فارس آخر من فرسان وعشاق الادب واصحاب اليراع ينطفئ ويغادر حاضرنا ، مودعاً عالمنا المظطرب القلق . انه الكاتب واللغوي والمؤرخ والباحث والعلامة والاديب الاريب حنا الفاخوري صاحب الاعمال الأدبية البحثية الوفيرة ، التي نشأت وتعلمت وتثقفت عليها اجيال عديدة ، اهمها مؤلفه الشهير "تاريخ الادب العربي"الذي شكل مرجعاً هاماً للدارسين والباحثين وطلاب المدارس والجامعات والمعاهد العليا، وترجم الى الفارسية والروسية وطبع عشرات المرات في الاقطار العربية.حنا الفاخوري من ادبائنا المعاصرين ، ولد سنة 1916 في زحلة بلبنان ، وبدأ نشاطه الثقافي والادبي والمعرفي الموسوعي بعد ان اشتغل بالتدريس في المدرسة الاكليركية ، وكان توجهه المبكر شطر البحث والنقد الادبي، ثم عمل محاضراً في عدد من الجامعات الاردنية والمؤسسات التونسية والمغربية.
عشق حنا الفاخوري اللغة العربية وانغمس فيها ، وغاص في بحورها ورسى على شواطئها ، محققاً في الكثير من كتب التراث ، شارحاً ومعلقاً ، تاركاً بصمات خالدة في مجال الأدب والنقد والبحث والدراسة الادبية والتراجم. عرف بغزارة انتاجه ، والفّ اكثر من مئة كتاب في اللغة والادب والفلسفة ، منها "تاريخ الفلسفة العربية ، الفخر والحماسة، تاريخ الادب العربي الحديث" فضلاً عن كتابه الآنف الذكر "تاريخ الأدب العربي".
امتاز حنا الفاخوري بعمق انسانيته وهدوئه وصدق تجربته ، واتصف بثقافته الادبية الواسعة وافقه الرحب واسلوبه الرقيق الواضح والشفاف في الكتابة . وكان مواكباً لحركة التجديد والابداع والتأليف والنشر العربية ، مسلطاً الضوء في دراساته على اعلام ورواد ادبنا ، مشهراً سيف المعرفة والثقافة والحضارة .
حنا الفاخوري عاش لكلمته ، التي لم تشبعه ولم تغنه عن جوع. وهو باحث موسوعي كبير دائم البحث والتنقيب في اغوار وكنوز تراثنا العربي، وله مساهماته الرائدة واياديه البيضاء على الثقافة العربية المعاصرة ، وانجازاته الأدبية التي حققها هي في الواقع عمل جماعة ومؤسسة لكنه حققها لوحده. وبكل تواضع وبساطة انطفأ ومات بعيداً عن الاضواء الكاشفة والضجيج الاعلامي والصخب الفيسبوكي ، عائداً الى زحلة اديباً مغواراً كبيراً ، مؤصلاً دوره الاكاديمي البحثي في خدمة الادب والانسان العربي في الشرق.



0 comments:
إرسال تعليق