ماخلّفته العاصفة/ علي بختاوي

قصة قصيرة
البرازيل

أشار إليه أن يتبعه . مشى أمامه بضع خطوات . لا يستطيع أن يشرح له كل شيء أمام العيون التي بدأت تترصد حركات أيديهم . في سنين الشباب علّم البشير صديقه معظم تناقضات الحياة . كان يعطيه دروسا . لا يبخل عليه . يستطيع أن يبخل عليه بكل شيء إلا الكلام . مرا على قهوة لخضر المطروش . سأله هل في نيته فنجان من الشاي المعطر بالنعناع . رفض ابراهيم . قال له لو شربت الشاي من المستحيل أن أتعشى . في حنو ربّت على كتفه وغمره بإبتسامة تشبه إبتسامة الصباح لولد إستيقظ ليلعب . وهما يغادران زاوية القهوة ليطلا على الدرب الطويل المؤدي الى بيت البشير سأله . " هل قلت لي أنت في الليلة العاشرة " . " نعم " . رد عليه بتنهيدة يشوبها الخجل والتأسف . مر الصمت فألقى وشاحه عليهما . تضايق الذي لا يبخل بالكلام . " لماذا أتاني في هذا الوقت بالذات . كيف عرف اني كنت عند موسى بائع الشيفون . اللعنة . لا أظن موسى يكمل الحكاية . أعرفه . خبرتي به لها زمن بعيد . ضاربة في القدم . إذا دخل غريب وصرم حبل الحكاية لا يمكن أن يتذكر تفاصيلها . أهم المحطات والوقائع التي يسردها بطريقته السحرية لها رنين . موسيقى . عالم أخّاذ . كيف كسب هذا اللون من القص .؟ . أبي كان دائما ينهرني أن لا أذهب الى محله . هل يعرف أبي أقاصيصه . مغامراته . بعض أسراره . ؟. لكن لماذا لا يذكر أسماء الأشخاص الذين يروي حكاياتهم . ؟. يخاف .؟ . ربما . القرية صغيرة . "دينار جاوي يبخر القرية بكاملها " . ماذا كان يحكي . هه . كيف نسيت رأس الخيط . ؟".. كان يمشي غير مكترث لما يدور في ذهن ابراهيم وربما هذا الأخير كذلك لم يهتم لما يعمتل في خلد الأول . غير أنه مضطر . في مسيس الحاجة . يستطيع أن يمنحه راتبه الشهري من الأستذة التي يمتهنها فقط يفرج عليه هذه المصيبة التي وجد نفسه يتخبط فيها . ولو إقتضى الحال . بكرمه يقدر أن يقتسم معه الراتب لمدة اربعة أشهر كاملة . بشرط أن يرتاح . يتنفس الصعداء . يشعر أنه رجل . ياللتعاسة . ياللأسى الذي برّح به حتى أصبح يجهل أبسط الأشياء . الأستاذ أستاذ . "يأخذ من كل شيء بطرف " . ولا يدع القيافة تنهش كبرياءه . هو الآن يعرف أنه أحقر من نملة في عين صبيّ طائش . لماذا مشى به الحال الى هذه الدرجة من الغفلة و السذاجة . كان الأجدر به أن يفتش . يسأل . يحفر في الناس والطبائع والتقاليد . الأستاذ أستاذ مهما قدّم أعذاره . أسبابه . حياءه الذي ورّطه في يوم كهذا . هل كان يتصور يوما كهذا. ؟.إذا رجع الى الورا ء قليلا يجد أنه ظلم نفسه . ورفس على سنوات العلم والتدريس التي خاضها دون أن يخرج بشيء ينفعه في هذا اليوم .. هذا اليوم .؟. اللعنة على هذا اليوم . فرك فيما مضى عينيه وهمس " لماذا لا أرى الدنيا كغيري من الناس . ؟. هل كان أبي هو السبب . ؟. أنا .؟. إيماني الذي أدعي أنه قوي . ؟. عزلتي .؟ . خوفي على دراستي حتى عزفت عن شيء هو محور وجودي . مربط الفرس . إذا ما نبزت بلقب على نفسي فأفضل لقب يناسبني هو البغل . إيه نعم مجرد بغل يحرث كل يوم . ويمارس طقوسه بالعادة . كيف لم أفكر مرة بشخصي .؟. بي كإنسان . ؟. الحدود ؟ . أي حدود هذه التي تربكني وتجعلني لا أرى أبعد من أنفي . ؟ . في الحقيقة فكرت مرة أن أتغير ولو قليلا . لكن . لكن ماذا . قلها لا تخف . هذا الخوف هو الذي ورّطك . أدهشك . حيّرك . جعلك نصف رجل . أصغر الناس يفهم . يميز . يطير . في هذا الزمن اذا لم تطر رحمة الله عليك . إسمع . منذ هذه اليوم عليك أن تغيّر نظرتك . أن تطير . ليس الى المحيط الذي تعيش فيه إنما الى كل شيء . هل سمعت .؟ . كل شيء . " .غير أن الغصن اذا نما بشكل غير متجانس سيبقى على ما هو عليه . . فغر الدرب فمه كثعبان يهم أكل ضفدعة ما . بان له بيت البشير مثل الخلاص . جنة . كيف طوى كل هذي السنين دون أن يدرك هذه الجنة .؟ . سيمتحنه البشير بعد قليل . وسوف يتضايق . يتصبب عرقا . ذلك الوجه الأحمر المدور سوف يميل الى الإصفرار والشحوب . حتى ولو فتح له كوة ورأى عن يمينه تلك الجنة التي إفتقدها لسنوات . . الصالة مرتبة . نظيفة . أصص الزهر في الزوايا . إذا آثر التمدد فالموكيت أمامه . واذا إبتغى الأريكة لقصر الوقت و إختصار المرحلة الحرجة الطارئة فليجلس حيث هو الآن . إختار الموكيت . رمى بالحذاء الاسود اللامع . سوّى من بدلته الجديدة الأنيقة . تأمل جذعه . قاسه شبرا شبرا . كل هذه العضلات وأسقط . أنهزم . ألح طالبا النجدة . يالي من بغل . بغل قريتنا هو أنا . " . أعطى البشير وجهه له . حدق في عينيه . قرأ ولم ينطق . مثل هذه الحلات يعرف كيف يتعامل معها . سأله . " كيف لم تستطع . هل هي التي تتهرب .؟ هل إنتعض صاحبك جيدا .؟ . بعد ضحكة مدوية أجاب . " لم تتهرب . وصاحبي إنتعض . لكن . أوف . كيف اقول . الأمر محير والله . شوف . في اللحظة التي أريد أن أدفعه تقول لي ليس هنا . ليس هنا ." . معنى هذا أنك جئتها من ... لا سمح الله ..." .. لا . لا . والله . أنا إتخذت طريق الحلال ." . إذن . " .." في الحقيقة عندما أهم بالركوب تتصاغر بي . تستفزني . تلوي أعصابي فيلتوي صاحبي . حينها أرتخي . أبرد . أكره اليوم الذي خلقت فيه . " . حمل البشير القلم . خط شكلا بيضويا على الورقة وشقه الى نصفين . أعطى لكل جهة في البيضة تعريفا . كرر المسألة ثلاث مرات . ثم طلب منه ان يعيد الإختبار . بعدما رمى في حجره مخدة ودفعه كي يضاجعها . تردد . علت وجهه حمرة . عرق وقلق . يوم الإمتحان يكرم المرء أو يهان . قبل أن يرتشف فنجان القهوة الذي عبه له البشير كان مرر إليه بعض الأشياء التي حدثت من لدنها . ثم فتح الباب ودعا له وخرج . وقف البشير وراء الباب المغلق . أحتار أين يذهب . ثم استقر رأيه على أمر واحد . العودة الى موسى بائع الشيفون . لكن قبل ذلك لابد أنه فكر ثانية وهو أن لا يكرر العودة من نفس الطريق الذي إتخذه مع ابراهيم . "من يدري ربما تشابه عليه البقر أثناء تفسيري للبيضة فيعود من جديد ليقلب رأسي . " .وخرج بعد أن رمى سيجارة بين شفتيه . " هاقد عدت . أنت مجبر أن تعيد الحكاية من أولها . أعرف أنك تمل من التكرار حتى لا تقع في النسيان لكن . " . لا لكن ولا عمار بزوَر . سوف أحكي لك كل شيء . كل شيء . هيا اسمع . " قلت لك كانت لطيفة معي . وصادقة وبريئة و جامحة في الفراش . نعم جامحة وشرود . مهرة شرو س . تستطيع أن تنعتني بالخيّال . الذي روّض أكثر من فرس . في الحقيقة أنا أحب ذلك .الفوضى واعتناق الضجيج . بل قل اني منذ عهدت نفسي وأنا مغرم بالعواصف لذلك ماإن أختلي بها حتى اشعر اني الريح والمطر والزوابع والشتاء . ماذا أفعل . حياتي هكذا . ربما ولدت كما ينبغي لي. قلت حين دعوتها في زوال ذلك اليوم وتستطيع أن تصدق أن حتى ذلك اليوم كان عاصفا . فلم ار ظلا لمخلوق خارج هذا المحل . كان المطر يجلد الدروب . الأشجار . الوجوه الكالحة . البيوت النائمة على فضيلتها ودعارتها . حتى هنا . في هذا المحل . كان مطر غزير . قالت " ضمّني بقوة . طرطق عظامي . أنا اشك في الحب الذي لا يطرطق صاحبه العظم و لا يزرق الجلد لعمل الأصابع واليدين . نعم . أشتهي الحوار بالأصابع والأحضان . " . أندهشت . ورطتني في اللعبة . جعلتني كلبا يشتهي إجتراح طقوسه تحت البرد وعلى ضربات حبّات المطر الثقيلة . جذبتها . كانت تعوي كذئب إدلهمت الصحراء أمام عينيه . " نعم . هكذا حبيبي . كلي لك . أحرثني . أرضك عطشى . ومطرك غزير . ثقيل . منافقة تلك التي تدعي العشق ولا تهدي حبيبها أعز ماتملك . " .. كان يحدثني وينسى من حين لآخر يده وهي تمسح على سيفه الذي أخد يلتمع بالماء داخل سرواله . لذلك إغتنمت هذه الفرصة لأسأله من هذه المهرة فرد علي بإبتسامة تنم عن شبقيته التي مازال يخوضها معها وهو بجانبي . " ألم تسمع بالتي تزوجت هذه الأيام . " . "من هي .؟ " . تلك التي رأيت زوجها يبحث عنك منذ أيام . " . " خضخضني . دوخني . صرت غريبا وسط حكاية غريبة . هضمت حينها لماذا كانت تتملص منه . ولماذا تقول له . ليس من هنا . ليس من هنا . مسكين إبراهيم . كيف ينتشي بغلّته وقد مرّت عليها العاصفة قبل أيام قليلة

CONVERSATION

0 comments: