تحفة شعرية وجمالية تنتابها انفعالات/ وجدان عبدالعزيز


اللقاء والحب

الجمال يعني (الأشياء التي تنتظم هذا الكون الفسيح ، إما أن تكون أجساما ، لها طول و عرض و عمق كالإنسان و الحيوان ، و السماء و الأرض ، و الشمس و القمر ، و نحوها ، و إما أن تكون معان ، كالأقوال و الأفعال و الأسماء و الصفات و نحوها و على هذا ، يمكن تقسيم الجمال إلى قسمين:- حسي ومعنوي) وهو بحث عن نقاء الذات وبحث في المحيط عما هو هادئ وعما هو عطاء الهي عظيم .. وهو ارتباط وثيق بالبحث وتكوين حياة مفعمة بالحب ، وقد يتصور الإنسان .. هل ان الحياة بدون حب تستقيم وتتعاشق جزيئات الكون ، أبدا بلا ريب ان العصفور مثلا لايرقص على الشجرة إلا ان يكون عاشقا متبتلا وهو يداعب اللبلاب الربيعي الأبيض من اجل انثاه وهي تغريه على التكاثر وإدامة النسل أي من اجل استقامة الحياة .. فالفتاة حينما تطل من نافذة وسط اشتباك الأغصان ، تطل بنظراتها المغرية من اجل ذلك الحبيب المنتظر أسفل النافذة ، وتكون اطلالتها ، إطلالة فجر جديد يمسح ظلام الكون ويفرش بساط البياض عليه .. ويكون الخبز والماء والحب .. وذلك الناسك يتبتل في محرابه لأجل الإشراق الروحي والنقاء ، كي يكون بقرب الإله ، فتكون روحه محلقة بأجنحة بيضاء ، وهي تشق دياجير الظلمة ، هكذا أشياء الكون تسبح بألطاف الله وتحث الخطى نحو الحب والجمال نحو عذوبة العيش ولهذه الخطى تُركل الظلامات وتركل القباحات ..........

كانت هذه الأفكار تداعب مخيلتي حينما تجولت في حديقتي الشاعرتين سمر الجبوري وميمي احمد قدري المتجاورتين في مداد الحب الذي تبحثانه في مساحات الشعر وكلماته المتكورة بحثا عن الصدق والحب في قصيدة أسمياها (حلم الجمال) ، فكنت اشرب من ترعة الحكمة والكلام العذب عند سمر الجبوري وهي تائهة في أتون الفقدان في الأعلى لأواصل النزول إلى حديقة أخرى مترعة بأحضان الدفء والمحبة لتكون هناك ميمي احمد قدري حيث النهر العذب المنهمر بكلمات الشعر التي تحلق هي الأخرى بألوان الجمال وهكذا يعلمنا الله أن نغفر للآخرين خطاياهم ونحن في نشوة الحب ، لنكون والهدوء الروحي الذي يسبق عواصف الذات المنفعلة رافعين شعار الحب الصامت كرذاذ المطر بين أشياء الكون .. أشياء الطبيعة المتآلفة المتحابة بين أجزائها وهي تنصت لموسيقى العشق الإلهي ..

بعدها شكلت الشاعرة سمر خط الغياب الذي سرعان ما التقى بخط الحضور عند الشاعرة ميمي ، حيث كان البحث المنفعل عن جماليات الحب في غياب حبيب سمر وحضور حبيب ميمي .. وبهذا فان الاثنان صنعن تحفة شعرية جميلة كان المتلقي فيها بين خطين تنتابه انفعالات اللقاء والحب بكلمات شفيفة تداعب القلب تقول سمر :

(حبيبي......

لم أجد حين نزع روحي من قربك...غير التعجب أرحل به مكتومة الأنفاس......

أعرف كم يخذلك الحق....وكم كنت تصبر حتى تأتيك تلك لحظات السفر....

.......وهاهي جاءت وشاءت .....أن أكون كما عودتني الأيام......

...أسافر وحدي.......لأرجع للأوراق والقلم...

....ثم أخطك وشاحا يكمل ماسكن من صراخ شوقي )

فهي أي سمر لم تجده حاضرا فتسافر وحدها لتخطه في أوراقها وشاحا يهدأ من انفعال الغياب الذي تعانيه وصراخ الشوق الذي يعتمل في دواخلها وتخاطبه أنا هنا وحدي يكفيني أن ارصّ حروف اسمك ...

(لكنني هنا حبيبي.....

وحدي أرص حروف اسمك من اليمين مرة....

ومرة من اليسار نحو ابهر دمي

ومرة: من الأعلى حيث ارجوها السماء لتنصفني بك ومنك وعليك )

إذن هذا الحبيب سكن في قلب الشاعرة حروفا محفورة من الشوق والوجد بينما الشاعرة ميمي مثلت الحضور برنة الهاتف حيث تقول :

(عادت الروح....

...

رن الجوال .... سمعت صوته .... ارتجفت خطوط يدي....)

إذن هذا الحبيب حاضر معنويا لا حسيا عند ميمي بينما حضوره لدى سمر لامعنوي ولا حسي فقط هو حروف تتخطى شريانها المتصل بقلبها وهو يرتجف من الشوق ثم تقول ميمي :



(وعندما تكلمت.. صرخت بوجه ذاكرة الوجع

أطلقت سراح عقلي...فتحسست ظله الغائب

خجل مني الصمت.... وانفلت من بين أناملي الصبر)

وهنا الشاعرة ميمي تماهت مع الصوت وكأنه حضور حقيقي للحبيب غير ان هذا الحبيب ليس له وجود حقيقي سوى صرخة بوجه ذاكرة الوجه (أذعنت لوريقات من عسل الشوق) اذ تقول

(رحبت برماح صخبه...في خصر النسيان

شيدت بيتا"من أحلام الحروف والقوافي

في لحظات الجنون الساكن خلايا أعماقي

نبتت جذور نظراته البكر...

أفرغت جسده من أمواجه العطشى للغياب)

وهنا التقت الشاعرتان في حالات الغياب بعدما كنا نعيش مع قصيدتيهما حالتين منفصلتين الأولى هي الغياب ومثلتها سمر الجبوري وحالة الحضور ومثلتها ميمي احمد قدري وهذا اللقاء أجلى لنا ان هذه القصيدة مكتوبة برؤيتين اثنين لكنها تلتقي في النهاية برؤية واحدة .. لذا تقول الشاعرة ميمي :

(عانقتني الذكرى .... تذكرت وعوده ... هاتفتني عهوده!!

أسكنني السحب...أهداني القمر .... مهري ..يوم عرسي

دثرني بوشاح الأمل .... ارتفعت فوق جراحي

ضمدت بالعبرات نزفي...أبتسمت للشجر النابت من العودة

أشتعل البريق بمقلتي...... تلونت وجنتي بحمرة الانتظار

في لحظة خاطفة ملثمة بالهيام .... حملت قناديل غافلة

عما تجرعته من ألم

نعم ... نعم .... هاهو صوته يهمس لي.... يعزف ويردد

أحبك .....أحبك...أحبك)

إذن عاشت لحظات الحب مع صوته وبهذا بقيت تعيش حالة الغياب كزميلتها ..

/ قصيدة (حلم الجمال) قصيدة مشتركة للشاعرتين سمر الجبوري وميمي احمد قدري

CONVERSATION

0 comments: