روايات المدلسين في ذبح الاقباط/ لطيف شاكر

شاهدنا منذ ايام ذبح 21 قبطيا منهم واحد من افريقيا بالصوت والصورة ولم يهتز العالم  امام هذا المشهد المؤلم ولم يحرك ساكنا ..
شباب قبطي لم يجد مايسد رمقه واحتياجات عائلاتهم في  الوطن,  ولم يجدوا فيه فرصة عمل شريف  فأبواب العمل موصدة امامهم , فشقوا طريق الغربة  المضنية الي ليبيا ,ولم تكن ليبيا بالبلد الآمن  والعيش الرغد   لكن ماباليد  حيلة فهم يكدون ويتعبون من اجل لقمة عيش لهم ولعائلاتهم المعدمة
كانوا  يرسلون لذويهم كل  مايدخروه من مال وهم يتحملون شظف العيش ويعيشون علي الكفاف  لتغطية الاحتياجات  الضرورية  والملحة  لعائلاتهم  المعدمين   , حتي لياليهم لم يهنأوا بها فكانوا يتكدسون   في حجرات غير آدمية ليوفروا مايستطيع  ان  يوفروه من اجل ابنائهم وزوجاتهم ووالديهم 
وفي طريق عودتهم  الي مصر وقلوبهم  تتهلل بحلم  دفء الاسرة بعد غياب طويل , وكان الامل يحدوهم  ويستعجلون الساعات والدقائق  للقاء المرتقب , وحتي يستريحوا مؤقتا من عناء الغربة  والعمل الشاق  حيث احضان  العائلة  المتشغفة لرؤيتهم ,واذ بالشيطان  المتربص بهم والكائن في افراد الدولة الاسلامية داعش  تخطف فرحتهم  وتعكر صفوهم  وتكدر حياتهم  وتنغص قلوب عائلاتهم ,و في فرز ديني  مقيت  وتعصب مرير يمسكون بهم    ليذيقوهم اشد  انواع  العذاب  بعد ان قيدوا اياديهم خلف ظهورهم  تمهيدا لجز الرقاب .
كان  كل يوم يموتون رعبا  وهم ينتظرون الموت  , فانتظار الموت اصعب من لحظات الموت . ورؤساء العالم  وحقوق الانسان في غيبة او غيبوبة , ولم يحرك احدا  ساكنا  لانقاذ هؤلاء المساكين.. يا للخزي والعار.
ورغم مابذله  رئيس مصر السيسي  جهدا  مشكورا  من اجل  انقاذ حياة المصريين الاقباط   من ايدي  الشياطين  لكن  دون جدوي لان عصابة  الدولة الاسلامية  خلت  قلوبهم  من  الانسانية والضمير والاخلاق ,فكيف يتم الاتفاق مع كائنات غير آدمية .
ذبحوهم  امام الكاميرات بالصوت والصورة ليكونوا شهداء البشرية كلها , وكل غاية  الاشرار ان ينزلوا الرعب في القلوب  ليذعن  لهم  العالم  ويستسلم   رعبا امام سيوفهم الجبانة  , لكن تحول هذا المشهد  الي  الضد  فعرف العالم حقيقة الاسلام ويناصبوه  اليوم العداء وفتح أعين العالم  الي وحشية الاسلام  وخطورة عقيدتهم .
يقول الكتاب  عنهم :أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ   (يو 44:8)
ووسط الحصي والاحجار توجد لالئ ثمينة فقد آثار شجاعة  هؤلاء الشهداء وقوة ايمانهم حديث  شعوب العالم  كله  واهتز لهم الضمير الجمعي  باندهاش وتساءلوا  كيف لايخور هؤلاء الاقباط  امام سيوف الذابحين المشهر علي رقابهم , وكيف لم يضعفوا امام  القتلة  الذين غطوا وجههم خوفا ورعبا  لما يقترفوه من اعمال مشينة  وافعال  شيطانية  يندي له الجبين  .
ياللهول يُذبح الانسان البرئ كالابقار والاغنام  تنفيذ لتعاليم الشريعة السمحاء  امام انظار العالم كله في  زماننا الحاضر و شهده الكبار والصغار دون اهتمام  او احساس  من  الدول  الكبيرة القادرة علي هدم حصون الاشرار  وابادتهم في ايام   ان لم يكن ساعات ,  ويخلصوا العالم من  شرورهم وفجورهم وجرائمهم الشنعاء  ومذابحهم النكراء ..
اندهش الجميع  من رباطة جأش الضحايا   وثباتهم  علي ايمانهم ورفضوا  الافلات  من الذبح حالة انكار ايمانهم  واعتناقهم  الاسلام   وينضم  الي صفوف السفاحين فيكون له الفوز الكبير بالنجاة , وقد يكون لهم الاعذار , الا أن ايمانهم بالمسيح الحي  أبوا  ان ينكروا  الايمان مفضلين الموت ذبحا عن ان ينكروا  مسيحهم . ّمهما كانت العواقب حتي لو ادي الي الذبح
 ومع بولس الرسول  يهتفون : من سيفصلنا عن محبة المسيح.أشدّة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف كما هو مكتوب من أجلك نمات .. ( رو: 35:8)
لقد ظن اتباع الشيطان  انه  يمكن شراء ايمان المسيحي  الحقيقي  بالسيف او المال, وهم لايعلمون ان سيدهم اجتاز نفس الالام  من اجل خلاص العالم  واخلي نفسه  آخذا صورة عبد وهو الذي في يده مصائر العالم
لقد صار شهداء اليوم ايقونة الايمان و اعجوبة الزمان , وشهد العالم  بقوة ايمانهم وشجاعتهم  فكانوا مثلا يحتذي بهم وقدوة  للمؤمنين  وقوة للضعفاء وثباتا  للمتراخيين انهم صورة المسيح المصلوب  واختبارا حقيقيا ودرس لنتمثل بايمانهم .
لقد أدركوا سر الحياه الحقيقيه فهتفوا مع القديس بولس "لى الحياه هى المسيح والموت هو ربح" لى أشتهاء ان أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا.ً.
 الكل يسأل باندهاش واستغراب : ماذا كانوا ينظرون حتي لم يجزعوا من سكين الذابحين وهم ينحرون رقابهم   لقد  رأوا ماهو اقوي من الموت  :
نري هذا في سفر اعمال الرسل اصحاح 7
فلما سمع المجلِسِ كلامَ إستِفانوسَ مَلأَ الغيظُ قُلوبَهُم وصَرَفوا علَيهِ بأسنانِهِم. فنَظَرَ إلى السَّماءِ، وهوَ مُمتلئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، فرَأى مَجدَ الله ويَسوعَ واقِفًا عَنْ يَمينِ الله فقالَ: "أرى السَّماءَ مَفتوحَةً واَبنَ الإنسانِ واقِفًا عَنْ يَمينِ الله" فصاحوا بأعلى أصواتِهِم، وسَدُّوا آذانَهُم، وهَجَمُوا علَيهِ كُلُّهُم دَفعةً واحِدةً، ...وأخَذوا يَرجُمونَ إستِفانوسَ وهوَ يَدعو، فَيقولُ: «أيُّها الرَّبُّ يَسوعُ، تَقبَّلْ رُوحي!  وسجد وصاحَ بأعلى صوتِهِ: "يا رَبُّ، لا تَحسُبْ علَيهِم هذِهِ الخطيئَةَ "!  .
كانوا يُذبحون وهم يطلبون الرحمة من الرب يسوع ويرنمون نرنيمة الانتصار والغلبة . كانوا اقوي من الذابحين المدججين باسلحة الشيطان واعوانه , وشهد بايمانهم كل العالم .

والمثير للدهشة ان الكثير تبادلوا اطراف الحديث عن  صمودهم وعدم اهتزازهم  وهم يذبحون كيف تنحر رقابهم  وهم  غير خائفين  او مرتعبين من الذبح , حتي  ظن  انهم مخدرون للاسف  لم يقرأوا التاريخ المسيحي الملطخ بالدماء في كل العصور الرومانية والعربية والاسلامية , ولم يعرفوا ماهو الايمان المسيحي وكم قتلوا كم ذبحوا وكم تحملوا من عذابات .
لقد ضحكت ولكن ضحك كالبكاء كيف يخدرونهم  والشريعة الاسلامية تأمرهم بقطع الايادي والاقدام وجز الرقاب وسمل العيون و أسوأ العذاب  وكلما كان العذاب اكثر واشد كان الوعد لهم بالجنات والنعيم اكثر وازيد.
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (التوبة14)
اما  هذا أوذاك  الذي او التي  اخذوا يهزوا  في الفضائيات  ان سر سكينة الشهداء الاقباط امام سكين الذابحين لانهم اتلوا الشهادتين ورددوا القرآن الذين لايعرفونه .
ياسادة  القرآن هو الذي حرض علي الذبح وقطع الرقاب  فكيف يتلونه ...كفي ترديد  الكلام علي عواهنه  بجهل.   

سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاق وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان (انفال 12)

ياسادة  كيف يتلون شهادات الذابحين لهم ويرتلون قرآانهم ...

هم صرخوا بالشهادة المسيحية : "ياربي يسوع المسيح اقبل روحي وارحمني "

الم تروا  الكثير من المسلمين ذبحوا وكانت ترتعد فرائصهم واهتزوا امام سكين الذابحين المسلمين  وكانوا يصرخون من هول الذبح مع انهم كانوا يرددون  كل ايات القرأن المحفوظة  فاين سكينتهم وهم اعلنوا الشهادتين قبللا.
كنت اظن انكم قرأتم تاريخ الاستشهاد في المسيحية وكم استشهد من  المسيحيين  الاقباط  بالملايين من اجل ايمانهم حتي شربت الارض بدمائهم وظل احفادهم باقون حتي تاريخه وهذه معجزة الدهور .
يجب ان تفتخروا  بأجدادكم الاقباط الذين تمسكوا بالايمان حتي النفس الاخير
الا تعقلون ..الا تفهمون ...

هاجس التمرد في رواية "أدين بكل شيء للنسيان" للروائية مليكة مقدم/ عبد القادر كعبان

لقد اقتحمت المرأة العربية عالم الكتابة من أجل فرض ذاتها كأنثى لها الحق في ممارسة حريتها مثلها مثل الرجل و استعادة موقعها من اللغة للتعبير عن مواقفها داخل مجتمع عربي لا يزال يتخبط في الفوضى السياسية و الدينية و الاقتصادية و الثقافية الى يومنا هذا. 
من هذا المنطلق تستوقفنا روايات الجزائرية مليكة مقدم عموما التي تقدم إجمالا تلك التأثيرات السلبية على أفراد المجتمع من خلال جملة شخصياتها التي تحاول الخروج عن صمتها لتبحث عن هويتها المفتقدة بحرية مطلقة، و هو ما عبرت عنه البطلة "سلمى مفيد" في رواية "أدين بكل شيء للنسيان" بوسيلة يصعب تجاوزها أو استبعادها للعودة إلى الماضي البعيد ألا و هي النسيان. 
كلنا يفهم معنى النسيان كونه أمرا لم نعد نذكره أو نذكر صورته على عكس بطلة رواية مليكة مقدم التي بات النسيان يعاندها، لتبقى سجينة لذكريات الماضي الأليم و مشاهد من مرحلة الطفولة مليئة بالأسى و القهر لم تستطع تجاوزها حتى بعدما أصبحت مغتربة في فرنسا.
إن سعي البطلة "سلمى" إلى إعتاق نفسها من تلك الذكريات بفعل السرد الروائي، يعد خطوة جديرة بالتقدير تتجلى فيها صورة المرأة المسكونة بهاجس التمرد شأن المبدعة مليكة مقدم حيث صنف النقاد روايتها "أدين بكل شيء للنسيان" في خانة السير الذاتية. لكن هناك من يرى بأن الرواية هي الأصل كجنس أدبي و السيرة الذاتية فرع لا يكاد ينفصل عنه، حتى أن بعض النقاد يعتبرها مقاربة ينصهر فيها الواقع الإجتماعي العام بتجارب حياة الأديب الذاتية لتصبح منظومة سردية تلتقي في معمارها الفني بالرواية.
و بناء على ذلك نجد مليكة مقدم لا تولي أهمية للحواجز الفاصلة بين الذاكرة و الحياة، فكل ما عبرت عنه في عملها الأدبي "أدين بكل شيء للنسيان" له أوثق الروابط بالذاكرة على نقيض قصدية العنوان حيث يكاد ينتفي المتخيل الذي يشتغل بهدف إعادة كتابة الحياة كتابة مجردة عن الذات.
إن وجود شخصية الطبيبة "سلمى مفيد" في هذه الرواية ليس اعتباطيا و إنما استخدمتها الروائية مقدم كوعاء لحمل أفكار معينة تريد إيصالها بذكاء الى القراء و أكبر مثال على ذلك هو تلك الحادثة الفظيعة التي بقيت ملتصقة بجدار الذاكرة حيث تقول الساردة: "ألصقت سلمى وجهها بشرم ما بين الألواح الخشبية على أهبة مناداة الأم. لقد بهتت إذ أبصرتها تشد وسادة و تضعها على رضيع زهية، البنت الصغيرة لا تعرف شيئا عن الموت، لا تدرك مغزى هذا الفعل، لكن العنف استولى عليها مباشرة فابتعدت متراجعة." (ص 14). وجدت هذا المقطع يذكرنا بإحدى مشاهد المسلسل المصري "ريا و سكينة" المأخوذ عن كتاب "رجال ريا و سكينة" للمبدع صلاح عيسى حين تقف الطفلة "بديعة" مبهوتة و هي تشاهد  جريمة القتل من خلال ثقب الباب التي يقوم بها والدها و رجال أمها "ريا" و خالتها "سكينة". 
حادثة رؤية "سلمى" لخنق ذلك الرضيع الذي كان سيحدث زلزالا لجلب العار للعائلة ظلت تزاحم البطلة لتعود بعد سنوات لإسترجاعها و النبش في خلفياتها حيث تقول الساردة متساءلة: "كم هو عدد الأطفال غير الشرعيين الذين خنقوا في هذا البلد؟ في سبيل فداحة إكراهين متعارضين: الاختلاط و الكبت الجنسي. يقين مخيف تدخل ليرصص أكثر ليل سلمى بعدد السكان الذي تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ الاستقلال، النزوح الريفي الجماعي، الإفقار، نقص المساكن الذي يجعل عدة أجيال من عائلة واحدة يتراكمون في مساحات ضيقة. لا بد أن الجزائر تحطم الرقم القياسي في زنى المحارم و قتل الأطفال." (ص 49-50). 
و رغم إحساس القارئ أثناء قراءته لهذه الرواية بأن المبدعة مليكة مقدم كانت تسرد جزءا من سيرتها الذاتية لكن لم تقتصر على ذلك فقط بل تحدثت عن معاناة الشعب الجزائري من خلال تقديم معطيات دقيقة عن تفشي الآفات الإجتماعية كقضية الأطفال الغير الشرعيين  و زنى المحارم و غيرها من المواضيع الحساسة و الشائكة في آن واحد لا تزال مرفوضة الطرح و المعالجة في مجتمعاتنا العربية. 
من خلال جملة هذه الموضوعات التي عالجتها الروائية مليكة مقدم في مجمل رواياتها و بشكل خاص في "أدين بكل شيء للنسيان" تخترق الخطوط الحمراء بتناولها مضوع الشذوذ الجنسي و الحالة النفسية التي تعاني منها هذه الفئة المنبوذة من المجتمع العربي عموما و الجزائري على وجه الخصوص من خلال شخصية "فومي" ابن العائلة الثرية صديق البطلة "سلمى" التي تتعاطف معه لكونه منبوذا من وسطه الإجتماعي حيث تقول الساردة على لسانه: "تخليت عن والدي ليتوقفا عن التفكير في تزويجي لأشعر بالراحة. أنا لواطي. هل أقول لوالدي المتخلفين، سواء كان ثريين أم لا: لن أتزوج أبدا أنا لواطي؟." (ص 20).
لقد استطاعت الأديبة مليكة مقدم تصوير حالة هذا الشاذ بإمتياز من خلال التمرد على كشف المستور و الإبتعاد عن شهوة الصمت كونها تناقش قضية هامة متفشية في المجتمع العربي اليوم و لم تعد منحصرة في العالم الغربي المتفتح بآراءه المختلفة و الصادمة في آن واحد على خلاف العالم العربي الذي يفتعل تمسكه بمفاهيم دينية لا تجرؤ على فتح باب المناقشة و الحوار على حد تعبيره.
إن تناول الروائية الجزائرية مقدم لمواضيع الجسد و الجنس مجرد إشكالية من جملة الإشكاليات المطروحة في حياة الفرد (ذكرا أو أنثى) و المجتمع، فهما يمثلان علاقة من مجموع العلاقات التي يتفاعل معها السارد و القارئ معا، سلبا أو إيجابا، بإعتبارها إفرازا طبيعيا للمجتمع الذي نعيش فيه.
احتل الفضاء المكاني في رواية "أدين بكل شيء للنسيان" حيزا مهما في سرد الأحداث، حيث اعتمدت الكاتبة مليكة مقدم على ثنائية (القرية-المدينة) أين تتمازج الوقائع بداخلها بإمتياز فمثلا نشهد حضور الصحراء، وهران، الجزائر العاصمة، قرى و أرياف أخرى تكشف للقارئ بؤرة الصراع الذي عاشته البطلة "سلمى" و رؤيتها لفضاء القرية، و رغبتها في إقامة علاقة حميمة مع فضاء المدينة من خلال الإنتقال إليه و العيش فيه. و هذا الأخير إختارته الروائية بذكاء كونه فضاء حضري مفتوح على صراعات و مجالات سياسية و فكرية و اجتماعية و ثقافية ستلقي بظلالها على الشخصيات و الأحداث بشكل عام كما تعود الساردة مرة أخرى للتساؤل: "و لكن كيف نثق بكفاية ديمقراطية حقيقية، بتعليم نوعي يطور العقل النقدي، بالحريات و المسؤوليات التي تنتج عن هذا الفضاء على مصدر الظلامية في الناس؟ حدث عنف كبير هنا دون أن تقتص العدالة. صدمات نفسية كثيرة ما تزال خبيئة، ما تزال مخفية." (ص 56).
و بينما يأتي الزمن الماضي متناوبا مع الزمن الحاضر في هذا العمل الأدبي حيث استعانت الروائية بتكنيك الإسترجاع إجمالا و هذا ما يؤكد أهمية الذاكرة في صياغة النص السردي على خلاف الحالة التي تفصح بها في العنوان من جهة ما تدين به للنسيان الذي تتحايل عليه الذاكرة ليجد القارئ نفسه مستسلما للقراءة أمام عملية التذكر و المحكي الذاتي للروائية الفرنكوفونية مليكة مقدم. 

مخيم غزة في الأردن: خمسة عقود من الحقوق المهدورة/ علي هويدي

تستضيف المملكة الأردنية 2.178.286 لاجئ فلسطيني مسجل حسب إحصاء وكالة "الأونروا" للأول من تموز/يوليو 2014، وهو العدد الأكبر بين اللاجئين الفلسطينيين في بقية مناطق عمليات "الأونروا" الأربعة، لبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. يوجد في الأردن عشرة مخيمات يقيم فيها 17.5% من العدد الإجمالي للاجئين أي 381.919 لاجئ، إلا أن مخيم غزة والمعروف أيضاً بمخيم جرش ويسكن فيه أكثر من عشرين ألف لاجئ فلسطيني مسجل، لا يعتبر من ضمن المخيمات المعترف بها من قبل "الأونروا" على المستوى الجغرافي، عدا عن أن اللاجئين فيه محرومين من حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية منذ حوالي 48 سنة كجزء من حوالي 135 ألف لاجئ منتشرين في كافة أرجاء المملكة يعانون من نفس الحقوق المهدورة.
إبان النكبة في العام 48 هُجِّر عدد كبير من الفلسطينيين إلى قطاع غزة حيث تم إحصاؤهم وتسجيلهم في سجلات وكالة "الأونروا"، وإبان النكبة الثانية في العام 67 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، عاد وهُجِّر عدد كبير من اللاجئين من غزة إلى الأردن حيث جرى تجميعهم في "مخيم طارئ" في مكان قريب من مدينة جرش، وعلى الرغم من أن معظم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن يحملون الجنسية الأردنية منذ الإعلان عن ضم الضفة الغربية إلى الأردن في مؤتمر أريحا الشهير في العام 1950 إلا أن أكثر من 95% من لاجئي مخيم غزة يمتلكون جواز سفر مؤقت يجدد كل سنتين، والجزء الآخر أي 5%، إما يمتلك وثيقة مصرية أو بدون أية وثائق بينما نسبة قليلة 7% من السكان تصنف كنازحين لا تقدم لهم وكالة "الأونروا" أية خدمات.
هذا الوضع الإنساني والسياسي والقانوني المعقد والمركب له تأثير سلبي مباشر على مستوى الوضع الإقتصادي والإجتماعي والنفسي لأبناء المخيم، فنسبة الفقر حوالي 64% (أقل من دولارين في اليوم للفرد)، ونسبة البطالة حوالي 40% في المخيم مقارنة بـ 14% في الأردن عموماً، وهذا يشمل الأردنيين من أصل فلسطيني، بينما تصل نسبة العاطلين عن العمل أي لم يعمل أبداً في حياته إلى 32%، ونسبة أميَّة من سن 15 سنة وما فوق تصل إلى 13.8% مقارنة بنسبة أميَّة في الأردن تصل لـ 7.5%، ويعيش اللاجئون في مخيم يفتقر للبنى التحتية الرئيسية، فتتقاطع مراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة بأن حوالي 25% فقط من منازل المخيم تتكون أسقفها من مادة الإسمنت بينما 65% من ألواح الزينكو والإسبيتوس و9% من ألواح الزينكو والإسمنت، وغياب للطرقات المعبدة وعدم ربط المنازل مع شبكة الصرف الصحي.
منذ أن برزت مشكلة لاجئي مخيم غزة وتتجدد وتتكرر المطالبات والدعوات من قبل القطاع الأهلي ونسبة مهمة من مجلس النواب الأردني ومجلس الأعيان والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وغيرها.. بالعمل على تحسين الظروف الإنسانية للاجئين في مخيم غزة بحيث يسمح لهم بالعمل في القطاع العام وحق التنقل وتملك العقارات والحصول على خدمات التعليم والإستشفاء والإنضمام إلى الأحزاب السياسية والجمعيات التعاونية وإلى النقابات المهنية أسوة بالأردنيين أو بالأردنيين من أصل فلسطيني.. كي يتمكنوا من العيش بكرامة، وإلى أن تتحقق تلك الأماني مطلوب دور إنساني وسياسي فاعل تتحمل مسؤوليته سفارة فلسطين في الأردن والسلطة بشكل عام من تقديم للخدمات والتواصل الدائم مع الحكومة الأردنية..، وتفعيل ومضاعفة دور الوكالة كي تتحمل مسؤولياتها من تقديم للخدمات نتيجة الوضع الخاص للأهالي مقارنة مع أوضاع باقي اللاجئين في المملكة، وأن تاخذ المنظمات الأهلية المتخصصة دورها في تنفيذ المشاريع التنموية، فلا يعقل أن تبقى هذه المشكلة الإنسانية والسياسية قائمة منذ عقود دون حلول جذرية تحفظ كرامة وحقوق الإنسان اللاجئ، مع العلم بأن توفير تلك الحقوق لا يتعارض مع الرؤية الثابتة للوجود الفلسطيني في الأردن، إذ وعلى الرغم من حصول الغالبية العظمى من الفلسطينيين على الجنسية الأردنية، إلا إنهم لم ولن يفكروا يوماً بأن يتحول الأردن إلى وطن بديل، ومرور 67 سنة على النكبة خيرُ شاهد..!!
*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

عازف الإحساس/ مفيد نبزو

إليك: رياض الصالح الحسين يوم كان طحينك عجينتنا، وخميرتك رغيف أشعارنا .
مفيد نبزو

تمَّزق الصوت
تحطمَّت آلة الإحساس
لم تعد تعزف لحن الجنون
واحترقت ريشة العزف
حين لفظت الأنفاس تقاسيمها
من قيثارة النهار
وانطوت مع أمواج الذكريات
رياض،
كان أجمل عازف في فرقة الشعراء
كلماته إذا عصرتها تنزُّ دما ً
وصوته يعانق فضاء الطيور
رئة شعرية كان،
عيناه بئران يشعلان الحرائق
وقلبه نافورة من جراح
ناجيته ذات مرة:
نم قرير العين يا رياض
أنا سأغني لك في الصبح والمساء
أنا سأحل لك المسائل البسيطة
أنا من يمشي معك في السجن الطويل
أجل و سنذهب للسينما
لكنني وللأسف لا أستطيع أن أفتح لك صنبور الحياة
لأنك تحولت إلى طيف
مثل ومضة الخيال
مثل خيوط تراقصت مع حبات المطر
وتواشجت في موشور الضوء
حينما سافرت دون موعد
تركت أشعارك رفيقة لنا
نستظل بظلها
نتدفأ على موقد جمرها
ثم نقف على نافذتها نتأمل
أول سقوط الثلج على أكواخها المسقوفة بالقصب
آه يا رياض،
لو عدت الآن،
سأهمس في أذنيك،
عد من حيث أتيت،
إلا إذا أردت أن توِّقع على الرصيف
أشعارك الجديدة*
                                 جامعة حلب
                       كلية الآداب والعلوم الإنسانية .

                                23 -11-1983م
*******************

.وُلِدَ رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب
.كان والده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا .منعه الصمم و البكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه
.اضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل و موظف و صحفي، و عانى من مشكلة البطالة
.كان مستمرًّا في كتابة الشعر و الموضوعات الصحفية منذ عام 1976 حتى وفاته
:أصدر ثلاث مجموعات شعريّة في حياته
خراب الدورة الدمويّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1979
أساطير يوميّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1980
بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس - دار الجرمق - دمشق 1982
.أنجز مجموعته الشعريّة "وعل في الغابة" قبل وفاته
.كتب في الشعر، القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحفية، و النقد الأدبي
.كتب عن الموت، و كتب في تمجيد الحياة كثيرًا
.توفي في مستشفى المواساة بدمشق عصر يوم 21/11/ 1982

هجرة العقول العربية/ شاكر فريد حسن

ما من شك أن مستقبل الأمم مرتبط بمثقفيها وعلمائها ومبدعيها وليس بما تستورده من خبرات وتجارب وأجهزة تكنولوجية حديثة.والمجتمعات المدنية الحضارية تستثمر عقل وفكر الانسان وليس عضلاته، لأن المستقبل هو للعقول والأدمغة المفكرة وليس للعضلات الاستعراضية ، كما أن رقي الأمم وتطورها العلمي والثقافي والمعرفي يعتمد بالأساس على حجم رصيدها من العلماء والخبراء ورجالات الفكر والثقافة والابداع في الحقول العلمية المختلفة ، ولكن لا يمكن لهؤلاء جميعاً أن يعيشوا في ظل القهر والقمع والاضطهاد والبطش ولا يمكن لجهودهم أن تعطي ثمارها الا في أجواء من الراحة والهدوء والاطمئنان النفسي والحرية الشخصية والديمقراطية والأمن الاجتماعي والوظيفي ، وحرية الرأي والتفكير والتعبير.
لكن للأسف أن أوطاننا العربية من محيطها حتى خليجها فقدت الكثير من عقولها وأدمغتها المفكرة وكنوزها العلمية التي تركت أوطانها وهاجرت منها نتيجة غياب الحريات، ومحاكم التفتيش عدا محاولات قهر وقمع الخطابات الابداعية الحقيقية وعمليات التكفير الى جانب الملاحقات والمطاردات السلطوية ضد رجالات الفكر والثقافة والعلم والأدب والتنوير وتضييق الخناق عليهم ، بينما الدول الغربية فتحت  أحضانها وقلوبها لهذه العقول المهجرة والمهاجرة، واستقبلت أصحابها بكل ترحاب للعمل في جامعاتها ومراكز الأبحاث فيها ، وأغرتهم بالمراكز والأموال. وفي واقع الحال، أن الكثيرين منهم يحلمون بالعودة الى أوطانهم وبلادهم لكنهم يخافون من أقبية الاعتقال والتعذيب.
ان أمة لا تحترم علماءها ومثقفيها ومبدعيها لا تستحق الحياة ، وأن الحكومات التي تطارد وتحاصر الفكر الديمقراطي العقلاني المتنوّر وترضخ لمطالب المافيات التكفيرية ولفقهاء الظلام ، وتصادر الكتب وتمنع المطبوعات وتسحب كتاب (الأيام) لعميد الأدب العربي الراحل  طه حسين من المنهاج الدراسي الثانوي ، لا يمكن أن تكون ولا بحال من الأحوال حكومات بشرية، وأن ما تتعرض له الثقافة الديمقراطية الحقيقية المعبرة عن الطبقات الشعبية وطموحاتها الروحية الانسانية من محاولات قهرية وقمعية ما هو الا خدمة لأعداء الحرية والنور والمعرفة والابداع.فلتتعلم الحكومات والمؤسسات والدوائر في الوطن العربي الكبير كيف تحترم وتقدّر العقول والأدمغة المفكرة ، وكيف تحترم انجازاتها الابداعية والحضارية الثمينة ، فتفتح لهذه الأدمغة كل المجالات وتهيء لها الظروف الانسانية لتعطي وتبدع وتقدم بكل ما في استطاعتها للوطن والمجتمع والجماهير.

الفرح محدود والحزن ممدود/ د. مصطفى يوسف اللداوي

كل شئ جميل في هذه الحياة يأتي منفرداً، متقطعاً، متأخراً أو ببطئٍ شديد، أو بعد لأيٍ وتعبٍ كبير، أو إثر معاناةٍ وألم، أو لا يأتي أحياناً، ولو انتظرناه عمراً، ولكنه حين يأتي نفرح به ونسعد، ونبتهج ونحتفل، وننسى ما كابدنا وواجهنا، كالمولود يأتي فرداً ولو كان توأماً أو أكثر، وتعلم الصغير النطق، وبدء الوقوف والمشي، والزواج والنجاح، والعمل والوظيفة، والشفاء والعودة بعد سفرٍ أو طول غياب، أو الخروج من السجن والانفكاك من ضائقة، والحج والعمرة، وامتلاك البيت، وشراء السيارة وغيرها، كله يحدث مرةً واحدة، وقد لا يتكرر، وإن تكرر فإنه يتكرر في حدودٍ ضيقة، ولمراتٍ قليلة، وتكون الفرحة خاصة بأهلها، ومقصورة على أصحابها، وان اشترك معهم آخرون، أو فرح لهم الجيران والأقربون.
أما الأشياء المكروهة البشعة، المقيتة السيئة فتأتي بالجملة، أو دفعةً واحدة، تتدافع وتتداعى، وتأخذ برقاب بعضها البعض ولا تتأخر، وكأنها سيلٌ لا ينتهي، ونارٌ لا تشبع ولا تهدأ، وهي تتكرر كل ساعةٍ وحين، وتعيد نفسها في المكان نفسه أو في أماكن أخرى، وفي أزمانٍ مختلفة وأحياناً في الوقت نفسه، وفي المكان ذاته، وبين الضحايا أنفسهم، فتجرح الجرح المجروح، وتذبح المذبوح، وتقتل المقتول، وتستعيد كل الذكريات الحزينة، والآلام الموجعة، كالحروب والانفجارات، والمفخخات والمعارك، والحريق والطوفان والسيول والغرق، والهدم والنسف والتدمير، فإنها تتنقل وتتكرر، وتزداد وتتضاعف، وتجلب الموت بالجملة، وتستدعي القتل بالمجموعات، وفيها يعم الحزن، ويتضاعف الألم، ويتوزع الوجع، ويشترك فيه الناس جميعاً، الأقرباء والجيران والأحباب والفرقاء والغرباء والقاطنون والوافدون والعابرون والساكنون وغيرهم.
الأولى الجميلة لا نحسن صناعتها، ولا نملك حدوثها، بل ننتظر بفارغ الصبر وقوعها، ونترقب وصولها، وندفع الكثير من أجلها، ونذهب إلى آخر الدنيا نتأملها ونرجوها، لأنها في أغلبها قدرٌ محتوم، وكتابٌ مرسوم، لا نستطيع أن نتدخل فيها إلا بالجهد المحدود، فهي أكبر من قدراتنا، وخارج سيطرتنا، ولكنها غالباً تكون جميلة، تعمم الفرح، وتعمق السعادة، وتنشر المحبة، وتنسج خيوط السعادة على مدى المستقبل كله، فهي حياةٌ ومستقبل، وغدٌ وأمل، وأجيال تسلم أجيالاً، إلا أننا لندرتها ومحدوديتها نشتاق إليها ونتمنى حدوثها، وندعو الله دوماً أن يستجيب لنا ويحققها في حياتنا، فقد أضحت نادرة، وصارت صعبة وشبه مستحيلة، وقل أن تحدث بيننا، قد ضعف فيها رجاؤنا، لأن الثانية قد طغت عليها وهيمنت، وانشغل الناس بها، وخافوا على أنفسهم من شرورها، فهي تتربص بكل فرحة، وتغتال كل بسمة، وتقتل كل بارقة أمل.
الثانية مؤلمةٌ ومحزنة، وباكية وموجعة بأعدادها الكبيرة، ونتائجها المفجعة، وآثارها الكارثية، وزمانها الدائم، وأحوالها الباقية، وهي قد لا تكون قدراً، ولا كتاباً جبراً، وإن كان بعضها طبيعياً ومن سنن الكون والحياة، مما نصبر عليه ونحتسب، ونرضى به قدراً ونقبل به من الله ابتلاءً، ولا نسأله رد القضاء ولكن ندعوه للطف فيه، ونطلب منه الأجر عليه، ونرجو منه الرحمة بسببه، لكن أكثرها نحن صناعها، نتحمل مسؤوليتها، ولا نبرئ أنفسنا منها، إذ نصنعها بأيدينا، ونتنافس في خلقها، وننشغل في استمرارها، ونحاسب أنفسنا إن تأخرنا في تفجيرها، أو تباطئنا في خلقها، أو قصرنا في توفير الأسباب الموجبة لها.
نحن نشعل نار الحرب التي تقتل الآلاف، وتفتك بالأجيال كلها، ونوقد لهيب المعارك التي تحرق الأخضر واليابس، وتجعل بلادنا ركاماً، وأوطاننا أطلالاً، ونعيد بأيدينا تشغيل الطاحونة التي تدور ولا تتعب، ولا نتعلم من الفقد، ولا نأخذ عبرةً من الخسارة، بل نكرر مصائبنا بأيدينا ولا نتوب، ونستأجر قاتلنا بأموالنا ولا نتعلم، وندفع لمن يفجعنا ولا نعي، وننقل الموت إلى غيرنا بأيدينا بفرحٍ وبلهٍ وسذاجةٍ، وكأننا ننقل شعلة الدوري أو الأولمبياد العالمية، ولا ندري أن الشعلة في بلادنا تتقد بلحمنا، وتشتعل بدمائنا، ويزيد أواروها بكل ما يلقى فيها من أجسادنا، ويرمى إلى قعرها بأرواحنا البريئة والصغيرة، والضعيفة والكبيرة، التي لم تهنأ بالعيش، ولم تستمتع بالحياة، ولكن قطار الموت دهمها بالجملة، وقتلها بلا رحمةٍ.
الثانية للأسف كثيرة ومتوفرة وغب الطلب وحسبه دائماً، وأدواتها جاهزة، وصناعها حاضرون، والمشاركون فيها متعددون ومتنوعون، لا يتعبون ولا يملون، ولا ييأسون ولا يقنطون، إذ القتل عندهم عادة، بل إنه عند بعضهم عبادة، وقرباناً يقدم، وعملاً خيراً يبذل، وكأنهم به يتوسلون رضى الله ويبتغون رحمته، فلا يشعرون أنهم يرتكبون جرائماً لا يغفرها الله، ولا يعفو عن مرتكبها ولا ينساها له، ولا يرضاها نبيه ولا رسوله، ولا سلفه وخلفه، والدمار لديهم تسلية ومتعة، وآلة القتل لديهم ماضية، وأسيادهم خارج الحدود، ومراجعهم خلف الأستار، يحركون الضحايا بأصابعهم كعرائس الأطفال، ودمى الصغار، ولا يأبهون بمن يسقط، ولا يحزنون لمن يقتل.
ويلٌ لنا من الثانية، إنها حالقةٌ ماحقة، لواحةُ للبشر ولا تبقي ولا تذر، وترمي بلهيبها على أرضنا بشررٍ كالقصر، ممدودةٌ بلا حد، وواسعةٌ بلا نهاية، وعميقة بلا قعر، وقد آن أوانها، وظللنا زمانها، وتحكم فينا جهالها، وسيطر عليها سفاؤها، واستعرت فينا سكينها، فاستباحت الدم، واستحلت أعراض الحرائر، وارتكبت المجازر، حتى لم يعد للأولى مكان، ولا للفرحة في حياتنا مطرح، نعوذ بالله منها، ونسأله الرحمة والعافية، وأن يقيض لهذه الأمة رجالاً حكماء، وأبناءً لها مخلصين، وقوى صادقة، وجهوداً مباركة، تخرجها من المحنة، وتتجاوز بها الغمة، وتصل بها وبأبنائها إلى بر الأمان وشاطئ السلام.

للباقي منْ سنينها.. تحنثُ الضفاف/ كريم عبدالله

للباقي منْ سنينها العجاف أنتظرها في ساعةٍ ما .../ أخيطُ ما تمزّقَ منْ ترنيماتٍ مهرّبة عبرَ الممنوع .../ وفي ظلِّ أحلامنا المنسيّةِ نتوسّدُ الأهواء
فاتحتها بعدما إنغلقتْ كلّ التواريخ المبتليةِ بالهزيمةِ ... / ظمئنا وغبارَ المواعيدِ على ثيابِ الأسرارِ تتكيءُ ../ لمْ يكنْ لنا منْ خيارٍ إلاّ هذا الجدارَ يقضمُ صمتنا .....
تغوّرَ في أخاديدِ شهقتنا ذاكَ الشوق منتظراً .../ تحنثُ الضفاف بالطوفانِ يُغرقُ المساءاتِ المحمّلةَ بعذريتنا .../ الرغبةُ اللدنة تستفيقُ مشتعلةً بدأتْ تتمايلُ تلتهمُ الخيبات
تذكّرتُ مزاميرها في منعطفاتي تحتقنُ تطردُ السأمَ ../ قادمةً كانت تسبحُ بغرامها البعيــــــــــــــد في حرارةِ اللقاء ../ تتلألأُ أحجارها تتنفسُ لهفةً مطويّةً حائرة .......
فاجأتني كلّ هذي السنين تُجعّدُ ملمسَ إحتلالها ../ كاتماً رصاصات جوعٍ يذوي ويطوي الأمنيات .../ تتسارعُ نبضاتُ جليدٍ على أجنحةِ سريرِ الحلم يفيضُ بالتساؤل
بالأمسِ الطويــــــــــــــل تستريحُ على أريكةِ وجهيَ كانتْ .../ جامحةً تنسجُ حولي تعلّمني لغةَ الدفءِ والدفقِ في الشواطيء ../ لكنَّ الوارثَ الوحيدَ إقتطفَ النجومَ وأودعها عتمةَ المائدة .........
تلاحقني بالنذورِ تطوّقُ معصمَ الشمس في عينيها .../ أنهكها شغفٌ على طاولةِ الصباحِ يتمرّدُ ..../ في مدني يتناسلُ مذاقها طابوراً على أرصفةِ الشوق يتململُ
أحلّقُ بها في غفلةٍ تحتَ أهدابِ الليل .../ يلفّني وشاحها يُصغي يُضرّجني باللهفةِ ..../ فأتيقّنُ بأنَّ الأحتراقَ في مداراتها توهّجٌ ............../ ........................./ وحياة

بغداد
العراق

حفظكِ اللهُ يا مصر وحفظ شعبك ورئيسك/ أنطوني ولسن

الحديث عن ما حدث للمصريين في ليبيا حديث مؤلم . لأننا لم نتوقع إستشهاد 21 مسيحي قبطي مصري أصيل بهذه البشاعة دون رحمة أو خوف من الله خالق الكل. ولكن بكل  بلادة عقل وفكر ارتكب المجرمون الداعشون جريمتهم وليتمادوا في جريمتهم سلطوا الكاميرات لتلتقط أحداث الجريمة لعرضها على العالم دون حياء أو خوف لا من إله ولا من بشر . بل كان الفرح يملأ قلوبهم والزهو بقتل أبرياء لم يرتكبوا شرا ، بل كان جُلَ همهم هو البحث عن لقمة العيش بعد أن ضاقت الحال بهم في وطنهم مصر الذي أوىَ الكثير من الليبين والعرب وقت ضيقاتهم فكان جزاءهم " المصريون " الذبح علنا وإراقة دماءهم عند البحر ليتحول لون المياه الصافية الى اللون الأحمر ، لون دماء شهداء لا حول ولا قوة إلا بربهم الذي في السماء .

مصر منذ أخر حرب خاضتها بكل شجاعة وبسالة كانت بقيادة الملكة كليوباترا وبمساعدة القائد أنطونيو الروماني الذي أصبح محبا لمصر وملكة مصر . لم تخصر كليوباترا المعركة . لكن الخبر جاءها مغلوطا ولم تجد إلى جوارها مارك أنطونيو وظنت أنه قُتل في المعركة فقامت بقتل نفسها باستخدام الثعابين السامة للأنهاء عليها . وقتل مارك أنطونيو نفسه عندما علم بموت كليوباترا وأصبحت الساحة مفتوحة أمام إكتافيوس القائد الروماني وشقيق زوجة مارك أنطونيو الذي هجرها وأحب كليواباترا التي رأت فيه البطل الشجاع الذي سيخضع الأمبراطورية الرومانية تحت سلطانها . وتم إحتلال روما لمصر .

منذ ذلك التاريخ ومصر تعاني الأمرين من الرومان ثم العرب الغزاة ثم من قواد وسلاطين الممالك العربية المختلفة التي جارت على مصر واحتلتها وأذلت شعبها الطيب الذي اعتنق المسيحية وراى فيها الملاذ من بطش الطغاة وأن الله سيدافع عنهم ، وإن أُستشهدوا وقتلوهم وعذبوهم فالطريق مفتوح لهم الى السماء مع " المسيح ذاك أفضل جدا " .لهذا أصبح الأستشهاد عند المسيحي  نوع من الفرح للقاءه بالرب يسوع المسيح في السماء . لأنهم ضحوا بأنفسهم واستُشهدوا في سبيل مجد الله .

منذ زمن بعيد حتى هذا اليوم دائما أكرر وأقول

 لا يخرج منكِ مدبر يرعى شعبك يا مصر

لا في التاريخ القديم قبل العرب ولا في التاريخ العربي القريب وأخره " مبارك ، المشير طنطاوي ومرسي ثم المستشار عدلي منصور " لأنهم جميعهم لم يلتفتوا إلى قدسية معنى الوطن ومعنى الوحدة الوطنية ومعنى المواطنة وحق المواطن في الحياة الكريمة ورعايته ورعاية عائلته بغض النظر هنا عن الدين أو العقيدة . لكن من أجل مصر لكي تأخذ مكانتها بين الأمم المتقدمة .

أخيرا عرف الشعب طريقه واختار الرجل الذي أرسله الله ليرعى شعبه .. شعب مصر .  وأنا هنا أشير للأختيار الألهي بتولي المشير عبد الفتاح السيسي سدة الحكم .

قد يقول قائل أننا قلنا نفس القول على الرؤساء الذين سبقوه . لكني أختلف . لأن كل الحكام الذين سبقوه لم يكن الشعب المصري بالنسبة لهم سوى سلعة يروجون بها  أمام العالم ناسيين الله بأنهم سيعملون على راحتهم وإيجاد عمل ولقمة عيش . لكن وأسفاه تركوا الأنجاب مثل الأرانب بتشجيع من الأخوان والسلفيين والجهادين ليزداد عدد أطفال الشوارع وينضم الى تنظيماتهم من ينضم ليكون وقود لما يحلمون بفعله بمصر والذي حدث بالفعل في السنوات القريبة السوداء الماضية .

وهنا تدخل الله ، ونجح الشعب في الأختيار الصحيح لأول مرة دون عواطف أو تدخلات من الخارج . وكانت المرة الأولى التي فرح فيها الشعب المصري لأختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي ليدير دفة أمور البلاد في أشد وأصعب فترة تمر بها مصر والشعب المصري 

تولى الرئيس السيسي سُدة الحكم ومصر مفلسه . تولى سُدة الحكم وإخوان الشر يتربصون له  ، عاش مع الشعب يستمع لشكواه وأنينه  صادقا   . عندما يعد بشيء بل كان دائم القول " ساعدوني لنصل الى مانريد لم

لم يفرق بين أبناء مصر بسبب الدين أو العرق أو الجنس . ذهب لمعايدة المسيحيين في الكاتدرائية المرقسية بعد عودته مباشرة من الكويت . وهذه لم يفعلها أحد . ذهب أيضا معزيا في الشهداء .. شهداء ليبيا من المسيحيين المصريين الذين كانوا يسعون الى لقمة العيش 
   من أجمل ما سمعت منه :

أنا ما يهمنيش أي حد غيركم

 اللي انتوا عايزينه ح أعمله ليكم

وأرسل رئيس الوزراء ليعزي أسر الشهداء في المنيا . كل هذا يعطيني الأمل والطمأنينه أن مصر مهما قابلها من صعاب ، ستتغلب عليها . لأن ما كنا نتمناه ونتمنى أن يتم قد سمعنا عنه وشاهدنها من فم رجل قد المسئولية وأستطاع أن يأخذ بثأر شهداء مصر بليبيا من داعش ومن يساندونهم بإرسال الضربات المتتالية لقصف أماكن تواجدهم . لعله يكون الدرس الأخير لهم .

من عجائب الرئيس أوباما :

أميركا وتجاهل سفك دماء 21 قبطيا في ليبيا

أوباما المسلمون وضعوا أنفسهم كدروع لحماية المسيحيين

وأسأل " أين فخامة الرئيس ومتى " إن كنت تتحدث عن ماض ولَى وذهب . نحن نتحدث  عن الوقت الحالي وما تفعله داعش ضد مسيحي الشرق الأوسط حتى يتم تقسيم المنطقة على يديك 

مربعات متنوعة/ رضا محمد السيد

 يرضيكى كــــــــده يا بلدنا
مُعظـــــــــــم ولادك إندفنوا
لو ما حزنتيش ع إللى مات
رح يحــــــــــزن عليه كفنه .  

يا عايش فى الدنيا
أوعى يوم تِأمينها
وإعرف إنها فانية
لحد ما ترحل عنها .

مهما حاولت أضحك فالحزن مرسوم عليا
على ناس راحــوا وفاتونى عايش لوحديا
كانوا أهلى وناسى وهما أعـــــــــز ما ليا
وياما ناس تستحق الحياة مــــــــــــــاتت
وياما ناس تستحق الموت حيــــــــــــــه
وكله بأمر الله ، ﻻ بإديك وﻻ إيديــــــــــا
وهى دى بقا الحكــــــــــــــــــمة اﻹلهيه .

أنا إللى صابر طول العمــر
وديما أضحك وقلبى حزين
وبإيدى بشرب أنا م المــر
والحلو أسقيه لناس تانين  .

رح أواصـل مين يواصلنى
ومين يقاطعنى رح أوصله
ومافى شئ عنكم يفصلنى 
وكل واحــــد بيعمل بأصله .

سبحـــان من له الدوام
وﻻ شئ غيره بيــــدوم
الصبح كان إسمه فلان
بالليل  بقى مرحـــــوم .

كان ماشى الصبح فى حاله
وبيحلم يكـــــــــون عريس
وفى لحظه الموت جـــــاله
على إيد إرهـــــابى خسيس 

قصص قصيرة جدا 87/ يوسف فضل

بيوت خلاء أممية
أوقدوا لمزارعنا (الوطنية) شعلة العتمة. أرسلوا أمواج المراهقة السياسية المبهرة. تناحرتنا الفتاوى الشيطانية المدغدغة. أبدعنا حضاريا بإغلاق باب العقل ليحارب الإسلام نفسه .

حركة قدم
أطلت الفتنة الاجتماعية برأسها. عزاها المحافظون لتأثير أعجمي. حتى إذا نجحت دونها التاريخ ثورة مقدسة.

صمود
نصب خيمة الضياع الشاحبة على حدود بيته المهدم. تلقى مساعدة إعادة اعمار السكن؛ أربعة أكياس اسمنت وسيخين(لحمة) والمزيد من الوقت الماكر.

الحل السحر
لبست المغنية الزي العسكري . ناضلت غنائيا حبا بالعسكر والوطن (الحر) .انشغل الشعب بانجاز الكلمات . في المساء عاد كل من  يجيد التوالد إلى بيته كبقية الحيوانات .

 برميل متفجر
خرج في هياج جماهيري سلمي . لوح بأعلام ديمقراطية . عاد إلى البيت . انبجس من الركام رافعا صور أطفاله .

تِذْكار
أفرغ مظاريف الرصاص والسكين من الكيس. تحدث باشمئزاز عن قتلى المجزرة. تبجح بخصوصية حرفيته ببقر بطن حامل بنصل حاد، وكيف اخرج جنينها ووسده ذراعها.

حيرة كبرى
تلبسه هوس المزاج الفكري. شارك  باندفاع في تجربة روحانية بالبخور والذكر والرقص . حلت به غيبوبة عن الواقع نقلته إلى الفضاء الحالم بالخشوع والسكينة. انتظر الخلافة الزمنية والمكانية وتكاسل في التناغم مع قراءة الوحي وقراءة الكون.

سورنتو/ د. عدنان الظاهر

(جنوب إيطاليا / آب 1996 ) 

ترى وَتَراً في العودِ يُنقِصهُ عويلي
ويسافرُ الغرباءُ والليمونُ يتركني على ناي الأصيلِ
سُفُناً وأشرعةً أراها
تدفعُ الأمواجَ في بحرٍ من الأحزانِ ساعاتِ الرحيلِ.

البحرُ في قَمرِ العزيزةِ مِحنةٌ
من جفنها يتساقطُ الليلُ البهيمُ على خيوطٍ من خميلِ
وزُرقةُ الفيروزِ تشكو قسوةَ الخِلِّ الملولِ
من أنتِ في مُدنِ الظهيرةِ والبنفسجِ في مساميرِ المقاهي والذبولِ
تتقلّبينَ على ضِفافِ الرملِ كالأسماكِ في حطبِ النخيلِ
جَسَداً من الذهبِ المُخبّأِ تحت ظلِّ التينِ والزيتونِ في الحوضِ المُسمّنِ بالعجولِ
مُهراً مع الأفراسِ مُتّصلَ الصهيلِ
أَثَراً وأختاماً من الموجاتِ في الجسدِ الصقيلِ 
وزُرقةِ أَعرُقِ الفيروزِ في الجفنِ الكحيلِ.

جَلَستْ تُذكّرُني أنيساً غابَ في صمتِ القتيلِ
في الليلةِ الظلماءِ حينَ تفجّرتْ
صوتاً وزخرفةً وأطيافاً ملّونةً وكأساً لا أُطيقُ لها مَذاقا
أُفُقاً من الترحالِ والتسآلِ في ليلِ التشرّدِ والخمولِ :
ماذا سيبقى في مهبِّ الريحِ في حبلِ الغسيلِ
ودورةِ الصيفِ الجميلِ وصوتِ قاطرةِ الرحيلِ
فهل أراكِ على رصيفِ الصاعدين بروجِ أجنحةِ الحَمامِ
تتسولينَ أصابعَ السكرى
مُحطّمةً على قهرِ الخليلِ وغطرسةِ الزمنِ الذليلِ ؟

من ذا يُعالجُ مِحنةَ الصدرِ العليلِ وداءَ مخنوقِ الهديلِ
تبكينَ من سوءِ المُناخِ وفي المخيّمِ ضاعَ مفتاحُ الدخولِ
وموكبُ العشّاقِ في البحرِ البديلِ.

ضاقتْ بنا الطُرُقُ الفسيحةُ في الصباحِ وفي المساءِ
نتبادلُ الأنخابَ في الحاناتِ إسرافاً وأنسى
أنني المخمورُ أطلبُ ضِعْفَ كاساتِ الكحولِ
تترشّفينَ زجاجةَ الماءِ الشفيفِ وأحتسي
نارَ الجحيمِ وعلقمَ المُرِّ الثقيلِ
لا البحرُ يستثني بقايانا على رملِ الأصيلِ
لا الرملُ يَحفظُ ما تركنا من خمورٍ أو عطورِ
عندَ السواحلِ أو مجسّاتِ الثغورِ
لا قريةٌ في الرومِ تلجمُ أدمعَ الشَبحِ الهزيلِ.

ماذا تبقّى من عبيرٍ في مُدامي أو سمومِ ؟
من ذا سيسمعُ آخِرَ الحفلِ المُهشّمِ صوتَ دقّاتِ الطبولِ ؟

حفلٌ هناكَ تأخّرتْ نُدمانهُ ليلاً وفي حاني
تكسّرَتْ الندامى 
في جِرارِ كؤوسِ خمرِ الإنفصامِ على الطلولِ. 
                                                             

قصيدة مـاتــبـكـيـــش لكل أم شهيد/ ناهد فاروق شاروبيم


+ عـشـان خـاطـرى يـامـا مـاتــبـكـيـــش
أنا عـايـش فالسما ولا انتى متعرفيـش!!
إن اللى بيستـشهد على إسـم ربـنـا
بـيـعـيـش ف أفــــراح مـاتـنـتـهـيـــش
+إحـنـا كـنـا شـايـفـيـن بعنـيـنا السمـا
ومنظر الـمـلايـكـة كان مطـمـن قـلـبنـا
ولا حـســيـنـا بــألـــم .. ولا عـــــذاب
وربنا جـهـز إكـلـيـل لكل واحـد مـنـنـا
+ عــــارف إن قـلـبـك قــايـــد نـــــــار
وحـاســة بـالــحــســرة والــمـــرار
خلى عـنـدك ايـمـان وثـقـة بـربـنــا
دة الـهـنـا عـادل ومُـنـتـقـم جــبــار
+ أوعى تفتكرى إن حـقـنـا هـيـضـيع
دا ربـنـا قـال لو نـسـيت الأم الـرضـيع 
هـو مــش مـمـكـن أبــداً يــنــســانـا
والـــويــــل ليهم لأن غـضـبـه فـظـيــع
+ شوفتى المجرمين بسيوفهم وشرهم!
مـن جُـبـنـهـم كـانـو مـغـطــيـن وشــهـم
لـكـن ربـنـا كـان كـاشفهم وشـايــفــهــم
وكـشـف لـلـعـالـم حقدهم وسـواد قلبهم
+ إفـرحــى يــامــا وإرفـــعــى راســــك
واحـكـى حـكـايـتـى لكـل أهلك وناسك
قولى إبــنـى إسـتـشـهد وهو رافـع راسـه
ولآخـر لـحـظــة كـان شـجـاع ومُـتـمـاسـك
+ عارفة ياما لما كانت السيف على رقـبـتـى
شـوفـت إنـجـيـلـى وصـلـيـبـى وكـنـيــسـتـى
وكان نفسى آخدك فحضنى وأقولك يا حبيبتى
تعيشى يا اللى تـعـبـتـى وعـلـمتى وكـبــرتـى
+ بـس وحـيـاتى عـنـدك ياما مـاتـعـيـطـيــش
أنا مـامـوتـش .. دانا دلـوقـتـى اللى هـعـيـش
هـعـيـش فـالـســــمـا مـع الــشــهـدا الأبــرار
وســـط الأفــــراح الـلـى مــابـتـنــتــهـيـــش
الشاعرة ناهد فاروق شاروبيم

أحزاب أم عصابات؟/ كفاح محمود كريم

     في بلد لا يمتلك قانونا لتنظيم الأحزاب وتأسيسها منذ أكثر من عشر سنوات منذ سقوط نظام الحزب الواحد الذي حكم البلاد لما يقرب من أربعين عاما، وأنتج أجيالا من المعاقين سياسيا وفكريا وجسديا، ناهيك عن ضحاياه التي ابتلعتها بواطن الأرض والأنهار والجبال والصحراوات في أعظم منجزاته بالأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية ودهاليز معتقلاته ومعسكراته، في هكذا بلاد فشلت لعشر سنوات من إنتاج قانون ينظم تأسيس الأحزاب وإجازتها وكيفية عملها في نظام يفترض انه يتقبل الآخر ويتداول السلطة بواسطة صناديق الاقتراع، في هذه البلاد تقلصت كثير من الأحزاب التي عرفناها، سواء ما كان منها معارضا لنظام الحكم بشكل سلمي، أو من خلال ما كنا نطلق عليه بالعنف الثوري، والذي يبيح إزاء أنظمة الدكتاتورية استخدام السلاح لإسقاطها، والذي فشل هو الآخر أيضا في صراعه معها، حيث فشلت العديد من الحركات الثورية التي استخدمت النضال المسلح لإسقاط تلك الأنظمة، ومنها ما حصل في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وسوريا، حيث اضطرت شعوبها وحركات المعارضة فيها إلى الاستنجاد بالدول العظمى لمساعدتها في تلك العملية، ولعلنا ندرك جيدا إن نضال العراقيين على سبيل المثال ضد نظام البعث وصدام حسين ما كان سيسقطه حتى أحفاد أحفاد القائد الضرورة لولا تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في إسقاطه، لما كان يتميز به من حكم مطلق وأدوات لا تقل وحشية عن أدوات خلائفه اليوم فيما يسمى بداعش، وقد شهدنا جميعا كيف سارت الأمور هنا في بغداد ومن ثم في جماهيرية القذافي العظمى وسوريا الأسد و(اليمن السعيد) بعلي عبدالله صالح، ولا سامح الله بقية دول الشرق الأوسط التي تنعم الآن بسلام وامن دكتاتورياتها، بعد أن فقدت معظم  دول ما يسمى بالربيع العربي بكارتها في الأمن والسلم الاجتماعيين تحت رعاية الأحزاب الدينية السياسية التي اعتبرت نفسها بديلا عن الله لإقامة دولة الدين والمذهب، بانتظار يوم القيامة لكي تسلم مفاتيح الأرض لسدنة الجنة التي وعدت بها أعضاء حركاتها وأحزابها، معتبرة كل من يكون خارجها من ملاكات جمهورية الشيطان في جهنم!

     أحزاب وحركات ومنظمات تحمل شعارات الجهاد واسم الرب وملحقات الأديان والمذاهب، ووكالات موثقة بنصوص مقدسة بان أعضائها مجاهدين وغيرهم مرتدين أو منافقين، يحق لهم باسم الرب أن يمتلكوا كل الحقيقة التي تبيح لهم السلطة المطلقة بما في ذلك اعتبار المختلف كافرا يحق تقطيع أوصاله أو حرقه أو سبي نسائه، كما حصل في سنجار والموصل للايزيديين والمسيحيين، ومثلهم من تعرض للتهجير والتهديد من المسيحيين والصابئة المندائيين، أحزاب وحركات أنتجت وفرخت آلاف العناصر الموبوءة بالسادية والما سوشية التي من التي انتجتها ودربتها دوائر البعث وصدام حسين ومؤسساته الخاصة وحملته الايمانية التي لملمت كل المنحرفين والمرضى والمرتزقة من كل الشرق الاوسط كما فعل القذافي ويفعل الآن بشار الأسد وان اختلفت التسميات فالجميع ينهلون من ينبوع واحد.

     وأخيرا رغم تحفظاتنا على أداء الدورة البرلمانية الجديدة لكونها من إنتاج واقع الحال الذي تحدثنا عنه، ولم تختلف كثيرا عما كانت عليه الدورات السابقة، إلا إننا نعول على رئيس السلطة التنفيذية والكم الكبير من التأييد والمساندة الداخلية والخارجية لتوجهاته، على إحداث تغيير ملموس فيما يتعلق بمئات الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تأسست بعد سقوط هيكل النظام السابق ومن رحمه وبقرار من أجهزته الخاصة تحت مسميات كثيرة لكنها تتغطى جميعها بلبوس الدين والجهاد والشعارات الفارغة التي صمت آذاننا لعشرات السنين، أو هي واجهات أو اذرع ميليشياوية لأحزاب حاكمة ومتنفذة تعمل على تنفيذ أجندة تلك الأحزاب على شكل كتائب وتنظيمات شبه عسكرية، وتعتمد في ذلك على منظومة دعائية وإعلامية من فضائيات وإذاعات ومواقع الكترونية وصحف ومجلات موجهة لمساحات واسعة من الأهالي البسطاء والسذج لتسطيح عقولهم وغسل أدمغتهم كما كانت تفعل كل الأنظمة الشمولية في العالم.

kmkinfo@gmail.com

في مواجهة التطرف الديني والفكر الداعشي الظلامي/ شاكر فريد حسن

لا شك أننا نمر بمرحلة إخفاق كبرى ، ونتعرض لردة سياسية واجتماعية وأزمة فكرية عميقة . وتشهد مجتمعاتنا العربية حالة من الفوضى والتمزق والتفتت والتفكك والتجزئة ، وموجة من الإرهاب تحت الشعار الإسلامي "العودة إلى الأصول" وإقامة "دولة الخلافة" ، علاوة على تعمق الفتن الداخلية والنزاعات المذهبية والصراعات الطائفية . كما وينتشر التطرف الديني والفكر الأصولي السلفي الوهابي ، وتتكاثر كالفطر الحركات والمجاميع التكفيرية والقوى الأصولية السلفية الرجعية المتزمتة المتعصبة بمسمياتها المختلفة كـ"داعش" وجبهة النصرة" و"القاعدة" و"باكو حرام" وعير ذلك من العصابات والعناصر الإرهابية المأجورة التي تتاجر بالدين الإسلامي والمشاعر الدينية ، وتلقى الدعم المالي واللوجستي من دول إقليمية وأجندات خارجية وشبكات إرهاب عالمية ، وتغذيها فكرياً وإعلامياً ومادياً حكومات ومشايخ دول النفط الخليجية ، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية .
ولا جدال أن هذه الحركات التي تنضوي تحت راية "الاسلاموفوبيا " تمثل الجهل والتخلف والإرهاب والتكفير والتخوين والقمع والاستبداد ، وتمارس الإجرام الدموي الوحشي والقتل الجماعي والذبح والسبي والنهب والخراب والاغتصاب وجهاد النكاح وقطع الرؤوس وتحطيم تماثيل رموز ثقافتنا وأعلام نهضتنا الثقافية والعلمية العربية ، والقيام بالعمليات الانتحارية التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم ، عدا عن عمليات التهجير القسري التي طالت أبناء الديانة المسيحية في العراق .
وفي الحقيقة والواقع أن هذه الحركات التي تتستر بالدين لا تمت للإسلام بصلة ، وأعمالها الإرهابية الوحشية البشعة تشوه صورة الإسلام الحقيقي ، إسلام الرحمة والعدل والمحبة والإخاء والتسامح والعلم والنور ، والدين الإسلامي بريء من كل هذه الأفعال والأعمال والممارسات الوحشية التي تتبعها داعش وأخواتها ، وتندرج تحت الإجرام . 
وهذه الحركات تستخدم وتوظف من قبل الاستعمار الأجنبي والامبريالية العالمية لضرب العمل الوطني القومي العربي ومناهضة حركات التحرر الوطني بأحزابها وقواها المختلفة ، ولإجهاض الكفاح العربي في سبيل الحرية والاستقلال والتقدم والسلم ، والعمل على تجزئة الأوطان العربية على أسس طائفية مذهبية وعرقية عنصرية ، مثلما يجري الآن في سورية والعراق .
وأمام موجة الإرهاب الداعشي والغزو السلفي الجهادي التكفيري الذي تتعرض له  المنطقة العربية ، فإن واجب النخب المثقفة التقدمية والقوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية والمؤسسات الثقافية والمدنية العربية التصدي بشكل واعٍ ومسؤول لكل حركات الإسلام السياسي ، من سلفية وأصولية وإخوانية وداعشية ، ولمشيخات الفتاوى التي تعيش في عصر ما قبل التاريخ ، التي تصدر الفتاوى التي انزل اللـه بها من سلطان ، وأصبح الجميع يعرفها ويمقتها لأنها بعيدة كل البعد عن مبادئ وتعاليم وقيم وجوهر الدين الإسلامي الحنيف . وكذلك محاصرة وتعرية هذه الحركات المتطرفة والمتشددة ونبذ أفكارها ، وتجديد الخطاب الديني وتحرير المفاهيم المغلوطة التي تشوه مبادئ الإسلام وقيم الدين ، ورفع مستوى الوعي الفكري والإيديولوجي والعقائدي والعقلاني بين القطاعات الجماهيرية والشعبية ، وتحصين الأجيال الشبابية الجديدة ، وإشاعة الفكر العلمي التنويري التقدمي وثقافة المقاومة ، وتعميق النضال لأجل إرساء وإنشاء مجتمعات ديمقراطية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية والخروج من حالة الإخفاق الراهن ،  وصولاً إلى تحقيق أهداف وأماني الشعوب العربية بالحرية والعدالة والديمقراطية في ظل نظم تقدمية علمانية ديمقراطية ومدنية تحقق التقدم والرخاء والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
ولن يتم تصفية الإرهاب الداعشي والتطرف الديني دون تجفيف منابعه ومصادره ، واجتثاث فكر داعش التكفيري الظلامي الوهابي ، الذي يعتمد على آراء وأفكار وتعاليم ابن تيمية ، من جذوره .

رسالة مفتوحة إلى قداسة البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان/ جمال قارصلي

قداسة البابا فرانسيس الأول ... حفظكم الله ورعاكم

أتوجه إليكم اليوم, وأنا مناشدا قداستكم, التدخل العاجل من أجل إنقاذ وطني الأصلي سوريا, سوريا مهد الحضارات والديانات, وموطن أول أبجدية عرفها التاريخ, والبلد التي كانت أفضل مثال للتعايش بين الأديان والقوميات, والتي لا زال فيها من ينطق بلغة السيد المسيح. 
كما تعلمون قداستكم, تدور الآن في سوريا حربا طاحنة, أحرقت الأخضر واليابس, وها هي تشرف الآن على الدخول في عامها الخامس, وعدد ضحاياها صار يُعد بمئات الآلاف, ومشرديها ومهجريها بالملايين, إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين, وكذلك الدمار الذي لم يترك زاوية فيها إلا وسكنها. 

قداستكم ... 
نهيب بكم كراعيين للسلام والمحبة في العالم, وإنطلاقا من مكانتكم الروحية والدينية والإنسانية, أن تعملوا كل ما بوسعكم من أجل إحلال السلام والأمان في سوريا. ولكن السلام لا يتم, إلا إذا إنتهى القتل هناك, والتعذيب حتى الموت, وانتهت عمليات تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها وزرع الفتنة الطائفية بين أهلها. إن عدد ضحايا الشعب السوري يزداد كل يوم بالمئات, والدمار والخراب يقضمان من أرضه المعمورة. فلهذا, ومن هول المصيبة في سوريا, هنالك من يصفها بأنها أكبر مأساة إنسانية تمر على البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.

قداسة البابا ...
إن أهل سوريا يفقدون كل يوم الأمل أكثر, وهم يعيشون في حالة خوف دائمة.
فنحن نرجوا تدخلكم المبارك, ونناشد مؤسسات المجتمع الدولي، وأصحاب الضمائر الحية, وكل المؤمنين في الأرض, ان يقفوا إلى جانب الشعب السوري في محنته هذه, وأن يبعثوا فيه روح الأمل والأمان مجددا وأن يخففوا معاناته.

أتوجه إلى قداستكم باسم المهجرين والمشردين وباسم الجرحى والمعتقلين, وباسم كل ما هو مقدس في كل الديانات السماوية, أن لا تنسوا سوريا من دعائكم ومن توجيهاتكم إلى كل العاملين من رعيتكم على إيقاف القتل والإقتتال في هذا البلد الجريح وأن تساعدوا أهله على بناء وطنا ينعم بالسلام والأمان والحرية والمساواة.
المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.
مع فائق تقديري وإحترامي لقداستكم
جمال قارصلي / نائب ألماني سابق من أصل سوري

هل نضجت ظروف التسوية للأزمة السورية؟/ صبحي غندور

ما يحصل في سوريا هو أشبه بتقاطع طرق لمشاريع عديدة في المنطقة، بحيث نرى تكاملاً بين بعضها وتناقضاً بين بعضها الآخر، لكن في المحصّلة هي "مشاريع" لها خصوصياتها الإقليمية أو الدولية، ولا أجد أنّ أياًّ منها يراهن على حربٍ إقليمية أو على مدّ نيران الحرب في سوريا إلى جوارها باستثناء "المشروع الإسرائيلي" الذي وجد مصلحةً كبيرة في تداعيات الأزمة السورية وانعكاساتها التقسيمية العربية، على مستوى الحكومات والشعوب. فإسرائيل لا يوافقها توصّل واشنطن وطهران إلى اتفاق كاملٍ بشأن الأوضاع في سوريا لأنّ ذلك يوقف النزيف الدموي في الجسم السوري، والعربي عموماً، ولأنّه يعني أيضاً تفاهمات أميركية/غربية مع إيران تتجاوز المسألة السورية، ممّا قد يدفع أيضاً بإعادة فتح الملف الفلسطيني ومسؤولية إسرائيل تجاهه.

أيضاً، فإنّ من غير المصلحة الإسرائيلية حدوث أي تسوية سياسية تُسرّع في إنهاء الأزمة السورية، لذلك، فإنّ تمكُّن الحكومة السورية من استعادة سيطرتها على مناطق إستراتيجية مهمّة يعني إخلالاً في ميزان القوى على الأرض وإمكانية حسمه لصالح خصوم إسرائيل في المنطقة، ولعلّ هذا ما يفسّر الغارات الإسرائيلية التي حدثت أكثر من مرّة في العمق السوري، وأيضاً الدعم والتسهيلات الإسرائيلية لبعض قوى المعارضة السورية في المناطق المجاورة للحدود مع سوريا.

إنّ المراهنات الإسرائيلية في الأزمة السورية هي على مزيدٍ من التفاعلات السلبية أمنياً وسياسياً وعدم التوصّل إلى أيِّ حلٍّ في القريب العاجل. فمن مصلحة إسرائيل بقاء هذا الكابوس الجاثم فوق المشرق العربي والمهدّد لوحدة الأوطان والشعوب، والمنذر بحروبٍ أهلية في عموم المنطقة، والمُهمّش للقضية الفلسطينية، والمؤثّر سلباً على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين. كذلك، تراهن حكومة نتنياهو على تصعيدٍ عسكري ضدّ إيران ليكون ذلك مدخلاً لصراعات مذهبية محلّية في المنطقة لتغيير خرائطها ولإقامة دويلات طائفية وإثنية، ولتعزيز حاجة أميركا والغرب لإسرائيل بحكم ما سينتج عن الحروب الإقليمية، "الدينية" و"الإثنية"، من تفاعلات لأمدٍ طويل تثبّت مقولة: إسرائيل "دولة يهودية"!.

طبعاً، لم تكن إسرائيل أبداً خلال كل الأحداث المهمة بالمنطقة مجرّد "راغبٍ" و"متمنٍّ"، بل هي قوة مؤثّرة وفاعلة بشكلٍ مباشر أو من خلال واجهات أو علاقات مع حكومات وجماعات دولية وإقليمية. فهل يمكن أصلاً فصل الأزمة السورية الحالية عن الصراع العربي/الإسرائيلي وعن مأزق التسوية على المسار الفلسطيني، حيث كانت دمشق في العقدين الماضيين داعمةً للقوى الفلسطينية الرافضة لنهج "أوسلو" وإفرازاته السياسية والأمنية؟ ثمّ كانت دمشق – وما تزال – غير موقّعة على معاهداتٍ مع إسرائيل، كما جرى على الجبهات المصرية والأردنية والفلسطينية، فبقيت سوريا - ومعها لبنان- في حال الاستهداف من أجل فرض "التطبيع العربي" مع إسرائيل، بغضّ النظر عن مصير التسوية العادلة الشاملة لأساس الصراع العربي/الصهيوني، أي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وهل يمكن نسيان أنّ مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في لبنان وسوريا، وبأنّ ما يحدث، وما قد يحدث، في هذين البلدين سيؤثّر كثيراً على مصير ملفّ اللاجئيين الفلسطينيين؟!. ثمّ هل من الممكن أن تغفر إسرائيل لمن اضّطرها للانسحاب العسكري المذلّ عام 2000 من لبنان، بعد احتلال أراضٍ فيه لأكثر من عقدين من الزمن، ثمّ لمن أفشل مغامرتها العسكرية وحربها المدمّرة على لبنان ومقاومته عام 2006؟!. أليس حتمياً حدوث انعكاساتٍ خطيرة على لبنان "الجيش والمقاومة والشعب" من جرّاء تداعيات الأزمة السورية واحتمالات نتائجها السياسية والأمنية؟!. ثمّ هل حقّاً أنّ التغيير المنشود في سوريا هو في نظامها السياسي الداخلي فقط، أم أنّ الهدف الكبير الهام لبعض الأطراف الدولية والإقليمية هو فصم العلاقة بين سوريا وإيران من جهة، وبين دمشق وموسكو من جهةٍ أخرى؟!.

هذه أبعاد خارجية مهمّة للصراع المسلّح الدائر الآن في سوريا، فهو إضافةً لكونه صراعاً على السلطة ومستقبل النظام، هو صراع إقليمي/دولي على سوريا، وعلى دورها المستقبلي المنشود عند كلّ طرفٍ داعمٍ أو رافضٍ للنظام الحالي في دمشق.

لكن المشكلة على الصعيد الداخلي السوري كانت في مراهنة بعض المعارضين للحكم على التحرّك الشعبي المسلّح وفي المراهنة على تدخّل عسكري لحلف "الناتو"، كما حصل في التجربة الليبية، بينما نتيجتهما (عسكرة الحراك والتدخل الأجنبي) أدتّ في ليبيا إلى تفتيت الكيان وإلى حرب الميليشيات وليس إسقاط النظام فقط.

كذلك تكون مراهنة خاطئة أيضاً، ومميتة أحياناً، عندما تُمارس الحكومات العنف الدموي القاسي ضدّ قطاعاتٍ من شعبها، حتّى لو كان وسط هذه القطاعات مندسّون وإرهابيون. فالعنف المسلّح الداخلي (مهما كان مصدره) يُولّد مزيداً من الأزمات الأمنية والسياسية، ولم ينجح في أيِّ مكان بتحقيق مجتمعات موحّدة مستقرّة.

       فمن المفهوم استخدام العنف المسلح في مواجهة اعتداء خارجي، أو من أجل تحرير أرضٍ محتلة، لكن لا يجوز ولا ينفع هذا الأسلوب في تحقيق تغيير سياسي أو في الحفاظ على نظام سياسي. فالخطأ من جهة لا يبرّر الخطأ من الجهة الأخرى.

لكن لا يمكن، منطقياً وعملياً، اعتبار ما يحدث الآن في سوريا من صراعٍ مسلّحٍ (مهما اختلفت تسميته) "قضية داخلية" فقط، ترتبط بحركةٍ شعبية من أجل تغيير النظام. ولا يمكن تجاهل حقيقة أنّ درجة العنف في الأوضاع السورية الآن هي انعكاسٌ لحدّة أزماتٍ أخرى مترابطة كلّها بعناصرها وبنتائجها وبالقوى الفاعلة فيها. ولا يمكن فصل الأزمة السورية عن الخلافات العربية-الإيرانية-التركية وعمّا حدث في العقد الماضي من أوّل احتلالٍ أميركي لبلدٍ عربي (العراق)، حيث كانت سوريا معنيّةً بأشكال مختلفة بتداعيات هذا الاحتلال ثمّ بدعم مواجهته. ولا يمكن عزل ظاهرة "داعش" في سوريا وغيرها من الجماعات الإرهابية عن نشأة "القاعدة" وامتدادها إلى العراق أولاً بعد الاحتلال الأميركي له.

إنّ سوريا هي قضية حاضرة الآن في كل الأزمات الدولية، وسيكون مصير الحرب المشتعلة فيها، أو التسوية المنشودة لها، هو الذي سيحدّد مصير الأزمات الأخرى. كذلك، فإنّ استمرار الحرب يعني استمرار التأزّم مع طهران، ويعني مخاطر حرب إقليمية تشترك فيها إسرائيل، إضافةً إلى التورّط التركي الكبير الحاصل في الأزمة السورية ممّا قد يؤدي إلى تورّط "الناتو" عسكرياً، وهو أمرٌ لا ترغب به الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.

أيضاً، فإنّ مخاوف إدارة أوباما من زيادة نفوذ جماعات التطرّف المسلّحة في سوريا ومخاطر انتشارها إلى دول مجاورة، لا يمكن إزالتها من دون تسوية سياسية للحرب الدائرة في سوريا وعلى سوريا. فكلّما زاد التصعيد العسكري كلّما زاد نفوذ هذه الجماعات وتأثيراتها على مستقبل الأحداث في عموم المنطقة. ولا خيار الآن أمام إدارة أوباما إلاّ البحث عن تسوية سياسية ودعم مهمة المبعوث الدولي ديمستورا والجهود الروسية والمصرية لتسهيل هذه التسوية لدى الأطراف السورية المعنيّة بالأزمة، إذ ليست واشنطن بوارد التدخّل العسكري المباشر، ولا هي تثق بمصير السلاح الذي يمكن أن تقدّمه لبعض قوى المعارضة السورية.

       مراهنات دولية وإقليمية كثيرة على الحرب في سوريا وصلت حتّى الآن إلى طريقٍ مسدود، كما هو أيضاً الخيار بالحلّ العسكري عند كلّ طرف. وستكون العقبة الكبرى أمام أي صيغة تسوية سياسية جادّة للأزمة السورية هي في جماعات التطرّف المسلّحة على المستوى الداخلي، وإسرائيل ومن لديها من عملاء أو حلفاء على المستويين الإقليمي والدولي. فلا مصلحة لهذين الطرفين في إنهاء الصراع الدموي في سوريا أو في التفاهمات الدولية مع طهران، وما قد تفرزه من نتائج سلبية على كلٍّ منهما.

لغتنا الجميلة بين الشعر والشعراء،والتمرد والتجديد/ كريم مرزة الأسدي

اللغة : 
اللغة هي أهم صلات الترابط واستمرارية التواصل ، ولا تعني اللغة بهذا المفهوم أنّها رباط مصلحي للتعبير عن حاجاتنا ومصالحنا فقط  ، بل هي كياننا ووجودنا ...حاضرنا العتيد وماضينا المجيد  ، وإن لكلّ مفردة إيحاءات تمتد الى عصور ٍ مختلفة  ،  وتشغل حيزاً في عقولنا تعجز عشرات الصفحات عن توضيح مدلولها وتفسير رمزها ...فكلمة (فرس ) لا تعني هذا الحيوان الماثل أمام أعيننا بأذنيه وعينيه وذيله وأقدامه الأربعة ...كلا ّوألف كلاّ فهو يشخص لنا عنفوان الفرسان  ، وسنابك الخيول  ،وقرقعة السلاح ...انتصارات الأمة وحروبها  ،  فتوحاتها وانتكاساتها ..وتترآى لنا من خلاله حارات دمشق وحواريها  ،  وأزقة بغداد وسقّائيها ..مواكب الخلفاء ، وقوافل الحجيج  ،  فروسية عنترة وإصرار طارق وفتح عمورية  ،  والسيف أصدق أنباء ً من الكتب ...!!
فحبّنا للغتنا الجميلة  ،  وعشقنا للذاذة شعرنا الرائع ليس بدافع العبث وقتل الفراغ  - حالنا كما هو حال الآخرين وحبّهم للغاتهم - بل تمنحنا اللغة عمر الأمة كلّه على أمتداد التاريخ ،  وتاريخ الأمم بكينونة ومض عمرنا الشخصي الضئيل العابر كلمح البصر ،  وبعبارة أدق : إنَّ اللغة أداة تكثيف الزمان والمكان وما يضمان  ،  فحقّ لها آن نشمخ بها .
وإنَّ الشعرّ منبعهُ عمودي :

الشعر والشاعر والحداثة :
ومن اللغة الشعر   بشكله ومضمونه  ،  لأنّ لا مضمون بدون تشكيل ... ولا تشكيل بدون لغة  ، ومن هنا يأتي التمايز بين لغة النثر ولغة الشعر ،  وتذهب دائرة المعارف الإنكليزية في تعريفها للشعر  ،  بأنه الطريقة الأخرى لاستعمال اللغة . 
 وشرعنا بكتابة الشعر العمودي لأنّه هو الأساس الذي يجب أنْ يُبنى عليه الشعر العربي  ،  وإلاّ سيكون الشعرهش البناء ، عديم الذوق والطعم ، لا يمتّ ُبصلةٍ إلى الأصالة والنفس القومي الموروث عن تراث الأمّة ووجدانها ،  ويفتقد الشاعر لأهم المقومات الأساسية للموهبة الشعرية الصادقة ،   ويبقى نتاجه مجرد إرهاصات نثرية عقيمة لا تقوم لها قائمة  ،  سيبتلعها الزمن مع عصرها . ولا أعني بطبيعة الحال الشعر الحر الموزون ( شعر التفعيلة ) الذي جُدّد على أيدي الروّاد  ، فالشعر ليس بمفرداته ومضمونه ومعناه وصوره فقط ،  بل بموسيقاه وانسيابه وأشجانه وألحانه ، تقرأه بنغماته الشجيه الصادرة من أعماق قلوبٍ متأججة شاعرة لتطرب إليه ،  وتتغنى به  ، فهو ليس مجموعة لحبات ٍمن العنب متكتلة متراكمة بترتيبٍ معين  ، وتنظيم دقيق لتمنحك صوراً جميلة  ،  وتشكيلاتٍ بديعة لمعان ٍعميقة على أحسن الأحوال ... وإنما هو تحول نوعي تام من حالٍ الى حال  ،  ليصبح في صيرورة جديدة ... كأس مُدامةٍ وكرعة راح ٍ " وإنَ في الخمر معنى ليس في العنب ِ" .
يقول أبو العباس الناشىء الأكبر عن شعره :
يتحيرُ الشعراءُ إنْ سمعوا بهِ ***في حُسن ِ صنعتهِ وفي تأليفــهِ
شجرٌ بدا للعين ِحُســـنُ نباتهِ ***ونأى عن الأيدي جنى مقطوفهِ
وللشعر ركنان أساسيان لابدَّ منهما في كلّ شعر ٍ ،  وهما النظم الجيد ونعني به الشكل والوزن أولاً (ويخضع كما هو معلوم لعلوم النحو والصرف والبلاغة والعروض )  ،  ثم المحتوى الجميل أو المضمون الذي ينفذ إلى أعماق وجدانك  ،  وتنتشي به نفسك دون أن تعرف سره  ، وتفقه كنهه ، فهو الشعاع الغامض المنبعث من النفس الشاعرة .
الشاعر:
وتسأل عن الناس ، فالناس أجناس ، فمنهم  - كما تصنف نازك الملائكة بما معناه وكما هو معروف - مَنْ يتذوق الشعر ولا يستطيع أنْ يدرك الموزون من المختل  ، وينطبق هذا على أكثر الناس ،  ومن الأقلية مَنْ تجده يستطيع أن ينظم الشعر بشكل ٍمتقن ٍ ،  ولكن لا تحسُّ بشعره نبض الحياة ونشوة الإبداع  ، وهذا هو الناظم  ،  أمّا الشاعر فهو الذي يجيد النظم إجادة تامة  ،  وتتأجج جذوته ليحترق ، ويمنحك سرّ الإبداع  ، ولذاذة الشعر  ،  تتحسّس بجماله ، ولا تدرك أسراره - كما أسلفنا - والشاعر الحساس يرتكز لحظة إبداعه الإلهامية على مظاهر التأثيرات الوراثية التي تسمى بعلم النفس ( الهو ) ، وما يختزنه في وعيه واللاوعي من معلومات وتجارب وعقد , ولك أن تقول ما في عقليه الباطن والظاهر  (الأنا العليا )  ،  ومن البديهي أن ثقافة المبدع بكل أبعادها الإيحائية واللغوية والمعرفية والسلوكية والفلسفية والتجريبية - والعلمية الى حد ما - تؤثر على القصيدة أو النص  الأدبي .
ومِنْ الشعراء المتميزين مَنْ يتمرد على التراث الشعري  وهؤلاء من  عباقرته الذين يمتلكون حقّ التجديد و التحديث  ،  ومن الناس من يرفض القديم بحجة المعاصرة والتقليد  ،  وهؤلاء يلجون عالم الشعر  ،  وهم ليسوا بأهل ٍله  ، لأن ّ ما لا يكون لا يمكن أن يكون !  فالقدرة على الصياغة النغمية تكمن مع صيرورتها - وبدرجات مختلفة - الانفعال الشديد  ،  والإحساس المرهف  ، والخيال الخصب ، والإلهام الفطري  ،  وهذه بذور الإبداع متكاملة مندمجة بماهية واحدة  ،  وبدونها لا تنبت النبتة الصالحة لتعطي ثمارها و أُكلها .
 فذلكة الأقوال نقول : نعم للتشكيل اللغوي المحكم  ،  والتصوير الفني البديع  ، والتنظيم الواعي الدقيق دور كبير في بناء القصيدة  ،  ولكنه دور مكمل يحتاج الى قدرات عقلية كبيرة  ، وثقافة موسوعية عالية  ورفيعة  ( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ُ )  ، ولكن - مرّة أخرى - الأعتماد على العقل وحده دون  الغريزة الفنية و القدرة الموروثة إصالة أو طفرة (1) ، لتتفاعل هذه كلـّها حيوياً لحظة الإبداع وصناعة القصيدة ، وبكلمة أدق ولادتها ( وخلها حرّة تأتي بما تلدُ )  ،  كما يقول الجواهري . لهذا  يبدو لي  أن (نور ثروب فراي) لا يميل إلى قول العرب قديما ( جرير يغرف من بحر ، والفرزدق ينحت بالصخر)  ، ويذهب الى ما ذهب اليه الجواهري   ،  فكلّ عباقرة الشعر يغرفون من بحر وتولد القصائد عندهم ولادة , ثم يجرون بعض التعديلات اللازمة عليها  ،  فمن المفيد أن أنقل إليك - أيّها القارىء الكريم -  هذه الفقرة من كتابه ( الماهية والخرافة ) ( 2 ) " القصائد كالشعراء , تولد ولا تصنع , ومهمة الشاعر هي أن يجعلها تولد وهي أقرب ما يكون إلى السلامة ،  وإّذا كانت القصيدة حية فأنها تكون تواقة مثله الى التخلص منه وتصرخ ملء صوتها بغية التحرر من ذكرياته الخاصة  ،  تداعياته ،  رغبته في التعبير عن الذات وكلك تتخلص من حبال سرته وأنابيب التغذية المتعلقة بذاته جميعا .
يتولى الناقد العمل حيث يتوقف الشاعر  ،  ولا يستطيع النقد العمل دون نوع من علم النقس الأدبي الذي يربط الشاعر بالقصيدة . وقد يكون جزءا من ذلك العلم دراسة نفسية الشاعر مع أن هذه الدراسة مفيدة بشكل رئيسي في تحليل الاخفاقات في تعبيره  ..." وأنا مع الناقد نور ثروب في هذا التحليل .   
 وأشرت الى ذلك في هذه المقالة الموجزة من قبل  ، فالعقل وحده دون الغريزة الفنية  لا يمكن أن يوّلد شاعرا كبيرا  ،  ولا عبقرياً عظيماً في مجال الشعر ،  بل والفنون   ،   والحديث شجون ، ولله في خلقه شؤون ! 
التمرد والتجديد قديماً :
وذكرت التمرد...وذكرت الرفض ، وانا بطبيعة الحال مع تمرد عباقرة الشعر ،  لأنّ التمرد ولود وهو ثورة في عالم الشعر , ولستُ مع الرفض لأنّ الرفض عقيم عاجز لا ينفذ الى طريق ٍ مفتوح .
وأول من تمرد على بحور الخليل - حسب علمي -هو أبو العتاهية  ،  لقد سُئل " هل تعرف العروض ؟" ،  فأجاب : " انا أكبر من العروض " (3 )  ،  وجاء بوزن ٍشعري لم يكن معروفاً من قبل  ، وذلك عندما قال يهجو أحد القضاة :
همّ ُ القاضي بيتٌ يطرب ْ ***قال القاضي لما عوتبْ
ما في الدنيا الاّمذنــــــبْ  **هذا عذر القاضي وأقلبْ
وسمّي هذا الوزن من بعد ( دق الناقوس ) (4)  ،  و الحقيقة أن الفراهيدي نفسه فاته هذا البحر ،  واستدركه من بعده تلميذه الأخفش  ،  وسمّاه  ( المتدارك)  (فعلن فعلن فعلن فعلن )  ،  و (فعلن ) هو زحاف طرأ على ( فاعلن ) كما هو معرؤف .
وإنّ عبد الله بن هارون السّميدع  ، وهو تلميذ الفراهيدي أيضا " كان يقول أوزاناً من العروض غريبه في شعره  ،  ثم أخذ ذلك عنه  ، ونحا نحوه فيه رزين العروضي ،  فأتى فيه ببدائع جمّة " ،  كما يقول الأصفهاني صاحب الأغاني  ، وهي أوزان مهملة لم تشع على ألسنة العباسيين  ،  فأوجدها المولدون عقبى امتزاج الحضارات ثم انقرضت   , كعكس تفعيلات (الطويل)  مثلاً الذي يسمى بـ ( المستطيل )  ، فتفعيلات الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ) مرتين  ،  كقول امرىء القيس :
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل ِ***بسقطِ اللوى بين الدخول فحومل ِ
أمّا المستطيل فتفعيلاته ( مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن ) مرتين ،  كقول القائل :
لقدْ هاجَ اشتياقي غرير ُ الطرف أحورْ ** أُدِيرَالصدغ ُمنه على مسكٍ وعنبرْ
وهكذا تفعيلات ( الممتدّ ) عكس (المديد)  ، وأجزاء ( المتئد) مقلوب ( المجتث)  ،  و(المتوافر ) محرّف ( الرمل ) , وللمضارع (مفاعيلن فاعلاتن) مرتين مثل :
ألا منْ يبيعُ نوماً ***لمنْ قط ُّ لاينامُ (5)
 أقول للمضارع مقلوبان وهما ( المنسرد) وتفعيلاته (مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن ) مرتين , و (المُطرد ) وتفعيلاته (فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن ) مرتين ، وإليك من الأخير : 
ما على مستهام ٍ ريع بالصدِّ  *** فاشتكى ثمّ أبكاني من الوجدِ
والله المستعان , لما في الوجدان .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)هنالك  دراسات وبحوث تشير الى أن بعض خصائص العبقرية ومظاهرها تنتقل وراثيا من الأباء الى الأبناء خصوصا على مستوى الفنون ومنها الشعر ،  وخصوصا إذا صقلت فيما بعد ،  ولكن ربما تحدث طفرة وراثية في الطور الاستوائي للانقسام الاختزالي في المراحل الجنينية للفرد  ،  تؤدي في أحيان نادرة إلى صالحه  ،  وتؤدي إلى عبقريته . 
(2) ( الماهية و الخرافة   دراسات في الميثولوجيا الشعرية ) ترجمة هيفاء هاشم / دمشق1992 ص 19 
(3) لقد نظم أبو العتاهية على أوزان لا توافق ما استنبطه الخليل , ويقال إنّه جلس يوماً عند قصّار،  فسمع صوت المدق , فحكى وزنه في شعره قائلا :
للمنون ِ دائرا *** تٌ يُدرنَ صرفها
فتراها تنتقينا *** واحداً   فواحـــدا
فلمّا أنتقد في هذا قال : أنا أكبر من العروض ....وهذه رواية أخرى .
(4) يسمي بعضهم (المتدارك ) الخبب  أو ( ركض الخيل ) ، لأنّه يحاكي وقع حافر الفرس ، أويحاكي (دق الناقوس) , يذكر السيد أحمد الهاشمي في (ميزان الذهب )/ طبعة دار الكتب العلمية / بيروت 1990م ص97 مايلي :" وليس أدل ّعلى تعليل ذلك إلا ّقول سيدنا علي في تأويل "دقّة  الناقوس" حين مرّبراهب وهو يضربه فقال لجابر بن عبد الله أتدري ما يقول هذا الناقوس ؟فقال الله ورسوله أعلم قال : هو يقول : 
حقاً حقاً حقّاً حقّاً  ****  صدقاً صدقاً صدقاً صدقاً  
....."   ينقل المؤلف أربعة أبيات  ،  كلها من البحر المتدارك (دق الناقوس )  ،  ولم يذكر الهاشمي  أي سند أو مصدر للرواية  ،  فأن ْ صدقت الرواية فهذا يعني ان البحر كان معروفاً منذ عهد الامام علي(ع)(ت 40 هجرية ) , على حين الفراهيدي (ت 174هجرية) , بينما تلميذه الأخفش الأوسط الذي استدركه عليه (ت 211هجرية ) ، وأنا لم أتحقق من صحة الرواية  ،   ولكن على أغلب الظن الفراهيدي يعرفه وأهمله .     
   (5) كما لا يخفى جاءت التفعيلة الأولى لكل من الصدر والعجز ( مفاعيل ) ،  وهي من جوازات (مفاعيلن ) للبحر المضارع .

عند النبي/ محمد محمد علي جنيدي


نورك يا حضرة النبي
بلقى الرضا وفرحي معاه
وانا بالصلاة على النبي
تصفى وتحلو الحياة
من بعد ما صليت عليه
لقتني واقف بين إيديه
والسعد وعد وقسمته
عند النبي وبس نلاقيه
يللي انت مشتاق للنبي
صل وقوم سلم عليه
يا أكرم الخلق قريب
كل اللي من نورك دنا
انت الرجا وانت الحبيب
وبين إيديك كل الهنا
من بعد ما صليت عليه
لقتني واقف بين إيديه
والسعد وعد وقسمته
عند النبي وبس نلاقيه
يللي انت مشتاق للنبي
صل وقوم سلم عليه
نورك دوا واللي اهتدى
شاف فيه محبه وفيه سلام
نورك ملا كاس الهنا
يروى العطاشى للسلام
من بعد ما صليت عليه
لقتني واقف بين إيديه
والسعد وعد وقسمته
عند النبي وبس نلاقيه
يللي انت مشتاق للنبي
صل وقوم سلم عليه
يا رب طه اوهب لنا
نظره وأنسك بات قريب
حقق رجانا وحلمنا
وصل علغالي الحبيب
من بعد ما صليت عليه
لقتني واقف بين إيديه
والسعد وعد وقسمته
عند النبي وبس نلاقيه
يللي انت مشتاق للنبي
صل وقوم سلم عليه
– مصر
m_mohamed_genedy@yahoo.com

التذويت والانتفاضة الصامتة في المجموعة القصصية "كما لو أن ... للقاصة الجزائرية فاطمة غولي/ أبو يونس معروفي عمر الطيب

تقول الكاتبة السعودية د.نورة خالد السعد صاحبة رسالة دكتوراه بعنوان "التغير الاجتماعي في فكر مالك بن نبي"في مقال لها:«ما نقوم نحن الكاتبات به من دور تثقيفي مجتمعي أسهم ويسهم في زيادة مساحة الوعي في المجتمع.. وجميعنا إن لم أكن مبالغة يهمه جداً معرفة ردود الفعل لمن يقرأ ما نكتبه. وأنا واحدة من هؤلاء. بالطبع يسعدني أن يكون تجاوباً إيجابياً ولكن لا يزعجني أن أقرأ العكس فلكل قارئ حرية التقبل أو الاعتراض.. يهمني جداً مستوى الحوار المطروح ورقى العبارة المكتوبة وموضوعية الاعتراض فالكتابة هي صورة الكاتب!ومن صدى هذه الزاوية ما ألمسه من تجاوب عدد من المسؤولين والمثقفين وعدد كريم من القراء والقارئات الذين تصلني ملاحظاتهم وأيضاً انتقادات بعضهم."
وما من شك أن الكاتبة الجزائرية فاطمة غولي يهمها ككثير من الكتاب أن تجد ذلك التجاوب الذي يمكنها من قراءة نفسها بعيون الآخرين/الرجال...فإليها والى كل مبدعة لم تحمل القلم إلا من اجل الإبداع والإبداع وفقط..أقدم هذه القراءة المتواضعة.
 أبو يونس الطيب
التصنيف السردي أنثوي/ رجالي
لعل المتتبع لعديد القراءات النقدية والمقاولات والتحليلات الخاصة بالسرد النسائي في العالم العربي يجد نفسه بين عدة أراء يمكن بلورتها في رأيين اثنين ، فالري الأول وهو القائل أن هناك أدب نسائي و ضمنيا هناك  بالمقابل أدب رجالي  ونجد الراي الثاني القائل أن هناك أدب إنساني محض والمرأة هي شريك فاعل في عملية البناء والإبداع ويعتمد أصحاب الرأي الأول على عملية تحليل الخطاب سواء تعلق الأمر بعملية استنساخ  المتن الحكائي أو المبنى الحكائيي "القصة والخطاب " مع التركيز على الجانب الاجتماعي والنفسي الذي تولد فيه النص حيث يؤكدون على تجسد هاجس إثبات الذات الأنثوية الذي يرونه  من خلال اعتماد السرد النسوي على الاستبطان وتعمد إظهار الأنا كفاعل له فعل ورؤية كردة فعل وتصد ضد التهميش والانتقاص الذي تعانيه المرأة الإنسانة في العالم أجمع والعالم على الخصوص وفي هذا تقر الكاتبة هيلينسيكسوHelen Cixousبوجود "كتابات تحمـل بصـمات الأنوثة، اذ تصف النص النسائي بأنه نص لا ينتهي، نص يبدأ من كل النواحي في آن واحد، وتقترب لغته من لغة اللاشعور وتؤكد أنه لا ينبغي الخلط بين جنس الكاتب وجـنس النص. وفي مقامٍ آخر،" 
ويؤيد الطرف الآخر رأيه بالقول أن الأدب مثله مثل العلوم الأخرى ومثلما يتم الاعتراف بإبداع المرأة في المجالات العلمية الأخرى دون تمييز فانه لا يمكن إلا الكيل بنفس المكيال في مجال الإبداع الأدبي ويرون أن الفارق الذي يعتمد عليه أصحاب الراي الأول فيما يخص نمط الكتابة والرؤية والتحليل مردة ليس إلى كونه جنسي الهوية وإنما اختلافه مثل اختلاف كاتب صحفي وكاتب فيلسوف وما التصنيف والقول بان هناك أدب نسائي إلا من اجل إظهار المرأة كأديبة في الوطن العربي وفي هذا تقول توريلموي Toril Moi أنجوليا كريستيفاJulia Kristiva لا تتبنى أي نظريـة عـن التأنيث في اللغة، ولا عن الأنثوية فهي لم تصرح بوجود لغة خاصة بالمرأة الكاتبة  ... 
والحقيقة أن أصحاب الراي الثاني القائلين بعدم وجود جنسين من الأدب لم يعتمدوا على أداة تحليل الخطاب باعتباره ضرورة ملحة تمكن من دراسة وتفكيك الخطابات وصولا إلى اللغة كألفاظ في سياقها الداخلي والخارجي باعتبارها لصيقة أو وليدة العامل النفسي  المتأثر بظروف محيطه وما الكاتب إلا أداة وصل في دائرة خطابه فهم لم يعتمدوا على التحليل وإنما تخندقوا عن تعاطف اتجاه فئة نسائية ترى في تمييز أدب الأنثى تسلط ذكوري من نوع آخر وتمييز عنصري وفي الحقيقة هذه النظرة لا تخرج عن كونها ردة فعل لا واعية لا شك تسلكها المرأة برغبة الذات الأنثوية للتمظهر كرؤية فاعلة وليس مجرد ردة فعل .
إن تصنيف الجنس "الأنثى والذكر " في خانة المهن والقول بان اختلاف الأدب النسائي مع الأدب الرجالي مثله مثل اختلاف أدب الأديب الطبيب والأديب الرياضي والأديب الفيلسوف  هو تجنعلى الاختلاف البيولوجي الذي تتميز به المرأة تميزا من شأنه أن يضيف لشخصيتها قيما ترفع من مكانتها الاجتماعية  وتضعها موضع النصف الآخر للآخر /الرجل وهذا الاختلاف لا يمكن أن نصنفه تصنيف التناقص كما في تعريفات الجرجاني الذي يراه تقابل صفتين مختلفتين كل الاختلاف تتعاقبان على موضوع واحد ولا تجتمعان   فهما ليس ضدان ولا نقيضين وإنما اختلافهما اختلاف تكاملي  وفي هذا يقول الكاتب والناقد والمترجم المغربي محمد برادة "القصّة العربية،مجلّة آفاق العدد 12/10/1983 ص 135”يلتقي الرجل الكاتب والمرأة الكاتبة في اللغة التعبيرية واللغة الإيديولوجية،لكن هناك اللغة المرتبطة بالذات(ببعدها المثولوجي) من هذه الناحية يحق لي أن أفتقد لغة نسائية،فأنا من هذه الزاوية لا أستطيع أن أكتب بدل المرأة. لا أستطيع أن أكتب عن أشياء لا أعيشها. التمايز موجود على مستوى التميّز الوجودي. 
إذا فالاختلاف المثولوجي والفسيولوجي من شأنه ان يؤثر سلبا أو ايجابيا على نفسية المرأة مثلها مثل الرجل وله أيضا تأثيره المباشر على كل أوجه التعامل فيما بينهما فالأمومة عند المرأة تقابلها الأبوة ولكن تختلف هاتين الصفتين فيما بينها اختلاف جذري لا يمكن إجراء مقارنة بينهما  ....ولكن هذه التأثر أخذا وعطاء له انعكاسات تختلف في تأثيرها اختلافا جذريا بين الذكر والأنثى وتنعكس بالتالي على النشاط الذهني من تفكير ووجدان وإرادة وعاطفة وفي هذا يقول ديكارت ما أنا على التدقيق إلا شيء مفكر أي ذهن أو روح أو فكر أو عقل.. أي شيء يشك ويفهم ويتصور ويثبت وينفي ويريد ولا يريد ويتخيل ويحس أيضا  ومن ثمة فان هذا كله هو مصدر كل إرادة وحيث لا إرادة لا استطاعة كما ذهب ديكارت، ولا يخفى على احد تلك الفوارق الاجتماعية الكبيرة في مجتمعنا العربي التي تحد من حرية الإرادة لدى المرأة وتضعها في بوتقة الاتهام ما من شك ان لها تأثيرها على النفس فتتولد لديها ديمومة دفاعية حذرة وهو ما يظهر على شكل تذويت يطغى في كل علاقاتها مع الأخر /الرجل وبالتالي نجد أثره في سردياتها ككاتبة.
وهذا لا يمنع من القوال بأن أصحاب الراي الثاني قد يؤولون نظرية التمييز بين الأدب النسائي والرجالي إلى كونها مجرد ردة فعل نتجت عن عدم تكيف "الآخر الرجل " اجتماعيا في ظل التغيرات التي يشهدها العالم العربي مع الوضعية الجديدة التي باتت المرأة تحتلها في المجتمع.
وبمكن القول انه في ظل هيمنه الأدب الرجالي على الساحة الثقافية العربية باعتبار الرجل هو أول من مارس اللغة متكلما ومؤسسا لقواعدها وكتحصيل حاصل محتكرا ومروضا إياها لخدمته مستغلا المرأة فيها كعنصر محسن، فان المرأة الأديبة ما من شك صنعت من الكلمة سلاحا «لتقاوم الرجل، فحولته إلى مستمع، وأدخلته في لعبة المجاز وشبكته في نص مفتوح، تقوم الحبكة فيه على الانتشار والتداخل والتبدل والتنوع. وتاه الرجل في هذا السحر الجديد» . 
السرد القصير والحبكة النسائية 
وتتضح هذه الحبكة النسائية  بصورة عميقة  في القصة القصيرة التي يمكن أن تعالج الحياة التي تبقى سراً "  كما  أوضح فرانك أوكونور فهي كسرد قصير تتلاءم واستطراد المواقف الفردية في مواجهة كل أنماط التسلط وهي عند فاليري شو: "انسجام بين المتناقضات، تفاعل بين التوترات والمقولات المتعاكسة"    وباعتبار أن المرأة شخصية خارجة عن القانون الذكوري فان القصة القصيرة تعتبر ذلك المسرح المفتوح لاحتضانها وفي هذا يضيف وفرانك أوكونور: "يوجد في القصة القصيرة دائماً ذلك الإحساس بالشخصيات الخارجة على القانون التي تهيم على حواف المجتمع". 
ومن هذا المنطلق نجد  أن المجموعة القصصية  "كما لو أن ..." للقاصة الجزائرية فاطمة عولي تقوم على ركائز وعناصر تتسم بتماهي الذات الكاتبة بالذات الساردة لتتجلى الهوية الأنثوية المنتفضة بضمير السارد "أنا "المتخفي تارة خلف المستتر "هي" المتقدة على ورق في صمت بحثا عن الذات الفاعلة التي ترى فيها طمأنينة النفس وابتعادا عن القهر والخوف والانتفاضة وهذا لا يعني" أن المرأة "الساردة " دخلت في صراع مع الآخر/الرجل من أجل إلغاء موقعه، أو تستثمر منطق الثقافة السائدة في أسلوب التهميش والتغييب، وإنما بهدف الدعوة إلى إعادة النظر في اللاتوازن الإنساني"  
التحول من المفعول به إلى الفاعل

 في المحكي الذاتي تطرح فاطمة غولي هواجس المرأة كانسان مقهور من الداخل يتجلى ذلك بداية من خلال اختيارها صورة الغلاف حيث غلب اللون البني الداكن المائل للصفرة على عموم اللوحة التشكيلية وفي ضبابية تظهر ملامح امرأة مكدودة العينين تبدو على محياها الحيرة وقد أحاط بها السواد كأني بالعتمة تأكل جسدها في إيحاء بالمعاناة والإحساس بالقهر، يعلو الصورة العنوان : "كما لو أن ... الذي يجمع بين تحفيز القارئ على الاجتهاد لملء الفراغ الظاهر في العنوان على شكل ثلاث نقاط ... من جهة ومن جهة أخرى فان له تفسير نفسي مرده إلى شعور ضعيف لدى الساردة لا يدرك إلا إدراكا غامضا ينفلت تواترا مع الاستمرار في عملية الاستبطان الوجداني والبوح الذاتي الذي يحاول الابتعاد عن المفعول به .. عنوان طُرح على سبيل التمني "لو" حرف تمنّ تضمّن معنى الشرط (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد على وجود فعل يريده التمني ، فنجدها تبوح على سبيل التمني كأننا بها تريد القول بنبرة الآسف""آه لو أن الذي بحُت به حدث قولا وفعلا  "وتعني بذلك  مقاومتها  الشرسة وتصديها " للأخر/الرجل" .وإفراغ غضبها في وجهه دفعة واحدة للتخلص من القوامة المهيمنة .ومن أعراف مجتمعية تراها قيودا ليس بشكل مطلق لا محدود ولكننا نلمس مع هذا أنها لا تعمني الخروج خارج قيم مجتمعها السامية المستمد من الدين الإسلامي،  وكتناص نجد أحلام مستغانمي تقول هي الأخرى على سبيل التمني في روايتها " الأسود يليق بكِ ": "ارقص كما لو أن.. لا أحد يراك ،  غَنِّ كما لو... أنّ لا أحد يسمعك ،أحبَّ كما لو أن ... لا أحد سبق أن جرحك "  وهنا نجذ أحلام الأنثى التي تملأ الفراغ وتبوح غاية لتمنى وتعبر صراحة عن الذات الأنثوية ومكامن القهر فيها حين تعلن صراحة جرحها الذي تسبب فيه الآخر/الرجل.
وفي تخطينا للعنوان إلى الإهداء يزداد التأويل رسوخا عندما نجده مختصرا مركزا في قولها:" إلى مرايا الروح في تشظيها" فالروح كما تُعرف بوجه عام على أنها مبدأ الحياة وفلسفيا هي الحقيقة المفكرة والذات التي تتصور الأشياء وما انكسارها وتشظيها إلا دلالة على وقوع ضرر عليها سيميائيا التشظي هو نتاج التحطيم الذي هو في غالبيته عند المرأة مخلفات معركة مع "الأخر الرجل" .تندرج ضمن كفاحها ضد فئة قوية مهيمنة أزليا " الثقافة المسيطرة"
سيمات الطبيعة البيولوجية والنمط السردي
قبل التوغل في النص الأول تضع الكاتبة عبارة كتوطئة أولى غاية في الأهمية من الجانب النقدي فهي تعزز بشكل واضح مبدأ إظهار الطبيعة البيولوجية للكاتبة في هذه المجموعة القصصية بل نجدها تتحدث منذ البداية دون مراوغة كذات أنثوية لإدراكها أن ما هي عليه هو حقيقة طبيعية ومن ثمة تبدي تلك المقاومة لسطوة الآخر/الرجل حيث تقول: «كما لو أنك كنت في مهمة وحيدة هي اغتيالي .. أكثير حين غدا العمر بحجم حنيني، فتعالى لحظة انفجار صدقي في وجه حقيقتك" ..هو انفجار الأنا " الضحية " لا شك في وجه الآخر /الرجل خلافا للصمت الذي أحاطت بها نفسها ومارسته قبل الانفجار " الشرنقة "  "الصمت "  اتقاءً لعملية الاغتيال التي تهدد كينونتها. وترى أن الحقيقة التي يزعم الآخر / الرجل امتلاكها هي مجرد واقع حال في انتظار لحظة انفجار صدقها.
هواجس امرأة والمحكى الذاتي 
أمام هذا الإصرار  على التحدي تبدو المغامرة ماتعة تحث القارئ على التوغل في "هواجس امرأة" تفضي بمكنونات الذات حيث يحظى الأخر/الرجل بالمكانة التي يطمح إليها كمحور تدور من حوله الأشياء وهو إقرار من الذات الراوية بحتمية وجوده  فلابد من وجود ثنائية "أنا والآخر" في العملية الحكائية سواء أكان السارد ذكرا أو أنثى ولكن لابد من وجود الآخر/الرجل الذي يصنع القهر الذكوري  في شكلية المعنوي او المادي ونجد ان توظيف ذلك في المتن الحكائي هو نوع آخر من الاستغلال يوازيه توظيف المرأة في المحكى الروائي باعتبارها " صورة أكثر رهافة وحساسية وأشد وضوحًا في تعبيرها عن الواقع من صورة الرجل... »( ). 
وهكذا نجد الكاتبة تعطيه المكانة المجتمعية فتقول "كنت في نظري رجلا في أعلى درجات السلم "ص11 ومن ثمة تقول بلغة فيها من المرارة ما فيها: " لم اعد أجد مساحة بذاك الاتساع …وأتعبني الصمت البارد  ..بعد تعب الحديث المميز بحضرتك .. " هو الجهر بمحاكمته ووصفه باللامبالاة التي تخفي التنصل من المسؤولية الطبيعية التي يتمتع بها في بيئته من خلال استبطان الوجدان "المحكي الذاتي" في حالة من الوعي والإدراك على شكل مونولوج حيث نجد فاطمة غولي هنا ترتكز على هذه التقنية النصية في عملية السرد فهي تمثل "الراوية والمروية" حيث تقول: «كم كنتَ رجلا وكم كنتُ طفلة..  كم كنتَ مخدرا بنشوة الأحلام ..وكم كنتُ مجرد مشاكسة لعالم ابتلع اليوم كل .. أحلامي "ص11 تتحدث بلغة الماضي حين كانت في حالة من اللاوعي "طفلة " لتعلن من خلال الحاضر كنص غائب عن انتفاضتها الواعية.
الذات "أنا "والذات "هي" 
لم تكتف الكاتبة بالخطاب المباشر من خلال تذويت السرد بل تخطته إلى استعمال ضمير الغائب المؤنث في قصة " الشرنقة " ولكن ظل التذويت ظاهرا من خلال استمرارها في الثورة  على الآخر/الرجل وعلى الذات  وتكشف عن حالة اللاوعي مرة أخرى من داخل "الشرنقة"  حين كانت تراه غامضا يلفه الضباب وكانت " مجرد نقطة ثابتة بلهاء في محيط يعج بالحركة " ص17  وفي حالة من الوعي تتخذ قرار الاختفاء لتعلن مرة أخرى انتفاضتها الصامتة تظل محاورة الآخر/الرجل هي اللغة السائدة في "سكرات التحول" بل ونجد التذويت أكثر طغيانا ويظل الرجل بسلبيته مصدر العذاب والقهر ومحل الشكوى و يتجلى ذلك في هذه الفقرة "صمتك –سيدي- في الوقت الذي كنت أقف فيه قبالتك كجندي ألبسوه خطأ " ص24 هذه السلبية التي ألبستها الكاتبة للآخر/الرجل في اللاوعي من شأنها أن تعزز حضور الذات برؤية نسوية .
تعود فاطمة إلى الكتابة بلغة الغائب المؤنث لتعلن ان الشجن لا ينتهي مستبطنة الذات في جو صوفي تشوبه الرغبة في استحضار روح الآخر/الرجل الطاغي المنفعل الذي تراه هذه المرة غريبا لا يتقن الاستماع لمعاناتها، ولكن نجد "هي " أنثى مقهورة تعاني حالة اللاوعي تقول "لعلها الآن خارج ذاتها خارج سلطان إرادتها " ص29 وفي نفس الوقت تحاول تسليط الضوء على نفسها فترسم المعاناة والاحتجاج بحس أنثوي رهيف حيث تقول "منذ الكلمة الأولى تساءلت لماذا لم تكاتبه حتى هذا الوقت؟ استرسلت في الكتابة غير آبهة ...ص29 
في قصة ونشريس تدخل فاطمة لذاتها للحظات في المحكى السردي لتخرج منه في علاقتها بالمرجعية المحيطة بالنص فتحاول إنشاء أرضية ترتكز عليها وتصنع منها منظارا تطلق عبره رؤيتها للأشياء من حولها ومن ثمة تفكيرها لتترجم علاقة الذات بما حولها عن طريق الشخصية فنجدها صريحة كاشفة عن جوانب من شخصيتها " الكاتبة "  
السيرة الذاتية ومادية المكان 
كنوع من السرد الاطبوغرافيي "احتكاما إلى صلة الكاتب بالمكان الذي درج فيه ، هو أقرب ما يكون إلى نص يكتبه المكان بتقنياته وعلاماته الخاصة بوحي من الفاعل فيه؛ فالبنيـة فيه هرميـة، ماثلة في لغة النص وأسلوبه ، بشكل يلفت القارئ إلى مادية المكان"  الأمر الذي يتراءى منذ الانطلاقة من خلال ذكر اسم "ونشريش" معتمدة على المرجعية الواقعية في توظيفها للتنقيح التخيلي المسرود ، فتصور للقارئ بحسها الأنثوي مناطق ونشريس وتقاليد الأعراس دون أن تبدي رأيا أو انتقادا وتسترسل في استرجاع ذكريات الطفولة التي كانت فيها طفلة وكان الآخر/الرجل طفلا مجردا من التاج الذكوري الطاغي في معركة متساوية فتكون الغلبة لها "وعدوت خلفه مقسمة أن ألقنه درسا لن ينساه ... أخرجت قرن الفلفل مررت به على كامل وجهه "ض34 ولكنها سرعان ما تعود إلى خط التذويت فتتقوقع خارج الذات لاستنباط الذات  معتمدة بالكلية على المرجعية التخيلية فترسم حالة اللاوعي حين تقول "لقد طغى أخيرا على سمعي وصرت كائنا مفتوح العينين معطل الحواس الأخرى ولم أفق إلا بيد إحداهن " ض35 .
التشظي الزمني والسردي 
ونحن على عتبة القصة السادسة يتراءى لنا وكأننا بصدد قراءة فصل من رواية كاملة كانت ذكريات ونشريس بمثابة السيرة الذاتية الطفولية حيث التقطت عدسة الباثّة صورا واقعية عن نشأتها في منطقة ونشريس الريفية الجبلية أثناء وفيها رصدت لنا بعض مواقف المراهقة الطائشة.و الملاحظ في هذه القصص تزاوج الضميرين، المتكلم " أنا "والغائب "هي "الأمر الذي أعطى مساحة اكبر للسارد في الانفتاح في استقراءاته النفسية ، والملاحظ أيضا أن هذا الخط المزدوج الذي انتهجته الساردة صيغ من الناحية الفنية على وتيرة واحدة ظهر فيها التذويت بطريقة شاعرية اعتمدت على عمليات والاستبطان واستقراء الذاكرة في عالميها الواقعي والخيالي
لتتفجر هواجس الذات كمرحلة عمرية تنتشر داخل المتن الحكائي فتصنع عامل ربط بين قصص المجموعة كلها ويتماهى كسيرة ذاتية انفتحت على بداية مستقبل غامض وماذا بوسع الإحساس المرهف أن يفعل؟ ...، غير انتهاج الصمت كعنوان وكمحطات ومواقف و رورد أفعال وكثورة أمام هيمنة الآخر/المجتمع الذكوري فينعكس على النص في بناءه ليتسم في عموم بنيته بالتشظي والانشطار من حيث السرد ومن حيث الزمن فنجد أن قصة "الصمت "التي يظل فيها الآخر صامتا قاسيا غير مبال كأنها تتمة لقصة "شجن لا ينتهي "فتشكلان قصة واحدة ولكنها تعرضت للتشظي ونرى هنا تلاحم هاتين الفقرتين وكل واحدة تنتمي إلى نص: "وفي جو صوفي في استحضار روحه الغريبة كتبت إليه."ص 29. أمسكت القلم ودون صورته المبثوثة على الورق كتبت .. استمرت في الكتابة بنهم ...ص 45 ثم هنا في نهاية القصتين نجد ذلك التمازج اللغوي الذي يجعل منهما قصة واحدة كدلاله على الذات الواحدة المتشظية حيث نجد الفقرتين: «وطلبا لبعض الراحة تنهدت بحجم كل رغبات التسامح والصفح عنه ولكن هيهات .. بتثاقل سارت نحو السرير للمرة الألف استملت الروح لدوامة شجن لا ينتهي  ولكن من حيث التسلسل نجد أن قصة ونشريس ومشاهد الطفولة تفصل بينهما لتصنع التشظي الزمني كما سبق الإشارة إليه.

انتفاء الواقع وإدراك اللامحسوس "الرمزية "
أتساءل بضمير القارئ المتكلم إذا ما كانت الكاتبة قد رتبت قصصها بشكل يوحي باتصالها مع بعض من حيث النسق الزمني؟ فبعد تخطي "الصمت" الطلاق تسقط في "تلك الدائرة" وهي لا تعني بها إلا الفراغ والتيه والوحدة، الملل والرتابة في واقعها فنقف على هذه العبارات:" في سكون الليل يمتد...وشيء من الرحيل الأبدي،ص49 " استفزها الألم وهي تحاول انتفاءه واللجوء إلى عالم اللامحسوس بحثا عن السكن النفسي. تقفز فجأة إلى عالم الخوارق حين تتمثل تمثلت لها دوائر رسمتها بقلمها كأنها شيء فاغرا فاه حتى اتخذت شكل ادمي دبت فيه الحياة "ص50 لم يكن ذلك سوى هموم الماضي التي أخرجتها من دائرة الأيام .. كأنها تعني بالماضي تلك المعاناة المعبر عنها في سياق سرد مضامين القصص السابقة ،  ولكن بمعزل عن المجموعة فإننا نجد أن قصة " تلك الدائرة " في بنيانها موغلة في الرمزية المثيولوجية فنجد الساردة استجلت دواخل نفسها مما وراء عالم الحس الخفي، و تصنع من الهموم غولا مخيفا يتراءى لها من العدم في سكون الليل ، حتما ستُستثار نفس القارئ أمام هكذا موقف وسيجد مشقة في فك رموزها وهو يستقرأ تلك النظم الكلامية التي لا تؤدي من حيث السياق إلى دلالة واضحة ، وتلك هي طريقة الرمزيين الذين ينشدون من خلال الغموض استثارة نفس القارئ من خلال نقل الحالة النفسية التي عايشها الكاتب بالطريقة نفسها. فالرمزية في الأدب بكل أشكاله هو " الإشارة بكلمة تدل على محسوس، أو غير محسوس، إلى معنى غير محدد بدقة، ومختلف حسب خيال الأديب، وقد يتفاوت القراء في فهمه وإدراك مداه بمقدار ثقافتهم، ورهافة حسهم , فيتبين بعضهم جانباً منه وآخرون جانباً ثانياً, أو قد يبرز للعيان فيهتدي إليه المثقف بيسر". 
هل فقدت الراوية خيوط الحبكة ام أن المروى عنها هي التي ظلت السبيل، بالكاد أميز بينهما فهذه تدخل الطريق السريع بشكل مقلوب هروبا من البئر المهجورة في محاولة للنسيان  والأخرى تستهل قصتها "زوج في حقيبة" بالقول: أنا الآن أبدو امرأة عاجزة... احمل قلبا باردا .. وقلما بائسا وارمق ما حولي بسكون بليد ... أنا الآن بوجه آخر ... امرأة تغازل الحكمة حين تختار انزواءها بصمت حذر ..." ص69  هناك الاستمرارية  فالأولى  لجأت إلى الهروب طلبا للانزواء  والثانية انزوت مُحاولة النسيان ، وفي هذا النص ينتصب العنوان "كما لو أن" ...  أمام القارئ كتأويل آخر يضع التساؤل في بوتقة الصراع النفسي لمرحلة ما قبل اتخاذ القرار ،  هو تفسيرا آخر لاشك ينطلق من الصور الورائية التي ارتسمت في ذهن القارئ تواترا فيما سبق من قص حيث برودة الآخر/الرجل ولامبالاته وصمته والقسوة والمرارة التي عانت منها "أنا الأنثى " وأخيرا قرار الفراق  فنجدا عملية السرد الحكائي تنطلق من حالة الوعي"الواقع " وتهوي في اللاوعي "الشرود في عالم الخيال "وهو ما تم التعبير عنه بحالة الانعزال طلبا للحكمة ولا تجد الساردة أسلوبا ابغ تعبيرا للاتكاء عليه في تفسير واقعها النفسي الا أسلوب الإيحاء للتعبير بوعي عن حالة اللاوعي ، تستحضر أفكارها ومشاعرها اللحظية وتطرحها على شكل صور لا متلاصقة وأفكار متنافرة ، بل وخارجة عن كل منطق في بعض منها لترسم لوحات سريالية غامضة حيث نجد هذه العبارات "حملت معولا وأجهزت على آخر الأوثان ...ظللت انبش الأرض بأظافري ...لقد قتلته أمس ...لقد أعلنت  عن غياب رجل في ظروف غامضة " ولكن عند استقراء الإجمالي من خلال جمع هذه الصور ونحن نصبو لبلوغ البنية التبليغية في النص نجد لهذه الإيحاءات تفسيرها خارج الخطاب ، هو تيه ذاتي لاسترجاع صورة الرجل المثالي الذي كانت تعتقد يقينا انه مرآتها الأخيرة  و أن الحب ضرورة ملحة لا يمكن تجاوزها والعيش بدونها  ولكن هاهي تجد نفسها تحيا من غير ذلك كله ، وفي مرحلة التقوقع لا تجد من بد غير محاولة لملمته الآخر/الرجل في  صورته المثالية لتلفه بين أوراق الإشعار وتدسه في حقيبة فتتجلى أنانية الأنثى  ، مثلها مثل الصبية الصغيرة التي تحرض على وضع دميتها داخل صندوق ألعابها ولا يهنأ لها بال إلا وهي تغلق الصندوق بإحكام، ولكن حين تقول :" ظل القلب يراوح النبض بينه وبين الحقيبة ... مكنت لوجوده بوجودين .. وغيابين " هي حالة الوعي واللاوعي بين الذاكرة والواقع تصنع المخيلة عالمين متداخلين حقيقة الماضي بخيال الحاضر وحقيقة الحاضر بخيال الماضي في عملية بحث الروح الأنثى عن  الروح /الآخر 
أن ما يميز في هذه القصة "زوج في حقيبة " هو ذلك التوغل والشرود في الرمزية فتنحى كاتبتنا بذلك منحى الرمزيين ، وكان الإبداع حين اتخذت من الرمزية مطية  مكنتها من استعمال ألفاظ وتراكيب نسجت منها صورا تترجم العواطف  الأفكار زمن الحدوث  بأسلوب إيحائي وفي هذا يقول  تشادويك في كتابه الرمزية : "الرمزية فن التعبير عن الأفكار والعواطف ليس بوصفها مباشرة ولا بشرحها من خلال مقارنات صريحة ملموسة ، ولكن بالتلميح إلى ما يمكن أن تكون عليه صورة الواقع المناسب لهذه الأفكار والعواطف ، وذلك بإعادة خلقها في ذهن القارئ من خلال استخدام رموز غير مشروحة "  ورغم ذلك الشرود في عالم الخيال فان استعمال أسماء بعض الأمكنة " المؤسسة الصحفية ،الشريط المتيجي من شأنه أن يربط  تلك الصور كلها بواقع الواقع الذي مارست عليه عملية  استرجاع وما تلك الأخبار التي كانت تظهر كل مرة في النص على شكل منولوج يؤثر في الأحداث ويعير من مجراها  إلا نوع من التملص في السياق  سلكته الكاتبة لعرض الانتقال المفاجئ دون إحداث شرخ والوصول إلى تفاعل الشخصية " الأنا " مع واقعها المرير، كل ذلك صنعته بقلمها الذي تقول عنه "ظللت اكتب .. واكتب ... واكتب، ثم أقرا واستفيق ... وأمزق...  ثم لا شيء " ض71 "  "لا شيء.. ثم القول البحث عن أشياء صغيرة ومثيرة ... قد تبني الحياة من جديد "ص 75 هي حالة الوعي الذي نكتشف فيه شخصية الكاتبة غولي فاطمة حين تقول   "نشوة الكتابة يا رب لا تضاهيها نشوة "ص73.

الرؤية النسائية لأعمال العنف.
إن الفترة التاريخية المريرة "العشرية السوداء " أصفت على السرد الجزائري بعد انقضائها العنف المضموني كمرحلية .وهاهي فاطمة غولي تطل في قصتي "عبد النور " وما تبقى منهم "على تلك الحقبة التي اتسمت بالعنف والتقتيل لتصنع من عبد النور الدكاني الذي راح ضحية مجزرة رهيبة محورا لقصتها رصدت من خلاله الجو العام الذي ساد المجتمع في تلك المرحلة من عمر القاصة لتؤكد  اهتمام الذات  "أنا " بمواضيع أخرى كان لها تأثيرها السلبي على الذات "المرأة " باعتبارها الطرف الأكثر تضررا أما كانت أو أختا أو زوجة  وما تؤول إليه حالها في حال فقدان المعيل دون أن تغفل للحظة عن نقل الإحساس الآني الملاصق للحدث " صباح يوم أفقت على جرح ينزف بعمق يوما دريت له سببا  ولاح بريق اختلاج مفاجئ " ص53 وترصد لنا  الكاتبة ردود أفعال العامة من الناس التي تجدها سلبية ولكن لا تحاول إطلاقا التركيز على هذه السلبية أو انتقادها أو تصدر أحكام بشأنها حيث تقول النظرات غائرة والبلدة في ذهول " ص 53 .. فكرن في ترك البلدة " ص 54 ولكنها في إيحاء تصنع المقارنة ببن مواقف بيني البشر من عمليات القتل وبين ذلك الحيوان الأليف "فوكس" الذي اتسمت ردود أفعاله الحيوانية بالوفاء في مرحلة انتشر فيها بين بني البشر الغدر والتقتيل والنفاق حيث تصف ذلك بالقول " ظل الكلب فوكس يقف لعدد لا يحصى من المرات يدور .. يصدر عويلا على طريقته ثم يرحل في صمت "ص93.

تظل القصة "عبد النور" من حيث موقعها مجرد حدث لا يفتأ القارئ أن ينساه حين تترائي أمام عينيه " ورقة للنسيان " محطة أخرى تعود من خلالها الساردة إلى الذات والى الاستبطان الوجداني العميق فيطفوا حادث المرور بما أحدثه من اضرر جسمية ولكن هذا الحادث " المحكى "ظل حيث المضمون والبناء السردي مجرد  عناصر ارتكاز في حين تم  التركيز بشكل بارز على علاقة الذات بما حولها بالكثير من الدقة والتفصيل مع التركز على ذلك الصراع الداخلي في محاولة لنسيان البئر المهجورة بأعماق الذات وما حوته من هموم فنجدها تقفز بين الواقع والخيال بشكل فجائي يدعو إلى التأمل ليس من حيث السياق فقط ولكن من حيث النسق ، الفقرة :تحت الأشجار كانت جراحي هادئة وقلبي ساكنا مطمئنا والبئر المهجورة بأعماقي تناوشني وأنا لا اسمع " ص 65  حتما هذا التمازج بين الواقع والخيال من شأنه ان يُحيل القارئ في رمزيته إلى المعاناة التي صادفها  "هي و أنا " في مضامين  ما سبقها من القصص لتؤكد نظرية التشظي الذاتي "التذويت " على مدار المجموعة القصصية التي تنحى فيها الكاتبة منحى الاستمرارية في كإجراء للربط الإيحائي في عملية السرد كلها .

الخاتمة 
كاستقراء للمنحى السردي والحكائي الذي تواتر كخط سير في العمليتين يمكن ان نستشف خارطة كان منطلقها العلاقة بالآخر/الرجل التي اتسمت في بدايتها بالعاطفية مع غموض في الجانب الآخر/الرجل لتعمد ربما في عدم الكشف عنها ، ثم تجلت السلبية في صورة القسوة واللامبالاة والعنف كدرجة أخيرة قابلها"أنا" الأنثى بالصمت ومحاولة التكيف مع واقع حال مفروض ثم مرحلة اتخاذ القرار وظل الآخر/ الرجل مغلفا بالسلبية وكمرحلة متوقعة تأتي مرحلة اتخاذ القرار ومن ثمة ا الفرار والانزواء في حالة اللاوعي "مرحلة النسيان" ثم مرحلة التقييم وهي مرحلة الوعي " الكتابة والتذويت " يمكن أن يكون هذا المنحى الأدبي هو المنحى الواقعي ذاته الذي انتهجته المرأة في تعاملها مع واقعها الاجتماعي .
ترى الناقدة اللبنانية يمن  العيد   أن أدب المرأة ،يتميز بخصوصية ما، وإن بدت خصوصية غير طبيعية أو ثابتة، بل هي ظاهرة تجد أساسها في الواقع الاجتماعي التاريخي الذي عاشته المرأة"   ونجد أن الواقع الاجتماعي التاريخي للمنطقة التي عاشت بها الكاتبة الجزائرية  فاطمة عولي أضفى على كتاباتها خصوصية البوح و التذويت وتفكيك الذاكرة ٬والبقاء داخل قوقعة الذات حتى في تعاملها مع العالم المحيط بها .. وذلك باعتبار أن المجموعة القصصية كما لو أن.. هي التجربة الأولى لها وتجلى كل ذلك من خلال انصهار الذات وانسيابها في المحكى السردي باعتباره العنصر المحوري " أنا " و "هي" والذي أضفى على السرد تقنية التذويت النصية كنوع جديد في السرد الذي تبنته كثير من الكاتبات في العالم العربي والذي عبرته عنه الناقدة يمنى العيد بالخصوصية.
إن علاقة الكاتبة بالسرد في هذه المجموعة القصصية ظهرت كدلالة تضمُّنٍ بالسيرة الذاتية على صعيد السياق اللفظي فكان المحكى في غالبه بضمير المتكلم "أنا "ونجد بعضا من اللجوء إلى ضمير الغائب "هي " تحقيقا لمنحى الانفصام عن الذات طلبا لجمالية البناء الفني أو اقتناعا منها لضرورة نصية وصفية تكون أكثر عمقا لتوصيل الرسالة في أحسن ما تكون ولكن تظل الكاتبة بروحها الأنثوية ملتصقة كدلالة لُزومٍ بالمادة النصية التي تنقلها لتصنع متعة التلقي لدى القارئ وتصبغها بلون الأنوثة.وكرست بذلك مبدأ الاختلاف بين الأدب الأنثوي والذكوري تفكيرا وأسلوبا وفي هذا تقول (كارمن البستاني): "ليس لنا نحن " النساء والرجال" الماضي نفسه والأسلوب نفسه"مما يعني أن العلاقة بين الجنسين مبنية على فلسفة الاختلاف (بيولوجيا، عقليا، فنيا، ثقافيا..) فضلا على أن حقيقة اختلاف التفكير نجد مبررها عند ديكارت الذي يقول "العقل هو أحسن الأشياء توزيعا بين الناس (بالتساوي).. وإن اختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا بطريقة مختلفة". 
تطرح الكاتبة فاطمة غولي أيضا تصورا آخر مغايرا أكثر عمقا عن الرجل من خلال التركز عليه حتى بدا ككائن غريب حين صورته إما صامتا باردا أو عنيفا غير مبال وهي بذلك تطرح إشكالية العلاقة الثنائية التي تربط المرأة بالرجل بنظرة نسائية حين ركزت في معالجتها للإشكالية على الجانب النفسي الذي يخفى عن الآخر/الرجل شريكا كان أو قارئا، وكذا الأضرار التي تلحق بالمرأة ككائن حساس جراء المعاملات الخشنة بعيدا عن العنف طبعا.
في كل متن النص القصصي "التذويتي"اعتمدت الكاتبة على الرؤية المستوحاة من الداخل ، للإيحاء بالمعاناة نتيجة المشاكل الناتجة في ممارسة العلاقة بالأخر/الرجل فغيبته كشخصية إيجابية وهي في اللاوعي سعيا منها لتغييب "الأنا" الذكورية المهيمنة على واقعها ،وفي مواجهة سلبيته اتخذت المرأة "هي" و "أنا" من الصمت وسيلة تعبير عن الرفض والثورة فكانت مسالمة اتجاه كل المواقف السلبية للآخر/الرجل ورغم ذلك نلمس بعض من التحدي الذي لم يكن عدائيا أو من اجل أن تصبح المرأة من خلاله عنصرا موازيا للذكر أو منافسا له كما هو الحال في كثير الكتابات النسائية و إنما كان من اجل تحسين وضعيتها طلبا لمكانه أكثر رفعة وفي المقابل نجد إن فاطمة غولي لم تحاول البتة تقديم الأخر/الرجل في صورة الفاشل كنتيجة لسلبيته ولكن في المقابل تركت انطباعا أفضى إلى أن الأنثى المثقفة لم تتمكن من أحداث أي تغيير للواقع من شأنه أن يذكر أو يتخذ كحل يقتدي به .
 الجزائر يناير 2015

المراجع :
1. The Helene Cixous Reader, Edited by Susan Sellers (New York: Routdlge, 1994), p108
2. TorilMoi, Sexual textual poetis /Feminist Literary Theory (London &New
York:Routledge, 1985) pp. 75 – 76                  
3. المرجعين 2و3 مذكورين  في دراسة نقدية بعنوان المقالة النسائية السعودية  رسالة دكتوره "مينة بنت عبد الرحمن الجبرين المسهر"
4. معجم الفلسفة تعريف الضد 571 نعريفات الجرجاني للتناقض
5. التذويت في الكتابة النسائية للناقد المغربي عثماني الميلود
6. معجم الفلسفة ديكارت:التأملات، التأمل الثاني ط4 ص100-101
7. عبد الله محمد الغذامي، المرأة واللغة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2006، ص: 58. 
8. فرانك أوكونور في الصوت المنفرد –مقالات في القصة القصيرة- ترجمة د. محمود الربيعي- مراجعة محمد فتحي-الهيئة العامة للتأليف والنشر- دار الكاتب العربي- القاهرة- 1969 ض 173
9. نقلاً عن كتاب تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة –د. مجدي دومة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- 1998- ص76.
10. فرانك أوكونور في الصوت المنفرد –مقالات في القصة القصيرة- ترجمة د. محمود الربيعي- مراجعة محمد فتحي-الهيئة العامة للتأليف والنشر- دار الكاتب العربي- القاهرة- 1969 ض 14
11. السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب - زهور كرام 
12. رواية الأسود يليق بكِ " لأحلام مستغانمي : الصفحة الأخيرة
13. عنوان القصة  2  ص 15 من المجموعة القصصية كما لو ان ...
14. عنوان القصة  6 ص 41 من المجموعة القصصية كما لو ان ...
15. طه وادي، صورة المرأة فيالرواية المعاصرة، المعارف، مصر، 1984، ص: 53.
16. عبد الصمد زايد: المكان في الرواية العربية،ص62.
17. المجموعة القصصية كما لو أن ..الصفحة 46
18. المجموعة القصصية كما لو أن .. الصفحة ص 30 
19. المعجم الأدبي , مادة الرمز، بيروت, جبور عبد النور : 1979,.ص 124 ..
20. كتاب الرمزية  لتشارلز تشادويك  ترجمة نسيم ابراهيم يوسف ص 41.42 
21. يمنى العيد، "مساهمة المرأة في الإنتاج الأدبي"، مجلة الطريق، ع ٤، نيسان 1985م،ص 66.
22. المرأة والإبداع الدكتور عبد الرحمن التمارة