واضح بأن ما يجري على ساحة قطاع غزة،ليس هو فقط عدوان همجي يشن على الشعب الفلسطيني،لفرض مشروع سياسي عليه،بل هناك صراعات وتصفيات حسابات تجري بين أكثر من طرف ومحور تتشابك مصالحهما حيناً وتفترق حيناً آخر،وهذه الصراعات وتصفية الحسابات،والتي يدفع الشعب الفلسطيني ثمنها دماً وشهداء وخسائر كبيرة في الممتلكات، هي جرائم حرب بإمتياز وابادة جماعية.
نعم صراعات تدور ويشارك فيها أكثر من طرف فلسطيني وعربي وإقليمي ودولي،وبالنظر الى تلك المحاور الثلاثة المتصارعة هناك،نجد انها تلتقي حيناً وتفترق حيناً آخر،إرتباطاً برؤية واهداف ومصالح كل طرف من تلك المحاور المتصارعة،وهذا يعكس نفسه على المبادرة المصرية التي قدمت لتثبيت تهدئة بين قوى المقاومة الفلسطينية وحكومة الإحتلال المعتدية من حيث القبول بها كما هي مطروحة ومن حيث رفض قبولها لكونها لا تلبي الحد الأدنى من شروط المقاومة،ولكون ما كان مقبولاً في نوفمبر 2012 لم يعد مقبولا الان،فالمقاومة لا تريد العودة الى المربع الأول بعد كل عدوان،بل تريد أن تجري معالجة جوهرية لأصل المشكلة الإحتلال والحصار.
وعندنا تحليلنا للواقع،واقع الصراع والمجابهة الجارية الان في قطاع غزة،نجد ان محاور الصراع هي مختزلة في ثلاثة محاور،في المقدمة منها محور (ايران وسوريا وحزب الله) ومحور (تركيا قطر وحركة الإخوان المسلمين) ومحور( مصر السعودية الامارات العربية والاردن والسلطة الفلسطينية)،وهذه المحاور تلتقي مصالحها في ساحة وتفترق في ساحة اخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر المحور الأول والثاني يلتقيان في الإبقاء على حماس قوية وخروجها من المعركة منتصرة وغير خاسرة،فالمحور الأول يريد من ذلك ان يتعزز حضوره ودوره وتاثيره من خلال انتقال حماس من المحور الثاني الى محورها،بعد ان تولدت قناعة لدى اغلب قادة حماس بأن المحور الذي انتقلت اليه لم يقدم لها سوى الوعود والشعارات،في حين المحور الثاني زودها بالأسلحة وتقنيات تصنيعها،بما مكنها من الصمود وتوجيه ضربات موجعة لدولة الإحتلال،اما المحور المحور الثاني فهو يريد ان تستعيد حماس شعبيتها وجماهيريتها فلسطينيا وعربيا واقليميا ارتباطاً بمشروع الإخوان المسلمين الذي تعرض الى انتكاسة كبيرة في أكثر من ساحة عربية وتحديدا في معقله مصر وكذلك في سوريا وغيرها من الأقطار العربية،ويقف هذين المحورين على طرفي نقيض فيما يتعلق بالمعارك والحروب الدائرة في العراق وسوريا،وكذلك المحورين الثاني والثالث يلتقيان ويتقاطعان في الوقوف ضد النظامين العراقي والسوري،ويعملان جاهدين على إسقاطهما وتوفير كل سبل الدعم مادية وعسكرية وسياسية واعلامية وبشرية لذلك،في حين يفترقان ويختلفان في الموقف من النظام المصري وحركة حماس،حيث محور تركيا قطر يقف ضد النظام المصري الحالي الذي جاء على انقاض نظام الإخوان الذي كانت تدعمه وترعاه تركيا وقطر وتقفان الى جانب حركة حماس،في المقابل السعودية والامارات العربية والسلطة الفلسطينية والأردن تقف الى جانب النظام المصري وضد حركة حماس من منطلقات سياسية والتناقض مع اهدافها ومصالحها.
هذه اللوحة المعقدة والمتشابكة من المصالح والصراعات وتصفية الحسابات،لا بد ان تكون متصارعة حول المبادرة المصرية لتثبيت التهدئة،وقبل الحديث عنها لا بد من القول بأن هذه المبادرة جاءت أقرب الى الإتفاق الذي وقع في نوفمبر/2012 برعاية مصرية تركية قطرية،واعتبرته حماس في ذلك الوقت نصرا إلهياً،والمبادرة الان تتحدث عن وقف كل الأعمال العدائية البرية والجوية والبحرية ضد قطاع غزة وعدم القيام بعمليات التدخل البري وإستهداف المدنيين،وبالنسبة للمقاومة وقف كل الأعمال العدائية البرية والجوية والبحرية وتحت الأرض وعدم إطلاق الصواريخ بأنواعها المختلفة على اسرائيل وإستهداف المدنيين.
