الحياة بعد الحياة/ نسيم عبيد عوض

فى رحلتى الأخيرة لبرمودا أخذت معى  كتاب إشتريته عام 2010 ‘ وقرأت منه صفحات ولم يسعنى الوقت أيامها لإستكمال قراءته ‘ ولكننى صممت على الإنتهاء منه فى هذه الرحلة‘ وخصوصا ان الرحلة 7 أيام منها 4 أيام على الباخرة فى البحر ‘ والكتاب اسمه " أدلة لما بعد الحياة" وكتب على الغلاف "أكبر دراسة حدثت عن شواهد وأدلة عن الحياة بعد الموت"  وبالخط العريض "علم تجارب الذين إقتربوا من الموت" تأليف الدكتور جيفرى لونج و بول بيرى‘ والدكنور جيفرى  وزوجته جودى أسسوا هيئة أبحاث لأبحاث الذين إقتربوا من الموت . والرجل هو طبيب علاج السرطان بالأشعة يقدم لكتابه بأن أول مرة يقرأ عن تجارب الذين إقتربوا من الموت فى مجلة الطب عام 1984 ‘وبعد ذلك بعدة أعوام التقى بزوجة أحد أصدقائه لتروى له تجربتها عندما كانت قرب أن تموت من رد فعل حساسية أثناء عملية جراحية ‘ وفى عام 1998 أنشأ هيئة لأبحاث تجارب الذين أقتربوا من الموت ‘وبدأ صفحته على الإنترانت بإسم:

NDERF.org 

 ولمدة عشر سنوات حدد هدفه فى لقاء وتجميع الدلائل وشهادة الشهود على مامروا به  وهم على حافة الموت ‘ وتقابل مع أكثر من 1300 شخص من الذين لهم تجربة الإقتراب من الموت‘ منهم 95 % قالوا أن ماشهدوه وسمعوه بالتأكيد حقيقى‘ ووصف غالبيتهم تجربتهم (لا يسوغ وصفهابالكلام ‘ لا تنسى ‘ أجمل مالا يمكن وصفه بالكلام " وكتب أحدهم حاول الإنتحار تجربته(( شعرت بالسلام مع نفسى ‘ بدون ألم ‘ ورأيت حياتى كاملة فى وسط حب الناس‘ بدون أى شيئ سيئ فعلته بما فيها محاولة قتل نفسى‘ كل ماعملته فى حياتى تحول بقوة الحقيقة والحب ‘إلى الحب من الغير وفى نفسى أيضا‘ وجدت نفسى فى حب وسلام كاملين ‘ فرح لا يمكن التعبير عنه.)) ويتحدث الدكتور جيفرى فيقول انه كرجل علم إختبر بكل دقة كل البيانات والمعلومات التى أدلى بها أكثر من ألف شخص إختبرهم ‘ وأوضحت دراسة هؤلاء أنهم أجمعوا على مفاهيم جديدة خلال رحلتهم وهم قريبين للموت مثل( الله ‘ الحب بعد الحياة‘ وجودهم وتعبهم على الأرض‘ الغفران والعفو ومفاهيم كثيرة خاصىة حياتهم الإجتماعية وثقافتهم ‘ الأصل والجنس‘ تعاليم دينية وإجتماعية ).

وأجمع الباحثين بعد حصر كل ماجمعوه من مقابلات ‘ على 12 موضوع حددوها وأجمعوا عليها  أغلب  الذين إقتربوا من الموت ثم عادوا للحياة:

1- تجربة الخروج من الجسد أو إنفصال وعيهم عن جسدهم.   2-إحساس وإدراك عال. 3- الإحساس والشعور لكل مايحدث.   4- تحركهم خلال نفق أو ممر أو معبر .  5- رؤيتهم نور أبيض لامع جدا.      6- رؤيتهم لأشخاص سواء أصدقاء أو أقاربهم من الذين ماتوا .  7- لا إحساس بالزمن أو المكان.              8- مراجعة للحياة التى عاشوها على الأرض.  9- رؤية منطقة سماوية غير معبر عنها.   10- مقابلة أو تعلم معلومات خاصة.           11- مواجهة مع  لا حدود ولا حواجز .  12- العودة للجسد بالطاعة أو بالإجبار. 

التجارب الشخصية  حسب ماأقر به هؤلاء المختبرين حول نقاط تجربتهم المحددة فى النقاط ال 12 السابقة:

1- قالت هذه السيدة لقد شعرت بخروج روحى من جسدى‘ ورأيت وسمعت كل الأحاديث بين زوجى والدكاترة خارج الحجرة التى يرقد جسدى فيها‘ وكنت أعلو حوالى 40 ياردة عن الأرض ‘ وبعد عودتى أقر الأطباء وزوجى بصحة ماسمعته منهم وأنا خارج الجسد.

2-74.4% قالوا ان إدراكهم وشعورهم كان بمستوى عال وغير عادى ‘ وقال أحدهم كان إحساسى غير ماهو على ألأرض ‘ كان كالكريستال ‘وكان يشبه أننى فى النهاية  عائد لبيتى ‘ وكان شعور حقيقى أكثر من أى شيئ فى حياتى.

3- وقال أحدهم : شيئ لا يمكن التعبير عنه وصعب شرحه بالكلام ‘ شعور بالحب غير محدود‘ شعور بالرأفة وبالسلام  والأمان ‘ فهم كامل وشعور غالب لعودتى لبيتى فى فرح. 

4- وشرح آخر: أنه تحرك نحو نفق ممر ومعبر بجوانب ناعمة كامل الإضائه‘ وكل مأقترب كل مازاد النور ‘ السفر فى الممر سريع ‘ ممر ذو ألوان مختلفة أزرق أصفر وأبيض أخضر وأحمر.

5- وحول رؤيتهم لأقاربهم الموتى قال شخص بكل تأكيد: كان يلتف حوالى أشخاص كثيرون أشبه بعائلتى ‘ أصدقاء قدامى‘ وكنت معهم اشعر بالحب والفرح ‘ أبى كان بجانبى أختى كانت قريبة منى جدا ‘ وشعرت بأقارب أحرين حولى ‘ لم أكن أراهم بل كنت أحس بوجودهم بجانبى ‘ سمعت صوت أمى وأختى وجدتى ‘ ورأيتهم على شاطئ بحر‘ولاحظت أن أختى قد كبرت أكثر من وقت وفاتها.

6- ووصف آخر: عندما خرجت من جسدى إنعدم حساب الوقت ‘ وعندما كنت فى النور لم يكن عندى شعور بالزمن كما هو على الأرض‘ بمعنى آخر ليس حساب للحاضر والماضى والمستقبل‘ كل هذه كانت مثل لحظة .

7- وقال آخر: رأيت حياتى أمامى بعد خروجى من جسدى الراقد فى المستشفى‘ كل الأحداث المهمة التى حدثت فى حياتى من وقت ميلادى رأيتها .

لأكثر من 170 صفحة عرض علينا هذا الباحث ومعه مجموعة كبيرة من الباحثين تأكيداتهم ‘ وتصميمهم على كل ماحكاه هؤلاء كان حقيقة وليس نتيجة التخدير أو سياحة عقلية ‘ حتى أن سيدة تحدتهم أنها وهى فى علوها عن جسدها ‘ خرجت لغرفة الممرضات وسمعت أحاديثهم ‘ وعندما راجعوا مع الممرضات أقروا بها ‘ وسيدة أخرى قالت أنها فى سباحتها خارج الجسد رأت فردة حذاء على جدار المستشفى ‘ وحددت المكان وألوان الحذاء ‘ وعندما صعدوا وجدوا فردة الحذاء كما وصفته هذه السيدة ورأته وهى خارج جسدها.

ومن مفاجآت هذا البحث أن شخصا كان قد إنتحر بقتل نفسه ‘ رأى ومر بكل ماأجمع عليه الذين مروا بتجربة الموت السابق توضيحها ‘ والمفاجأة الثانية أن مولودا أعمى بعد خروجه من الجسد رأى النور وبكل تأكيد وصف رؤيته لأشياء غير أرضية ‘ والأخرس والأصم عادت لهم حواسهم بعد خروجهم من الجسد ‘ وفى البحث الذى أجراه الباحثون فى جميع أقطار الآرض ‘ أقروا أن هذه التجارب لا علاقة لها بأصل وبلاد أصحابها ورغم إختلاف لغتهم وصفوا نفس مارآه وشعروا بنفس شعور كل من مر بتجربة الإقتراب من الموت. أيضا بالبحث أقر الباحثون أنه لا علاقة بديانة أحد من هؤلاء على ما مروا به من نفس التجربة وهذا الشعور ‘ وأيضا أجمع هؤلاء على أن عودتهم للأرض كانت إجابة على ماقاله لهم السمائيين انه لا بد من عودتهم للأرض حيث لم يأتى وقت موتهم‘ والذين رفضوا العودة دفعوا دفعا للعودة لأجسادهم.

والنتيجة أن هذا البحث عميق وعلمى جدا ‘ وهناك مؤلفون عديدين كتبوا عن هذا ولكن الدكتور جيفرى ومؤسسته أكثر تخصصا فى تجربة الذين كانوا على حافة الموت ‘ ولكن لابد من الأخذ فى الإعتبار ملاحظة النقط التالية:

1- ليس ماعرضه هؤلاء هو الصعود للسماء ‘ ولم يتعدى خروجهم من أجسادهم إلا التوجه نحو السماء ولكنهم لم يبلغوها ‘ وعلى ذلك فتسمية هذا بأنة الحياة بعد الحياة خاطئة 100%‘ لأنهم لم يتعاملوا مع الحياة فى السماء.

2- بالتأكيد لم يدخل هؤلاء الفردوس أو الجنة ولا رأوا الجحيم أو النار المتقدة ‘ وعلى هذا لا يمكن أن يشارك الإنسان البار الصالح مع الإنسان الشرير  فيما بعد الموت ‘ ولم يتدخل البحث فى هذا الموضوع لأنه لا أحد من هؤلاء إستقر فى السماء ‘ بل عادوا للأرض ‘ لأن موعد إنتقالهم من الآرض للسماء لم يأت بعد ‘ وهذا تأكيد على إيماننا أن لكل أحد أجل محدد باللحظة والثانية مهما تعددت أسباب الموت.

3- تسمية ماقاله هؤلاء بالحياة بعد الموت خطأ ‘ لأنه لم يرى هؤلاء السماء وما فيها ولا إقتربوا منها‘ وحول ذلك كنت أرد على سؤال أحد رفقائنا فى الرحلة عما أقرأه ‘ فما كان منه أن قال ليس هناك أحد فى الوجود يعرف ماذا بعد الموت ‘ فسألته هل قرأت الكتاب المقدس (سفر الرؤية مثلا) كانت إجابته بالنفى ‘ ولذلك سأحدثكم فى المقال التالى عن الحياة بعد الموت والذى نسميه نحن بالإنتقال ‘ أو خلع المسكن ‘ أو الخروج وأسماه الرب يسوع بالنوم ) نعم نحن نعرف ماذا يحدث لنا بعد تركنا هذا الجسد والأرض كلها ‘ إذا شاء الرب وعشنا.

شيخُ قبيلتي/ حسن العاصي

ليسَ بعيداً كثيراً عن ما يدورُ في مضارب بني فالج
وعلى سبيل الإيضاح ، هذه النص من نسج الخيال حتى وإن تشابه مع الأحداث الواقعية 

فيمَا مَضى
كانَ لِشيْخِ قَبِيلتِنا جارِيَةً فاتنةً
فتيَّةٌ لَعُوبٌ
رشيقةُ الحركاتِ
يَقطرُ صَوتُها غنجاً ودلالاً
تَسيرُ بِزُهُوٍّ تَتَلَوَّى دَلعاً
كانَ شَيْخنَا يَأْتِيها كُلَّ لَيلةٍ
وكانَتْ رائِحةُ مُعاشَرَتَها تَصِلُ
إِلى شُقوقِ خِيامِ القبِيلةِ
فَيتسابَقُ الرجالُ والفِتيةُ
بأَعْضاءٍ ذُكوريةٍ مُنتَفِخَةٍ
وتَصوُّراتٌ شبقيَّةٌ
يَتلَصَّصونَ عَلى اللَّحْمِ الحَيِّ
خَلفَ قُماشِ الخَيمةِ الغَليظِ
كانُوا يَأْكُلونَ لَحْمَها نيِّئاً
ويَسْتَبيحونَ عَوْرتَها
يَتأوَّهُ الرِّجالُ مَعَ حُسنِ حَركاتِها
وكَمْ مِنهُمْ كانَ يَعْتَليها
ومِنهُمْ كانَ يَدُسُّ رأْسَهُ بينَ فَخْذَيْها
وَكَم مِن رَأْسٍ احْمَرَّتْ وَجْنَتاهُ
وتَورَّمَتْ أَوْرِدَةُ أَعناقِ الجميعِ
حتَّى الصِّبيانُ
كانَ لَهُمْ مِن الملذَّاتِ نَصيب
لايطيقون صَبراً
لِلحُصولِ عَلى حِصَّتُهم
كانَ الرِّجالُ
يَعودونَ بعدَ انفضاضِ الوليمةِ
إلى زَوجاتِهُمْ
كُلَّ واحِدٍ مِنهُمْ كانَ يَغْشَى امرأَتَهُ
قَبلَ الغَيبوبَةِ الأَخيرةِ
وهَكذا كانَ الجَميعُ في قَبيلَتي
يَنامونَ شَبْعانُونَ
ذَاتُ شَهوةٍ حينَ اشْتدَّ الوطئَ عليها
هَربتْ الجارِيَةُ مِن الشّيْخِ ومِن القَبيلةُ
هامَتْ عَلى خَيْبَتِها
لاذَتْ بالصَّحْراءِ
تَستَغِيثُ بِرَملِ الأنبياءِ
اشتدَّ المرضُ بالشيخِ
ومنذ وفاةِ شيخِ قبيلتنا
كَمِداً وغَمّاً على فراقها
ينامُ ذكورُ القبيلةِ جائعينَ
كُلَّ لَيلةٍ دونَ طَعامٍ 

نحمد الله أن لا حدود بيننا وبين مصر السيسي/ محمد فاروق الإمام

عندما قامت الوحدة المصرية السورية عام 1958 وكانت تفصل بين الإقليمين السوري والمصري فلسطين المحتلة كنا نقول باتت الدولة المسخ إسرائيل بين فكي كماشة والقضاء على هذه الدولة هو مسألة وقت، وتبين لنا فيما بعد أن الطرفين اللذان فرضا تلك الوحدة (البعثيون وجمال عبد الناصر) كان كل منهما يغني على ليلاه؛ فالبعثيون كانوا يتطلعون إلى اقتسام غنيمة الوحدة وجعل الإقليم السوري من حصتهم ليكون مزرعة لهم بعد إخفاقاتهم المتعددة في الوصول إلى الحكم سواء عبر الانقلابات العسكرية التي كانوا وراءها أم من خلال خوضهم للانتخابات النيابية التي لم يتمكنوا من إيصال أكثر من 16 نائب إلى مجلسها، وعبد الناصر كان يهدف إلى إنجاح فكره القومي وبسط نفوذه في العالم العربي والتفرد في الحكم إلى ما يشاء الله.
ونحمد الله الآن بأن لا حدود مشتركة مع مصر وقد فضحت وسائل الإعلام الأمريكية تعديات السيسي حاكم مصر على الأراضي الليبية وقصفه مواقع ثوار ليبيا في طرابلس وبني غازي ودعمه لقائد المتمردين اللواء الطيار حبتر، ضد كتائب الثورة التي أطاحت بالديكتاتور الأرعن معمر القذافي لإنجاح الثورة المضادة في ليبيا، وتنصيب حبتر ديكتاتوراً جديداً يخلف القذافي ويكون شريكاً للسيسي في قابل الأيام، كما فعل هو في مصر وانقض على الثورة والشرعية وأطاح بالرئيس الذي انتخبه الشعب المصري بإرادته الحرة. 
ونحمد الله ألف مرة أنه لا حدود بيننا وبين مصر لأن السيسي كان سيعبر تلك الحدود دعماً لنمرود الشام وجزارها انتصاراً له ضد الشعب السوري الثائر وقد فعل ذلك ضد شعبه في مصر واستباح دمهم وقتل خيرة شباب مصر وقاد الآلاف منهم إلى السجون والمعتقلات ولا يزال يقمع بوحشية لا حدود لها المظاهرات السلمية التي تطالب بعودة الشرعية.
السيسي كشر عن أنيابه تجاه سورية عندما صرح في مؤتمر صحفي عقده يوم الأحد الماضي، إن "مصر لا تدعم النظام السوري أو المعارضة السورية ولا تنحاز إلى أي منهما".
كلام مبطن يحوي خلفه كثير من الأمور التي يمكن أن يستشفها المرء تشير إلى نوايا السيسي الخبيثة تجاه الثورة السورية ومحاولته خلق أجواء لقيام ثورة مضادة، وقد أكدت بعض فصائل الثورة أنه تم العثور على عدد كبير من الذخائر (صناعة مصر) ومنها صواريخ غراد في المواقع التي حرروها من النظام وتم الاستيلاء عليها، نقلت من مصر دعماً للنظام الباغي في عهد السيسي.
ختاماً يستحسن الإتيان على المثل المصري الشائع الذي يقول: "اللي بيختشو ماتو" فإذا كان السيسي لم يختش من موقفه المحايد بين العدو الصهيوني المحتل وبين غزة المستباحة من ذلك العدو فكيف له أن يختشي من موقفه المحايد بين جلاد يلهب ظهر شعبه وبين ثوار أحرار انتفضوا من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟!

غزة تنتصر وتوحد الشعب الفلسطيني/ ابراهيم الشيخ

انتهت جولة الحرب الهمجية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة بعد ان اثبت الشعب الفلسطيني ومقاومته القدرة على الوقوف في وجه العدوان والصمود امام الة الدمار الصهيونية. 
 كل طرف من الاطراف سيدعي الانتصار، الطرف الفلسطيني لم يتأخر وفي اللحظة التي اعلن فيها عن وقف اطلاق النار اعلن سامي ابو زهري ان انجاز وقف اطلاق النار هو انتصار للشعب الفلسطيني، وتبع ذلك خروج الناس في قطاع غزة  والضفة الغربية الى الشوارع ابتهاجا بوقف اطلاق النار واعلان النصر، ومن غير المستبعد ان يخرج نتنياهو ويعلن هو الاخر النصر ويدعي بأن  اسرائيل حققت اهدافها في غزة، ولذلك وافقت على وقف اطلاق النار، ولكن مستقبل نتنياهو السياسي سيكون تحت المحك  بسبب ادارته لهذه الحرب التي لم يقدر على تحقيق اي من اهدافها وتراجع الدعم له في استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي.
بلا شك ان حركة حماس  والمقاومة الفلسطينية بجميع قواها فرضت معادلة جديدة من خلال قدرتها على الصمود وتكبيد العدو خسائر فادحة والقدرة على قصف أي مكان تريده داخل هذا الكيان،  وان هذا العدو في المستقبل سيأخذ كل هذا في الحسبان عندما تسول له نفسه بالاعتداء على قطاع غزة، وهذا يعتبر من احد انجازات المقاومة التي خاضت اطول معركة مع دولة الاحتلال التي لم تتوقع هذا الصمود الاسطوري للمقاومة وجر دولة الاحتلال الى حرب استنزاف غير قادرة على تحملها. 
من ناحية اخرى فان حركة المقاومة في غزة تشعر بالنصر، والذي يمدها بشعور النصر هذا هو صمودها امام اقوى الة عسكرية واحدثها في المنطقة بالرغم من سقوط  عدد كبير من الشهداء والجرحى والتدمير الممنهج الذي خلفته الة الدمار الاسرائيلية، وثانيها هو قدرتها على قصف مدن العدو البعيدة وشل حركة مطار اللد وشل الحياة  في المدن الاسرائيلية وتهجير سكان المستعمرات، وان الانتصار الاكبر سيكون بفك الحصار عن قطاع غزة وفرض الشروط الفلسطينية بفتح المطار واقامة ميناء بحري واطلاق سراح الاسرى .
ومما لا شك فيه ان هذه الجولة من العدوان لن تكون الاخيرة، والكل يعي ذلك لان الصراع مع هذا العدو لم ينته لان غزة جزء من فلسطين، وما دام هناك احتلال للاراضي الفلسطينية ، فان هذا الصراع سيبقى مستمرا، فهذه الهدنة تعتبر استراحة محارب وان الهدنة مهما طالت فان جولة اخرى قادمة، ويكفي حادث قصف هناك او اعتداء هناك وينفجر الوضع مرة اخرى.
  على الصعيد الداخلي الفلسطيني فان هذا العدوان الاسرائيلي لعب دورا في تقريب ووحدة الموقف والقوى الفلسطينية من بعضها البعض، ونسيان حالة الانقسام، لان القاسم المشترك الذي يجمع الفلسطينيين هو قضيتهم العادلة ومحاربة العدو الصهيوني وتحرير الاراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية. 
ولكن من غير المعروف كيف سيكون شكل الوحدة الفلسطينية وعلى اي برنامج ستعتمد، هل ستعتمد على برنامج الكفاح المسلح لمحاربة اسرائيل ام على برنامج المفاوضات ام على الاثنين معا، بحيث تبقى غزة مسلحة والضفة الغربية منزوعة السلاح معتمدة على المقاومة الشعبية ، وتبدو هذه المسألة صعبة وتحديا مستقبليا امام القوى الفلسطينية. 
ان الايام القادمة ستجيب على هذه الاسئلة المهمة، من ناحية كيف سيتصرف الفلسطينيون، وهل سيحققون الوحدة، وستكون هذه الوحدة ان تحققت على ارض الواقع من اهم  نتائج العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. 
على الفلسطينيين ترجمة التصريحات التي صدرت عن القيادات الفلسطينية حول الوحدة وانهاء الانقسام خلال الحرب على غزة على الارض، ولا شك ان صمود المقاومة سيشكل ورقة  قوية في اي مفاوضات مستقبلية مع العدو الصهيوني، ويعطي السلطة الفلسطينية حافزاً قويا  للتشبث بالثوابت الفلسطينية وعدم التنازل عنها وعدم الاذعان للضغوط الاسرائيلية التي سعت وتسعى الى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وخلق كانتونات فلسطينية مقسمة دون وحدة جغرافية وسياسية موحدة.
القيادة الفلسطينية وعلى لسان الرئيس محمود عباس اخذت تتساءل ماذا بعد هذه الحرب ، هل سنشهد كل سنة او سنتين حرب على غزة، ان هذا التساءل يؤشر الى ان الفلسطينيين يريدون حلا دائما للقضية الفلسطينية وان التفاوض مع هذا العدو لم يحقق للفلسطينييين طموحاتهم بإقامة الدولة الفلسطينية، وانما بالعكس تقوم دولة الاحتلال باقامة المزيد من المستعمرات، ويريد هذا الاحتلال فرض الوصاية والاستسلام على الشعب الفلسطيني لكي لا يطالب بحقوقه.
ان المفاوضات الغير مباشرة التي ستجري بين الوفد الاسرائيلي والفلسطيني في القاهرة حول بنود اتفاق الهدنة في غزة ستكون صعبة، ولن تكون اسهل من المعركة العسكرية، ومن الممكن ان تتنصل اسرائيل من كل ما تعهدت به، وكل ما يهمها كان وقف اطلاق النار بسسبب الضغط الشعبي على الحكومة الاسرائيلية.
فالمطلوب من الراعي المصري ان يضمن تنفيذ الاتفاق، لان اسرائيل معروفة بنكصها المعاهدات والاتفاقات والهدن، ويجب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها،  والضغط على اسرائيل والزامها باحترام الاتفاقات وانهاء احتلالها للاراضي الفلسطينية. 

البابا تواضروس: يجوز بناء المساجد بما لا يضر الأمن القومى/ مجدى نجيب وهبة

 صرح قداسة البابا تواضروس الثانى لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية .. عند سؤاله "كيف ترى قداستكم بناء المساجد فى مصر" .. فكان رد قداسة البابا نصا (يجوز بناء المساجد فى مصر بما لا يضر الأمن القومى للبلاد) ..
** توقعوا معى إذا كان هذا التصريح قد صدر من البابا عقب نكسة 25 يناير ، أو عقب ثورة 30 يونيو .. فماذا كان يمكن أن يحدث ؟ ...
** أعتقد وبدون إطالة .. أن ما كان سوف يحدث قبل 30 يونيو .. هو الهجوم على الكاتدرائية وإلقاء المولوتوف عليها والهجوم على كل كنائس المحروسة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال .. هذا بجانب إستهداف كل أقباط مصر من الصعيد والأسكندرية ومطروح والقاهرة .. ثم يأتى المساء لتهل علينا فضائيات حرق الوطن لتسكب مزيدا من الزيت لإشعال النار والحرائق .. حتى يقضى على الأخضر واليابس من جراء هذا التصريح ...
** أما بعد 30 يونيو .. ستهاجم كل كنائس الصعيد ، وستكون فرصة سانحة لشيوخ الإرهاب للخروج ضد الكنيسة ، ومطالبة قداسة البابا بالإعتذار ، ومطالبة رئيس الدولة بالتدخل لإقالة قداسة البابا .. لأنه على حد زعمهم تسبب فى جرح شعور المواطن المسلم .. وسوف تتناول وسائل الإعلام فى مصر تصريحات البابا من وجهة نظر الإخوان لحرق مصر بمن فيها .. ثم تمارس أمريكا دورها القذر فى إشعال مزيد من الحرائق ، وسينطلق الإعلام الغربى بتصريحات نارية لبعض المتطرفين .. مع التوقعات بحرق أكثر من كنيسة فى الصعيد المصرى ..
** هذا ما كان سوف يحدث ، وربما أكثر .. فما بالنا عندما صرح شيخ الأزهر ، الدكتور "أحمد الطيب" بهذا التصريح لكل وسائل الإعلام .. خاصة عندما بدأت أزمة الكنائس فى مصر ترى النور وتضع الدولة الأسس والقوانين التى تسمح ببناء دور العبادة للأقباط والمسلمين ترسيخا لدولة المواطنة بعد ثورة 30 يونيو العظيمة ..
** ورغم قسوة تصريح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور "أحمد الطيب" .. إلا أنه للأسف ، لم يكن له أى صدى فى الكنيسة المصرية ، إلا من بعض التصريحات التى أعلنت عنها الكنيسة وهى إستياءها من تصريحات فضيلة الإمام شيخ الأزهر .. وهدأ الموضوع عند هذا الحد .. ولم يعتذر فضيلة الإمام ، أو يوضح وجهة نظره .. بل ألقى بكرة اللهب فى الملعب وتركها تتدحرج حيثما شاء ...
** يعتقد البعض أن هذا التصريح صدر ثم إنتهى .. إنهم واهمون .. حتى لو صدر قانون لتنظيم دور العبادة ، فسوف تظل فتوى شيخ الأزهر هى مصدر قلق أمام الأقباط فى كل ربوع مصر .. لأن معنى هذه الفتوى أن بناء الكنائس فى مصر قد أضر ، واكررها ، قد أضر بالأمن القومى المصرى .. ولن نعيد ما كتبناه فى مقال سابق ، وتساءلنا .. هل الكنائس هى التى تتكدس بالأسلحة داخلها أمام بعض الزوايا والجوامع .. هل الكنائس هى التى يخرج منها المصلين يوم الجمعة ليقطعوا الطرق ويشعلوا النيران ويهاجمون الشرطة والجيش والشعب ؟ .. هل العظة التى يتناولها الكاهن داخل الكنيسة هى التى تحرض الغوغاء على الخروج ضد الدولة أم المسجد ؟ .. أسئلة مشروعة وإجابتها واضحة .. ولكن يبدو أن شيخ الأزهر يذكى إشعال الفتنة فى مصر بعد ثورة 30 يونيو وكأنه يعلن أنه بديل عن حكم الإخوان المسلمين .. وأن الأزهر هو الحاكم بأمر الله فى مصر بعد رحيل الإخوان !!! ....
** ثم يأتى دور الدكتور "شوقى علام" مفتى الجمهورية .. فقد صرح فى إحدى البرامج التليفزيونية أول أمس أن من ينكرون عذاب القبر لا يعرفون ما يقولون ، ولا يدركون أبعاد الشبهات التى يلقونها .. كما أنه فى إحدى الحوارات مع الإعلامى وائل الإبراشى فى برنامج العاشرة مساء .. إستضاف الإبراشى الدكتور "عبد الله النجار" والشيخ "صبرى عبادة" وكيل وزارة الأوقاف .. فى حوار لمواجهة الشيخ "محمد عبد الله نصر" ، حول بعض الفتاوى التى ذكرت فى كتاب صحيح البخارى عن عذاب القبر والثعبان الأقرع ، وفتوى جناح الذبابة ، وفتوى تكفير الأقباط ، وفتوى إرضاع الكبير ، والذى إعتبرها الشيخ "محمد عبد الله نصر" هو إهانة للإسلام وللرسول" .. ولكن فوجئنا بهجوم ضارى من الدكتور عبد الله النجار وهو أحد علماء الأزهر الأجلاء ، ووكيل الأزهر الشيخ "صبرى عبادة" ..بل وفى مداخلة أجراها فضيلة الإمام مفتى الجمهورية الدكتور "شوقى علام" أكد صحة كل ما ذكره صحيح البخارى .. وطالب الجهات الأمنية بالقبض على الشيخ "محمد عبد الله نصر" الذى وصفه بـ "ميزو" .. ثم فى هجوم للسيد وكيل الأزهر على الشيخ نصر قال له (لن تنال من الإسلام ولا من الأزهر مثلك مثل بعض المسيحيين) .. ولم يواجهوا الشيخ نصر بالرد أو الإجابة على أى فتوى أثيرت ..
** هذا الحوار لو كان قد أجرى فى عصر الرئيس محمد حسنى مبارك .. لقامت الدنيا ولم تقعد .. وهو ما حدث عندما أثيرت فتوى إرضاع الكبير .. فطلب شيخ الأزهر من الدكتور "عزت عطية" صاحب الفتوى الإعتذار أو تقديم إستقالته .. فرفض الدكتور عزت عطية الإعتذار وقدم إستقالته من مجمع البحوث الإسلامية ..
** اليوم .. نرى أن هناك علماء ومشايخ الأزهر يتبادلون فتاوى ذكرت فى صحيح الإمام البخارى ، ومن ضمن هذه الفتاوى تكفير الأقباط والكنيسة .. وعدم بناء ما هدم منها ، وعدم مشاركتهم فى المناسبات والأعياد ، وعدم مصافحتهم ، و ... ، و... ، رغم أن مصر نفضت عن كاهلها تنظيم الإخوان الإرهابى الذى أسقط مصر بثورة 30 يونيو ، فلولا يقظة شعبها وجيشها وشرطتها العظيمة .. لأنتهت مصر إلى الأبد ..  
** يبدو أننا أمام تحدى أخر ، ولكن بإستبدال الإخوان بمشايخ وعلماء الأزهر الشريف .. الذى كتبنا عنه عشرات المقالات .. أحدهم فى مجلة روزاليوسف عام 2001 بعنوان "الأزهر منارة الإسلام جامعا وجامعة" .. أما الكارثة أن مفتى الجمهورية يعود ويكرر صحة فتوى عذاب القبر .. ولم يعترض على أى فتوى وصارت هذه الفتاوى صكوك الغفران لدخول الجنة .. وإذا كانت فتاوى عذاب القبر ، والثعبان الأقرع ، وإرضاع الكبير صحيحة .. فما بالنا بالفتاوى ضد الكنيسة والأقباط ، وما مصير الكنيسة فى ظل ترحيب الأزهر بفتاوى البخارى التى ظلت بعضها تتناول فى سرية داخل الزوايا وليس المساجد ..
** هل هناك ضوء أخضر من أمريكا للسادة الأفاضل مشايخ الأزهر أن يتأهلوا ليكون لهم دورا بدلا من جماعة الإخوان المسلمين .. فقد سمعنا أن السلفيين قاموا بتقديم انفسهم للإدارة الأمريكية ليكونوا بديل الإخوان .. وهذا ما رفضه كل الشعب المصرى قيادة وشعبا ولن يكون .. إذن ، فما هى اللعبة الخطيرة والدور الخطير الذى بدأ يمارسه الأزهر هذه الأيام ؟ ...
** هل يراد بنا العودة لدولة الخلافة ، وأن تتحول مصر إلى عراق أخر ، يتقاتل فيه السنى مع الشيعى ، والسنى والشيعى مع القبطى .. وتتحول مصر إلى ساحة دماء ترتوى بها الأرض المصرية ...
** يبدو أن الجميع إستغل شهامة وطيبة رئيس الدولة ودعوة الجميع لأحكام العقل وحرية الإعتقاد دون أن يفرض رأيه على المجتمع .. ويبدو أن هذه الدعوة الكريمة لم تجد قبول لدى شيوخ الأزهر .. فقد توهم البعض أن أمريكا هى التى تحدد السياسة المصرية ، وهى التى تقترح من يحكم مصر حتى تخرب .. وإذا لم يتم تحقيقه فى دولة الإخوان فيمكن تحقيقه فى دولة العمائم ...
** هذا هو ما أراه وما أدركه وما أشعر به من خلال تصريحات شيوخ الأزهر ، وبعض الذين ينتمون إلى هذه المؤسسة ، وهو وضع فى غاية الخطورة إذا ترك هكذا دون سرعة المعالجة .. فأمريكا لن تتوقف عن دعم أى جهة أو إفتعال أى أزمات طائفية قد تدمر مصر وتحقق حلمها .. فقد إستبدلت مرتزقة أمريكا لتدمير سوريا وأطلقت عليهم داعش .. وقد كتبنا أكثر من مرة أنهم جنود مرتزقة أمريكا .. زرعتهم أمريكا الإرهابية حتى أسقطوا سوريا .. مثلما فعلت فى ليبيا لإسقاط القذافى بعد أن فشلت أكذوبة الربيع العربى ..
** إنه نفس السيناريو القذر الذى دبرته أمريكا لإسقاط العراق بإفتعال أزمة بين العراق والكويت .. كانت الذريعة لدخول أمريكا للعراق وضربها ، بل شاركت الدول العربية فى هذه المهزلة ، ولم يدركوا أن إحتلال العراق للكويت كان ضمن مخطط دبرته أمريكا ..
** الأن .. أمريكا تنفذ نفس المخطط بدفع مرتزقة أمريكا يقتلون فى أقباط سوريا والعراق وليبيا .. حتى يستغيث العالم العربى ، وبالفعل هذا ما حدث .. فقد صرحت أمريكا أنها مستعدة للدخول فى حرب مواجهة مع الدولة الإسلامية فى سوريا ، وهنا يقصدون داعش لمواجهتها إذا ما هوجمت مصالحهم ..
** إنه المخطط القادم لإسقاط سوريا وتدميرها .. مثلما دمرت العراق .. وللأسف العالم كله يصمت ويشاهد هذه المخططات الإرهابية الأمريكية .. ولا يتحركون ضد السياسة الأمريكية لأنها إستطاعت أن تجند الكثير من الكلاب والخونة فى كل دولة بالعالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط لخدمة مصالحها .. فهل تفلح أمريكا فى إقناع الأزهر أن يتصوروا إنهم البديل لحكم مصر بعد سقوط حكم الإخوان ..
** أتمنى أن يدرك الرئيس والبطل المشير عبد الفتاح السيسى خطورة تصريحات شيخ الأزهر د ."أحمد الطيب" ، وخطورة تصريحات مفتى الجمهورية .. حمى الله مصر شعبا وجيشا وشرطة !!..

صوت الأقباط المصريين

بالدم تكتب غزةُ تاريخها/ د. مصطفى يوسف اللداوي

لم تعد غزة تلك المدينة الصغيرة، حاضرة البحر، الكائنة في جنوب فلسطين، المحدودة المساحة، والمكتظة السكان، والمحاصرة من البحر والعدو والصديق، مدينةً مغمورة، لا يعرفها إلا القليل من الناس، ممن لهم دراية بالسياسة، ومعرفة بالجغرافيا، ولا يهتم بها سوى أهلها، القاطنون فيها أو المغتربون عنها، أو المتضامنون معها، والراغبون في زيارتها تأييداً ومساندة، ونصرةً ومساعدة، بل غدت بمقاومتها الجبارة، وشعبها العظيم، وإرادتها الصلبة، وصبرها العنيد، واحدةً من أعظم المدن في التاريخ، ثورةً ومقاومة، وتمرداً وانتفاضة.
فكما أنها واحدة من أقدم المدن في تاريخ الإنسانية، وإحدى أهم حواضره التجارية، ومعابره القديمة، التي عرفتها القوافل، وطرقها الرحالة والمؤرخون، فإنها ستبقى علماً في التاريخ، وعلامةً فارقة في حياة الشعوب، يرجعون إليها، ويتعلمون منها، وينسبون إليها، وينقلون عنها، فقد أصبحت واحدة من أعرق المدارس النضالية، وأكثرها خبرة وتجربة، وأعظمها عطاءً وتضحية، فقد انتصرت غزة على الحصار، وكسرت القيود، وانعتقت من الأغلال، وانتفضت ماردةً قويةً، بأجنحةٍ عملاقة، ترفرف في سماء غزة والوطن، كأعظم ما تكون المقاومة، وأشد ما تكون القوة، وأنبل ما تكون التضحية.
غزة اليوم تكتب تاريخها بمدادٍ من دمٍ، وتسطر صفحاتها في كتاب الخلود، وتسجل اسمها في سجل المجد، وصحائف الخالدين، وتحفر لنفسها مكانةً بأجساد أبطالها، وأشلاء أبنائها، وألعاب أطفالها، وعرائس بناتها، وفساتين صباياها، وتبني بركام بيوتها، وأنقاض منازلها، صرحاً عظيماً، يعتز به الفلسطينيون، ويفخر به العرب والمسلمون، حتى غدت غزة مدينة تنافس ستالينغراد، وتبزها نضالاً ومقاومة، وتفوق عليها أنفاقاً وخنادق آمنة، يعجز العدو عن اكتشافها أو الوصول إليها، ويحار في البحث عنها ليقصفها ويدمرها.
تعداد سكانها لا يصل إلى المليوني نسمة، ومساحتها لا تزيد عن المائتي ميل مربع، وبين شمالها وجنوبها بضعٌ وأربعون كيلومتراً، وأقصى عرضٍ لها لا يتجاوز الثلاثة عشر كيلومتراً، بينما يضيق في أماكن أخرى ليصبح دون السبعة كيلومترات، ويكاد يخنقها البحر والعدو الصديق، الذين يحاصرونها كقيد، ويضغطونها كمكبس، ويعتصرونها كزيتونة، بلا رحمةٍ ولا شفقة، بل بقسوةٍ وشدةٍ، فلا يسمحون لطيرٍ في السماء يحوم، أو سمكٍ في البحر يعوم، أو عابر سبيلٍ عبر الحدود يمر، لئلا يرفع الحصار، ويخفف القيد، وتزول المعاناة.
ولكن غزة صنعت من الضعف قوة، ونسجت من النور عزة، وغزلت من الألم كرامة، وخاطت من الجوع سترة، ومن الفقر درعاً، وجعلت القيود تروساً، والأغلال فؤوساً، ومن جوف الأرض استخرجت الكفاف، وصنعت المستحيل، وأجرت فوقها شلالاتٍ من عناصر القوة والمنعة، وسبل الصمود والتحدي، وتسربلت بالحديد، وركبت الصعب، وسكنت تحت الأرض، وشقت فيها أخاديداً وأنفاقاً، وجعلت بيوتها للعدو مقابر، وشوارعها له مهالك، فأذهلت العدو وأعجبت الصديق، وأسرت الحبيب والشقيق.
أطفالها سبقوا الرجال، وهتفوا أمامهم أن فلسطين بالأرواح نفديها، وبالدماء نرويها، ولا نفرط في شبرٍ منها، ولا نقبل للعدو أن يستبيحها، ولا أن يقتل أهلها، ويدمر بيوتها، ويخرب مساكنها، ثم يخرج منها آمناً مطمئناً، وكأنه لم يرتكب جرماً، ولم يمارس قبحاً، بل لا بد أن يدفع الثمن، وأن يذوق من ذات الكأس، وأن يتجرع المرارة، ويعاني من الغصة، ويشكو من الألم، فدمنا "لايروح هيك".
ونساؤها خنساواتٌ بواسل، يحرضن الرجال، ويدفعن بهم للصمود والمواجهة، والصبر والتحدي، والثبات والتصدي، فلا يخفن من الموت، ولا ينتحبن أمام الفقد، ولا يشققن الجيوب ويضربن الخدود عند سماع الخبر، بل تعلو أصواتهن عند الفزع، أن فلسطين أغلى وأعز، والقدس أسمى وأطهر، وأقدس وأنبل، مهرها الدم، وفي سبيلها تهون الحياة، وتبذل الأرواح والمهج.
لا شبيه لغزة، ولا مثيل لأهلها، بمساحتها الصغيرة، وتعداد سكانها البسيط بالمقارنة، وانعدام العمق الآمن، والرديف الصادق، والنصير الواثق، فقد حاربها العدو واستشرس، وتآمر عليها الأخ والشقيق، والجار القريب والبعيد، فكانوا للعدو عوناً، ومعه جنداً، ولأجهزته الأمنية عيناً، ولجيشه دليلاً، ووقف المجتمع الدولي إزاء محنتها صامتاً متفرجاً، لا تحركه الدماء، ولا تفزعه الأشلاء، ولا يغضب لحجم الدمار، ولا ينتفض للقوة المفرطة، ولا للسلاح المحرم والممنوع، ولا تعنيه التجاوزات والأخطاء، ولا يتمعر وجهه إن هاجم العدو المواطنين في مقراته، وقتلهم في دوره، ونال منهم وهم لاجئين في مؤسساته وتحت أعلامه.
إنها غزة جزءٌ من فلسطين، وبعضٌ من الوطن، أصيلةٌ كالأصل، متجذرةٌ كزيتونةٍ، أبيةٌ لا تقبل الضيم، وعزيزةٌ تثور على الإهانة، وترد الصاع للمعتدي عشرة وأكثر، تأبى إلا أن تكون مثالاً يحتذى، ونموذجاً يُدرَّسُ، وهي تعلم أنها ستصبح بعد الحرب مدرسة، يتعلم منها الفدائيون، ويلتمس خبرتها المقاتلون، ويعتمد وسائلها وطرقها المدربون، وستصبح تجربتها مناهج تدرس، وتجارب تعمم، يحوز من يتقنها على الأهلية، وينال من يستوعبها الشهادات العليا والإفادات ذات المصداقية.
لن يذهب دمُك هدراً يا غزة، ولن تضيع أرواح أبنائك سدى، وستنبت الأرض التي ارتوت من دماء شهدائك رجالاً، يتطلعون نحو الشمس، ويفتحون أذرعهم نحو السماء، يعانقون النجوم، ويسمعون الجوزاء وقع أقدامهم، وخطى مشيهم، وسيصنعون للأمة نصراً، وسيعوضون الأهل عما أصابهم أو لحق بهم، وستفرح قلوبنا بما تصنعه غزة، وبما يرسمه أبناؤها، ويصنعه رجالها. 
شًرُفت يا غزة، وشَرُفَ أبناؤك، وعزَّ رجالك، وارتفعت هامة شعبك، وكنت لنا وللعالمين فخراً، فلا أضاع الله عطاءك، ولا بدد جهودك، ولا أساء أهلك، ولا أهدر الدم الذي به تقدمت وتميزت. 

القدس في سوق النخاسة/ فاطمة الزهراء فلا‏

تهتز علي طبولهم
ترقص عارية بلا ورقة توت
لم ترقص بإرادتها مثل سالومي
لكنها رقصت بعدما أجبروها
وخلعوا عنها أثواب العروبة
والرجولة تخلت عن معانيها
فباتت وليمة للحكام
قدمها   عن طيب خاطر
القوادون والخدام
والمقابل فتاة ليل
شعرها أحمر..تضع الأحمر القاني
وتنشر حولها العطر والبارفان
وبرغم أن الجائعين تناثروا
يطلبون فقط الخبز الناشف
والماء الملوث بالبقايا
فأصبحوا عرايا
في وطن تغيب الشمس فيه
ويهبط مبكراالغروب
 وستائر الإظلام
دبيب الحياة يخفت
وأشلاء الضحايا علي الطرق
بلا مقابر فتصرخ الجماجم
رفقا بنا ايها الحكام
منذ زمان سالومي
 ويوحنا المعمدان
والقدس عروس رائعة
بيدها الملك وخاتم سليمان
لكنها دوما تعيسة
فالجمال والحب لا يلتقيان
ملأوا الدروب بالدماء 
فما تبقي لقدم موضع
وفي نخب النجاسة تسارع الندمان
علي أرصفة الولار
وفوق موائد الميسر
عقدوا الصفقات
وتداولوا القدس أغنية
وغانية تراقص السكاري
وتمنحهم ثدييها
وتشطب من قاموسها النسائي
تجوع الحرة ولا تأكل بعارها
وكيف تمحوا عارها
والأب مخنث والأخوةيتقاتلون
مثل هابيل وقابيل
والفتنة حين تشتعل
بين اليسار والإخوان
وطني يضيع يا قلبي
وهل بعد الوطن شطآن
وهل بعد اجتياح الموج للرمال
أثر يعيش للذكري ويتباهي
بالحضارة  شاهدة علي مر الزمان؟ 
أسئلة تطفو علي شفتي
فبهتت كل أجوبتي
وقالت..
خبئوا خيباتكم داخل التاريخ
فالتاريخ أحيانا يكون كما تطلبون
مزورا أفاقا..يتفوق علي
اي جبان 

في وفاة الشاعر العربي سميح القاسم/ عبدالواحد محمد


سيظل سميح القاسم  الشاعر الفلسطيني الكبير رمزا عربيا  للمقاومة والنضال بالكلمة الحرة شعرا ونثرا وإبداعا ؟

وتلقى الأستاذ محمد سلماوي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، أمين عام اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، برقية من السيد أوليج بافيكين، أمين عام اتحاد كتاب روسيا، في عزاء الشاعر العربي الفلسطيني الكبير سميح القاسم.
أعرب فيها المترجم الروسي الشهير عن خالص تعازيه في وفاة الشاعر العربي الكبير، وقال إنه ما يزال يتذكر أول لقاء له مع سميح القاسم في موسكو في عام 1984، أثناء رحلتهما المشتركة إلى لينينغراد مع الطاهر وطار وسعدي يوسف.. ثم في عام 1986 معه وتوفيق زياد عندما لبى دعوته وزاره في منزله في الرامة. كما لا يزال يحتفظ بأشرطة فيها صوته. بينما كان اجتماعه الأخير معه في القاهرة بدعوة من اتحاد كتاب مصر عام 2006، بحضور ممثلين لكل اتحادات الكتاب العربية- حيث تم منح سميح القاسم جائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي، أرفع الجوائز التي يمنحها اتحاد كتاب مصر، وأعرب القاسم في هذا اللقاء عن أمنيته لزيارة روسيا مرة أخرى، لكن مرضه يمنعه.
عبدالواحد محمد
كاتب وروائي وصحفي عربي
abdelwahedmohaned@yahoo.com

ورود الصبر/ محمد محمد علي جنيدي



سأنثر فوق أكفاني ورودا
وأترك كل من يُبقي جحودا

أنا من عشت مظلوما ولكن
أليس لنبض آهاتي حدودا

فيا من تبذر الأحزان مهلا
ولا تبنِ الحواجز والسدودا

غداً يستبدل الرحمن ضعفا
وتمسي بعد هذا الظلم دودا

ويا من تقتل الآمال صبرا
حياتك لم تكن نغما وعيدا

عيون الظلم لن ترتاح يوما
وإن أسرتْ كراما أو عبيدا

ورب الناس حين يريد عبدا
فلا يختار إلا أن يعودا

ملوكا كم أتوا الرحمن كُرْها
وظنوا أنهم عاشوا أسودا

فيا عمري الذي تمضي سلاما
كفاني عشتُ أيامي ودودا

إلى الرحمن كم أودعتْ قلبا
وكان الله لي ربّا حميدا

لا نستعملها وانما نصدرها لبلاد الكفر/ د. عبدالله المدني

  منذ عام 2001  تلقت حركة طالبان المدحورة ضربات قاصفة ضد منشآتها وهياكلها التنظيمة وقواتها ومعداتها، وتشتت شمل قادة وقتل الآلاف من أتباعها،  وانتهت إلى غير رجعة الإمارة الاسلامية التي أسستها واتخذت لها قندهار كعاصمة، لكن الصورة العامة توحي بأن هذه الحركة الهمجية الخارجة من بطون التاريخ السحيق  لا تزال قوية وقادرة على إيذاء خصومها وتوجيه ضربات لكل من لا يدين بتعاليمها السقيمة. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى ما قام به أتباعها أثناء الانتخابات الرئاسية الأفغانية الأخيرة حينما إقتصوا من بعض الأبرياء بقطع أصابعهم لمجرد أنهم شاركوا في تلك الانتخابات، دعك مما يقوم به أتباعها الباكستانيون من أعمال إجرامية يومية في عموم باكستان ولاسيما مدينة بيشاور التي تبدو خارجة عن سيطرة الدولة.
 
  والسؤال الذي طالما تردد هو من أين تأتي حركة طالبان بالأموال التي تساعدها على البقاء. وهي أمول كثيرة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما تصرفه كرواتب للمنضوين تحت لوائها من مقاتلين يقدر عددهم بالآلاف، وما تنفقه على شراء الذمم، وإقتناء الأسلحة من السوق السوداء؟ 
 
  أطراف دولية كثيرة اتهمت الحكومة الباكستانية بتقديم كافة أشكال الدعم للحركة ما بين عامي 2005 و2001 ، لكن المعروف أن إسلام آباد نأت بنفسها عن الحركة واوقفت دعمها لها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر خوفا من أن تطالها العقوبات الدولية وتتعقد علاقاتها مع حليفتها الامريكية. أما رد مسئولي الحركة فقد كان ــ بطبيعة الحال ــ ينطوي على الاستخفاف بالعقول. إذ قالوا أن مصدر قوتهم وبقائهم هو الأمول التي تأتيتهم من تبرعات المسلمين والمؤمنين في العالم. وهذا لئن كان فيه شيء بسيط من الصحة عطفا على ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية عن وجود حملات في صفوف المتشددين المقيمين في بريطانيا ودول غربية أخرى لجمع الأموال وتوصيلها إلى الطالبانيين يدا بيد، تجاوزا للقيود المشددة حول تحويل الأموال بالطرق النظامية، فإن الحقيقة التي باتت معروفة للدول والمنظمات الدولية هي أن المصدر الأهم والأقوى الذي تعتمد عليه طالبان هي الأموال المتحصلة من زراعة وتصدير المخدرات (تقدرها المنظمات الدولية بنحو 70 ــ400 مليون دولار سنويا) 
 
  وهي بهذا العمل المشين لا تختلف عن نظام المجاهدين الذين تسلموا السلطة في كابول بعيد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في عام 1998 ، فهؤلاء ظلوا طويلا يعتمدون على إيرادات بيع المخدرات لتغذية خزينة الدولة غير آبهين بتعاليم الإسلام التي تحرم ذلك. واتذكر أني كنت مشاركا في برنامج حواري في إحدى القنوات الفضائية الخليجية، وكان الضيف الآخر قلب الدين حكمتيار، أحد زعماء المجاهدين المعروفين الذين أداروا أفغانستان قبل أن تظهر طالبان على السطح بترتيب من المخابرات الباكستانية فصارحته بهذه الحقيقة وصحتُ في وجهه قائلا ألا تخجلون من أنفسكم من مثل هذه الأعمال، أنتم الذين تدعون الطهرانية وتزعمون الجهاد من أجل إقامة دولة إسلامية تحكم بالشرع، فتلعثم الرجل قليلا قبل أن يجيبني قائلا: نعم نحن نزرع المخدرات لكننا لا نستعملها ولا نبيعها في بلادنا وإنما نصدرها إلى بلاد الكفر لتدمير شبابهم فنصيد عصفورين بحجر!! يا له من منطق!
 
  والمعروف ـ طبقا لأجهزة المخابرات الأجنبية المعنية بالقضاء على الارهاب الطالباني ومنع تمدده ـ أن أتباع طالبان يقدرون بنحو 60 ــ 70 ألف عنصر ناشط، غير أن المقاتلين الفعليين منهم لا يتجاوزون 10 آلاف بينما يعمل الباقون في أعمال الحراسة والمراقبة والتدريب وتوفير الامدادات الغذائية والعلاجية. والمعروف أيضا طبقا للمصادر ذاتها أن الحركة تملك كوادر قيادية جاهزة، بمعنى أنها تستطيع إحلال قيادات جديدة بمجرد مقتل أو أسر القيادات القديمة. ومعظم من يتم تعيينهم كبدلاء هم من الذين اكتسبوا خبرات قتالية في التسعينات. على أن الهياكل التنظيمية التي أسست عليها الحركة بترتيب من زعيمها الملا محمد عمر راعت مسائل مثل الحيلولة دون بروز قادة يمكنهم التصرف باستقلالية عن الأخير أو تأسيس أجنحة يمكنها تهديد سلطته، أو الاستقلال بمنطقة من مناطق نفوذ الحركة على الأرض الأفغانية. وعليه لم نر طيلة السنوات الماضية بوادر تفكك او انشقاق او خروج على القيادة العليا للحركة.
 
  والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تحظى الحركة بدعم كل هؤلاء الأفغان، على الرغم من الفظاعات التي إرتكبتها بحق الناس خلال سنوات حكمها الأسود، والفرمانات البشعة التي أصدرتها فجعلت من البلاد مادة للسخرية والازدراء في العالم؟ هل هو الالتزام الديني المتشدد يا ترى؟ أم أنه الولاء للعرق البشتوني الذي ينتمي إليه معظم قادة الحركة؟
 
  الاجابة لا تكمن في هذا ولا في ذاك، وانما تكمن في حالة الترهل والتفسخ التي هي عنوان النظام الذي جاء الى السلطة بمساعدة امريكية كبديل لسلطة طالبان. فنظام الرئيس حميد كرزاي لم يستطع تحقيق النذر اليسير مما كان يحلم به المواطن الافغاني البسيط. صحيح أنه أعتقه من جهنم طالبان، ومنحه الكثير من الحقوق والحريات الشخصية المسلوبة، لكن الصحيح أيضا أنه ساهم في نشر الفساد والافساد والرشوة والمحسوبية والتمييز الجهوي، والبطالة الأمر الذي جعل الكثيرين لقمة سائغة للطالبانيين المستعدين بتكفل معيشة من ينضم إليهم، خصوصا وأن الحديث يدور هنا حول مجتمع تسوده الأمية، وتلعب فيه الاساطير والخرافات دورا خطيرا في غسل الدمغة وتحديد الولاءات.
 
  وهكذا فإن تكفل حركة طالبان بمعيشة الآلاف من الأفغان وعائلاتهم في بيئة فقيرة ومعزولة وخالية من الخدمات هو سر بقائها وديمومتها. والأموال التي تتطلبها هذه العملية مصدرها الإتاوات والضرائب القهرية إضافة ــ كما أسلفنا ــ إلى زراعة المخدرات، تحديدا الأفيون، التي تسيطر طالبان على 80 بالمائة من أراضيها عالميا بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال فإن الأموال المستحصلة من الاتجار في هذه السموم طائلة وتفوق ما لدى الحكومة المركزية في كابول. ولا تكتفي الحركة بزراعة المخدرات في الأراضي التي تسيطر عليها، وإنما توفر لأعوانها من المواطنين الراغبين في الزراعة الحماية الأمنية وشبكات النقل والتهريب إلى الخارج والأيدي الزراعية العاملة وغيرها من الأمور.
 
  ولأن للعملية علاقة بالصراع مع الدولة على النفوذ، واقتسام المصالح، والهيمنة على الولايات، وجمع الأموال القادرة على شراء الولاءات فإن حركات أفغانية أخرى غير طالبان إقتفت أثرها في زراعة المخدرات في مناطق سيطرتها أو قامت بممارسة أعمال التهريب عبر الحدود مع دول الجوار. فعلى سبيل المثال نجد أن الحزب الإسلامي الذي أسسه قلب الدين حكمتيار ينافس طالبان في زراعة المخدرات في شرق وجنوب شرق البلاد وتهريب المواد الغذائية والأحجار الكريمة، فيما تقوم شبكة الملا حقاني بأعمال تهريب وبيع الأسلحة.


  د. عبدالله المدني
  *باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
  تاريخ المادة : أغسطس 2014 
  الايميل: Elmadani@batelco.com.bh 

مصر لا تكرم من يدافع عنها/ مجدى نجيب وهبة

** أعتقد أن هذا العنوان هو الحقيقة التى نراها أمام أعيننا كل يوم .. وهى أن مصر لا تكرم من يدافع عنها .. بل ربما تقيم له حفل تكريم بعد وفاته ، وربما تنشر بعض كلمات الرثاء فى بعض الصحف ، وربما يخرج علينا إعلامى أو مقدم أحد البرامج ليتحدث عن المرحوم بعد وفاته ..
** هكذا تعودنا منذ نعومة أظافرنا .. أن كل القادة والزعماء والأدباء والفنانين يتم تكريمهم بعد وفاتهم ، وبالطبع الأمثلة كثيرة .. فقد تم تكريم الرئيس الراحل محمد نجيب بعد سنين طويلة من وفاته .. وتم تكريم المشير الجمسى بعد سنين من وفاته .. والكاتب فرج فودة التى إغتالته يد الإرهاب .. والأديب "نصر حامد أبو زيد" الذين كفروه وفرقوا بينه وبين زوجته .. وغيرهم الكثيرين ..
** لقد تعمدت أن أبدأ مقالى بهذه المقدمة .. عندما قرأت بلاغ لأحد المحامين يدعى "أحمد إمام" ضد الإعلامية أمانى الخياط .. يتهمها فيه بالإساءة لدولة المغرب .. وبغض النظر عن مصداقية البلاغ ، وعدم وجود صفة لصاحب البلاغ إلا أن المدهش والمثير للتساءل والجدل هو أن النائب العام "هشام بركات" أحال البلاغ للنيابة العامة للتحقيق .. وتناسى الجميع أن الإعلامية أمانى الخياط قدمت الكثير والكثير للدفاع عن مصر ، رغم أنها أخطأت فى حوارها مع خصوم الفريق "أحمد شفيق" فى بداية وكسة 25 يناير ، وأعتقد أنها كانت تحت ضغط من مالك القناة الملياردير نجيب ساويرس ..
** تناسى الجميع أن الإعلامية أمانى الخياط ظلت تبكى على هذا الوطن حتى إستعاد عافيته بعد ثورة 30 يونيو ، ولكن تأتى المصائب تباعا فيبدو أن صاحب القناة إستاء من هجوم الإعلامية أمانى الخياط على نحانيح نكسة 25 يناير والطابور الخامس الذى يقوده البرادعى وأعوانه .. فقرر المليادير نجيب ساويرس الإطاحة بالإعلامية أمانى الخياط وسلمها إستمارة 6 لتنضم لصفوف المطردوين من الإعلام بسبب مواقفهم المشرفة بالدفاع عن الوطن وقد سبقها الإعلامية "رانيا بدوى" بطردها من قناة التحرير فى أول تحدى لها مع سفير أثيوبيا للدفاع عن مصر .. هكذا هو الثمن !!!..
** تناسوا كل هؤلاء الهلافيت الذين يملكون صكوك إعطاء الفرصة لكل إعلامى يلحس تراب أحذية أصحاب هذه القنوات .. لأنه فى النهاية المادة الإعلامية هى التى تحقق أرباح طائلة على أصحاب هذه القنوات .. والدليل إستمرار بقاء "محمود سعد" مقدم برنامج "أخر النهار" على قناة النهار ..
** أما عن قناة أون تى فى .. فحدث ولا حرج عن صاحبها رجل الأعمال نجيب ساويرس .. فهو حالة خاصة جدا .. فهو يصر على بقاء من يسخر من الجيش المصرى بزعم حرية الرأى وهو الهلفوت أو السفروت يسرى فودة ، والنشفانة المعصعصة ريم ماجد التى ظلت تسخر من الجيش المصرى حتى أجبر رجل الأعمال على إستبعادها من القناة ..
** لم تكن جريمة رجل الأعمال هى دعم الإعلاميين الذين يسقطون الجيش والدولة المصرية .. بل بالأمس فقط نقل ما هو أسوأ مما يفعله أى رجل مصرى أو وطنى يخشى على هذا الوطن .. عندما بدأ الإعلامى "عبد الرحيم على" يكشف أسرار الصندوق الإسود وعلاقته بالملياردير نجيب ساويرس ..
** فوجئنا بالأخير يقوم بالإتصال بمالك قناة "القاهرة والناس" لقطع الإرسال على الإعلامى عبد الرحيم على وطرده من القناة .. هذه الظاهرة لم تحدث فى أشد النظم الديكتاتورية ولكنها حدثت بالأمس .. فهل سيظل الرئيس عبد الفتاح السيسى صامتا إزاء كل ما يحدث فى الدولة ..
** هل سيظل السيسى صامتا حتى تسقط الدولة ، ويعود براثن الفوضى والإرهاب ونحن نرى الشارع المصرى يشتعل يوميا بالمخربين والإرهابيين والإخوان المسلمين وحرق أبراج الكهرباء ، وكبائن الكهرباء ، وقطع الطرق ، وإشعال النيران ، وقتل المواطنين الآمنين وأفراد من الجيش والشرطة .. ولسنا ندرى من هو الذى يعطى الأوامر بالحفاظ على هؤلاء المجرمين وعدم ضربهم بالنار .. رغم أنهم يحملون الأسلحة ضد الشعب الأعزل وضد الجيش وضد الشرطة .. هل هناك من يتعمد إسقاط الدولة المصرية ..
** أقول نعم وألف نعم .. هناك من يخططون لإفشال ثورة 30 يونيو ، ومحاكمة السيسى ، والقضاء على الجيش المصرى ، وهم موجودين فى الدولة يحتلون المناصب فى الشرطة والقضاء والأزهر والمحليات ومؤسسات الدولة .. الجميع يعملون فى خط واحد لعودة الإخوان .. فأين أجهزة الأمن فى مصر التى ترصد دبة النملة ..
** نعم .. أؤكد أنه لا كرامة لمن يدافع عن هذا الوطن .. فقد جعلونى أشعر بالندم وأنا لم أذق النوم منذ وكسة 25 يناير ، ولم أذق طعم الراحة .. كتبت أكثر من 1000 مقال للدفاع عن الوطن وأمتلك جريدة إلكترونية بإسم "صوت الأقباط المصريين" .. ظللت أكتب المقالات لكشف زيف الإخوان والمؤامرة الكبرى التى تتعرض لها مصر منذ البداية .. ولم أكتب سطر واحد وعدت بعده وإدعيت أننى لم أكن أعرف بأن الإخوان سيصلون إلى هذا المنحدر من الفوضى الهدامة .. أو تساءلت هل كان هناك بالفعل مؤامرة تدبر ضد مصر ، كما لم أسأل قط هذا السؤال الغبى الذى يردده الكثيرون ، من قتل الثوار الذين كانوا بالتحرير .. كما إننى لم أسأل هل 25 يناير مؤامرة أم ثورة ؟ .. بل كتبت كل الأحداث قبل وقوعها بسنتين .. وقد ثبت أن كل سطر كتبناه كان الحقيقة .. وأن الإخوان ومنظمة حماس والجماعات الإرهابية هم منفذى كل الجرائم التى حدثت فى مصر منذ 40 عاما مرورا بأحداث كنيسة القديسين بالأسكندرية وما تابعها حتى وصلنا إلى حرق الكنائس بعد 30 يونيو ..
** ومع ذلك .. لم نكرم ولو بكلمة واحدة .. لم ندعى لأى لقاء للرئيس عبد الفتاح السيسى .. بل كان كل الذين يدعون فى كل لقاءاته الصحفية والإعلامية هم من يسبون الدولة ويحرضون على الجيش ويدعمون الإخوان ..
** فهل إعلامنا ليس محسوبا على الدولة وليس مقروء ، رغم أنه يقرأ فى كل العالم ربما أفضل من الصحيفة الورقية التى يقرأها العشرات ، بينما تتحول فى خلال ساعات قليلة إلى قراطيس لبيع الطعمية .. ولكن ما يجعل أصحاب هذه الصحف مليونيرات هو المادة الإعلانية التى تحقق أرباحا طائلة لصاحب الصحيفة ، وبالطبع المادة الإعلانية يتحكم فيها رجال أعمال ، ربما شرفاء وربما غير ذلك .. ولذلك فسياسة الصحيفة تتوقف على مزاج أصحاب الإعلانات وليست مصلحة الوطن ..
** لقد تناسى مقدم البلاغ وسيادة النائب العام أن مصر تعرضت لكثير من حملات التشهير والإهانات .. ولم يتحرك أحد .. هل تناسيتم الإهانات التى تعرض لها المصريين فى أم درمان أثناء مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر فى نهائى كأس الأمم الأفريقية .. هل تناسيتم البذاءات التى تعرض لها الشعب المصرى فى ليبيا وتونس واليمن والسودان وقطر ..
** ومع ذلك يصمت الجميع .. وعندما يدافع أحد عن مصر يتم طرده من القناة وإهالة التراب عليه ورجمه بالحجارة ، نعم .. إنها مصر التى لا تكرم من يدافع عنها !!..

صوت الأقباط المصريين

حِماية دور العبادة في بلاد الشرق/ مهندس عزمي إبراهيم

القيام بحماية دور العبادة من أعمال الأشرار الإرهابيين والمتطرفين والبلطجية والغوغاء المأجورين واجب أمني يُشكَر عليه رجال الأمن بلا شك. ولكن نظرة واقعية إلى دواعي حماية دور العبادة هي ما دفعتني لكتابة هذا المقال.
عارٌ ومخزاةٌ أن تحتاج دور العبادة التابعة لأي دينٍ وأي عقيدةٍ، في أي بلدٍ، وفي أي وقتٍ، إلى حماية برجال أمن مكلفين من أمن الدولة، أو برجال مدفوعين بنخوة الشهامة والإنسانية. وخاصة في ليالي وأيام الاحتفالات بالمناسبات والتجمعات الدينية والاجتماعية كالأعياد والأفراح. وبالأخص في أوقات الصلاة والتسبيح والتقديس ورفع الرجاء للـه ساكن السماء، وخالق الأرض بكل ما فيها ومن عليها من مسلمين وغير مسلمين.
عارٌ مشين أن تحتاج دور العبادة التابعة لغير المسلمين إلى حماية الأمن في "ديار الإسلام" كما يَحلوا لبعض المسلمين تسمية أوطانٍ مواطنوها يعتنقون أدياناً وعقائداَ غير الإسلام، ومنهم من هم أصحابها الأصليون. وليس ذلك بمصر فقط، بل في "جميع" بلاد الشرق التي غزاها العرب واستعمروها. أوطان يلقبها المسلمون بـ "ديار الإسلام" لمجرد أن اغتصبها العرب المسلمون قسراً، أو لأن حكوماتها تطبق الشريعة الإسلامية على مواطنيها قسراً، أو لأن الأغلبية بها مسلمون. وليس أيّ من تلك الأسباب يُحِل تسميتها بذاك الآسم الذي يدل على "احتكار الأوطان" لفصيل ديني واحد مهما كان أغلبيته!!
***
نعم، إنه عارٌ وألفُ عارٍ أن يحتاج الأقباط، أبناء مصر، المُصَلون بالكنائس ودور الخدمات المسيحية بمصر إلى حماية. وأن يحتاج أطفالٌ مصريون يمرحون في براءة في فناء كنيستهم، أو يلعبون في ملعب بجوار كنيستهم إلى حماية. فرغم التقدير والشكر لمن يقوم بذلك العمل الإنساني، إلا أنه عارٌ مشين في جبين المسئولين تشريعياً وأمنياً وقضائياً بمصر، وعارٌ مشين في جبين المسلمين والقائمين عليهم دينياً أن "تحتاج" دور العبادة من أي دين وأي عقيدة إلى حماية. فهذا دليل على خواء ذاك البلد، ليس فقط من الأمان، بل أيضاً من الإنسانية والمواطنة الحقّة، بل ومن مبادئ الدين السامية وأهمها الإرشاد بحسن الجوار والمواطنة والإخاء بين المواطنين!!!
نعم، أنه دليل "تقصير جسيم" من المسئولين عن التشريع "أصلاً" لِعَدَم إقرار المبادئ الدستورية والقوانين العادلة والمساوية للمواطنين من كل عقيدة دون لبس أو تمويه أو تأويل، أو ترك الأمر لتفسيرٍ على هوى المُفَسِّر. وهو أيضاً "تقصير جسيم" من الأمن والقضاء لعَدَم تنفيذ العقاب الحازم على كل من يقوم بأعمال العنف والحرق والتفجير على أتباع ومقدسات الآخرين، وعدم محاسبة كل من يُحَرِّض على ذلك. كما أنه دليل "تقصير جسيم" من كهنة وشيوخ الإسلام لِعَدَم أصدار "تحريم ديني قاطع صريح" لهذا الفعل اللا إنساني واللا ديني!!!
***
يقول فقهاء الإسلام بفم وفكرٍ مِلئهما البغضاء والإغتصاب والدموية والـلا إنسانية أن "أهل الكفر هم أهل أى ملة لا تدين بدين الإسلام، حتى ولو كانت يهودية أو مسيحية، فهى أيضا "ديار كفرٍ" أو "ديار حرب"، يأمرنا شرعنا الحنيف بقتالها والإستيلاء عليها لنشر دين السلام والسماحة والرحمة." أقول لهؤلاء لقد جاهدتُ البحثَ والتمحيص في هذه الفقرة فما وجدت طعماً لسلامٍ أو روحاً لسماحةٍ أو لمسة لرحمةٍ!!! كما لم أجد ديناً على سطح الكرة الأرضية يدفع تابعيه بمثل هذه الأقوال العَدائية العُنفوية بل الدموية ضد أقوام مسالمة اُغتِصِبَت بلادهم عنوة وقسراً. 
ولا يخفى على أحد أن هذا القول من فقهاء الإسلام مثله من الأقوال كثير. وهذا هو نبع البغضاء والتطرف والإجرام وسفك دماء الأبرياء الذي ينهل منه الوهابيون والأخوان وحماس والقاعدة وداعش وغيرهم كثير أيضاً. وما قيام الأخوان بتدمير وحرق أكثر من مئة كنيسة بمصر في ظرف ثلاثة أيام بعد فض اعتصام رابعة دون ذنب للمسيحيين الأبرياء إلا خير دليل على ما يحدث في "ديار الإسلام نتيجة لأقوال فقهاء الإسلام ومن يُسَمّونهم علماء!!! وأيضاً ما تفعله داعش بشمال العراق وسوريا من تدمير الكنائس والأديرة المسالمة وسلب أموال المسيحيين واغتصاب أملاكهم وطردهم من أوطانهم.
لا يمكن إنكار أن أعمال العنف والحرق والتفجير والفوضى على المسيحيين المسالمين بمصر ودور عبادتهم هي واقع ملموس منذ أن دخل الإسلام مصر باستعمار العرب لها. والغريب والمؤسف أن العديد العديد من تلك الأعمال المشينة والدموية انبعثت لهباً حارقاً مدمراً من داخل دور عبادة المسلمين!! وبالذات بعد صلاة الجمعة وبعد سماع الخطاب الديني المُلهِب لمشاعر البسطاء والمأجورين وأتباع المغرضين. وأقربها في مشهد كاد أن يكون روتيني يتكرر ويُتوقع أسبوعياً لفترة طويلة في الأعوام القليلة الماضية!!!
***
وعلى النقيض مما يسمونها "ديار الإسلام" أمامنا ما يسميها المسلمون "ديار الكُفر" و"ديار الكفار". وأسميها بجدارة واستحقاق "ديار النور والإنسانية". وأقصد بذلك دول أوربا والصين والهند واندونيسيا واليابان وأمريكا وكندا واستراليا والبرازيل والمكسيك وغيرها. دولٌ بها مساجدٌ "مَصُونة" للمسلمين، والمسلمون دخلاءٌ على تلك البلاد. بل والفاتيكان مركز المسيحية الكاثوليكية وإسرائيل التي يعتبرها المسلمون عدوهم الأول، بهما مساجدٌ "مَصُونة" للمسلمين. ولا تحتاج تلك المساجد في كل تلك البلاد جميعاً لحمايتها برجال الأمن.
فـ "حكومات" تلك البلاد لا تُطبِّق تقاليد الجاهلية، وعدالة القبيلة البدوية، أي عدالة الدين المتطرفة المتعصبة لدينٍ بعينه بل لمذهب بعينه من ذاك الدين، دون باقي الأديان والعقائد، وحتى المذاهب الأخرى من ذات الدين!!! حكومات تلك البلاد الحرة المتقدمة، المبدعة والمنتجة، يحكمها القانون المدني المُرسَى على عدالة الإنسانية المساوي لجميع المواطنين بها، بل والوافدين عليها من كل صوب ومن كل دين ومن كل عقيدة.
أما "شعوب" تلك البلاد، فهي شعوبٌ سَمِحة مضيفة مُرَحبة، راقية واعية مستنيرة، ناضجة العقل والضمير والفكر والرؤى. شعوب حرة تقودها القوانين المدنية العلمانية لا قيود الدين. ومع ذلك تحمي جميع الأديان والعقائد وتحترم مقدسات الآخرين ولا تسمح بالتعدي عليها، وذلك لسببين.
السبب الأول، هو أنه لا خوف لديهم على عقائدهم من عقائد الآخرين!! ورغم تقدمهم وتفوقهم الذي لا يُنكر، لا يتشدقون بأنهم "الأعلون"، كما يتشدق المسلمون في "ديار الإسلام" وهي متقوقعة في قاع قائمة الأمم.
 والسبب الثاني والأساسي، هو إيمانهم العميق بـ "الحرية". فالكل حرٌ فيما يعتقد. وكأنهم يؤمنون بما قال كتاب المسلمين: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ولكن يبدو أن المسلمين لا يؤمنون بما جاء في كتابهم!!!
أما آن للشرق أن يُصلِح من أموره؟؟؟
مهندس عزمي إبراهيم

