شروق شمس عام جديد/ نسيم عبيد عوض

مع شروق شمس عام جديد فى حياتنا ‘ لنركع ساجدين لإلهنا الصالح على أنه سمح لنا بحياتنا لعام جديد ‘ ولنبدأ العام الميلادى الجديد بقلب وعقل وفكر جديد ‘ نقلب صفحة من كتاب حياتنا بما فيها من سيئات الماضى كله ‘ ولنقل مع الرسول " الأشياء العتيقة قد مضت .هوذا الكل قد صار جديدا." 2كو5: 17. والبداية مع وعد الله لنا نحن أولاده المؤمنين به والذى وهبنا نعمة الخلاص " وأعطيكم قلبا جديدا .وأجعل روحا جديدة فى داخلكم . وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم . وأجعل روحى فى داخلكم وأجعلكم تسلكون فى فرائضى وتحفظون أحكامى وتعملون بها .. وتكونون لى شعبا وأنا أكون لكم إلها." حز36: 26و27

ومع بداية نسمات يوم جديد لعام جديد فلنقل مع الرسول" أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم .فان خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار . فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور."رو13: 11و12‘  ونسأل ربنا قلبا نقيا إخلق في يا الله وروحا مستقيما جدده فى أحشائي ..

ومع دقات ساعات اليوم الجديد فلنبدأ العام الجديد إنسانا تائبا عن كل الخطايا والذلات والعثرات والذنوب التى فعلناها فى عامنا الماضى ‘ ليستقبل إنساننا الداخلى حياة جديدة طاهرة بيضاء ببهجة وسرور ‘ نتنسم فيها هواء نقى خالى من شوائب قد تابعتنا العام المنصرم ‘ولنفتح أحضاننا بالحب لبداية جديدة.

وللبداية ننهج نهجا جديدا مع شروق شمس يوم جديد:

1- كإنسان متغير فى نظرتى للأمور: وحسب قول الرب " سراج الجسد هو العين . فان كانت عيناك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا.وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما." فلتكن نظرتى للأمور فى عامى الجديد بعين بسيطة نيرة ترى الحسنات وتبغض رؤية السيئات ‘ نظرة روحية لكل أمور حياتنا حسب فكر المسيح.

2- إنسان متغير فى رغباته ..يعيش فى تسليم كامل لله: وليكن دستور حياتنا قول الرب " أطلبوا أولا ملكوت الله وبره . وهذه كلها تزاد لكم ‘ فلا تهتموا بالغد لأن الغد يهتم مما لنفسه .يكفى اليوم شره . مت6: 33و34‘ وأرتل " عليك يارب توكلت . لاتدعنى أخزى مدى الدهر."مز31: 1‘ ورغباتى المادية الدنيوية الشهوانية أطرحها بعيدا ولا أعود اراها فى حياتى‘ ولتكن البداية فى يد الله القدير تساعدنى فى حياتى الروحية الجديدة.

3- إنسان جديد فى الشكل الخارجى والداخلى: وكيف يكون هذا ..يجيب الرسول" تجددوا عن شكلكم بتجديد أذهانكم." رو12: 2‘ وتجديد الشكل هو تجديد فى أسلوب التفكير وتحول دفتها حتى تليق وتنطبق مع فكر المسيح . التفكير الروحى هو نظرة مسيحية ‘ عيون بسيطة ‘ توبة صادقة حاسمة . وفى ذلك يطلب منا الرسول" فاأطلب اليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله . عبادتكم العقلية . ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم .لتختبروا ماهى إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة."رو12: 1‘ وهذه هى الحياة المتجددة ذبيحة حب لله ..نرد الحب بالحب متذكرين " أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله."1يو3: 1‘ نسلم حياتنات للذى أحبنا ‘ حياتنا فى أعماقها ومن جذورها. لقد قدم الله الكلمة المتجسد حبه عمليا بتقديم جسده ذبيحة حب على الصليب من أجل فداء وخلاص البشر ‘ لذا يليق بنا الإتحاد معه بالتناول من جسده ودمه ‘ أن نقدم له أيضا حبا عمليا لنذبح جسدنا المادى لنقدم له ذبيحة حب عبادتنا العقلية بالروح والحق.

لا تدع عينك تنظر الشر فتطهر جسدك من كل الشرور والشهوات الجسدية.

دع لسانك لا ينطق بالدنس والإدانة فيصير أداة بركة حمد وتهليل لله .

لا تمارس يداك عملا محرما فتصير أداة لعمل الخير وتقديم المعونة لحياة الأخرين.

ومع بداية العام الجديد علينا أن ننسى ونتذكر:

1- ننسى ونطرح خلفنا كل العادات السيئة والتى كانت تسيطر على كيانك وحياتك ‘ وتذكر أن تكون إنسانا طاهرا لتكون قديسا كما أن أبوك السماوى قدوس‘ ولنتضرع لإلهنا " أغسلنى فأبيض أكثر من الثلج"

2- أنسى خطايانا المحبوبة ولا أعود لها ثانية ‘وأصلى لإلهى "استر وجهك عن خطاياي وأمح كل آثامى ‘ لأنك وعدت " أنا هو الماحى ذنوبك"

3- أنسى محبة الذات والأنانية ..المجد الباطل ..حب الظهور ..حب السيطرة ..وأتذكر خدمة الحب الباذل للآخرين ..محبة العطاء والبذل للغير..أتذكر ان أتضع من كل قلبى .. أختفى خلف صليب المسيح وهو يقودنى حسب مشيئته.

4- أنسى محبة العالم والأشياء التى فى العالم لأنها عداوة لله ‘ وأذكر محبة الله من كل قلبك ونفسك وفكرك وقدرتك ‘ ومحبة الآخرين كنفسك ‘ وتذكر دائما أن المحبة نستر كثرة من الخطايا ‘ وأن المحبة لا تسقط أبدا ‘ والمهم ان الله هو المحبة الحقيقية.

5- أنسى تضييع الوقت فيما لا يفيد ‘ وأذكر لطف الله الذى تمهل علينا حتى وقتنا هذا حتى تأتينى الفرصة للتوبة والعودة الى أحضان أبى السماوى. وأذكر المرات الكثيرة التى أنقذنى الله فيها من التجربة والسقوط ‘ وكيف مد يده فى الوقت المناسب وأنقذنى من رباطات الخطية.

6- أنسى كل مامضى بنا من فشل وخيبة أمل وأضع مكانها مراحم الرب التى قدمها لنا ‘ وأذكر رجائى فى الرب يسوع القائل بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا‘ وأنسى ماأصابنا من الأخوة والأصدقاء من قسوة ومن نقصاتهم وإهانتهم ‘ وأضع مكانها ماقدموه لى من حب ومساندة واهتمام وكل خير قدموه لى ‘ أضع مكانها الصفح والمغفرة والمحبة.

7- أذكر دائما أن كلمة الله الحية الفعالة التى تمنحنى راحة الضمير والفكر النقى ‘ والقلب المملوء بمحبة الله والآخرين‘ أذكر دائما أن أعيش ضابطا للنفس ضد رغبات الجسد والمادة وتعظم المعيشة ‘ولتكن " كل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شيئ."1كو9: 25.

-أعرف نفسك جيدا ‘ ولتكن لنا وقفة مع الذات ‘ نقلب صفحات ونطويها ونذكر صفحات ونحياها ‘ ولنتذكر أننا من ملئه نحن جميعا أخذنا ونعمة فوق نعمة.

-لا تضلوا . الله لا يشمخ عليه ..فان الذى يزرعة الإنسان إياه يحصده أيضا. لآن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية."غل6: 7و8.

" وتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق ."أف4:23. ولنصلى لإلهنا ..إقبل تضرعاتنا اليك لتنير بنورك علينا وتهبنا القلب الجديد والروح الجديدة لنسير فى عامنا الجديد فى توبة صادقة وحياة حرة كريمة تضمنا يداك الطاهرتين لتقودنا فى موكب نصرتك . وكل عام جديد وأنتم جميعا طيبين .


سنة 2013 رحلت فأيقظوا قلوبكم/ بشرى شاكر

هذه السنة مرت بالنسبة لي مثل لحظات البرق الخاطفة تلمع بقوة ولكنها تختفي بسرعة ويبقى صداها عالقا بأذاننا... يتردد بكل تجاربه وبكل آهاته وآلامه وأفراحه ومسراته... بكل صوره وتجلياته...

هذه السنة التي أتتنا سريعة لترحل بأسرع من مقدمها، حملت لي آلاما وجراحا كأي شخص يشق طريقه وسط أنواع وأشكال مختلفة من البشر وتركت بقلبي غصة اكبر على عالمنا العربي والإسلامي وأنا كل يوم ارقب ما يحدث في دولنا العربية واراها تتقهقر يوما عن يوم،،، ولكن كما أحزان السنة يتسلل الفرح ليلون حياتنا بالأمل فكانت سنة كرمت فيها أكثر من مرة، وكانت سنة قمت فيها بتدريبات وتكوينات جديدة... وكانت سنة سافرت وجلت فيها واستفدت من ذلك كثيرا... فالسفر علمني من هو صديقي فعلا ومن ينافقني لغرض في نفسه... تعلمت منه أن الثقة العمياء في الآخر أمر غير صحي مطلقا وانه ما دمنا نعيش في هذه الدنيا فلنقدم حسن الظن ولكن فلنتوخى الحذر فليس كل من تمد له يدك مصافحا يمدها لك بالخير فبعضهم يغيرها سيفا يريد به شقك بغضا وحقدا وحسدا ومع ذلك فهذه السنة أيضا كبر تسامحي، حتى وإن زمجرت أحيانا يخفت صوتي واكتم أنيني وأقول الله يسامح... نعم السفر والرحلات علمتني أشياء كثيرة واكتشفت فيها أشياء جديدة أيضا وهنا يحضرني قول الدكتور المؤرخ المغربي الكبير الذي أكن له كل التقدير عبد الهادي التازي إبان أول حوار لي معه حينما قال : "متى وجد الشاب وسيلة إلى التنقل فعل، إلى معرفة الآخر فليقم بذلك، أنا أعتبر أن الإسلام عندما فرض على معتنقيه، في نهاية الأركان فرض عليهم أن يحجوا، كان يقول لهم بالفصيح من القول، ارحلوا سافروا تنقلوا تعرفوا على الآخر، لا تنغلقوا على أنفسكم... واذكر قول المسعودي في كتابه مروج الذهب: "ليس من لزم وطنه كمن وزع أيامه على قطع الأقطار والأمصار"

استطعت في هذه السنة أن اقترب من محنة الآخرين أكثر، بل أن أكون وسط هذه المحن لأحاول مد يدي بما اقدر عليه لأنني تيقنت أكثر من أي وقت مضى أننا في هذه الدنيا نمر عابرين ولن نقطنها آبدين مهما طال العمر... كما تعلمت أيضا انه لا المرض ولا الوهن يقرران نهاية العمر وانه بالأمل يمكننا أن نستمتع بالحياة أكثر وان نفيد غيرنا أكثر وحينما نرى الابتسامة في عيون الآخر ونكون جزء في سببها حينها نعرف حلاوة أن ننتمي للإنسانية...

هذه السنة أيضا نشرت كتابي الثالث بدولة الكويت ومازلت ابحث عن وقت لترجمته كما ترجمت كتب غيري...

هذه السنة أيضا جربت أن انظم عرسا أنا التي لا تحب حضور الأعراس... ولأول كنت من بين من نظموا عرس أختي الغالية وقد كان الأمر صعبا ومتعبا ولكن كل ذلك انقلب فرحا وأنا أرى الفرحة في عيون أختي...

اعترف أني رغم اهتمامي بأختي فقد قصرت في حق أهلي وأبي وحتى أمي رحمها الله التي لم اجلس عند قبرها كثيرا كما كنت افعل... فقد أخذني العمل وأرهقني لدرجة نسيت فيها أن لنفسي ولأهلي علي حق، بل نسيت أن انظر صباحا لوجهي في المرأة وكأني خلقت لأعمل فقط وكأني لم أدرك بعد أن الحياة تتسلل من بين يدي... هذه السنة فهمت انه تلزمني وقفة مع الذات وطرح علامات استفهام كثيرة علي أن أجد لها إجابات عاجلة...

كل منا له ذكرياته في سنة أسرعت في الرحيل ولكنها كانت مليئة بالأحداث... ولكل أصدقائي وصديقاتي بل لكل البشرية أتمنى سنة سعيدة مليئة بالأفراح والمسرات وأتمنى أكثر الاستقرار والأمن لدولنا العربية وأتمنى أن نستعمل قلوبنا وأرواحنا أكثر في تعاملنا مع الآخر عوض غرائزنا ورغباتنا... حينما نترك فسحة العمل لقلوبنا وأرواحنا حينها سيقوى إيماننا أكثر وسنسعى للخير أكثر ونبتعد عن أذية بعضنا البعض... فالإيمان حب... وبالحب نستطيع تتمة المسير...

وفي هذا السياق أهديكم كلمات كتبتها في مقدمة كتابي الأول وأقول لكم كل سنة وانتم بألف خير

الحب إيمان بقضية تجمعنا، وبدم يوحدنا، وبشمل يلمنا فلا الفرقة تقتلنا ولا الدنيا تبدلنا…

الحب نعمة إذا ما وجدت وبدونها الديار خربت…

بدونها يتمكن الحقد من القلوب فتكثر الحروب وتتقاتل الشعوب…

الحب روح، إذا ما ذهبت تغدو القصور وكأنها سجون ويموت البريق في العيون وتخرس الأصوات ويحل السكون وتنتهي الأفراح و تعم الشجون…

كل عام وانتم بألف خير 

الهند تنتفض لكرامتها وكبريائها/ د. عبدالله المدني

لعل باكستان والصين هما أكثر دولتين سعادة بالأزمة الدبلوماسية القائمة بين واشنطون ونيودلهي، على خلفية إعتقال الأمريكيين لنائبة القنصل الهندي في نيويورك "ديفيان خوبراكاد" وإتهامهم لها بتقديم معلومات كاذبة في طلب إستخراج تأشيرة لمربية أطفالها التي زعمت أنها تتلقى في الساعة 3.31 دولارا أي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في نيويورك وهو 9.75 دولارا، . فباكستان التي تعتري علاقاتها التاريخية بحليفها الإمريكي متاعب جمة بسبب إصرار الأمريكيين على ضرب معاقل الإرهاب داخل الحدود الباكستانية بطائراتهم من غير طيار يسعدها كثيرا نشوء شرخ في العلاقات الهندية – الأمريكية يؤدي إلى فقدان الهنود لحظوتهم لدى الأمريكيين. اما الصين فإن مصدر سعادتها هو أن أي خلافات هندية – إمريكية سوف يعيق رهانات واشنطون على نيودلهي للعب دور اللاجم للنفوذ الصيني في المحيط الهندي وجنوب آسيا.

