صمت السنين/ مجد عوني



بعباءاتهم الغبراء جاءوا قوافل شقت طريقها للوصول إلى بلاد قوم ألفوا مودتهم وعطائهم يتبادلون التجارة فيما بينهم وعيونهم إلى الحضر حيث هم القدوة وهم العالمون المتعلمون وهم أهل الدين والدنيا وأهل المعرفة والكرم والأصالة لكن هي حال الدنيا فالبدو أيضا لهم شمائلهم وشهامتهم وفراستهم وان شقت الدنيا عليهم مسعاهم وحلهم وترحالهم . نادى فلاح ابنه جاسم أن أسرع بابني لقد أدركنا الوقت فغدا صباحا موعد تجمع القوافل عند مدينة الكسوة للعودة إلى الديار " الكسوة مدينة صغيرة قرب دمشق وسميت كذلك لأنها كانت تجهز كسوة الكعبة المشرفة سنويا " فقد قارب الشفق على المغيب و أمامنا سويعات قليلة وشاقة للوصول الى الكسوة وهناك نبيت مابقي لنا من الليل , ربطوا خيلهم وإبلهم المحملة من تين وزيتون وزبيب وقمرالدين وغيرها من بضائع وخيرات الشام ساروا بضعة ساعات حتى وصلوا الكسوة , سال جاسم أبيه فلاح عن معرفته بهؤلاء القوم وكم من السنين أمضى برحلة الصيف تلك فقد كانت المرة الأولى لجاسم مع أبيه حيث بلغ أربعة عشر ربيعا واشتد عوده قليلا وأصبح يتحمل مشاق السفر كان الأب فظا بعض الشيء مع ابنه فيجيبه إجابات مختصرة تنم عن نصائح وتوجيه يتعلم من خلالها الولد مسيرة آباءه وأجداده , سنة الله في الأرض ميراث الآباء للأبناء كما هي سنة الله في ارضه " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم " صدق الله العظيم , هي صورة مصغرة جدا عن تاريخ مضى وهذا الحال يزيد تاريخه عن مائة عام إلى ما قبل ألف وأربعمائة عام في جزء صغير أيضا من تاريخ الأمة , الأمة التي انزل الله عليها كتابا يتلى الى قيام الساعة فيه هدى ونور فيه اخبار الاولين والاخرين فيه الاعجاز العلمي الذي يبرز وضوحا كلما تقدمت السنين وتطور الانسان وجعل امة العرب خير امة أخرجت للناس تشرفت البشرية بقدومه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهذا التشريف من الله جل في علاه لهذه الأمة لأنها وسطا ولأنها مشيئة الله تعالى لشيء نعلمه وأشياء لا نعلم منها إلا قليل , نظرة سريعة الى عصر النبوة وتاريخ فتوحات الإسلام التي لم ولن تتكرر أبدا حيث كان الفتح الإسلامي الذي حير العالم بأسره فوصلت فتوحات المسلمين من الصين شرقا إلى الأندلس غربا وما فيها من مئات المدن والبلدان خلال فترة لا تزيد على ستون عاما انطلقت جحافل الفاتحين بسرعة لم يتخيلها العقل انطلقت من بلاد العرب الأولى من مدن كانت تتناحر فيما بينها بين اوس وخزرج وبني قحطان وبني آخرين لم يكن لها أي وزن عند الدول العظمى آنذاك الفرس والروم انطلق العرب المسلمين فاتحين مؤزرين من نصر إلى نصر بداية من مكة والمدينة في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم ما لبثت إن بدأت الخلافة الأموية بعد ما يقرب من ثلاثون عاما من الهجرة حيث أصبحت دمشق عاصمة للخلافة الإسلامية وهناك اتسعت الفتوحات شرقا وغربا شمالا وجنوبا , نقول ونعرف ان كثيرا من السلاطين والخلفاء كانوا قد ابتعدوا عن كلمة الحق وأصبح الحاكم أو الخليفة أو بعض الولاة ظلاما أو عصاة عن أمر الله الحق لكن كانوا تحت راية حكم الإسلام بكل الأحوال حتى من كان عاصيا أو فاجرا أو كان يدعي الصلاح فقد كان متسترا تحت عباءة الإسلام وكانت كلمة الحق هي السائدة مجتمعيا والقران والحديث النبوي الشريف هو أساس الحكم وبقي كل من تولى أمر المسلمين تحت هذا اللواء حتى انهيار الخلافة العثمانية قبل مائة عام تقريبا , حارت اوروبا مئات السنين مع المسلمين بعد نجاح الاسبان في كسر شوكة المسلمين خلال اكثر من خمسون عام من حروب كر وفر انتهت بعدها دولة الاندلس الاموية وعاد الحكم الى الكنيسة في القرن السادس عشر الميلادي لكن انذاك لم يكن كسر شوكة المسلمين في الاندلس او في شبه الجزيرة الايبيرية كما يسمونها هو انكسارا للدولة الاسلامية اذ بقي المسلمون على مكانتهم وقوتهم في بلادهم من شرق اسيا الى شمال افريقيا هو عهد الخلافة العثمانية الذي طال مايقرب من اربعمائة عام , اما مانعرف نحن في التاريخ فقد قيل لنا في دروس التاريخ المدرسية انه كان احتلالا عثمانيا للوطن العربي بكل بساطة هذا ماعلمونا اياه في التاريخ قد يكون ذلك صحيحا في السنوات الاخيرة من الخلافة العثمانية كانت حروب طاحنة بين الدولة العثمانية واوروبا امتدت عشرات السنين كانت ترمي الى اقصاء المسلمين عن وحدتهم وشرذمتهم كانت اليونان وبلغاريا والبوسنة والبانيا هي ارض تلك المعارك وكان هناك دور كبير للشيوعيين ايضا في بخارى وطاجيكستان واوزبكستان وغيرها من بلاد الاسلام الى ان توصلوا الى هدم الروح المعنوية للدولة الاسلامية بقيادة اتاتورك الذي نجحت اوروبا بعد صبر طويل من تركين دعائم حكمه كمؤسس دولة تركيا الحديثة فتغير الحرف العربي في تركيا الى حرف لاتيني وتغيرت معالم ملبس وحياة الاتراك وفي ذات الوقت كانت ترمي افخاخا للمسلمين من عرب الجزيرة والشام ومصر بانه حان الخلاص من الاتراك او العثمانيين لقد كان ما قبل ذلك مباشرة كان السلطان عبد الحميد هو الخليفة الفعلي للمسلمين كان قويا تخشاه اوروبا وتلتمس بريطانيا منه عطفا وشفقة على اليهود بان يسمح لهم بزيارة بيت المقدس الا انه رفض مرارا وتكرارا فقد كان يدرك ماترمي له بريطانيا من تاسيس دولة يهودية في فلسطين , نعود قليلا لنرى التاثير الذي تركته الدول الاستعمارية على الامة العربية الاسلامية لنجد ان الغرب بقيادة بريطانيا اختار لنا قيادات كان لها وزن ما في اطياف المجتمع فكان الهاشميون كالملك فيصل الذي جعلوه ملكا على سوريا والعراق وال سعود في الجزيرة العربية وبعض المشايخ في المحميات البريطانية في الخليج كما نصبوا ملك مصر واميرا هنا وشيخا هناك , لقد نجحوا ببراعة في تفكيك اطر واسس الدولة الاسلامية واعطي الوعد الحلم لليهود بدولة يهودية في فلسطين وبدأت ملامح سايكس بيكو تظهر في تقطيع اوصال هذه الدولة التي انهكتها الحروب والجهل والنزعات الطائفية التي لم يكن احد يتفوه بها وهي صنيعة الغرب ايضا, لن نطيل هنا فسايكس بيكو غني عن التعريف وبعد ان صار احدنا يخشى ان يتجاوز حدود دولته الى دولة اخرى سيرا على الاقدام احيانا او على دابته احيانا خشية من اوامر سايكس بيكو صار حق علينا وعد الله بعد ان تركنا الاعتصام بحبل الله وفهمنا " ولاتفرقوا " بأن تشرذموا شيعا ودويلات هنا اسمحوا لي ان الفت النظر الى امر جلل قد وقعنا فيه وهو الثروات النفطية ركاز الله في ارضه كيف صارت حكرا للبعض ومحروم منها البعض الاخر بطريقة مريبة اذ ان من دولنا العربية الاسلامية عوائدها اليومية بالمليارات وعلى حدود هذه الدولة بلد آخر لا يملك قطميرا من هذا النفط لا بل والانكى من هذا كله لعلك تجد فقر مدقع في ذات الدولة الغنية جدا تلك اذ ان الثروة لأل فلان وماتتفضل به على بعض شعبها هو عطية يبقى الآخذ منها عليه شكر الملك وحكومة الملك الى يوم الدين , أسرد هنا كلاما يعرفه الجميع وما أتيت بجديد فلقد اعتدنا على ماوجدنا عليه اباؤنا ونقرأ في قرآننا يوميا " او لو كان آباؤهم لايعقلون, لايفقهون , لايعلمون" الا اننا صم بكم كالأنعام بل هم أضل, لاعيب ان نذكر ونعيد ونذكر فقطرة الماء المتوالية تشق الصخر فبالأمس القريب كان فرعون مصر على عرشه وهاهو يتمارض كالطفل عله يفلت او يخفف عنه العقاب وطاغيه تونس يتلمس استمرار عطف ذات الملك الذي تحدثنا عنه أما أضل ما خلق ربي من طغاة الارض ملك الملوك وعميد الحكام نراه اليوم كالفأر مختبئا متخفيا واذا سألنا عن ملياراتهم بل تريليوناتهم بل ثرواتنا المنهوبة علمها عند ربي يتنعم بها ال صهيون وال العم سام وآل كاميرون وساركوزي وغيرهم , الغرب تيقن من هواننا على انفسنا فهو لايبالي بأن ينخلع هذا الحاكم او ذاك فالفضيحة الان ليست ذات اهمية وان نعرف من دعم ساركوزي من أعرابنا الرؤساء ايضا غير مهمة وصفقات الاسلحة التي تمت بمئات بالمليارات كي ترمى في المخازن ينتظرها الصدأ وبعد عشرات من السنين تعود لتباع خردة فتصهر من جديد والمليارات اصبحت دراهم معدودة ولم نعد نخجل او يخجل الغرب وامريكا من استمرار تفاوض الفلسطيني مع الاسرائيلي مثل تفاوض النمر مع الأرنب فأسرائيل بالنسبة لامريكا هي الابن المدلل ونحن يمكن ان نكون حراسا لهذا الطفل او لانكون, هذا منطقهم اما نحن فليتنا نجعلهم يدركون اننا سنصحوا يوما اذ انهم ايقنوا ان نومنا سرمديا.


CONVERSATION

0 comments: