"أيّامُ رأسي على متاهة الجسد" يقول الشاعر وديع شامخ
الرأسُ أكوامُ العمر، رملٌ فوق رملٍ فوق رمل، فيما الجسد الذي يحمله هو كسير ومُتعَب حتى التداعي
الشاعر هنا مُحبَط، فالمسير الطويل أدمى قدميه ولا وصول
ويتساءل: "أهذا هو أنت يا رأسي"؟
إنّ سنّة الطبيعة هي أن يكون الرأس عوناً للجسد، ييسّر له، يجتهد في راحته وينير له الطريق، لكن ليس هذا الرأس المُنهِك للجسد بسيلِ متاعبه المنفلتةِ وآمالِه وأحلامِه الأسيرة
والشكّ يجب أن يلحق به السؤال: "أهذا هو أنت يا رأسي"؟ سؤال لا يخلو من عتاب أيضاً
ثقافةُ الشاعر حاضرة لكي تكون في خدمة الشعر، وهكذا تحضر في النصوص سومر، ويحضر الفراعنة وروما، ويحضر جلكامش وأنكيدو
والموروث الديني حاضر: فالعصا والأفاعي والله والهياكل والأضرحة والطقوس والتين والزيتون وجذعُ النخلة وصلاةُ الغائب وهو موروث عاطفي
الشعر المثقّف له مرتبة، ومرتبة عالية، وهو يحلّق بتوافق اللفظة وأختها وارتسامِ صورة وانتشالِ معنى.
يقول الشاعر وديع شامخ: "نام الببّغاء وبلع فمه". لا يشتهر الببغاء كاشتهاره بالنطق من دون أن يفقه ونقول "بلع فمه" أو "لسانه" لمن كفّ عن النطق مدحوراً، فما هو وجه الشبه هنا بين "نام الببّغاء" وبين "بلع فمه"؟ إنّه الصمت بما هو فعل سلبي يستحق من الشاعر هذه السخرية : "نام الببّغاء وبلع فمه"
الشاعر يراقب الواقع المرّ، يصدر حكماً عليه بأنّه يستحق الإزدراء
ويقول: "تعالي أيّتها الحكاية لأقصّ عليك"
لأنّه على رغم كل شيء يظل هو الإنسان الذي يجب أن تكون له الكلمة الأخيرة.
0 comments:
إرسال تعليق