مَنْ نَلُومْ؟/ أنطوني ولسن

نزوح هذه الأعداد الهائلة من الهاربين من دولهم نتيجة الحروب الدائرة في بلادهم من داعش، يثير الغضب والحزن؛ لما نشاهده كل يوم من مآسي الهاربين اللاجئين إلى الدول الغربية طمعاً في مكان يأويهم ويأوي أطفالهم ونساءهم من غدر هؤلاء الغزاة الجدد في القرن الواحد والعشرين!

 هروبهم من بلادهم الى الدول الغربية، مما لا شك فيه يعرضهم ويعرض الصغار من أبناءهم إلى موت محقق، إلى جانب وقوف حكام تلك البلاد في وجههم ومنعهم من الدخول للعيش في دولهم!

يسأل البعض: لماذا لم يلجأ الهاربون من بلادهم العربية إلى دول عربية أخرى تكون أكثر أمنا وآماناً من بلادهم التي فروا منها؟!

تكون الإجابة صريحة وواضحة عكس ما كنا نتمنى أن يحدث.

الدول العربية نفسها، شريك في التقاعس وعدم المساهمة في مواجهة الداعشيّة، وإنقاذ شعوبها، ومن ينتمون إليها، من مأساة النزوح غير الشرعي إلى الدول الغربية.

وكيف يكون هذا، وحكامها يتشدقون بالعروبة والتضامن العربي، وجامعتها أصبح اسمها ضد معانيها، حيث: التمزّق والتفكك والتفرّط، ولم يعد لها الحول والقوة، والتأثير، والتسلط الإيجابي على مجريات الأمور.. لم تعد فقط سوى هيئة تأكل من أموال شعوب هدها الفقر، وهزمها اليأس، وتاهت في عالم شرير! 

بل نجد أن بعض تلك الدول العربية يساهم في مد الجماعات التكفيرية والأرهابية، بالمال والسلاح لمحاربة حاكم أو حكام لا يتبعون ملتهم أو مذهبهم الديني "شيعي/سنة"، وتضطر شعوب تلك الدول إلى الفرار لطردهم من بلادهم دون مأوي أو مال، ويعرضون أنفسهم وعيالهم وزوجاتهم للخطر.

رأينا حديثاً، الجماعات التي  استطاعت اللجوء والدخول إلى أراضي أحد الدول الأوربية، وهجوم رجال الشرطة في محاولة إبعادهم والتحدي من بعض اللاجئين للشرطة بوضع أبنائهم وزوجاتهم وأنفسهم بين قضبان السكك الحديدية؛ ليلاقوا الموت الأرحمّ، خيراً لهم من العودة إلى ديارهم؛ لأن لا ديارهم ولا غيرها من ديار الحكام العرب ستقبلهم كلاجئين عندها. وحتى أكون منصفاً، هناك بعض حكام العرب يساهمون في مساعدة الهارب إليهم بالدخول إلى البلاد والسماح لهم بالعمل التجاري؛ ليتعايشوا منه.

أما الغرب فقد مر بحروب قضت على أخضره ويابسه، وموت أعداد كبيرة من شبابه. وكانت الحرب العالمية الثانية، أكبر دليل على الخسارة البشرية والمالية التي حلت عليه، مما أضطره إلى فتح أبواب الهجرة لكل من يرغب في الهجرة إلى دياره.

وكانت ألمانيا أكبر مستقبل للشباب، وبنوع خاص الأتراك؛ ليعيشوا في بلادها، ويستقروا فيها، ويتحدثون لغتها، إلى جانب لغتهم التركية.. ومنحتهم الحرية، وسمحت لهم ببناء المساجد، وأن يكون لهم رجال دين مسلمين!

إنجلترا تعرضت لنفس الشيء، بل إزداد إحتياجها إلى أصحاب رؤوس الأموال وليس من المهم من أين، وكيف امتلكوا كل هذا المال الوفير؛ بل لكي يزدهر الشعب البريطاني، وينتعش اقتصاده!

هي أيضاً، سمحت ببناء المساجد، وأن تكون للمسلمين مدارسهم الخاصة دون تدخل أحد من الحكومة فيما يدرس ويتعلم أبناءهم وبناتهم، ومنحتهم الحق في نشر الاسلام

في ربوع البلاد، وحقهم في عدم الإزعاج الذي قد يكون صادرا من أصوات المصلين من المسيحيين في البيوت والكنائس!

أمريكا هي الراعي الرسمي للإرهاب والإرهابيين، وقد بدأت في تحقيق حلمها القديم، الذي هدفه تفتيت دول الشرق الأوسط "العربي" إلى دويلات صغيرة كل منها يتربص للآخر؛ ليجهز عليه،  وليحطمه ويقضي عليه ؛  فيفوز الحاكم الموالي لعم سام السام بكل تقدير وإحترام؛ ليصل الحلم إلى نهايته، ونعيش نحن يقظة التفتت، والتبدد، والموت أحياء!

ماذا فعلت أميركا في العراق؟..

