نادي حيفا الثقافي يكرّم فاطمة ذياب!/ آمال عوّاد رضوان



أقام نادي حيفا الثقافيّ أمسيةً تكريميّة، احتفاءً بالأديبة الروائيّة فاطمة يوسف ذياب، بتاريخ 27-9-2014 في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة، شارع الفرس 3، حيفا، وسط حضور نوعيّ خاصّ من أدباء وشعراء ومهتمّين بالأدب، وقد تولّى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، وتخللت الأمسية مداخلة فنية للكاتبة نهاي بيم، ومداخلات أدبيّة لكلّ من: عدلة شداد خشيبون، وعايدة الخطيب، ورحاب بريك، ووهيب وهبة، وجودت عيد، وآخرين، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكاريّة.
جاء في كلمة رشدي الماضي بعنوان: فراشتي لك، في نعمة النوم واليقظة، وقد أوقفتني جنيّتي الزرقاء في حلم القصيدة، أنا الهابط من أبديّة الكلام، أوقفتني آمِرة، فتبعتها ولم أسألها، كي لا أعصى لها أمرًا، فأنا هو الذي قد كنت دائمًا مُدمنًا على الرحيل في لغتي مدينتي، حيث تخبّئ الأرصفةُ في عبق الضادّ سرّي.. أحفظ طعمَ الحليب، وأسافر دون أن يُضنيني السفر، مُتكئًا على زوّادة من قمح وذكريات وموال حزين.. أستأنس بعزلتي، مثل شمس تأكلها أنياب الغربة في الشتاء، أنا الذي كنت دائمًا أبحث في مسافات المدينة. 
وجدتني ذات صبح جديد بعد ليل طويل، أحسّ شيئًا في جوهر الشيء، رأيت فيه ما أريد، ها هي الشمس تكمن فيّ قصيدة خالدة، تحدّق لترى، لتفهم، لترسم النهار سرًّا يُفسّر السرّ، ويوقظ الحجر، ليضعَ حرفًا فوق حرف، حاولت ألّا أضيع، فاخترت شارعًا لا يخون خطاي، ومشيت تغمرني أزهار الوقت، كي أظل في نشوة مُدهشة.. ناداني فنارٌ لا يُضلّل السفن، دلفت إلى فضاء رحراح، ينتهي بباب من شعاع، فإذا بي داخل مدينة سمّتها فاطمة ذياب "مدينة الريح"، أعشاشها زلقة، مَزاريبها مُندّاة تصفع الغيوم، وتأخذ الريح إلى أعلى النافذة. وقفت أمامها طويلًا، حدّقت فرأيت وجهها في المرآة نصفَ حزين، لكن عليه براءة الضحى، أصغيت لهمس فيض الكلام، فبلّلني نهر يفيض ويمضي، ثمّ يعود أجراسَ، خلاخيلَ، وحفيفَ أقراط وخشخشة أساور.. توسّلت إلى إلهٍ، فصحّح أخطاء وجهي وأخطاء يديّ، تقدّمت وأمسكت بفاطمة، أولستُ أنا الذي لها وهي التي لي، فإذا بها لمّا تزل قلبًا مطمئنًّا بعد صراع وانتصار أمام العاصفة، ومبدعة تترك ريشتها تهتزّ، لتنتفض وتؤصّل لفرح قادم، وتهبّ لتستمدّ من الحروف المكشوفة لها إبداعًا جميلًا.
فاطمة ذياب غيمة مثل اللغة، تمتلئ بالحزن والفرح، بالحبّ في أعمق معانيه، ليمرّ النمل إلى جذع شجرة واقفة، كما السراج من النهر إلى البحر.. فاطمة أيتها النسمة التي تهبّ في مدينة الريح بسمة، أنا لا أريدك شجرة وحيدة، فلتظلي أمام باب الحرف تغتسلين بالماء الذي يتدفق، قدماك الريح، وجسدك الأثر، فاطمتي، أنتِ أعلنت الحبّ في الناس، وصارعت قسوة الزمن وانتصرت، فاطلبي بسلام الرب وسلامٍ حتى مطلع الفجر، سلامَ الخروج نحو الحياة!
جاء في كلمة وهيب وهبة: أقول بما يليق بهذا المكان وهذه الكنيسة، عندما أصدرت كتابي (مفاتيح السماء) تم تكفير النص وكاتب النص، فقامت الكاتبة فاطمة ذياب بكتابة مقالة رائعة، دفاعًا عن كتاب مفاتيح السماء وسيرة سيدنا المسيح، والدفاع بهذا العنفوان والإصرار عن كلمة الحق، وأن تقول من هو السيد المسيح كما أراد ان يقول وهيب وهبة تمامًا، وأنه يبعث رسالة المحبة والسلام والإخاء، هذه الإنسانية المطلقة في العالم هي رسالة السيد المسيح، فهذا الموقف بالذات جعلني أنظر إلى فاطمة بعين أخرى تمامًا، وعدت إلى جميع ما كتبته فاطمة، حقا لقد كنت قد قرأت كل ما كتبت، لكن بعد هذا الموقف بعد قراءتي لكتابات فاطمة ذياب شعرت أن حياة هذه الكاتبة والمرأة الفلسطينية يجب أن تكون فيلما سينمائيا يعرض في العالم العربي، كي تكون نموذجا للمرأة الفلسطينية الناجحة المكافحة، في خضم صراع مستمر لا ينتهي، من أجل الحياة ومن أجل أن تكون موجودة، بالرغم من العمل والترمل، ولا ،ريد ،ن أذكر المأساة والكلام الحزين، فقد كانت عنيفة في الكتابة بقدر ما كانت عنيفة في الحياة، فهي تحدت الحياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فمن يفكر ان امرأة تستطيع إقامة كشك في المدرسة لتبيع الفلافل للطلاب ككاتبة وكإنسانة مناضلة، متحررة وتعمل في الصحافة، وتكتب لنا فكيف نظرنا اليها؟ أنا أقول بأننا مجتمع ظالم، نظلم المرأة في العمل، في الصداقة، في العلاقة، بالنظرة الدونية التي ننظر بها إليها، فهي كيان وهي وجود، وقد أرادت فاطمة أن تقول: إنني موجودة.   
عن أدب فاطمة المحور الثاني في حديثي أقول، أدبها كُتب ليكون ليس فقط باللغة العربية، بل ترجم إذ قامت الصحافة العبرية بمواكبة كل ما تكتب خصيصا لانها تكتب عن الانسانية والإنسان بصورة مطلقة، هذه هي الحميمية في الكتابة، أن تحمل رسالة لها مضامين وعاطفة، فهذا العالم الذي نعيش فيه يحتاج الى عاطفة، وهناك من يعتقد أن الإنسان يستطيع ان يعيش بلا حب، وانا لا أعتقد أن هناك مخلوقًا ناطقا يستطيع أن يحيا بلا حب، وفاطمة واكبت هذا الحب بالرغم من كل الصعاب، وبرغم الحياة القهرية والزواج والترمل والعمل، فأنا أبارك لها ولنا هذا الاحتفال، كونها استطاعت أن تشق طريقها بقامة عاليةأ وبخطوات ثابتة راسخة في عالم الأدب، وكل عام وانت بخير. 
جاء في كلمة عدلة خشيبون: أقدم لفاطمة ذياب بطاقة تهنئة لأيلول، فمساؤك خير عطر وسلام، ومساؤنا معك له نكهة  التّراب المعطّر بمطر وسميّ وأحلام. 
سيّدتي، أيّتها المحتفى بها في ليلة خريفيّة، أبت إلّا أن تحمل الرّبيع في أحشائها، دعيني في هذه اللّيلة أعشق الحريّة، أثمل من رحيق الإنسانيّة، وأهتف لك عفوًا ليس لك الهتاف، بل لأيلول، شكرًا أيلول شكرًا من أعمق أعماق الرّوح، لإهدائك نفحة روح مميزة بفاطمتنا الغالية، ولك يا جميلة بكلّ المعاني أقول: طوبى لك يا امرأة عشقت الحرف فاحتواها، ولاذت بمفردات دافئة، تعالج صقيع الغربة بثوب نسجته على نول محبتّها، فكان الثّوب دافئًا، وانقشع ضباب الآنين. طوباك يا امرأة طوّعت طوفان الذّل بسفينة أحلامها، لتصل شاطئ الآمان، ولسان حُلمها يقول لا مستحيل أمام الإرداة.
سيّدتي، أقولها ويمتلئ ثغري بالفخر، وتتزاحم معاني الإنسانيّة، يا امرأة حصدت قمح محبّتها، طحنته بمطحنة حنينها، عجنته بعرق كدّها، ونكهة مِلحهِ كانت من دموع عصيّة، وخميرتها كانت الكلمة الطّيبة، وقدمته رغيفًا تسابق إليه الجائع والفقير، شكرًا لأنّك سوّدت بياض أوراقنا، بمفردات جعلت منها للرّيح مدينة، وجعلتنا نسكن هذه المدينة العاصفة حبّا وسلامًا، ومن دفء مفرداتك نسجت لنا معاطف الأمان، حيث تقولين: (اصرخي كلّما احتجت للصراخ أصرخي بأوراق ومن غير أوراق.. كلّنا نحتاج للصراخ وصراخ الكتابة أصدق صراخ).
شكرًا لأيلول الذي بارك لنا بهدية، ومن قال أنّ الخريفَ خائن، سأدعوه لأن يلقاك يا امرأة جميلة بكلّ المعاني، أيلولنا يحمل في حناياه ربيعًا، يكسر فوضى الحواس بنسيم لطيف، من رقيق الكلام وعذوبة المفردات، علامة الاستفهام التي يرسمها هذا الزّمن القاسي، يُحوّلها مدادك إلى صرخة تصل الآذان دون استئذان، كلّ عام وأيلولك ينضح بمطر وسميّ رقيق كرقتك، عذب كعذوبتك، كلّ عام وأيلولك يترجم لنا زخات الشّتاء بشقائق النعمان والرّيحان. وأخيرًا.. من قال إنّ أيلول شهر خريفي بائس، فقد ظلمه، فكيف يكون بائسًا وقد أهدانا تاريخًا زيّن لنا رزنامتنا به، هو السابع والعشرين يومك يا غالية، كلّ عامّ وأنت الخير  وإلى سنين عديدة من العطاء.
وجاء في كلمة رحاب بريك: قراءة في كتاب مدينة الريح للأديبة فاطمة ذياب، ابنة قرية طمرة، حين تقرأ رواية الأديبة فاطمة ذياب، لا بد أن تتفاعل مع كل صفحاتها، أحداثها وتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، وستلاحظ منذ الوهلة الأولى أنك أمام أديبة جريئة، تتناول الحديث عن مواضيع، إن لم نقل لم يُكتب عنها من قبل، علينا أن نقول بأنه نادرًا ما كُتب عنها، كما أعتقد بأن الكثير مما كتبته عن بطلة القصة، هو واقع فاطمه ذياب، وسيرة حياة الأديبة فاطمة ذياب. 
شدتني أحداث روايتها، وأسلوبها الشيق في إلقاء الضوء على الكثير من قضايانا الاجتماعية والسياسية، ولم تنسَ بالتأكيد وضع المرأة العربية في مجتمع ذكوريّ، عادة وغالبًا لا يُنصفها، ويبدأ ذلك منذ اللحظة الأولى التي تولد فيها الطفلة الأنثى، التي غالبًا كانت حسب توقعات العائلة والأب بالذات (صبي). أكثر ما شدني هو أسلوبها الناقد الساخر بنفس الوقت، وهذا الأسلوب بالكتابة يشبه فاطمة بالواقع إلى حدّ بعيد، فمن يعرف فاطمة ذياب، سيكتشف امرأة كبيرة، عصامية، موجوعة، وسيشعر بمعاناتها حتى ولو كانت تلتزم الصمت، فإنّ وجهها مرآة تعكس خبايا ذاتها، ولكنها بالرغم من كل هذا، تحدثك عن هموم المرأة وهي مبتسمة. 
في الرواية لم تنسَ قضية الإعلام، وقد تحدثت عن بطلة القصة التي كانت تعمل كصحافية، وشرحت عن وضع الصحافيين والإعلاميين، كيف أنهم غالبًا ما يضطرون لكبت آرائهم، وتقييد حريتهم من قبل المرؤوس، وحتى من قبل زوجة المرؤوس، وهذا ليس بغريب على كاتبة، هي بالأصل صاحبة رسالة جريئة، لا تتراجع عن جعل قلمها مسنونًا، ليُلامس القضايا المركونة في زوايا نسياننا .
الجميل برواية فاطمة، أنها تأخذنا أحيانا في رحلة زمنية، تتنقل بنا بين الزمن الحاضر والزمان الماضي، فتكتب عن عادات وتقاليد كانت مُتّبعة، تثور من خلال كلماتها على بعض منها، وتكتب ببساطة عن بعضها، كقصة العروس التي لم تنجح ابنة عمها أخت العريس، بإتمام تطريز شرشف السرير قبل العرس، ممّا جعل أهل العروس يقرّرون تأجيل العرس حتى يتمّ تطريزه. ومن يقرأ أحداث روايتها، لا بدّ أن يلاحظ بأنها تمتلك روح مرحة، وذلك يتجلّى بالذات من خلال قصّتها عن صينية الدجاج، حين أرسلها والدها لإحضار صينية دجاج من عند الفران، ليقدمها كوجبة غداء لضيوفه، ولكن فاطمة البنت الشقية كانت طوال طريق عودتها، تمدّ يدها إلى الصينيّة التي وضعتها فوق رأسها، وتتناول قطع الدجاج تباعًا، حتى أتت على أغلبها.
في الرواية تلفت انتباهنا ثلاث شخصيات مركزية: الشخصية الأولى بطلة الرواية، التي كانت تتأرجح بين قوتها وضعفها، بين قيدها وتمرّدها على بعض العادات البالية، وقيدها الموضوع فوق لسانها قبل قلمها، وبين عشقها لحريّتها الفكريّة ورسالتها الأدبيّة، هذه كما أعتقد بالضبط هي سيرة ذاتية للكاتبة المرأة، الأم العاملة المكافحة، المناضلة في سبيل العيش الكريم فاطمة ذياب، حتى لو أدخلت وغيرت بعض التفاصيل، إلّا أنك تقرأ شخصية البطلة التي تظهر جليّا من خلال كل السطور. الشخصية الثانية: زميلها بالعمل الذي كانت تدخل معه بحواريات بين الحين والآخر، حواريات شيقة لا تخلو من بعض الحِكم والفلسفة. والشخصية الثالثة والجميلة بالرواية هي دبدوبة، الموجودة بكل امرأة فينا، فكل امرأة فينا كما لدى الكاتبة، لديها وجها تريد أن يراه الجميع، ودبدوبة أخرى طفلة صغيرة ضعيفة خائفة، أو امرأة قوية متمردة ثائرة ككل دبدوبة فينا، تريد أن تخفيه عن الجميع.
كانت بطلة الرواية تجري حوارا ذاتيًّا مع دبدوبتها، فتجد دبدوبة ثائرة متمردة أكثر من بطلة القصة نفسها، وتتحدث دبدوبة عن نفسها فتقول: صحيح بأني دبدوبة متسامحة قلبي طيب، ولكني سأتحوّل خلال ثانية إلى نمِرة، ومستعدة أن تمزق كلّ من يحاول مسّ أولادها بمكروه، هنا أيضًا لم تنسَ الكاتبة فاطمة ذياب أن تعطي مكانًا ومكانة للأم، فهي كأمّ ربت أولادها لوحدها، فعكست مشاعرها، حيث عبرت عن استعدادها للتحوّل للأمّ النمرة، التي ستكون على استعداد لأن تؤذي نفسها، كي تحافظ على سلامة أولادها.
أخيرًا، لا يسعني إلّا أن أقول: بأنّي شخصيّا استمتعت بقراءة الرواية، وشدتني تفاصيلها وأحداثها، وأنصح كل من يحب قراءة الروايات، أن يبحث عن رواية فاطمة ذياب (مدينة الريح)، فاطمة كياسمينة تعربشت على مدخل دارها، وتناثر عطرها مُرحّبًا بزوّارها، امرأة جميلة بملامح طفلة صغيرة، جلجلت ضحكتها البريئة فرحًا، فسمعتها ملائكة السماء، توسدت خدها المبتسم، وغفت لعلها تستريح، في مدينة عصفت فيها الريح! 
جاء في كلمة عايدة الخطيب: قاب قوسين أو أدنى كنت قريبة من الموت، حاصرك كأخطبوط، لفّ ذراعيه على شرفة أيامك، وأراد الانقضاض عليك، أحيانا كان يحاورك، وأحيانا أخرى كان يقفل شبابيك الحوار، حتى أحيانا عجز الطب من تشخيص حالتك، كنت مرارا أسألك: فتجيبين الفايروس اللعين، دخل جسدي الضعيف وعجز الأطباء عن تشخيصه، اقتربتِ من حافة الموت، وكانت العافية تمد لك لسانها وتلاعبك الغميضة، ومن ثم تهرب، كنت على يقين أن جسدك الضعيف لا يستطيع اللحاق بها، فتزيد من سرعتها، أما أنت كنت تنتظرين فرصة أخرى، وليس أمامك وأمامنا سوى الدعاء برجوع العافية. كنت تتأرجحين بين اليأس والتفاؤل، مشيت على طريق الشوك، وبإرادتك القوية مسحت الدماء، وبعنفوان صبرك وبإيمانك القاطع، أنك ما تزالين في دائرة الإبداع والعطاء، كنت تتحملين وتصبرين.
كنت دائما أتساءل، هل ستتغلب فاطمة ذياب الزميلة والنسيبة والمحببة إلى قلبي، على وعكتها، أم ستخط كلمة النهاية المؤلمة، كنت أغوص في دائرة التشاؤم والتفاؤل، وأمنّي نفسي وأقول، فاطمة شجاعة تغلّبت على معضلات كثيرة، والمرض سيكون من إحدى المعضلات، فقمت بالدعاء لك كثيرا في صلواتي، وطلبت من الله أن يهبك الشفاء والعافية، فاستجاب لدعواتي ودعوات محبي الأديبة فاطمة ذياب، فما زال للعمر بقية، وعلى الأرض ما يستحق الحياة، ثمّ توصلت إلى مقولة تقول: الكتاب والأدباء والشعراء لا يموتون بسرعة، فإبداعهم لا يتركهم. كل عام وأنت بألف خير صديقتي وزميلتي فاطمة ، والسعادة والعافية تخيم عند أعتاب بيتك.
جاء في مداخلة جودت عيد: ما أعرفه عن الكاتبة فاطمة ذياب أنها دمثة الخلق جميلة، وفي القراءات القليلة التي قرأتها لها كنت أتمتع بما تكتب، وأذكر أن مجلة الشرق خصصت لها عددا في تكريمها، وكان مثيرا لي أن أتصفح هذه الصفحات، ولكن بقي الهاجس أن أتعرف عليها شخصيا، واليوم كان قراري جميلا بأن استطعت أن أتعرف عليها عن قرب، وأشكر الله على هذا اللقاء الجميل معك ومع الحاضرين، وأعتذر منك ويجب على كل شعبنا أن يعتذر، لأنه لا ينكشف على الآخر وعلى مَن حوله، وإنما نعمل اعتبارا لكل ما ومن يأتينا من الخارج، فنتوجه لإصدار كتبنا في الخارج ولأسباب عدة، مع العلم أنّ لدينا خامات محلية مشرفة، ودائما كانت لدي نظرة جميلة ومشرفة لما تكتبين، واليوم بلورت هذه النظرة بتكريمك، فأنا لم أعلم عن نصك شيئا بسبب هذا الانحسار، والآن أعلم تفاصيل عديدة عنك، فأشكر حضورك المتميز الجميل والمتواضع هذا، والذي يخفى اليوم وللأسف عن كثيرين من المبدعين، فيحق لك هذا التكريم، فأنت كما الزهور في أمسية أيلولية الحضور.. وحاليا أكتب حوارية أيلولية بين رجل وامرأة على الساحة الافتراضية، وهي حوارية شعرية نثرية، فأيلول يعنينا كما يبدو، وأنت زينت أيلول بميلادك وبحضورك وبهذا الاحتفاء بك وبإبداعك، وإن شاء الله مزيدا من العطاء ومن الإبداع. 

ما هي الأعمال التي يقوم بها جبران باسيل لنصلي على نية استمرارها/ الياس بجاني

نسأل القيمين على الكنائس المسيحية في لبنان وبلاد الانتشار، ومعهم المجمع الشرقي الفاتيكاني، وأيضاً كل المرجعيات المسيحية المشرقية التي لا تتبع لحاضرة الفاتيكان، ترى هل تحولت معابدنا المسيحية إلى منابر للتسوّيق للسياسيين؟ وهل رسالة رجال ديننا المسيحي الناذرين العفة والطاعة والفقر هي التبجيل والتملق والاستجداء لرجال سياسة تحوم حول ممارساتهم وتحالفاتهم وأجنداتهم رزم من التساؤلات إن لم نقل أطناناً من الاتهامات؟ سؤال لا بد من الإجابة عليه لأن ما جرى في الولايات المتحدة، في كليفلند- أوهايو، أمس في قاعة كنيسة مار الياس هو غير مسبوق حيث صلى أباء الكنيسة الأجلاء “على نية حماية باسيل ليتمكن من الاستمرار بعمله”
(التقرير موضوع تعليقنا موجود في أسفل كما نشرته الوكالة الوطنية للإعلام حرفياً اليوم).
إن من أولى واجبات رجل الدين المسيحي أن يصون لسانه وان لا يشهد من خلاله إلا للحق كما يعلمنا القديس يعقوب في رسالته (01/من 26و27)، لأن الكلمة كانت منذ البدء وهي الله بمفهومنا الإنجيلي التي تجسدت وولدت المسيح. “وَإِنْ ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ، وَهُوَ لاَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، فَإِنَّهُ يَغُشُّ قَلْبَهُ، وَدِيَانَتُهُ غَيْرُ نَافِعَةٍ! فَالدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ فِي نَظَرِ اللهِ الآبِ، تَظْهَرُ فِي زِيَارَةِ الأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ لإِعَانَتِهِمْ فِي ضِيقِهِمْ، وَفِي صِيَانَةِ النَّفْسِ مِنَ التَّلَوُّثِ بِفَسَادِ الْعَالَمِ.”
كما أن ديننا المسيحي يعلمنا ضرورة عدم التبجيل والتفرقة بين الناس وفي رسالة القديس يعقوب (/02/من01حتى10) توصية لا تقبل الشك في هذا الشأن تقول:
“يا اخْوَتِي، نَظَراً لإِيمَانِكُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، لاَ تُعَامِلُوا النَّاسَ بِالانْحِيَازِ وَالتَّمْيِيزِ! لِنَفْرِضْ أَنَّ إِنْسَانَيْنِ دَخَلاَ مَجْمَعَكُمْ، أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ يَلْبَسُ ثِيَاباً فَاخِرَةً وَيُزَيِّنُ أَصَابِعَهُ بِخَوَاتِمَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالآخَرُ فَقِيرٌ يَلْبَسُ ثِيَاباً رِثَّةً. فَإِنْ رَحَّبْتُمْ بِالْغَنِيِّ قَائِلِينَ: «تَفَضَّلْ، اجْلِسْ هُنَا فِي الصَّدْرِ!» ثُمَّ قُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «وَأَنْتَ، قِفْ هُنَاكَ، أَوِ اقْعُدْ عَلَى الأَرْضِ عِنْدَ أَقْدَامِنَا!» فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ أَنَّكُمْ تُمَيِّزُونَ بَيْنَ النَّاسِ بِحَسَبِ طَبَقَاتِهِمْ، جَاعِلِينَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قُضَاةً ذَوِي أَفْكَارٍ سَيِّئَةٍ! فيا إخوتي الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللهُ الْفُقَرَاءَ فِي نَظَرِ النَّاسِ لِيَجْعَلَهُمْ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَيُعْطِيَهُمْ حَقَّ الإِرْثِ فِي الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ مُحِبِّيهِ؟ وَلكِنَّكُمْ أَنْتُمْ عَامَلْتُمُ الْفَقِيرَ مُعَامَلَةً مُهِينَةً. أَلاَ تَعْرِفُونَ أَنَّ الأَغْنِيَاءَ هُمُ الَّذِينَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَيَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِالْمَسِيحِ الَّذِي تَحْمِلُونَ اسْمَهُ الْجَمِيلَ؟ مَا أَحْسَنَ عَمَلَكُمْ حِينَ تُطَبِّقُونَ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ الْمُلُوكِيَّةَ الْوَارِدَةَ فِي الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ!» وَلكِنْ عِنْدَمَا تُعَامِلُونَ النَّاسَ بِالانْحِيَازِ وَالتَّمْيِيزِ، تَرْتَكِبُونَ خَطِيئَةً وَتَحْكُمُ عَلَيْكُمُ الشَّرِيعَةُ بِاعْتِبَارِكُمْ مُخَالِفِينَ لَهَا. فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ مَنْ يُطِيعُ جَمِيعَ الْوَصَايَا الْوَارِدَةِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، وَيُخَالِفُ وَاحِدَةً مِنْهَا فَقَطْ، يَصِيرُ مُذْنِباً، تَمَاماً كَالَّذِي يُخَالِفُ الْوَصَايَا كُلَّهَا”.
ترى أية أعمال صلى الأب الفاضل من أجل أن يستمر باسيل بعملها هو وعمه الجنرال عون؟
هل هي أعمال منع انتخاب رئيس جمهورية مسيحي للبنان يكون غير تابع لمحور الشر السوري-الإيراني؟
هل هي أعمال تعطيل جبران وعمه وربعهما من المرتزقة عمل مجلس النواب اللبناني؟
هل هي أعمال  التحالف مع المحتل الإيراني ومع ذراعه الإرهابية، حزب الله، الذي يعمل على تفكيك الكيان اللبناني وتهجير اللبنانيين وإقامة مكانه ولاية فقيهية تابعة لملالي إيران؟
هل هي أعمال موافقة جبران وعمه وحزبهما على سرقة حزب الله أراضي المسيحيين بالإغراءات المالية، والترغيب والترهيب والقوة والمصادرة وكل وسائل البلطجة؟
هل هي أعمال تأييد جبران وعمه وحزبهما الهجين لغزوة بيروت والجبل واعتبار الغزوة يوم مجيد؟
هل هي أعمال ومفاهيم العداء والحقد والانتقام ورفض الآخر والتسويّق للقتل التي يتبناها حليف جبران وعمه الجنرال، محور الشر-السوري-الإيراني؟
هل هي أعمال تحالف جبران وعمه مع نظام الأسد المجرم والكيماوي الذي أخل بالتوازن الديموغرافي اللبناني بتجنيس مليون شخص معظمهم من غير المسيحيين؟
هل هي في أعمال تسليم جبران وعمه ومرتزقتهما قرار ومصير لبنان واللبنانيين لملالي إيران ولذراعهم العسكرية، حزب الله؟
هل هي أعمال تغطية جبران وعمه وحزبهما اللقيط لحروب وإرهاب حزب الله في لبنان وسوريا واليمن والعراق وغزة ولكل أعمال الإرهاب التي يمارسها في عدد كبير من بلدان العالم؟
هل هي أعمال جبران وفريقه العوني في تغطية دويلات حزب الله مسيحياً؟
هل هي أعمال جبران كوزير من سمسرات وتنفيعات وفضائح مازوتها الأسود كسواد قلوب من قل إيمانهم وخار رجاؤهم؟
هل هي أعمال اغتيال الرئيس الحريري وكل قادة وأحرار ثورة الأرز التي قام بها حليفي جبران وعمه النظامين السوري والإيراني .
هل هي أعمال جبران وعمه في التخلي عن أهلنا اللاجئين في إسرائيل؟
هل هي أعمال جبران وعمه في التنكر لقضية أهلنا المعتقلين اعتباطاً في السجون السورية؟
وتطول أعمال هذا الجبران غير الإيمانية وغير اللبنانية، كما هرطقات عمه الجنرال التي لا تعد ولا تحصى، وتطول وتطول قائمة الشذوذ والهرطقات!!
ترى هل هي هذا الأعمال التي صلى الأب الفاضل على نية استمرار جبران بعملها؟
في الخلاصة إن الصلاة على نية جبران واستمراره بأعماله هي ممارسة دينية لا تمت لروحية الدين المسيحي بشيء ونقطة ع السطر.
ربي أحمي لبنان وشعبه من تجار الهيكل ومن كل من هم على شاكلة وبعقلية وثقافة الإسخريوتي والكتبة والفريسيين.

في أسفل التقرير موضوع تعليقنا
باسيل اختتم زيارته الى نيويورك بلقاء الجالية اللبنانية: خافوا على ارضكم وهويتكم ولغتكم ونعدكم بأننا سنعمل لاجلكم
الأحد 28 أيلول 2014 /  وطنية - اختتم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل زيارته الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العمومية للامم المتحدة، بجولة على الجالية اللبنانية في كليفلند- أوهايو، رافقه وزير التربية الياس بو صعب. وأقامت الجالية اللبنانية والجمعية اللبنانية الاميركية في أوهايو احتفالا تكريميا على شرف باسيل، حضره حشد من اللبنانيين الذين غصت بهم قاعات كنيسة مار الياس في كليفلند. وبعد النشيدين الاميركي واللبناني، رحب رئيس الجمعية اللبنانية الاميركية في أوهايو بباسيل، شاكرا له زيارته للولاية.
ثم صلى الأب نعيم خليل "على نية حماية باسيل ليتمكن من الاستمرار بعمله". كما كانت كلمتان ترحيبيتان بالوزيرين لكل من المونسنيور بيتر كرم وإدوار صعب.
باسيل
والقى باسيل كلمة قال فيها: "نأتي اليكم لنأخذ القوة منكم، لاننا نرى فيكم صورة لبنان الجميلة والمعنى اللبناني الاصيل. نحن ننتقل من خطر الى خطر، فنأتي اليكم لنأخذ القوة ونعود لنكمل المواجهة". أضاف: "في الوزارة نبحث عن الاشياء التي يمكن ان نوفرها لكم، خصوصا اننا نرى اننا مقصرين معكم ولكم حقوق لم تحصلوا عليها. فلبنان، بشقه المقيم، محروم من الكهرباء والماء ومن كل شيء. ولبنان المغترب، محروم من الهوية والطيران الوطني وكل ما يطلب منه هو المال".
وتابع: "لدينا الكثير من الافكار، من زرع ارزة في لبنان الى انشاء بيوت اغتراب تكون الرابط والملتقى بين المغتربين وارضهم، لكن الاهم ان نحافظ للوطن على ارضه وهويته، فالاثنان مهددان وعليكم مسؤولية. فالهوية جزء منها هو اللغة والجزء الاخر هو الانتماء والحفاظ على الجذور على الرغم من الاندماج في مجتمعات الاغتراب، وعلينا الحفاظ على الاثنين، الهوية والانتماء". ورأى "ان لبنان الذي مر عليه الكثير من الحضارات والثقافات والاديان والتعدد والتنوع، يواجه الآن بأشخاص يحاربونه بإسم الدين، وهذا الشيء يتطلب منا ان نكون في موقع المسؤولية للمحافظة على ارضنا وهويتنا والقيم التي مثلناها على مر السنين، فنحن على الخط الاول للمواجهة ومؤتمنون على التاريخ، لذلك ندفع دائما الثمن الاكبر".
وسأل "هل يتخيل احدكم ان بلدا يتحمل نصف عدد سكانه من النازحين، ويبقى صامدا؟ نعم انه لبنان. هل يتخيل احد ان داعش تحتل مئات آلاف الكيلومترات في سوريا والعراق ولا تأخذ قرية صغيرة في لبنان بعد مواجهة مع جيش صغير كالجيش اللبناني؟ نعم انه لبنان الذي هزم اسرائيل وسيهزم بجيشه داعش وكل مثيلاتها على ارضه، والمعركة مفتوحة. فمن استشهد من اجلنا لم يستشهد لنفرط بقضيته. نحن نأتي اليكم حاملين ذلك الارث، وهو ارث دم، وعلينا مسؤوليات كبيرة للحفاظ على لبنان، اهمها ان نكون موحدين في الحفاظ على ارضنا والدفاع عن بلدنا، لان الخطر يجمع، فكيف بأخطار وجودية وكيانية تواجهنا الآن".
وقال: "في الاغتراب رأيتموني ناشطا صغيرا في التيار الوطني الحر ام وزير خارجية كل لبنان؟ ممنوع ان نتنافس على اشياء صغيرة في الوقت الذي يواجه فيه لبنان اخطار كبيرة. من يفكر بلبنان المسيحي لا يعرف قيمة لبنان، وكذلك من يفكر بلبنان المسلم. قد نختلف على كثير من الاشياء، واحيانا أشياء كيانية كموضوع النازحين على ارضنا، فالبعض يقول انه يريد اقامة مخيمات ونحن من اليوم الاول قلنا انه لا يجوز ان يصل عدد النازحين الى هذا المستوى، واليوم نقول إن مخيمات النازحين تفجر لبنان لاننا لا نحتمل بقعا تتحول الى مصدر خطر، وبذلك نصبح مضطرين ان نتحمل تسميات من الخارج تتهمنا بان جيشنا يحافظ على امننا، بات الجيش اذا اراد الحفاظ على اهله بعرسال يتهم في الامم المتحدة بأنه يمس بحقوق النازحين، فيصبح من الممنوع علينا ان نقول إننا لبنانيون ولا تعود الارض ارضنا حين يأتي الاغراب كائنا من كانوا ومهما احببناهم، ونحن اساسا نحبهم من الفلسطيني الى السوري والعراقي، ولكن ليس اكثر من اللبناني". أضاف: "نختلف كيف نواجه الارهاب ونحن نقول ان الارهاب لا يمكن ان نتعاطى معه باللين، فقد وصلنا الى امور لا يجب ان نصل اليها، لذلك، وبعد تجربة السنوات الثلاثة لا يحق لاحد ان يتساهل في موضوع الارهاب وموضوع النزوح. إننا مجبرون ان نتحمل بعضنا وان نسامح بعضنا وان نقول: فلنتفق على الحد الادنى بدل الخلاف على الحد الاقصى. نحن مجبرون ان نبقى موحدين، لانه الشيء الاغلى المسؤولين عنه".وختم: "لم آت لأزيد الهموم عليكم. ومهما سمعتم ان الظروف صعبة، اعلموا اننا نتحمل ونصبر ولا نهتز، فلا تخافوا علينا بل خافوا على ارضكم وحافظوا عليها ولا تبيعوها وخافوا على هويتكم ولغتكم. نعدكم بأننا سنعمل لاجلكم. في هذه الرحلة اطلقنا مشروع "استثمر لنبقى"، واريد منكم جميعا المشاركة فيه لنربطكم اكثر ببلدكم". بعد ذلك أجاب باسيل على أسئلة المغتربين، فقال في موضوع "الرئيس القوي": "نحن المسيحيين في لبنان لسنا صورة على حائط ولا نريد الموقع لمجرد الموقع. نحن اقوياء ونريد ان نبقى كذلك وان يكون الرئيس في لبنان الرئيس المسيحي القوي والوحيد في الشرق القادر على قيادة بلد. واليوم من يتحسس الخطر الحقيقي عليه ان يأتي الينا ليقول لنا اعطوني احسن من هو لديكم، لذلك لا تخافوا، نريد من يمثلنا، عندما تحترم روح الدستور والقانون ننتخب رئيسا بدقيقتين".
وردا على سؤال عن مواجهة داعش، قال: "نحن في لبنان نواجه داعش وجيشنا يواجه، لكننا بحاجة لمحاربة الايديولوجيا ايضا، ونحن بطليعة هذه المعركة". وذكر بأن الولايات المتحدة "سارعت لمساعدة الجيش اللبناني"، مطالبا الدول الاخرى بأن تساعد ايضا.
وسئل "لماذا لا يتم اعدام موقوفين في سجن روميه ردا على ذبح العسكريين"، فقال: "الشر لا يقابل بالشر وهذه ليست طبيعتنا". وفي ختام اللقاء تسلم باسيل دروعا ورسائل تكريمية. وكانت الجمعية اللبنانية الاميركية في اوهايا قد اقامت ايضا غداء عمل لباسيل في مقر الجمعية، حضره عدد من الاعضاء. 

أنت ِمولاتي/ د. موفق ساوا


منذ ُإطلاق صرخـَتي الأولى
هَجـَمـَتْ مَصابيحُ  طيور ِكِ مولاتي
على مدني النائمة ِ في دجى الطرقات ِ
فَـَشـَبَّ الضوءُ في كياني
ومشيت ُبين الاعشاب ِ
أركلُ الاحجارَ بأقدامي
مشيت ُ... فسميتـُك ِ ...
أنت ِمولاتي.

تـَرَهْـبـَـَنـْتُ في محرابـِك ِ
كي لا  أتدحرج ُيوما ً نحو الوادي
فما زلت ُاغوص في بحرك ِ الهادي
ما برحتُ أشربُ من ينبوعـِك ِ الصافي
فما إرتويتُ حتى غـزا الشيب ُرأسي

عشقتُ شموخ َ قامـتـَكِ
قـَبَــلـّتُ جبينك ِالعالي
فدبَّ الهوى في فؤادي
وبقى قلبي يرقصُ بين أضلاعي

في صومعـتي ...
في مهجري ... الآن
أُشاهدُ شريط َ ذكرياتي
وأنا ما زلت ُ أتلو مزاميرَ
أسطورة َ مآساتك ِ ... مآساتي
واحفر ُ في صخور ِ كهف الزمان
حكاياتك ِ ... حكاياتي
ونقرع  معا ً أجراسَ الحنين
للنشيد الأتي.

إعزفي يا مولاتي
بمزمارِك ِ لتشفي دائي
دقي أجراسَ معبدك ِ
لتوقضَ النائمين َمن غفلتِهم
أعزفي على قيثارتـِك ِواعلني
ان العصافير َ وأنْ هـَجـَرَتْ
تعودُ يوما ًلتمزقَ ثيابَ الليل البالي

كيف ابدأ ..؟!
ومن أين أبدأ
وكيف ابوح ُ لك ِمولاتي ..!!
أمنذ ُ أنْ قـَطـَّرت ِ ماءِ الحياة
في دمائي...؟؟!!.

كلما أُحاول أنْ أبدأ ...
لأُسجلَ كلََّ شقائي وعذاباتي
تتساقط أمطارُك ِلتجرف َُفايروساتي.

كنتُ دوما ًأراك ِ مولاتي
مـُدنا ًبلا دخان ِ
وواحة للعشاق ِ...
حروفك ِ.. ألوانك ..أسمُكِ
باتت راياتي
ترفرف فوق رابيتي

جـئت ِ مولاتي
شُعاعا ًوينبوعا ً
ففتحت ِ بجيوشك ِ قلاعي
فاسْـتـَسْـلـَمـَتْ طربا ً مدن قلبي
لك ِمولاتي ...
فنذرت ُ لك جميع مملكاتي

فـضـت ِ كما يفيضُ البحـرُ
على صحرائي
حطمت ِ جدراني
سَـبـَّحـْتُ بإسمك ِ
فـَصـَفـَّقـَتْ لك ِ مولاتي،
تبجيلا، فاكهة َبستاني

عشقتك ِطفلا ً... مولاتي
وما زلت .....
بعد ان غزا (الطائر) الاسود بلادي

عشقتك ِ مولاتي
فمن يعشَقـُك ِ
لا يعرف الموت طريقا ً
لقاماتك الشامخة ... وقاماتي

من اين أبدا مولاتي
من أيـَّة ِ مصادر باتت أقتباساتي
أمِنْ كتب ٍممزقة ٍ يقطرُ منها الدمُ القاني
أو مِنْ أوراق ٍمحروقة ٍفي فصول ِالدخان ِ

كيف ابدا كلماتي
لأنقشَ لك ِ حكاياتي
لأتركْ على وجنتيك ِ قبلاتي

لا القلب ُ غادرَ نبضاتـُكِ
ولا نبضاتك تنبض خارج نبضاتي
ولا استبدلت ُ ردائـَكِ
منذ ان صار ردائي

جمعتُ، مولاتي،
بحور الشعـر لأكتب لك قصائدي
وأُنظِّمُ لكِ بيتاً بلا اوزان وبلا  قواف ٍ
فانطفأت إضاءة المسرح
وأظلمتْ الصالة
وبقيت ِ انت ِمشاهد كل فصولي
وان غابَ النصُ....
 فانت تبقين عنوان مسرحياتي

عشقتك كتلميذ  ٍإبتدائي
تخرجتُ من مدرستـِكِ
ألأول في الفصل النهائي
تعلقتُ بأهدابكِ ... برموشك ِ
وتعلمتُ كتابة حروفك ِ
من شين الى تاء ِ
تعلمتُ في قلاعـِكِ
ان اكتبَ بلون ِدمائك ِ...
اسماء َ الشهداء ِ

أيا نجمة ً في ظلماتي
اليكِ يا مولاتي ....
لا أشكو غربتي واغترابي
كنت ِ وما زلت ِ شمسَ  زماني          
انقذت ِ مركبي من الطوفان
واطفيت ِ ما شَبَّ فيه من نيران
خط  الدمعُ  اسمُك ِعلى صفحات ديواني
وما زلتُ أمشي بين الاعشابِ
اركلُ الاحجارَ بأقدامي
مشيت ُ... فسميتك ِ..
مشينا... فسميناك...
أنت مولاتي.

أحــــــــــــــــــــــــــــلام/ طوني حنَّا



كــــــــــــل مَـــــــــرَّه بـــتـــحـــــاكــــيــــنـي
مــــــــــن حلــــمـــــي بْــــــــفـــِــــــيــــــــــق
وَعِّــــيــــنــــــي ومــــــــــــــــــا تـْخــلِّــيــنـي
عـــــايــش بــــــالــــــــضـــــــِــــيــــــــــــــق.

عـــــْــــــرفْـــــتـــــــي يَـللي حـــبَّــــيـــتِــــــك
حـُــــــــــــبِّــــــــــــــك إعـــــــــــــــــــــــــــدام
هْـــــــربـــتــــي مـــــنِّــــــــي ولْــــقـــيـــتِـــك
بـــَـــــــــيـــــــــــــن الأحــــــــــــــــــــــــــــلام
فــــــــــــــــوق الـــــــــــــورده غـــنَّـــيـــتِـــك
بـــــــــــــدمــــــــــــــــــــوع قـــــــــْــــــــــلام
جْــــرحــــــتـــــــي قلبي اللي عْـطــيـــتِــــك
والـــــقــــــلــــــب رقـــــــــــــيـــــــــــــــق...

طوني حنَّا (النسر)

دراسة لديوان "لو ينطق الشَّمال" للشَّاعر الدكتور نديم حسين/ حاتم جوعيه

مقدمة: ألشاعر والاديب الدكتور "نديم حسين" من سكان قرية الرامة الجليلية ويسكن حاليا في قرية عسفيا – قضاء حيفا. حاصل على شهادة الدكتوراة في الطب وعلى شهادة البكالوريوس "B.A" في موضوع الفلسفة واللاهوت وعلم النفس.
يكتب الشعر والمقالات الادبية و السياسية والدراسات النقدية منذ اكثر من عشرين عاما. نشر الكثير من انتاجه الشعري والنثري في معظم صحف ومجلات البلاد، وكما عمل محررا في اكثر من جريدة ومجلة محلية، مثل: صحيفة "الميدان" و "الاخبار" وغيرها. 
اصدر العديد من الدواوين الشعرية والكتب النثرية التي تضم العديد من المقالات التي نشرت سابقا في مختلف الصحف المحلية. ومن الكتب والدواوين التي اصدرها: 1- ديوان لو ينطق الشمال، 2- ديوان روح السكر الآتي، 3- ديوان حاوليني مرة اخرى، 4- فتوى لعين فاطمة، 5- يونس يهذي روحه، 6- مرايا الغريب وغيرها. وسأتناول في هذا البحث احد ديوانه الشعري "لو ينطق الشمال" وسأركز الدراسة على بعض القصائد من هذا الديوان.
مدخل: الشاعر والاديب الدكتور "نديم حسين" يحظى بشعبية وشهرة واسعة النطاق محليا، وقد كتب عن دواوينه الشعرية الصادرة العديد من الادباء والنقاد المحليين واقيمت له عدة امسيات تكريمية وهو اهل لكل تكريم وحفاوة نظرا للمستوى الابداعي لديه وعطائه الغزير والمميز جماليا وفنيا.
اذا نظرنا من ناحية شكيلية لكتابات الدكتور نديم الشعرية نجده يكتب شعر التفعيلة الموزون، والشعر الكلاسيكي "العمودي" ويكتب ايضا القصيدة النثرية الحرة.. وقد ابدع في جميع هذه المجالات.
وجميعنا يعرف ان الدكتور "نديم" يمتلك ثقافة واسعة في جميع المجالات العلمية والادبية، ويتقن عدة لغات اجنبية، كما انه مطلع على معظم الادب الغربي "الاجنبي" وعلى الادب العربي جميعه (القديم والحديث).
يتناول نديم في كتاباته جميع المواضيع: الوطنية والسياسية، والانسانية والوجدانية والفلسفية وحتى الغزلية والوصفية احيانا.
ولغة نديم في الشعر الحديث قوية جدا وجميلة ومتينة وجذابة للقراء. وهو يركز على القافية ويستعمل قوافي متعددة ويتفنّن في كيفية ترتيب القوافي، ويستعمل كثيرا التوظيفات الدلالية والرموز والايحاءات الجديدة والومضات الخلابة حيث أبدع بشكل مميز عن باقي الشعراء المحليين.
ان قاموس نديم حسين الشعري واسع جدا ويختلف كثيرا، كما ذكرت عن قواميس وعالم وخيال الشعراء الآخرين، فهو بدوره لا يكتفي او يرضى بالقوالب الشعرية الجاهزة والمهيأة، ولا يأخذ اشياء أكل الدهر عليها وشرب او صورة وفكرة معينة مستهلكة ومستعملة كثيرا فيطورها كمعظم الشعراء القدامى والجدد.. بل العكس تماما، فكل ما يكتبه نديم هو جديد ومبتكر، وكل عبارة او جملة شعرية يكتبها في اية قصيدة له لا نجد شبيها لها او تقاربا عن غيره ابدا من ناحية نوعية الفكرة والتصوير البياني والبلاغي والاستعارة والابتكار. انه موغل جدا ومتعمق في التوظيف الدلالي وفي تطوير المفردات اللغوية والبلاغية وفي خلق ووضع الرموز والتشبيهات العميقة الجليلة والجميلة وفي اسدال هالة جميلة على شعره من الغموض والابهام المحبب والساحر. وكل من يريد فهم شعره بتوسع يجب ان يكون على مستوى عالٍ من الثقافة والاطلاع، ويكون ملمّا بجميع المواضيع والثقافات ودارسا للادب والتاريخ جميعه الغربي (الاجنبي) والعربي - القديم والحديث. ولكنه حتى الآن لم يأخذ حقه كما يجب من حيث الشهرة والانتشار على المستوى العالمي – فجدير بشعره ان يترجم للغات اجنبية عديدة ويدرّس في كل مكان.
وبالاضافة الى التوظيفات الدلالية والرموز في شعره نجد عنده بشكل مكثف العناصر الجمالية والفنية المتكاملة والعذوبة والطابع والنكهة الخاصة التي يتحلى بها شعره والجاذبية المتميزة الاخاذة – حيث كل انسان يقرأ له فيقرأ بشغف وبتمتع حتى لو كان ثقافة الشخص  محدودة وسطحية لان كتاباته جميعها لها اريج وسحر خاص، وهذا هو الشعر السامي والراقي والناجح الذي يواكب الاجيال وتطور الشعوب.
فشعره يتجاوب ويتناغم مع متطلبات وتطورات العصر من جميع النواحي الموضوعية والفكرية، والجمالية اسلوبا وتوجها وتجديدا الخ... وفي تقييم فلسفة الحياة.
فكل ما يكتبه حديثا ومبتكرا، فكل قصيدة يكتبها نجدها تختلف كليا عن سابقتها: في موضوعها وتوجهها ومعانيها، وكل قصيدة له عبارة عن عالم بحد ذاته مليء ونابض بالحياة والجمال والمعاني العميقة ومترع بالابعاد الفلسفية والنظرات الانسانية والشطحات الصوفية والعناصر الجمالية والفنية. وكما ان روح الدعابة والفكاهة والطابع التهكمي الساخر تتماوج في الكثير من قصائده.
ولنختر نماذج من شعره، يقول في قصيدة بعنوان: "ودمتم سائلين"
- صفحة 9: متى اراك مقلعا/ عن ذاتك المشاكسة/ يا صاحب القضية/ لكي تنام ليلة/ على فراش راتب شهري/ والراتب الشهري يا مناضلي الكريم/ مواظب وموجع حاسم/ كالعادة الشهرية.
والراتب الشهري/ كالمخبر السري/ مثابر/ وصامت كالعادة السرية!.
ويقول ايضا: جيم جواب/ جفت دناني يا بني سكر/ ونامت فوق مسراها الثواني/ ما نلت خبزا رغم كدّي!
سيدي/ يا حارس الافران/ مني ومن اقراني/ ما ذقت ملحا رغم مدي.
ويقول: يا بني سكر هلا/ من كان منكم/ ليس يرعى حق جار.
يا ايها الصغار/ من كان منكم/ يرفع الاكباد فوق رمح جاهلية وعار.
ويقول ايضا: يا بني خمر هلا/ قطعتموا رزقي/ فهل ستقطعون بعد ارزاقي/ لساني/ وجف من ذنوبكم شرياني.
والقصيدة طويلة وهي تهكمية ساخرة وجريئة وواقعية يعالج فيها الشاعر عدة قضايا انسانية وسياسية واقتصادية، ويستعمل فيها الكثير من الرموز والتوظيفات الدلالية الجديدة، مثل: يا بني سكر، بني خمر، ونطفة الاوثان. وينتقد في هذه القصيدة بشكل عام الذل والخنوع والتواطؤ من اجل الراتب الشهري "المعاش".
واما في قصيدة "من المحابر للحراب" ص 41 وهي قصيدة كلاسيكية على بحر الكامل والقصيدة تهكمية ساخرة وكوميدية نوعا ما، فيتحدث فيها عن موضوع الزعامات التقليدية الرجعية المتخلفة والقيادات السياسية التي تفتقر لكل المقومات القيادية من: فكر ثاقب راجح ومبادئ وقيم وحب الناس والنظرة للدمقراطية والوعي الثقافي والسياسي والحس الوطني والمبادئ والكرامة والمثل والالتزام القومي والوطني والمبدئي والانساني.. الخ..
يقول في القصيدة:
وجماعة "زعماؤها" ارض يبابْ  خون وحمقى لا ضمير ولا ثوابْ
فمعمّم تحت العمامة دِمنة   ومحكّم في الحكم لعنته صواب
ذا مستشار "أهبل" مستثقف  ذا قنصل يقعي على عتبات باب
وموظف "عال" شهادته خنا   صمم على خرس على هبل وناب
وترى "الزعيم" كظل قامته كبا  وصفيق وجه كان انسانا وتاب
ومفتش واش يفاجئ أمه   بوشاية عن ضرعها سبتا وآب
الخ.. انها قصيدة جريئة وواقعية، موضوعها من صميم واقعنا العربي المحلي ويصيب فيها كبد الحقيقة. والقصيدة عنيفة جدا وحادة وجيئة ومعانيها واضحة ومفهومة، فيتحدث الشاعر عن الوشايات والفساد الموجود والمتعفن في جميع الاجهزة والاطر الثقافية والسياسية والتوظيفية.. وكيف ان بعض الذين يتبوّؤون المراكز والوظائف والامتيازات وغيرها في عدد من المجالات والاطر والتنظيمات والاحزاب والمؤسسات هم  اناس انهزاميون رجعيون بائعو ضمائرهم ووجدانهم يفتقرون للاخلاق والمبادئ والكرامة، فينالون المراكز والوظائف حتى الصغيرة والحقيرة منها عن طريق الفساد والرشى والكذب والزيف والخداع، وفي تخريب بيوت الغير وبخيانتهم وعمالتهم لوطنهم وقوميتهم. والقصيدة جميلة تهز المشاعر والضمائر الحية، ويشوبها بعض التشبيهات والاستعارات البلاغية الجديدة المبتكرة والجميلة.
واما في قصيدة بعنوان: "وصلت وما وصلت" ص 42 فيستعمل الكثير من التعابير البلاغية الجديدة والطريفة مثل: (طمي روحي)، قد اطلق طلق الصباح ريقه الشعاع، نحو جرح، عله يلتئم الجليل)
فجملة "اطلق ريقه الشعاع" لم يستعملها احد اطلاقا.. الخ
ومن قصائده الجميلة في هذا الديوان قصيدة بعنوان: "قام من بين الاموات" ص 64، وهي في ذكرى الموسيقار الكبير "سيد درويش" فيقول فيها: "من علم الكمان/ الاك يا مؤذن الالحان!
من اغرق الطاغوت في زوبعة/ مهزومة في قمقم الفنجان/ من علم النشيد كيف يوقظ السلاح في تثاؤب المضاهرة/ الاك يا معزوفة مفكرة/ ونغمة قديمة، قديمة معاصرة".
يشير الشاعر هنا الى اغنية "بلادي بلادي" التي كتب كلماتها ولحنها وغناها "سيد درويش" بصوته، وكانت النشيد الوطني لمصر زمن الانتداب البريطاني وكانت تنشد وتغنى هذه الاغنية في المظاهرات ضد الانجليز في مصر وهي شعار للتحرر من حكمهم، كما اصبحت هذه الاغنية نشيدا وطنيا للفلسطينيين فيما بعد في نضالهم وكفاحهم.
فسيد درويش كما يراه الشاعر هو المعزوفة المفكرة والمدبرة التي تبرمج وتهيئ وتعبئ الصفوف من ابناء الشعب المصري للنضال السياسي ضد الاستعمار والاحتلال.
ويستعمل الشاعر التكرار اللفظي لتحلية الجمل الشعرية مثل: "ونقمة قديمة قديمة معاصرة" ففي تكرار كلمة "قديمة" يؤكد على المعنى ويضيف للجملة جمالا لفظيا. 
والقصيدة هنا على وزن الرجز والكامل.
ويقول نديم في نهاية القصيدة:
"يا ايها العربي صوبت السلام/ على غزالة نغمة فأسرتنا شمم الكنانة انجبك/ شبق النخيل تقمصك/ وجع الجزيرة رددك. وتلخصت قصص الخلافة قبلة/ لثمت يدك
صب الفرات ودجلة الخير الاغاني في صداح جمّلك!
واذا، اذا قل لي بربك من اكون لكي اجافي موعدك؟!
واسمح لدمعة مؤمن بولوج نهر من فنون خلّدك!
فلسيد آذاننا! ولكل  مغبون على وجه البسيطة قاهرهْ!
ولنكتف بهذا القدر من استعراض القصائد.
واخيرا: نتمنى للصديق الكاتب، والشاعر والاديب القدير المبدع الدكتور نديم حسين المزيد من العطاء والابداع الشعري والنثرية.    

منْ هنـــــــاك ... أو مَنْ سرقَ هذهِ القدم*؟/ كريم عبدالله

حينما يحملُ وهماً تحتَ ملابسِ الموت .../ تتكيءُ رصاصاتهُ الفارغة ../ على صدرِ سرابِ ثمل
الرمادُ العالقُ بذاكرةِ المعركة ../ يحشو بندقيةً خرقاءَ بمكاتيبِ النساء ....
وحينَ يهبطُ الفراق كالرذاذ ../ تتعلّقُ أصواتُ خيباتهنَّ بالحقيبة ../ وخلفَ أبواب المـــــواعيـــــــد يُنشدنَ أغنية ...
: ......... / عدْ أيّها الذاهب لجبهةِ الليــــــــــــــل ../ فالنهارات .... / تحنّتْ بها الجدائل
خطوةٌ توقظُ صحوةَ مجهولٍ ../ واسلاكُ المعـــــــابرِ تصطادُ الطيور ../ وثمّةَ بارودٍ يغنّي بإحتراقِ القصب
منْ أغلقَ نافذةَ الشمسِ بـ جثثٍ ضاجعها ضبّ ـــ والسُرَف* تتصفّحُ طرقاً نيسميّةً* على قارعةِ العيون ... ؟!
...(( الحومْ ))* يتملّحُ ببقايا الأمتعة ../ بينما أحدى قدميهِ ذهبت راكضةً ../ يملأُ (( بسطالها ))* فَزَعَ الكافور
التماثيلُ بفحولتها جاهزة ../ خلفَ السواتر تُعِدُ للرحمةِ رصاصة ../ وألسنةُ الأنكســـــــــــــارِ تزحفُ على وجهِ السمــــــــاء ../ كيفَ الخلاصُ يا (( كريــــــــــــــــــــــــم ))* ....... ؟؟؟؟
لكَ أنْ تحلمَ في ساعةِ الهذيان بـــــ
: ـ بطّانيّةٍ عسكريّةٍ كانتْ مائدة ..../ أو ..... نقّالةٍ جفّفتْ مخالبُ الحرائق أوردة السخام عليها ... / أو ... تحلم بمغــــــــــــــازلةِ (( تنورةِ ))* إمرأة (( دوّختكَ )) ...
ولكَ في ساعةِ الأحتضارِ أنْ تحلمَ بـــــــ
سُرّةِ أمٍ تمدُّ حبلها منْ خلالِ الغيــــــــــــــــــب ../ أو .... تذهبُ متعكّزاً على  (( سبطانةٍ ))* لمدنِ الجحيــــــــــــــم .. / أو .... تعانقُ الذينَ سبقوك في هذا الدرب ...
ولكّ في ساعةِ الخوفِ أنْ تحلم بــــ
كفٍّ مبتورةٍ تلملمُ الشضـــايــــــــا ../ أو ... بالشرفـــــاتِ كيفَ تهربُ بعيداً بعيداً بعيـــــــــــــــد ../ أو .... سروةٍ تستظلُّ تحتَ جرحكَ ../ أو .... تتأمل طعاماً تسرقهُ الديدانَ بخبرتها ...
ولكَ أيضاً ....
ولكَ ايضاً .........
ولكَ ............ ولهُ .... ولها .... ولكم .....
 ولنا جميعاً
أنْ نحلمَ بألاّ نحلم ....!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حينما فقدت قدمي في الحرب للآن أحنّ إليها دائما .
* السُرف : الشريط الحديدي الصلب الذي يحرك الدبابة .
* طرقاً نيسميّة : تعابير تستخدم في الجيش أثناء المعارك
* الحومْ : كانت هناك أغنية أنتشرت في زمن الحرب تدعو ( الحوم ) وهو  ــ طائر كبير ياكل الجيف ــ بان يتبع الجيش لكثرة القتلى .
* البسطال : حذاء عسكري يستخدمه الجنود في الحرب .
* كريم : هو من فقد احدى قدميه في المعركة .
*التنورة : من ملابس النساء .
السبطانة : من اجزاء البندقية .
**
حنجرةُ العبث.. ساعةٌ صمّاء
 ساعةُ الرملِ لاهيةً تعدُّ ذرات النبض ـــ وقوافلُ الشيخوخةِ خياماً تنشفّها خيولاً تلهث
هذا التهتّكُ يتلظّى حسيراً ../ يُراقُ على صمتِ السراب ../ وتقوّسُ الأيام محنةٌ تلمعُ .....
إرتجاف البرتقالِ وغصنٌ يتيم ــــ وإزدهارُ الرمادِ لهيبٌ في ثلجِ الشرايين ....
..... ترتدي الدقائق رداءَ المرارةِ ../ وندى الفؤادِ زخّاتُ نهارٍ تمّوزيّ ../ وفي اللدائنِ تعومُ أحلامُ تشرين ....
تمتليءُ السواقي بسراجِ القصائد ـــ وطوفانُ الروحِ ....
ينزلُ ..../
..../ ينزلُ ..../ في عاصفةِ الأساور
هذا الأسى يحملُ ملحَ شموعَ الألم ـــ بساتينُ التنائي أفرغتْ ثمار الرؤى
أحلامُ الأنهارِ غافيةً بهزيمتها .../ عاريةً تغنّي فجرها الشارد
ها قدْ عادَ الربيعُ يمسحُ الخرائطَ ـــ وزجاجُ النوافذِ على ستائرها يتدحرجُ الضباب
قارورةُ الكُحلِ دوّختها حشود النخيل ــــ ما أجملَ المرود ربابةً تعزفُ في عينِ الأفق ... !
حتى الغيوم تعرّتْ تتمدّدُ على قيلولةِ الضجر ـــ بينما عصيرها يُنعشُ ضوء تناثرِ اللذّة ....
المواعيدُ قدّاسُ يستردُّ هذا البياض الباقي ـــ في الثقوبِ البعيدةِ تغفو مداعبةَ اللوز
منْ أغلقَ بابَ دوّارِ تنهّدَ الجسد ... ــــ وحنجرةُ العبثِ صخرةً صمّاء ...... ؟
**

الجمعية العامة والحماية المنقوصة للأونروا/ علي هويدي

منذ نشأتها بتاريخ 8/12/1949 لم تتغير سياسة عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، بتوفير المساعدة والحماية والمناصرة للاجئين الفلسطينيين الذين وصل عددهم لـ 5,428,712 لاجئ مسجل حسب إحصاء الوكالة  في كانون الثاني/يناير 2014، منتشرين في خمسة مناطق، الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.
ويتضمن برنامج الحماية وفق الصلاحيات الممنوحة لـ "الأونروا" نوعين رئيسيين؛ الأول الحماية القانونية والتي تشمل توفير خدمات المشورة والتوعية والتثقيف والمناصرة حول الحقوق والواجبات، أما النوع الثاني فهو الحماية الإنسانية والتي تشمل توفير الرعاية الصحية والتعليم والإغاثة والبنية التحتية والإقراض وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والاستجابة الطارئة في أوقات النزاع المسلح، وبغياب النوع الثالث من الحماية والذي من المفترض أن يتصدر الأولويات من حيث الأهمية ويتضمن الحماية الجسدية؛ الفيزيائية، يكون توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين بمعناه الشمولي الكلي منقوص، فالحماية بشموليتها حق يجب أن يحصل عليه اللاجئ الفلسطيني الذي طرد من بيته وأرضه خلال نكبة العام 48 أو ما تبعها من عمليات تهجير داخل أماكن عمليات "الأونروا" أو خارجها، وهذا الإستحقاق القانوني ينبغي أن يكون قائماً بموجب القانون الدولي إلى أن يتمكن اللاجئ من ممارسة حقه في العودة بموجب القرارات الدولية ذات الصلة لا سيما القرار 194 الذي لم يختلق حقاً جديداً وإنما أعاد تأكيد مبدأ القانون الدولي بالعودة.
أقرت الأمم المتحدة نظام حماية دولي خاص باللاجئين الفلسطينيين في العام 1948، وكان الغرض منه توفير حماية مضاعفة لهم، وتم تكليف لجنة التوفيق الدولية (UNCCP) بتطبيق مفهوم الحماية، لكن غياب الإرادة السياسية للدول ذات النفوذ الواسع وعلى رأسها أمريكا، حال دون تحقيق ذلك.. لهذا لا يزال اللاجئون الفلسطينيون وبعد مضي أكثر من 66 عاماً على النكبة واللجوء محرومين من حقهم في الحماية الدولية، الأمر الذي أوجد مساحة واسعة من التعدي والجرأة لدى "أعداء اللاجئين" لإنتهاكات حقوقهم جهاراً نهاراً أمام سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يقف مكتوف الأيدي ويكتفي بالإدانة والشجب والإعراب عن القلق.
لو بقي نظام الحماية بمعناه الشمولي قائماً، لما كان من السهل إستهداف المخيمات وتدميرها، أو التعرض للاجئين الفلسطينيين سواءً بداخلها أو خارجها لا سيما تلك القابعة تحت الإحتلال الإسرائيلي، وفي هذا الشأن فإن الحديث يطول، ويحتاج صفحات وكُتب لتوثيق المجازر التي ارتكبت بحق اللاجئين الفلسطينيين وأعمال التنكيل والتدمير التي مورست بحق بيوتهم المتهالكة أصلاً في مخيمات وتجمعات اللجوء، وفي هذا لا إستثناء في التاريخ الماضي أو الحاضر، منذ نكبة فلسطين العام 48 وحتى اليوم، من غزة الى سوريا الى لبنان الى الاردن الى الضفة وغيرها من المناطق، ونماذج شاخصة أمامنا نعيش يومياتها لحظة بلحظة في مخيمات غزة بعد العدوان الإسرائيلي الإخير حيث وجود أكثر من مليون و 200 ألف لاجئ، فقد تم تدمير جزء كبير من الأبنية والبنى التحتية وتم استهداف المدنيين ومنشئات "الأونروا"، لا سيما المدارس..، وكذلك في سوريا حيث أكثر من نصف مليون لاجئ، وما يجري فيها من أعمال تدمير للمخيمات والتجمعات واستهداف للمدنيين من اللاجئين في عمليات إعتقال وخطف وقتل وتهجير منذ حوالي السنتين، ومخيم نهر البارد في لبنان الذي دمر عن بكرة أبيه في العام 2007 ولم يتم إعادة إعمار سوى أقل من نصف مساحة المخيم، وعودة بضعة آلاف من أصل 37 ألف لاجئ مهجَّر، وفي مخيم قلنديا وشعفاط وغيرها من مخيمات الضفة الغربية حيث تستباح من قوات الإحتلال الإسرائيلي ليل نهار، وتكتفي الوكالة وفقاً للصلاحيات الممنوحة والقيود، إما للشكوى أو للتعبير عن الشجب والإدانة، ودعوة الأطراف المتنازعة إلى ضبط النفس وتحييد المدنيين، والمطالبة بتشكيل لجان تحقيق، والتعزية بمقتل موظفيها، والسعي لتوفير المساعدات الإنسانية ما استطاعت والتي بدورها تواجه صعوبات كوْن تبرعات الدول المانحة طوعية.
المنظمات والجمعيات والهيئات الدولية المتخصصة ملزمون من خلال الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالسعي وضمان توفير الحماية الدولية الشاملة للاجئين الفلسطينيين، إنطلاقاً من المسؤولية الدولية الخاصة تجاه نكبة فلسطين وما نتج عنها من قضية لاجئين هي الأكبر والأطول بين لاجئي العالم، لذلك نعتقد مع حصول دولة فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2012، وبدء أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، باستطاعة "دولة فلسطين" التقدم من خلال جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة دول عدم الإنحياز بشكل كلي، أو من خلال أي دولة عضو في الجمعية العامة؛ بمشروع قرار لتطوير وتوسيع سياسة عمل "الأونروا" بما يشمل الحماية بمفهومها الشمولي، وضم غير المسجلين من اللاجئين الفلسطينيين إلى سجلاتها، وتوفير الميزانيات حسب إحتياجات اللاجئين، لا أن تبقى التبرعات طوعية من الدول المانحة مرهونة ومرتبطة بالأوضاع الإقتصادية والسياسية للدول.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

ندوة أملي القضماني في عسفيا الكرمل/ آمال عوّاد رضوان



منتدى الحوار الثقافيّ ناقش ديوان تغريبة الروح، للشاعرة الجولانيّة المعروفيّة أملي القضماني، وذلك بتاريخ 18-9-2014، في مركز البادية عسفيا، بحضور عدد من الأدباء والشعراء والأصدقاء والأقرباء، وقد استهلّ الندوة عريفها الأستاذ رشدي الماضي، مُرحّبًا بالحضور، ثمّ مداخلة د. فهد أبو خضرة، تلتها مداخلة الأستاذ حاتم حسون، ومداخلة الإعلاميّ فهيم أبو ركن، وقد تخلّلت المداخلات قراءات شعريّة بصوت أملي القضماني، وفي نهاية اللقاء كانت كلمة أملي القضماني المحتفى بها، شكرت بها الحضور والقيّمين على هذه الندوة، وتمّ بعد ذلك التقاط الصور الذكاريّة.
جاء في كلمة عريف الندوة الأستاذ رشدي الماضي: حين أراد الفيلسوف نيتشه أن يُسَلّم الشاعر هُويّة ترسم تضاريس جغرافيا وطنه الإبداعيّ، نحَتَ على صفحة الغلاف: الاسم- شاعر كشّاف ومغامر، عصاه لغته، ويقينه غورُهُ في المجهول، عنوانه: عالم بدون سقف، تُظلّله النجمات، يترك للعابرين دومًا نوافذه مُشرّعة.
ولمّا حمل إليّ ساعي البريد، إضمامة أملي الشعريّة (تغريبة الروح)، فتحتها لوحة ماتعة، ثمّ ركبت قاربي وأبحرت، في فيوضاتها الشعريّة قصائدَ وحروفًا وكلماتٍ كتبت بماء المعنى، فإذا بها فيض أنيق باذخ شكلًا ومضمونًا، يُحلّق في آفاق الرؤيا، إيقاعها خبيء ينهمر كشلّال بوح، ويسبح في بحار الشعر الزرقاء المنسابة المتماوجة، كلّ هذا دون أن تنصرف شاعرتنا عن هموم وطنها ومجتمعها، لأنها مسكونة بحبّ الناس، ولها مناخها وجماليّاتها في صوغ شعريّة كتابة القصيدة، وهذا ينعكس في بنيتها الدلاليّة وسياقها، وفاعليّتها في إنتاج المعنى. سيري معك عصا الكشف، سيري لكن خلّي نحو الغور خطاك، لتَظلّي الماء الذي يتدفّق شعرًا ومعنًى في آن.
وفي مداخلة د. فهد أبو خضرة جاء: الجانب الأساسيّ في المضمون يَحملُ رسالة وطنيّة، تُعبّر عن الإنتماء العربيّ بصورة صريحة ومُتكرّرة، كما تُعبّر عن الصمود الثابت، وكلاهما نابع من صدق داخليّ حياتيّ، وليس من صدق فنيّ فقط، وفي داخل هذا الجانب نلاحظ اتجاهين متكاملين رغم اختلافهما، اتّجاهًا يقوم على النقد الذاتيّ العامّ، واتّجاهًا يقوم على التفاؤل الخاصّ، وكِلا الاتّجاهين ناشئ عن رغبة في تغيير الحاضر، سواء في البيئة الجزئيّة الممدودة، أو في البيئة الكليّة الشاملة، أي سواء في منطقة الجولان، أو في العالم العربيّ كلّه. 
في قصيدة "عروبيّة أنا" ص8، يظهر الانتماء المُشار إليه صريحًا جدًّا، من خلال العنوان وتكراره، كما تظهر الرغبة في التغيير للحاضر، من خلال مخاطبة الليل، والطلب منه أن يرحل، والليل رمز متعدّد الإيحاءات، فهو لا يقتصر على الاحتلال، وإنّما يمتدّ ويشمل كلّ المعوّقات التي تحُول دون تحقيق الآمال، وكلّ المسبّبات للألم والظلم والقتل وما إليها، ومع هذا وذاك يظهر الصمود واضحًا، كما يظهر النقد الآتي، وكأنّ هذه الأمور كلّها ترتبط معًا في أعماق الشاعرة، ولا تحتاج إلّا لأبسط الدوافع، لكي يستدعي أحدها الآخر، تقول الشاعرة: (عروبيَّةٌ أنا.. على ظهرِ الغَيْمِ أغزلُ عشقي جدائلَ نورٍ وأهمسُ للّيلِ ارحلْ.. سِياطُكَ غاضِبةٌ وسِياطي قاتلةٌ، اِرحلْ.. أبحثُ عن عروبتي التي تعفَّرَتْ بالضلالْ).
والأمور المُشار إليها آنفًا، واضحة في هذه العبارات المقتبسة من قصيدة واحدة، ورغم كلّ شيء، لا يختفي الأمل عند أملي، فهي تقول في آخر القصيدة: (يا وطني/ من على شفاه الموت/ ستعود إليك الحياة).
في قصيدة سيمار ص15، تتحدّث الشاعرة عن أولئك الذين يدخلون ضمن رمز الليل، دون أن تذكرهم صراحة فتقول: (ألا ترينهم يا حبيبتي/ كيف يقتلون الأحلام/ كيف يبحون الناس كالأغنام؟/ ألا ترينهم يدمّرون مكتباتنا، ويحتلون قصورنا ويقطعون عرق عيوننا؟)
وإلى جانب الحديث عن هؤلاء، يظهر النقد الذاتيّ المُوجّه إلى زعمائنا حيث تقول: (زعماء لا يقوون على شيء غير الخطابة والكلام).
بالإضافة إلى المضمون الأساسيّ المذكور أعلاه، هناك مضمون إنسانيّ يظهر هنا وهناك، أمّا في قصيدة خاصّة مثل "الغجرية" ص13، وأمّا في سياق قصيدة "آت" مضمون وطنيّ وهو الأكثر، كذلك فإنّ هناك مضمونًا آتيًا نجده في قصيدة تغريبة روح ص11، وفي قصيدة "اتّساع الضيق" ص18، وهذا لا يخلو أبدًا من حسّ وطنيّ صريح، من ذلك مثلًا قولها في "تغريبة روح": (يستقبل فجرًا أنفاسه تتعالى ببوح متلهف لعناق الوطن)، وقولها في "اتساع الضيق": (وتقافزت صورك يا وطني في زوايا حنيني).
أمّا الجانب الأسلوبيّ: فقد اختارت الشاعرة فيه طريق التوازن بين التلميح والتصريح، بين استعمال الصور الشعريّة التي تميل إلى الغموض، حيث توحي ولا تقول، وبين التعبير الذي يميل إلى الوضوح، حيث يوحي ويقول، والهدف من هذا التوازن هو الاهتمام بالرسالة وبالشعر معًا، فهي من جهة، تريد أن توصل رسالة تعتبرها مهمّة جدّا، دون أن تتخلّى عن جماليّات الشعر، بما فيها من انزياحات وإيحاءات، ومن جهة أخرى، تريد أن تُبدع شعرًا رائعًا، حافلًا بكلّ الجماليّات، وما يُرافقها من انزياحات وإيحاءات، دون أن تتخلّى عن إيصال الرسالة كما تريدها هي، وقد نجحت الشاعرة في هذا التوازن نجاحًا كبيرًا بحسب رأيي، فأوحت وقالت كما يجب أن توحي، وكما يجب أن تقول، وختامًا أقول: إنّني كتبت في الماضي غير البعيد، بعد أن قرأت مقالات نثريّة لهذه الشاعرة الثائرة المتميّزة شطر بيت يقول: مثل هذا فليكتب الكاتبونا، وأودّ اليوم أن أعيد الشطر نفسه، بالنسبة لهذه الكتابات الشعريّة النثريّة التي نتحدث عنها، كما أودّ أن أقول لشاعرتنا باسمي وباسمكم: مزيدًا من العطاء وإلى الأمام دائمًا، مع الثقة الكاملة، بأنّه ما سيكون هو تأكيد ودعم لِما كان، وانطلاق إلى آفاق جديدة لم تخطر بالبال من قبل. 
وجاء في مداخلة حاتم حسون في قصيدة "خذني تحت جناحيك" من ديوان "أزهار حافية" ص 47-50 للشاعرة أملي القضماني:
حينما زرت الشاعرة أملي القضماني في بيتها، الذي يفوح بشذى التراث محاطا بأحواض الأزهار على اختلاف ألوانها وعطرها المتناثر في أرجاء البيت، أخذني المنظر الخلاب إلى لبنان، وأغنية فيروز: "يدور الدوري ويحاكي المنتور"، ثمّ نظرت فإذا بجبل الشيخ يستوقفني بشموخه وهيبته وصخوره الصلبة، رمز المقاومة والصمود، ومن ثمّ منظر المرج بتفاحه وكرزه وأشجاره الغضة اليانعة، وهنالك شاعرة استطاعت أن تمزج بشكل رائع لا يخلو من السحر، بين صلابة صخور جبل الشيخ وصموده، وبين أزهار البيت وعطره، وبين رقة وليونة أشجار المرج، بين العذوبة واللطف وصلابة الموقف وقوة الشخصية، شاعرة متوهّجة كالبركان، ورقيقة عذبة كمياه ينابيع الصفا الجولانيّة. في هذا الفضاء الجماليّ كانت التجربة الوجوديّة، فأبدعت بوصفها للموجودات بشكل إبداعيّ خلّاق.
تمتاز أشعار أملي بالتعابير الجماليّة ممزوجة بأبعاد رمزيّة وجدانيّة، وحنين عميق إلى الوطن الأمّ سوريا، الذي يرزح تحت مؤامرة كونيّة، وللبنان مسقط رأس الشاعرة، وما هذه الأشعار إلّا انعكاسات للواقع المُركّب القاسي الذي تعيشه، والذي فُرض على أهلنا في الجولان السوري المحتلّ، الذين أعطوا العالم درسًا في الوحدة والوطنيّة والكفاح والمقاومة، ولعلّ حصار الجولان وصمود أهله أمام الآلة الإسرائيليّة المُدجّجة، كان درسًا يتعلّمه المقاومون في أرجاء المعمورة.
يمكننا اعتبار هذه القصيدة خير نموذج، لأنّها حافلة بالصور التعبيريّة والجماليّة، وهي من القصائد السهلة الممتنعة، ويمكن للعاشق سواء كان عاشق الأنثى أو الوطن، أن يعيشها ويبحر عميقًا فيها. أول ما يلفت نظرك هو عنوان القصيدة "خذني تحت جناحيك"، وبما أنّ الشاعرة امرأة، وليست أي امرأة، بل شاعرة ومجبولة بالأحاسيس الرقيقة، يمكن لنا أن نفهم أن المرأة تتوجّه إلى الرجل، إلى حبيبها، يمكن زوجها، يمكن أخاها، يمكن الرجل الذي تتمنّاه وتتصوّره بخيالها، الرجل القويّ، رمز الحماية والاطمئنان، فهي كامرأة ضعيفة جسديّا، بحاجة إلى من يحميها ويضمّها بحنانه، ولهذا تطلب منه أن يأخذها بين جناحيه حيث الأمان والاطمئنان. خاصّة وأنها تفتتح القصيدة بقولها: (هل تذكر كيف انفرط عقد اللؤلؤ حبات كرز في فم العشق؟) فهي تتوجّه مباشرة في خطابها إلى الحبيب، وتذكّره بما مضى، حيث كان الحبّ عقدًا متماسكًا، لكن سرعان ما انفرط هذا العقد كحبات الكرز.
ومما يجعلنا نفهم أنها تتحدث عن الحبّ، تمضي الشاعرة فتتحدث عن مرور السنين التي تبادل خلالها العاشقان الرسائل، التي تعبت في يديها بعد ثلاثة عقود، لكن فجأة تفصح عن هويّة الحبيب، وبدل أن تبقيه غير معروف، فإنها تحدده بقولها: "اشتقت يا وطني"، فهنا تسقط الشاعرة القناع عن وجه الحبيب وتكشفه لنا على الملأ، وهنا أرى أنها تعجلت قليلا بالكشف عن وجه الحبيب، فلو أبقته مجهولًا، لحافظت على عنصر التشويق أكثر.
الوطن الذي تخاطبه الشاعرة هو : "أبي وأمي/ كل أهلي" كما ذهبنا في البداية، وكما أنّ الإنسان لا يسوى شيئا دون أهله، كذلك تعتبر شاعرتنا من يترك وطنه إنما يترك أهله ولا تعود له قيمة، كما قيل في أمثالنا الشعبية "من ينزع ثيابه يعرى". الشاعرة تشعر بالوحدة، ليس فقط لأن وطنها ابتعد عنها، بل لأنها تعيش في عالم فقدت فيه القيم الجميلة، التي كانت تربط الناس وتحافظ على تواصلهم وعلى رأسها قيمة الحب، حيث تقول الشاعرة: وحدي أنا بشوق أتعذب/ عالم فيه الحبّ تجمد/ والحس تبلّد.
ولأنها تكاد تحترق في الضوء كالفراشة، وتكاد تختنق ببحر الحب الزائف، فإنها تلجأ ثانية لوطنها كي يخلصها من كل تلك العذابات، وتطلب منه أن يأخذها تحت جناحيه. وتعود الشاعرة إلى اعتبار الوطن هو الحبيب، الذي يمنح حبيبته الحب والطمأنينة والأمان والسلام تحت جناحيه وفي حضنه الدافئ، خاصة وأن الشوق اليه قد هدها وأتعبها فهي أحوج ما تكون الى أن تلقي بكل همومها وأتعابها في حضن الحبيب فتقول له مختتمة قصيدتها: "خذني حبيبي اليك/ وسِّدني يديك/ امنحني أمنا/ امنحني حضنا/ امنحني سلاما/ لقد هدّني الشوق إليك"
صور جمالية: التشبيه: تلجأ الشاعرة للتشبيه وتكثر منه في قصيدتها، لأغراض شعرية تخدم القصيدة، إلى جانب أن التشبيه يعتبر من البيان الذي يضيف للشعر سحرًا وجمالًا، وهذا ما نجده في القصيدة التي نتحدث عنها، فتستخدم الاستعارة التصريحية (وهو تشبيه حذفت كل أركانه إلّا المشبه به): فم العشق، تتقوس السنون، حروف الدمع، تعب الضوء.
مثال: تتقوس السنون، وهنا يظهر العنصر الجماليّ للاستعارة (البعض يسميها تأنيس)، الذي يغني القصيدة بصورة إبداعية تعطي للسنين بُعدًا إنسانيًّا، وكأنّها إنسان يتقوّس ظهره نتيجة عامل الزمن، لكنها تقصد بأنّ الذكريات التي مرت عليها، جعلتها تثقل بحملها. وفي بداية القصيدة تشبه حبات اللؤلؤ بحبات الكرز، حبات اللؤلؤ انفرطت بعد انفضاض العشق، كما تنفرط حبات الكرز بعد قطفها في فم متناولها. وفي مكان آخر تشبه الشاعرة نفسها بالفراشة الحمقاء، التي تذهب للضوء بإرادتها لتحترق وتموت. وتختنق ببحر الحب دون أن تقول لنا لماذا. لكن ذلك يعيدنا إلى الخلف قليلا، حين قالت عن الحب أنه قد تجمّد، ورغم ذلك فهي لا تستطيع الابتعاد عنه مثل "الفراشة الحمقاء"، التي تعرف بأن الضوء يقتلها، ورغم ذلك تقترب منه، وتدرك بأنّ الحبّ يخنقها، إلّا أنّها لا تستطيع العيش بدونه، ولهذا تعود وتطلب من حبيبها/ وطنها أن ينقذها ويضمّها بسرعة إلى جناحيه. وفي مقطع آخر تقول: وسِّدني يديك. حيث تنظر الى يدي الحبيب كوسادة تلقي عليهما برأسها لترتاح من المتاعب والهموم.
وبعد هذا الاستعراض السريع لقصيدة شاعرتنا المتألقة والمبدعة أملي القضماني، وإلحاحها على الوطن بأن يعود إليها، نأمل أن يستمع الوطن إلى نداء حبيبته، نداء شاعرتنا ويخلصها قريبًا من عذاباتها وتمزقها، بالعودة إلى التلاحم المنشود في ظلّ الوطن الواحد الموحد.
وفي مداخلة فهيم أبو ركن حول (تغريبة الروح) للشاعرة أملي القضماني جاء: إنّ مصطلح التغريب ومشتقاته معروف متداول منذ القدم، وله عدّة تفسيرات، منها لغويّة ومنها فكريّة. التغريب في اللغة هو الاتجاه إلى الغرب، والـمُغَرِّبُ: الذي يأْخُذُ في ناحية الـمَغْرِبِ؛ قال قَيْسُ بنُ الـمُلَوّح والذي نَسَبَه الـمُبَرِّدُ إِلى أَبي حَيَّةَ النُّمَيْري: (وأَصْبَحْتُ من لَيلى، الغَداة، كناظِرٍ * مع الصُّبْح في أَعْقابِ نَجْمٍ مُغَرِّبِ). 
غَرَّبَ القومُ: ذَهَبُوا في الـمَغْرِبِ؛ وأَغْرَبُوا: أَتَوا الغَرْبَ. والغَرْبُ: الذهابُ والتَّنَحِّي عن الناسِ. وقد غَرَبَ عنا يَغْرُبُ غَرْباً، وغَرَّبَ، وأَغْرَبَ، وغَرَّبه، وأَغْرَبه: نَحَّاه. ويقال: اغرب عن وجهي! ويقال: غَرَّبَ في الأَرض وأَغْرَبَ إِذا أَمْعَنَ فيها، والتغريبُ النفيُ عن البلد. والغُرُوبُ: الدُّموع حين تخرج من العين؛ قال: ما لكَ لا تَذْكُر أُمَّ عَمْرو، * إِلاَّ لعَيْنَيْكَ غُروبٌ تَجْرِي واحِدُها غَرْبٌ. والغُروبُ أَيضًا: مَجارِي الدَّمْعِ؛ وفي التهذيب: مَجارِي العَيْنِ.
ولكن هذا المصطلح اكتسب تفسيرات فكريّة وسياسيّة أخرى منها؛ ما عرفه الأستاذ أنور الجندي (1917 أسيوط) بقوله: "التغريب مصطلح استعمله الاستشراق الغربيّ، للتعبير عن الخطة التي تقوم بها القوى ذات النفوذ السياسيّ الخارجيّ، في حمل العالم الإسلاميّ على الانصهار في مفاهيم الغرب وحضارته. وعرّفته الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة بأنه: "تيار فكريّ كبير ذو أبعاد سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة وفنيّة، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربيّ".
وعرفه آخر بقوله: إنه "التعلق والانبهار والإعجاب والتقليد والمحاكاة للثقافة الغربية"، حتّى أنّ كلّ مَن أيّد أو أعجب بالحضارة الغربية، اتّهم أنّه من دعاة التغريب، فقد جاء في "موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة" عن طه حسين، تحت عنوان "أهمّ آراء دعاة التغريب" ما يلي: "وقد كان طه حسين عميلًا وفيًّا للغرب، محاربًا لله ولرسوله ولدين الإسلام، مفضّلًا الغرب وحضارته على الإسلام ونوره، فهو مرّة يهاجم اللغة العربيّة ويفضل عليها اللاتينيّة واليونانيّة، ومرّة يدعو إلى التجديد وهو السير سير الأوربيّين في كلّ شيء".
ومع ذلك فلهذا المصطلح في الأدب العربيّ مدلولات أخرى، فالسيرة الهلاليّة هي واحدة من السير الشعبيّة العربيّة المشهورة، كان بنو هلال وبنو سليم ومن جاء معهم من القبائل، يُقيمون في المنطقة الممتدة بين الطائف ومكة، وبين المدينة ونجد، ثم شاركوا في الفتوحات العربيّة الإسلاميّة، حتى تاريخ هجرتهم سنة 440 هـ. واستقرّت هذه القبائل في شمال أفريقيا، وكان لهذه الهجرة نتاج أدبيّ ضخم، عرف بتغريبة بني هلال، وهي ملحمة طويلة تغطي هذه الهجرة. كما أنّ العديد من الشعراء والأدباء استفادوا من هذا المصطلح واستعملوه: كالمرحوم سميح القاسم الذي كتب تغريبة إلى محمود درويش مطلعها: "لبيروت وجهان/ وجه لحيفا/ ونحن صديقان/ سجنًا ومنفى".
ونعود إلى شاعرتنا أملي القضماني و"تغريبة الروح"، والتي تدخل في باب التعريفات اللغويّة والأدبيّة، ولا تمتّ بأي صلة إلى التعريفات السياسيّة الفكريّة، والتي تشير إلى صبغ حياة المسلمين بالأسلوب الغربيّ، بل على العكس هي تعاني من جمرة وحرقة الابتعاد عن أجواء الوطن، وأحضان الأهل ومجتمعها العربيّ الأصيل، ففي الديوان نصوص كما عرّفها الناشر تتراوح بين الرسالة، الخاطر والمنثور الشعري الإيقاعيّ. الشاعرة الجولانية من بلدة مجدل شمس، لها عدة نشاطات سياسيّة، اجتماعيّة، نسويّة وأدبيّة. حاصلة على جائزة إبداعيّة من مؤسسة الأسوار في عكا، وكرّمت من قبل العديد من المؤسّسات الرسميّة والأدبيّة في الوطن العربيّ، منحت عدة أوسمة ودروع، وصدر لها في لبنان كتاب بعنوان: "عناد الياسمين". وتعرّف نفسها في بداية الديوان ص9:
عروبية أنا/ أعشق بلدي والياسمين المزنر بالندى/ والشموخ المعانق للسما/ عروبية أنا على كفوف الغيم أغزل عشقي جدائل نور/ تعلمت ألا أنحني حين تجرح مقلتي/ عروبية أنا أبحث عن عروبتي التي تعفرت بالضلال/ يا وطني من على شفاه الموت/ ستعود إليك الحياة/ فخلف الأمنيات صبح محتمل/ يحلم بالسلام/ بقبلة من ارزة/ تغفو على كتف الأمل
إذن نحن أمام تغريبة روح مناجاة وجدانيّة موجعة، مفعمة بألم قاس لكنه يحمل بصيصا من أمل إيجابي، فهي تشير إليه بـ... "الوجع المضمخ بالمطر" وبـ... "صبح محتمل". وها هي تدخلنا في أجواء التغريبة باستعمال أفعال موحية، تنثر معاني الغربة، وترسم المعنى المعبر عن الحالة العاطفيّة الفكريّة والنفسيّة للمؤلفة في لوحات متجانسة المضمون، متمازجة الألوان، تصبّ جميعها في خدمة الرسالة الوطنيّة التي تحملها، لتطرح عدة قضايا تؤمن بها وتناضل لتحقيقها. القضيّة الأولى: قضية الانتماء، وقد ذكرنا أعلاه كيف تعرف الشاعرة نفسها، بعبارات سلسة فصيحة، وفصيح الكلام ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ وجيد السبك، والذي يصل أحيانًا إلى التقريريّة التي يتسم بها الشعر الخطابي والذي ظهر في بعض قصائدها، ولكن شاعرتنا ومع بساطة لغة القصائد وسلاستها، إلّا أنّها حافظت على النكهة الشعريّة، مبتعدة بانزياحات جميلة مبتكرة وجذابة، وأسوق على سبيل المثال لا الحصر: نحن نقول عادة: "ذات يوم"، أو "ذات مرة" وهو تعبير متداول مطروق، بينما استعملت الشاعرة هذا التعبير، لتجدد فيه وتحمله عمقًا عاطفيّا بدل المدلول الزمنيّ كظرف زمان، فقالت: ذات شوق"، إنّه تعبير تنطبق عليه مقولة "السهل الممتنع" ص31. كذلك نسمع ونعرف تعبير "شقيق الروح"، لكن شاعرتنا تبنت التعبير الذي أدخل بُعدًا جديدًا، أضاف قربًا أكثر بقولها: أيها المتغلغل بنبضي/ بحنايا روحي/ تسكنني/ تسري في شراييني/ يا قسيم الروح مهلا/ رفقا بقلبي / لا تغادر 
في عبارة "شقيق الروح" الشقيق قريب من الروح لكنه منفصل عنها، ولكن القسيم هو جزء لا يتجزأ من الروح، وبهذا أضافت عمقًا وبعدًا آخريْن لهذا التعبير الذي تداوله البعض، ولكنها وظفته في المكان المناسب. وجمل شعرية أخرى مثل: ينسحب ليل العمر من ندى فجر الحياة ص 21، على صفائح الليل غفوت ص28، يضيء اللون أصواتا من أنغام ص33، عندما تغني خلايا الروح ص34، ونمورا تغتال الخوف من أكفّ الطعنات ص35، مدجج بالصمت ص48. هذا غيض من فيض من الجملة والانزياحات الشعرية الجميلة.
بعد قضية الانتماء نكتشف قضية أخرى، لا تقلّ أهمية تعبر عنها الشاعرة بمصداقية تامة وهي القضية التي تخيم بأجوائها على معظم قصائد الديوان، ألا وهي الغربة، فتتعرض الشاعرة لهذه القضية بالنظرة الشاملة وبالجرأة الباسلة، بالتصريح الواضح، أو بالتلميح الناجح، في معظم القصائد بأسلوب أصيل رائد. والغربة كما عرفناها هي الابتعاد عن الوطن، والابتعاد عن الوطن يعتبر منفى، وقد قال المفكر إدوارد سعيد في كتابه "المثقف والسلطة": "لا يبعث الأحزان مصير مثل العيش في المنفى". (الفصل الثالث ص92) 
معاني ومشاعر الغربة نجدها في كل قصيدة، بكلمات مباشرة أو غير مباشرة، نلتقي بها على موعد مسبق، نصادفها فجأة متدثرة في حنايا العبرات، تنبثق أمامنا من خبايا الاستعارات، بشتى الطرق والدروب، معتمدة تنوع الاسلوب، لتدخل بالمشاعر إلى القلوب، رافضة وزر الهروب، من مشاكلها الكبيرة، وقضاياها العسيرة، مطالبة بالحرية رافضة صفة الأسيرة، من خلال نصوص جلية، أصيلة أبية. ما أقسى الغربة التي نصادفها، أو تواجهنا في معظم القصائد، بكلمات مفعمة بهذه المعاني، منها مثلا: مطر وغرباء ص13، تغادر ص27، تلك القرية هجرت شوارعها ص29، قاسية هي الغربة ص99، ينزف اغترابي ص101، غربة العقول ص124، بحروف اغتراب ص134، وغيرها الكثير الكثير.
وفي المضمون لا يخلو نص من مشاعر الاغتراب والحزن والألم، وقد جاءت الجمل والكلمات لتعبر عن هذا الالم، فتكرار مثل هذه الكلمات يخدم الجو العام في الديوان حيث تصادفك العديد من الكلمات ذات الدلالة المتشابه، مثلا: الشهقة والتنهيد والآه تتكرر في العديد من القصائد: تنهيدات الفجر ص12، الآهات ص10، تنهدات ليل حزين ص14، التنهيدة بالضحكة ص19، شهقات بكاء ص 26، تناهيد، آهات وأنات ص28، خبأت ضميرا يشهق ص35، شهقات الصفصاف ص49، آهة وعلى شهقة حنين ص62، شهقة ضوء ص67، شهقة روحي ص77، شهقة ذكرياتي ص80، تتأوه الروح يتنهد الأمل ص109، تنهيدة قلب ص132، على ارجوحة التنهيدة ص133، يشهق ص133، أنين وآهات ص139، وغيرها وغيرها.
القضية الثالثة هي قضية المرأة: امرأة أنا/ إنسانة تعشق المطر/ أرض طيبة تنبت الورد والشجر/ امرأة أنا/ افوح بالمحبة/ أعطي بلا مقابل
حتى هنا المعاني الجميلة والصفات المميزة للمرأة، وبعدها نسمع صرخة المرأة المظلومة التي تريد المساواة الحرية والعدل، تقول الشاعرة: لماذا تمضي بعيدا في تعاليلك؟/ في جحودك في جورك/ لست في بيتك الخادمة/ لست في مخدعك الأمة/ أنا نصفك الجميل/ وضلعك الأيمن المولع بالهديل/ امرأة أنا تفرحني ابتسامة وردة حمراء/ كلمة تهزني تزيدني انتشاء/ أطير كالفراش في مشاتل اللقاء. ص85.
وقضية أخرى لا تتجاهلها الشاعرة وهي الاحتلال، والتي تشير إليها في بعض القصائد، خاصة في قصيدة سهم الحنين ص99. وفي قصيدة وجه يعانق المطر ص122. كذلك تتطرق الشاعرة إلى عدة قضايا بشكل عابر لكن بحزم مثل؛ قضايا استغلال الدين، والشوق للوطن، والغربة وتدمج هذه المعاني في "سباعية نبض" ص133. إذن نحن أمام وجبة دسمة، من القضايا والمعاني التي تدور في فلك الاغتراب والالم، عبرت عنها الشاعرة بمصداقيّة وإحساس مرهف، ونظرة ثاقبة وتعابير مبتكرة. ولكن حز في نفسي أن وجدنا في هذا الديوان أخطاء في الشكل لا تغتفر، وأسوق على سبيل المثال: غيومٌ سوداءَ ص74. عن حضن دافيء ص122. وتهزم الظلام لتستقبلُ ص123. وجداُ ص129. بتكريم السيد املي ص141. فأصوغها حكاياتَ شرف ص36. يكتبك عناوينا لشعري ص78. لم تراهم ص 26. نواقيس ص35، في كفَّ الزمان 35. الخ... وهنا لا بد من التنويه إلى أنني في إحدى مقالاتي النقديّة كتبت، بأنه ليس على الكاتب والمؤلف أن يكون خبيرًا ضليعًا بأسرار اللغة، مع أنه من المفضل أن يكون كذلك، ولكن عليه على الأقل أن يجيد قواعدها العامة المعروفة، وأن يتمكن من استعمال أدواتها. أما الناشر فعليه ومن واجبه أن يهتم بإخراج الكتاب على أحسن صورة، وهذه الملاحظة لا تقلل من أهمية الكتاب وروعته. أشد على يد الشاعرة متمنيا لها الحياة السعيدة والصحة والمزيد من الإبداع الراقي. وشكرا لكم على حسن الإصغاء.
وفي كلمة لاملي قضماني جاء: الأدباء والشعراء الحضور الكرام نحييكم تحية المحبة والعرفان، لتكرمكم بالحضور وبدعوتي لمناقشة ديواني الذي أتمنى أنه نال استحسانكم، وأرضى ذائقتكم. الأفاضل الحضور، أتيت من الجولان من الجزء المحتل من سوريا الحبيبة، بدعوة من القيمين على منتدى البادية الثقافي مع حفظ الألقاب، أشكرهم شكرًا جزيلًا. لقد شرفوني بها، فجئت أحمل معي أصدق وأعذب مشاعر المحبة والود والامتنان.
إخوتي الكرام، بالرغم من وجع الجراح النازفة من جسد الأمة، والألم الذي يحيط بأرواحنا، بالرغم من اشتعال حرائق الظلم والعدوان، وبالرغم من انَّ الموت والدمار يحيط بنا، وأسياد القتل الذين يعملون على تشويه الإنسان والإنسانية، بالرغم من أنَّ أيّامنا تعجُّ بفوضى الموت وفقدان الأعزاء والتشتيت والتهجير، يبقى هناك متّسعٌ في القلب والشعور لبعض فرح، وقراءة الشعر والاستمتاع بالكلمة العذبة الدافئة. نعم في ظل هذه الفوضى الظلاميّة نَجِدُنا بحاجة إلى لمّة تداوي الجراح، وكلمة تحملنا على أجنحة صفاء نورانيّ، لنرسو بها ومعها على شواطئ المحبة والكرامة.
الحضور الكريم شرفتوني بهذه الدعوة لإلقاء الضوء على ديواني المتواضع، فما أنا إلّا عاشقة للأدب والشعر، تبحث لها عن مكانة متواضعة بين شعراء كبار، أتيت أحمل قلقا وأملًا بأن تكون همساتي وبوح روحي يرقى لمستوى ذائقتكم. أحمل معي عشقي للحرية وحلمي بوطن عربيّ واحد، وطن لكل مواطنيه يسود به العدل والإنسانيّة، وكلّنا نعلم أنَّ الشعر والأدب على مدار التاريخ، كان وما زال ليس فقط تعبيرًا عن نبض الروح وتصوير المشاعر، بل يحمل رسالة وينشر فكرًا، ويحرض لثورة ترفض الظلم كشعر الدرويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم، فهو يوصل رسالته بأسلوب يتفاعل معه القارئ، بشكل أكبر من أية وسيلة أدبيّة أخرى. أشكركم لهذه الحفاوة التي استقبلتموني بها، وسوف أختار لكم بعض المقطوعات، لعلها ترقى لمستوى ونقاء ذائقتكم.

*خذني تحت جناحيك/ هل تذكر كيف انفرط عقد اللؤلؤ حبات كرز/ في فم العشق، تتقوس السنون/ عشرة/ عشرون/ ثلاثون/ تعبت في يدي رسائل الحنين/ تعبت حروف الدمع في منديلي/ وتعب الضوء صبرا في قنديلي/ اشتقت يا وطني متى؟/ قل لي متى؟/ متى تأتيني؟/ في متاهات سماء/ بسطت كفي احتضن الهواء/ لم تفتح في القلب جرحًا/ وتتركني أحيا بعيدًا في موت بطيء/ وطني أنت أمي وأبي/ أنت كلُّ أهلي/ وحدي أنا بدونك لا شيء/ أنا لا كينونة لي ولا وزن/ وحدي أنا بشوق أتعذَّب/ عالم فيه الحب تجمد/ والحس تبلد/ وأنا الفراشة الحمقاء/ على حبل الضوء أحترق/ وببحر الحب أختنق/ أهتف/ أرجو/ أتوسل/ خذني تحت جناحيك يا وطني/ خذني من حزني وشجني/ من ظلمة أيامي ووحشة حناني/ خذني حبيبي إليك/ وسِّدْني يديك/ اِمنحني أمْنا/ اِمنحني حضنًا/ اِمنحني سلامًا/ لقد هدني الشوق إليك.
عروبية أنا/ عروبيَّةُ الهوى .. أنا أعشقُ بلَدي والياسمينَ المزنَّرَ بالندى/ والشموخَ المعانقَ للسّما/ عروبيٌّةٌ أنا.. حروفُ وطني قصيدةٌ تُسامرُ الشرُفاتِ فوقَ خدِّ القمَر/ عروبيَّةٌ أنا..  أعانقُ الشعرَ/ شوقي كالآيات/ كالوجع المُضَمَّخِ بالمطرْ/ عروبيَّةٌ أنا..  على ظهرِ الغَيْمِ أغزلُ عشقي جدائلَ نورٍ/ وأهمسُ لليلِ ارحلْ .. سِياطكَ غاضِبةٌ وسِياطي قاتلةٌ/ اِرحلْ..  الضوءُ مُعَلِّمي/ وحروفُ الشعرِ بَيتي منذُ الأزلْ/ عروبيَّةٌ أنا..  تعلّمْتُ أنْ لا أنحني حينَ تجْرَحُ مُقْلَتي يا أنتَ/ يا صَخَبَ الحرب/  ويا ضجيجَ الموتِ/ عروبيَّةٌ أنا.. أقولُ للغزاةْ هل سمِعتمْ صرخَتي؟/ ونظرةُ العجزِ في عيونكمْ؟/ هل أخبروكمْ؟ أنَّني كلّما حاوَلتُ أن أهمسَ لكَ (يا وطني)  بحبِّي/ وأنْ أبثَّكَ شوقي/ يقتحِمُني الأزيزُ والضجيجُ؟ كلَّما سافرتُ نحوَ المدنِ والحاراتِ والأزِقَّةِ/ تتَلبَّسُني الآهاتُ والأوجاعُ/  وأدركُ أنّي داليةُ حزنٍ وأنّي كالمحال؟ لكنَّني أدري بأنَّ الحبَّ لا تثنيهِ الأوجاعُ/ ولا أزيزُ الرصاص .. يا وطني/ من على شفاهِ الموتِ ستعودُ إليكَ الحياةْ/ وخلفَ الأمنياتِ صبحٌ مُحتملْ/ وأنا أحلمُ بالسلامِ/ بقبلةٍ من زيتونةٍ وليمونةٍ/ وأرزةٍ تغفو على كتفِ الأمل.


حدوثة رعب مصرية.. الجزء 7/ فراس الور

دوت صفارات سيارة الاسعاف العسكري في شوارع القاهرة باتجاه مستشفى القصر العيني في منيل الروضة، و كان الطاقم الطبي المؤلف من ممرضين في السيارة منهمكين في مراقبة تيسير الذي كان غائب عن الوعي و بِحُمَى شديدة، فكانوا يراقبون تنفسه و قياس ضغط دمه بدقة و لكن الحفاظ على حياته لم يكن سهل عليهم، فكان ضغطه يتأرجح بين دراجات عالية خطره و متدنية قاتلة ضمن اوقات قياسية و كان هذا مصحوبا بإضطراب شديد بنبضات القلب مسببا لهم كارثة حقيقية، فكانوا تائهين بالاجراء الطبي المطلوب لانقاذ حياته، 
اخترقت سيارة الاسعاف الشوارع بسهولة كبيرة فكانت السيارات حين تسمع اصوات الصفارات تفسح المجال لها بالمرور، و شرطة المرور الموزعة في الطرق كانت توقف المرور على الطقاطعات و على اشارات السير لتعطي سيارة الإسعاف الأولوية المرورية كي تصل بسرعة الى المستشفى، و رغم العوامل التي كانت تُسَهِلْ لها طريقها إلا انه و عند اقترابها من هدفها فجأئه توقف كيس الأوكسيجين الذي كان يغذيي تنفس تيسير عن عمله و توقف صدره عن الحراك، فلم تجدي محاولات طاقم الإسعاف نفعا بتاتا، فحص احد الممرضين بسرعة نبضه فكان متوقف، وضع الممرض يداه على صدره و ضغط صدره بصورة متكررة ليبدء عملية الاسعافات الاولية و التنفس الاصطناعي، و لكن مرت دقيقتين كاملة و التعرق يملئ جبين الممرضين من التوتر و الخوف بغير جدوى...كرر الممرض الذي يصنع الإسعافات المحاولة عدة مرات لكن توضح له ان المريض قد توفى، 
جلسا الممرضين بخيبة أمل امام الجثة ضاربين كفا بكف و قائلين "إن لله و إن إليه راجعون"، فلم يمهلم مرض زميلهم حتى وقت للتفكير لكي يستدركوا اجراء طبي مناسبا، فابلغوا السائق بحالة الوفاة و راقبوا السيارات امامهم في الشارع المكتظ و هم بقمة حزنهم رافعين طلباتهم الى الله ليرحم فقيدهم، كانت السماء ملبدة ببعض الغيوم الداكنة و ابتدأت امطار خفيفة بالسقوط مبللةً الشارع و الارصفة من حول سيارتهم، ابتدأ بعض الناس الواقفين على الارصفة و الذين يحملون مظلاتهم بفتحها و انهمك بعض منهم بالتأشير لسيارات الاجرة، ابطئ السائق سرعته في شارع القصر العيني قليلا لكي يزيد من تحكمه على السيارة نظرا للشوارع البللة التي قد تسبب انزلاقات و حوادث السير و لكي يتجه الى اليسار الى شارع مجلس الشعب باتجاه المدخل، 
فجاة تحركت الجثة؟! جلست في مكانها ببطئ فسقط الغطاء عنها، نظرت الى الممرضين بعيون مفتوحة غير رامشة لتسبب لهم صدمة في بادئ الامر، و لكن بعد دقيقة من الزمن استجمع قواه احد الممرضين و اقبل اليها مبتسم ظناً منه ان معجزة ما اعادت الحياة لزميله فلم يكن نبضه متوقفا الا لدققتين من الزمن فقط، فسأل ببساطة "حمداً لله على سلامتك" و لكن لم يلاقي اجابة لسؤآله، سأل الممرض الآخر "بماذا تحس يا تيسير؟" ولكن جلس تيسير بلا حراك و كلام على النقالة بجانبهم، 
امسك أحد الممرضين يد تيسير ليجدها باردة جدا و كأن الجثة كانت بثلاجة، فحص النبض و صرخ لزميله "هنالك شيئ غريب!!!لا نبض لديه!!!"
غرزت الجثة اسنانها بشراسة في ساعده لينزف منها سيل من الدماء، أحس الممرض بلحمه يتقطع و بالجثة تشرب من دمائه فدوت صرخات الآلآمم و الرعب في السيارة، صرخ الممرض الآخر مذعوراً و سحب مسدسه ليجد مصاص الدماء يمسك به و يرفعه عن الارض، نظر السائق الى الوراء ليرى زميله على الارض صارخا ممسكا بيده النازفة و الاخر مرفوعا عن الارض بين يدي الجثة المتحركة، صرخ السائق من الهلع و صرخ في الاسلكي "حالة طوارئ بالقرب من القصر العيني!!!" ليقطعه صراخ الممرض الذي كان بين يدي الجثة قائلا "اتركني بسلام باسم الله الرحمن الرحيم!!!" و لكن دفعته الجثة بقوة خارقة فارتطم بباب التحميل لسيارة الاسعاف و فتح الابواب على مسرعيها، فَهَوى الى خارج السيارة و تدحرج على الارض بين السيارات المسرعة، فدوت بالاجواء اصوات الفرملة و اصوات الارتطام المخلوطة بتحطم الزجاج حين حاولت بعض المركبات تفاديه و لكن لتصدم بعضها ببعض، و التي لم تفلح داسته بعجلاتها فقطعت اوصاله و تلطخ الشارع بالدماء الحمراء،
أصيب السائق بذعر هيستيري ففقد السيطرة على السيارة، فتراقصة يمنتاً و يساراً في الشارع محدثةً ارتباك مروري كبير، فحاول السائقون الابتعاد عنها ليصدح صراخ المارة على الارصفة و تخترق الاجواء الضوضاء و اصوات الحوادث و ارتطام الحديد، صرخ الممرض عدة مرات فنظر السائق بخوف و ارتباك الى الوراء ليرى الجثة تغرز انيابها برقبة الممرض، تجمدت دماءه من الخوف و ارتطمت سيارته بشجر الرصيف الذي كان يزين شارع مجلس الشعب امام المستشفى، ارتطم رأس السائق بالمقود من شدة الحادث و تشوشة الرؤيا امام عينيه، تحطمت واجهة السيارة وإلتوى حديدها و طبق فوق ارجله، اما المقود فطبق على صدره مثبتاً اياه على الكرسي، هرع الناس الى سيارة الاسعاف و الى الحوادث في الشوارع و كان الكثيرون يتصلون بالشرطة و بالكادر الطبي للمستشفى لارسال المساعدات الطبية، 
عمت الشارع الفوضى التامة، فتجمع طبق من الناس بذعر و ارتباك حول السائق في محاولة لإخراجه من السيارة المُحَطَمَة، فكان ملقى على كرسي القيادة يتأوه من الالم في السيارة العسكرية، فصرخ احدهم "الكادر الطبي سيصل بأي لحظة فلا تحركه من مكانه!" و صرخ آخر "عندي حقيبة اسعافات اولية في سيارتي سأجلبها!" و لكن فجأة سُمِعَ صوت اغلاق ابواب بقوة، فاحس السائق بيدين تلتف حول صدره و تسحبه من الخلف، صرخ من الرعب فكان يعلم ما الذي يسحبه و لكن ارجله المصابة كانت عالقة بين حديد واجهة السيارة و الكرسي مسببة له الشلل التام، تسآل الناس عن صراخ السائق فظنوا انه متألم من الحادث ولكن سرعان ما شاهدوا الرجل الذي يسحبه، فظنوا هنالك شخص يحاول مساعدته فصرخوا بالنهي عن المحاولة، و لكنهم تفاجؤا ان الشخص بزيه العسكري لم يتجاوب مع ندآتهم فحاولوا فتح باب السائق و لكنه كان معطل من الحادث،
تحول صراخ السائق الى عويل و أطلق ندآت استغاثة و رحمة تقشعر لها الابدان، فاليدين الجبارة كانت تسحبه رغم شلله وابتداء يحس بتمزق في مفاصل ركبتيه فصرخ "الرحمة!!! انقذوني منه!!! هذا شيطان!!!" فانتاب الناس المتجمهرين حول السيارة الخوف الشديد، فبعضهم هرب و بعضهم حاول اقتحام السيارة و فتح أبوابها المعطلة، و استمر عويل السائق و اهتز و تلوى جسده من الالم فكانت تتمزق ركبيته من مكانهما و مصاص الدماء يسحبه من الكرسي، فسالت الدماء من المفصلين و صدحت في اجواء السيارة اصوات طرطقة عظام و تمزق ثم انفصل جسده عن ارجله و اصبح كالورق الهشة بين يدي الانسان المتوحش، استمر نزيف الدماء من ارجله المبتورة و العويل لبضع ثواني ثم اسلم الروح، 
سمعت صفارات سيارات الشرطة و بعدها انطلقت ضجة في الخارج تلاها طلاقات اهتزت منها ابواب سيارة الاسعاف الموصدة، فُتِحَ الباب فجاة على مصرعيه لتجد الشرطة المتوحش ممسكا بالسائق و برك من الدماء على الارض حوليهما، فكانت اسنانه مغروزة برقبته يشرب دماء الجثة بشراها، صاح الشرطي من الرعب و اطلق سيلا من العيارات النارية اصابت مصاص الدماء في جسده و راسه، وقع على الارض لبرهة من الزمن  نازفاً دمائه الزرقاء، فأعاد الشرطي الشاب السلاح الى غمضه ظناً منه ان المتوحش قد مات و لكن...نهض من جديد و نظر اليه بتعابير كره شديدة، 
كان المتوحش شبه انسان تملأ جسده طبقة من الشعر الكثيف حتى اطراف اصابع يديه و قدميه، و كان حافي القدمين و كانت قدميه آدمية و لكن كثافة الشعر عليهما كان يُكَبِرْ حجمهما، و كان الشعر الكثيف يغطي معظم رأسه ما عدى الوجه حيث تخف كثافته و حيث كان يحتفظ بملامحه الانسانية، كان جسده مليئا بالجروح و لكنه زمجر بكل عنفوان كالحيوان الشرس و ركض نحوه غير متأثر بالرصاصات، هرب الناس من الشارع من منظر الوجثة المتوحشة ليفرغ تماما تاركين الشرطي يطلق العيرات النارية بجنون و لكن دون جدوى، امسكه المتوحش و رفعه عن الارض و رماه في الهواء ليرتطم جسده على غرفة محرك السيارة من فوق، احس الشرطي بآلآم في جسده حين نزل من على السيارة فصعد الى المركبة مرة ثانية و حرك ناقل السرعة الى الحركة الخلفية، فنظر الى الوراء و داس على دواسة الوقود ليجد الممرض الثاني يقف وراء السيارة يصد حركتها، فزعقة عجلات السيارة الاربعة و اهتز هيكلها بغير فائدة من دون حراك،
امسك الشرطي الاسلكي و صرخ بالسماعة مفزوعا "هنا سيارة 24 شارع مجلس الشعب مستشفى القصر العيني، الرجاء من كافة الدوريات المحيطة التوجه للمساندة، كائنات متوحشة على وشك قتلي! النجدة!"
فجاوبه ضابط بسخرية "هل انت سكران؟!"
نظر اليه الممرض و خلع باب السيارة من مكانها، امسك به و سحبه من السيارة، غرز المتوحش الجديد العطش اسنانه في رقبة الشرطي فدوى صراخه المتألم في الشارع، ضغط الشرطي من شدة الألم على الاسلكي فاتحاً قناة الاتصال فَسَمِعَتْ الدوريات الاقطة للاشارة الصراخ المفزع، اكل المتوحش قطعة من لحمه و مضغها، سالة الدماء بغزارة فاتحة شهيته فغرز اسنانه و شرب دماء الشرطي و هو يصرخ من الأوجاع و على وشك إلتقاط انفاسه الاخيرة، في غضون دقيقة كانت صفارات سيارات الشرطة مسموعة في حي المستشفى و هي تتجه الى الموقع، سحبا مصاصي الدماء الجثة ورائهما و اتجها الى المستشفى و تركا الشارع بحطامه ورائهما، 
*****
جلست نرجس الاعرج على مكتبها بكامل نشاطها و حيويتها تحتسي قهوتها الصباحية و تراجع بعض الاوراق الوزارية التي تتطلب امضائها، كان صباح يوم أحد و كان جميلاً رومنسياً من أول لحظاته فَحَظِيَتْ بإفطار هادئ شاعري بحديقة منزلها في الزمالك بين الازهار و الورود العطرة مع زوجها عبدالله جرجس، فلم تكن تتمتع بفرصة الإختلاء معه كثيرا مؤخرا نتيجة سفره الى قبرص و بريطانيا حيث كان يمتلك شركات تجارية لها افرع في القاهرة و كان بصدد افتتاح افرع لها بهذين البلدين، فكانت الكلامات الغزلية الرقيقة و القبلات المشتاقة السيد بينهم لبعضة دقائق قبل تناول الطعام، كم أحبت هذه اللحظات التي استمتعت بها برفقة زوجها بعد طول غياب، ثم ذهبت بعد الافطار الى دولابها في غرفتها و ارتدت ثوب ابيض كان قد جلبه لها زوجها في آخر سفراته الى قبرص ووضعت عطرا ورديا جميلا لتبدأ يومها بكل اشراق، ثم ذهبت لحضور قداس الاحد في الكنيسة بمنطقة الزيتون و تلا القداس مهاتفة بينها و بين مدير الامن حيث طمأنها على تطورات هائلة في قضية شحنات المخدرات التي تشرف عليها مباشرة،
كم افرحها هذا الخبر و ادخل السكينة الى نفسها المضطربة، أخيرا ستنتقم من الشخص الذي استغل طيبتها و ثقتها به كزميل و قتل العميلة السرية بوحشية تامة، فاتضح من التحقيقات ان الجنرال من أكبر موردي السموم الى بلادها و حبسه سيخفف من تواجد المخدرات بصورة كبيرة في الكثير من الاحياء المنكوبة بها، كانت تعلم جيدا انها لن تستطيع ازالة كل عصابات التهريب من القاهرة لأنه ان افلحوا بالقاء القبض على خمسة منهم سيأخذ مكانهم عشرة من المتعطشين الى جني المادة بالصورة السهلة قاتلين ضميرهم بالسجود للمادة بدل الأخلاق، و لكن احست بالشرف الكبير كونها ستساهم في هذا العمل النبيل من خلال ادارتها لوزارتها بالصورة الفعالة و المؤسسات التي تقع تحت أمرها كوزير، كان شعورها ازاء هذا الانجاز اشبه بنيل وسام شرف معنوى من الله و صوت ضميرها و كان يدفعها الى المزيد من العطاء و المثابرة و التصميم،
نظرت الى ورقة من الاوراق أمامها و قرأتها بتمعن، أخذت رشفة من فنجان القهوة التركية امامها ثم وقعت عليها و أغلقت الملف، فتح الباب عليها محمد الشاعر نائبها فنهضت نرجس مبتسمة و سلمت عليه قائلة "اهلا بك، ما هي الاخبار عندك؟"
ابتسم الشاب الانيق الذي كان يرتدي بذلة سوداء و ربطة عنق خمرية و قميص ابيض و سلم عليها ثم جلس شارحا "انا اسف لدخولي عليك بهذه العفوية و لكن..." فجأة تبدلت ملامح وجهه السمراء المبتسمة و ذَبُلَتْ السعادة التي كانت تشع من عينيه العسلية و قال "هنالك سلسلة من الحوادث التي حدثة...صحيح انه كان يجب اخبارك بها منذ الامس لكن..."
فاجابت بنبرة هادئة "تكلم فقد اثرت فضولي...لن اكون قاسية عليك إن كان هنالك خطئ...اطمئن"
"اعلم هذا فتعاملك العادل و اللطيف من ميزات ادارتك، ترددي هو بالحقيقة خوف من الذي رأيته، وصلتني شارة من الشرطة عن اعمال عنف كانت تدور في المتحف المصري العام في الامس و كان الشك بجماعات متعصبة وراء المشكلة، فذهبت لأجد رجال الامن متواجدين بقوة في هذا المكان و لكن...و لكن بعد ربع ساعة من وصولي تبدل الهدوء الذي كان يخيم على المتحف، فكانت المفاجئة، حدثت زلزلة قوية و كأنها اصوات هدد قوية ثم خرجت من باطن الارض خمس مومياوات يحملن حراب و قاموا برميها داخل المتحف محطمين زجاجه، فسمعنا بعدها بكاء متوحش و خرج كائن غريب...لا اعلم بماذا اصفه سوى أنه مزيج مقرف من انسان و حيوان...كان متألم من الخمس حراب المغروسة بجسده، و عندما حاول اخراجها انقذت عليه المومياوات و ضربته بسيوفها، فضرب الارض بقدمه و سقط بحفرة آخذاً معه المومياوات،"
نهضت ليلى و الغضب يسيطر عليها و صرخت به موبخة "هل انت سكران!!! اياك و الاستهزاء بي!!!"
اهتز جسده من غضبها فنهض مفسرا بوقار"ارجوك صدقيني فالكائن قتل جندي بالمعركة واذا تكلمت مع مدير عام الشرطة سيعطيكي نفس هذه التفصيل،" 
جلست نرجس و علامات الصدمة مرسومة على وجهها، فجلس معها نائبها و أكمل "هذا ليس كل شيئ فشهود العيان افادوا بمشادة كلامية بين مديرة المتحف و الكائن بلغة غريبة شاط غيذا على اثرها و قتل نائب مدير المتحف، و اجلب اخبارا اضافية غير سارة،" بحث محمد عن علامات في وجه ليلى تشير الى بداية هدوء ثورانها و لكن استمرة برمقه بنظرات قاسية و رغم هذا اكمل حديثه و بحذر،
"من جملت الادلة التى أخذتها الجنائية من موقع الحادثة دماء الكائن الزرقاء التي سالت من طعنات الحراب، فأخذت للتحليل و لكن يبدو انها تسببت بمرض احد موظفي المختبرات و نقل على اثرها الى القصر العيني و لكن يبدو ان شهود العيان افادو ان سيارة الاسعاف حصلت لها حادثة، و افادوا ان كان على متن طاقمها وحوش على شكل أدمية امتصت دماء سائق السيارة..."
"انت أكيد مجنون!!! من المأكد انك شاهدت في الامس فلم من الافلام الاجنبية التافهة و سببت لك صدمة!!! أم انك تتعاطى شيئا؟! سأطلب الشؤون القانونية و سأحولك الى التحقيق!!!" امسكت سماعة الهاف و باشرة بطلب رقم فنهاها محمد الشاعر و قال آخذا جهاز التحكم عن بعد عن طاولة طقم الكنب في مكتبها مغيرا قناة التلفاز الى محطة 24/7 Egypt "انظري و استمعي معاليكي الى القصر العيني"
كانت القناة تبث صور لحطام حوادث سير مرعبة في القصر العيني و تحت الصور بخط عريض "اكلي لحوم بشر يقتحمون سيارة اسعاف و يبطشون بطاقمها،" و كانت صوت و صورة لمذيعة واقفة بقرب المستشفى تكرر تفاصيل مشابهة للتفاصيل الذي تكلم بها محمد و سيارات الشرطة و صافراتها مع ناقلات الجنود و بعض من المجنزرات تملا المكان، كان القصر العيني اشبه بثكنة عسكرية مغلقة و كان محاط بشيك حديد مكهرب يلف كامل جوانبه، ثم فجأة بدأت المحطة ببث شهادة شهود من الموقع فظهر شاب مذعور يبكي و يصرخ على رصيف الشارع مقابل المستشفى "آكاد لا اصدق عيناي، رأيته و هو يسحب السائق من كرسيه، و سمعت السائق يصرخ متألما فمزق جسده و سحبه تاركا ورائه ارجله معلقة بالحطام!!! رأيت ارجل السائق من خارج السيارة و نوافير الدماء تسيل منها!!!" انهار الشاب و ابتدأ بالبكاء و رفع يده في وجه الكاميرا، ظهرت مقابلة أخرى مع شاب يصرخ بهلع و يقول "رأيته من بعد يرفع الشرطي و يرميه على سيارة الشرطة كانه يرمي بكرة قدم الى بالعيد!!!"
فسألت المذيعة "ما شكل هؤلأ الوحوش؟"
"كانوا بأبشع تكوين فاجسادهم مليئة بالشعر الحيواني و اوجههم بشرية، و سحبوا فريستهم بعد ذلك و اتجهوا الى داخل المستشفى!!!"
كانت الصدمة شديدة على نرجس فجلست على مكتبها لبرهة من الزمان ريثما استوعبت مجريات الامور و اصوات الاخبار في شارع قصر العيني تصدح بمكتبها، عميلة سرية تأكلها الاسود و من ثمة آكلي لحوم بشر يهاجمون بشر؟ ماذا يحصل للعالم في هذه الايام؟ نظرت الى التلفاز مرة آخرى فكان ينقل صور حصرية تمكن شاب مصور من التقاطها لسيارة الاسعاف و بثت صور حطامها و غرفة المعالجة التي كانت ملطخة بالدماء البشرية، و فجأة ركزت الكاميرة على دماء زرقاء على الارض حول السيارة،
"و فيلم الرعب هذا من انتاج اية مجموعة سينمائية؟ النيل للانتاج ام دراما مصرية جروب؟" صرخت بأعلى صوتها "انا اكاد لا اصدق!!!" ضربت المكتب بيديها من الغضب و صرخت "انا منذ برهة اوشكت على معالجة مشكلة ضخمة فتاتيني مشكلة اكبر منها!!!"
"كلنا مصدومين و المشكلة الكبرى اننا لا نعلم مع ماذا نتعامل،"
"اريد اجتماعا مع قيادة السرطة و الجيش فورا، اريد تقيما لما يحدث!!! اريد لحدوثة الرعب المصرية هذه ان تنتهي اليوم و هذه الشياطين ان تباد اليوم، اتفهمني يا محمد؟! واين هذه مدير المتحف، اتحققون معها؟!"
"بالتعاون مع طبيب نفسي قكانت لا تذكر شيئ من شدة الصدمة؟"
"اهنالك وقت لنعالج الناس من الصدمات؟! ما هذا الهراء؟! "
"انها ابنة بولص باشا السلحدار؟"
نظرة ليلى بتفاجأ الى محمد "من؟"
"بولس باشا السلحدار، والدها،"
"اعرفهم جيدا! ولكن هذا امن دولة و لا افرق بعملي بين ابنة باشا او ابن غفير،"
"انا اعلم ولكن ملف والدها الحافل تشفع عندي لأصدقها فكانت تصرخ و تقول انها لا تتذكر اي شيئ عن حديثها مع الكائن الشيطاني حسب رواية الشهود،"
دخل عليها رفعت و قال مستأذنا "هنالك جنرال متقاعد باسم رؤوف الدرملي يريد مقابلة السيد محمد الشاعر،"
رفعت نرجس يداها في الهواء و قالت "الاجانب يقولون تكلم عن الشيطان و ها هو يأتي اليك،"
رسمت اشارة الصليب على وجهها و قالت بغضب"حسبي الله و نعم الوكيل، هل هنالك موعد مسبق معه يا محمد؟"
"نعم فاتصلت به لاتحرى عن بعض الامور التي أخبرني اياها مدير الامن بخصوص التحقيقات، انا آسف و لكن كانت تجب المواجهة،"
نظرت الى رفعت و أمرت "اريد هذه المواجهة ان تحدث في مكتبي، قل له ان يتفضل هنا،"
فعاد رفعت الى مكتبه ليدخل الجنرال الى الغرفة، فاقترب من مكتب نرجس بكل ثقة و سلم عليها قائلا "السلام عليكم يا معالي الوزيرة" فردة سلامه بفتور، فسلم على محمد ثم جلس سائلا "يبدو ان معالي الوزيرة في مزاج سيئ ام قد اكون انا السبب؟"
فرمقته بطرف عينيها و سألت "وصلتني رسالتك يا جنرال"
فردَ بثقة "ممتاز و الجيد اننا نحن الثلاثة هنا لكي يبقى اتفاقنا داخل جدران هذه الغرفة...هل ستغضون الطرف عن شحناتي ام ماذا؟"
أجاب محمد بغضب "هل جننت يا هذا؟!"
"هل مليون دولار لكل واحد منكم يكفي ام اذا احببتم...لا ضرر من زيادة المبلغ قليلا،"
اجابة نرجس بإستياء "يا سلام و بكل وقاحة تعترف بجرمك امامي و بغير حياء و ضمير رادع، الا يؤنبك ضميرك على المساكين التي تدمرهم سمومك يا حقير!"
اتكأ على الكرسي و وضع رجل فوق رجل بكل هدوء و قال كانه يناقش حالة الطقس مع صديق له "ما ضربت أحد على يده لكي يتعاطى فالكل امسك السم لاول مرة بإرادته، ثم و ما هو الغريب بالجرم الذي اقوم به، يا اسياد يا افاضل هنالك جرائم قانونية و جرائم غير قانونية فالجرائم تملأ مجتمعاتنا، يعني هنالك جرائم محمية بالقانون و جرائم بلا حماية، يعني مثلا اصحاب الشركات التي يكسبوا من وراءها ملايين و يتركون موظفينهم يعيشون على رواتب شهرية زهيدة كي يحافظوا على ارباحهم، فاين قوانينكم من ردعهم؟ فهل هذا حلال و تجارتي حرام فما الفرق بين قتل السعادة و اذلال البشر و قتل الجسد، إنها جميعها جرائم قتل،"
أجابت بنفس نبرة الإستياء "انت انسان مريض و وضعك بالسجن او حتى بمصح عقلي حلال، القانون ليس من واجبه ان يربي البشر و لا ان يربي الضمير بالبشر بل هو سلسلة من التشريعات لحفظ النظام في المجتمع و حمايته من ذوي العقل المريض و من الذين يأذون البشر بغير ضمير امثالك، و من حكم بماله ما ظلم فالمستثمر المحترم يكرم موظفينه و البخيل يخسر الموظفين ذوي الكفأئة من شركته، فلسفتك سافلة ناقصة و النيابة ستنظر بامر شحنات السم التي تجلبها،"
فقال محمد بغضب "ثم ان ارتكاب الآخر للجريمة لا يعطيك الحق بارتكاب الجرم إلا اذا كانت هذه النوايا المنحلة موجودة اصلا في داخلك، الضمير الانساني الحي هو الذي شرع القوانين و سنها لتنظيم حياته اليومية للخير و لإفادة عامة الناس،"
أجابت نرجس بغضب "لا تتعب نفسك يا محمد للحديث معه،" حركت يدها للتدوس على زر الطوارئ الامنية على مكتبها لينهض الجنرال و يصرخ محذرا "لا انصحك بهذا الفعل يا نرجس!!!"
صرخت بوجهه "معالي الوزيرة و لا تزيل التكلفة بينك و بيني يا سافل!!!"
أجاب بنبرة غاضبة "لن اوجه القاب احترام لأي قحبة!" 
فصرخ به أحمد "سـتاخذ جزائك على هذه الاهانة و أنا سأتكفل بهذا شخصيا يا قاتل يا مجرم يا حيوان،"
قال بنبرة حديدية غاضبة "الناس الذي امثلهم ذوي نفوذ و لن يسمحوا لك بهذا، ثم انني ان لم أخرج من هنا سالما جميع الاسرار العسكرية للجيش و الاسرار العسكرية الاستراتيجية للدولة و التي جميعها بحوزتي ستصل الى اسرائيل خلال خمسة دقائق فهنالك مجموعة من الناس ان لم يلاقوني و انا أخرج من هنا خلال ربع ساعة سيتكفلون بهذا سريعا،"
نظر اليه محمد بإشمئزاز شديد، لم يكن يتوقع ان هذا الجنرال سيخوض هذه المقامرة معهم على الاطلاق فتوضح له انه عازم على اللعب مع الشياطين نفسها لكي يحمي مصالحه الشخصية، بل توضح له فجأة انه ربما يكون في مواجهة مع الشيطان نفسه، ففي هذه اللحظة و هو يسمع تهديد الجنرال كل شيئ كان يبدو له انه ممكن، فالشياطين المتوحشة منذ ساعات احتلوا القصر العيني و ها هوذا تلميذ لهم يحاول لوي ذراع اقوى وزيرة في مجلس وزراء مصر، 
نظرة اليه نرجس و الغضب يغلي بعينيها، بصقت بوجهه ثم قالت "آه يا سافل يا حقير، اتخون أمتك و بلدك للمال يا عديم الاخلاق!!!"
قال مستهزأ و هو يمسح اثار البصق عن وجهه "حاربنا بنكسة 67 و مرة ثانية في حرب 73 و رأيت الموت خلال الحروب و الويلات الاف المرات، شاهدت مئات الشبان تموت خلال المعارك الطاحنة فما كانت النتيجة و ما كانت الإفادة سوى راتب تقاعد آخر الخدمة و بعض الميداليات للذكرى،"
صرخ احمد بوجه الوزيرة من شدة الغضب من كلام الجنرال"هيا اضغطي على الزرار! ماذا تنتظري! او انا سأجلب الامن،" ذهب الى الباب و قتحه قائلا لرفعت "اطلب الامن فورا" ثم عاد الى الجنرال و قال "ستذهب من هنا الى السجن،"
ارتعد الممر المؤدي الى مكتب الوزيرة خلال بضع ثواني باصوات خطاوات نعل العسكر، ثم دخلوا الي المكتب اربعة عناصر امنية مع مرافقها الخاص مدججين بالسلاح، فاحاطوا الوزيرة و قال مرافقها سائلا "ما المشكلة" 
آمرت نرجس "خذو هذا الكلب و تأكدوا انه غادر مبنى الوزارة من غير ان يصيبه أحد بأي مكروه،"
*****