يَقِفْ الوَكيل و يَقول بِصَوْت جافْ خالي مِنْ المَشاعِر : فالتَتَأَلًمْ، فَما يُهِمُنا هُوَ العَدالَة ان تأخُذْ مَجراها،
الرجل : لو تَعْلَموا كَمْ تَتَأًلَمْ عَلَيْكُم و تَبْكي على فُرْقَتِكُم لَنَدِمْتُم على ما تَفْعَلون بها، لو تَعْلَموا كَمْ تَتَأَلًمْ لأنًكُم تَتًهِموها زوراً بالفُجور لَبَكَيْتُم نَدَماً على اوجاعِها،
الوكيل بمكر و ساخِراً و كأنه يُضْمِر مَكيدَة : الله الله الله، اذا يُشَرٍفُكَ ان تُدافِع عَنْها فَهَلُما نَبْدَء آخر الجَلَسَات قَبْل نُطْق الحُكْم !
المَرأة بِنَبْرَة مُتَأَلِمَة و الدُموع تَنْحَدِر مِنْ عَيْنَيْها : يا الله اعِني...و اغْفِر لَهُم...لأنًهُم لا يَدرون ماذا يَفْعلون و ما يَقْتَرِفون...
يَلْتَفِتُ الكُل الى المرأة مُسْتَغْرِباً و يَقول الرَجُل اليها : قَلْبُكِ كَبير جداً يا أمي...فاليُكافيكِ الخالق على صَبْرك و حِلْمُكْ مَعْ ابنائك،
يَلْتَفِتُ القاضي الى الرَجُل و يقول : فاليَتَفَضًل الدِفاع ،
الرجل : التَمِسُ مِنْ عدالَتِكُم الرَحْمَة بِحَق هَذِهِ المَرأة، فالسَيِد الوَكيل يَتًهِمُهَا بأنها باطِلَة و فُنونها باطِلَة بالرُغْم مِنْ ان كَثْرَة الإنْتِدابات الأجْنَبِيَة التي مَرًت عليها مِثْل العُثْمَانِيَة و الفَرَنْسِيَة و البَريطانِيَة ساهَمَت بِخَلْقِ اجواء مَدَنِيَة و حُرَة في عالَمِها، فَكُل مِنْ تِلْكَ البُلدان حينَما حَكَمَت مصر جَلَبَتْ حَضارَتِها اليها و كُتًابَها و ثَقافَتِها و عَبْرَ السنين الطَويلَة عاشَت هَذِهِ الحَضارات جَنْباً الى جَنْب مَعْ الثَقافَة العَرَبِيَة...بَلْ إنْدَمَجَت هَذِهِ الثَقافات في صُلْبِ الثَقَافَة العَرَبِيَة بِمِصر و ساهَمَت بِخَلْق اجواء مَدَنِيَة بالمُجْتَمَع غَذًتْ الحَرَكَة السينِمَائِيَة...و سُرْعَان ما رايْنَا نِتَاج حراً عانَقَ اكْبَر مِهْرَجانات السينِمائِيَة حَوْلَ الوَطَن العَربي و في اوروبا...
الوكيل : انا اعْتَرِض يا سيادَةَ القاضي، فالدِفاع يقول ان مِصر نَبَذَةْ الدين و الثَقافَة العَربِيَة لِتَتَلَوًن بِثَقافَة اجْنَبِيَة...
الرجل : أنً الحَرَكَة السينِمَائِيَة هِيَ حَرَكَة مَدَنِيَة غَيْر دينية و مُنْذُ ان إبْتَدأت في اوروبا كانَتْ المرأة تَوْأَمَها في الشَرْق، فالإنْفِتاح الثقافي لا يَعْني نَبْذ الثَقافَة الذاتِيَة...
الوكيل : لا شَكً لَكَ راي و لَكِن الدين الرَسْمي لِلْدَوْلَة هُوَ الإسْلام و هُوَ الدًليل الاساسي لِلْهَويًة الثَقافِيَة...
يَنْظُر الرَجُل الى القاضي و يَقول مُقاطِعاً: سيدي القاضي لا شَكً انً بِلادِنا تَعيشُ ضِمْنَ مُجْتَمَع دُوَلي تَقودُه الأُمَمْ المُتًحِدَة و يَرْفُض لأي ثَقَافَة ان تَتَقَوْقَع على ذاتها، بَلْ يُشَجٍعْ الإنْفِتَاح و الحِوار بَيْنَ الثَقافات المُخْتَلِفَة و يُشَجٍع العَوْلَمَة بِمَفْهومِها الأيجابي، و يَسْعى لكي يَكونَ بَيْن البُلْدان التًبادُل الثَقافي بِكُل ابْعَادِهِ و حتى السينمائي، فَلِذَلِكَ تَأَثًرَت الثقافَة السينمائة بِمِصر بالثَقافَة الغَرْبِيَة بِسَبَبْ الإنْتِدابات المُتلاحِقَة كما اشَرْت و بِسَبَب التَبادُل الثَقافي الذي يَسْعى المُجْتَمَع الدُوَلي بِتَأْسيسِه...
يَشْرَب القاضي كوب مِنْ المَاء اثْناء المُرافَعَة بَيْنَما يَقول الوكيل : انْتَ قُلْت تَبادُل...فَهَل يُعْقَل ان يَجْلِبَ التًبَادُل المَناظِر الجَريئَة و المُبْتَذَلَة الى افلامنا؟
الرجل : الفنانين لِغَايَة ايام ثَوْرَة 25 يَنَاير كانوا ابْنَاء انْفِتَاح بَيْنَ حضارتين هما الغَربِيَة و الشَرْقِيَة و هذا صراع ثقافي ليس إلا، فإذا أخَذْنا الأفلام التي تَحْتَوي على المَنَاظِر الجَريئَة و عَرَضْنَاها بالغَرْب فَلَنْ يَسْتَغْرِب احَدْ مِنْها لأنً هذا هو الطَبيعي عِنْدَهُم، فالمَقْبول في الغَرْب لَيْسَ مَقْبول بالشَرْق احياناً، فالحُرِيَات التي كانَتْ مَوْجودَة بالقاهِرَة لِغايَة هَذِهِ الايام و الأجواء المَدَنِيَة و الإنْتِدابات المُتلاحِقَة على مِصر كُلُها عوامِل رَسًخَت هَذِهِ الحُرِيَات التي أَثًرَت بالسينما، فالفنانين ابْنَاء الثَقافات التي تَعْشَق الحُرِيَة و حُرِيَة التَعْبير و قَدْ تاثروا بالثَقافة الغَرْبِيَة بهذا الصَدَد...
الوكيل مُحْرَجاً و مُدافِعاً : انا اعْتَقِد انًهُ لِهَذا نَحْنُ هُنا نُحاكِم المرأة لكي نُصَوٍب وَضْعَها اكْثَر لِتَكون عَرَبِيَة إسْلامِيَة...
الرجل : انْتَ تُريد ان تَلْغي مائَة و خَمْسَة اعوام مِنْ الفُنون مِنْ حَياة انْسَان القَرْن العِشرين و الواحِد و العِشْرين، هَلْ تَسْتَطيع انْ تلغي دهراً مِنْ عُمْرِك؟
فجأة يَقَعْ القاضي على الأَرْض مِنْ مَقْعَدِهِ فَيَرْكُض اليَهِ الوَكيل و بَعْض مِنْ الذين كانوا يَجْلِسون في المُحاكَمَة و حاجِب المَحْكَمَة، يَصْرُخ الحاجِب قائلا : لَيْسَ هُنالِك نَبْض...رُبًما قَدْ تَوَفًاهُ الله!!!
يَضْرُخ احَدَهُم و هُوَ يَقِف بِجانِب القاضي : الإسْعَاف هَيًا!!!
يَنْظُر الرَجُل الى المرأة لِبِضْعَة ثواني ثُمً تَقول المرأة لِلْوَكيل : يا وكيل الظُلْم، ألَا يَكْفيكَ انًكَ تُحاوِل قَتْلي، هَلْ قَتَلْتَ القاضي لانًهُ نَكَر شَرْعِيَة هُجومِكْ؟
يَجْلِس الوكيل مَكان القاضي بِبُرود اعْصَاب لا مَثيلَ لَهُ ثُمً يَبْتَسِم كأَنًهُ انْتَصَرَ على عَدو لَدودْ لَهُ مُتَجاهلاً الارْباك وراءَهُ مِنْ الناس و هُمْ يَحَوٍطونَ جُثًة القاضي، و يقول للمرأة : انْتِ مُلْك لنا، بِعَدَم وُجود مُمَثِل القانون المَدني سَنَحْكُم بالشَرْع على المرأة، حَكَمْتُ عَليكِ بِخَمْسُمائَة جَلْدَة كُرْباج و السِجْن خَمْسَةُ سنين،
المرأة : هَذِهِ مُحاكَمَة غَيْر عادِلَة، فالقاضي المُخَوًل لِلْحُكْم عليَ...
الرجل : جريمَة نَكراء بِحَق العَدالَة! لِماذا لا تُعَلٍقوا مَشانِق الفنانين بالشوارع، او لماذا لا تُقيموا مجالِد عامًة لِجَلْد كُل مَنْ يَعْمَلُ فنان او فنانة، هَذِهِ مِهَن مُرَخًصَة مِنْ الدَوْلَة و لا يَحِقُ لَكُم اعاقَة مِنْ يَعْمَلُ بها، و ما ذَنْبُ المرأة؟
الوَكيل يَقول مُتَحَدِياً : اليوم قَضَيْنا بأمْرِ المرأة و في الغَدْ المرأة الثانِيَة التي تُريد ان تُدافِع عَنْها سَتَكون في نَفْسِ القَفَص،
يَصْرُخ شَخْص بجانب الوكيل : الإسعاف هَيًا!!!
يَدْخُل صَحَافيين مِنْ خارِج المَحْكَمَة و يُصَوِروا الوَكيل و هو جالِسْ و ابْتِسَامَة النَصْر على وَجْهِه و يَقْتَرِبوا مِنْ جُثًة القاضي و يُصَوِروها بَيْنَمَا يَتًجِه بَعْض مِنْهُم الى المرأة و يَتَجاهَلوا الرَجُل قائلاين : ماذا رَدُكْ على هَذِهِ الجَريمَة النَكراء و الخِيَانَة بِحَقْ مصر و فُنونِها؟
المرأة بتوتر و ارباك : لماذا لا تسألوا مَنْ احْسَنَ الدِفاع عني؟
يَقول احَدْ الصَحافيين بلا مُبالَاة : هُوَ ليس مِصْرِياً فَما شأنُنا بِهِ؟
تَفْتَحُ المرأة فَمُها لِتَتَكَلًم و لَكِن يُقاطِعْها بَعْض مِنْ الناس و هُمْ يَدْخلوا الى المَحْكَمَة حامِلين لافِتاتٍ عَليها "فَلْيَسْقُط خَوَن مِصر" و صارخين : خِيَانَة لِمِصر! خِيَانَة لِمِصر! خِيَانَة لِلْثَوْرَة!
يَتْرُك الصَحافيين المرأة و يُتابِعوا اعْمَال الشَغَب بالمحكمة، يَدْخُل طَبَقْ مِنْ الناس و يَبْدأوا بِتَكْسير مَقاعِد المَحْكَمَة و الصُراخ بِعِبارات "فالتَسْقُط دَوْلَة مصاصي دِماء شُهَداء الثَوْرَة!"
يَضْحَك الوَكيل بِصَوْت عالي بَيْنَمَا يُنادوا مَنْ يُحيطوا بِجُثًة القاضي : قَدْ مات و نَحْنُ نَنْتَظِر الإسْعَاف!!!
تَصْرُخ المَرأة : يا اولادي ماذا دَهاكُم!!! انْتُم تُؤَلِموني أكْثَر فأَكْثَر!!!
يَقول الرجل صارخاً : ما هَذِهِ الضَوْضاء، كالقَطيع الذي يَرْتَجِف مِنْ الذُعر يَصْرخوا و يُكَسٍروا مَحْكَمَة العَدْل،
و تَسْتَمِر الضَوْضَاء في المَحْكَمَة لِبِضْعَة دقائق مَعْ الهُتافات المُعادِيَة لِلْدَوْلَة، ثُمً يَنْهَض الوكيل مِنْ مَكانِهِ و يُبارِح المَحْكَمَة، يأتي رَجُل شَرِطَة لِيَأْخُذ المرأة،
يَصْرُخ الرجل : هذا ظُلْم!!!
تَصْرُخ المرأة لِلْرَجُل و هي تُحاوِل مُقاوَمْة قَبْضَة الشُرْطي : لا ذَنْبَ لَكْ!!! سَلًمَني وكيل الظُلْم الى قَدَر مُعْتِم و كان بِيَدِهِ مُفْتاح الحَل!!! يا الله اغْفِر لأَوْلادي لأنًهُم سَيَجْلِدوني و هُمْ لا يَعْلَموا ماذا يَفْعَلون!!! لَهُم عُيون و لَكِن لا يُبْصروا!!! لَهُم آذان و لَكِن لا يَسْمَعوا لِكَلِمَة الحَق و العَدل!!!
الرجل : لَنْ اتْرُكَكِ، سأفْعَل المُسْتَحيل لأُخَفٍف عَنْكِ،
تَذْهَب المرأة الى قَدَرِها بَيْنَما يَخْرُج الناس الى خارج المَحْكَمَة لِيَبْقى الرَجُل و جُثًة القاضي، يَسير الرَجُل نَحْوَ مِنَصًة القَضاء، يَقْتَرِب مِنْ الجُثًة و يَرْكَع عِنْدَها، يَنْظُر الى القاضي و عَيْنَيْه مَفْتوحَة و فَمُه مَفْتوح بلا روح و لا حِراك...فَيَقول : فما نَفْعُ المُرافَعَة و العَدالة تُقْتَل...(يتبع)
0 comments:
إرسال تعليق