كل من عاش في تلك الحقبة الزمنية من حكم صدام حسين، يعرف أنه لا يمكن أن ينكر أنه كان دكتاتوراً.. وأنه ـ مع ذلك ـ،  رفع من شأن العراق وشعبه .لكن الخلاف السني/الشيعي، أعطى الحكومة الامريكية، أن تتدخل لحماية الجانب الضعيف ضد الجانب القوي!

وفي حرب غير عادلة، قسمت الأراضي العراقية  إلى دويلات صغيرة تُحكم بأيدي العراقين بعد القضاء على قوة العراق الحربية، وأنتهت بشنق صدام حسين!

نأتي إلى مصر، التي رفضت الدخول في حرب ضد العراق؛ لتمرير الغزو الأمريكي؛ فغضبت أمريكا من هذا التصرف؛ وانتهزت  الفرصة المواتية،  لتشجيع الأخوان المسلمين على تولي السلطة في مصر!

كلنا يعرف ما حدث في زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للمملكة العربية السعودية، وإنحناءه وهو يمد يده لمليكها.. تلك الإنحناءة التي صارت محل نقاش كبير بين شعوب العالم كله!

بعد ذلك توجه إلى القاهرة ولم يستقبله مبارك في المطار.. ومع ذلك ذهب أوباما إليه وقضى معه وقتاً، لم يعرف الشعب المصري ما دار بينهما، لكننا لاحظنا عند مغادرة أوباما، أن مبارك كان واقفاً يودعه، ويشير له بإصبعه ما ترجمه الناس: " أوعى تنسى اللي قلتلك عليه"!

غادر أوباما مصر بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة بالجيزة، والذي أكد فيه أنه حفظ القرآن الكريم، بعد تحيته للجميع: "السلام عليكم"!

جاءت بعد تلك الزيارة السفيرة الأمريكية، والتي قامت بلقاءات متعددة لمرشد الأخوان ،والتقت بأفراد من الجماعات الإسلامية، وبدأت الصورة وكأن السفيرة الأمريكية تعد العدة لتسليم مصر للإخوان.. وقد تم لها ذلك!

استطاع المشير عبد الفتاح السيسي، الإلتحام بالشعب المصري، والقضاء على حكم المرشد،  وتوليه سدة الحكم، وتقديم الرموز الإخوانية إلى العدالة!

أذكر كل هذا، بعد ما شاهدت صورة الطفل الملقى فوق الرمال بعد أن لفظته مقبرة المتوسط، وأمواجه إلى الشاطيء..والعائلة التي تحدى عائلها الشرطة الأوربية عندما حاولوا إعادته إلى المركب الذي حمله!

وهنا أعود إلى تساؤلي: مَنْ نَلُوم؟!..

هل نلوم العرب على تقاعسهم، وعدم مد يد العون للمطرودين من ديارهم، تاركين كل شيء، ويبحثون عن مكان يحميهم عند الأوروبيين بدلاً عن العرب؟..

هل نلوم الغرب، الذي فتح الباب على مصراعيه للمهاجرين العرب المسلمين؛ حتى أصبحوا يطمعون في فرض عقائدهم ومذاهبهم وعاداتهم وتقاليدهم وفرض كل ذلك على الشعوب الأوربية؟..

ماذا عن أمريكا ومخططاتها؛ لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط؛ حتى يمكنها من الهيمنة الكاملة على المنطقة، ووضع حكاماً يتبعونها كظلها، وينفذون أوامرها، وأوامر أذيالها؟..

هل تريد للدول العربية، بعد تقسيمها، أن تكون خاضعة لماما أمريكا؟..

وإلا لماذا تمد يد المعونة بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية لحملة الأعلام السوداء؛ والداعشيون الاسم والمخبر؛ ليقتلوا دون رحمة، أو شفقة،  ولا فارق عندهم بين طفل صغير، أو كهل كبير في السن، أو إمرأة تباع في سوق النخاسة؟!..

قد يكون السبب الحقيقي، أن الغرب يريد دماء جديدة، ولا يهم من يكون أو من أي بلد هو آتٍ منها؟..

ولكنهم بالتأكيد سيجنون وزر أعمالهم.. خاصة والغرب لم يعد متماسكاً كما كان، وقد فقد الغرب ـ وهذا هو الأهم ـ،  أجمل ما كان يُعرف به من جدية وإيمان  ونخوة الرجال، وأصبحوا يعشقون اللواط سوى بين الرجال أو النساء تحت قانون الحريات.. هنا يجب أن أنحني إحتراما لموثقة عقود الزواج بين المثليين في أمريكا، التي رفضت القيام بتوثيق عقود الزواج، وفضلت السجن عن تنفيذ أوامر حكومة، هي نفسها تحتاج لعلاج أخلاقي لبعدها عن إيمانها عن التعاليم المسيحية!

 أعود لعنوان مقالي : "مَنْ نَلوُمْ"؟!..               

CONVERSATION

0 comments: