راقصة البحر/ علي بختاوي

قصة قصيرة
البرازيل

حين يشتد علي أمر ما أحتض البحر أو أدع البحر يحتضنني . أرحل في تفاصيله الزرقاء . أتناسب مع أمواجه ونوارسه وحوته . عشت أكثر من عشر سنوات آكل من رزقه وآمل من عشقه الكثير الكثر . لم يتنكر لي . لم يتغاضى . لم يغضب يوما . أحببته و أحبني . صرنا أزرقا أو رماديا واحدا . او لونا آخر لحظة تهجم علينا الدنيا الكلبة . معظم الذين يرون تقاسيم جسدي وهي تتلوى أو تتهادى مع موسيقى الليل الطويلة الهادئة أكتشفوا التداخل العجيب والغريب مع تلك النوتة المضمخة برائحة السفن والسفر التي ينفثها البحر . لذلك لا أستطيع التخلي . الإبتعاد . أو إجتراح الوداع . هاجمتني الأيام فأتيت هنا . حيث ملاسة الرمل وسخونته الدافئة . الإرتكاز على جنوني المدهش حين أشعر بغربتي الروحية . أتماهى تماما مع الشواطيء والهدير وعذب الكلام الخارج من أعماق العشاق والممحونين . لحد هذه اللحيظات لم أقل شيئا . صبرا جميلا . أتأهب لإقاد ماإنطفأ . توارى .إنتفى . كذلك كنت حكيمة وقت هجرت الأرصفة الباردة والأيدي المعقوفة النائمة على طول النهار في الجيوب . ماذا يرون في ؟ . إمرأة عاهرة . لقيطة . آتية من عالم مجهول . العيون تترصد حركاتي . خضخضاتي . ميولاتي . لا تشبع مني . لا تني ولا تشي . فكرت يومها . لا أدري كيف . تنزل الرحمة من حيث لا نعلم . تثلج القلب المكتوي بصهد العري والحاجة . قلت فكرت في مخرج . منجد . عالم يليق بشطحاتي
و ترفعاتي . لم أجد سوى هذا المكان . ربما قدرُ ولادتي هنا . ليس مجازا إنما حقيقة . يقينا . رؤيا خامرتني أشباحها ثم جرتني الى حيث تقفز الموجة من العمق الى الأعلى في رقصة زرقاء صافية أبدية . أو رصاصية كالتي اقترفتها يوم حنيني الى كأس القهوة الممزوج بالحليب مع قطعة خبز مزبدة ولم أجدها . فقط ينتابني شعور حاد . كتلك النغمة العلوية التي أتوارى كلية معها في شكل هلامي يعسر تفسيره . تدقيقه . وضوحه . خاصة اذا حضر الطبال أحميدة . " لا شيء يخرج القلب من قمقم غبنه وهبل حزنه سوى صوت الموسيقى العذب المتداخل مع الموج في إنحناءات قزحية . النفوس ترحل الى البعيد . تنسى سعر البطاطا والزيت والسكر . تدنو من رحبتها المنفية خلف زمن ما . أواه يا سمراء . ياصاحبة القد الممشوق كقضيب البان . والملامح التي لا تتضح غير أنها تشير . تجزم أن شيئا ما سوف يخرج ومعه يخرج الوجود في لونه القشيب . أرقصي . دعي ردفيك يلامسان حنو الرمل . يسبحان في هواء البحر . أنت إن إستقمت واقفة وتخليت عما تحت النهدين الى شعرك الهفيف وانغمست تدفعين بطنك من الأمام الى الخلف مثل حصان أصيل يقفز لتقريب المسافات والرحلات . تكونين قد اعدت للموجة لون رقصتها وتطرفها المحزن . أرجعت للبحر عهوده السالفة . فالبحر كذلك عشق وتعذب وسهر حتى الصباح . الآن لا سحر يخلبهم سوى إرتكازك على اصابع قدميك مع ترك يديك منفردتين الى السماء مثلما تسبح السمكة الزرقاء صعودا . بهذا تكونين قدجعلت النوتة على مقاس الزمن الآفل . العهد الجميل . أين كان الجار يحفظ جاره . والغني يستحي طبخ اللحم إذا لم يمنح قطعة منه لفقير خاصمته الحياة . هكذا . هكذا هزي بجذع الجسد يتساقط رطبا جنيا . فالعيون التي قرحتها ملوحة البحر ستصفو . يغادرها تعب التفكير في العودة الى ...؟ . لا . تلك الجماعة الجالسة على الشاطيء يلزمها شيء آخر . سأجرب رقصة التمساح أمامهم . أراهم يتنكتون عليّ . معليهش . وحده التمساح يوقظ . يبين . يوضح بإيجاز أو بتطوال . حركت خصري على نغمة مشربة بالدم والسهر في برد السجون على برميل بنزين مهرب . الخصر يدفع بالفخذين والساقين كي يتلاعبان في شكل أفقي مع الإعتماد قليلا على هز السرة لتوضيح الرؤيا لمن صاموا عن أكل الموز والكيوي ومالا نعلم من أرزاق الله .تفركت المقل . عاودها الحنين وشطط الأنين . دنت . ودعت مضاربها . عقدت الأيدي فوق الصدور . هذا غيض من فيض والبقية تأتي مفعمة بصخب الذين مرغوا أنوفنا في حدائق أوسلو ليبقى كنعان وحيدا شريدا في صحارى الوحدة والعزلة والإنفراد . صدح الطبال احميدة " رقصة البجع الحزين أو بحيرة البجع " . نقر الطبل باصابع رقيقة كقصب الوديان . توجع خصري وتنهد عمقي في شوق لبداية السفر نحو الشطآن والأعماق حيث شراهة القرش وهو يترصد طرائده في هدوء و وسكينة و ثبات و يقين . كيف ينقذ تشايكوفسكي بحيرة البجع من تلك النظرة لقرش همه الوحيد الإمتلاء حد التخمة . قال عازف الكمنجة رابح " سأمدد اللحن قليلا . كأن أدعه يسيل كسقسقة الشاي في ليالي الحزانى والمغبونين . حينها يعرف الداني والقاصي فصول تشايكوفسكي في مسيرة العمر المطحون . غيرت ثوبي . الأحمر لمن يريد الطواف حولي . البحث عن أثر من ولوا . إختفوا . لكنهم صرخوا ذات ظلم وظلام " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " . يستمر المشهد . الركح . الإلتفات . الإيقاذ . في محاولة لكسر رتابة البحر والسنين العجاف . ماذا لو كان يوسف وحيدا بغير إله . هل يترك ذليلا عليلا لدى إخوته وهم عصبة . من الإنسانية بمكان . ربما لا . وربما لو عاش أولئك الذين تحزبوا وتهذبوا ساعة الفرز الأخير ليوم الإنتخاب يكون العكس . . أضرب ياأحميدة وبقوة . فالطبل الساخن تحت دغدغات الاصابع يعطي للقلوب فرصة لإسترجاع أندلس الغياب.ويحي . تركت ساقي الأيمن يتقدم بشبر عن الأيسر . ماذا يشعر الآن تشايكوفسكي . وساقي الأيمن قد تقدم بشبر . في الحقيقة ليس ذنبي . إنما ذنب النوتة التي جاءت على مقاس عمرو موسى . أو هذا الزمن الذي رماني من أرصفة وهران الى هنا. . هنا حيث حين يشتد علي أمر ما أحتض البحر أو أدع البحر يحتضنني . أرحل في تفاصيله الزرقاء . أتناسب مع أمواجه ونوارسه وحوته . عشت أكثر من عشر سنوات آكل من رزقه وآمل من عشقه الكثير الكثر . أتذكر "جيدا بوشلاغم القط" . يوم سحبني من شعري وأخرجني من بار بوجمعة . توددت إليه . استحلفته بالذي يحبه ويرضاه أن يدعني أسقي واطعم تلك الأفواه التي تنتظر يدي في ساعة متأخرة من الليل . لكن الكوميسار القط . أبى . إستزمن . تغابى . طمع في ليلة حمراء معي . " نبات مع كلب ولا نبات معاك . " . هكذا صرخت نائحة في وجهه المكور كيقطينة لم يحن قلعها . أوه ياأحميدة . ما بك هذه الليلة . هل تعببت . ؟ . دخت .؟ . قليل من الوقت ونرسم جدارية لوطن مذبوح من الشريان للشريان . أضبط أمرك . أنظر الى رابح . ها عذاب لحنه يمتد ويسري في الأعصاب . رائع انت يارابح . إذا استثنينا فقط مبالغتك في تدوير المعزوفة ماقبل الثالثة . هل أردت بذلك تنبيهنا أننا مازلنا ندور مثل ظلنا حولنا ولا نريد الإنطلاق . في الحقيقة أنا راقصة أما العزف فمن إختصاصك . لا يمكن أن أنسى تلك المنعطفات التي مررت بها . تلك المسالك الهالكة . المنحدرات والشعاب التي أعيتني وأرجعتني سنوات الى الوراء . مع العلم أني لم أتجاوز العشرين من العمر . أستسمحك أيها البحر إذا لم أدخل في وسطك الرحيب الحبيب حتى أكرمك برقصة لك وحدك . وحدك فقط . لكن أعدك أني سوف أجترح ذلك الشوق الذي بيننا في يوم أو ليلة ما .

CONVERSATION

0 comments: