دخلَ الكوفةَ يحملُ قرآناً
وخرجَ منها فاقداً رأسَهُ
لم تخبرْ عنه المرأة التي آوتهُ
أدفأتهُ وأطعمتهُ
رأتْ فيهِ وَلَدها الآخرَ ...
رَجُلَ السوءِ الذي أخبرَ السلطاتِ عنه
حاصرتهُ ثلّةٌ من رجال الأمن والمخابراتِ
أمرتهُ أنْ يغادرَ الدارَ
رفضَ ...
أشعلوا في الدارِ النارَ
فخرجَ إليهمْ يقاتلهم بسيفهِ
قاومَ جُندَ السلطانِ بشجاعةٍ ورجولةٍ
لم يتمكنّوا بالسيفِ منه فأخذوهُ بالحيلةِ والغدرِ
ـ شأن كل السَفِلةِ في الوجود ـ
أعطوهُ الأمانَ على أنْ يرافقهم إلى قصر الأميرِ ...
لم يُطِقْ الأميرُ رجولةَ هذا الفتى
ولا عراقةَ دمه وأصلهِ
فقررَ إطفاءَ الشُعلةَ المُتقدّة التي أتى العراقَ بها من المدينة
أعطى الأمرَ لِشُرَطهِ : خذوهُ إلى أعلى السطوحِ
وادفعوا بهِ إلى الأرضِ
سقطَ الفتى المقاتلُ الشريفُ قتيلاً
وقال الشاعر فيما بعدُ :
إذا كُنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري
إلى هانئٍ في السوقِ وابنِ عقيلِ
إلى بَطَلٍ قد هشّمَ السيفُ وجهَهُ
وآخرَ يهوي من طُومارَ قتيلِ
من يتحملُ دمَ هذا الفتى المُدهش... مَنْ ؟
ذاك الذي بعثَ به رسولاً كطير العاصفة أو حمامة نوحٍ
أمْ الرؤوسُ التي لم تُطقْ الظُلمَ فاستعجلتْ قدومَ المُنتظر
ومن ثمَّ خانتْ نفسها والمُنتَظَر حين ظهرَ ؟
2 ـ قتيلُ كربلاء
ما بين المدينةِ والكوفةِ بدأتْ المأساةُ
ولم تنتهِ إلاّ في كربلاء
أهو القَدَرُ أم ماذا ؟
رفضَ أنْ يُبايعَ مبايعةَ العبدِ الذليلِ
شدّدوا عليهِ الخِناقَ فصمدَ
لم يستطيعوا قتله في المدينة
فاستدرجوهُ برسائلَ كاذبةٍ تحملُ أختامَ رؤوسِ القبائل
إلى الفخِ المُستعرِ دَمْاً وناراً
إلى الصحراءِ التي تفصلُ العراقَ عن بلادِ الشامِ
وخيّره ( الحرُّ الرياحيُّ ) :
أولاً : بين أنْ يموتَ ومّنْ معه عَطَشاً
ثانياً : أنْ يُقتلوا جميعاً بحدِّ السيفِ
ثالثاً : أو أنْ يُبايعَ ..
قال فلأرجع ومَنْ معي إلى المدينة
ـ قالوا لا
قال فلأعتزل وأُقيم بعيداً في بلاد اليمن
ـ قالوا لا
قال فليرجع من جاءَ معي إلى المدينة وخذوني أقابل يزيداً فَدَمي لا دم أطفالي ونسائي هو المطلوب
ـ قالوا لا . أمددْ يدكَ واشهرْ بيعتكَ لخليفةِ المسلمين وأمير المؤمنين .
قال بل أنا الخليفةُ ولا سوايَ أمير .. أنا ابنُ فاطمة بنت محمد بن عبد الله.
هو الآخرُ جاءَ العراقَ يحملُ قرآناً عربياً فانقسمَ :
رأسهُ في بلاد الشامِ
وبقايا جسدٍ مُقطّعٍ تحت أرض العراق !
مّنْ يجمعُ الرأسَ والجسدَ ؟
ومتى يجتمعُ الرأسُ بالجسدِ ؟
0 comments:
إرسال تعليق