رائع جداً... بل ما أروع أن تنسلخ عن الوجود، وتتحلق في ملكوت السموات ولا تعي شيئاً سوى أنك طائر بجناحين، وقد تركت نفسك بين أيدٍ تعبث بأعضائك في محاولة قد تنجح وقد تفشل في الشفاء..كنت انتظر دوري في مركز أورام مستشفى جامعة المنصورة لاستئصال غدة استفحلت حتى غطت قصبتي الهوائية وهذا تم اكتشافه منذ أكثر من خمس سنوات، وقد اكتشفته ابنتي الدكتورة ريهام بالصدفة وكانت لازالت في كلية الطب, لكني لم اهتم كثيرا بالموضوع وكان ساعتها مسلسل أم كلثوم يعاد عرضه وعرفت منها أنها كانت تعاني من تضخم الغدة وتخشى أن تستأصلها فتؤثر على أحبالها الصوتية، وانتقلت لي حمى عدوى وهوس أن يتأثر صوتي وهو مصدراً لأكل عيشي وعملي كشاعرة ومحاضرة ومديرة للندوات, وحاولت أن أتناسى هذا الموضوع لأسباب كثيرة أولها زواج رويدا ثم ريهام وحملهما ومتابعة رنا في سنواتها الدراسية الأخيرة ورئاسة اتحاد كُتاب مصر بالدقهلية، ولم الحظ في خضم المشاكل أن الغدة تضخمت وبانت وتدلت وأصبحت تنام على القصبة الهوائية وتسبب الأزمة تلو الأزمة، وقد لاحظ ذلك الإعلامي الكبير خالد لبيب أثناء تسجيلاته الإذاعية بأن هناك حشرجة قوية تظهر في التسجيلات ...وكان لابد من توديعها حتى لو ودعت معها صوتي ها...ما باليد الحيلة، ثم الاتصالات بين الدكتور محمد شاكر زوج ابنتي وأخيه الأستاذ الدكتور أشرف شاكر- مدرس الأورام لتحديد موعد مع الدكتور عادل دنيور – مدير مركز الاورام، وتمت الترتيبات وتم عمل الأشعة لأرى كم كان حجمها المفزع حول قصبتي الهوائية ومرت أيام الانتظار ولم تكن طويلة، وها هم يستدعوني لأرتدي زي العملية ولونه أخضر فاقع.. وساقوني على سرير تروللي – دخلت غرفة الغيبوبة، أقصد العمليات وقد حقنت من طبيب التخدير الذي سألته عن اسمه فذكره، لكني نسيته في الحقيقة وكان شاباً دمث الخلق، وما أن انطلق البنج في أنفي ليدق أبواب الضجيج بداخلي لتهدأ أو تنام بالأمر، لم أشعر بشيء وكأني في رحلة في السماء بين النجوم أقول الشعر وكأني أسمع نفسي وبالفعل كتبت قصيدة طبعا لم أذكرها فهبطت مرة أخرى من الوقت مرة.. حتى سمعت عامل المستشفى يلقيني على سرير بين مهرجان من الأشعار والحب وبعض المحبين الذين كانوا يتابعوني من خلال التليفون خالد لبيب ومحمد خليل وفؤاد حجازي ومصباح المهدي وفرج مجاهد ونجوى محجوب وبدرية السعيد وهالة حسنين و د.محمد عبدالمتعال وأسامة حمدي وسهام بلح و عبده الريس وميمي قدري، وسمية عودة رغم وفاة والدها، والصديق الوفي محمد عبد الحافظ ناصف
كل هؤلاء كنت أراهم وكأني في ندوة يشاركني الشعراء والأدباء ولأول مرة أرى العدد كبيرا ورائعاً وكنت أرتدي زيّا من التل الأخضر البراق وهذا الزي طبعا ما هو إلا الجلابية الخضراء المتواضعة التي ارتديتها أثناء العملية، خرجت من حجرة العمليات وأنا في حالة من الإحساس الداخلي – غناء وشعر وحكايات – وقد كنت قد انتهيت لتوي من كتاب جديد عنوانه "أصوات نسائية دلتاوية". فبدت لي في الحلم كل مبدعة في ثوب أبيض جميل وقد تقدميتهم المبدعة حنان فتحي التي لم تتركني لحظة واحدة ثم بدأ العزف والغناء وزفة كبيرة أراها تقترب مني رويدا.. رويدا ثم أذهب للغيبوبة من جديد. استيقظت من نومي وأنا أحاول أن أغني أنا هنا..هنا..يا ابن الحلال لأشعر أن صوتي لازال رقيقاً ومعبراً ولم تؤثر فيه مسألة الذبح من مقدمة الرقبة حتى القفا وكلما تحسسته شعرت بهم مكتوم لكن أنا دعوت الله في سري أن أرحل عن الدنيا إذا شعرت أن في الحياة شريد أهمني، شكر من القلب لكل من وقف بجانبي أثناء العملية والذين أثبتوا لي إخلاصهم وأن تواجدي بينهم لشرف كبير.
0 comments:
إرسال تعليق