربة بعناصر الدعم، وتأتي هذه المواسم الأدبية الرصينة لرفد الحركة الثقافية الواسطية ومؤازرتها لتنشيط وتشجيع هذه المواسم التي اخترقت حجب حالة الكسل الفكري التي تشهدها المحافظة خاصة والعراق عامة نتيجة التأثر بالأجواء السياسية المضطربة التي يمر بها العراق العزيز.
بعدها ابتدأ الموسم بقراءة شعرية للدكتور محمد تقي جون الذي قرأ قصيدة رائعة بعنوان (قصة الجود) تحدث فيها عن قصة جود الماء الذي حمله الإمام العباس عليه السلام ليجلب الماء من نهر العلقمي إلى عطاشى كربلاء، ولتقريب الصورة لفكر المتلقي سوف أورد قصيدته كاملة، ومن ثم أورد نص القراءة النقدية للقصيدة، وسوف أؤجل الحديث عن القراءتين الأخريين إلى الحلقات القادمة من هذا الموضوع إن شاء الله تعالى

قصة الجود
الشاعر الدكتور محمد تقي جون

في زحمةِ المَلءِ حارَ الجودُ بينكما
يجري الفراتُ، وكفٌّ منكَ ممدودُ

من أين يَمَلأ؟ حتى الماءُ مندهش
أيعطشُ البحرُ وهو النزرُ مورودُ

يا سيِّدي أنتَ كلُّ (الرِيِّ) تشربه
حتى البحارُ، ومنه تورقُ البيدُ

يا راوياً كيف تشكو اليومَ من ظمأٍ
وأنتَ، يا قبلةَ الظمآن، مقصودُ

تترى الوفود على كرِّ الدهور صدىً
يُمدُّ للرشفِ من أفواهها جودُ

تَعُلُّ من مائك القدسيِّ منسكباً
ولا تملُّ ولا ينفكُّ تعويدُ

جريتَ أخضرَ في أرض السوادِ فكم
لوَّنتها، فمضت ألوانها السودُ

***
الغاضرية سدّتْ ماءها غُدُراً
فأهدرته دماً فيها مواعيدُ

هذي عيالك حتى دمعهم شربوا
كيما يبلّوا الصدى، لكنْ صدىً زيدوا

جاريتَ من أجلهم (طفاً) يطففه
شعبٌ بتقليبه الأشياء معهودُ


هل الحسينُ وفكرُ الله، منحسرٌ
عند الضفاف، وبحرُ الحقِّ صيهودُ؟

وهل غدا الماء يا عبّاسُ غايتكم
وحقكم، ذلك المعروف، مفقودُ؟

يا هولها خطة ظلماء قد طفئت
فيها النجومُ، وخرَّت للثرى الصيدُ

سيكتبُ الماءُ، مبذولاً، صحائفكم
فإنه شاهدٌ فيها ومشهودُ

***
قدَّمتَ رجلاً وأخرى غير مكترثٍ
أنْ حشَّدوا، وبأنَّ الموتَ محشودُ

فجئتَ كالشمسِ عنها الظلمة انهزمتْ
فأفردوك.. ويحلو فيك تفريدُ

لبستمُ، أهل بيت الله، شرعته
للحرب سيفٌ.. وللقرآن تجويدُ

لا تشتكي عطشاً لمَّا وردتَ..بلى
لولا العيالُ رجعتً وكلُّهمْ بيدوا

***
يا خاتلاً ضرب العبَّاسَ مستتراً
خلف الشجيرات..أتلِعَ، خاسئاً، جيدُ

وشُلَّتِ الكفُّ إذ شالت زبانتَها
وأوقفَ الرجلَ إبطاءٌ وتقييدُ

إنَّ الرجولة تبقى في مُساءلَةٍ
عمَّا فعلتَ، وتستدعى التقاليدُ

يا لعنة الحدس المغمور يحمله
جيلٌ، فيبقى لأجيال له عيدُ

مقالة كبرت لا شيءَ شافعَها
إنَّ المسودين لولا الجهلُ ما سيدوا

***
فيا أبا الفضل أشملنا بمغفرةٍ
وسامحِ الأمسَ يرجعْ وهو محمودُ

نحنُ الذين عُرفنا عاشقيك.. وهل
كانوا سوانا المحبُّونَ المعاميدُ

وذا العراق تلمَّسْ جرحَه ليعيشَ
إنَّه منذ جرح الماءِ منكودُ

***
ما زال جودكَ مثقوباً فمنسرباً
منه المياه، وأصداءٌ وتنهيدُ

وصوت نوح الصبايا والنساء لقىً
بكربلاء، وترجيعٌ وتحميدُ

ما كان بخلاً ولا شيئاً عرفتَ به
أنت الجواد فأنَّى خانكَ الجودُ

وبعد أن أتم الدكتور محمد تقي قراءة قصيدته قام الدكتور رحيم عبد علي فرحان بقراءة دراسته النقدية للقصيدة وكانت الدراسة بعنوان (قصة الجود) وجاء فيها:

الشعر الحداثي هو كشف وتخط ، وتجاوز، وايطاء أرض غير موطوءة من قبل، ويمكن عد قصيدة (قصة الجود ) نصا حداثيا لما تتمتع به من سمات، اذ مازجت بين الجمالي والمعرفي فقد تجلت من خلال قراءتنا الكشفية للقصيدة ثلاث رؤى هي:الأولى: الرؤيا النفسية ومن سماتها أنها تشكل فضاء واسعا لكل قصيدة رؤيوية. والثانية: الرؤيا الأسطورية ،ومادتها لدى الفنان الشاعر تمكث في اللاشعور، أما الثالثة: فهي الرؤيا الوجودية.
فقد طرحت الفلسفة الوجودية قضية الإنسان وعدت الأدب هو الممثل القادر على تبني قضيته في العالم ، وهده القضية تتمركز في محاور ثلاث هي:1- علاقة الإنسان بالحياة 2-علاقة الإنسان بالموت 3 - علاقة الإنسان بالجوهر .
وقد تحددت علاقة الإنسان بالحياة من خلال الفهم القائل: أن للإنسان موقفا ومسؤولية أمام نفسه وأمام الحياة التي تتجلى أبرز مظاهرها في تحمل هذا الإنسان أعباء الإنسانية في تعاملها مع الكون أو مع الحياة بصيغة تمنحه السعادة والراحة والطمأنينة، ومن هنا حمّل الوجوديون الأديب سمة المسؤولية في إدراك هدا المفهوم قائلين :إن الحياة والإنسان يشكلان جدلية الشكل والمضمون، وأن الحياة شكل والإنسان مضمون، لقد صرح "سارتر" منظر الوجودية بقوله: "إن الإنسان هو مركز الوجود وأن الحياة هي القيمة والمكان الذي يعبر عنه الأدب وهي الساحة التي يضع فيها الإنسان الإمكانية من أجل سعادته"
ويرى "هيدغر": أن العمل الفني هو "إنشاء وإحضار لجوانب الموجودات الخافية والمستترة"
أما الرؤيا النفسية فهي واحدة من شبكات الرؤيا الشاملة للفنان الشاعر لا تتحدد بالمفاهيم النظرية التي يدرسها منهج التحليل النفسي، أو كما يتعرض لها جو العيادة الطبية النفسية وإنما تسعى هذه الرؤيا لتقدم نظرة الفنان الشاعر مدخلا أدبيا جماليا من منظور الاحاطة بجوانب الأسلوب السيكولوجي للسلوك الإنساني ،اذ تتطلع الرؤيا النفسية إلى مشاهدات عيانية عبر لغة الشعر وتصويره الفني وتشكيلاته الأيقاعية والموسيقية إلى سبر أغوار الرؤى الأخرى كالرؤيا الوجودية المعبرة عن حالات اغتراب الإنسان وإحساسه بالمرارة وعبث الوجود ،وسر المصير مثلما تستبطن عالم الرؤيا الأسطورية بعدها رموزا معبرة عن لاوعي الإنسان الجمعي في تجسيد هزيمة حضارة واستشراف عالم حضارة أخرى ،كذلك تتجه الرؤيا النفسية إلى الواقع بوصفه مناخا أصيلا وتربة عريقة أنبتت الأحلام والأوهام، والأمن والضجر والقلق مثلما تتطلع الرؤيا النفسية أيضا إلى فتح آفاق الوعي العالي صوب ميتافيزيقا الأشياء والوجود والكون والأنسان.

وقد عبرت قصيدة (قصة الجود) عن لاوعي الشاعر الجمعي من خلال وعيه لعالم الظواهر إذ يتسامى اللاوعى المكبوت فيعبر عن نفسه في صورة منتجات فكريه عميقة فما يحمله الوعي واللاوعي من نماذج عليا هي المرجعيات التي تحمل سر الديمومة وومضة الانبعاث المشع المتجدد
إن النص الشعري بنية كلية مكتفية بذاتها منفتحة على الحياة أنها رؤية شمولية تعتمل داخل الفنان فطوعها على هيئة عمل فني. إذ أن القصيدة الحية هي التي تقسم العالم إلى قسمين: الأو: الوجود الخارجي الذي يمليه الشاعر مباشرة على متلقيه ما يمكن أن نطلق عليها القراءة الشفاهية فقد مثلت ( قصة الجود ) في تلك القراءة المأساة التي حلت بسيدنا العباس (عليه السلام) ومأساة الجود الذي لم يحافظ على مائه الذي أهدرته النبال، لذا نجد الجود صار محور القصيدة وهو ثريا النص الذي أفاض الشاعر الحديث عنه لكن على الرغم من ذلك قص لنا وقائع جزئية حسية أحاطت بالحدث فأدركها العقل وتأثر بها الوجدان.
أما العالم الآخر في القصيدة: هو عالم الماهية الذي ندركه بالحدس الذهني، فعالم الشعر ينبغي أن نتصوره عن طريق تصورنا لماهية الشعر الذي لا يتلقى اللغة قط كمادة يحدث فيها عمله، وتكون تحت تصرفه بل على العكس، الشعر هو الذي يبدأ، فيجعل اللغة ممكنة، هو اللغة الأولية لشعب ما.
وعندما نلقي الضوء على القصيدة نجدها تنوء بدلالة ما يكنه الشاعر من حقيقة متجذرة في لاوعيه اكتشفتها حدوسه له وهو يقرأ الواقع وحيثياته فتترى لنا صور من ذلك العمق الغاطس في مجاهل العقل الذي يطلق عليه اللاشعور أو اللاوعي أو العقل الباطن، هو ذلك الجزء الأعظم من العقل ويتمثل منذ الولادة بالانفعالات والخبرات والرغبات المكبوتة والمحرمة التي يجري استبعادها من منطقة الوعي أو الشعور إلى أعماق اللاوعي، لتظل خارج التأثير المباشر في سلوك الفرد وأفكاره وعموم شخصيته لقد تجلى في القصيدة صراع الوجود ممثلا في قلق الوجود، وجدلية الزمن، وحراك الموقف. وحملت القصيدة مرارة الألم الممض تلك التي أحسسناها وتلمسناها عن طريق معجم ألفاظ الشاعر، وبأدائه المباشر أو بإشاراته الرمزية.
فمن خلال تشكيل شعرية القصيدة عن طريق اللغة التي تمثل جسد هذا الكائن الأدبي، وكان لابد لنا من توظيف المنهج الأسلوبي تحريا للجانب العلمي للتحليل والنفاذ من القشرة الأرضية للنص إلى أعماقه، اذ نجد في معجمه الشعري ألفاظا وتراكيبا تحمل حيرة الشاعر، وقلقه إزاء الوجود ، ومن تلك الألفاظ (حار، أهدرت، لكن، تقليب، منحسر، خرت، خاتلا، مستترا، شلت، جرح، منكود، مثقوبا، منسربا، تنهيد) أما التراكيب فمنها جمل استفهامية إنكارية، ومنها جمل خبرية، فالاستفهامية هي: (من أين يملأ؟ كيف يشكو؟ هل الحسين؟ هل غدا الماء؟) أما الجمل الخبرية فهي: (قدمت رجلا وأخرى، كلهم بيدوا) اذ دلت جميعهاعلى قلق الشاعر وعدم اطمئنانه.
كما حمل أسلوب العطف (بالواو) صور القلق ذاته فقد شاعت هي الأخرى للجمع بين صورتين متضادتين أو متقاربتين كليهما يوحيان بذلك الهاجس الذي يدهم شاعرنا، منها: (ومنه تورق البيد، ولا تمل، ولا ينفعك تعويد، منحسر عند الضفاف وبحر الحق صيهود، شاهد فيها ومشهود، ، إبطاء وتقييد، عما فعلت وتستدعي التقاليد ، وسامح الأمس يرجع وهو محمود، أصداء وتنهيد، ترجيع وتحميد) فهده التراكيب جميعها توحي بالتردد والقلق من مضمرات الخافية التي أباحت بها اللحظة الشعرية، فبعض هذه التراكيب جاءت لغرض التوكيد لكنها سجلت ملمحا لقلق الشاعر، كونه يبغي منها إقناع النفس بالاستقرار والرضا إزاء ما يراه مشكوكا في إثباته. أما حرف الروي وحركته الضمة وحرف المد الذي يسبق الروي فشكل اتحادها دلالة الأسف والحسرة لما الم بالجود وصاحبه (عليه السلام)
إن هذا التحليل يحيلنا إلى رؤيا الشاعر الوجودية التي عبرت عن اغترابه وإحساسه بسر المصير، وعدم اطمئنانه للمستقبل. وفوات الأوان يعزز تلك الدلالة: التراكيب أشملنا بمغفرة، وسامح الأهل ،وذا العراق تلمس جرحه، ما زال جودك مثقوبا فمنسربا)
أما استبطان الشاعر للرؤيا الأسطورية فالمنهج الظاهراتي كفيل بسبر أغوار النص كونه يتبنى الحدس للكشف عن ماهيات الظواهر الكامنة في الشعور حينما يعرض على الوعي موضوع ما في خارجه من موضوعات قصدية موجهة من بواطن النفس الشاعرة (الكاشفة) فقد استبطن الشاعر رموزا تنوء بمعان قابعة في لاوعي الإنسان الجمعي عند تجسيده هزيمة حضارة واستشراف حضارة جديدة.
إن حضاره القيم قد انبعثت بانهيار الجود وتلفه واستشهاد حامله (ع) من قبل أعداء الإنسانية
وقد جسد لنا الشاعر ذلك برمزين أسطوريين الأول البدء الكوني ممثلا بالماء والآخر تموز رمز الخصب والنماء ،فهو يقول :
يا راويا كيف تشكو اليوم من ظمأ وأنت يا قبلة الظمآن مقصود
تترى الوفود على كر الدهور صدى يمد للرشف من أفواهها جود
تعل من مائك القدسي منسكبا ولا تمل ولا ينفعك تعويد
جريت أخضر في أرض السواد فكم لونتها فمضت ألوانها السود
ما زال جودك مثقوبا فمنسربا منه المياه وأصداء وتنهيد
فالماء مرموز أسطوري يمثل البدء اذ كانت المياه تملأ المكان اللامحدد كله، وقد ظهرت من الخراب الكوني الأول الذي استقر ساكنا دون حركة وخرجت المياه من ظلامه قبل المخلوقات الأخرى كلها وولدت المياه النار ومن طاقة الدفء العظيمة تشكلت منها بيضة كونية ولم يكن الوقت قد ظهر بعد ولم يكن ثمة من يقيسه وقد انشطرت الى سماء وأرض، ذلك من أساطير الأمم القديمة، والذي يعنينا من ذلك أن الأمام العباس عليه السلام في القصيدة مزج مع الماء لريه العطاشى من عياله ليس فقط لاسقائهم وإنما أراد من الماء أن يتحد بقدسية المطلب حين يمتزج بلهيب العطش لتتحقق حضارة القيم الفاعلة آنذاك لكن الطاغوت الممثل بأصحاب الدنس هم من تصدوا لذلك المطمح من خلال قطع الماء، ليوقفوا ولادة البيضة الكونية المرتجاة على الأرض لبعث الحياة من جديد بعدما ملئت بالأرجاس والخطايا، لكن أصحاب العقيدة والمباديء آل البيت عليهم السلام آثروا إلا أن يحققوا ما لابد من تحقيقه فمزجوا دماءهم التي ولدت نار قلوب الأشياع بأساها وحزنها لمأساتهم الأليمة ومن طاقة الدفء انبثقت حضارة القيم والمباديء الجليلة التي حملها أشياعهم في سبيل إبقاء صوت الحق عاليا مدويا تنهل من هديره الأمم على مر العصور، أما قوله:
جريت أخضر في أرض السواد فكم
لونتها فمضت ألوانها السود
يحيلنا إلى أسطورة تموز السومري الذي يعد رمزا لعودة الخصب والنماء والانبعاث بعدما يبعث من موته والإمام العباس (ع) هو المبعوث في قلوب أشياعه ومحبيه لتضحيته المجيدة. فبذلك أصبحت أرض العراق ذات وفرة وخير عميم.
وما قلق شاعرنا إلا من حرصه من عدم ديمومة البرايا في تمسكها بالقيم التي أرسى دعائمها أولاء الثلة المؤمنة مادامت عيون الشيطان الممثلة بالصهاينة والسلفيين تحف بأخطارها المقيتة بكل جانب من جوانب هذه المسيرة العظيمة وكأنه يبصر بعين الغيب خطرا يحاول زعزعة النفوس أو عدوانا فاجرا يدهم الأمة الإسلامية ولاسيما من يحمل راية الحق في قابل الأيام، لكن نردد أبدا قول إمامنا زين العابدين(ع ) حينما خاطب عمته زينب اذ قال لها: "أبشري عمه زينب سينصب بهذا الطف علم كلما اجتهد أئمة الجور على محوه يزداد ارتفاعا وهم يزدادون انخفاضا وانكسارا.

CONVERSATION

0 comments: