لا جدال ان قطاع غزة شكل حالة خاصة وفريدة ومغايرة عن الضفة الغربية ، وذلك نظراً لخضوعه تحت الادارة المصرية.
وقد تركزت اهتمامامات الناس آنذاك على توفير رغيف الخبز والبحث عن الاستقرار الاقتصادي والمعيشي اكثر من البحث عن الثقافة والادب، لكن رغم ذلك فقد تلمسنا بعضاً من حياة ادبية وثقافية بفضل الصحافة الثقافية والادبية المصرية التي كانت تصل القطاع بصورة منتظمة.
وكان قطاع غزة شهد بعد نكبة عام 1948نهضة ادبية وظهور ملامح لحركة ثقافية تمخض عنها صدور عدد من الصحف السيارة، التي غلب عليها الطابع السياسي، كالشرق واعلام والرقيب وغزة والوطن العربي واللواء والصراحة والعودة والتحرر واخبار فلسطين وغير ذلك. ولعل صحيفة "اخبار فلسطين" كانت من ابرز الصحف الغزية واكثرها انتشاراً وعمقاً وقيمة ثقافية ، وقد اهتمت بنشر نصوص شعرية ونثرية وادبية لمجموعة من المبدعين الشباب المهتمين بقضايا الثقافة والادب والفكر منهم : معين بسيسو وهارون هاشم رشيد ومحمد حسيب القاضي ومحمد جلال عناية ومحمد جاد الحق وفوزي العمري وخالد الهشيم وغيرهم الكثير.
وهذه الصحيفة الرائدة كانت لعبت دوراً كبيراً في تنشيط الحياة الثقافية والادبية الفلسطينية من خلال اقامة الندوات المختلفة ومناقشة الكتب الجديدة وتشجيع المواهب الادبية الواعدة ونشر انتاجها الادبي.
وجاءت هزيمة حزيران العام 1967لتلقي بظلالها على الوضع الثقافي في قطاع غزة، والضفة الغربية كذلك. وكان لها الأثر البالغ على مجمل الابداع الادبي الفلسطيني والحركة الثقافية والفكرية الفلسطينية ، حيث خيم جو من الصمت والسبات العميق . وظل هذا الوضع حتى السبعينات من القرن العشرين الماضي، حيث اخذت بالتبلور والانتعاش حركة ادبية مقاومة ونشطة من خلال الصحف والمجلات والدوريات التي صدرت في تلك الفترة منها مجلتي "العلوم" و"الاسبوع الجديد" للصحفي زهير الريس، ومجلة "الشروق" للصحفي محمد خاص، و"الشرق الاوسط" لجميل الشوا، و"البشير" لابراهيم حنظل وسواها من صحف ومجلات كانت تصدر بصورة غير منتظمة وسرعان ما احتجبت وتوقفت بعد اعداد قليلة ، ولم يكن لها تأثير ملموس ودور واضح في تأسيس حركة ادبية في القطاع ، ولذلك اتجه الكتاب والمبدعون الطالعون من بؤس المخيمات نحو صحافة الضفة الغربية مثل القدس والشعب والفجر والطليعة والميثاق وغير ذلك ، ومعظم هذه الصحف كانت يومية او اسبوعية اختصت بالسياسة والشؤون المحلية الا انها خصصت ملاحق ثقافية شكلت منابر مفتوحة لجميع الكتاب الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة .
وكان لصدور مجلات شهرية تعنى بالادب والثقافة والفكر الانساني اثر كبير في تطور الحياة الادبية والنهضة الثقافية والعلمية ، ومن اشهر وابرز هذه المجلات :" البيادر" و"الكاتب" و"الفجر التادبي" و"العهد" و"العودة" . وتعتبر "البيادر" التي بدأت بالصدور سنة 1976الأبرز بينها كونها اول مجلة ثقافية وادبية متخصصة في المناطق الفلسطينية المحتلة ، ونجحت في استقطاب جميع الاقلام الادبية في مختلف فنون وصنوف الادب ، ومن مختلف المشارب والمذاهب الفكرية، وادت دوراً ريادياً وطليعياً هاماً في نهوض المشهد الادبي والثقافي الفلسطيني تحت الاحتلال . ومن اهم الاسماء الادبية الفلسطينية التي عرفتها الحركة الادبية الفلسطينية في القطاع نذكر على سبيل المثال لا الحصر غريب عسقلاني ومحمد ايوب وعبداللـه تايه وزكي العيلة وصالح زقوت ووليد الهليس وصبحي حمدان وتوفيق الحاج وباسم النبريص وصقر ابو عيدة وفداء احمد (عبسان الكبيرة) وغيرهم .
مجمل القول ، لقد ولدت وترسخت في قطاع غزة ابان الاحتلال الاسرائيلي حركة ادبية وثقافية تقدمية مقاومة ومناهضة ضد الاحتلال ، تجسدت وتمثلت بالابداعات والاصدارات والاعمال الشعرية والقصصية والروائية والمتابعات النقدية . وقد عكس ادب القطاع هموم وعذابات الجماهير المسحوقة وواقع التشتت والتشرد والغربة والتصاريح وواقع المخيم وحياة ابنائه. ولا شك ان الواقع الذي فرضه المحتل هو واقع مختلف في الصيغة والاسلوب ، ولذلك فان تناول ومعالجة هذا الواقع المفروض والقدرة على تثويره وضعت امام كتاب القطاع وسيلتين هما التناول السردي والاقتراب من لغة الشعر وادواته ، اضافة الى الاهتمام بالواقع الاجتماعي والسياسي والاحتلالي للانتصار عليه.
0 comments:
إرسال تعليق