ما يجري من تطورات وتغيرات ومناقلات وتبديل في مواقع الحكم، وفي هيكلية الدولة السعودية،لربما هو الأوسع والأكبر منذ سنوات طويلة،ففي مملكة تسودها الملكية المطلقة الوراثية،كانت حجم التغيرات في هيكليتها وقيادتها محدودة جداً،وتجري في رتابة ونمطية عاليتين،وبقيت سياستها الخارجية ثابتة بنسبة كبيرة جداً،ولكن الان في ظل وضع إقليمي وعربي مضطربين،ولهما تأثيراتهما الواسعة على أوضاع المملكة،فإن المملكة وجدت نفسها بعد مجموعة من الرهانات الخاطئة،بأن تجري عمليات تغيير وتبديل ومناقلات في هيكلية مواقعها القيادية،لكي تتماشى وتتلائم مع المرحلة القادمة،فهي كان لديها اعتقاد واوهام بأن الإدارة الأمريكية لن تقدم على إجراء اتفاق مع ايران حول ملفها النووي،وكذلك فإنها ستشن حرباً على سوريا،وبالتالي تطيح بالنظام السوري،وبذلك تفتح لها الآفاق والطريق،لكي تصبح اللاعب العربي الرئيسي في الشأن العربي،والمكانة المميزة عند امريكا والغرب،وكذلك تصبح لها مكانتها الإقليمية على حساب ايران وسوريا،ولكن وجدنا بأن تلك الرهانات كانت خاطئة،وحتى عندما وجدت السعودية نفسها مضطرة لكي تصوغ تحالفات جديدة مع فرنسا واسرائيل،،وتمارس الحرد من خلال الإعتذار عن قبول مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن لعام/2014،من اجل الضغط على امريكا للتراجع عن مواقفها بشأن ايران وسوريا،حيث أقدمت على تعيين بندر بن سلطان من صقور المملكة،الذين لهم مواقف متشددة من محور ايران- سوريا- حزب الله،لكي ينجز ملف إسقاط النظام السوري وإضعاف ايران،من خلال إضعاف حزب الله اللبناني،ولكن كما فشلت قطر،وجر الفشل الى تغيير هيكليتها القيادية،فشل بندر في مهمته،تلك المهمة التي دفع لروسيا مليارات الدولارات لكي ينجح فيها،ولكن النتيجة كانت فشلاً ذريعاً،ذلك الفشل الذي جعل المملكة،ترى بأن التطورات والتغيرات العربية والإقليمية والدولية، تملي عليها أن تجري عمليات تغير واسعة في هياكلها القيادية،تغيرات تصل الى حد تغيير وجهة سياساتها الخارجية،فأمثال بندر واخيه سلمان من الصقور،لم يعدا فرسان المرحلة القادمة،ولذلك وجب التخلص منهما،فهما عنوان لمرحلة فشل في إدارة ملفات وازمات،وايضاً المملكة بحاجة الى ان تجري عملية نقل السلطة من جيل أبناء الملك عبد العزيز الى الأحفاد بسلاسة فالصراع والتزاحم بين عشرات الأمراء على أشده،ومن شأن تصاعد الخلافات بين الأمراء أن يهدد استقرار المملكة.
المرحلة والمنطقة والفشل تملي على السعودية،أن تجري تغيراتها في مواقعها القيادية وفي سياستها الخارجية،فواضح بأن النظام السوري لم يسقط،بل يحقق المزيد من الإنجازات والمكاسب العسكرية والسياسية،والإنتخابات الرئاسية في الثالث من حزيران المقبل،ستاتي بالأسد رئيساً،وخصوصاً بعد ان إستعاد السيطرة على حمص،وكذلك ايران يتعزز دورها وحضورها الإقليمي والدولي،وامريكا والغرب باتا يعترفان لها لها بدورها ومصالحها في المنطقة،والتفاوض معها سيستمر بشأن ملفها النووي،وكذلك رغم كل الدعم العسكري والأموال التي دفعت لجماعة "داعش" من اجل ان تسقط المالكي في العراق،وجدنا بأن المالكي عاد للمشهد والمسرح السياسي بقوة اكبر،وفي لبنان كل التفجيرات وعمليات الإغتيال والسيارات المفخخة في الضاحية الجنوبية وحارة حريك،التي قامت بها قوى سلفية مرتبطة مباشرة ببندر بن سلطان،لم تفلح في تغيير مواقف حزب الله او إضعاف قوته،بل وجدنا الحزب يزداد قوة وتأثيراً ليمتد إلى خارج لبنان،وليؤثر في الوضع الإقليمي برمته،ولذلك لم تستطع السعودية أن تجري هي وحلفائها من تيار المستقبل وغيرهم،الإنتخابات الرئيسية وفق مقاساتهم،وإنتاج الرئيس الذي يريدونه.
السعودية التي كانت ترفض مجرد الحديث او الجلوس مع ايران،والتي استمرت في التحريض عليها من اجل التخلص من ترسانتها النووية،عبر الضغط على أمريكا،او حتى التحالف العلني مع اسرائيل،وتقديم الدعم والتسهيلات لها،بما في ذلك إستخدام اجواء وأراضي المملكة من أجل ضرب ايران،وجدت نفسها بعد ان كانت ترفض مجرد الجلوس مع ايران،مضطرة الى أن تعلن إستعدادها للتفاوض والتباحث معها،وبررت ذلك بأن لإيران دور رئيسي في إستقرار المنطقة،وهذا التغير في السياسة الخارجية السعودية، يستدعي ان يغادر فرسان المرحلة السابقة من الصقور الساحة ومواقع القيادة،لكي يفسحوا المجال لقادة المرحلة الجديدة من الحمائم،والذين يسناط بهم قيادة المرحلة الجديدة.
صحيح ان التغييرات والمناقلات في المواقع القيادية له علاقة بما يحصل إقليمياً ودولياً وعربياً بالمحيط السعودي،ولكن ما هو صحيح أيضاً في إطار ترتيب الأوضاع الداخلية،فإن الملك حسم مسألة القيادة لأولاده، وبذلك يقطع الطريق على الطامحين بالحكم من الأمراء الآخرين،الذين يريدون ان يكون لهم حصة في الورثة والقيادة،ثلاثة منهم على الأقل،لتبوء مواقع قيادة مهمة في "السلسلة" القيادية للحكم السعودي: متعب على رأس الحرس الوطني برتبة وزير،مشعل أميراً لمكة برتبة وزير،وأخيراً تركي أميراً للرياض برتبة وزير ... أما عبد العزيز بن عبد الله، الدبلوماسي السعودي المعروف، نائب وزير الخارجية، فالتكهنات بشأن مستقبله السياسي ما زالت تتواتر،وثمة من يرشحه لتولي حقيبة الخارجية، خلفاً للوزير الحالي، إن استمر دولاب التغيير والتبديل في دورانه،وقد سبق ذلك،إعفاء نجلي الملك فهد عبد العزيز ومحمد، من منصبيها في الحكومة وإمارة المنطقة الشرقية، خلال السنة الماضية.
بإنتظار التطورات المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة،وفي المقدمة منها ما يحدث على الساحات السورية واللبنانية والعراقية،وكذلك المصرية،فإن تسارع التغيرات في المواقع القيادية السعودية وفي مدى انفتاحها على ايران ومعسكرها الحليف،رهن بتلك التطورات،حيث بات من الواضح،بأن السعودية تقوم بعملية مراجعة لسياساتها ومواقفها السابقة،فيما يخص القضايا السورية والإيرانية والعراقية واللبنانية،فهي بات على قناعة تامة بأن المدخل لإستقرار المنطقة هي ايران،وبالتالي لا بد من محاورتها والإعتراف بدورها ومصالحها في المنطقة.
0 comments:
إرسال تعليق