فر مني المعتصم وهل يعود؟ قراءة في ديواني الجديد/ بقلم فاطمة الزهراء فلا

الزمن هو العدو الأوّل والكبير لكل امرأة، فهذه الفتاة الغرّة الصغيرة التي تُريد مطاردة الزمن وانتعال الحذاء العالي وتجميل الوجه الصغير، والإصرار على أنها لم تعُد صغيرة على الحبّ، وافتعال دور المعشوقة المُطارَدَةِ من كل شاب، هي نفسها التي ستقف مُرْتَعبة من مرور الزمن وبداية ظهور تأثيراته القاتلة على وجهها وجسدها، وتركها وحيدة تُواجه ظلمَه وقسوته
تقول الشاعرة:
ذكريات قديمة
قميص أزراه تفتح لمن ينادي
والربيع أبوابه الخضراء
للشوق تجنح
مشاعرٌ طرية في نعومة الخس
عند الباعةِ في مارس
فتميل قلوبُ الحجر
علمتني جدتي أن الحب الأول
خرافةٌ مثل المستحيل
وأن ثوب الفضيلة
يعشقه الرجل حتي وإن كان
علي جسد امرأة قبيحة
وأن ذكريات أول حبيب
تدوم لأن الزوج
يعتير أن جسد امرأته حق شرعي
فغاصت تبحث في الخيال عن جسد مشاع
ومن ساعتها أصبح قلبي تلميذا عجوزا
يرتعد من المطر
ويرتدي الجوارب والسراويل و....  
معذرة أصدقائي , هكذا أنا حينما يسرقني الإبداع , أري كل شئ ملون , العصافير تغني , والبلابل تغني , والناس يحلقون في سموات الحب بدأ الأدب شعراً، فالشعر لغة العاطفة، والعاطفة لغة الشعر. وكما يبدأ الطفل بالشعور والاحساس، بالضحك والبكاء، بالألم والسرور، ثم ينتقل الى طور الفكر ودراسة الامور بالعقل.. كذلك تبدأ الامم بالشعور والاحساس وتعبر عنه بالشعر، الذي يولد من المعاناة والألم. ومع مأساة الإنسان في زمن الصراع ، انسكبت الشكوى داخل القلوب فاشعلتها كالنيران وفجرتها كالقنابل
ذات مرة .. استيقظت من نومي في ليلة صيفية طلع بدرها، وتهاطلت أنوارها من شرفات الصفات، وعزفت نجومها موسيقى الصمت على أوتار الحضور.
أرفع رأسي، وأتجول بعيني في أنحاء البيت الذي درست جدرانه فلم يبق منه غير سقف مرفوع وباب موضوع بلا مزلاج. بحثت عنك فلم أجدك , فتأهبت للفراق وهل تدرك معني أن تفر مني ؟ تهرب بلا رجوع ؟
إنها مأساة
أيقظتُ البلبل من نومه، وحملته معي في الفلك وانطلقت مبحرة من ميناءالحب إلي يم الفراق ، حتى إذا صرت وسط اللجة لجَّ بي الشوق إليك فهاج البحر،  وتقاذفتني أمواجه، وأحاطت بي حيتانه. ولفتني ظلمتان، فوقفت أرتجف في مقام  الخوف، وسمعت هاتفاً
يقول : 
- أنت التي  اخترت الطواف في بحر الفضول حيث الأمواج تتلاطم مركبك بين ردٍّ وقبول، لقد سلكت قبلك رابعة الطريق سبع سنوات زاحفة على جنبها فوق الأشواك لتلقى حبيبها، وتنعم بالقرار. فإن كنت لن تستطيع صبراً مع هذه الدوامة التي تدور في رأسك، فعد إلى الدار كي لا يحترق بيدرك، وإن أردت الاستمرار فتذكَّر، فإن الذكرى تنفع المبحرين في بحرالأحزان
.   تذكرت أنني تركت البلبل حبيساً في قاع السفينة، فأطلقته، وضرعت إليه أن يغني، فوقف على حافَّة الفلك، ورفّ بجناحيه المضيئين فتناثرت ذرات النور في السفينة وانطلق مغنياً.
من يجد حبيبي يدلني إليه..
يا سادتي أكتب لكم قصائدي مغزولة بدقائق العقيق , وذرات عشق كادت تذوب أقول في واحدة
هل للعمر..حبيب آخر؟
أيجئ اليوم ومن عمري تسافر
ابحث في الأيام عن حب آخر
حب يحملني إليه
عبر مطارات ومواني....وبواخر
ورسائل أخرى تخجل
لازالت من أقدام غريب
يتحسس في الظلمة طريقا
للأشواق
يتوارى أو يتناحر
بالفعل جاء اليوم وسافر الحبيب بإرادته هاربا بكل أدواته مع سبق الإصرار والترصد أتحدث إليك في دهشة وغربة :
بكل فجر مثل جمجمتي يصيح
كلما هم شهرياربذبح شهر زاد
ولماذا أنا ألقي ثيابي بأقدام الربيع
كلما تقدم الي الخريف ؟
وعنقودي تدلي علي صدر الوهن
ونزعوا مني الأظافر
والخواتم والأساور والقلم
تركوني عارية
وحين استغثت بالمعتصم
فر مني كالمتهم
فنكست العلم
ماذا تفعل امرأة هرب منها حبيبها وشالها الذي كان يغطيها من رياح الشتاء العاتية
إن الإحساس بالخوف يسكنها فتصرح بذلك :
  يأمرني وجهك أن أرحل
أتجول في أروقة أخري
غير أروقتك
لكن أشواقي إليك
لازالت مطبوعة
في صدر الحلمِ الخائب
وقعُ الخَطواتَ يشاغلني
والمطر ينهمر
حين يلمس كفي كفيك
يأيها الوطن الضائع
حين ترحل
وارتعاشات الغصن المهتز
بباب الريح
إنها المرأة العصرية التي ظلت تطلب الحرية وتدق بعنف علي باب الجرأة بلا ملل , وحين امتلكت الحرية ضاعت علي باب الشتاء ينهمر عليها المطر بلا رحمة
أشياء ترتعد منها المرأة وتقف في هلع
الزمن: عدو المرأة الذي تخشاه وتخافه وتحاول التهرّب منه ومُراوغته بشتى الوسائل مع إدراكها الداخلي بأنه المُنتصر أخيرا.
"وللحظة تجسّدت أمامها سنوات عمرها، المحور الأساسيّ في حياتها كان البحث عن الحريّة، وعن طريقة تحقيقها، كلّ هاجسها كان أن تتحرّر في العمق من كلّ ضغط خارجي يبغي تشويهها وتغريبها عن ذاتها إلى درجة الجنون تقول :
الريح تطن بأذني
فأنصت لصوتك
 فيحملني عبر البحار والأنهار
ومدن بلون الشوق الكامن في الصدفات
مجنونة تلك الصدفات
وشوشت وهمست وغازلت البنات
في أزمنة الشات
فضاع الحب وشيعناه في التوابيت
بلا ورود ولا تراتيل
وهمسنا البقاء لله
ولا عزاء للحلم الذي قد مات
قصائد جميلة كتبتها بإحساس أنثي في كل مراحل حياتها , عشقت قصائدها وهللت للحبيب حين منحها القبلات , وحزنت حين أكل الملح جدران قلبها..وتوسلت للمساء ألا يبيت خرج البيت..وكفنت ضفائرها باليأس حين فر منها المعتصم
لم أرو قصائدي علي لساني , ولكن روتها بطلات صغيرات بدلا مني قد تكون الإبنة وقد تكون الحفيدة لتُعطي نفسَها حيّزا أوسع من الحريّة في البوح والتّفاصيل وطرح الأفكار، وحتى لا يسم البعضُ أشعاري  بالسّيرة الذاتية، ليعيش المجتمع الشرقي
حالة من البوح ويحاول أن ينبه المجتمع من  محاسبته المرأة على كلّ تصرّف من تصرّفاتها.

CONVERSATION

0 comments: