خطوتين/ عبدالقادر رالة

   كانت جدتي تحبني وتمقتني ، تشعرني بالأمان و  وتحسسني بالخوف!  لا تريد من أحد يمسني ، تفضل ان تعاقبني هي بنفسها !

قضيت معها  أجمل الأيام من طفولتي ، إذ كانت تحبني كثيرا لأني حفيدها ابن ابنها البكر ...وأمي كنتها الأولى ...

لما كنت في المرحلة الثانوية كنت أنام معها في غرفتها، نتقاسم الليل على ثلاث  مراجعة الدروس ، مشاهدة التلفزيون  والاستماع الى حكايتها عن الماضي وعن أعمامي وخالاتي....

كانت جدتي تنفر من التلفزيون ، ولا تحبذ مشاهدة برامجه فتطلب مني أن أقفله ، وكنت استمتع أيما استمتاع بمعاندتها ... هي تأمر بإقفاله وأنا أتمنع...

نسيت أغلب ذكرياتي الطفولية معها ، أطياف تلوح من الماضي البعيد ، أمي تحكي مرممة تلك الذكريات....  توفيت ... وقبل أن تتوفى طلبت رؤيتي .... تهربت ... لم أتحمل أن أرى جدتي الحبيبة تحتضر أمامي... ولما تتعافى قليلا تبحث عني ... ثم يعاودها المرض.. ما أصعب لحظات الاحتضار وتوديع الدنيا والأحباب...

توفيت ليلا ، في الهزيع الأخير من الليل ... توفيت بين يدي والدي...

 وفي الليلة الاولى من وفاتها ... ليلتها الأولى في القبر...وكان بيتنا لا يزال مملوء بالمعزين والنساء الباكيات... رأيتها في المنام ... خطت خطوتين ... من المقبرة الى بيتنا ... لم تفعل شيئا أوصتني فقط بعمي :

ـ عمك!.... عمك! ....عمك!....ثلاث مرات ثم عادت كما جاءت....

توفي عمي بعدها بحوالي التسع سنوات بعد معاناة مع المرض ... وهو أيضا رأيته في المنام في ليلته الأولى في القبر...  جاء عندي و قال لي :ـ لقد عدت!  .... ثم نظر الى أولاده وبناته وزوجته...

همس في أذني : ـ لا تخبرهم... إني ذاهب ... لقد سئمت!

خطا خطوتين من البيت الى المسجد ... ثم من المسجد الى المقبرة!


CONVERSATION

0 comments: