إن الحالة المأساوية التي تمر بها المعارضة السورية تدعو إلى الأسى والحزن, وما يزيد المأساة حزناً وألماً بأن الذين يدّعون بأنهم من أصدقاء الثورة السورية وآخرون يدّعون بأنهم يمثلون المعارضة السورية هم من يقومون بتجزئتها وتفتيتها وشرذمتها.
قبل إنعقاد لقاء المعارضة التشاوري الأخير في القاهرة, من 22-24 الشهر الجاري, تمت إتصالات ولقاءات مكثفة بين فصائل وشخصيات من المعارضة السورية في الداخل والخارج وكان الهدف منها هو الدعوة إلى إجتماع موسع يضم كل أطياف المعارضة السورية لكي توحد صفها وتضع خارطة طريق مشتركة للخروج من المأساة التي يعيشها الشعب السوري. ولكن ما حصل قبل إنعقاد هذا اللقاء كانت هنالك عملية إستبعاد وتهميش للأغلبية الساحقة من المعارضة السورية, حيث تم وبشكل مقصود دعوة بعض أطراف المعارضة السورية وخاصة الذين معروف عنهم بأنهم سيسيرون مع التيار ولن يعارضوا ما يتم طرحه عليهم في هذا اللقاء وسيقولون لكل شيء نعم وآمين. العملية الإنتقائية كانت واضحة في عدد الأعضاء المشاركين لكل مجموعة من هذه المجموعات والبعض منها كان له النصيب الأكبر في الحضور بالرغم من صغر حجمه وتأثيره, وكان هنالك بعض المجموعات التي جاءت من الداخل والتي عدد أعضاؤها لا يتجاوز الأربعين شخصا, كان لهم تمثيلا قويا وصوتا مرتفعا في هذا اللقاء.
أغلب مجموعات المعارضة السورية لم يتم دعوتها ومنها وعلى سبيل المثال لا الحصر, "مجموعة عمل قرطبة" والتي قامت بنشاطات كثيرة وبمؤتمرات تخصصية عديدة لمكونات المجتمع السوري, ولديها قاعدة شعبية كبيرة وهي تعمل على تنظيم مؤتمر وطني عام يجمع كل أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج. وكذلك تم إستبعاد قوى ديمقراطية وطنية عديدة بالإضافة إلى قوى إسلامية معتدلة وشخصيات وطنية كثيرة. لقد تم دعوة بعض الشخصيات الوطنية ولكنها لم تلب الدعوة لأنها فهمت اللعبة وما يكمن وراءها من مخاطر وإعتذرت عن المشاركة في هذا اللقاء. فمن الواضح بإن الذي دعى إلى لقاء القاهرة ليس هدفه توحيد المعارضة السورية بل تجزئتها ودق إسفين التفرقة والتناحر بين صفوفها.
أغلب فصائل المعارضة السورية متفقة فيما بينها على بيان جنيف1, والذي صدر بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2012, والذي ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالى بصلاحيات تنفيذية كاملة، تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة، ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين, ومشاركة جميع عناصر وأطياف المجتمع السورى فى عملية حوار وطنى هادف. والبدء بمراجعة للدستور, إضافة إلى إصلاحات قانونية، أما نتيجة المراجعة الدستورية فيجب أن تخضع لموافقة الشعب، وحالما يتم الانتهاء من المراجعة الدستورية يجب الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام الأحزاب كافة ويجب أن تحظى النساء بتمثيل كامل فى كل جوانب العملية الانتقالية, بالإضافة إلى التمكن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضرراً، وأن يتم إطلاق سراح المعتقلي, ويجب أن يتمكن ضحايا النزاع الدائر حالياً من الحصول على تعويضات أمام القضاء.
أما ما صدر في بيان لقاء القاهرة, والذي يتضمن 10 من البنود, تجاهل أهم أسباب إندلاع الثورة السورية, ألا وهي رأس هرم السلطة في سوريا وموقف أجهزة الأمن والجيش منها والتي تعتبرها أكثر مجموعات المعارضة السورية أهم شيء يجب معالجته في البداية وهذا يعتبر من أهم ثوابتها الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها والتي تصر بأن لا يكون أي دور لبشار الأسد وجميع أركان نظامه الاستبدادي، في أي مرحلة انتقالية، إضافة إلى ضرورة إعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، وإبعادهما عن أي دور سياسي في سوريا المستقبل. فإن من يريد أن يقف إلى جانب الشعب السوري عليه أن يعالج الأسباب وليس الظواهر ويعمل على وحدة صف المعارضة وليس على تفتيت المفتت وتجزيء المجزأ.
أما بخصوص ما يتم في لقاء موسكو الآن ,من 26-29 الشهر الحالي, فسيكون له إنعكاسات سلبية أكبر على وحدة صف المعارضة السورية وسيكون أسوء بكثير مما حصل في القاهرة لأن مواقف موسكو منذ البداية إلى يومنا هذا كانت واضحة ومنحازة بشكل سافر إلى صف "النظام" وما يتوقعه كاتب هذه الأحرف هو بأن الضربة القاضية لبيان جنيف1 ستأتي من موسكو وربما سيتم دفن هذا البيان هناك. ما حصل في القاهرة وما يحصل في موسكو الآن هو الشيء الذي تعاني منه الثورة السورية والذي يرهق كاهلها كثيرا, ألا وهو ما يمكن أن نسميه تجاوزا ب"الأعدقاء", أي الأعداء الأصدقاء, لأن أغلب أعداء الثورة السورية صاروا يتسترون بثوب الصداقة لها ويطعنونها في ظهرها.
من الواضح بأنه تم تسمية أعضاء اللجنة التحضيرية التي ستقوم على تنظيم مؤتمر وطني سوري سيتم عقده في القاهرة في الربيع المقبل. على أعضاء هذه اللجنة وكذلك قادة المعارضة السورية أن يعلموا بأن الشعب السوري يراقب كل تصرفاتهم وهو يعلم بكل خفايا الأمور, وهو ليس بالسذاجة التي يتصورونها, وهو يعرف من باعه بقليل من الدولارات أو بقليل من الوعود والأنانية, ويعرف كذلك كل من يعمل من أجل تحقيق أجندات خارجية وأنه لن يتنازل عن محاسبة كل من خذله وغدر به وبثورته مثلما يصر على محاسبة الطاغية وزمرته وكل من تلطخت أياديه بدماء الأبرياء من السوريين.
/ ألمانيا
0 comments:
إرسال تعليق