وفي التدقيق في تلك المبادرة نجد انا لم تعالج جوهر المشكلة الإحتلال والحصار،وكذلك فشلت في تقديم جداول عملية لرفع الحصار الغذائي والإقتصادي عن قطاع غزة وربطت ذلك بإستقرار الأوضاع الأمنية،وكذلك لم تضع آليات لمنع إستمرار خروقات اسرائيل وعدوانها على القطاع،وكذلك ساوت بين الضحية والجلاد،وأيضاً بند تحت الأرض يعني بشكل وآخر تجريد المقاومة من أسلحتها،منع حفر الأنفاق وحيازة الصواريخ وتقنيات تصنيعها،وهذه المنطلقات كان من المفروض ان تركز عليها المقاومة الفلسطينية لرفضها للمبادرة وليس الجانب الإجرائي والشكلي مشاورتها أوعدم مشاورتها.
والمبادرة المصرية صيغت جوهراً ومضموناً من قبل مصر لكي تجعل قوى المقاومة،وبالذات حماس غير قادرة على قبولها،إنطلاقا ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني،بل حسابات مصرية داخلية وتصفية حسابات مع حماس،وقوفها الى جانب النظام السابق وعبثها في الساحة المصرية،وبالمقابل حماس الرفض جزء منه مرتبط بعلاقتها التنظيمية والأيدولوجية مع حركة الإخوان المسلمين،والخلاف على الدور المصري في رعاية الاتفاق والمناكفة والخلاف المصري مع قطر وتركيا،وهي برفضها تريد أن تطبع علاقاتها مع النظام المصري،مستغلة ثقل حلفائها تركيا وقطر من أجل ان تستعيد جماهيريتها ودورها عربياً وإقليمياً.
واذا كانت المقاومة محقة في رفضها للمبادرة المصرية،حيث فاتورة العدوان على قطاع غزة عالية جداً شهداء وجرحى ودمار كبير،وبالتالي من غير الممكن ان تقبل قوى المقاومة بالمبادرة المصرية حتى لو انتحرت سياسياً،كونها لا تلبي حاجة الشارع والجماهير التي إحتضنت المقاومة،وبالتالي هذه الجماهير التي ضحت ودفعت ثمناً باهظاً ستصب غضبها على حماس والمقاومة اذا ما قبلت بالمبادرة،وخصوصاً بأن المقاومة بصمودها وما إمتلكته من توازن عليها،ترى بأن مطالبها برفع الحصار وفتح المعابر وإطلاق سراح الأسرى المحررين في صفقة الوفاء للأسرى،صفقة "شاليط" وتوزيع مساحة ومدى مناطق الصيد ووقف العدوان الإسرائيلي، وغيرها من مطالب،هي مطالب محقة لأي هدنة قادمة، في حين مصر لا تريد هي والعديد من الدول العربية لحماس ان تخرج منتصرة من المواجهة،لأن ذلك يصب في تقوية مشروع الإخوان الذي تعرض إنتكاسة جدية في مصر وسوريا وغيرها من الأقطار العربية،وبالمقابل تجد قوى المقاومة صعوبة في قبول المبادرة المصرية كما،وهي بذلك قد تجد نفسها في أزمة خيارات،ولكن مهما يكن الأمر فالنتائج المترتبة على القبول،قد تكون أكثر سلبية من عدم القبول بالشيء الكثير،فإستمرار الصمود والمقاومة من شأنه،ان يجعل الأمور تجد طريقها للحل،وبما يخدم المقاومة وشروطها،ولكن هنا يجب التشديد على قضية جوهرية بأن الأطراف الفلسطيني عليها أن تكف عن سياسة المناكفة والتحريض،والإبتعاد عن تحميل المقاومة مسؤولية التصعيد الإسرائيلي،فالإحتلال وحده من يتحمل المسؤولية،وليس رفض قبول المبادرة المصرية،يضع المقاومة في موقع الشريك والمسؤول عما ستؤول إليه الأمور،فيجب ان يتم الإستثمار سياسياً وفق مصالح الشعب الفلسطيني،وليس وفق مصالح فئوية وحزبية،او وفق اجندات واهداف غير فلسطينية،وعلى السلطة الفلسطينية،ان تعي وتدرك تماماً بأن إنسداد أفق المفاوضات وتغول وتوحش الإحتلال في كل الجوانب والمجالات دفع بالشعب الفلسطيني للوقوف مع خيار المقاومة.
0 comments:
إرسال تعليق