والحقيقة التي لا جدال فيها أن واشنطون، من بعد خسارتها لأهم حلفائها في منطقة الشرق الأوسط كباكستان والمملكة العربية السعودية ومصر بسبب سياسات السيد أوباما المتخبطة، هاهي تخسر اليوم العملاق الهندي الذي بذلت جهودا كبيرة على مدى عقود من الزمن لإلحاقه بقائمة حلفائها الإستراتيجيين، وذلك بسبب تشبثها بدور راعي البقر العالمي الذي يــُفترض ألا يــُسأل عما يفعل، بما في ذلك خرق المعاهدات الدولية كمعاهدتي فيينا لعامي 1961 و 1963 الخاصتين بتنظيم العلاقات والحقوق والواجبات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول، بل والمغالاة في الخرق على نحو ما حدث للآنسة "خوبراكاد" حينما إعتقلتها شرطة نيويورك، وكبلتها بالأصفاد، وفتشتها عارية أكثر من مرة، وحبستها مع المجرمين ومدمني المخدرات، قبل أن تفرج عنها بكفالة 250 ألف دولار، تمهيدا لمحاكمتها بتهم تصل عقوبتها إلى السجن  15 عاما.

إعتقدت واشنطون أن الأمر سيمر مرور الكرام من منطلق أن الهند سوف تصمت لأنها بحاجة إليها إستراتيجيا لترجيح كفتها أمام باكستان والصين، وبحاجة إليها تجاريا للمحافظة على مبادلاتهما البينية البالغ قيمتها 90 بليون دولار في السنة،  لكن الأمريكيين نسوا أنهم يتعاملون مع أمة عظيمة لا تخنع وتعتز بكرامتها وكبريائها. وهكذا خلع الساسة الهنود، سواء في الحكم والمعارضة، قفازاتهم الناعمة التي كانوا يتعاملون بها مع الأمريكيين ليتباروا في توجيه اللكمات للكابوي الأمريكي. 

جاء أول ردود الفعل الرسمية الهندية على لسان وزير الشئون البرلمانية الهندي "كمال ناث" الذي قال "إن على الولايات المتحدة أن تفهم أن الهند ليست من جمهوريات الموز"، وذلك في إشارة إلى دول أمريكا الوسطى الصغيرة التي كانت ذات يوم تتبع السياسات الأمريكية دون نقاش، ثم تبعه مستشار الأمن القومي الهندي "شيفشنكار مينون" الذي وصف ما قام به الأمريكيون بالعمل البربري، فزعيم المعارضة في مجلس الشيوخ الهندي "أرون جايتلي" الذي دعا إلى التعامل مع الولايات المتحدة على قدم المساواة، قائلا انه في الازمات الدبلوماسية يجب يقابل أي تصرف بتصرف مماثل ، مضيفا "إذا دست على طرفي مثلا فتوقع مني أن أدوس على طرفك". ثم جاء دور النائب عن الحزب الشيوعي الهندي (الجناح الماركسي) "سيترام يشوري" الذي وصف ما حدث بالأمر غير المقبول والمتناقض مع جميع المعايير والقواعد الدولية، فالسيد "دي. راجا" الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي الذي قال أن ما حدث يكشف بجلاء النفاق الأمريكي حول حقوق الإنسان، فالقيادي الكبير في حزب "بهاراتيا جاناتا" المعارض "ياشاوانت سينها" الذي لفت النظر إلى أن هناك ضمن الطاقم الدبلوماسي الأمريكي في الهند مثليين يستقدمون ذكورا من بلادهم لمعاشرتهم معاشرة الأزواج، مقترحا أن يطبق عليهم قانونا أقرته المحكمة الهندية العليا مؤخرا حول تجريم علاقات المثليين. 

وتلت هذه التصريحات خطوات عملية من جانب السلطات الهندية لإفهام الأمريكيين أن إنتهاكهم للأعراف الدبلوماسية لن يمر دون ردود فعل إنتقامية. وقد تمثلت هذه الردود في رفع الحماية الأمنية الإضافية التي طالبت بها واشنطون دول العالم لحماية سفاراتها وقنصلياتها، فصارت الأخيرة محروسة حراسة عادية كأي بعثة دبلوماسية أخرى (أحدثت هذه الخطوة هلعا في واشنطون التي تذكرت ما حدث لقنصليتها في بنغازي الليبية)، ورفض مسئولين ومشرعين هنود مقابلة وفد من الكونغرس الأمريكي كان في زيارة للهند، وقيام الهند بمطالبة واشنطون بمساواة الهنود العاملين في سفارتها وقنصلياتها ومدارسها بنظرائهم الأمريكيين لجهة الرواتب والحوافز والتعويضات. إلى ذلك قامت السلطات الهندية بتجريد كافة موظفي السفارة الامريكية وعائلاتهم من بطاقات "عدم التعرض" التي كانوا يتمتعون بها، وتجريدهم من تراخيص المطارات للمرور المباشر فصاروا يتعرضون للتفتيش مثل غيرهم، وإلغاء رخص الإستيراد الخاصة الممنوحة للسفارة الامريكية وقنصليلتها، ومطالبة الإمريكيين بكشوفات مفصلة عن مرتبات العاملين في سفارتهم في نيودلهي للتأكد من دفعهم لضرائب الدخل للدولة الهندية مقابل ما يشترونه ويحصلون عليه من خدمات.

أما على الصعيد الشعبي فقد تمثلت ردود أفعال الهنود في مظاهرات غاضبة إنطلقت في أكثر من مدينة هندية، ولاسيما نيودلهي ومومباي وكلكتا وتشيناي (مدراس سابقا)  وحيدر آباد مع إحراق دمى للسيد أوباما ورفع لافتات تندد بالتعجرف الأمريكي، ناهيك عن تحطيم متاجر تابعة لسلسة مطاعم الماكولات السريعة الأمريكية مثل "دومينو بيزا".

لكن من ناحية أخرى إتضح أن وسائل الإعلام الهندية إتخذت منحى آخر في تعاملها مع هذه الأزمة. فبعضها شدد على المشتركات والمصالح الاقتصادية والامنية الكثيرة بين نيودلهي وواشنطون، قائلا أنه من الضروري إحتواء الأزمة بدلا من تصعيدها وإستخدامها بعض الساسة لها كورقة إنتخابية، والبعض الآخر طالب بإعلان رسمي أمريكي صريح وواضح من جانب الحكومة الأمريكية يفيد بإرتكابها خطأ في حق الهند، خصوصا وأن ما تعرضت له "خوبراكاد" إنطوى على الإستخفاف بكرامة إمرأة هندية و"كرامة المرأة الهندية هي جزء من كرامة المجتمع والدولة" كما كتبت "سواتي شارما" في الواشنطون بوست.

وكان هناك فريق ثالث إنتقد الحكومة الهندية لعدم وضعها معايير واضحة لتوظيف الأشخاص الذين يرافقون دبلوماسييها إلى الخارج، ولعدم تأهيلها لدبلوماسييها بما يكفي لمعرفة ما يجوز لهم وما لا يجوز في الدول التي يتم إرسالهم إليها كيلا يتسببوا في إحراج الهند أو إفساد علاقاتها مع الآخر. ولعل هذا تحديدا ما دفع بوزير الخارجية الهندي "سلمان خورشيد" للقول بأنه "فور تسوية الأزمة الحالية ستفحص الحكومة المعايير الحالية لتوظيف المساعدين والخدم الذين يرافقون الدبلوماسيين في الخارج".

كما كان هناك فريق رابع إنتقد الحكومة الهندية لوقوفها في صف الدبلوماسية المتهمة دون الحديث عن الضحية المزعومة وهي خادمتها، مشيرا إلى أن حوادث إنتهاك كبار الموظفين الهنود الرسميين، سواء داخل الهند أو خارجها، لحقوق العاملين لديهم من جنسيتهم كثيرة ومتكررة ومشينة (سجلت ثلاث وقائع من هذا النوع في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية).

د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: ديسمبر 2013 
الإيميل: elmadani@batelco.com.bh

غزة بين الموت البطيء والدفاع عن الحياة/ نقولا ناصر

(إن استمرار الحصار لم يعد يترك لعرب فلسطين في قطاع غزة إلا الاختيار بين الاستسلام لموتهم البطيء في ظله وبين الدفاع عن حقهم الإنساني في البقاء على قيد الحياة بكل الوسائل المتاحة)

تقول تقارير الأنباء أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقترح الآن بناء خط سكة حديد يربط بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية عبر الخليل. وبغض النظر عن الاحتمالات الواقعية لوضع اقتراحه موضع التنفيذ في أي وقت قريب في ضوء تهرب دولة الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ اقتراحات سابقة مماثلة للوصل بين القطاع وبين الضفة بموجب اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الجانبين، وعدم إصرار منظمة التحرير الفلسطينية شريكتها في تلك الاتفاقيات على ذلك كشرط مسبق لمواصلة المفاوضات الثنائية، فإن اقتراح كيري يسلط الأضواء مجددا على حصار القطاع الذي يعيش كارثة إنسانية متفاقمة منذ سنوات تخيّر أهله بين استمرار موتهم البطيء وبين مقاومة الحصار والدفاع عن الحياة فيه بكل الوسائل.

لكن الأهم في اقتراح كيري الجديد يكمن في المفارقة بين البحث "التفاوضي" العقيم عن مخرج "إسرائيلي" مستحيل للكارثة الإنسانية في القطاع مع دولة الاحتلال، وهي المسؤول الأول والأخير عن استمرار هذه الكارثة فيه، وبين مخرج "عربي" ممكن منها يصر كل "شركاء" العملية التفاوضية الفلسطينيون والعرب والأجانب على سد كل أبوابه المفتوحة عبر مصر.

إن فتح معابر القطاع مع مصر يفتح القطاع على العالم الرحب على اتساعه بينما فتح معابره على الضفة الغربية في الوضع الراهن يمثل فتح قسم في السجن الإسرائيلي الكبير على قسم آخر منه لا يغير في واقع الحصار والاحتلال شيئا.

في تعليقه على الاعتداءات العسكرية الأخيرة التي شنتها دولة الاحتلال على القطاع سوغ وزير حربها موشيه يعالون هذه الاعتداءات بأنها رد على "تعطيل الحياة في جنوب إسرائيل"، بينما سوغها رئيسها شمعون بيريز بالاستمرار في تضليل الرأي العام العالمي بالتنصل من مسؤولية الاحتلال ودولته عن "تعطيل الحياة" في القطاع بالقول إن "قطاع غزة ليس موجودا تحت الاحتلال" بالرغم من الحصار البري، فوق الأرض وتحتها، والبحري والجوي الخانق الذي تفرضه دولته على حركة الناس والسلع والماء والهواء والضوء والغذاء والوقود والأدوية فيه منذ أجبرت المقاومة قوات الاحتلال ومستعمراته ومستوطنيها على الانسحاب منه عام 2005.

إن استمرار هذا الحصار لم يعد يترك لعرب فلسطين في قطاع غزة إلا الاختيار بين الاستسلام لموتهم البطيء في ظله وبين الدفاع عن حقهم الإنساني في البقاء على قيد الحياة بكل الوسائل المتاحة.

ولم يكن الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، ومقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ريتشارد فولك، دقيقين وأمينين عندما حذرا مؤخرا من "كارثة إنسانية" وصفاها بأنها "وشيكة" في القطاع إن لم يتدارك المجتمع الدولي الآثار المدمرة التي تركتها العاصفة الثلجية الأخيرة في حياة سكانه، لأن هذه الكارثة قائمة ومستفحلة فعلا فيه منذ سنوات، حد أن تكون نصف النساء الحوامل في القطاع يعانين من فقر الدم "الانيميا" كما كشفت دراسة حديثة للمرصد اليورومتوسطي لحقوق الإنسان، وكانت العاصفة مجرد مناسبة لإعادة تسليط الضوء عليها.

ف"العالم قد نسي غزة، ونساءها وأطفالها. فالحصار كالحرب في سوئه، إنه موت بطيء للجميع في غزة ... لقد فقد العالم إنسانيته." ذلك ما اقتبسه المؤرخ الأميركي الناشط في الاتحاد الوطني للمعلمين، ديلان مورفي، من اقوال عطية أبو خوصة أحد أهالي غزة في مستهل مقال له نشره يوم الأربعاء الماضي، قبل أن يقتبس من نائبة المفوض العام لوكالة "أونروا" لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، مارغو ايليس، تحذيرها من أن القطاع إذا ما استمر حاله الراهن لن يكون "قابلا للسكن فيه" بحلول عام 2020، ويقتبس أيضا من المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابى قوله إن جريمة "إبادة جماعية تجري الآن في غزة" لأن "قيادة" دولة الاحتلال، "وبخاصة الجيش، تنظر" إلى القطاع "كسجن يضم أخطر النزلاء الذين لا بد من التخلص منهم بطريقة أو بأخرى."

وقطاع غزة الذي سبق وصفه بأنه أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم، ووصفه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بغزة ب"معسكر للموت"، قد أعلنته دولة الاحتلال "كيانا معاديا"، وترفض الدول العربية أي مخرج عربي للكارثة الإنسانية فيه إلا من خلال منظمة التحرير بصفتها "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني، لكن قيادة هذه المنظمة بدورها أعلنته قطاعا "خارجا على القانون"، ويرقى إجماع كل هذه الأطراف على ذلك إلى قرار سياسي جماعي بإعدام الحياة في القطاع يحملها جميعا المسؤولية عن الكارثة الإنسانية المستمرة والمستفحلة فيه.

إنها حقا مفارقة سياسية مفجعة أن يكون حال القطاع بعد ثورة 25 يناير في مصر بفصولها المتتابعة أسوأ مما كان عليه قبلها، وهذه مفارقة تجعل إدانة مصر والدول العربية ومعهم قيادة منظمة التحرير لاستمرار حصار الاحتلال للقطاع باعتباره "عقوبة جماعية" رطانة إعلامية لا معنى لها، تدين اصحابها قبل الاحتلال ودولته، كونهم شركاء عمليا في هذه العقوبة الجماعية التي لا تفرق بين خلافهم مع القيادة السياسية للقطاع وبين معاناة أهله.

إن استفحال الكارثة الإنسانية في غزة لم يعد يترك عذرا لكل الأطراف المشاركة في حصاره لعدم الفصل فورا بين خلافها مع قيادة القطاع السياسية وبين الكارثة الإنسانية التي تطحن أهله، فهذه الكارثة أكبر من أي خلاف سياسي، ومن الانقسام الفلسطيني، وتجعل ذريعة التمسك الشكلي بوحدانية تمثيل منظمة التحرير لشعبها حجة متهافتة لم تعد تقنع أحدا للتنصل العربي من محاولة وقف الكارثة كأولوية تتقدم على كل ما عداها.

في السنة التالية على حرب دولة الاحتلال على القطاع عام 2008 انعقد مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار قطاع غزة، وتعهدت عشر دول شاركت فيه هي العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والجزائر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وايطاليا وتركيا بحوالي أربع مليارات دولار أميركي.

لكن هذه التعهدات أصبحت بعد سبع سنوات أداة ابتزاز سياسي لحركة حماس التي تدير حكومة الأمر الواقع في القطاع، تخيرها بين الاستسلام لشروط دولة الاحتلال والتخلي عن المقاومة والانضمام إلى عملية التفاوض معها وبين تسليم القطاع لمنظمة التحرير الفلسطينية أو استمرار ارتهان القطاع ضحية للكارثة الإنسانية المستمرة فيه على أمل دق إسفين بين حكومتها وبين ضحايا الكارثة الإنسانية من أهله، أو انتظار التوقيت المناسب لعدوان إسرائيلي جديد على أمل اجتثاث المقاومة من القطاع مرة واحدة وإلى الأبد كما يأمل الشركاء في ما يسمى "عملية السلام". 