الجرف الصامد أعمى بلا عيون/ د. مصطفى يوسف اللداوي

لأول مرة يغامر الكيان الصهيوني بشن عدوانٍ على أرضٍ عربية وهو خالي الوفاض من العيون، فلا جواسيس له على الأرض تعمل، ولا عملاء يجرؤون على تقديم معلوماتٍ له، ولا خلايا نائمة تقوى على النهوض من سباتها، والاستيقاظ من نومها، لتباشر عملها من جديد، في الوقت الذي عجزت فيه أجهزته الأمنية، وفرقه الطلابية الإليكترونية المتطوعة من الجنسين، التي باتت تعمل ليل نهار في غرف التشات المغلقة، وصفحات التواصل الاجتماعي العديدة، أن تصنع له عملاء جدداً، أو توقع في مصائدها بعض ضعاف النفوس، ليتجندوا معهم، ويكونوا عيوناً لهم على الأرض، وعملاء لهم في الميدان.
فشل الكيان الصهيوني هذه المرة في عدوانه الأخير على قطاع غزة، والذي أسماه الجرف الصامد، فشلاً ذريعاً، إذ كان كالفيل الأعمى لا يعرف أين يدوس، وكالوحش العاجز لا يعرف أين هدفه، ولا كيف يصطاد فريسته، الأمر الذي دفعه للقصف العشوائي، والتدمير المنهجي، واعتماد الأرض المحروقة، عله يجد في طريقه هدفاً، أو يقع على مخزن سلاح، أو منصة صواريخ، أو يهدم عرضاً بجرافاته نفقاً، وينهي خطر بيتٍ مفخخٍ، أو منشأة ملغومة، أو يصادف في طريقة مجموعة من المقاومين فينال منهم، أو يتبع مسارهم، ويقتفي أثرهم، عله يصل إلى قواعدهم، أو يتعرف على أسرار عملهم، قبل أن يقوم بقصفهم عن بعد.
إنها سياسة المقاومة الفلسطينية التي اعتمدتها منذ سنواتٍ، وثابرت عليها رغم الصعوبات التي اعترضتها، والانتقادات التي تعرضت لها، ومحاولات التشويه التي قامت بها مؤسساتٌ دولية وأخرى حقوقية، تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وترفض المساس بحريته الشخصية، واعتقاداته الخاصة، وسلوكياته الفردية.
إذ عمدت المقاومة إلى فقئ كل العيون، واعتقال كل العملاء، وملاحقة المشبوهين، والتضييق على حركة صغار العملاء، ومن ثبت مع الأيام أنه تاب وابتعد من النساء والرجال، كما قامت أجهزتها الأمنية بالتدقيق والمتابعة، والتقصي والملاحقة، وجمع المعلومات وتحليل البيانات، واخترقت أجهزة العدو الأمنية، وتنصتت على المكالمات الهاتفية لضباط العدو وجنوده، ودخلت على قواعد البيانات، وفككت الشيفرات، واطلعت على الكثير من أنشطة ومهام الشبكات، ووضعت يدها على تفاصيل دقيقة، ومعلوماتٍ خطيرة، وأسرار كان من المستحيل معرفتها لولا التقاطعات الأمنية التي قامت بها المقاومة، والفرق الفنية العلمية التي كانت تدرس وتحلل، وتربط وتنسق، وتوظف وتستفيد، الأمر الذي مكنها من معرفة عملاء العدو والمتعاونين معه، وحصرهم وتعطيل نشاطهم، بل والاستفادة من كثيرٍ منهم في معرفة خطط العدو وأنشطته.
وفي الوقت الذي عقدت فيه المقاومة الفلسطينية محاكماتٍ عسكرية لكبار العملاء، الذين ثبت تورطهم في العمالة، وتبين اشتراكهم في تنفيذ جرائم بشعة، أو تقديم معلوماتٍ حساسةٍ إلى العدو، أدت إلى اغتيال وتصفية العديد من قادة وأبناء الشعب الفلسطيني، مما جعل إصدار أحكامٍ بإعدامهم سهلاً وطبيعياً، إذ أن الإعدام هو العقوبة الطبيعية والمنطقية لكل من يتعامل مع العدو، ويتآمر معه ضد مصالح شعبه. 
وإلى جانب الحملات الأمنية المكثفة، والملاحقة والمحاكمة والسجن وأحكام الإعدام، فقد قامت المقاومة بمنح العملاء فرصةً للتوبة، وهيأت لهم كل سبل الحماية والرعاية، وتعهدت بحفظ أسمائهم، وصيانة أسرارهم، والحيلولة دون فضح أمرهم، شرط أن يتقدموا بأنفسهم إلى المقاومة معترفين بجرمهم، ونادمين على فعلهم، ومصممين على التوبة والإقلاع عن جريمتهم، وقطع صلتهم بالعدو، ووقف التعامل معه.
كان لإعلانات التوبة، وفترات العفو والسماح المحددة التي أعلنتها المقاومة فضلٌ كبير في القضاء على العديد من العملاء، وتفكيك شبكاتهم، خاصة الجدد منهم، ممن لم يتورطوا في جرائم كبيرة، ولم يمض علهم وقتٌ طويلٌ في مستنقع العمالة، ممن تعرضوا لظروفٍ أضعفتهم، ومروا في محنٍ وأزماتٍ وكوارث أفقدتهم صوابهم، وأخرجتهم عن طورهم، فضعفت نفوسهم، وأبدوا استعدادً للتعاون مع العدو، وتقديم المعلومات له، وقد كانت المقاومة صادقة في وعدها، أمينةً في تنفيذ اتفاقياتها، فحفظت سر من تاب مخلصاً، وسهلت سبل العيش لمن رجع تائباً، وساعدت كل من أبدى رغبةً في أن يبدأ حياةً جديدة نظيفة شريفة عزيزة.
كما استفادت المقاومة الفلسطينية كثيراً من العملاء المزدوجين، التائبين بصدق، والعائدين بندم، والراغبين في العمل مع المقاومة بإيمان، فقدموا للمقاومة خدماتٍ جليلة، وزودوهم بكل جديدٍ يصلون إليه، وكانت المقاومة تراقبهم وتواكبهم، وتتابعهم وتنسق معهم، لئلا تقع في الخطأ، أو تسقط في شراك العدو وخططه، مخافة أن يعرف أن عميله قد اكتشف، وأنه بات يعمل لحساب المقاومة.
كما جففت المقاومة منابع العمالة، وحاربت أسباب التعامل والارتباط مع العدو، فلا احتكاك أو تواصل شعبي مع سلطات الاحتلال، ولا تخلي عمن يرغب في السفر عبر المعابر الإسرائيلية، للعلاج أو العمل أو زيارة القدس والضفة الغربية، كما حاولت معالجة بعض المشاكل التي يدخل العدو من خلالها، ويستغلها للإيقاع بعملائه، واسقاطهم في شباكه.
لا شك أن لدى العدو أجهزة تقنية عالية، وطائرات بدون طيار، وقدرة كبيرة على التصوير والمتابعة والمراقبة والتنصت والتسجيل وتحليل المعلومات، فضلاً عن الأقمار الصناعية، وتعاون الكيان مع أجهزة استخبارية دولية، حاصة أمريكية وأوروبية، إلا أن كل هذه التقنية العالية لا تغني أبداً عن العمالة البشرية، والعملاء والعيون على الأرض، الذين يوجهون ويحددون، ويؤكدون ويثبتون، ويصوبون الضربات، ويتحققون من الإصابات.  
أدرك العدو الإسرائيلي أنه كان في قطاع غزة خلال عدوانه الأخير على وجه الخصوص أعمى لا يرى، وعاجزاً لا يبصر، وأنه كان يتلفت يمنةً ويسرةً مضطرباً حائراً لا يعرف أين يمضي، وإلى كيف يسير وأين يتجه، ولم تعد لديه أهداف حقيقية، ولا عناوين محددة، مما دفعه إلى تدمير مساكن المواطنين، وقتل المئات من المدنيين، وقصف المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات، في محاولةٍ منه لتعويض نقص المعلومات، وغياب العملاء والمتعاونين، الذين كان يعتمد عليهم كلياً في كل اعتداءاته السابقة، ولهذا كان فشله ذريعاً، وخسارته أمام المقاومة أكيدة.

أتضامن ، أستنكر ، أندد وأرحب/ سعيد ب. علم الدين

أعلن تضامني الروحي والأخوي الانساني مع أهلنا الكرام من مسيحيين وأيزيديين وتركمان وأكراد وعرب وصابئة وكل أهل العراق الطيبين الأصيلين، وبالأخص من قتلتهم عصابة داعش المجرمة واضطهدتهم شر اضطهاد، وحاصرتهم في البراري والجبال، وشردتهم من بيوتهم واحتلتها، واغتصبت أملاكهم واستباحتها، وأغلقت كنائسهم ودنستها،  وخربت دور عبادتهم وأهانتها، وعبثت بمقدساتهم وهشمت صلبانهم وفجرت مراقدهم الدينية ودمرت مزاراتهم العبقة بأريج المحبة والإخاء والقداسة والعطاء في بلاد ما بين النهرين.
أشعر بألم وحزن عميق لما حل وما زال يحل بحق هؤلاء العزل المسالمين الآمنين على أيدي القتلة الهمجيين مما يسمى الدولة الاسلامية/ داعش. 
فهؤلاء أصحاب الرايات السوداء كأجسادهم النتنة، وأشكالهم المرعبة، ووجوههم المقنعة، وقلوبهم الحاقدة، وضمائرهم الميتة، وعقولهم الشيطانية جالبة المآسي والبلاء: لا دولة ولا حتى دويلة، وانما عصابة اجرامية فاجرة جاهلة شريرة قاتلة، مكانها المناسب ليس بين البشر، وإنما في الكهوف والمغاور والسجون ولا مكان لها البتة تحت شمس الانسانية. 
ومن هنا أستنكر أشد الاستنكار ما ترتكبه هذه العصابة الداعشية القذرة الخارجة من كهوف التاريخ المتوحشة المجرمة بحق كل القيم الأخلاقية والانسانية والأعراف والتقاليد العراقية والسورية العريقة في العيش المشترك المتآخي منذ قرون وقرون بين القوميات والعرقيات والمذاهب والأديان. 
وفي الوقت نفسه أعبر عن استنكاري الشديد للعدوان الإسرائيلي المفرط في وحشيته الضارية على غزة الصابرة المحاصرة على امل ان تكون هي الحرب الأخيرة على غزة وان يرحل كابوس الاحتلال الاسرائيلي الجاثم على الأرض الفلسطينية ليصبح لهذا الشعب المظلوم دولته التي يحلم بها وعاصمتها القدس الشرقية. لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمن السلام غاليا جدا وعليه ان ينعم به. 
كفى سفك دماء وقتل ابرياء في أرض القداسة والأنبياء!
إن ارتكابات عصابة داعش الجاهلة بتدمير المراقد الدينية والأماكن المقدسة والشواهد والآثار التاريخية النادرة لهو عمل أكثر ما يقال فيه انه قمة في التحجر والانغلاق والتطرف والغباء والتعصب. وهو تدمير لشواهد حضارية عمرها آلاف السنوات حافظت عليها كل الممالك والدول والامبراطوريات التي حكمت بلاد ما بين النهرين، الا امبراطورية داعش الدموية التي تريد ان تُسَيِّرَ عقارب الزمن على تكتكات ساعة الخليفة البغدادي المصنعة في بلاد الكفار سويسرا.
لو أن هؤلاء الداعشيون منسجمون مع تعاليم دينهم الذي يدعون تطبيقه بحذافيره ويعملون لعودة المجتمع إلى ساعة الصفر الأولى اي قبل أكثر من 1400 سنة، لما اكتفوا فقط بقطع الرؤوس ورجم النساء، وانما  لحاربوا كالصحابة الآوائل بالسيوف الاسلامية بدل الكلاشنكوف الروسية وقاتلوا من على ظهور الخيول العربية بدل العربات الكافرة الغربية. 
ولا أدري كيف يستعمل هؤلاء الدواعش مصنوعات الغرب الكافر من يوتوب وانترنيت وفيس بوك وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي والاعلامي، ألا يعتبر ذلك تدنيسا لطهارة الاسلام الذي يدعون تطبيقه بحذافيره والعودة الى نبعه الأصلي كما يدعون ويمارسون؟     
أندد بقرار رئيس بلدية طرابلس في شمال لبنان السيد نادر الغزال إزالة لوحات إعلانية ترويجية للبيرة. فهذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات يقدم خدمة مجانية للفكر الداعشي التكفيري الإلغائي للآخر، الذي يغزو المجتمعات العربية والاسلامية بأفكاره الدموية السوداء مغررا بالشباب مدمرا لمستقبلها ومستقبل الأوطان وتطورها. 
أريد التذكير هنا بأن طرابلس هي ابنة لبنان. ولبنان هو بلد الحريات المكرسة دستوريا وعمليا، وبالتالي طرابلس هي ابنة الحرية وهكذا نريدها أن تكون. واذا خرجْتَ كلم واحد خارج طرابلس فستجد اعلان البيرة نفسه في المناطق المجاورة. أي ان منع الاعلان في طرابلس لا قيمة له سوى خدمة التشدد والتطرف الذي لن يكتفي بمنع الاعلانات، بل سيطالب غدا بمنع الكحول والمشروبات الروحية، وربما سيصل به الامر الى المطالبة بتطبيق الشريعة وقطع الرؤوس والأيدي ورجم النساء ومنع الغناء في طرابلس. هذا امر يجب ان تتداركه الدولة سريعا وتمنع رئيس البلدية من اصدار تشريعات ليست من اختصاصه وفيها تعد على حرية المواطن اللبناني المقدسة.
لقد عانت طرابلس المنفتحة المتعددة الحرة كثيرا من موجات التطرف والتشدد الاسلامي كحركة التوحيد مثلا التي نغصت حياة الطرابلسيين وخنقتها، وأضرت كثيرا بتطور المدينة العريقة واقتصادها وسلمها الأهلي وسمعتها.
وأرحب ترحيبا حارا بقرار الحكومة الكويتية سحب الجنسية الكويتية من الشيخ الاخواني القاعدي نبيل العوضي، بسبب موقفه الداعم لـ"جبهة النصرة"، المتطرفة والداعي علناً إلى التبرع لها وتسليحها، فضلاً عن مشاركته في حملات أدت إلى وضع ثلاثة كويتيين مشاركين معه فيها على قائمة الإرهاب الأميركية مؤخراً.
وعلى السعودية وباقي الدول العربية والاسلامية المصابة بلوثة الدعاة التكفيريين المتطرفين الذين يدسون السم بالعسل في مواعظهم وأحاديثهم، لاستغلال سذاجة الشباب للتغرير بهم وزجهم في حروب ترتد علينا وعلى الاعتدال السني بالضرر الآكبر، أن تحذو حذو الكويت في هذا القرار الصائب وفي الوقت المناسب لردع هؤلاء المشايخ الجهلة في الاعيب السياسة عن توجيه الشباب لخدمة أهداف أعداء الوطن والسلام والأمن والاستقرار.
فهؤلاء الأشياخ المحرضين على الجهاد والقتل وسفك الدم الذين يدعون بأنهم دعاة وعلماء هم المهدد الأكبر للاستقرار والسلم الأهلي في المجتمعات العربية والاسلامية. ولذا يجب إسكاتهم لحماية الشباب من ضررهم الفادح وتأثيراتهم السلبية المتشددة على العقول.


كيف نقول "ترافيك جام" في العربيّة؟/ سليمان جبران

طبعا هذا من مصطلحات الحياة المعاصرة. طبيعي إذن أن لا نجد له في العربية الكلاسيكيّة مصطلحا قديما مطابقا. هو مصطلح جديد جاءنا مع دخول السيّارات بأنواعها المختلفة حياتنا الحديثة. حركة الجمال في الصحراء الواسعة لا تولّد هذه الظاهرة! لا أعرف  إذا كان الآباء في عهد الانتداب عرفوا هذه الظاهرة المروريّة  حتى . لم تكد توجد السيّارات في حياة آبائنا يومذاك، فكيف تنشأ هذه الظاهرة فتسمَّى؟ حتّى السيّارة في اللغة الكلاسيكيّة كانت تعني القافلة، واستعمالها بمعناها الجديد كان استحداثا موفقا إلى أبعد الحدود. لذا لم يكن غريبا استيعابها في لغتنا المعاصرة، بحيث لا يفطن كثيرون اليوم إلى دلالتها في لغتنا القديمة.  
في الإنجليزيّه يسمّون هذه الظاهرة المروريّة ترافك جام، كما هي في العنوان [ليس سهلا علينا إدخال الأحرف الإنجليزيّة في نصّ عربي. فقد لاقينا في كتابة العنوان أعلاه "عرق القربة"، بأسلوب الشدياق. لذا فنحن نرسم الكلمة الإنجليزيّة هنا بأحرف عربيّة، فالمعذرة]. الكلمة الأولى، ترافك، تعني حركة السير، أو حركة المرور، أو المشاة والعربات في الطريق أيضا.  أبناء جيلي يذكرون، أظنّ، أنّ الناس عندنا كانوا يسمّون بوليس السير بهذا الاسم- ترافك - في زمن الانتداب. ذاك في الواقع هو اختصار لكلمتين- ترافك بوليس، أو ترافك كوبس بلغة الأميركان. يلاحظ أخيرا أن المصطلح الإنجليزي، ترافيك جام، استعاروه من مجال المأكولات. فالجام هو التطلي، أو المربّى بلغة بعضهم. وعليه شبّهوا هذه الظاهرة المروريّة بالتطلي "الملبّطة"!
 في العبريّة، اسم هذه الظاهرة المروريّة، على ألسنة الناس هنا، اليهود والعرب أيضا-  بكاك. هذه التسمية غير دقيقة، لأن البكاك معناها سدادة القنينة، أو الفلينة، وهذه لا تسمح بخروج الماء مطلقا. لذا يحاول "حرّاس" الفصاحة في العبريّة تسمية الظاهرة المذكورة، بعد فوات الأوان، غودش أو عومس. من يصغي إليهم وقد شاعت البكاك على الألسنة، بما فيها الألسنة العربيّة بيننا أيضا؟! 
من ناحية أخرى، التسمية العبريّة أجمل وأدقّ من التسمية الإنجليزية. المصطلح مستمدّ من استعارة، أو تشبيه كبير، تشبّه فيه حركة السيّارات في الشارع بحركة أو سيلان الماء. فالسيّارات تجري، وتتوقّف، تسرع وتبطئ، تتدفّق و"تحقّن"، تماما كالماء الجاري في القنوات. ومن عاش طفولته مثلي، في قرية تتدفّق المياه من ساحتها في مركز القرية، ثمّ تجري في القناة (القناي في لهجتنا)، فتسقي حواكيرها كلّها- يدرك على الطبيعة مدى جمال وملاءمة تشبيه السيّارات على الشارع بالماء الجاري!
المرحوم إميل حبيبي سمّى البكاك  في أحد مؤلّفاته، على ما أذكر، جلطة. تسمية جميلة، تشبيه أدبي، لكنّها ليست تسمية علميّة، فنجعلها المصطلح الدقيق الشائع في الكتابة الموضوعيّة، بعيدا عن الأدب والمجاز. لاحظوا مع ذلك أن التسمية هذه مستقاة أيضا من عالم السوائل والجريان!
بناء على كلّ ما تقدّم، يجدر بنا، في رأيي، اشتقاق  التسمية العربيّة من عالم السوائل بالذات، دون أن تعني الانسداد تماما، كما في العبريّة. ثمّ أن تسمية هذه الطاهرة المروريّة اختناقا، أو عجقة، أو عجقة سير، غير مناسبة، لأنّها لا تشي بالتشبيه الجميل المذكور، ولا تفي بالغرض. الاختناق مصطلح مستقى من عالم التنفّس والصحّة، لا من عالم السوائل والجريان، والعجقة هي "فساد الترتيب والنظام، أو الازدحام والفوضى"، كما وردت في معجم الألفاظ العاميّة، للأستاذ أنيس فريحة. لا إشارة من قريب أو بعيد، في الاختناق أو العجقة، إلى تشبيه حركة السير بالماء أو السائل الجاري. 
بناء على كلّ ما تقدّم، نقترح تسمية البكاك  احتقانا أو تحقينة، أو أيّ مشتقّ آخر من الأحرف الثلاثة الأصليّة هذه، ح ق ن . شريطة أن يكون المشتقّ الجديد خفيفا على اللسان والأذن، لا معنى سابقا له في المعاجم أو على الألسنة.  

     jubrans3@gmail.com 

حالش وتوريط الجيش اللبناني/ سعيد ب. علم الدين

الجيش اللبناني في قلب الشعب يحتضنه ويبادله الوفاء والحب. فخلال الأربعين سنة الأخيرة المريرة من عمر لبنان والتي تخللتها فتن ومؤامرات وحروب واحتلالات غريبة هزت كيان الوطن الصغير واستباحت سيادته واستقلاله وخطفت قراره، صارت هناك علاقة حميمة ومميزة صادقة وعفوية المشاعر بين الجيش والشعب. فعندما يسقط شهيد للجيش ومن اي طائفة كان يستقبل استقبال الابطال في كل المناطق التي يمر بها النعش اسلامية كانت ام مسيحية ويحمل على الأكف وسط اصوات الدعم والفخر وزغاريد النساء وهتافات التأييد لهذا الجيش الذي يقدم روحه دفاعا عن شعبه وليس للاعتداء على أحد. 
فتحية من القلب الى ضباط وجنود الجيش اللبناني البواسل في دفاعهم المشرف عن حدود الوطن المفدى، حاليا في عرسال الأبية، وهي تتعرض للاعتداء الآثم والغير مبرر من قبل وحوش داعش وقطعان النصرة الإرهابيتين الظلاميتين.
نبتهل من الله الرحمة للشهداء من عسكريين شجعان ومدنيين أبرياء والشفاء العاجل للجرحى.
وفي كل مرة يبلى الجيش اللبناني بلاء حسنا ويقدم التضحيات العظام في وجه أعداء الداخل والخارج المتربصين بلبنان الرسالة شرا وتحويله الى شكل استبدادي مخابراتي فاشل على شاكلة دولهم الاستبدادية البالية الشمولية السرطانية الفاشلة القمعية المنتهية الصلاحية.
الجيش يقدم الشهداء دفاعا عن لبنان الحرية والديمقراطية والحضارة والانفتاح والعيش المشترك بين المذاهب والأديان الذي يتميز به المجتمع التعددي اللبناني منذ آلاف السنين. فكنائسنا ومساجدنا متلاصقة، ومعظم قرانا ومدننا تعيش العيش المشترك في شراكة وطنية لبنانية حقيقية، لا ينغصها الا تدخل الغرباء وحقد أشباه اللبنانيين الخونة العملاء الى حد الزحف أمام الأعداء على الأمعاء.
والغريب هنا ان أشباه اللبنانيين هؤلاء من مركبات 8 آذار المخابراتية هم أدوات للخارج وأشد حقدا على لبنان وأحراره وشعبه ومصالحه من أعدائه، فيستبيحونه بالدوس على سيادته، وزعزعة وحدته الوطنية، واغتيال قياداته الشريفة، وتخريب اقتصاده وتهجير شبابه، والعبث باستقلاله، وتشويه ديمقراطيته العريقة أي العبث بالنموذج اللبناني الحضاري الراقي.  
وحالش هنا كحزب مسلح تابع للحرس الايراني مع ملحقاته من عونيين وفرنجيين وحردانين وغيرهم يقومون بهذا الدور الإرهابي في تعطيل الدولة اللبنانية وخراب مؤسساتها الدستورية، كعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية عبر الطرق والتقاليد الديمقراطية العريقة ومنذ عام 1926، بل فرض رئيس يكون اداة طيعة بأيدي أسيادهم ملالي ايران والطاغية بشار المجرم.
ولهذا يفشل مجلس النواب وللمرة التاسعة في انتخاب رئيس للجمهورية بسبب مقاطعة نواب حالش وعون ومن على شاكلتهم لجلسة الانتخاب. 
ودور حالش المشبوه في اشعال الازمات والصدامات العسكرية أصبح مكشوفا للرأي العام سابقا في عبرا والان في عرسال. فهو ينصب الأفخاخ بخبث ومكر فيورط الجيش ثم يصب الزيت على النار كلما هدأت لتشتعل المعارك من جديد ويسقط عسكريين ومدنيين ابرياء. 
ولقد تحول الجيش اللبناني والقوى الامنية في هذا السياق الى متراس لحزب الله يدفع الثمن غاليا من دماء جنوده ومن كل الطوائف في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. فيأتي إرهابي ليفجر في مناطق حالش ردا على قتل الأخير للسوريين فيصطدم بالجيش والقوى الأمنية ليدفع لبنان دائما ثمن حروب حسن نصرالله ومغامراته. لو كنت أعلم!  
لبنان الرسمي أعلن النأي بالنفس عن ما يحدث في سوريا، إلا أن حالش ضرب بهذا الموقف الرسمي عرض الحائط متدخلا تدريجيا في البداية بخجل وسكون ثم بوقاحة وسفور في القتال المباشر في سوريا الى جانب بشار. 
أدى ذلك الى حدوث ردات فعل موجهة ضد حالش في الأساس، كحالة الشيخ أحمد الأسير اللبناني الوطني، الا انها اصدمت بالجيش الذي وقع مع جماعة الاسير في فخ حالش المخطط له بدقة وسقط شهداء وأبرياء من الطرفين. وعاث شبيحة حالش خرابا وارهابا وسرقة ونهبا لبيوت الآمنين في منطقة عبرا وعلى مسمع ومرأى من الجيش اللبناني الذي لم يحرك ساكنا في وجه شبيحة نصرالله. 
والجيش هنا في وضع لا يحسد عليه فهو من ناحية غير مستعد وغير قادر على التصادم مع حالش لمنعه من القتال في سوريا الى جانب بشار، ومن ناحية اخرى يعمل على ضبط الأمور فيقع في المحظور مما يؤدي على تصادمات مع مؤيدي الثورة السورية السلميين. كمقتل الشيخ عبد الواحد ومرافقه في عكار على ايدي عناصر من الجيش، أو كاعتقال الداعشي أبو أحمد جمعة الذي فجر باعتقاله من قبل الجيش معارك عرسال الأليمة التي خاضها الجيش ببسالة ضد الارهابيين.
فليس انصافا ان يغض الجيش النظر ليسرح حالش ويمرح في قتل السوريين المعارضين لبشار من ناحية، ومن ناحية أخرى يفتح عينية لاعتقال السوريين المعارضين. المشكلة ليست بالجيش، وانما بانخراط حالش العلني في الحرب السورية غصبا عن الارادة الرسمية للدولة اللبنانية التي اعلنت النأي بالنفس عن كل ما يجري في الدولة الجارة، مما ادى الى توريط الجيش في معارك كثيرة.  
نحن نحترم الجيش الذي يقدم الشهداء دفاعا عن الحلم اللبناني في الحرية والسيادة والاستقلال والقرار الحر، ونتضامن معه كيف لا وهو الوطن، ونشد على يديه لاستعادة الصيغة الدستورية الشرعية والنظام الجمهوري البرلماني المعبر عن ارادة اللبنانيين من المعرقلين والمعطلين واضعي العصي والمتفجرات امام مسيرة الدولة، وبالأخص انتخاب رئيس للجمهورية. 
هذا لا يعني ان يتدخل مباشرة في السياسة، وانما ان يعمل على تطبيق القانون بحزم وإنصاف على الجميع بالتساوي وبالتأكيد مع باقي القوى اللبنانية الشرعية المسلحة. وأن لا يمارس قوته فقط على الضعفاء.
رغم كل ذلك نحي الجيش اللبناني البطل الذي يقدم الشهداء دفاعا عن لبنان الأمل. 

العلاقات السورية التركية/ محمد فاروق الإمام

جمعية سورية تركية

كيليس
بناء على دعوة كريمة من مدير مكتب التشغيل في كيليس (işkor ايشكور) الأستاذ محمد أمين وبتوجيهات من والي كيليس اجتمع نفر من الإخوة السوريين ومجموعة من الإخوة الأتراك للتشاور في كيفية تأسيس جمعية سورية تركية وعقد الاجتماع في مكتب التشغيل في كلس (işkor ايشكور)، ومثل الجانب التركي كل من:
1-الاستاذ محمد أمين مدير مكتب التشغيل بكلس
2-حاج أحمد أورفلي 
3-نجم الدين شكر اوغلو 
4-عبد الجليل يلماز
5-سرحان ديار بكرلي
ومثل الجانب السوري كلاً من:
1-محمد فاروق الامام 2-د.محمدعساف 3-د.مصطفى حاج حامد 4-أحمد الخطيب 5-فؤاد صنعة 6-محمود غزال 7-محمود داود 8-علي إسماعيل. 
وتم تعيين الأستاذ محمود داوود من الجانب السوري والسيد سرحان ديار بكرلي من الجانب التركي رئيسين للجمعية، كما سيتم تعيين عدد من الإخوة الأتراك والسوريين في كل مكتب من مكاتب الجمعية بحسب الاختصاص، وتقرر تشكيل مجلس شورى من المهتمين الأتراك والسوريين ليكونوا عوناً للجمعية بصفة مستشارين يضم بين 30- 40 عضو ويطلق عليهم اسم (مجلس عقلاء). 
وتهدف الجمعية إلى: 
1-تمتين العلاقات السورية التركية .
2-دراسة وحل المشاكل التي قد تقع بين الطرفين السوري والتركي .
3-الاهتمام بالإخوة السوريين ومساعدتهم في المدينة .
4-رعاية العمالة السورية وتنظيمها مع الاخوة الاتراك .
5-إنشاء مكاتب متفرغة لحسن سير وأداء الجمعية وعلى الشكل التالي: 
   أ-المكتب التعليمي : يرأسه السوري فؤاد صنعة والتركي ممات اوزاي تورك
   ب-المكتب الصحي : يرأسه السوري د. محمود مصطفى والتركي عبد الجليل
   ج-المكتب الإغاثي : يرأسه السوري د. محمد عساف والتركي نجم الدين شكر أوغلو
   د-المكتب الرياضي: 
   ه-مكتب رعاية الشباب : يرأسه السوري أ. محمود غزال والتركي محمد أمين
   و-المكتب التجاري : يرأسه السوري أحمد الخطيب والتركي سرحان ديار بكرلي 
   ز-المكتب القانوني : يرأسه علي اسماعيل
   ح-المكتب الثقافي : يرأسه محمد فاروق الإمام 
   ط-مجلس شورى : يرأسه السوري حاج.محمد جيجو والتركي حاج أحمد أورفلي


الجنسية المزدوجة لجنود الاحتلال الإسرائيلي/ نقولا ناصر

(ما زال الكشف عن أعداد حاملي الجنسية المزدوجة "العربية – الإسرائيلية" برسم أجهزة الأمن ومراكز الأبحاث في الدول العربية)

إن كشف النقاب عن الجنسية المغربية التي يحملها قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، سامي ترجمان، الذي كان، وما زال، القائد الميداني للعدوان المستمر على قطاع غزة الفلسطيني، يجب أن يدفع وزارات الخارجية والداخلية العربية، وبخاصة الفلسطينية، وكذلك المحامين العرب إلى التحرك النشط ضد حملة الجنسية المزدوجة من جنود الاحتلال والمواطنين الأجانب و"العرب" الذين تحولوا إلى جيش من جواسيس دولة الاحتلال الذين يستبيحون الحرمات الأمنية للعواصم العربية بجوازات السفر "غير الإسرائيلية" التي يحملونها.

إن عميل الموساد مزدوج الجنسية "الاسترالي – الإسرائيلي" بن زايغير الذي توفي في سجن الرملة بدولة الاحتلال عام 2010 في ظروف غامضة أثارت الشبهات حول تصفيته خشية أن يكشف للسلطات الاسترالية كيف زورت دولة الاحتلال جوازات السفر الاسترالية التي استخدمت في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبيّ بالإمارات العربية المتحدة أوائل ذلك العام هو مجرد مثال للوظيفة التجسسية لمزدوجي الجنسية في دولة الاحتلال.

لقد بادر عدد من المحامين المغاربة، الذين ترأس مملكتهم لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، إلى رفع دعوى أمام القضاء المغربي ضد سامي ترجمان لمحاكمته على "الجرائم والمجازر الجماعية التي ارتكبها" ضد أهالي غزة استنادا إلى القانون الجنائي المغربي لأن حكومتهم لا تجد حتى الآن أي سبب للاقتداء برئيسة الأرجنتين غير العربية، كريستينا كريشنير، التي أعلنت سحب الجنسية من مواطنيها الذين يقاتلون مع جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

وما زال الكشف عن أعداد حاملي الجنسية المزدوجة "العربية – الإسرائيلية" برسم أجهزة الأمن ومراكز الأبحاث في الدول العربية، لكن تقارير الإعلام في دولة الاحتلال التي تتحدث عن إعادة الجنسية العراقية لليهود "الإسرائيليين" الأكراد عبر "فدرالية" اقليم كردستان العراق بعد الاحتلال الأميركي تشير إلى أن هذه الظاهرة في اتساع بدل أن تتقلص.

والجنسية "المغربية-الإسرائيلية" المزدوجة لترجمان تسلط الضوء على المفارقة التي تجيز للعربي، من حيث المبدأ، الحصول على جنسية أجنبية ثانية، ومنها "الإسرائيلية"، إضافة إلى جنسيته لكنها تحظر عليه الجمع بين جنسية الدولة العربية التي ينتمي إليها وبين أي جنسية عربية أخرى، أستنادا إلى قرار من جامعة الدول العربية يستند الأردن إليه، على سبيل المثال، ل"فك الارتباط" بين الجنسيتين الأردنية والفلسطينية.

وازدواجية جنسية سامي ترجمان ليست حالة منفردة. فإعلان وزارة الخارجية البريطانية عن التحقيق في ازدواجية الجنسية للضابط هادار غولدن، الذي ادعى جيش الاحتلال أسر المقاومة الفلسطينية له قبل أن ينفي ذلك بإعلان مقتله قد سلط الضوء على هذه الظاهرة التي لمعت بأسر المقاومة الفلسطينية لل"فرنسي" جلعاد شاليط قبل بضع سنوات عندما شاركت فرنسا في التفاوض على إطلاق سراحه بدل سحب جنسيتها منه. 

وقد أعلن جيش الاحتلال أسماء أربعة من مزدوجي الجنسية الذين قتلوا في العدوان المستمر على غزة قبل الهدنة الأخيرة اثنان أميركيان هما ماكس شتاينبيرغ من لوس انجيليس وسيان كارميلي من تكساس وثالث فرنسي من ليون هو جوردان بنسمهون ورابع نيوزيلاندي هو غاي بويلاند. وأجرت سي إن إن في الرابع والعشرين من الشهر الماضي مقابلات مع أميركيين مشاركين في العدوان على غزة منهم دانييل فليش وذكرت أن أعداد هؤلاء "في ازدياد". ونشرت "ديلي ميل" البريطانية صورا وتقارير عن مزدوجي جنسية شاركوا في العدوان.

وفي الحادي والعشرين من تموز/يوليو الماضي ذكرت الكريستيان ساينس مونيتور الأميركية أن عدد القتلى من مزدوجي الجنسية في جيش الاحتلال بلغ حتى تاريخه (25) قتيلا) ضمن (1100) مزدوج جنسية كانوا يحاربون في صفوفه أثناء العدوان.

وتقول التقارير الإعلامية الغربية الآن إن حوالي ألف مزدوج جنسية غربي يلتحق بالخدمة العسكرية في جيش الاحتلال سنويا، وإن عدد هؤلاء يزيد على (4000) مجند في الوقت الحاضر، كما قالت المتحدثة باسم جيش الاحتلال ليبي فايس (ذى ديلي بيست، 23/7/2014)، يمثل الأميركيون منهم حوالي (35%). وفي الثالث من الشهر الماضي ذكرت القناة الرابعة البريطانية أن حوالي مائة بريطاني يخدمون حاليا في جيش الاحتلال ضمن برنامج يديره هذا الجيش باسم "ماهال" لتجنيد اليهود "غير الإسرائيليين" فيه.

لقد تنبهت روسيا مؤخرا لخطورة ازدواجية الجنسية مع دولة الاحتلال وغيرها على علاقاتها الخارجية، فأصدرت قانونا دخل حيز التنفيذ يوم الاثنين الماضي يلزم مواطنيها بالابلاغ عن أي جنسيات أخرى يحصلون عليها.

صحيح أن القانون الذي أجازه البرلمان الإسباني في السادس من الشهر الجاري بمنح الجنسية الإسبانية لحوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون يهودي من أحفاد اليهود الذين طردوا من اسبانيا عام 1492 هو قرار سيادي للدولة الاسبانية، لكنه لم يحظ بأي متابعة لا عربية ولا فلسطينية. وكان من الممكن أن يرفد عملية السلام في فلسطين لو اقتصر على منح هؤلاء حق العودة إلى اسبانيا، لكنه قانون أجاز لهؤلاء ازدواجية الجنسية مع دولة الاحتلال، ليساهم المزيد من "الإسبان الجدد" في قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره من وطنه وفي التجسس الإسرائيلي على الدول العربية بجوازات سفر اسبانية.

في مقال له نشر في السابع والعشرين من الشهر الماضي بعنوان "تجنيد من أجل القتل – إنها ليست حربا إسرائيلية فقط على غزة"،  طالب مدير تحرير موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، رمزي بارود، بإعداد قوائم بمزدوجي الجنسية الذين "يرتكبون جرائم حرب بالنيابة عن إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني وبملاحقتهم قضائيا في الولايات المتحدة والعواصم الغربية.

وقد طالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بملاحقة قضائية وسياسية للمنظمات التي تجند الأجانب في جيش الاحتلال، وحثت الدول المعنية على اعادة مواطنيها المجندين في قوات الاحتلال إلى بلدانهم تحت طائلة سحب جنسياتهم في حال رفضهم.

وتظل هذه المطالب برسم وزارات الخارجية والداخلية ونقابات المحامين ومنظمات حقوق الإنسان العربية.

في الحادي والعشرين من الشهر الماضي اقتبست الواشنطن بوست من مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية تحذيرهم من أن "الخدمة العسكرية لمواطني الولايات المتحدة" لدى دول أجنبية منخرطة في "أعمال عدائية ضد بلدان في حالة سلام معنا ... قد تتسبب في مشاكل في إدارة علاقاتنا الخارجية".

لكن معظم الدول العربية، التي ذرفت دموع التماسيح على الشعب الفلسطيني خلال العدوان على غزة، تبدو غير معنية بإثارة أية "مشاكل" مع راعيها الأميركي الذي شارك مواطنوه في جرائم الحرب ضد المدنيين اللفلسطينيين خلال العدوان، "ربما" بانتظار مبادرة فلسطينية تحثها على "أضعف الايمان".

وفق "هآرتس" العبرية يوم الأربعاء الماضي، رفع المحامي الأميركي من أصل فلسطيني أكرم أبو شرار دعوى في اليوم السابق لدى محكمة فدرالية ضد وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشك هاغل متهما الوزيرين بخرق عدد من القوانين الأميركية بدعم بلادهما لدولة الاحتلال وجيشها الذي قتل أكثر من ثلاثين من أفراد عائلته منهم والده وأخيه وبتدمير منزل العائلة في غزة خلال العدوان الأخير ليطالب بالتعويضات وبإعلان المسؤولين العسكرين في دولة الاحتلال أشخاصا غير مرغوب فيهم في الولايات المتحدة.

وتعد دعوى أبو شرار سابقة "عربية" وقد استندت إلى قانون المساعدات الخارجية الأميركي لسنة 1961 الذي يحظر تقديم المساعدة لبلدان تنتهك حقوق الإنسان المعترف بها دوليا. ويشير خبراء قانونيون أميركيون كذلك إلى قانون الحياد الأميركي المعدل في سنة 1976 الذي يحظر المشاركة في أي عمل أو تقديم أي دعم عسكري أم غير عسكري لأي بلد أو منطقة أو شعب في "حالة سلام" مع الولايات المتحدة، كما هو حال منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها، تحت طائلة الغرامة أو السجن أو كليهما.

إن منح دولة الاحتلال جنسيتها للجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد المحكوم بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة بعد انكشاف فضيحته لم تستخدم عربيا لتوعية الشعب الأميركي بخطورة ازداوجية الجنسية الأميركية مع جنسية دولة الاحتلال على مصالح الولايات المتحدة وسمعتها وراء البحار.

إن الدول العربية يمكنها في الأقل أن تدعم مقاومة الشعب الفلسطيني "سلميا" بالضغط كحد أدنى على "أصدقائها" الغربيين "سياسيا" للحد من دعمهم لربيبتهم الإسرائيلية بسحب مزدوجي الجنسية من مواطنيهم من ميادين العدوان أو في الأقل بتمويل الملاحقة القضائية الفلسطينية لهم في بلدانهم وحسب قوانينها.

لقد ارتبطت أسماء مزدوجي الجنسية "الإسرائيلية – الأميركية" من المستوطنين غير الشرعيين في المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية لنهر الأردن ببعض أبشع الأعمال الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني بعد احتلال عام 1967، فعلى سبيل المثال لا الحصر حاول جيمس ماهون اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وفتح ألان هاري غودمان النار على المصلين في المسجد الأقصى عام 1982، وارتكب باروخ غولدشتاين مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994.

عامر زهر مواطن أميركي لفت نظره، كما كتب مؤخرا، أن المتحدث الرسمي للإعلام الخارجي باسم قوات الاحتلال الإسرائيلي، بيتر ليرنر، مولود في لندن وهاجر إلى فلسطين المحتلة عام 1985، والمتحدث الرسمي باسم حكومة الاحتلال، مارك ريجف، هاجر إليها بعد 22 سنة من ولادته في استراليا، والمتحدث الرسمي للإعلام الخارجي باسم شرطة الاحتلال، ميكي روزنيلد، ولد وترعرع في بريطانيا، ودوري غولد مستشار رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ولد وأنهى دراسته الجامعية العليا في الولايات المتحدة، ومثله المستشار المقرب لنتنياهو وسفير الاحتلال الحالي في واشنطن رون ديرمر وكذلك سلفه السفير مايكل أورن، وأن جميع هؤلاء يتكلمون اللغة العبرية "كلغة ثانية".

ويذكر ذلك بالجنسية المزدوجة "الإسرائيلية – الأميركية" لمبعوث السلام الأميركي ل"السلام في الشرق الأوسط" الذي استقال مؤخرا، مارتن إنديك، الاسترالي الذي "تأمرك وتأسرل" بعد ذلك، ولوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وقائمة طويلة متسلسلة من كبار المسؤولين في الإدارات الأميركية المتعاقبة ليس آخرهم رام إيمانويل رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما.

وهو ما يذكر أيضا بما سبق للدبلوماسي الفلسطيني المتقاعد السفير عفيف صافية أن أشار إليه في كتاب له بأن مفاوض التحرير منظمة التحرير الفلسطينية حدث أن كان يتفاوض في إحدى المراحل مع وفدين أميركي وإسرائيلي معظم أعضائهما من اليهود مزدوجي الجنسية.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com