صفحة من التاريخ: المهرجان الوطني للأدب الفلسطيني في المناطق المحتلة/ شاكر فريد حسن

لا يختلف اثنان على أهمية وضرورة المهرجانات الأدبية والثقافية في حياة الشعوب المناضلة الطامحة الى الحرية والاستقلال. فهذه المهرجانات تعزز العمل الجماعي، وتقوي الحراك والفعل الثقافي ،وتنشّط الحركة الادبية وتعمل على رفع مستواها، وتشجع الكتاب والأدباء على مواصلة الابداع ، وتخلق حوار وسجال أدبي هادف ورفيع بين حملة القلم وأصحاب الكلمة والمهتمين بالثقافة والأدب.
وانطلاقاً من ذلك ، وتنفيذاً للفكرة التي راودت الكثير من كتاب وأدباء ومثقفي المناطق الفلسطينية الواقعة تحت حراب الاحتلال ، بادر الملتقى الفكري الفلسطيني الى اقامة المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني على مدار أربعة أيام متتالية ، في الفترة الممتدة بين15ـ 18 آب سنة 1981.
وكان هذا المهرجان حدثاً وطنياً وثقافياً وأدبياً ، ومن أبرز الأحداث الوطنية في الروزنامة الثقافية الفلسطينية وتاريخ الوطن، وجاء ليجسد التحام المثقف الفلسطيني الثوري بقضيته الوطنية وارتباطه بقضايا الجماهير العربية ، وانحيازه الكامل الى كل ما هو ثوري وحضاري وديمقراطي.
وقد تضمنت الأمسية الافتتاحية يومها كلمات وتحيات من الشعراء والكتاب: علي الخليلي وابراهيم الدقاق وسميح القاسم والمرحوم اميل حبيبي وابراهيم العلم ، بينما خصصت الأمسية الثانية للقراءات الشعرية وتقييم النقاد لها ، وخصص اليوم الثالث لكتاب القصة وتعقيبات وانطباعات النقاد والمتخصصين عليها . واختتم المهرجان بأمسية فنية غنائية وتقديم مسرحية ، واصدار بيان ختامي .
وفي اعقاب اختتام المهرجان توالت ردود الفعل حوله ، وكتب الشاعر والباحث علي الخليلي في "الفجر الأدبي" الذي كان يشرف عليه :" ان هذا المهرجان أكد قدرة حركتنا الأدبية المحلية على العمل الجماعي المثمر ، وهي ظاهرة غير موسمية على أية حال ، ولكنها سوف تستمر لتصبح قاعدة وجودنا الأدبي ووجهنا الحضاري ".
في حين كتبت صحيفة "الطليعة" المقدسية في ملحقها الثقافي : "كان حلمنا دائماً أن نجد واقعاً معيناً يجمع شتات الأدباء ويوحد طموحاتهم .. فتحقق الحلم وتجاوزه سريعاً الى العمل فكان لقاء الأدباء مع جماهير الأرض المحتلة مثالاً على تحول الحلم الى حقيقة حية متحركة تستلهم نبض الجماهير وتتحسس فجرها".
وقد شكلّ هذا المهرجان علامة بارزة في تاريخ الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية تحت نير الاحتلال ، التي عانت من الممارسات الاحتلالية التنكيلية، ومحاولات قمع الكلمة وخنق الصوت الوطني الفلسطيني ، والزج بالكتاب والأدباء والمفكرين الفلسطينيين في غياهب المعتقلات والسجون والزنازين.
وتكررت تجربة هذا المهرجان في العام التالي (1982) حيث انعقد المهرجان الأدبي الثاني في خضم العدوان الوحشي على لبنان ومعركة الصمود في بيروت ، وفي التاريخ نفسه الذي انعقد فيه المهرجان السابق . وانعقد المهرجان تحت شعار "الأدب في المعركة" وذلك تأكيداً على طليعية المثقف الفلسطيني ودوره في المعركة الوطنية والثقافية ، التي تخوضها النخب المثقفة الفلسطينية الواعية . وجاء في البيان الختامي الصادر عن المهرجان: "في هذا الوقت الذي تتوهج فيه نجوم آلاف الشهداء من شعبنا الفلسطيني ومن الحركة الوطنية اللبنانية وتقوم الطائرات الاسرائيلية ، امريكية الصنع وأمريكية الذخيرة والموت، بتدمير المخيمات الفلسطينية في لبنان وتشريد مليون فلسطيني ولبناني ، وتجويع وتعطيش مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ في بيروت الغربية المحاصرة ، حيث يتحول الصمت العربي الرسمي الى لطخة عار ضخمة في التاريخ.
في هذا الوقت بالذات ، تتحول الكلمة الوطنية الواعية الملتزمة في وطننا المحتل ، وهي تواجه في الأساس قبضة الاحتلال الحديدية، الى فعل صدامي يومي، ضد العدوان ، وضد الابادة، وضد الصمت، حتى تتوهج الشعلة ، فتضيء الأفق كله".
وانتهى المهرجان على أمل اللقاء في المهرجان الادبي الثالث ، الذي لم يعقد نتيجة عوامل ذاتية وموضوعي لا أريد الخوض في تفاصيلها الآن .
ومنذ ذلك الحين تعثرت المسيرة وتعطلت مهرجانات الادب في الارض المحتلة ، وجرت مياه كثيرة في النهر الفلسطيني بدءاً بالانشقاق في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين مروراً بالانتفاضة الشعبية الفلسطينية ثم اتفاق اوسلو وعودة الكوادر الفلسطينية من تونس الى أرض الوطن ، وما تركه هذا الاتفاق من أثر على المسيرة الوطنية التحررية ومجمل النشاط الثقافي . اضافة الى انخراط المثقفين والمبدعين الفلسطينيين في مؤسسات السلطة الفلسطينية وانتهاء دورهم كمثقفين عضويين ، وما أعقب ذلك من مظاهر شرذمة وانقسام في الشارع السياسي الفلسطيني،عدا الأوضاع والظروف السياسية،التي كان لها بالغ الأثر على التراجع الثقافي والانحسار الأدبي والاهتمام الشعبي بالأدب والثقافة . هذا وتبقى مهرجانات الادب الفلسطيني ذكرى من الزمن الجميل.

CONVERSATION

0 comments: