هل قتل الطفل على دووابشة حرقاً سيحركنا نحو مشروع وطني فلسطيني جامع؟/ محمد أحمد عطاالله

قُتل الطفل على دوابشة ووالده حرقاً في صورة بشعة تقشعر لها الأبدان ولم يجدا إلا الأصوات المنددة من جميع أطياف اللون الفلسطيني ، فهل هذا هو الموقف الاستراتيجي؟ وهل هذا نهاية ما توصل اليه الإجماع الفلسطيني والمشروع الوطني؟ بصراحة أقول أنه لا يوجد اليوم برنامج وطني جامع يلتف حوله الجميع بل الموجود هو برامج فصائلية مختلفة ومتباينة وجزء من هذه الأطراف يحاول المحافظة على برنامجه الفصائلي عبر سلطة  زادت من معاناة شعبنا وأرهقته. الفجوة الموجودة هذه الأيام لم تمر عليها القضية الفلسطينية من قبل والتوافق الفلسطيني على الحد الأدنى للأهداف الفلسطينية السياسية كذلك مفقود.  دخل الفلسطينيون انتفاضة الحجارة 87 موحدين حول الهدف الجامع وهو تصعيد الانتفاضة في وجه الاحتلال وقطعان المستوطنين  فكان التيار الوطنى المنبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية  مشكل فيما عرف بالقيادة الوطنية الموحدة التي كان لها دور مهم وكبير في تصعيد الإنتفاضة  وكذلك التيار الإسلامي المتمثل بالجهاد الإسلامي وحماس الذي كان له أيضاً دور كبير في ديمومة واشعال وتصعيد الانتفاضة ، فشهيد بلاطة أو الأمعري أو الجلزون تجد من يدافع عن دمه في  جباليا والشاطئ والبريج والعكس صحيح ، هذا الإجماع وهذا التصعيد استمر حتى تم الالتفاف عليه بمشروع مدريد ومن بعده مشروع أوسلو في تجاهل  لفصائل موزونة ولها ثقل فلسطيني بحجم الجهاد الإسلامي وحماس الا ان جاءت السلطة الفلسطينية  وهذا بطبعه زاد من الفجوة بين الفصائل الفلسطينية الى حد القطيعة  والملاحقة الامنية بحجة المحافظة على المشروع الوطني الذي هو في حد ذاته مختزل في فصيل او أكثر فقط ، فمشروع المنظمة الجديد رغم معارضة بعض فصائل العمل الوطنى كالجبهة الشعبية لمشروع التسوية  اختزل في السلطة والتزاماتها الأمنية  ، إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى ونتيجة حراكها المشتعل تم التوافق فعلياً على برنامج  وطني للوصول  للحد الأدنى من الأهداف سمّى آنذاك في لجنة المتابعة الفصائلية "برنامج انتفاضة الأقصى والاستقلال" الذي نص على تحرير الأراضي الفلسطينية عام 67 رغم تمسك فصائل كحماس والجهاد والشعبية  ببرنامجها التحريري الاستراتيجي لأراضي ال 48 ، كل هذا كان بمباركة القائد الراحل أبو عمار ، فكان الشهداء القادة أبو على مصطفى والكرمي وطوالبة وأبو الهنود وكانت  وفاء ادريس وهنادي جرادات وريم الرياشي ودارين أبو عيشة عنوان الانتفاضة والتوافق الوطني ، وكان الكفاح المسلح وصد الاحتلال في الضفة وقطاع غزة بل في عمق أرضنا المحتلة يتصدر المشهد. بعد رحيل القائد عرفات  تم التوافق على تهدئة مع الاحتلال عبر الجانب المصري  باعتقادي لتهيئة الظروف المناسبة وترتيب البيت الفلسطيني والتهدئة  كانت بشروطها الملزمة لجميع الأطراف متبادلة ومتزامنة  وكان  أي اعتداء على أهلنا في الضفة كان يواجه برد من مقاومة أهلنا في غزة والعكس. بعد أحداث يوليو 2007  وما تبعه من مناكفات عدنا إلى نقطة الصفر بل ما تحت الصفر وفقدنا التوافق على الأقل للحد الأدنى من أهداف شعبنا ، فعدم الثقة وتقديم السلطة على المشروع الوطنى الجامع  والمزايدات والمناكفات والاعتقال السياسي المتبادل ومصادرة الحريات أصبح هو المقدم وأصبح سيد الموقف كل ذلك ساهم في زيادة معاناة الناس المعيشية اليومية وعكّر صفو حياتهم  وزاد من عربدة قطعان المستوطنين وقوات الاحتلال من جهة أخرى وعطّل مشروع المقاومة والدفاع عن أرضنا ، فالاحتلال تارةً يستفرد بأهلنا بالضفة  وتارةً بأهلنا في غزة وتارةً في القدس الشريف مستغلة الانقسام الفلسطيني وغياب الاستراتيجية الفلسطينية الجامعة ، بل أصبحت المقاومة تعمل وفق ردات الفعل وفي أغلبها رداً على اغتيال قادتها ورموزها وبالتالي أصبحت المقاومة نتيجة عدم التوافق مرتبطة بفصائل معينة لذلك لا نجد رداً على حرق عائلة بأكملها بل قد نجد رداً على اغتيال أحد أفراد أو قادة التنظيم هذا أو ذاك وهذا له مبرر عند هذه الفصائل بعدم وجود اجماع وطنى وفي نفس الوقت استمرار الاعتداءات الصهيونية فلا ينبغى الوقوف مكتوفي الأيدي حسب هذه الفصائل ، وكذلك وصل مسار التسوية الى طريق مسدود . ان مراهنة طرف على أي اتفاق مع الاحتلال بطريق مباشر أو غير مباشر دون توافق وطنى سواءً في غزة عبر هدنة طويلة الأمد مقابل ميناء ورفع الحصار مع أهمية تخيف معاناة أهلنا في غزة ، أو استمرار السلطة بالمحافظة على سلطتها في الضفة بكافة الوسائل والاستفراد وتمسكها مشروع التسوية والتزاماته خاصة الأمنية  للأبد لن يوصلنا الى حالة انسجام فلسطيني وتوافق وطني جامع وستبقى الحالة السيئة لشعبنا ومعاناته مستمرة ، حتى الانتخابات التي ينادى بها البعض  لن تحل الاشكالية وان كانت ضرورة لتجاوز كثير من الخلافات الداخلية ، لان الحكومة التى ستفرزها الانتخابات لها علاقة بتسيير حياة الناس وليس من واجبها تحرير الارض والإنسان من الاحتلال رغم أن اجهزة الحكومة تتورط في حماية مشروع الفصيل هذا أو ذاك ، وقضيتنا بالأساس ليست قضية سلطة أو حكومة لأننا بالأساس نرزح تحت الاحتلال في كل فلسطين حتى ولو بشكل نسبى وما اخفاق حكومة التوافق في انجاز ملفاتها المهمة الا صورة من الصور،  لذلك من الواجب الوطني  تفعيل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية من جديد  بصفنه الإطار الجامع فلسطينياً من أجل التوافق على برنامج  وطني جامع وهذا من واجب الأخ الرئيس أبو مازن بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد حركة فتح ان يدعو ويفعل هذا الاطار وفقا لاتفاق القاهرة ، هذا البرنامج الوطنى الجامع الذي سيكون بالتأكيد أحد أركانه الكفاح المسلح المدروس والمنظم سواء في غزة أو الضفة والقدس  سيساهم في  لجم الاحتلال ومستوطنيه الذين يعيثون في الأرض الفلسطينية الفساد والارهاب وهذا التوافق سينعكس ايجابياً على حياة شعبنا وأولها  تخفيف أعباء الانقسام وتقاسم السلطة  سواءً في الضفة أو غزة وحل مشكلة الكهرباء والاعمار ...الخ. ان تجربة تحرير غزة ولو جزئياً من غلاة المستوطنين وقوات الاحتلال بفعل ضربات المقاومة عام 2005  يمكن تكرارها في الضفة الغربية وما المانع من ذلك في ظل وصول طريق التسوية الى طريق مسدود وفي ظل زيادة عربدة المستوطنين وقوات الاحتلال على أهلنا هناك والسؤال الى متى ستبقى الضفة الغربية رهينة طريق التسوية خاصة أن ضرب الاحتلال عليه اجماع فلسطيني وعربي ودولي  حتى ان فصائل مثل حركة الجهاد الإسلامي التى لا يوجد في أدبياتها تفريق بين أراضي  48و67 وافقت على مشروع وطنى جامع وهذا ما أكده الدكتور رمضان شلح أمين عام الجهاد  في مقابلة مع مجلة الدراسات الفلسطينية خريف 2014  حيث قال " إن رؤية حركة الجهاد تقوم على استمرار الجهاد والمقاومة ، حتى دحر الاحتلال عن كامل أراضي الضفة والقطاع ، من دون قيد أو شرط وهذا لا يعنى أننا نختزل حقنا في فلسطين في حدود 67، وانما من باب تحقيق هدف هو محل إجماع  فلسطيني وتأييد عربي ودولي ، بغض النظر عن موقف البعض من المقاومة التي يقرها القانون الدولي ضد الاحتلال الأجنبي . وعندما نقول بلا قيد أو شرط ، أي أن نحرر الأرض ، دون أي التزام بالاعتراف بإسرائيل ، أو التنازل عن شبر من أرض فلسطين كاملة". هذا من جانب الجهاد الاسلامي أما من جانب حماس فهي تتوافق مع هذه الرؤية والجبهات كذلك ، أما حركة فتح فقد أكد مؤتمرها السادس على تحرير أراضي ال 67 بكافة الوسائل بما فيها الكفاح المسلح وهذا ما أقره المؤتمر السادس لحركة فتح  فذا ما الذي يمنع التوافق الوطنى الجامع هل هى الاجندات الحزبية أم الشخصية أم الفيتو الأمريكي الغربي العربي.  في ظل غياب مشروع وطني جامع سيبقى شعبنا يعانى ويكتوى مرتين ، مرة وان كان أكبر وأبشع من قبل الاحتلال والآخر نتيجة الانقسام والاقتسام على السلطة والتقاعس الفلسطينى الداخلى فهل الطفل على دوابشة سيحركنا نحو التوافق الوطني الجامع .  

CONVERSATION

0 comments: