دُمُـوعُ الفَجـرِ/ عزمي إبراهيم

فى بـدء صُبْـحٍ وَليـدٍ، حَـفَّ بى الشـوق أن أنهَـض من فراشي مبـكراً لأستنشق نسـمة الفجـر الرطبـة، وأمَتّـع عينـاى ببراعـم النـور، واستقبل موكـب الطبيعة.العـذراء "على طبيعتها". بلا صَخبٍ ولا زحـام.. ولا نقـشٍ ولا زواقٍ.. ولا ريـاءٍ، ولا - من صنع البشَر - رِداء.
خطـوْت فى حديـقة بيـتى وواجهت النهـار الوليـد في ثوبـه الجديـد، وأدهشني أن رأيت دمـوع الفجـر متناثـرة على خـدود الورود وعلى كفـوف الشجر الخضراء. سـألت نفسي، كيف يبـكي الفجـر، بينما كل عناصر الطبيـعة فرحـة مرحـة في حفـل "ميـلاد النهـار" ومقدمـة سيمفونيـة انبثـاق الوجـود.. كطفـل بـريء صحـا من نومـه يَحبُـو فرِحـاً مرِحـاً.
وكان لى مع الفجـر حديـث ....!
*******
دُمُـوع الفَجـر
نزلـت دمـوع الفجــر تكتـب على خـدود الـوُرود غِـنــوَه
نُقــَـط نـــدى تشــبه فصـوص لــولى.. مرطبــة وحِلــوَه
والطيــــر بينـفــض جنــاحـه فـــوق الغصـن والعِـلــْــوَه
والـنســمـة لـِســَّــة ف صِبــاها هَـبــِّــت عليــه رَخــْــوَه
هــَــز الشجــر كـُفــُوفـُـه الخُضْـر.. سَـقـًـف من النشــوه
الكـل حَـيـَّــا النـــــور... والنــــور بعـد الظـــلام شـهــوَه
***
سألت الفجـر: ليه حُـزنَـك؟ وليه دَمعَــك كِــدا؟
وانـت طفــل الطبيعــة.. وفيــك بهـــاها بَــــدا؟
وانـت بشير الوجـود، موجـود بطـول المـدى؟
ليـه إنـت وحــدك بتبـكى والكل غـَـنَّى وشــدا؟
***
قـال: دى دمـوع الفــرح بيــــوم جديــد إبتــدا
بيــوم جـديــد إتولــَــد ســاعة نــزول النـــدَى
على كفــوف الشجــر
فصـوص لـولى مرطبــة وحِلــوَه
وفرحـة الأم.. رغــم الدمـوع.. وقــت الميـلاد
فى القلــب من جـُـوَّه
*******
عزمي إبراهيـم

اليابان في ذكرى زلزالها وعاصفتها المدمرة/ د. عبدالله المدني

كان يوم الحادي عشر من مارس 2011 من أفظع الأيام على الاطلاق في تاريخ اليابان، بل أكثر مأساوية مما حل بها بعد كارثتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب الكونية الثانية. ففيه وقع خامس أقوى زلزال في تاريخ الكرة الأرضية منذ عام 1900 بقوة 8.9 على مقياس ريختر قبالة الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، وتلاه موجة مد بحري هائلة (تسونامي)، ومن ثم إنفجار في مفاعل فوكوشيما النووي تسبب بكارثة أتتْ على المنطقة برمتها، وأودت بحياة نحو 19 ألف شخص من الشيوخ والشباب والاطفال، ناهيك عن آلاف الجرحى والمفقودين والخسائر الضخمة في المباني والسيارات والممتلكات الشخصية التي قدرت قيمتها الإجمالية بأكثر من 500 مليار دولار. وقتها قــُدرتْ تكلفة إعادة إعمار ما تدمر بنحو 150 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
وبطبيعة الحال فإن تداعيات تلك الكوارث المتتابعة كان من المفترض أن تكون ضئيلة، خصوصا في ظل ما هو معروف عن اليابان من تفوق صناعي وتكنولوجي واقتصادي، وسمعة دولية في مجال إدارة الكوارث الطبيعية على إعتبار أن الأراضي اليابانية من الناحية الجيولوجية هي واحدة من أكثر مناطق العالم الناشطة على مستوى الزلازل وبنسبة 20% من زلازل العالم التي تتجاوز قوتها ست درجات حسب مقياس ريختر، وذلك جراء موقعها الجغرافي القريب من صفائح القشرة الأرضية. غير أن المصيبة كانت أكبر من أنْ يتوقعها أي إنسان وتجاوزت كل السيناريوهات التي كان من الممكن تصورها سابقا. 
ومنذ وقوع الكارثة، التي حلت ذكراها السنوية مؤخرا وأحياها اليابانيون بطرقهم الخاصة عبر الصمت المطبق وخفض النظر وشبك الأيادي وإيقاف العمل في حضور الإمبراطور أكيهينو وزوجته ورئيس الوزراء شينزو آبي ، أطلقت الحكومة اليابانية ورشة عمل ضخمة، وأعلنت حالة الطواريء، ورصدتْ نحو 19 مليار دولار لتسريع عملية إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي في المناطق المنكوبة، وبناء منازل آمنة للأفراد والأسر المشردة التي يقال أن عددها تجاوز مئات الآلاف. كما قام مصرف اليابان المركزي بضخ تريليونات من الين في سوق المال كي يواصل عمله بسلاسة، وبمضاعفة حجم خطته لشراء الأصول. 
وتفيد التقارير الاخبارية أنه تم حتى الآن إزالة معظم الركام المتخلف من الكارثة البالغ وزنه نحو 23 مليون طن، وتم تعبيد الطرق وإعادة تنصيب أعمدة النور في البلدات الساحلية المدمرة وبما ساهم في عودة الحياة إليها بشكل تدريجي. كما قامت الحكومة بوقف العمل في 48 مفاعلا من أصل مفاعلاتها النووية الخمسين تحت ضغط منظمات المجتمع المدني القلقة على صحة سكان السواحل من تأثيرات الإشعاعات، على الرغم من وجود تأكيدات من منظمة الصحة العالمية بأن الاشعاعات الناجمة عن انفجار مفاعل فوكوشيما لم تتجاوز مسافة عشرين كيلومترا من موقع المفاعل المذكور.
بل أن صحيفة الديلي ميل البريطانية نشرت صورا لما حل بالمناطق المتضررة، وصورا أخرى لها بعد إعادة تعميرها مع مانشيت عريض يقول: زلزال اليابان .. كأن شيئا لم يكن! وذلك في إشارة إلى سرعة تخلص اليابانيين مما حل بهم في غضون عامين لا أكثر، على الرغم من هول المصاب وضخامة الخسائر المادية والبشرية
والحقيقة أن هذا ليس بمستغرب على أمة استطاعت أن تنهض وتقف على قدميها مجددا خلال سنوات معدودة بعد تلقيها ضربة ساحقة ماحقة غير مسبوقة تاريخيا بالقنابل النووية الامريكية، وذلك من خلال التضامن والتكاتف ومواجهة التحديات بـ "الانضباط النفسي والحلم المجتمعي وقيم المشاركة المجتمعية والذكاء العاطفي وتحويل الخصم إلى رفيق درب في التنمية والديمقراطية والتعليم والابداع والابتكار وامتلاك التكنولوجيات الدقيقة" طبقا لما ورد في مقال كتبه مؤخرا معالي سفير مملكة البحرين في طوكيو الدكتور خليل حسن (صحيفة أخبار الخليج 1/11/2014). 
لكن المستغرب حقا هو أن تلجأ جماعة من الإسلاميين المتشددين إلى التشفي مما حل بالأمة اليابانية بالقول في مواقعهم الالكترونية الموبؤة إنّ ما حدث هو "عقاب رباني لهم على إرسالهم لقواتهم إلى أفغانستان والعراق لقتال المسلمين"، مضيفين "نسأل الله ان يرينا بهم ماتقر به أعيننا وتُشفى به صدورنا وتتقطع به من الفرح نياط قلوبنا". وهو ما أثار أحد المتابعين وجعله يذكـّر هؤلاء القساة الغلاظ المجردون من الانسانية بأن الاسلام لم يكتف باحترام الأحياء من أتباع سائر الأديان، بل فرض ايضا احترام الأموات بغض النظر عن مللهم ونحلهم، مستشهدا في هذا السياق بما ورد في صحيح البخاري بسند عن جابر بن عبدالله الذي قال "مر بنا جنازة فقام لها النبي (ص) وقمنا به، فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي! قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا". وفي رواية أخرى "كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا: إن النبي مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا؟". وكان هناك متابع آخر استفزه الأمر فكتب حول التناقض الذي يقع فيه هؤلاء بمعنى أنهم يدعون على اليابانيين بالويل وعظائم الأمور في الوقت الذي ينعمون فيه بآخر ما صنعته العقول اليابانية، إبتداء من مركبات تويوتا ونيسان وهوندا وانتهاء بكاميرات سوني ومكيفات توشيبا وتلفزيونات شارب. إنها والله لقمة التناقض! 
د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2014 
الايميل: Elmadani@batelco.com.bh

بلاد الأضداد/ محمد أوقري


يا نوح  بلادي

يا مبعوثا للناس

يبشر بالإنقاذِ

اصنع فلكك العظيمَ

وانظر لحال البلاد

لقد صار أحياؤها 

تحت الأنقاضِ

يا نوح 

هذه بلاد تتعايش فيها 

كل الأضدادِ

فهناك جيش يقاوم بلا عتادِ

يحمي الغلال 

يتصدى  للجرادِ

وهنا جوقة تنشد للزهاد

ومن قوتنا تتقاضى

ثمن الإنشادِ

يا نوحُ ،،، عجل بصنع الفلكِ

واحمل فيه من كل العبادِ

لا تدع على البر سوى السحرة

وفرعون ذي الأوتادِ . 

م - أ 
المغرب .

حكاية بسمة/ جواد بولس

الساعة الرابعة من صباح لم ينع فيه الديك ليل القدس الأسود. مطر ثقيل ينقر على جنبات البيت وكأن شرايين السماء تقطّعت. 
من شباك بيتي أرى سيّارة التاكسي تنتظر كي تقلّني إلى المطار لأبدأ رحلتي إلى مرّاكش، المدينة التي تحرّشت بأحلامنا شبابًا، وملأت أفواهنا عسلًا والفضاء أماني.
زرت المغرب، في الماضي، مرّات عديدة؛ جئناه، من فلسطين، والسراب كان سيّدًا في مطارحنا، وفي حلوقنا تخثّر العلقم وتعطٌلت الأوتار.أنّى حططنا فيه، كأننا في حضن أمّ، وارف الحنان، وكلّما طرقنا بابًا غنى فلسطينُ حلمنا ومنتهى الجنان. 
قبل وصول التاكسي بساعة أخبرني إخوتي أن صحة عمنا ميخائيل تدهورت فجأةً، وهو في وضع مقلق. في البيت وجع لم ينم، وحيرة. 
"أقول لها وقد طارت شعاعًا/ من الأبطال ويحك لن تراعي"
 كان الصوت صوته وصورته أمامي على شاشة تلفوني، أفاق من غيبوبة إلى لحظة يقظة، قد تصير تاريخًا، ليتلو على أحباب أحاطوه  قصيدة قطري بن الفجاءة، ويشرح لهم عن القصيدة وشاعرها.
 بدا في الشريط المرسل إلي بلحظته، مرحًا، يفيض، كعادته، ثقافةً، علمًا وأدبًا. 
قبل هذا الخبر الطارئ كنت أضع رؤوس أقلام أخيرة، لمداخلتي التي سأشارك فيها، وأربعة أخوة من الدول العربية الشقيقة، ندوة، اختار لها المنظمون عنوان: حرية الضمير، واقع الحال". والتي تعقد تحت راية المنتدى العالمي لحقوق الانسان. 
عن أي ضمير تتحدثون أيٌها الاخوة؟ هكذا كنت أرتّب الكلام في رأسي لأتلوه على من جاءوا ليسمعوا ويُسمعوا عسانا معًا، نحيي عظام العدل في شرقنا وهي رميم. فالضمير لا يصحو إذا نام في خوذة الشيطان وهو في أرضنا غاب منذ قايض العربان، العفة بالغفلة وكلتاهما برحمة السلطان! والضمير، في أرجائنا، يا سادة، ديس بحوافر خيل الليل وتشهد، اليوم، على ذلك أسوار مدينة مقدّسة لم يعرف كهّانها العشق، وهي لذلك، تنام على صدأ الزمان. 
جئت إليكم عاصفًا غاضبًا وليس كما يقتضي المقام والمقال، فاعذروني، إذا كان ضمير الشرق، معلّقًا، على فاعل نصّاب ومنصوب، وفعله دائمًا يبنى للمجهول، وعلامة رفعه سكون وتاء تربط على مذاود الأعجام.
هي فلسطين يا إخوتي، حبيبتكم في القصائد وفي لياليكم الشرقية، ولّادة الأسى، أفراحها لا تأتينا إلا على جناحي نورس، وقصص بنيها حيكت من خيوط القز، ولفت برقائق من طين وشمع كشمع الكنائس. هي فلسطين التي خبرت كيف تموت الأسود في الغابات التي يفتش شجرها العاري عن خيمة من ضمائر سكرى، وملائكة وقدر. 
اسمعوا يا سادتي، فلقد جئتكم وفي القدس سكين يعربد، وفي الجليل يموت اليمام ويهوي القمر، فالليلة هكذا يبدو، وبلحظة عشق ملائكية، يختصر ميخائيل الحكاية ويتلو علينا ما علّمته الحياة من حكمة وخيبة، ويقول هازئًا من الدنيا: "فصبرًا في مجال الموت صبرًا/ فما نيل الخلود بمستطاع". ولميخائيل، وهو عمي وأبي، قصة بدأت بعد أن نجا من نكبة وأحب "بسمة" والشعر والسهر.     
 والده كان المعلّم بولس، قرر أن لا يرحل،  مؤثرًا حدسه على نداء الحداة، فبقي هو وأبناء بيته. كان بولس وحيدًا في كفرياسيف الجليلية، فأخوه، نعيم، نخّخه الجوع في سنوات القهر، وقرر ككثيرين،عُرفوا حين حطّت رحالهم على أرض دولة السنغال الأفريقية، بالجالية اللبنانية الوافدة.
أحسّ جدّي بولس بالخسارة والوحدة، تملّكه الحنين والشوق، خاصة بعدما أفادت الأخبار بأن عائلة أخيه، نعيم، صارت عائلة كبيرة ومعروفة في تلك البلاد. قرر بولس الاتصال بأخيه ودعوتهم لزيارة البلاد التي قامت فيها دولة دعيت إسرائيل. 
أخضع سكان البلاد العرب في تلك السنوات، لنظام حكم عسكري منعهم من التحرك الحر والتنقل، وأخضعهم لقوانين طوارئ تعسفية قاهرة.
اقتنعت عائلة العم نعيم بالفكرة وبضرورة السعي  لتقريب العائلتين وإعادة لحمتهما، فركب بعضهم سفينة أقلتهم من بعيد حتى ميناء حيفا. 
رفض الإسرائيليون نزولهم إلى الشاطئ، وبعد تدخل كثيرين وافقوا على أن يصعد بعض من أفراد عائلة بولس إلى ظهر السفينة. تم اللقاء وكان قاسيًا وحزينًا، لكنه أفضى إلى تعارف العم ميخائيل وابنة العم بسمة.
بعد عام واحد وافقت السلطات الاسرائيلية على السماح لبسمة أن تحضر وحيدة من السنغال كي تتزوج هنا ابن عمّها ميخائيل ويعيدا بذلك أملًا مفقودًا ويحققا حلم عودة صغير.
ما زالت  السماء غضبى، فالمطر يعطّل الرؤيا وسائق التاكسي الذي كان يقلني دائمًا، أحس بأنني على غير طبيعتي. لم يسألني لأنه قد سمعني أتحدث مع أولادي الذين رافقوا جدّتهم بسمة بعد أن نقل العم ميخائيل إلى المستشفى في حيفا. وبعدما اتضح له أن زوجتي أبطلت رحلتها في تلك اللحظة، لتنضم إلى العائلة القلقة. 
يسألني بلال،السائق، عن وجهة سفري، فأخبره عنها وعن الهدف من ورائها. يتمنى لي السلامة ويصلي بصوت عال من أجل ميخائيل وبسمة، فهو يعرف حكاية حبهما ولا يرى أجمل منها، وينصحني بأن أتلوها في ندوتي في مراكش، فعندنا حكايات الضمير، هذا الذي أنا مسافر وراءه ومن أجله، منثورة على جهات الأرض كلها وفي السماء كذلك، وإذا لم يصدقوا فليسألوا الملائكة ورئيسهم، كما جاء في الكتب،  ميخائيل، الذي له تصلي بسمة والعائلة.

أهلا بابنة النيل فاطمة ناعوت/ موسى مرعي

 
ضيفتنا المناضلة فاطمة ناعوت
قرأت مرة أن الطيور الكبيرة التي تطير بين القارات مسافات طويلة جدا، لها مزايا خاصة نجدها جديدة علينا.
مثلاً: هي تتناوب على الاستطلاع، حتى لا يبقى احد منها متمسكاً بالمقدمة، لكنها تختار زعيما عليها، يمنع الطيور من الشغب والفوضى، كي يبقى السرب منظماً.
نحن ابناء الجالية اللبنانية طرنا كهذه الطيور حتى هبطنا كالسرب في استراليا. وقبلنا رسا على سواحلها كثيرون قبلنا عبدوا لنا طريق الأدب.
انا لا اتكلم عن غيري ولكني اعرف محبة عميدنا الاستاذ شربل بعيني واحترامه عند جميع أبناء الجالية اللبنانية والجاليات العربية  
أقول: بطلته  البهية على المسرح الجبراني في وقفة عز وقفها، ليقدّمك للمحبين في كل أصقاع الأرض، بكلمات فلسفية، أدبية ولا أجمل.
سآتي للقائك في السادس والعشرين من نوفمبر في غرانفيل تاون هول، وسأطلب منك أن تذكريني بخان الخليلي، والسيدة وحوض الفرج وباب الشعرية، والجملية، وشبرا.
سأطلب منك أن تحمليني على أجنحة كلامك الرائع الى الاسكندرية، ومرسى مطروح تلك المنطقة التي ما أن رأيتها حتى عشقتها.
مصر ام الدنيا.. ليس بالتاريخ والمجد فحسب، بل بأبنائها الكبار، مثلك ومثل طه حسين، وصديقي الشاعر المرحوم احمد فؤاد نجم.
نرحب بالناعوت وصفاتها وادبها وشعرها..
نرحب بفاطمة العلم بين اهلها واخوتها..
فيا بنت النيل، هنيئاً لامك، ام الدنيا، بابنة امتشقت الانسانية سلاحاً لتحارب به أعداءها، وأتمنى أن تبقى "مصرنا" حصرمة بعيون أعدائها. وصدقيني اذا قلت:
نحن رصاص بنادق جيشها،
نحن اولادها وأحبابها، 
نحن نسورها، 
فإن فلشنا أجنحتنا سنحجب نور الشمس وستلف العتمة أصقاع الأرض.
قولي للذين يعيثون فيها خراباً: لن تفلحوا، فأم الدنيا لن تركع.
ويا شربل..
تقديمك لضيفتنا الكبيرة فاطمة ناعوت كان أكبر من التعريف، وأوسع من البحور الشعرية، وأعمق من الصرف والنحو، لقد كان صادقاً وكفى.

صفحات مجهولة من تاريخ المرأة السورية 6/ محمد فاروق الإمام

الحلقة السادسة
الأديبة المناضلة ثريا الحافظ

هي المرأة المثقفة التي تربت في بيت علم وثقافة وأدب ونضال, ودرجت على هذا حتى غدا النضال رسالة حياة, وغدا العلم راية, ومحبة الأوطان عشقاً, وحرية الإنسان هاجساً يومياً. 
عاشت ثريا الحافظ شقاوة اليتم بعد أن أعدم جمال باشا السفاح والدها أمين لطفي الحافظ في السادس من أيار 1916, فتربّت على ذكراه وقصص نضاله وكفاحه مع رفاقه الذين مضوا معه في درب مقارعة الظلم والاستبداد, والمناداة بتحرير البلاد واستقلالها, وجعلت من العلم والثقافة سبيلاً للنضال لتحرير الوطن العزيز سورية, والمرأة السورية التي عانت من وطأة الأمية والتجهيل والاحتباس في البيوت. فكانت في طليعة الفتيات السوريات اللواتي تخرجن في دور المعلمين, وكانت في طليعة النساء السوريات المناضلات ضد المحتل الفرنسي, وكيف لا وهي ابنة الوطني المناضل أمين لطفي الحافظ, وزوجة المناضل الكبير منير الريس شيخ النضال.. وشيخ الصحافة, صاحب المذكرات الشهيرة التي جاءت تحت عنوان "الكتاب الذهبي", والتي اشتملت على صفحات من تاريخ سورية النضالي لا تعادلها في القيمة والمعنى صحائف الذهب. 
تنابت ثريا الحافظ على السجن, والمطاردة والسؤال... مع زوجها منير الريس, فكان كلاهما نهباً للغياب الوطني من أجل الوطن, سجنت, واحتجزت بسبب نضالها ونضال زوجها, وكان سؤال الغياب مرّاً, تماماً مثلما كان جواب السؤال مرّا. 
في حياة ثريا الحافظ صفحات من النضال والكفاح على دروب عديدة, في طالعها حيازة العلم والثقافة, ومواجهة المستعمر الفرنسي بكل الوسائل والطرق: المظاهرات, والاعتصامات, والكتابات, والبيانات, والمناشير, والرشق بالحجارة, وتعليق الدراسة والتدريس, والتواصل مع الثوار في الغوطتين, وعيادة الجرحى, وكفالة الأيتام, والمؤازرة المادية والمعنوية لذوي الشهداء, والأحاديث الصحفية, والكتابة الإذاعية...., كما عملت على تأسيس الجمعيات والروابط النسائية والصالونات الأدبية... ومنها (يقظة المرأة الشامية), و(جمعية خريجات دور المعلمين), و(دوحة الأدب), و(جامعة نساء العرب القوميات), و(الرابطة الثقافية النسائية), و(حلقة الزهراء الأدبية), و(منتدى سكينة الأدبي), و(النادي الأدبي النسائي)... وقد عرفت هذه المنتديات والروابط والأندية والجمعيات نشاطاً ثقافياً بارزاً في التوعية والتثقيف, والتعريف بالتراث العربي الأصيل, والتراث الإنساني العظيم, وقد اجتمع على هذه المنتديات خيرة أدباء ومثقفي العربية في سورية والبلاد العربية. وبعد خروج المستعمر الفرنسي, كانت قضية العروبة, وقضية المرأة, وقضية فلسطين ثالوث القضايا الذي نذرت ثريا الحافظ نفسها وعلمها وثقافتها واجتماعيتها من أجل نصرتها, فقد كانت في طليعة المناضلات السوريات من أجل نصرة مصر العزيزة أثناء العدوان الثلاثي (الفرنسي-الإنجليزي- اليهودي) عام 1956, أما قضية المرأة فقد أولتها كل جهدها وعنايتها وذلك لقناعتها بأن المرأة هي المربية والمخططة والباثّة للروح الوطنية في المجتمع, لذلك لم تألُ جهداً من أجل تثقيف المرأة ونصرتها ومشاركتها في الحياة العامة شأنها في ذلك شأن الرجل, وأما فلسطين, فقد كانت نكبتها ندبة الحزن التي لا تمحى وقد آل المصير الفلسطيني إلى الشتات والمنافي والمأساة الفاجعة... فقد كانت واحدة من نساء دمشق اللواتي عملن على تضميد الجراح الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية في ضواحي دمشق, وهي التي أهدت كتابها (الحافظيات) إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين. 
ولدت ثريا الحافظ سنة 1911 في أسرة دمشقية مثقفة, زوجها الصحفي الشهير منير الريس, ودرّست في مدارس دمشق, وعملت في المقاومة الشعبية, وقادت حركة النضال النسائي في سورية, لها ريادتها في الانخراط في الانتخابات النيابية ترشيحاً وانتخاباً, مثّلت سورية في العديد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بالمرأة في البلاد العربية والعالم, كان صالونها (صالون سكينة الأدبي) أشبه بوزارة للثقافة والتوعية الوطنية والقومية, تركت لنا كتابيها: (حدث ذات يوم) وهو سيرة ذاتية لكفاحها الوطني, و(الحافظيات) وهو سيرة الأحداث الوطنية, والاجتماعية التي عاشتها سورية في أثناء كفاحها من أجل نيل أمرين عزيزين: الاستقلال, والحظوة الوطنية البارزة.
توفيت ثريا الحافظ في دمشق سنة 2000.
===
مقتبسة من عدد من الموسوعات والتراجم

تحتشدُ تفتّتُ اوثانهُ/ كريم عبدالله

محفوفٌ بأريجِ ثيابٍ تكتنزُ كمأها المتوهّجَ ../ أفتحُ أزرارَ نافذتي تندلقُ فيها ../ تستدرجُ أزهاري المعصوبة لــ ثدي نهارها
تنهالُ تفتّتُ تماثيلَ إعتكاف الدموع ../ نخيلاتها تحتشدُ تسوّرني بالطَلع ../ وتمشّطُ أجفانَ حماقاتي بلؤلؤِ المفاتنِ
تنزعُ ريشها تواري سوءةَ بئري ../ تذرفُ زَغَبها فوقَ صحرائي ../ الرحّلُ كثيرونَ خلّفوا فيها الخراب
يابساً يربضُ تأريخ يرمقني بجدبهِ ../ مشياً على اسنّةِ السقوطِ اترنّحُ ../ تحتمي ورائي تلملمُ شظايا الاناشيد
كمنجاتها الطريّة تطوّقُ جريانَ ينابيعي ../ تحفرُ في صدرِ خريفي مجرى سرّتها ../ تجهضُ عبثَ العابثينَ بمسلاّتي
خفيضٌ يطوّفُ تحتَ زرقتها ../ مصلوباً بخياناتٍ تطوّحُ التقاويمَ ../ هذا الحلمُ المنخور ينحلُّ في اقصى جنائنها
وجهها الحافي يطأُ ندوبَ خيامَ هجرتي ../ يغوصُ في ميراثِ أحراشِ الهاويةِ ../ يردمُ شيخوخةَ سفينةٍ جانحةٍ فوقَ هضابي
تعويذاتها يومَ وُلدتُ تهدهدُ فصولي ../ تلهثُ سنين القحطِ تحتَ خمارها ../ يتّشحُ بإشراقتها هيكلُ مجاعاتي
حتماً ستلمُّ قيثاراتي منْ أزمنةِ النفي ../ ترصّعُ هامةَ مصاطبَ الأنتظار ../ تُفيّؤني إكسيراً مشعّاً بالقبلاتِ
وتغسلني بعطرِ صلواتها ../ وبمرهمِ عذريةِ المدائنِ ../ تمسحُ مرآيا منقوعةً بــ صلصالِ أطيافي
أيامها سترتجُّ تعبّىءُ حزني ../ بوصلة ترسمُ على صدرها قناديلاً ../ تسوقُ قصائدي لموانئها الدافئة
هي النهايةُ تحيطُ متاهاتي إذاً ../ تملأُ ثقوباً تنزُّ منْ وسادتي ../ عطراً ترشُّ قميصَ جثتي
تدلو دلوها صعوداً تتسلّقُ أنفاسي ../ تزاوجُ خصوبةَ فجرها بأنقاضِ ليلي ../ وتغترفُ منْ أجفانِ التوسّلِ غيمةً
لايخمدُ بريقُ عينيها تحتَ عباءةِ مدني ../ تزحفُ وحريرها يتغشّى شهوةً تتبرعمُ عناقيداً ../ فيمرقُ منْ ثقبِ إبرةٍ عبّادُ شمسها  ....

بغداد - العراق

أبو فاعور! لن أهنئك/ جورج هاشم

كانت جدتي، رحمها الله، عندما نحشرها بسؤال، تقول: بلا أكل هوا! وأكل الهوا، حسب اللهجة اللبنانية،  تعبير مهذب بمعنى أكل الخَ... وكنت اعتقد ان وصفة جدتي هي من باب المداعبة، ولم أكن أتصوَّر ان أكل الهوا اصبح أكلة شعبية لبنانية بامتياز. مما أجبر وزير الصحة ان يعلن في مؤتمر صحفي، أُعتُبِرَ قنبلة الموسم، ان اللبنانيين يأكلون البراز البشري ويأكلون من المجارير أو يأكلون المكروبات والجراثيم في المطاعم. أو يشترون الامراض تحت اسم اللحمة.   
بعد المؤتمر تكاثرت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف مثل:"أكلت في مطعم لبناني وبعدني عايش". أو "الشاورما هي كتلة بكتيريا بشكل لحمة" او " سندويش دجاج من فضلك مع سيارة اسعاف" أو سندويش خً.. بلا كبيس لو سمحت" او " بعد المؤتمر اتضح اننا كلنا عم ناكل هوا..." منهم من اعتبر الوزير ابو فاعور وزير كل لبنان. ومنهم من اعتبره " وزيراً استثنائياً بنظافته في حكومة استثنائية في وساختها". وعلّق احدهم:" قلت هناك اطباء تُرفع لهم القبعة، وأطباء ترفع لهم العصا. تماماً كما الوزراء. ولكم ترفع القبعة". وآخرون اعتبروا الامر تشهيراً وابتزازاً لانه لا يوجد حالات تسمم. في جلسة مجلس الوزراء شكَّكَ الوزير فرعون "باجراءات ابو فاعور الاستعراضية وطالب بمحاكمة الوزراء الذين توالوا على وزارة الصحة" لم يتوقع ابو فاعور ان "يُطعن من اهل بيته الحكومي". وحسمت الحكومة امرها وشكَّلت "مقبرة"، عفواً لجنة، وزارية "لدفن"، عفواً لملاحقة الموضوع...                     
معظم القوى السياسية باركت خطوة الوزير وطالبت بالتشدد والملاحقة والاستمرار بالحملة وتوسيعها. غريب! إن كان الكل موافقين، فمَن يحمي الملوثين والمفسدين؟ وتساءل الكثيرون أين كانت أجهزة الرقابة؟ وماذا كانوا يراقبون؟ ولماذا كانوا يقبضون رواتبهم؟ وكيف كانوا يوافقون ويختمون؟                                                              
اتضح من العينات التي جمعها المراقبون بأمر من الوزير ابو فاعور، بعد تحليلها، ان جرثومة E-Coli  ، البراز البشري، موجودة في مأكولات كثيرة وتسبب الاسهال ونزيف الامعاء وتوقف الكلي. أما  جرثومة السلمونيلا، المنتشرة في الدجاج والبيض فتتسبب بالاسهال والتقيوء. اضافة الى جراثيم كثيرة متواجدة في المعلبات المنتهية الصلاحية وفي المياه والخضار والفواكه وفي كل شيء تقريباً.
زرت لبنان مع عائلتي مرتين. كنا نقضي نصف وقتنا بين الحمّام والاطباء والمستشفيات. وكم عانى بعض افراد الاسرة من المضاعفات بعد عودتنا الى استراليا.  وهذه حالة الكثيرين ممن اعرفهم. في زيارتي الثانية ذهبنا خصّيصاً لحضور عرس قريبة. في منتصف العرس، وكان في مطعم مشهور على شاطىء جبيل، انتاب ابني وجع حاد في المعدة واسهال شديد ولم يعد باستطاعته الوقوف. وقضينا بقية السهرة في احدى المستشفيات. وكثيراً ما سمعت العاملين الصحيين يشخصونه " بمرض السوّاح!".
ابو فاعور هو من القلائل الذين أتوا الى الحكم وتعاملوا بجدية مع مسؤولياتهم. وضع المصلحة العامة في اول سلّم اهتماماته كما فعل زميله، المبعد اليوم عن جنّة الحكم، الوزير السابق زياد بارود. ورغم ذلك لن اهنئه على ما فعل حتى الان، رغم اهميته: لقد أكَّدَ للبنانيين، بنتائج مخبرية، ان امنهم الغذائي مخترق بشكل خطير وكأنه لا يكفيهم كل الخروقات الاخرى وكل الاخطار المحيطة بهم. ولأنه تجرَّأَ وأخذ خطوات جديّة وأثار الموضوع علناً من أجل تأمين اللقمة النظيفة لكل المواطنين كما قال. لن ترتفع قبعتي بالتحية له إلا اذا خرجت هذه القضية الهامة من "مقبرة" اللجنة الوزارية سالمة. أوعندما يذهب السائح الى لبنان ولا يضطر لقضاء نصف عطلته في الحمّام. وإذا حقّقَ ما وعد به: اللقمة النظيفة لكل المواطنين، عندها يجب على قبعات جميع اللبنانيين، من كل المذاهب والاتجاهات، أن ترتفع بالتحية. كما يجب ان ترتفع ايضاً "العصي" في وجه المقصّرين من بقية المسؤولين.
كلام الوزير ابو فاعور، رغم انه لا يغطي مختلف نواحي الامن الغذائي المُستباح،، كلامٌ لا يقوله مسؤول وهو متربع على كرسي الحكم. كلامٌ جدّي وخطير ومسؤول. أما كلام الكثيرين من زملائه، كما أفعالهم، فيا ليت جدّتي لا زالت على قيد الحياة لتقول لهم: بلا أكل هوا...

هل يصبح القرار الإماراتي جزء من واقع سياسي – امني في الخليج والمنطقة؟/ راسم عبيدات

واضح بأن القرار الذي إتخذته دولة الإمارات العربية بتصنيف 83 منظمة وجمعية ومؤسسة كمنظمات إرهابية،هو يشكل في حد ذاته سابقة أمنية – سياسية عربية،وعملية إتخاذ القرار وتطبيقه وتداعياته،هل ستطال المشهد الفلسطيني؟؟؟وهل سينعكس هذا القرار على العلاقات الفلسطينية الداخلية،وكيف ستتصرف وتكون ردة فعل "حماس" على هذا القرار؟؟،فهي معنية به بشكل مباشر ولا يمكن لها ان تغض النظر عنه او تتجاهلة،وخصوصاً بأن من ضمن المجموعات المصنفة كمجموعة إرهابية،هي حركة الإخوان المسلمين العالمية،وهي المهمة لنا كشعب فلسطيني عامة،ولحركة حماس خاصة،فلحركة حماس إرتباطات فكرية وتنظيمية وسياسية مع تلك الحركة،وقرار الإمارات العربية إن كان يتناظر مع القرار المصري بإخراج حركة الإخوان المسلمين عن القانون في مصر،فإن القرار الإماراتي جرى التعبير عنه بشكل قانوني أعم وأشمل،بحيث يشمل المؤسسات والجمعيات الإغاثية المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين،وتحديداً في بريطانيا،ونحن نعرف جيداً بأن هذا القرار أتى ويأتي في إطار صراع المحاور العربية والإقليمية والدولية المشتبكة في اكثر من ساحة وميدان،فمصر والسعودية والإمارات العربية تصطفان في محور واحد مقابل المحور القطري- التركي – الإخواني،وسبق للسعودية ان سحبت سفيرها هي ودول مجلس التعاون الخليجي من الدوحة،وطالبتها بترحيل الإخوان المسلمين عن أراضيها،وكذلك إغلاق محطة الجزيرة الفضائية التي تمارس التحريض بحق السعودية والنظام المصري،وهددت تلك الدول بفرض مقاطعة شاملة على قطر بسبب ذلك،وقد إستجابت قطر جزئياً للمطالب السعودية والمصرية والإماراتية،ورحلت عدد من قيادات الإخوان عن أراضيها،من اجل خفض حالة التوتر مع دول هذا المحور.


تداعيات القرار الإماراتي ستترك تأثيراتها بشكل مباشر على حركة حماس،وإن كانت الأمور وتعقيدها وطبيعة الصراع مع الإحتلال،قد تؤخر وتحد من تلك التأثيرات على حماس والساحة الفلسطينية،ولذلك لا يجوز عدم اخذ هذا القرار على محمل الجد، أو التقليل من اهميته،ولذلك فإن حركة "حماس" إذا لم تسارع الى إعادة صياغة البند الخاص في ميثاقها،والذي يؤكد على الإرتباط الفكري- السياسي بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين،نحو فك هذا الإرتباط وهذه العلاقة،فإن القرار والقانون الإماراتي يعني شموله لحركة "حماس" مستقبلاً.

بعد القرار الإماراتي ثمة سؤال ملح وعلى درجة عالية من الأهمية،هل حركة "حماس"التي وظفت كل ماكنتها الإعلامية،وجيرت كل مواقفها السياسية لصالح حركة الإخوان في مصر،وامدتهم بكل أشكال الدعم،ضد النظام المصري الحالي،تمتلك القدرة والإرادة على أن تاخذ خطوات او قرارات ذات طابع إستراتيجي،كان تعمد حماس وتلغي وعلانية ميثاقها الاخواني،وتعيد تقديم ذاتها كحركة فلسطينية مستقلة، لا صلة لها بأي تنظيم دولي، بعد مراجعة "فقهية" لمصلحة فلسطين الوطن والقضية، باعتبارهما فوق الجميع، وان الصلة بالجماعة باتت مرحلة من التاريخ، لا حاضر ولا مستقبل لها.


أنا لا اعتقد وبسبب طبيعة الإرتباطات والعلاقات الفكرية والتنظيمية والسياسية بين"حماس" وحركة الإخوان المسلمين العالمية،بأن تقدم حماس على خطوة من هذا النوع،ف"حماس" وضعها القرار الإماراتي في خيارات صعبة ولا تحسد عليها،فإن هي أقدمت على خطوة نوعية بالإلغاء،فقد يكون من تبعيات القرار هذا،تداعيات خطيرة على اوضاع حركة حماس الداخلية،حيث ان هناك تيار قوي فيها،قد يقدم على الخروج من الحركة،خاصة التيار المرتبط إرتباطاً وثيقاً بقطر وتركيا،حيث يستمد قراراته مباشرة من قيادة حركة الإخوان العالمية،وقد ظهر ذلك واضحاً في الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة،والجدل العميق الذي دار في صفوف الحركة حول القبول بالمبادرة المصرية او رفضها لوقف إطلاق النار والتهدئة،حيث كان هناك تيار في حماس من منطلق علاقته المحورية مع قطر وتركيا،يرفض أن تكون مصر الجهة الوحيدة الراعية لإتفاق التهدئة والهدنة مع دولة الإحتلال،ولذلك كان يغلب مصلحة واجندة هذا المحور على المصلحة الفلسطينية والوطنية،مقدماً إخوانيته على فلسطينيته.وبالمقابل إذا قبلت حماس بأن تجري مراجعة وتعدل في ميثاقها،بما يؤكد على إستقلاليتها وفك إرتباطاتها مع حركة الإخوان المسلمين العالمية،لكي تتلافي عقوبات محتملة قد تفرض عليها في القريب العاجل جراء تماثلها مع حركة الإخوان المسلمين،هذا يعني تخلي الحركة عن هويتها الفكرية والسياسية والتنظيمية،وخصوصاً بأن جزء من مكتب شورى حماس ومكتبها السياسي يشارك في إجتماعات ولقاءات مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين.


وضع شائك ومعقد وفيه الكثير من التعقيدات والصعوبة بالنسبة لحركة حماس،فهي قد تجد نفسها في مازق عميق وخطير،حتى على الصعيدين الفلسطيني والعربي،وخاصة اذا ما أصبح القرار الإماراتي جزءاً من واقع سياسي – امني في الخليج والمنطقة،حيث سيصبح من الصعوبة على الدول العربية التعامل مع حركة حماس،حيث أن اغلب الدول العربية ستلتزم بالقرار،وهي تستمد قرارها من أمريكا أولاً،وجزء من الدول العربية،سيتعاطى مع القرار من منظور مصالحه وما يحصل عليه من دعم مالي ونفطي إماراتي- سعودي،وآخر سيكون مجبراً على الإلتزام والإ سيكون تحت طائلة المحاسبة والمساءلة،وكذلك على الساحة الفلسطينية،هذا سينعكس على التعامل والعلاقة ما بين سلطة رام الله وحركة حماس،وبالتالي هذا القرار وهذا الواقع المستجد،من شأنه أن يفرط عقد ما يسمى حومة الوفاق الوطني المتعثرة أصلاً،حيث سيكون محظورا على حماس ان تكون جزءاً منها،وكذلك محظوراً على السلطة الفلسطينية حتى التعاطي معها،وهذا سيعقد ويصعب من حدوث إنفراج جدي في قضايا المصالحة وإنهاء الإنقسام وحكومة الوفاق الوطني والوحدة الوطنية وحتى التهدئة والإعمار.


القرار الإماراتي يضع حماس تحت إختبار وخيار جدي وصعب،فهل ستغلب حماس فلسطينيتها ووطنيتها على أيديولوجيتها وإخوانيتها ؟؟أم ستستمر على نفس نهجها ومنوالها وتحمل تبعيات ما قد يحدث..؟؟؟

الجنرال صفوي : العراق أرض فارسية وأهلها عبيد لنا ولهم الفخر بذلك!/ محمد الياسين

اهل العراق عبيد لنا ولهم الفخر اذ اصبحوا عبيد للفرس! ، هكذا قال الجنرال رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي ، في موقف ليس بجديد ولا غريب على مسامعنا من جملة المواقف والتصريحات لقادة النظام الإيراني وأعمدته الرئيسية تجاه العراق والمنطقة العربية والإسلامية عامة خلال السنوات الماضية  التي بسطت خلالها إيران نفوذها بالكامل على العراق وانطلقت منه نحو المنطقة العربية حتى وصل الحال ان يكون الارهابي قاسم سليماني القيادي في الحرس الثوري الارهابي هو الحاكم الفعلي لثلاث دول بالمنطقة ويحظى بنفوذ واسعا وكبير في دول آخرى .
تداولت حديثاً وسائل إعلامية وصحافية تصريحات للجنرال رحيم صفوي قال فيها : "ان العراق بلدا في خدمة طهران وهو أرض فارسية ، والآن يقاتل نيابة عن إيران ، وان هذ الامر حدث 3 مرات على مدى العصور الماضية حينما كان العراق تابع لنا ايام كسرى".
لنكون واقعيين ولا نذهب بعيدا وراء العواطف علينا ان نقف قليلا عند قول هذا الارهابي الذي لم يجد هو أو من سبقه من القادة الايرانيين الذين أطلقوا هكذا تصريحات من يتصدى لهم خاصة من رجال الدين والموالين لهم في العراق ، ما يؤكد حقاً قول الرجل في بعض مما جاء فيه . عراق اليوم ليس هو عراق الأمس حيث بات عراقا بنكهة فارسية إيرانية صرفه ، متشحا بالسواد  مزدحما بالطقوس الظلامية وحكامه يدينون بولاء مطلق لطهران ،جندوا شبابنا للقتال من أجل  أحلامها التوسعية بالمنطقة وزجوا بهم إلى المحرقة السورية دفاعا عن نظام الأسد  كما اقحموهم بحرب في مدن عراقية ذات غالبية سُنية بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي ، لكن من يُقتل ويُستنزف بالمحصلة النهائية هم عراقيون سواء كانوا شيعة أو سُنة.
صحيح ان هناك عراقيين باتوا يُمجدون قاسم سليماني ويعتبرونه مناضلا شيعيا جاء منقذا للشيعة والدفاع عنهم وانهاء مظلوميتهم! ، كما ان ظاهرة جديدة انتشرت مؤخرا في الشارع العراقي أبطالها مطربين وشركات انتاجا فنيا ، حيث انتجوا عشرات الاغاني تمجيداً بقاسم سليماني وقتلة آخرين أمثال الارهابي أبو درع وأغاني تحث على القتل والفتنة وعسكرة المجتمع .  
أما بخصوص ان العراق يقاتل نيابة عن إيران فهذا صحيح لأن الساحة العراقية تحولت منذ 2003 إلى يومنا هذا ساحة نشاط للحرس الثوري وفيلق القدس الإرهابيين ،وبعد الإنسحاب الأمريكي الغير مسؤول من العراق أصبحت البلاد بلدة أو محافظة تابعة لإيران .رسميا تم إحتلال العراق بقوات إيرانية عندما بدأ تنظيم داعش الارهابي عملياته العسكرية غرب البلاد التي أدت إلى انهيار قوات الجيش الحكومي فتدخلت إيران بشكل مباشر ومعلن في هذه الحرب لتوسع نشاطها وتواجدها في العراق.
الجنرال صفوي ليس طفلا او جاهلا او ورجل دين متحمس كي يتحدث بهذه اللغة وهذا المنطق دون علم ولا دراية ، فهو يعرف جيداً ما تحدث به وإلى من تحدث به، وسمعنا منهم هكذا كلام تجاه الخليج العربي الذي لا يعترفون كونه عربيا ، أما نحن العرب سلكنا دربا مختلفا جعلنا من الاقلام والإعلام والصحف والفضائيات منابر حرب وتسويقا لقوة العدو! ، لكننا لم نبادر الى صناعة الحرب دفاعا عن انفسنا وهذا العيب فينا .
التطرف الذي أنتجه لنا الحرس الثوري الارهابي هو نفسه الذي أنتجه لنا تنظيم داعش الارهابي ، كلاهما يمارسان نفس أساليب القتل والترويع ، كلاهما يسعيان إلى إقامة دول طائفية مذهبية متطرفة من خلال حروب مذهبية ضروس وعلى ركام دول عربية سيقال عنها أنها كانت هنا منذ زمان! ، كلاهما أرتكبا فضائع وجرائم ضد الانسانية .
 هل هذا يعني ان الإرادة الإيرانية قد أنتصرت؟! ، الإجابة على هذا السؤال ، تتلخص فيما نحن قادرين على القيام به وقراءة الخارطة الاجتماعية السياسية للعراق وسكانه وقوى المجتمع الفاعلة المؤثرة وغير الفاعلة غير المؤثرة كذلك قراءة الظروف والمتغيرات العربية. هناك معادلة لا بد من الإشارة إليها ، أن العراقيين ليسوا جميعهم يتخذون من طهران قبلة لهم! ، هذا عكس ما تريد ان تصوره  طهران وحلفاءها عن العراق .
لا ننسى ان المجتمع العربي الشيعي داخل العراق ينقسم بين مؤيد ورافض لإيران، هذا لا يعني ان قلة من الشيعة لا يريدون لبلادهم ان تكون حرة مستقلة ، كذلك لا يعني ان غالبيتهم يريدون لإيران ان تتحكم بهم كما هو الحال اليوم  ، لكن الهيمنة التي تفرضها طهران على الساحة السياسية العراقية والدعم اللامحدود الذي قدمته للميليشيات ورجال دين موالين لها و سياسيين من كافة أطياف المجتمع  اشترتهم بالمال أضعف إلى حد كبير جداً القوى الدينية والعشائرية والمجتمعية العربية الشيعية المناهضة لإيران . و حجم الكارثة الانسانية التي تعرض لها أتباع المرجع الديني العربي الشيعي الصرخي على أيدي الحرس الثوري الارهابي وميليشياتهم وأتباعهم من قتل وتنكيل وتمثيل بجثث الصرخيين وتفجير حسينية يصلون بها كان خير مثال ودليل على ان هناك شارعا شيعيا عربيا في العراق يرفض الاحتلال الايراني .
محمد الياسين 
Moh.alyassin@yahoo.ca 

أسئلة لك/ محمد محمد علي جنيدي

هل سألت نفسك لماذا أعارض أو لماذا أتفق، لماذا أبغض أو لماذا أحب.
هل أعطيت لنفسك فرصة حقيقية كافية لتتبنى فكرة تدافع عنها.
إذا الناس قد أدانت شخصا أو مجموعة ما فهل تكتفي بهذا دليلا لإدانتهم.
هل من المنطق أو الموضوعية أن تقرأ خبرا أو تشاهد صورة أو مقطع فيديو فيتغير به مفهومك أو رأيك أو اعتقادك في شيء ما!
هل حاولت أن تنوع وتثري مصادر معلوماتك فتستمع وتصغى بموضوعية لمن تكره أو تتهم!
ما هو الحق بنظرك وهل أنت جاد في نصرة ما تراه حقا، أم حقيقة الامر أنك فقط تريد أن تنتصر لرأيك ورأي ما يشاع ويروج له.
إذا كان آخرون يرون أن الحق بخلاف ما تراه، هل هناك ضمانة غير الحوار الموضوعي لإجلاء الحقيقة بينكم.
إذا رفضت الحوار مع من تختلف معه أو مراجعته ومناقشته وسماعه فبماذا تصف تصرفك هذا.
هل يمكن أن ينجب القمع برأيك أمة منتجة أو مبدعة، وإذا رأيت أنه أحيانا يكون القمع ضرورة، فهل حقا يمكن أن ترضاه لنفسك أو لذويك حينما يرى القامع ضرورة اللجوء لذلك معك.
إذا كان إنسان برأيك شريرا، فهل أنت مؤمن بأنه ليس فيه موطنا للخير، وإن كان كذلك رأيك كيف تطمئن بأنك عادلٌ فيما ذهبت إليه. 
إذا ما كنت قد واجهت ظالما كان قادرا عليك فهل حاولت أن تقنع نفسك بأنه خلاف ذلك لاختلاق أسباب للدفاع عنه أمام نفسك أو الناس.
هل واجهت ظالما بالسير في ركابه تمشيا مع الموجة السائدة وخوفا من بطشه وظلمه.
الظالم هو من يرسخ للفساد في الأرض وفي حديث الأمام مسلم.. يقول رسول الله ( ص ):  من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
 كيف فهمت الحديث وما تفسيرك  لقول النبي ( ص ) وذلك أضعف الإيمان.

m_mohamed_genedy@yahoo.com

الغَريب/ محمد الزهراوي أبو نوفل


حَزَمْتُ تَعَبي
حَقائِبي.
وغادَرْتُ دِيارَ 
النّخْل التي 
لَمْ تَحْتَمِلْ شَغَبي.
كانَ الطّريقُ 
شاحِباً 
غاصّا بِدُموعِ الأهلِ
وَلَفَتات نُجومٍ 
بَيْنَ فَجَواتِ الصُّبْحِ
الْمُسْتفيقِ باكِراً 
عَلى وَداعِ 
النّسْوةِ الْحَميمِ
وَ وشْوَشاتِ العَصافيرِ
التي أفْشَتْ خَبَري 
إلى نَوافِذ الْجيران.
وكانَ النّدى خَضِلاً
عَلى الْمَناديلِ التي
لوّحَتْ تُوَدِّعُني !
وَعيْنا جَوادي 
عَلى الْمَحَطّاتِ القادِمَة.
انْهَمَرَ مِنهُ الشّوْقُ
إلى مُدُنٍ يعْرِفُ
مَنْزِلَتي عِنْدها .
و ها أنا ..في 
حُضْنِ الْمَساقاتِ 
أخوضُ حُزْناً 
نَحْوَ أنْدلُسٍ جادَها 
الْغَيْثُ 
إلى مَدينَةٍ عَلى هيْأةِ
أُُنْثى فاتِنَة الرّوحِ..
أبْراجُها تَغْفو في 
ذاكِرَتي..اسْمُها 
يا سادَتي قُرْطُبَة.
ها أنا أبْتَعِدُ 
والْمَنازِلُ مثلُ 
الظِّلّ تُمْحى..
و سَرْوَةُ الدّارِ عَن 
عيْني تغيبُ..
تَقولُ زُرْنا 
ثانِيَةً أيُّها الْفَتى !
مِنْ أجْلِ شَهادةِ 
الْميـلادِ..
أوْ رُؤيَة أحْبابٍ ما
وَدّعوكَ أيّها الوَلدُ .
وَأرْخيْتُ عِنانَ 
جَوادي مُبْتعِدا 
أقْطعُ مَفازَةَ امْرأةٍ
تنْفُثُ القيْضَ 
وَعُواءَ ذِئاب ! ؟
مُذْ أباحَتْ خَرائِطَها
لِخَيْل الرّومِ 
وضاجَعتِ الْفُرْسَ
وَغَضّ الطرْفَ 
عنْها العرَبُ .
تابَعْتُ طريقي 
سِرْتُ أبْحث 
عَن قَصيدٍ يكونُ 
رَغيفَ عمْري 
..وأُغْنِيَةٍ لأِنْدلُسٍ
يوْمَ (ت و ل د)؟

صَحْرَاؤُنَا شَقَاؤُهَا مِنَّا/ مصطفى منيغ

في واحة "المسيد" تمعنت المشهد جيدا وفهمت الكثير ، وواصلت المسير، لأتوقف عند نصب يجسم تلك المقاومة العريقة التي جعلت الاسبان ينقشون في ذاكرتهم وللأبد أن للصحراء أصحابها هم في ساحات الوغى ، أسَدٌ بجانب لَيْث ، بجانب ضِرْغام ، خَطٌ منهم ثابتٌ في الأرض ، ورؤوسهم عالية علو الكرامة الصحراوية الأصيلة وأياديهم مشدودة على شرف أغلى رمل افتخرت به البسيطة لُُوِّنَ باحْمِرار دم الشهداء، ليظل في خيلاء الفضلاء، بمثابة العهد على الوفاء، في عقول من بقي في تعداد الأحياء، موثق  بأنبل وأجمل الصور، شبهته في يُتمه وعدم الاكتراث بقيمة ما يرمز إليه بنصب آخر في الشمال وتحديدا في جماعة السواكن القريبة من مدينة القصر الكبير ، يجسم ذكرى عطرة من ذكريات مغرب السلف الصالح صانع ملحمة وادي المخازن الشامخة ما بقي التاريخ الحقيقي للشعوب المجاهدة معلمة من معالم التشبث بالدين الإسلامي ، وما بقى الآذان من فوق مآذن دور الله يعلن للصلاة حمدا وطاعة وتقربا لله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام ، ومع النصبين التذكارين يتجلى إهمال المسؤولين عن التراث الحضاري لبلادنا مقومات وأسس التحام شعبنا العظيم بأرضه ومدى التضحيات التي بدلها من أجل البقاء مصان الجانب مهاب الطلعة محفوظ الوحدة الترابية التي صنعها باسترجاع حقوقه بكل الوسائل المشروعة .

... اعتقدتُ ما مرة على امتداد ثلاثة عقود ونيف أن الصحراء انطلاقا من "الطاح" إلى "الكركرات" قد أصبحت جنة تتكدس فيها المشاريع الضخمة ، والناس سعداء بما يملكونه من شغل وتعليم وصحة وثقافة ، وما هم محاطون به من رعاية الدولة في الحد الأقصى ، لكن الصدمة كانت السمة التي جعلتني ألوم تلك الدعايات التي تركتنا في الشمال ننام في العسل وكان علينا أن نتخبط في الوادي الحار ذي المياه المضروبة ، كذب علينا من كذب وخذلنا من خذل ، وأبعدنا عن إدراك الحقائق كما هي مَن أبعد ، وكل ذلك من أجل منافع استحوذت عليها أقوام لا صلة لها بالمكان إلا بما تستغل فيه أكان عقارا أو تجزئة أو منتوجا بحريا أو مصنعا مهربا من أداء حتى واجب الدولة ، كيف تكون لهم الصلة وهم على هذه الدرجة من الجشع والتكالب على أرزاق هي للجميع إن كانت ثمة عدالة ، الآلاف من شباب الصحراء يتسكعون في الطرقات  بلا عمل وبلا مستقبل وقلة من المحظوظين يتمايلون نشوة وبطونهم منتفخة بما ازدردوه ظلما وعدوانا ، انها معادلة مصابة لا محالة بعلة البرص، قطعة سوداء ملتصقة بأخرى بيضاء وهكذا لمتم آخر شبر في الصحراء ، فأي منطق هذا يجعلنا نرتاح لاستقرار داخل هذا الجزء الغالي من والوطن ؟ .

... العيون العليا بتجزئاتها المتعددة المكونة لأحياء كالأمل والعودة وغيرهما كثير ، والعمارات المتصاعدة فيها والمؤسسات التعليمية المتوفرة بسخاء جنب البنايات الرسمية ، كالعيون السفلى المزدحمة باقامات وثكنات الجيش وما يرتبط به من مصالح ، كل هذا موضوع في كفة ، وعقلية الأهالي في كفة مقابلة ، بلا انسجام بينهما ولا اندماج فكري بالمفهوم الصحيح السليم للكلمة ، الأمر ذو دلالات لا تنأى عما أشرت إليه آنفا ، وإنها لوضعية مؤثرة لو أردنا صراحة وضع الأسباب على محك الدراسة للخروج بنتائج تؤدي لمحاسبة المفسدين الذين ساهموا لحد كبير في زحزحة صورة الدولة عن مكانها المعهود في بدايات التعمير والتشييد وإلحاق الحال بأحسن مآل ، والتعامل من جديد بما يصون كرامة الصحراويين في مجالات حيوية لسنا في حاجة لذكرها جملة وتفصيلا ، والتقليل من ممارسات لا تليق والبيئة الصحراوية المحافظة الميالة للحياء والحشمة ، التطور ليس معناه إبعاد ثقافة لتحل أخرى مكانها لاستيطان ميوعة ما كانت من جدية المقام في شيء ، أما المقاربة الأمنية فتلك حكاية أخرى الواجب إصغاء فصولها لضبط وقائع على أحداث ومقارنة الجميع بتصرفات تحدثت في شأنها الركبان جعلت ما أظهر المجمع في بعض الأحياء المغضوب عليها وفي جوهره بان من رفض قاطع لكل استفزاز المقصود منه حصر طموح شباب يرون خير بلدهم يقتات منه في فوضى عارمة قطيع من الغربان .

مصطفى منيغ
مدير نشر ورئيس تحرير جريدة الأمل المغربية
مدير فرع المملكة المغربية لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان (سيدني / استراليا)
شارع محمد الخامس، العمارة 81 مكرر، الطابق الأول رقم 5، سيدي قاسم، المغرب
البريد الإلكتروني :
mustaphamounirh@gmail.com

عندما نقتل الآخرين/ سهى بطرس قوجا

كانت جالسة في ذاك الركن من الكافيتيريا، تمضي فيهِ وقت استراحتها من العمل ومن ثم تعود. جلست ثم أخذت ترتشف قهوتها وتقرأ في مجلتها بهدوء، وبالصدفة وقع نظرها على شابًا جالسًا على طاولة قريبة منها، ينظر ويتبسم، لمْ تعرهُ أي اهتمام واستمرت برشف قهوتها!
بعد دقائق معدودات نظرتْ لذاك الشاب، ورأتهُ ما زال ينظر إليها ويبتسم! فشعرتْ بإرتباك ونرفزة، قائلة مع نفسها:" ما هذه الوقاحة؟!" فأخذها الاندفاع ونهضت من مقعدها وذهبت إليهِ، مُلقية المجلة التي كانت تُطالعها بوجههِ، قائلة:" هذا جزاءك؟!"، وخرجت من الكافيتريا!
بعدها بلحظات جاء والد الشاب، مُعطيًا عصا أبنهِ بيدهِ، ليتحسس بها طريقهُ إلى الخارج! لقد كان كفيف البصرّ، لا يُبصر شيئا سوّى الظلام! مسكينًا هو، رغم ذلك تلقى صفعة من إمرأة بمجلتها! 
هذا ما يحصل دائمًا نحكم على الأشياء من الظاهر، بدون التطرق إلى جوهرها ومضمونها، أي بمعنى نمارس السطحية في حياتنا على حساب حياة ناس آخرين بدون الغوص في الأعماق واكتشاف ما قد يفيد الحقيقة الخافية! صورة شاب يبتسم لفتاة أعطت للمجتمع انطباع بأنها مُعاكسة لا محالة، سواء للمُتلقي أو للشاهد! بمعنى سواء من مسهُ الموضوع أو من كان شاهدًا عليه. وفي الحالتين رسموا لتلك الحالة حقيقتها الزائفة بنسبة! فليس كل من ينظر لفتاة أو يبتسم نظن الظنون السلبية أكثر من الايجابية ونبني الافتراضات! لكن مع الأسف هذا واقع الكثير من المُجتمعات والأشخاص!
فكم وكم من ناس ظلمتْ بسبب الظنون، وكم من حياة توقفتْ وطواها الزمان بسبب الأفكار الشريرة التي تُدار في مُخيلة البعض، وكم من قصص وروايات حُيكتْ على أساس الظنون! مواقف تفهم على أساس خاطئ ويبنون عليها افتراضات ومُزايدات أخرى من عندهم! وباعتقادي كل هذا يأتي من تطبع الشخص بطباع بسبب ما يسمعهُ أو يراهُ في بيئتهِ المُعاشة ولابد من أن يفسر هذه الحالة على ذاك الأساس، وأيضا بسبب البعض من الأفكار المؤمنين بها والراسخة في عقولهم، ولكن هذا ليس عذراً لنمثلها على الآخرين.  
بشر لا يتعلمون أبدًا من خبرات وتجارب حياتهم وحياة غيرهم، وبشر لا يفكرون قبل أن يذمون وينقدون ويظلمون ويألمون غيرهم! تلك فتاة مُنعزلة بنفسها تتحدث في الهاتف؟! يا ترى من تُكلم، ولمْا هي واقفة بعيدة عن الجميع؟! ظنون مع أسئلة لا تنتهي! فقط يريدون قصص وحكايات يتكلمون فيها في المجالس. فتحاول أحداهم الذهاب إليها وسؤالها بإبتسامة ولطافة، رايتكِ تتحدثين في الهاتف، مع من كنتِ؟!
فضول زائد عن الحدّ، والفضول الأسوء حينما نعطي حرية لأنفسنْا بالتدخل في الحياة الشخصية للأفراد! ولكن تذكر المثل القائل:" من تدخل فيما لا يعنيه، لقيّ ما لا يرضيهِ"، ووقتها كيف سيكون منظرك وشعورك، عندما تتلقىّ ما لا يرضيك؟!     
سُأل أحدهم: هل لابدّ من ظن الخير بالآخرين دائما؟!
الخير في كل الأوقات لابد من التفكير به ومُمارستهِ في الحياة. لا يجوز أن نعمم حالة سلبية واحدة على حساب جماعة، كما لا يجوز أن نسيء الظن بالناس لمُجرد موقف أو كلام ونحللهُ على حسب نظرتنْا المُنفردة، بدون سماع الطرف الثاني، فظروف الحياة تحمل كل شيءٍ وأي شيءٍ. فلا يجوز أن نُجاري ونُحاور ونحوّر كل ما يقولوه الناس ويفعلونهُ، لأنهُ قد تحمل الصواب أو الضد! لذا لا يجوز أن نفسر الأشياء ونحصرها بزاوية رؤيتنا فقط!   
ونحن بدورنا نسأل: لمْا لا يكون المجتمع أكثر تحضرا ورقيًا، ويترك كل هذه العادات المُزعجة التي تعشش في أفكاره رغم كل ما وصل إليهِ الإنسان من ثقافة وانفتاح وتكنولوجيا، عادات تفرق أكثر مما تجمع؟! لمْا لا نحاول التعرف على ذواتنا، لمعرفة نقاط الضعف والقوة فيها، لنصلح ونُقوم ما يحتاج إلى تقويم؟! وتذكروا أنهُ بظنوننا السلبية تجاه الآخرين فأننا نقتلهم لا شعوريًا، وإذا مشينا مع التيار، فيجب أن ندفع الأحداث ولا نُعطيها الفرصة لتدفعنْا هي بمزاجها وحسب مُتقلباتها. 
من كتاب / شذرات من الحياة / خريف 2012

الإخـــــلاص الأنانـــــــي/ نبيل عوده

أدركت أن أجلها اقترب، وأن الأمنيات بحدوث تحول في وضعها الصحي قد تلاشى تماما. فاسْتَسلمت، أو خَضَعت بلا إرادة، وبلا شكوى، تنتظر، أو لا تنتظر، أن تغيب عن ذاتها ومحيطها، متسائلة كيف ستكون لحظة إغماض العينين للمرة الأخيرة في هذه الحياة التي لم تمهلها طويلا؟
زوجها كان يبدو لها أشد حزنا ما توقعته، مما أثار تفكيرها من مبالغة مقصودة. كان يجلس قرب سريرها، ممسكا بيدها بطريقة تذكرها بأيام عشقهما الأولى ، يوم كانت تفور بالحيوية والفرح والصبا والصبابة، مطأطئا رأسه بحزن بارز، يرتسم الحزن والألم على محياه بطريقة تجعلها غير مقتنعة، ولكنه للحقيقة لا يغادر مقعده قرب سريرها، ويواصل بإلحاح عليها أن تحاول تناول بعض الطعام الذي تحبه، ولكن نفسها لم تعد تطلب شيئا إلا انقضاء ساعات الألم الشديد حين يضعف مفعول الحقن المخدرة التي تجعلها نصف غائبة عن الوعي.
هذا الترابط بينهما، لفت انتباه الأطباء والممرضات، فرثوا لحاله بسرهم، ولكن ما باليد حيلة.
كان زوجها يلح على الأطباء بأسئلته واستفساراته عن وجود علاجات لم تطبق بعد ، وهل بالإمكان تجريبها على زوجته؟ ويضيف انه جاهز لكل المصاريف، وكان دائما يفعل ذلك حين تكون زوجته قادرة على السمع والانتباه لما يدور حولها. غير أن الأطباء يردون أن الوضع بات متأخرا، والأورام الخبيثة انتشرت وملأت جسدها، ولم يعد ما يمكن إنقاذه، إلا الطلب من الله أن لا يمد بعذابها.
كانت تقول له لا تقلق نفسك بي، أنا لم اعد اشعر برغبة إلا بإغماض عيني مرة أخيرة والانتقال للراحة الأبدية، ولكني قلقة عليك.
- لا اعرف كيف سأتصرف بدونك.. أنت حب حياتي الذي لا ينسى.
- الأيام كفيلة بعلاج الحزن، عشنا حياة سعيدة، وهذا ما سأحمله معي إلى القبر.
- خسارتي ستكون كبيرة ،لا بد أن تحدث عجيبة طبية..
- لا تدخل نفسك بأوهام .. قابل الحقيقة بدون أوهام. برجولة..  وهل للرجولة قيمة بدون جرأة ورباطة جاش وضبط النفس ؟
- وأين هي الرجولة أمام مأساة الفراق؟
- يا زوجي الطيب، كان أفلاطون يقرن الرجولة بفئة المحاربين، الفرسان، ويقرن الفضيلة بفئة الحكماء والفلاسفة، وأنت تعشق أفلاطون وتكثر من قراءة الفلسفة، فأتوقع منك أن تكون رجلا وحكيما في مواجهة ما سيأتي. لأني احبك ولا أريد أن تدمر حياتك بالحزن.
- لا اعرف ما سأفعل بدونك .. ولا يبدو أن الفلسفة تملك الإجابات التي تريحني .
- هل حقا كنت تحبني كل فترة زواجنا بنفس القدر والقوة التي ابتدأنا بها؟
- كما لم أحب امرأة من قبلك.
- ومن بعدي؟
- لا اعرف إذا كنت قادرا على حب امرأة غيرك.
- ولكن الإنسان أناني يا عزيزي بطبيعته، أليس كذلك؟
- هذا في الفلسفة، في الواقع كل شيء مختلف.
- كنت دائما تشرح لي نظريات ديمقريطس وابيقور، بقولهم أن الأنانية هي مذهب فلسفي عن طبيعة الإنسان، وأن الإنسان أناني بطبيعته، وعليه فهو يتوخى مصالحه، ولكنك كنت تقول بما أننا زوجان متحابان ، فنحن نطبق أنانيتنا المشتركة. كيف سميتها؟
- أنانية معقولة..
- هذا ما كان يقوله هيلفيتيوس.. بأن الإنسان يخضع أنانيته لخدمة المجتمع، وأنت تخضع أنانيتك لخدمة بيتنا السعيد؟؟ هل نسيت؟
- ليت الزمن يعود بنا إلى الوراء
- لا تتمنى المستحيل. الألم يشتد
- سأستدعي الممرضة.
- لا تفعل. أريد أن أتحدث معك، كما كنا قبل مرضي.
- أريدك أن تعودي للبيت تملئيه فرحا وسعادة.
- ألا تظن أن حلمك هذا ينبع من الطابع الأناني للإنسان؟
- تتفلسفين وأنت في قمة ألمك؟
- هل ما زلت تحبني بنفس القدر.
- ولن يتغير حبي.
- كفى.. اكتفي بحبك حتى ساعة رحيلي.
- فقدانك سيجعلني أحبك أكثر، وهذا لا يتناقض مع فلسفة أفلاطون وأصحابه.
- ستحبني أكثر لأني سأغادر عالمك وأمنحك الراحة من الارتباط مع امرأة مريضة تغيب عن الوعي أكثر مما تصحو.
- كيف تفكرين بهذا الشكل؟ إني أتألم لألمك ، وامسك دموعي بالقوة؟
- آسفة لم اقصد إيذاءك.
مسحت بيدها على جبينه محاولة الابتسام رغم الألم الشديد الذي يأكل جسدها.وسألته:
- صارحني.. ربما أموت اليوم أو بعد أسبوع على أكثر احتمال.. هل أحببت امرأة غيري..؟
- إطلاقا، كيف افعل ذلك وأنت تملئين علي حياتي؟
- وبعد وفاتي ، هل ستحب امرأة أخرى؟
- لا أظن.. ليس من السهل الإجابة على سؤال لم يراود تفكيري إطلاقا.
- ما زلت شابا، مثقفا، متنور العقل، ترغب بك كل امرأة بالغة العقل..هل ستعلن رهبنتك؟
- لا أعرف.. لا استطيع التفكير بامرأة غيرك.
- ما زلت تنفي أفلاطون وفلسفته.
- لو واجه أفلاطون ما أواجهه كان غير من فلسفته.
- لا ليس صحيحا. كل الرجال الصغار في السن يتزوجون بعد وفاة زوجاتهم مرة أخرى .. هل ستكون الشواذ على القاعدة؟
- أنا لا أفكر بهذا الشكل، أنت تتعبين نفسك، سأظل على حبك لوقت طويل.
- وبعد الوقت الطويل .. صارحني؟
- حسنا.. ربما ، ولكن ليس من السهل إيجاد امرأة مثلك. لا أعرف، ربما سأظل ابحث حتى يصيبني اليأس؟
- دعك من مراضاتي.اتفقنا ان الأنانية هي صفة انسانية، والفلسفة منذ افلاطون تنبهت لهذا الظاهرة،  أريد أن أطمئن عليك بعد وفاتي والموضوع لا يحزنني. أنانيتي سأدفنها معي.. هل تهرب من الجواب؟
- حسنا، ربما يحدث أن أجد امرأة مثلك وأحبها ونتزوج، على أن تعرف انك سيدة البيت حتى بعد وفاتك.
- وهل ستسكنان في نفس منزلنا؟
- لا أعرف، حاليا لا منزل لي غيره. إذا كان يضايقك الأمر لن افعل..
- لا يضايقني. أنت حر بعد وفاتي، ولكني أحب أن أعلم ما يطمئنني عليك.
- هذا إذا تزوجت..
- حسنا ، هذا اتفقنا عليه.. ستتزوج. ولكن قل لي هل ستستعملان غرفة نومنا، وتنام معها بنفس سريرنا؟
- يبدو ذلك إذا لم أغير المنزل، ولا تنسي انه منزلك وأنت سيدته دائما، ما دمت أنا حيا.
- أريد لك طول العمر، ولكن قل لي هل ستمارس مع زوجتك الجديدة الحب على سريرنا؟
- إذا تزوجت و..
- اتفقنا على انك ستتزوج. صارحني . ستمارسان الحب في غرفة نومنا وبسريرنا؟
- لنقل أن ذلك متوقع.
- الم تفكر بامرأة غيري خلال فترة ارتباطنا؟
- لا.
- ولم تغريك أي امرأة جميلة بأن تمارس معها الحب ؟
- حبك أغلق علي التفكير بنساء غيرك.
- تصر على مناقضة أفلاطون وأصحابه.. الم تقمع أي رغبة بمغامرة عابره مثلا؟
- أنا ؟ إطلاقا. حبك كان يكفيني.
- إذن ستكون لك بعدي امرأة أخرى تسكنها منزلي، وتضاجعها على سريري، أنا لست غاضبة. أنت تستحق ذلك.
- لماذا تشغلي فكرك بما لا يشغلني إطلاقا؟
- إنها ساعاتي الأخيرة، أريد أن أموت وأنا على يقين أن الرجل الذي أحببته سيعيش سعيدا من بعدي.
- سأكون حزينا لفراقك .. وربما لن أجد امرأة أحبها كما تتخيلين لأني لن أقبل امرأة أقل شأنا منك.
- حسنا ..ستتزوج، تسكن وإياها منزلنا، تستعملان غرفة نومنا، تمارسان الحب على سريرنا، ولكن قل لي، هل ستعطيها ملابسي أيضا؟
- إطلاقا لا.. إنها أنحف منك وأطول قامة وألوان ملابسك لا تناسبها ، و ..
- أطلب الممرضات على عجل، الألم لم يعد محمولا...

مِئوية الحرب العالمية الأولى وتداعياتها على فلسطين/ علي هويدي

بدأت الحرب العالمية الأولى في 28/7/1914، وانتهت في 11/11/1918، وخلال أكثر من أربعة سنوات من الحروب والمعارك الطاحنة، وعلى الرغم من أن أبرز طرفي الصراع قُوىً أوروبية، إلا أنه كان للحرب وتقسيمات مناطق الدولة العثمانية التاثيرات والتداعيات المباشرة على فلسطين وعلى مختلف الصعد الجيوسياسية والإقتصادية والإجتماعية والقانونية، فقد ظلت فلسطين تابعة للدولة العثمانية أربعة قرون من سنة 1516 وحتى 1918، وجاءت الحرب لتنهي حكم الدولة العثمانية، وليدخل الجنرال البريطاني اللمبي فلسطين في 31/10/1917 ليحتل كل من بئر السبع ثم غزة وتبعتها مدينة يافا ثم كامل فلسطين، وليطلق وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور وعده الشهير في الثاني من تشرين الثاني سنة 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا في نهاية القرن التاسع عشر في 29 آب/أوغسطس عام 1897 وكانت من أهم نتائجه، "إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن الهدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام"، وبقيت الصهيونية تنتظر الظروف المناسبة للإنقضاض على فلسطين. في العام 1901 حاولت الحركة الصهيونية إغراء السلطان عبد الحميد الثاني بالإستيلاء على فلسطين مقابل تسديد الديون المالية التي كانت غارقة فيها الدولة العثمانية وما بدأت تعانيه من التصدعات الإدارية في هيكلها وانعكاس هذا التصدع على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. رفض عبد الحميد العرض المغري وقال كلمته الشهيرة من خلال رسالة وجهها الى هرتزل " إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أنفسنا ونحن على قيد الحياة".  

خلال فترة اندلاع الحرب العالمية وفي الوقت الذي كان ينشغل فيه قادة الدول في كيفية تسيير المعارك كانت أيدٍ صهيونية خفية تراقب التطورات، ولا تحسم موقفها تجاه أي من الفريقين المتصارعين تنتظر النتائج، لتعود وتستغل مشاركة أكثر من مليون جندي يهودي في الحرب بجانب الحلفاء ليتحول إلى نقطة قوة ولفرض أمر واقع على الدول المشاركة لا سيما بريطانيا التي كانت لها أطماع في المنطقة العربية لتكون سباقة بإطلاق وعد بلفور كمكافأة للصهاينة على ما قدموه من مساعدات لبريطانيا إبان الحرب. 

استطاعت بريطانيا وبمساعدة الدول الكبرى وعلى مدى ثلاثين سنة هي فترة الإنتداب على فلسطين تحقيق حلم المنظمة الصهيونية والتمهيد لإقامة دولة "إسرائيل" وتسليم فلسطين كاملة للعصابات الصهيونية وممارسة النفوذ السياسي لفرض أمر واقع على الدول العظمى للإعتراف فيها على الرغم من معارضتها للقوانين الدولية كدولة إحتلال بعدم أحقيتها بوعد أو بتسليم إقليم محتل الى آخرين، والأنكى أنه وبعد مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى، فلا تزال بريطانيا حليفاً إستراتيجياً لدولة الإحتلال ولا تتردد في تقديم الدعم والمساعدات العسكرية واللوجستية التي تستخدمها في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم وبُناهم التحتية..، عدا عن العلاقات الدبلوماسية والتجارية.. والأهم الوقوف بجانب الإحتلال ودعمه معنوياً وسياسيا في المحافل الدولية لا سيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؛ وكأن الدول التي خاضت الحرب العالمية الأولى والثانية ومنها بريطانيا لم تتعلم من الخسارة الفادحة التي سببتها للإنسانية جمعاء، فقد قُتل في الحرب العالمية الأولى ما يزيد عن ثمانية ملايين جندي، وسبعة ملايين جندي آخر أصيب في إعاقة، وتدمير دول بأكملها، وقتل وتشريد وتهجير الملايين من المدنيين الأبرياء..

حاولت الدول العظمى تصليح ما خربته الحرب العالمية الأولى بإنشاء عصبة الأمم في العام 1922 وتكريس نظام عالمي جديد على أساس العدل والمساواة، لكن مع النفوذ الصهيوني فقدت دائرة العدل والمساواة أحد أبرز مُكمِّلاتها، إذ ضمت عصبة الأمم وعد بلفور إلى تشريعاتها. فشلت عصبة الأمم في تحقيق أهدافها واندلعت الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، لتنتهي بتشكيل هيئة الأمم المتحدة في العام 1945 التي عملت هي الأخرى على ضم تشريعات عصبة الأمم بما فيها وعد بلفور، ولتنتهي فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين بقيام دولة الكيان الإسرائيلي في 15/5/1948.

يأتي إنعقاد المؤتمر الأكاديمي الدولي في الثامن والتاسع من الجاري تشرين الثاني 2014، تحت عنوان "الحرب العالمية الأولى وأثرها على فلسطين – إرث مائة عام" والذي ينظمه في لندن كل من مركز الجزيرة للدراسات ومركز العودة الفلسطيني، وبمشاركة خبراء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ليشكل إضافة نوعية لأدوات الحراك الإستراتيجي لزوال الإحتلال وإسترجاع فلسطين، وليجيب عن تساؤلات ويناقش التحولات التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط نتيجة الحرب وفي القلب منها فلسطين. لعل إنتهاء قرن على الحرب العالمية الأولى وبدء قرن جديد، يمثل حالة من المراجعة السياسية والإنسانية والأخلاقية والقانونية الدولية، لرسم إستراتيجية جديدة هدفها إسترجاع الحقوق المعنوية والمادية التي سلبت ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، وفي المقدمة منها فلسطين.   

*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 6/11/2014

البصرة من تمصيرها حتى خرابها ،ورثاء ابن الرومي لها/ كريم مرزة الأسدي

من 14 هـ حتى 257 هـ /  635 م  - 871م  
البصرة الفيحاء , المدينة الزاهرة في الأعوام الغابرة , ثغر العراق الباسم ووجهه للقادم, وإنْ لم تكنْ في يوم من الأيام عاصمة سياسية للآنام , كحاضرات حضارات ما بين النهرين البائدة.. أكد سرجون وبابل حمورابي... , ومن ثم مدائن العراقيَن وحيرة اللخميين ,وعواصم خلافات وولايات الدول الإسلامية الصاعدة , من كوفة الجند , وواسط العِقد, وبغدادالرُشد, ربما يعود السبب لتطرف

 موقعها , وخطورة مأمنها , ورعناء جوّها ! ولكن كما نـُعتت من قبلُ , هي هي أم العراق ,

وخزانة العرب , وعين الدنيا , ذات الوشامين ,  وملتقى النهرين الخالدين  ,شكلت مع توأمها

الكوفة المصريَن , وإنْ تماهيت بها  عليك بالبصرتين ,  والبصرة شغلت الناس بجذور تاريخها

 وأصول تسميتها, داروا حولها وبحثوا عنها , إبتداءَ من  ( باب سالميتي ) المأخوذة من الأكدية ,

 وتعني ( باب البحر الأسفل ) , ووصلوا الى  سنحاريب الملك الأشوري (695 ق م) وحروبه

 البحرية , وانطلاقه من مينائها الذي كان يطلق عليه طريدون ( تريدون ),وحوله العرب تدريجيا

 بمرور الزمن الى (تدمر ) , بفذلكات هذه فذلكتها , لذلك أوردها الزبيدي في (تاج عروسه ) ,


 وزيد بن علي في ( مسنده ) كناية عن البصرة ,وأرجع الدكتور جواد علي في (مفصله ) كلمة (

 الأبلة ) - وهي من اسماء مينائها وأحد مناطقها الهامة  -  الى إصول أكدية لقبائل  حاربها

 سرجون الثاني , وانتصر عليها تدعى ( أوبولم ) , ووصل اسماء بعض مناطقها قبل الإسلام ,كما

 ذكرها الإمام علي في خطبته التي نقلها الحموي في ( معجم بلدانه )  الى (الخريبة ) و (السبخة )

 و (البصرة ) , و ( البصيرة ) بالتصغير  ,و حتى ( البصرة العظمى  ) , و (أرض الهند ) , كلها

 مناطق  لأجزاء منها , تطلق عليها من باب  إطلاق  الجزء على الكل , والطبري واضح في


 (تاريخه ) ,عندما يسرد هذه الجزئية في أحداث سنة 14هـ , وبما معناه , لما وصل عتبة بن

 غزوان ( المازني) الخريبة ,وشاهد القصب , وسمع نقيق الضفادع ,توقف قائلاً: إن أمير المؤمنين

 - ويقصد الخليفة عمر بن الخطاب - أمرني أن أنزل أقصى البر من أرض العرب , ,وأدنى أرض

 الريف من أرض العجم , فنزل الخريبة , وبالأبلة خمسمائة من الأساورة يحمونها , وكانت مرفأ


 السفن من الصين وما دونها , فسار عتبة فنزل دون الإجانة , ثم فتح الأبلة من بعد  بثلثمائة رجل

 , ووزع الغنيمة عليهم , فنال كل واحد منهم درهمين , ومن كلمة ( الصين وما دونها ) ,


 ونعتـُُها بـ ( أرض الهند ) , ومجاورتها لـ ( أرض العجم ) , وعمقها البر من  ( أرض العرب )

 , وما كنيت به  ( عين العراق ) , وزادها اليعقوبي ليجعلها ( أم الدنيا ) , يتبين مدى أهمية

 البصرة , ودورها الحيوي في جميع  المجالات , وموقعها الاستراتيجي للعراق خاصة , وللعرب

 والعالم عامة على امتداد التاريخ ,  لذلك تعرضت لما تعرضت إليه  من دمار وخراب ,وحروب

 فسراب , من يومها الى يومنا , تعلو فتكبو , وتهيج فترسو , يوم لها ويوم عليها , ولكن عقباها 

كما تراها , أعطت الكثير , وما أخذت حتى القليل .

    مهما يكن من أمر , من أين اشتق اسم البصرة , يقول العرب وهم أعرف بلغتهم  وأسرارها 

ومكوناتها ومكنوناتها , إنها الأرض الغليظة , والطين العلك فيه الحصى ,وحجارة رخوة فيها

 بياض , والجمع بصار , ويقول الطبري "والبصرة كانت تدعى أرض الهند ,فيها حجارة بيض

 خشن" ثم يردف ويعمم " والبصرة كل أرض حجارتها جص " وصب الأخفش بهذا المعنى , إذ

 يقول عنها : حجارة رخوة الى البياض ,ما هي وبها سميت البصرة  , والحموي يذهب في (


 معجمه البلداني) الى هذا المعنى في تعريفاته العديدة  وأريدك أن تركز على كلمة بياض , والجص

 وهو الجبس الأبيض ,والتعميم ( كل أرض) ,ه فالبصار موجودة -بشكل أو آخر - في أكثر من

 قطر عربي , هذه الأمور تجعلني أميل الى ربطها بالفعل ( بصرَ بصرأً وبصارة ) , فالأرض

 المبصورة والمرئية والمنظورة  من بعيد لبياض حجارتها , هي بصرة للعيان , وجمعها بصار ,

 مثلما يقول القائلون خضرة و خضار , فلا يمكنني أنْ أقبل من حمزة الأصفهاني قوله , إن البصرة

 كلمة أصلها فارسي من (بس رآه ) أو باصوراه , وتعني الطرق المتشعبة , ببساطة أين نرمي بقية

 مادة (بصر ) واشتقاقاتها  المتشعبة تشعب الطرق ! وأيضا بالرغم من انني لا أستطيع أن أنفي

 التداخلات اللغوية تداخل الشعوب , واختلاطها , وانحدارها من جذور متقاربة أو واحدة , لا

 استطيع أيضا  أن أقتنع سهولة ً بوجهة نظر الاستاذ يعقوب سركيس في ( مباحثه العراقية ) من

 انها انحدرت من كلمة كلدانية ,وتعني (الأقنية ) , أو باصرا ( محل الأكواخ ), أوتتركب من باب

 وكلمة (صيري ) الأكدية , والتي تعني  الصحراء , وبالتالي هي (باب الصحراء ) الى الجزيرة

 العربية , كل أمر جائز , إذا أخذ بشموليته , ولا مجال لتجزئة البصرة عن البصر, ولا يجوز نقل

 الآراء بدون نقاش وجدال ,كأنها حقائق مسلم بها , مهما كبر حجم قائلها   !! والله أعلم , تناولت

 هذا الموضوع بشيء من التفصيل عند تطرقي الى اسماء ا ( الحيرة ) ( الكوفة ) و (النجف ) لغة

 ,في أحد مؤلفاتي الذي بحثنت فيه تاريخ هذه المدن .
  
 المهم - مهما قيل وقالوا- مصرت البصرة أبان الفتح الإسلامي سنة  14هـ  635 م بأمر من


 لخليفة عمر بن الخطاب , إذ أشار الى قائده عتبة بن غزوان  المذكور , بإقامة ركائزها , ولملمة

 جنوده المحاربين بذراريهم ونسائهم , وعينه واليا عليها , كأول ولاية إإسلامية بعد الفتح المبين ,

 وعاونه في ذلك ساعده الأيمن المغيرة بن شعبة ,  وكان أول ما اختطوه المسجد الكبير , وهو

 شعار الدولة الإسلامية الفتية , ثم بنوا دار الإمارة , وعقبهما السجن وحمام الأمراء ,وسبع دساكر

 ( المفردة دسكرة ) من الخيام  , وهي قرى كبيرة , وذلك في منطقة الخريبة ,مكان مدينة الزبير

 الحالية , ثم استبدلت الخيام بأكواخ القصب حتى الحريق الكبير , فبنيت الأكواخ من اللبن على


 هيئة قوالب ( آجر غير مفخور ) , بعد أن استأذنوا الخليفة عمر فأجابهم "لا يزيدن أحدكم على

 ثلاثة أبيات , ولا تطاولوا البنيان ,وألزموا السنة تلزمكم الدولة ", وكان أول دار بنيت لنافع بن

 الحارث , ثم دار الصحابي معقل بن يسار المزني ,وأخذت تشق الطرق , وتحفر الأنهار , وتتسع

 البساتين , ولما جاء الخليفة عثمان بن عفان( 23 هـ -644 م ) ,اهتم بتعمير المصرين الكوفة

 والبصرة , وسمح بالتطاول في البنيان , ولما عابوه على ذلك , لم يلتفت الى صراخ المحتجين

 , فاستبدل اللبن بالآجر والجص والساج ,فآتسعت البصرتان حتى أصبحتا من أعظم مراكز الإسلام

 ازدحاما بالسكان ,  وقامت القصور المبنية بالحجارة والرخام , بأروع آيات الفن والجمال ,

 وأدرك العرب أنّ أرض البصرة تستطيب زراعة أشجار النخيل , فأكثروا منها  حتى ملأت

 ضفاف الأنهر والجدوال , واصطفت بنسق جميل ,تطلُّ على الشوارع  والأزقة , والطرق

 والبيوت , فروى الحموي  في (معجمه ) عن الرشيد قوله :"  نظرنا فاذا كل ذهب وفضة على

 وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة " , جنان ولا أبدع ,وحياة ولا اروع , وتفتح ولا أوسع ,


 آلاف السواقي والجداول والأنهار , أين منها بتلك الأيام , بندقية الرومان , وأمستردام الأرض

 المنخفضة هذه الايام   , وصلت مساحتها 225 كلم مربع,(فرسخان طولا ,وفرسخان عرضا ,

 والفرسخ 7,5 كيلو متر ), وعدد سكانها ناهز المليونين, تعج بالأسواق , وأهمها أربعة ,سوق

 المربد , وسوق باب الجامع , والسوق الكبير , وسوق الكلاء , مُلئت بالساج والعاج , والديباج

 والحلل ,وتوفرت فيها  أطعمة كل أطراف الدنيا ,مما عزّحتى على بغداد قبلة الدنيا , بل وقصر

 خلافتها الباذخ , وازدهرت فيها صناعات  , خُصت بها كمنسوجات الكتان وبزها و خزها

,والعطور والدبس والحلوى ...      
كانت تـُقسم البصرة  الى ثلاث مناطق مهمة, أولها  (الأبلة ) ,وسبقت تمصيرها كما أسلفنا , تقع

 على دجلة العوراء ( شط العرب ) في  الزاوية المطلة على الخليج الداخل إليها , ويتفرع منها نهر

 الأبلة , نظرأ لأهميتها التجارية والاقتصادية القصوى  ,حظيت بإهتمام خاص من قبل الخلفاء ,

 فشكلوا اسطولا لحمايتها من القراصنة ,وعينوا عاملا مستقلا لها , يتصل بالخليفة مباشرة , ولا

 يرتبط بوالي البصرة , وثانيها ( المربد ) وسوقه العتيد , إذ يجتمع فيه العرب من كافة الأقطار ,

 لبيع الإبل وإنشاد الأشعار, وتناقل الأخبار, فهي المركز الثقافي , ومتنفس الشعر العربي , ساعدها


 موقعها الغربي من المدينة , واتصاله بالبادية على ذلك , وثالث المناطق ( الخريبة ) , سميت بذلك

 لقصر عظيم ابتناه المرزبان فيها ,وخرب من بعد , فذهبت الخزينة , وبقت الخريبة محلة للفقراء

 والمستضعفين, يلوذ بها الثائرون والخارجون , تقع غرب الأبلة على بعد أربعة فراسخ من شط

 العرب ,حاول الخلفاء والولاة إرضاء سكانها ,فبنى واليها عيسى بن جعفر قصر منيفا فيها, ولما

 عاد الخليفة هارون الرشيد من مناسك الحج (180 هـ ) , مر على البصرة , نزل به , وما به !!


وهل تريد مني أن أحدثك عن  البصرة بعمقها الثقافي والشعري والفكري بهذه الأسطر العابرة

  , أراك أشفق علي مني ,أن تطلب ما لا أستطيع , ولا يستطيع غيري أن يلمه ويحيطه , فهي أكبر

 من الكبير , وأبصر من البصير !! وما انا الا عابر سبيل , للوصول الى ابن الرومي , و بكاء 

وعويل , وفي الحلقة القادمة سيأتيك الدليل !! , ولكن أشير إليك خاطفا , البصره - يا قاريء الكريم

 , وأنت الأدرى -   الفرزدق بوصفه وزهوه وفخره  , وجرير بهجائه وإيقاعه وبحره, وأبو الأسود

 الدؤلي بعلمه ونحوه وفصاحته , والحسن البصري بحديثه وفقهه ومهابته ,وواصل بن عطاء

 بإعتزاله ومعتزلته ,والأشعري برجوعه الى سنته , والفراهيدي بعروضه وعينه ولغته , وبشاربن

 برد بتجديده وعبثه وبصيرته , وأبو نؤاس بمجونه وخمرته وتوبته , وابن المقفع ببلاغته وكليلته

 ودمنته  ,والأصمعي بقوة حفظه ونوادره وروايته, وأبو الشمقمق بسحابه وأرضه ووجوديته 

, وسيبويه بقياسه وكتابه ومدرسته ,والجاحظ ببيانه وأدبه وضخامته, والكندي برسالته وإلهياته

 وفلسفته , وأخوان الصفا بتحفهم ومنطق كلامهم وجدليته , ولا أزيد , للوصول للشاعر الفريد ,

 ففي كل واحد ممن عدّدنا يخجل منه المزيد.

يا بصرة البصائر ..ما دار في الدوائر..!! 

الأخير هو الأول , والأمور بتواليها !! , فما كتبنا وما سنكتب في هذه الفقرة الا لنأتي على الفقرة الآتية ,وما  الفقرة الآتية الا بعبقرية شاعرنا  الفذ ابن الرومي - فالرجل يستحق التبجيل منا - , ورثائه الرائع للبصرة بقصيدته الخالدة المرتسمة على عيون الزمان , كقطرات من اللآلىء والجمان , تمرّالأعوام , فتجرُّ الأيام , والبصرة حالٌ على حال , من حرب الى حرب , ومن دمار الى دمار , ومن خراب الى خراب , بين هذا وذاك , فرصة عمل , وفسحة أمل , ونهضة إعمار , وإبداع أفكار .
مصرت البصرة قبل ستة أشهر من تمصير الكوفة سنة 14 هـ , تولاها عتبة بن غزوان ووافاه الأجل في السنة نفسها , وعقبه المغيرة بن شعبة لسنتين , ثم تربع عرشها أبو موسى الأشعري , وفي زمنه حدث الحريق الكبير بالمصرين , لأنّ بناءهما كان من القصب  , وكان حريق الكوفة أشدهما ,  وذكرنا إجراءات الخلفيتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان  بعده من قبل , وعام 36 هـ -656 م , تشهد  البصرة وقعة  الجمل , قتل فيها عشرة آلآف مناصفة بين الفريقين , وقيل عشرة آلآف من البصرة , وخمسة آلآف من الكوفة , على حد روايات الطبري , وتسير البصرة مستقرة , لم تحدث فيها وقائع جديرة بالذكر حتى قيام الدولة العباسية , ففي بداية حكم أبي العباس السفاح  132 هـ - 750م ,أوكل هذا الخليفة أمرها الى قائده سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهاب ,فخاض الأخيرمعارك عنيفة ضد فلول الأمويين وقادتهم الذين تمركزوا في البصرة , دامت لمدة اسبوع ,انتهت بهزيمة الأمويين بعد مقتل اثني عشر ألف نسمة , وهدم سبعة آلآف منزل , وسويت نصف أسواق المدينة بالتراب ,  ولما تولى المنصور عرش  أخيه الصغير السفاح سنة 136هـ - 754 م , مشت الأمور على حالها بالنسبة للبصرة , ولكن في سنة 142 هـ - 759م ,عزل الخليفة والي السند عيينة بن موسى بن كعب , بعد أن خلع الأخير منصوره  , فسار المنصور  بجيشه الجرار الى البصرة , فنزل معسكره بالقرب من الجسر الكبير , ووجه من هناك عمر بن حفصة بن أبي صفرة العتكي الى الهند والسند على رأس جيش كبير , لتولي أمرها ,فغلب وأصبح واليا , ولم تمض فترة طويلة , ففي سنة 145هـ 763 م , أعلن النفس الزكية ( محمد بن عبد الله  المحض بن الحسن المثنى بن الامام الحسن ) ثورته في المدينة , فخسر معركته , وذهب الى رحمة ربّه , ولم تتزامن ثورته مع ثورة أخيه ابراهيم الذي جمع جمعه وقواه بعد ثلاثة أشهر , وبادربها من البصرة بادئا ببضعة عشر رجلا فارسا , ثم  التف حوله الناس من كل حدب وصوب , فأحصي في ديوانه مائة ألف من عراة  البصرة , وسار من معسكره بالماخور من خريبة الفقراء متوجها الى الكوفة  , فأمر أبو جعفر المنصور قائده عيسى بن موسى أن يترك المدينة على حالها , ويتوجه الى البصرة , فسار بخمسة عشر ألفا , وجعل على مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلآف  , وألتقى الجمعان ببا خمرىقرب الكوفة , وكاد ابراهيم أن يحسم الأمر لصالحه , لولا القدر الذي أسقاه رمحا  مميتا , فأنشد المنصور متمثلا  ببيت معقر بن أوس, عندما وضع رأس ابراهيم بين يديه :
فألقت عصاها واستقر بها النوى  *** كما قرّ عينا بالإياب المسافر
الدنيا تدور , ولا مجال للفرار من دوائرها الغرور , وما قرّ به ابراهيم ,لابدّ أن يشرب كأسه المنصور, فعندما حلت سنة 158 هـ , سلّم (المجبور) الراية لابنه (المهدي) , وما شرع به الأول لمحاربة الزندقة , متهما المسكين ( عبد الله بن المقفع ) كاتب البصرة الشهيربها ,وما كان بينه وبينها الا التشدد في كتابة ولاية العهد للسيد المنصور   , سار عليه الثاني بالظلم والجورطوراً,وبالعدل والإنصاف تارة أخرى , فللمجتمع قيود وردود , ودين وحدود , والزنديق بالعربي , هو زنديك بالفارسي , وأطلقت الكلمة أساسا على المؤمن المخلص من أتباع ماني , ولما كفرت  الزرادشتية المانوية  , فأصبح الزنديك ملحدا بعرفهم , أما ابن منظور ففي لسانه يقول , الزنديق هو القائل ببقاء الدهر , يعني والقول لي , لا حساب ولا كتاب , ولا هم يحزنون , فألعبوا كما تشاءون , ..!! ثم تطور مفهومه لمن يضمر كفره , ويعلن إسلامه ... إنا لله وإنا إليه راجعون , المهم أنّ البصرة أخذت حصتها الكبرى من هذه الحملة الشعواء لخبطة عشواء , لأنها مدينة منفتحة ومتفتحة , تجد فيها ما لذ ّ وطاب , ومن سعى فخاب , ومن تزندق فتاب  , ويذكر الطبري في أحداث 167هـ :وفيها جدّ المهدي في طلب الزنادقة , والحث عنهم في الآفاق , وقتلهم , ويزيد في أحداث 168هـ , وفيها قتل المهدي الزنادقة في بغداد , أما  اليعقوبي فيصرح في هذا الصدد : كان المهدي قد ألحّ في طلب الزنادقة وقتلهم ,حتى قتل خلقا كثيرا , وممن قتلهم من الشخصيات الشهيرة  سنة 167هـ , كاتبه صالح بن أبي عبيد الله , وتتبع صالح بن عبد القدوس في البصرة , فهرب الى الشام ,فأتى به مخفورا  الى بغداد , وحاكمه الخليفة نفسه ,ثم استتابه فتاب, فلما خرج من عنده ,ذكر له قوله : 
والشيخ لا يترك أخلاقه *** حتى يوارى في ثرى رمسه
قال : وإنك لتقول هذا,فرده وضرب عنقه ,ولم يستتبه ,وبالرغم من أن بشاربن برد مدح الخليفتين العباسيين المنصور والمهدي , ولكن لم يفلت من هذه التهمة الخطيرة , بعد خلافه مع وزير المهدي يعقوب بن داود , مما أدى الى هجاء السيد الوزير , وخليفته معه في بيتيه الشهيرين ( بني أمية هبـوا طال نومكم ُ..) , فأستغلوا غزله الفاحش , ودعوته للفسق , وشعوبيته التي فرضت عليه , وقوله :
أبليس أفضل من أبيكم آدمٌ   *** فتبينوا  يا معشر   الفجار 
النار عنصره وآدم  طينة ٌ  *** والطين لا يسمو سمو النارِ
والآخر :
الأرض مظلمة والنار مشرقة ٌ *** والنار معبودة مذ كانت النار
 فرمي بالزندقة , وضرب سبعين سوطا  حتى الموت في البصرة ,وروى الأصفهاني لم يسير وراء جنازته الا أمة سوداء أعجمية !! وللناس فيما يذهبون بعض جنون , والشعر فنون !!
                                وفي سنة 199هـ , بدايات خلافة المأمون  , خرج أبو السرايا (السري بن منصور الشيباني) على أمر الدولة - لخلافات شخصية واستحقاقات مالية مع قائده  هرثمة بن أعين - , ومعه ابن طباطبا ( محمد بن ابراهيم العلوي ) , ولما توفي الآخير , أقام أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن يحيى بن زيد بن علي  , وكانت لثورته هزة كبيرة في الكوفة خاصة  والعراق عامة , ذهب ضحيتها مئات الآلآف , وفي هذه الأجواء  , أخذ البصرة العباس بن محمد بن موسى الجعفري , وزيد النار  (زيد بن الإمام موسى الكاظم ) , وانما سمي زيد النار  - كما يذكر الطبري في تاريخه , والأصفهاني في مقاتله  - لكثرة ما حرق من الدور بالبصرة ,من دور بني العباس وأتباعهم , وهرب والي الأهواز العباسي ( اسماعيل بن جعفر بن بن سليمان ) من أهوازه خوفا ورعبا من الزيد وناره ,ومن المضحك كان الوالي العباسي قد توعد دعبل الخزاعي بالمكروه ,فلما رآه دعبل بهذه الحالة المزرية هجاه قائلا :
لقد خلـّف الأهواز من خلف ظهره  *** وزيد وراء الزاب من أرض كسكر
يهوّل  اسماعيل  بالبيض    والقنا ***وقد فرّ من زيد بن موسى بن جعفر
وعاينته في  يوم خلـّى     حريمه  ***  فيا قبحها  منه    ويا حسن   منظر
انتهت هذه الثورة التي استمرت عشرة أشهر  سنة 200 هـ , بعد أن ظـُفربأبي السرايا مجروحا , ومعه محمد بن محمد العلوي في  جلولاء , وسلما الى وزير المأمون الحسن بن سهل , وكان في النهروان , فأمر بقطع رأس الأول , وارسال الثاني مخفورا الى الخليفة المأمون في خراسان .
وظهرعلى ساحة بطائح البصرة في عهدي الخليفتين المأمون والمعتصم الزط ذوو الإصول الهندية الفقيرة ,والذين كانوا قد عاثوا فسادا في طريق البصرة , فقطعوا الطريق , واحتملوا الغلات من البيادر بكسكر , وما يليها من البصرة ,وأخافوا السبيل ,فوجه المعتصم اليهم سنة 219هـ قائده عجيف بن عنبسة , فحاصرهم حصارا شديداَ , إذ وضع السدود , وسد الطرق , فقتل منهم ثلاثمائة في المعركة , وأسر خمسمائة , وقطع رؤوسهم , وأقام بإزاهم خمسة عشر يوماً , فظفر منهم بخلق كبير,وما مضت تسعة أشهر الا قلعهم من جذورهم رجالا ونساءا وأطفالا , ومروا مصطفين بأبواقهم على أطراف بغداد ( الزعفرانية ) , وكان عددهم يتجاوز سبعة وعشرين ألف نسمة  , ومن ثم  هجروا الى خانقين , ومنها الى أحد التغور حيث قضى عليهم الرومان .
ولكن أكبر وأخطر  حركة مرت بتاريخ البصرة , وهزت أركانها ,ودمرتها دمارا , وخربتها خرابا , هي حركة الزنج , ولا اسميها ثورة , رغم ما ذهب اليه الذاهبون , وتوسم فيها المتوسمون , ممن يبحث عن الدّر المكنون في البطون والمتون , لما يتخيلون !! ,استمرت حركة التمرد الزنجي خمسة عشر عاما (255 هـ - 270هـ / 869م -883م ) ,فلما تولى الخلافة (المهتدي ) بالأتراك , محمد ابن الواثق   أواخر رجب 255هـ , ظهر في فرات البصرة - بعد ثلاثة أشهر من خلافته  - رجل يزعم أنه علي بن محمد الزيدي العلوي ,وماهو - على أغلب الظن - الا من عبد القيس , وأمه من بني أسد بن خزيمة ,و من ساكني قرية في الري تدعى ورزنين , فإلتف حوله الزنج الذين يكسحون السباخ , إذ ذكرهم في خطبة العيد , بما كانوا عليه من سوء الحال , وأوعدهم بالتحرر والعبيد والمنازل والأموال , و( المهتدي) لم يبق في الحكم الا قليلا ,وأعني سنة الا قليلا !  فأتراكه أمروا أن تـُعصر خصيتاه , وتـُبعج بطنه , وخلفوا(المعتمد ) عليهم, أحمد ابن المتوكل  المعروف بابن فتيان  سنة 256هـ , ولكن لم يحسن هذا المعتمد اعتماده ,  فدخل  الزنج بمباركة صاحبهم ومشاركته الأبلة  والأهواز وعبادان ,فقتلوا الآلآف , ونهبوا آلآف الآلآف , وأسروا الغلمان  , وأضرموا النيران, وزادت الريح في مضاعفة الخسران , ولا أطيل عليكم في سنة 257هـ ,استطاع الزنج بزعامة زعيمهم  أن يقتحموا البصرة , بعد أن انتقلوا من السبخة الى مدينة أبي الخصيب , وآتخاذهم إياها عاصمة لهم , والطبري نقل إلينا الأحداث بشكل دقيق ومفصل , ولم يترك لآخر فيها مطمعا ,ومما ذكره :  بعد أن أحرقوا ونهبوا واقتدروا على البلد , وعلموا أنه لا مانع لهم منه , فأغبّّوا السبت والأحد , ثم غادوا البصرة يوم الأثنين , فلم يجدوا عنها مدافعا ,وجمع الناس , وأعطوا الأمان , ومع الأمان ذهبت الآمال بهم مذهبها , وخصوصا بعد أن حملت التنانير إليهم , تخيلوا - وبئس ما تخيلوا - وهم على ما فيه من الجوع , وشدة الحصار والجهد على أمر عظيم , فكثر الجمع ,, وجعل الناس يتوبون وما ذنبوا , ويزدادون وما قلـّوا , ويسترحمون وما رحموا ,حتى ارتفعت الشمس , فأ ُمِر الزنج بإحاطتهم , وغلق الأبواب دونهم , وأخذت السيوف تأخذ الرؤوس ,فلم تسمع غير التشهد والإستغاثة والضجيج , وما كانت التنانير الا لحرق  المسجد الجامع , وهبوا الى سوق الكلاء فحرقوه من الجبل الى الجسر, والنار في كل ذلك ,تأخ كل شيء سرت به من إنسان و وبهيمة وأثاث ومتاع , ثم ألحوا بالغدو والرواح لسبي الناس وسوقهم كالعبيد والإماء.
(المعتمد ) على الأتراك لم يجدِ نفعا , ولا هدّأ ولا سدّأ , فأخذ زمام المبادرة  من بعد أخوه ( الموفق) بالحزم والسطوة  والعزم , أبو أحمد طلحة بن أبي جعفر  المتوكل, فاستطاع بعد كرٍّ وفرٍّ , وأخذٍ وردّ أن يظفر بصاحب الزنج الورزنيني سنة 270هـ / 883م ,ويقتله , ويصفي حركته تماما  , ولقب على إثرها بناصر دين الله ,وبقى الموفق من بعد هو الخليفة الفعلي , وما المعتمد الا معتمدا حتى سنة 279هـ , حيث توفي الأول أولا , ومن بعد ستة أشهر وفي السنة نفسها توفي الثاني ثانيا, حيث استلم (المعتضد ) , وهو  أحمد بن طلحة ( الموفق ) زمام الخلافة فعليا ثم رسميا  ( 279 هـ - 289 هـ / 892 م - 902 م ) , وكان المعتضد من عظماء الخلفاء العباسيين تدبيرا وحزما وعلما وبأسا  , نقل العاصمة من ( سر من رأى ) الى بغداد  , ولقب السفاح الثاني , بأعتباره المؤسس الثاني للدولة , ولا سفاح عنده سوى الفلاح والنجاح الى أمد عمره عقد

العبقري الخالد ابن الرومي يبكي خراب البصرة  

ثورة الزنج  ( 255 - 270 هـ ) ،في أروع رثاء إنساني ، إليك القصة :
  ابن الرومي  علي بن العباس بن جريج, الشاعر العبقري الخالد من نكبة البصرة العظمى في التاريخ , والرجل عراقي المولد والنشأة والإقامة والنفس والأحاسيس , وعربي الشعر والشعور, وإنساني النزعة والجذور , لا عيب في روميته ,لا سابقاً, ولا لاحقاً, الا أنّه رومي !  :
والشـِّعر ُكالشـَّعر فيهِ ***مع  الشبيبة  شيبُ
كمْ  عائبٍ كلَّ  شيءٍ ****وكلُّ ما فيه  عيبُ
قدْ تحسن الرومُ شعراً **ما أحسنتهُ العُريبُ
يا منكرِ المجد  فيهمْ  **أليس منهمْ صهيبُ؟! 
عاصر الشاعر النكبة النكباء , وهو في ريعان شبابه ( عمره 36 سنة ) , مثله مثل الطبري المؤرخ العظيم  , فابن الرومي  من مواليد بغداد سنة 221هـ / 835 م , وتوفي مسموما فيها على يد الوزير القاسم بن عبيد الله سنة 283 هـ / 896 م , لم يغادر بغداده طيلة حياته سوى ثلاثة أشهر , لم يتوفق بالوصول الى الخلفاء , ولما وصل الى كرسي الوزارة دُحرج مسموما , خوفا من سلاطة لسانه , وإنطلاق قلمه , فالرجل كان  شاعر الناس ,, حامل همومهم , وكاشف كروبهم , مكمن أحلامهم , ومبيـّن آلآمهم , لا في عصره , إذ كان  تعيساً مغمورا, وموسوساًً معذورا, وعبقريا مهدورا , بل بما عكسه للأجيال عنهم   , فمن حسن حظنا , وحظ تاريخ الأدب العربي , أن يرسم بريشته الفذة ملامح أحداث المأساة البصرية لحظة لحظة , وصورة صورة , صور حية ناطقة , لا يستطيع حتى من شاهدها عيانا , أن يدركها إحساسا , نترك الأستاذ الكبير ابراهيم عبد القادرالمازني أن يبدي رأيه  في ابن الرومي و : " قصيدته الرائعة لما اقتحم الزنج البصرة , وأعملوا في أهلها السيف , وفي مساكنها ومساجدها النار , فقال ميميته الفريدة في لغة العرب , واستنفر فيها " الناس " - الناس أي الجمهور لا الخليفة ولا وزراءه ولا الأمراء -  وجعل يستنفرُّ نخوتهم فيها بوصف البصرة وعزّها وفرضتها ( مينائها ) ثم بالأهوال التي حلّت بها من غارة الزنوج و الفظائع التي إجترحوها , والحرمات التي استباحوها , ثم بتصوير الخراب الذي حلّ بها , والهوان الذي أصابها , ثم بتصوير الموقف في الآخرة حين يلتقي الضحايا والقاعدون عن نجدتهم "عند حاكم الحكام " ...وهي - والقول ما زال للمازني - قصيدة في الطبقة الأولى من الشعر , لو غيرت ما فيها من الأسماء والمحليات لخيل إليك أنها مما قال " بيرون " في سبيل استقلال اليونان أو " توماس هاردي " في إبان الحرب العظمى" ...وإنه لعجيب أن تخلو القصيدة من كل ذكر أو إشارة , صريحة أو خفية , للحكام , وليس يسع القارىء إلا أن يذكر بها ما كان يستفز به الكتاب والشعراء والجماهير في أممهم في إبان الحرب العظمى الأخيرة " حجارة بعصفورين - والأمثلة تضرب ولا تقاس - شاركنا رأيٌ آخر بابن الرومي وقصيدته العصماء ,وتذكـّرنا  وذكـّرنا بأحد أعمدة الكتاب العرب الكبار المعاصرين , فإنْ نظمَ الأولُ عقده عن قرب زماني  وبعد مكاني  , وأثنى الثاني وهو أبعد وأبعد , فأنا أكتب عن بصرتنا لفضل التعلم والتعليم والعرفان  , وحق الإستضافة  والإقامة والإحسان , وواجب الوطنية والقربى والإنسان , فهي أقرب من القريب , وإن كانت أبعد من البعيد !! المهم  أنّ القصيدة  وإنْ لا تعتبر من مطولات ابن الرومي كهمزياته في عتاب أبي القاسم الشطرنجي (149 بيتا ) , و في الوزير الذي صرعه مسموما القاسم بن عبيد الله (216 بيتا ) , وداليته في مدح  صاعد بن مخلد ( 282 بيتا ) , ورائيته في رثاء المغنية بستان جارية أم علي بنت الرأس (165 بيتا ) , ولاميته العملاقة في مدح وعتاب  علي بن يحيى النديم (337 بيتا ) , وميميته في مدح عبيد الله بن عبد الله (303 بيتا ) , وميميته الرائعة في رثاء أمه ( 205 بيتا ) , ونونيته الفريدة في مدح اسماعيل بن بلبل ( 231 بيتا ) ...    , نقول إنَّ القصيدة البصرية بالرغم من قصرها نسبة للمطولات الرومية , فإنها تعتبر ملحمة في المقاييس الشعرية ,تبلغ أبياتها ستة وثمانين بيتا منضدا , ولكن الأكثر من هذا منزلة  وأسمى روعة  ,إن البواعث للقصائد المشبهة بطولها شخصية , سيان لمصلحة تـُرتجى أو لوجدان يـُرتقى , اما الدوافع في  رثائه للبصرة ذات نزعة إنسانية شاملة , انتقل فيها من مجال الفرد الى أفق النوع  في زمن لم تكن صورة الوطن مرتسمة في العقل الجمعي الا بالسكن و الألفة المعاشة   , وقوله الشهير ( ولي وطن آليت آلأأبيعه ...) , لا يعني فيه الا سكنه ! ثم لم يلجأ فيها للعدل و الإنصاف سوى حاكم الحكام , وكفى بالله شهيدا , والقصيدة متماسكة , لايمكن تجزأتها , فليرجع إليها من شاء , ولو اننا نقتطع منها أجزاء للذكرى والوفاء , فيبدأها بالتحسر واللوعة والبكاء  :
ذادَ عن مقلتي   لـــذيذ المنــام***  شغلها عنه بالدموع السجام ِ 
أيُّ نوم ٍمن بعد ما حلّ بالبصـ  ****ـرةِ من تلكمُ الهنات العظام ِ
إنَّ هذا من الأمـــورِ لأمـــــــرٌ *** *كادَ أنْ لا يقومُ في الأوهام ِ
لهف نفسي عليك أيّتها البصـــ  ***ــرة ُلهفا كمثل لهبِ الضّرام ِ
و يتلهف عليها مرارا , ويعيدها تكرارا  , ويعضه إبهامه , ويزداد غرامه على مدى أعوامه , لأنها معدن الخيرات , وقبة الإسلام , وفرضة البلدان , ومن بعد لِمَ لا ؟! وجمعها متفان ٍ وعزّّّها مستضام  فيواصل لوصف ما حلّ بها  بالصارم الصمصام في مدلهم الظلام , وإليك بعض الصور المأساوية , مع تحفظي على ( عبيدهم )! , كما تحفظت من قبل على ( العبد ) المتنبي , لكلّ زمان ٍ عرفه ودلالته :
بينما أهلهـــــــــا بأحسن حـال ٍ**إذْ رماهم عبيدهم باصطلام ِ
دخلوها كأنهم قطــــــع الليـــــ**ــــل إذْ  راحَِ مدلهمَّ الظلام ِ
كمْ أغصّوا من شاربٍ بشراب ٍ**كمْ أغصّوا منْ طاعم ٍبطعامِ
كمْ أخ ٍ قدْ رأى أخـــاه صريعاً **تربَ الخدِّ بين صرعى كرام
كمْ أبٍ قدْ رأى عزيزَ بنيـــــهِ ** وهو يصلى بصارم ٍصمصامِ
كمْ فتاةٍ بخـــــــــاتمِ الله ِ بكــرٍ ***فضحوها جـهراَ بغير اكتتامِ            
كمْ فتاةٍ مصونــة قد سبوهــــا  **بارزاً وجههــــــا بغير لثـــِامِ
ألف ألف ٍ في ساعة ٍ قتلوهـمْ**ثمَّ ساقوا السّّباء كالأغنـــــامِ ِ
لا تتخيل رجاءً أنني قد جمعت لك كلّ ( كمكماته ) الخبرية  التكثيرية  حتى وصلت معه ومعك الى ( ألف ألف ) , كلا وألف كلا , فابن الرومي يجرّك من يديك , ويدور بك على الضحايا فردا فردا , بيتا بيتا , زنقة زنقة!! حتى يتيقن  من أنك قد استوفيت الصورة مندهشا , منحنيا له برأسك  , ولا يكتفي بهذا , ولا يهدُّ يديك ! الا وقد تأكد أنّ صوره : ومعانيه  استنفدت تماما  ,لا مطمع فيها لأحد ,ولا بقية لباق , فهو ضنين بها , حريص عليها ,  على حد تعبير   ابن رشيق في (عمدته) , و ابن خلكان من بعده  في (وفياته ) , نسيت أن أقول لك عندما ينتهي من ( كمكمكاته ) , يقذفك بسيل من ( رُبّاته) , ولا تذهب بك الظنون انه خففّ الوطأ ,ومال الى التقليل بالتغيير , كلا ..إنه يريد أن يمهد لذاكرتك الطريق للإنتقال من البصرة  المتدهورة الى البصرة المزدهرة لتقارن وتتأمل باستخدام كلّ الأساليب البلاغية , و ليبث خوالجه وعوالجه , ويريد منك  أن تربت  على كتفه , وتأخذ من خاطره ,وتقول له : أحسنت وأجدت , وهو جدير بهما أي  جدارة , إقرأ معي :
رٌبّ بيع ٍهنــــــاك قد أرخصوهُ *** طال ما قد غلا على  السّوام ِ
ربّ بيتٍ هنـــــاك قد أخرجوهُ  **  كان مآوى الضّعاف والأيتام ِ
ويواصل , رُبّ قصر دخلوه , وكان صعب المرام , وربّ ذي نعمة تركوه محالف الإعدام , وربّ قوم تشتت شملهم  بغير نظام , ثم ينوح ويولول  متسائلا عن بصرته العامرة  بـ ( أين )  , وهو الأدرى  بالجواب الصواب , خذ -  وقد أدخلك مرغما الى المرحلة الرابعة من فكرته دون أن تدري -  أين ضوضاء الخلق  فيها , وأسواقها ذوات الزحام ؟ وأين فلك فيها وفلك إليها ؟ .. مكنياً بذلك  عن الحركة والإزدهار أيام زمان  , وقبل أن تتنفس الصعداء , وتعلق الآمال  ,يدمج الصورتين , ويخلط اللونين   ,ويرسم صورا متداخلة ,  ناطقة بالآثام , صارخة بالآلآم  , نازفة الدماء لأجسام مقطعة الأوصال , حُشيت جروحها بالرمال , ويستعير الذل والهوان , ليكني بهما عن النعال تشبيها  ( استعارة مكنية ), ويقابلهما بالتبجيل والإعظام , ولكن نشرع ببُدلت :
بدّلت تلكم القصــــــور تلالاً ****من رمادٍومن ترابٍ رُكـــــامِ 
وخلت من حُلولها فهي قفـــرٌ  **لا ترى العين بين تلك الأكام
غير أيدٍ وأرجل ٍ بائنـــــاتٍ  *** نُبذت بينهنّ أفلاق هــــــــــام              
ووجوه ٍقد رملتها دمــــــــاءٌ * بأبي تلكم الوجـــوه الدوامــــي
وُطئت بالهوان والذل ّ قسراً  **بعد طول التبجيل والإعظــــام
لماذا هذا التصعيد يا شاعرنا , وقد قلبت صفحة من قبل ؟ , ربما - لو كان حيا - سيجيبني ويجيبك : ما لكما كيف تحكمان ,إن كنتما ذوي إلمام ِ؟!, ويشير بأنامله العشر الى المسجد الجامع قائلا: 
فأسألاه ولا جواب لديـــــــه ***أين عبّادهُ  الطوالُ القيـــــام ِ؟
أين عمّـاره الأولى عمّــروهُ ***دهرهم في تلاوةٍ وصيـــــام ِ؟
أين فتيانهُ الحســان ُ وجوهاً **أين أشياخهُ أولو الأحــــــلام ِ؟
كم خذلنامن ناسكٍ ذي اجتهادٍ***وفقيهٍ في دينــــــــــــهَ علاّم؟
إذا تجاوزنا الطباق الأيجابي في البيت الأول ( فأسألاه ولا جواب ) , وهذا المضاف ( الطوالُ) المعرف بتعريفين , الألف واللام والإضافة , وهو مغتفر , ويكثر منه ابن الرومي , أقول إذن شاعرتا صعد لغته , وأعاد كرّته , ليشجب موقف المتخاذلين , وصمت المجتهدين ,ويحث المتقاعسين عن نصرة المظلومين , ويحيل الأمر لرب العالمين :
واحيائي منهم إذا ما التقينا ***وهم عند حـــــاكم الحكـّـــــام ِ 
أي عذر  لنا ٍوأيّ جـــواب ٍ***حين ندعى على رؤوس الأنام  
القصيدة قصيدة , وابن الرومي ابن الرومي  , وبهذه العجالة, لم نزد من قيمتها شيئا , ولم نرفع شأن صاحبها مقاما , إنها مجرد نظرة عابرة بلمحة خاطفة , تذكرنا فيها بصرتنا الرائعة في أيامنا الضائعة , والذكرى نافعة  , والله من وراء القصد , وكفى بالله شهيدا , وكفى !! 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1) الطبري :تاريخ الرسل والملوك -ج 3 , 4 , 7 -دار المعارف بمصر - القاهرة 1970 م
(2) تاريخ اليعقوبي - ج 2 - دار الشريف الرضي -قم 1414 هـ
( 3) الحموي : معجم البلدان - ج ا - دار صادر - بيروت - 1957م
(4 )علي.. محمد كرد  : خطط البصرة - المجمع العلمي العراقي - بغداد - 1986م 
( 5)  يعقوب سركيس : مباحث عراقية - بغداد- 1957 م
(6) د . مصطفى.:... صلاح عبد الهادي  :البصرة في العصر العباسي الأول - موقع الكتروني 
(7) الاسدي ..كريم مرزة : تاريخ الحيرة..الكوفة ...الأطوار المبكرة للنجف الأشرف -  النجف -
 2007 م

يا بصرة َالبصائرِ النائحة 

 لكِ الله يا طيبة البلدان !! وإليك مني هذه الأشجان ,من (البحر السريع) على  السريع , وفاءً وعرفانْ ,للعلم والأيام والأوطان:

يا (بصرةَ) البصائرِ النائحة

إليكِ منـّي هذه   النـــــافحة ْ  ! :

عقباكِ مأســـاة ٌ على حالِها

"مـا أشبهَ الليلة َ بالبارحة ْ "!
            
 ليسَ لكِ غير عيــــــون ٍترى

خيراتكِ منْ أرضكِ طافحــــة ْ

لم تبقَ َأمُّ السعفِ في غــ،،ابةٍ

ولا نرى في ساحةٍ  (ناطحة ْ)!

   كمْ منْ خرابٍ ودمــــارٍ ٍمضى
  
والناسُ في أحــزانِها سـارحة ْ

قدْ أضمرَالدهرُومـــــنْ سخرهِ

لكلِّ  نطـّاح ٍ لــــهُ  نـــــاطحهْ !!

إنْ شتـّتَ الشّــملَ هوى عابثٍ

في وحدةِ الجمعِ القـوى ناجحة ْ
  
كمْ  صــــــــالح ٍ ضيّعهُ  حرصُهُ

فزجَّ فـــــــــي صـــالحهَ  طالحه ْ

قرّتْ عيــــونُ الناسِ في حلمِها

ولـّتْ دياجيرُ الدَجى   بارحـــــة ْ

لا خيَــــــــــبَ اللهُ لـــكِ  نهضـــة 

بُشراكِ فــي طيوركِ الســـــانحة ْ

فقدْ حكى التجريب ُفــــــي  لطفِها

ذات عقــــــول ٍ بالنهى  راجحــــة

لا تجزعي ســــلواكِ في حكمـــــةٍ

دنيا الورى غـــــــــــاديةٌ ٌ رائحة ْ!!