غير أن ارتهان قطاع غزة لهذه المعادلة السياسية أثبت فشله طوال السنوات الماضية وليس من المتوقع أن يحقق أهدافه الآن بعد كل التضحيات التي قدمها عرب فلسطين في القطاع لعدم الخضوع له، لأن "من يفكر أنه بحصارنا سيدفعنا للخضوع فهو واهم" كما قال القيادي في حماس صلاح البردويل يوم الأربعاء الماضي.

إن الوضع في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة متفجر وغير قابل للاستمرار في هدوئه الظاهري الخادع الراهن، لكنه في قطاع غزة على وجه التحديد مخيّر فقط بين الاستسلام للكارثة الإنسانية والموت البطيء وبين الدفاع المشروع والطبيعي عن الحياة، ومنه على الأرجح سوف تنطلق شرارة انتفاضة ثالثة، إن عاجلا أو آجلا، ف"المقاومة الفلسطينية قد تصل إلى مرحلة الانفجار إذا ما استمر الحصار الخانق على قطاع غزة" كما قال المتحدث باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الخميس الماضي.

و"لا ينبغي ان يتفاجأ أحد إذا ما اندلعت انتفاضة ثالثة خلال الشهور القليلة المقبلة" كما كتب مؤخرا أستاذ العلوم السياسية والوزير السابق في السلطة الفلسطينية علي الجرباوي في مقال نشرته النيويورك تايمز مترجما من اللغة العربية يوم الأربعاء الماضي.

إن إشغال القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية بملهاة المفاوضات مناورة أميركية – إسرائيلية لكسب الوقت فحسب لم يعد ينطلي على أحد ولم يعد كافيا لاحتواء انفجار فلسطيني توفرت له كل الشروط الموضوعية وينتظر شرارة تشعله، فتمثيلية "عملية السلام" التي تدور هذه المفاوضات في إطارها، كما كتب روبرت فيسك في الاينديبندنت البريطانية في الثالث عشر من آب / أغسطس الماضي، "لا يثق الفلسطينيون فيها ولا يريدها الإسرائيليون"، 

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

مَنْ يتغاضى عَن عُنْفِ طِفْلِهِ صغيراً/ مهندس عزمي إبراهيم

إذ تقترب منا ذكرى شهداء كنيسة القديسين تقف أمام ذاكرتنا صورة لم تختفي يوماً عن أذهاننا، ولا لحظة ولا طرفة عين. هي صفحة صفراء نسجتها يَـد الـ لا-إنسانية ومشاعر العنصرية والبغضاء، بل والكفر بسماحة الله ومحبة البشر. نقشت حروفها  أصابع العنصرية المقيتة بالـدم والحبر الأسود. وقرأتها مصر بعيون دامعة وقلوب مفجوعة مكسورة في صباح أول يناير 2011، إثـر الاعتداء الإرهابي على كنيسة القديسين بالإسكنرية عند نهاية الاحتفال بقداس رأس السنة. هي حَدَثٌ دمويٌ ترك خلفه عدداً من الأبرياء الضحايا بين ثكالى ويتامى وأرامل وأموات وعجزة وجرحى وحزانى.
فبينما كان العالم كله يُرنم ويُسَبِّح للـه خالق الجميع، رب الحب والسلام، في رأس السنة مستبشراً بقدوم عام جديد أفضل، إذ بالإرهابي الإسلامي الفاجر (المسلم) يُخطط ويُفجِّر المقدسات ويقتل الأبرياء لكي يدخل الجنة!!! هل نلومه!!؟ نعم، نلومه وندينه. ولكنه ما نفذ إلا ما غرس بعقله وقلبه وضميره شيوخ الإسلام وفتاوي التكفير الإسلامي!!!!!!
ولم يكن هذا الحدث هو الحدث المفرد في ظلم الأقباط في الأربعة عشر قرنا الماضية. فقد سبق وتبع ذاك الحدث الإجرامي الذي هز مشاعر العالم أجمع، أحداثٌ عديدة مماثلة وأسوأ. أحداث دموية متدنية متعمدة من (إسلاميين أو متأسلمين)، أو هي في الحقيقة وبمنتهى الصراحة، بلا مواراة ولا مجاملة ولا طبطبة، أحداث إجرامية متعمدة من (مسلمين) ضد الأقباط أبناء مصر. ورغم مرور سنوات على تلك الأحداث لم تحرك الدولة بحكومتها وشرطتها وقضاتها ونياباتها وكلهم أيضاً (مسلمون) إصبعاً لمحاكمة وإدانة ومعاقبة مجرم مسلم واحد من المسئولين والمتورطين في تلك المجازر!!!
نعم هم قبل أن يكونوا متأسلمين متطرفين هم مسلمون، ولا داعي لتغطية الإجرام بحجاب ونقاب وقناع لا يستر عورة. فعين اللـــه التي تخترق الظلام لا يصعب عليها اختراق الضمائر والقلوب والأقنعة. فكما قال كتاب المسلمين "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مُبين." (سورة الأنعام 59) فالله إذن لا يخفى عليه مقصد أو نية أو حدث أو خافية.
من يتغاضى عن عنف ابنه تجاه أطفال الغير صغيراً، سيمارس الطفل عنفه على أبويه كبيراً. فها نحن اليوم، أخيــــراً، بعد صمتٍ مشينٍ طويــــل، وتغاضٍ وتهاون سافر عن المتطرفين المسلمين، بل وتواطؤ صريح من شيوخ وحكومة وقضاء وشرطة ونيابة ومعظم أجهزة الدولة، حكومة تلو حكومة، مع الإرهابيين في أفعالهم الغير بشرية تجاه فصيل مسالم من أبناء مصر... أقول أنه بعدما طالت أصابع الفوضى الدينية والأخلاقية سُمعة الإسلام، وطالت نار العنف والإرهاب سلامة المسلمين والوطن، أعلن د. شوقي علام مفتي الديار المصرية في بيان هذا الأسبوع "إن ما يقوم به الإرهابيون من تفجيرات في مصر هو محاولة رخيصة لزعزعة أمن الوطن من أجل إعاقة مسيرة التقدم والاستقرار. وأن مَن يعتدي على النفس البشرية أيًّا كانت فإنه ينسلخ من وطنيته وقيم دينه (واكرر من وطنيـــته وقِيـَـــم دينــــه)، وجزاؤه هو جزاء المفسد في الأرض."
حقيقة فطرية، ليس هناك "ديــن" من الأدين السماوية أو غير السماوية، يُحرِّض تابعيه للتفجير والحرق وسفك دماء الأبرياء المسالمين لمجرد أنهم يدينون بدين آخر أو يتبعون عقيدة أخرى، حتى لو كان الضحايا مشركين وكفاراً وملحدين.". فيا مسلمين ويا قـادة الإسلام وشيوخه الأجلاء، لقد حان الوقت أن تفتحوا عيونكم وأفكاركم وقلوبكم وتدركوا أنكم في عصر المشاركة والتعايش وتعدد العقائد والاحترام المتبادل، لو تفقهون، ولو تبذرون المبادئ السامية السمحاء في عقول وقلوب المسلمين جميعاً!!!
وحقيقة أخرى لا ينكرها إلا كاره للحق وللحقيقة، وهي أن المسيحيين، الأقباط، أبناء مصر البكر، لا مهاجرين إليها، ولا وافدين عليها، ولا خائنين لها، عانوا على مدار عقود بل قرون الكثير من ظلم وإرهاب المسلمين والمتأسلمين معاً. هذا الوطن الحبيب نحن من ترابه الطاهر، وجدودنا وشهداؤنا من ذرات هذا التراب النقي. وليس لإنسان مؤمن مسالم أو أو مدَّعي الإيمان أو ملحد مجرم إرهابي على سطح البسيطة له أحقية فيه أكثر منا، ولا يمكن لإنسان أو عنف أن يُنسينا محبة وغلاوة مصر.
قد يُغضِب مقالي بعض المسلمين الطيبين الخيّرين. فلهم أقول "ما ساءنا إرهاب الشريرين قدر صمت الخيِّرين عليه." فالساكت عن الشرير شريك له في شره. وفي هذا المجال يحضرني قول مارتين لوثر كنج "لست فقط محاسباً على ما تقول، أنت محاسب أيضاً على ما لم تقل حيث كان لابد لك أن تقول."!! وكذلك قوله الحكيم "في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا."!!
وختاماً، كم أثمِّن قول الشاعر السوري المسلم، علي أحمد سعيد، المعروف باسم أدونيس "ليس هناك ما هو أكثر جحيمية من أن يَقتل إنسان إنساناً آخر، لا لشيء إلا لكي يَدخل الجنة."
*****
مهندس عزمي إبراهيـم

رسالة الطفل سليم من حلب إلى سامي في ألمانيا/ جمال قارصلي

أخي سامي ...
أكتب إليك الآن من حلب, وهل تعلم أين تقع حلب؟ حلب تقع في سورية التي هي ليست بعيدة من المكان الذي ولد فيه أبونا إبراهيم الخليل ورُسُلُنا موسى وعيسى ومحمد, ولهذا يسمونها مهد الحضارات والديانات. معلمتي التي أحبها كثيرا كانت تقول لنا دائما, يجب عليكم أن لا تنسوا بأنه ليس بعيدا من هنا وُلد رسول المحبة والسلام, ولكن وللأسف يا سامي ومنذ أشهر طويلة ونحن نعيش تحت القصف والحصار ولا نستطيع أن نغادر بيوتنا إلا والخوف يرافقنا من خطر القنص والتشبيح والإعتقال وبسبب هذا حتى أقاربنا وأصدقاؤنا لا يأتون لزيارتنا هنا.

هل تعلم يا سامي ... في الأشهر الأخيرة أصبح الجوع عندنا في كل مكان. الحوانيت في مدينتنا فارغة من كل أنواع البضائع, لا الخبز ولا الجبنة ولا السكاكر ولا الحلويات, وكذلك الشوكولاته لم أراها منذ أشهر طويلة. والبرد عندنا الآن قارس جدا, فلذلك حتى وأنا في البيت ألبس أكثر ملابسي لأنه لا يوجد لدينا شئ نتدفأ عليه ومن شدة البرد فأنا أبرد حتى في الفراش. الكهرباء مقطوعة لدينا منذ أسابيع طويلة وليلنا مظلم دائما والماء التي نشربها غير نقية وفي كثير من الأحيان تكون مقطوعة. 

آه يا سامي ... منذ شهرين وأنا حزين جدا على موت صديقي علي, وهو أعز صديق عندي, وهل تعلم لماذا مات؟ مات لأنه لم يستطع الحصول على الدواء اللازم, لأن أكثرالأدوية عندنا مفقودة وبسبب فقدانها يموت كثيرمن المرضى وخاصة الأطفال منهم. وهل تعلم بأنني لا أستطيع أن أنام بسبب دوي القنابل التي تهطل علينا بإستمرار وبأنواعها المتعددة؟ منها العنقودية والفراغية وهنالك قنابل جديدة يسمونها "البرميلية". أصواتها عالية جدا وأكثرها دويا هي صواريخ السكود البالستية. وهل تعلم بأن كثير من أطفال سورية ماتوا بسبب القنابل الكيمياوية؟ أنا أصبحت في حالة خوف دائمة يا سامي وحتى صرت أخاف من النوم لأنني كلما أنام أرى أحلاما مرعبة جدا, أراى الجثث والدماء والأشلاء والقنابل الحارقة.

عزيزي سامي ... لقد سمعت بأن (بابا نويل) يجلب الهدايا الجميلة لكل أطفال العالم في يوم عيد الميلاد, لماذا لا يأتي (بابا نويل) لزيارة أطفال سورية؟ ربما لا يعرف أين تقع سورية؟ كم تمنيت لو زارنا مرة واحدة وجلب لنا الألعاب الجميلة ليدخل السرور إلى قلوبنا, ولكن عوضا عن ذلك جلب لنا ما يسمونه "بالنظام" الموت والدمار والصواريخ والقنابل. ربما لو جاء (بابا نويل) ألى سورية, لهربت الطائرات والدبابات والصواريخ خوفا منه, ولكنه وللأسف لم يأت. أرجوك يا سامي ذا رأيته أن تخبره بأن أطفال سورية بفارغ الصبر ينتظرونه.

سامي ... هل تعلم بأن المتفجرات والصواريخ والقنابل تملأ سماء سورية كل يوم بالألوان المختلفة من كل جانب, مثل ما يحدث عندكم في إحتفالات رأس السنة, فهي تضيء الأرض والسماء وأكثرها إشعاعا هي القنابل الفسفورية. قبل عدة أيام أصابة قنبلة برميلية بيتنا وبسببها أُصيب جدي الذي أحبه كثيرا بجراح كبيرة ولم نستطع أن نسعفه بسيارتنا لأنها كانت فارغة من البنزين وكذلك لم نستطع أن نتصل بالإسعاف لأن كل شبكات الإتصال مدمرة. وهكذا مات جدي وهكذا مات كثيرمن الجرحى وخاصة الأطفال منهم وهكذا نعيش أيامنا وليالينا المليئة بأصوات الطائرات والصواريخ والقنابل المدمرة.

أخي سامي ... منذ أشهر طويلة ونحن أطفال سورية لا نستطيع  أن نخرج من البيت أو نلعب في الشارع لأن القناصة والشبيحة يطلقون النارعلينا وأنا لا أعلم لماذا يريدون قتلنا ونحن أطفال صغار؟ وانا لا أعلم منذ متى كان الأطفال خطرا عليهم؟ وبسبب القنص يا سامي مات الكثير من أطفال سورية. لقد علموننا بان الأطفال هم مستقبل البلاد وكيف سيكون مستقبل مهد الحضارات والديانات بدون أطفال؟

أخي سامي ... إن أطفال سورية مثل أطفال العالم في كل مكان, فهم يحبون الضحك واللعب والمدرسة. هل هذا هو ذنبنا بأننا وُلدنا في سورية؟ أنت ذو حظ سعيد يا سامي لأنك وُلدت في ألمانيا. أرجوك أن تساعدني يا سامي ... إصرخ معي يا سامي وبأعلى صوتك عسى أن يرد عليك أحدا لأن صراخنا وبكاؤنا وإستنجادنا, نحن أطفال سورية, لا يسمعه أحدا. العالم يشاهدنا على التلفاز كيف نموت ... وكيف نتألم ... وكيف نتعذب جوعاً ومرضاً ... ولا من مجيب لصراخنا ... وقل لأطفال العالم بأن لا يتركوننا لوحدنا يا سامي ونحن نصرخ ونصرخ حتى نموت.

أخوك سليم   
حلب / سورية / 24.12.2013

هسهسةُ النار/ كريم عبدالله

هسهسةُ النارِ في عشتاري*
ورعشةُ البردِ والأشتياقِ
وصوتكِ طائررخٍّ يجثمُ فوقَ دِثاري
كأنّ أنفاسكِ المعتّقةَ تخترقُ مساماتي
فتهتزُّ لها أوتاري
يطلُّ عليَّ وجهكِ المحمومَ
تتراقصُ فوقَهُ أشعاري
يُبدّدُ وحشة الليلِ الكئيب
يصارعُ وَهَمَ أفكاري
دموعكِ زخّاتُ مطرٍ
تغسلُ حماقاتَ سنينَ الجدّبِ والعارِ
تعالي دفِّ غربةَ الروحِ
تعالي فقدْ طالَ إنتظاري
لمْ يبقَ عندي سوى طيفَ أملٍ كالسرابِ
أضمّهُ ,
يهربُ من أحضاني
و(( عرقُ سواحلٍ* )) لفّها صمتُ أشرعةٍ
غرقتْ في الضبابِ
لمْ ينفعْ في فكِّ طلاسمكِ ياإمرأةً
فتأجّلتْ مواسمُ العتابِ
وحيداً في برجي العاجي
أرسمُ خارطةَ جسدٍ بلوريّ يمسحُ بعضَ إكتئابي
أفتّشُ عنّكِ ألهثُ خلفَ أطيافكِ
ياضيعتي ,
وما علمتُ بأنّكِ تسكنينِ تحتَ أهدابي
إنّي مللتُ الحياةَ
مللتُ أحزاني
ياعمقَ جرح الروحِ ويابئسَ العذابِ
فمَنْ غيركِ سيرممُ بيتَ أوجاعي
ومَنْ سواكِ سيطرقُ بابي ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عشتاري : في ليالي الشتاء القارص أجلس بعد ان ينام الجميع أحتضن مدفأة اسمها ( عشتار ) اتحدث اليها وتحدّثني .
عرق السواحل : في الموروث الشعبي العراقي هناك عرق يأتي به القنفذ ليفتح باب بيته بعد ان يغلقه الانسان على افرخه ويستخدمه الانسان في تسخير ( الجنّ ) الموجود فيه !!! هكذا قِيلَ لنا والله اعلم .

يا صديقي/ سامح عوده

الى الصديق مراد اشتيوي "أبو خالد" الذي اعتقله الاحتلال .. لإطفاء شمعة المقاومة الشعبية في بلدته "كفر قدوم"

لك يا صدقي نيزكٌ ساطعٌ لا يَهَويِ أبداً
يَهَوى الفضاء، يسمو سمو روحكَ فوق القيد
أشعل زنزانتكَ .. بزيت الصمود
وقاوم سجانكَ، فأنتَ المنتصر
وافتح جناحيكَ .. العريضين
كنسرٍ .. تحت السحب
واغزل من عتمة الليل وشاحكَ الذي تعشق
كوفيةٌ ..
فلسطينيةٌ
تليقُ بك..!!

يا .. صديقي
عيناكَ .. ربيعٌ أخضر يحنُ
لِ " مُرادِكَ " الذي انت تحملُ اسمه
عَزّمُكَ عزمُ الايائل .. في كرها
عَزّمُكَ الخيل وهي تجوب الفلاة
عزمكَ الصقر في المدى
عزمكَ ناي الصباح .. يرتلُ بصوتكَ الجسور
آيةٌ .. مقاومة لزندٍ واجهَ العسكرّ فانتصر..!!
يا صديقي   ..
لغيابكَ قصيدةٌ مذبوحةٌ على حوافِ بحرِ شعر مائج
يا .. لتلك القصيدة .. الخالدة فينا " أبا خالد"
موجعةٌ حروفها ..
مجروحةٌ كلماتها ..كطفل يمشي على زجاجٍ مكسور
حبرها صاخب ..
كصخب المسيرة التي علمتنا " على قدر أهل العزيمة، تؤتى العزائمُ "..!!

يا صديقي ..
في المسير الطويل نحوَ الفجر الذي ننتظر
دربٌ مملوءٌ بالأشواك .. والاشواق
بانتظار أمنيةٍ معلقةٍ بين السماء والأرض
وبين سماء الامنية وأرضنا المسلوبة
غيمةٌ في أحشائها مطرُ الشوقِ
لكسر قيدٍ أدمى فينا المقل
بين أحشائها روحٌ مصقولةٌ لا تتعب..!!
يا صديقي ..
على امتداد محيطٍ من الدمع
روحُ شهيد لم تفارقنا بعد، وجرحُ جريح لم يبرأ
وهنا .. وهناك
 سكاكين مسمومة توغلُ فينا القتل
لا تقلق .. فان على هدبِ ليلكَ
نشيدُ ثوري عنيد..
علمَ غرفة التحقيق الصبر
وظل .. على عهد الاولين لم يساوم
أظنه .. يشبهك..!!

جنوب السودان يدخل نفق الحرب القبلية/ د. صالح بكر الطيار

 لم تمض سوى سنتان على استقلال جنوب السودان حتى نشبت حرب قبلية من المرجح لها ان تستمر سنوات او ان تفضي الى تقسيم جديد إذا لم يتدخل المجتمع الدولي سريعاً لأعادة تصويب الأوضاع المتفاقمة يومياً .والصراع يدور اليوم  بين قوات تابعة لرئيس جنوب السودان سيلفا كير الذي ينتمي الى قبيلة "الدنكا" وبين قوات تابعة تابعة لنائب الرئيس السابق ريك رشار الذي ينتمي الى قبيلة "النوير"،  وقد ادت المعارك الى سقوط اكثر من 500 قتيل  والى جرح وتشريد الألاف .وكان كير قد اتهم نائبه بأنه يسعى للقيام بإنقلاب ضده فأقاله من منصبه في شهر تموز / يوليو الماضي ولكن نفى رشار التهمة معتبراً انها مسرحية من كير للتفرد بالسلطة .واتسعت رقعة القتال الذي بدأ حول العاصمة جوبا ، وخاض الجانبان معارك شرسة حول بلدة بور شمالي جوبا التي كانت مسرحا لمجزرة عام 1991 ارتكبها جنود موالون لمشار بحق المئات من أبناء الدنكا.وأدى القتال إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة الهشة بالفعل من أفريقيا وعرقل جهود الدولة الوليدة لبناء مؤسسات فعالة. ووصل فريق وسطاء أرسله الاتحاد الافريقي ومقره اديس ابابا إلى جوبا لاجراء محادثات. وقال مسؤول إثيوبي إن أعضاء الفريق من اثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا. وهذه أول مبادرة هامة لإحلال السلام منذ اندلاع الاشتباكات.وفي واشنطن أصدر الرئيس الأمريكي بيانا قال فيه إن الصراع يهدد بعرقلة التقدم الذي حققته البلاد منذ حصولها على الاستقلال.وقال أوباما "يجب أن تتوقف التصريحات التحريضية والعنف المستهدف. ويجب على كل الأطراف أن تستمع إلى المشورة الحكيمة للجيران وتدخل في حوار وتتخذ خطوات فورية لاستعادة الهدوء ودعم المصالحة."وللمعارك الدائرة في جنوب السودان ابعاد أخرى ذات علاقة بسعي كل طرف الى الهيمنة على مقدرات البلاد وخيراتها حيث يمتلك جنوب السودان ثالث أكبر احتياطيات من النفط في أفريقيا جنوب الصحراء بعد انجولا ونيجيريا وفقا لبيانات شركة بي.بي.ويمثل انتاج النفط الذي يبلغ نحو 245 الف برميل يوميا القسط الأكبر من ايرادات الدولة.وتدير ثلاث شركات رئيسية حقول النفط وهي مؤسسة البترول الوطنية الصينية وشركة او.ان.جي.سي فيديش الهندية وبتروناس الماليزية.كما لدى جنوب السودان ثروة معدنية متنوعة وأراضي زراعية شاسعة ومخزون مائي وفير وهذا ما جعل جنوب السودان محل اهتمام الكثير من الدول الراغبة في الإستثمار خاصة وأن جنوب السودان بحاجة الى توظيفات كبيرة في البنى التحتية التي لا زالت شبه بدائية .وهناك تخوف من ان تمتد المعارك في جنوب السودان الى دول مجاورة على خلفيات الصراع القبلي والأتني كما هناك تخوف لدى الخرطوم من ان تفقد حصتها من العائدات النفطية التي تم الأتفاق بشأنها عندما انفصل جنوب السودان عن السودان الأم .وإذا ما استمرت المواجهات على الشكل الدائر عليه اليوم فمن المرجح لها ان تؤدي الى تقسيم البلاد خاصة وان كل طرف يحاول ان يسيطر على المناطق النفطية  لأنها توفر له الأمكانيات التي تتيح له تغطية نفقات الحرب في حال طال امدها

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

إصدار العدد الأوَّل من مجلّة السَّلام في ستوكهولم/ صبري يوسف

صدر العدد الأوَّل من مجلة السَّلام الَّتي يحرِّرها الأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف في ستوكهولم، وقد شارك في المجلة 56 كاتب وكاتبة، وشاعر وشاعرة، وباحث وناقد وفنَّان تشكيلي. زيَّنَت غلاف المجلّة لوحة الفنّان الفلسطيني د. جمال بدوان، الَّتي حملت عنوان: "تسامح الأديان"، وهي أكبر لوحة زيتيّة في العالم 20 × 15 متر مربّع،  وقد جاء في كلمة المحرِّر ما يلي:

"فكرة السَّلام راودتني طويلاً، تبرعمَت في مخيَّلتي منذ زمنٍ بعيد، إلى أن هيمنَت على كامل كياني، وغدت جزءاً من وجودي على وجه الدُّنيا. تجذبني إلى رحابها الفسيحة، مثلما تجذبني الينابيع العذبة وصفاء السَّماء. السَّلام شعاري الأزلي في الحياة! ولهذا تؤرِّقني وحشيّة البشر في تعاملهم مع بعضهم بعضاً، وتؤلمني كثيراً الحروب الَّتي تنشب بين البشر، تهدِّدُ صفاء الصَّباح وهدوء اللَّيل، مندهشٌ ممَّا أراه من دمار، كيف يغوصُ الإنسان مع بني جنسه في حروب مدمِّرة ومجنونة؟! يفترس بعض البشر بعضهم بعضاً، كأنّهم من فصائل الوحوش الضَّارية، أرى أحياناً كثيرة أنَّ الإنسان يحمل بين تجاعيد مخّه بلادات الحمير من حيث سماكات المخّ والمخيخ، من حيث الآثار المخيفة الَّتي يتركها وراءه ولا يرمش له جفن! 

عجباً أرى! كيف يتركُ الإنسانُ كل هذا الجَّمال والحبّ والفرح والوئام والحكمة والعقل وراءه في مهبِّ النَّار، ويركّز على سفكِ الدِّماء، ناسياً أنَّ كلّ رحلته في الحياة تنتهي عند مساحةِ مترٍ إلى مترين من الأرض، مع قليلٍ من القماشِ والخشب؟! نحنُ ضيوفٌ عابرون على وجه الدُّنيا، نحن مجرّد ضيوف لا أكثر. يتشبّث الإنسان في ترَّهات الحياة كأنّه سيبقى على وجه الدُّنيا إلى الأبد، مع أنّه يرى يوميّاً آلاف البشر يتوارَون في عتمةِ القبورِ، ولا يتَّعظُ، لأنّه يزداد جنوحاً نحوَ الحماقات، وليس نحوَ حكمةِ الحياة!  

لماذا، فكّرّتُ بتأسيس مجلّة السَّلام؟!                                                                  
قرَّرت في بداية عام 2013، تأسيس مجلّة السَّلام، ردَّاً على استفحال جنون الكثيرين من حمقى هذا الزَّمان، ردَّاً على تدهور أخلاقيَّات قرون من الزَّمان، ردَّاً على إعوجاجات سياسات هذا الزَّمان، وردَّاً على انزلاق رؤى الكثيرين من البشر نحو هاويات الجَّحيم!                                                 
مجلّة السَّلام، هي وردتي المعبّقة بأريج الحياة، هي الهواء النَّقي المتدفِّق من أعماق تطلُّعات المبدعين الجَّانحين نحوَ أبهى إخضرار الحياة، حيث أنَّني بعد تحليلاتٍ عميقة وقراءاتٍ مستفيضة للواقع المزري الَّذي يمرُّ به الكون من دمارٍ واضحٍ للعيان لأبسط أبجديَّاتِ السَّلام بينَ البشر في الكثير من أرجاء العالم، فكَّرتُ بإصدارِ دوريّة سنويّة أدبيّة ثقافيّة فكريّة فنّيّة مستقلّة، بعنوان: "مجلَّة السَّلام". لتأسيس وترويج ثقافة السَّلام، بكلِّ ما تعني هذه الكلمة من معنى إنساني عميق، بعيداً عن لغةِ السِّياسات الممجوجة الَّتي طرحها بعض مُخلخلي أجنحة السَّلام على وجه الدُّنيا.                                                  
تُعنى المجلَّة بالنُّصوص الأدبيّة والفكريّة والنَّقد والفنون التَّشكيليّة وغيرها من الفنون المتمحورة حول السَّلام والوئام بين البشر في جميع أنحاء العالم، على أن تكون النُّصوص الشِّعرية والقصص والمقالات والحوارات والدِّراسات النَّقدية والتَّحليليّة واللَّوحات المساهمة تصبُّ في جوهر تطلُّعات آفاق السَّلام.        
تعتذر المجلّة عن نشر أيّة مادّة تثير الحساسيات والصِّراعات بين الأديان والمذاهب والقوميات والاثنيات، لأنّها تعتبر هذه الصِّراعات الدَّمويّة المذهبيّة والدِّينيّة والقوميّة والسِّياسيّة هي ضربُ من جنون توجُّهات بعض سياسات هذا الزّمان، وخروج تام عن حيثيات أبجديات السّلام والوئام بين البشر، كما لا تستقبل أيّة مادّة تسيء إلى شخصٍ ما أو جهةٍ ما، لأنَّ المجلّة منبر فسيح للسلام الإنساني الخلاق وليست منبراً للقدح والذَّم بالبشر، بل ترحِّب بالمواد الَّتي تدعو للحوار والسَّلام الخلاق بعيداً عن لغة العنف والعنف المضاد، لأنَّ لغة العنف والعنف المضاد أوصلَتْ بنا إلى بوّابات الجَّحيم! ونحن بصدد تسليط الضَّوء على لغة السَّلام والوئام بين البشر إبداعيّاً، لعلّنا نستطيع أن نروِّج ثقافة السَّلام والحوار والمسامحة بين البشر، وفي هذا السِّياق ترحِّبُ المجلّة بدراسة وتحليل أسباب العنف ومعالجته ومعالجة العنف المضاد عبر الحوار، بعيداً عن لغة البغض والكراهيّة والانتقام والحرب وهدرِ الدِّماء!                             
المجلَّة مستقلة وغير مرتبطة فكريَّاً أو سياسيَّاً أو ثقافيّاً بأيَّة جهةٍ رسميّة أو غير رسميَّة في الشَّرق أو في الغرب، ولا تقبل الهبات والتَّبرُّعات المشروطة من أيَّةِ جهةٍ شرقيّة أو غربيّة، وترحِّب بأيِّ دعمٍ مادّي أو معنوي موائم لتوجُّهات برنامج المجلّة المرتكز على السَّلام بين البشر كلَّ البشر، دون الانحياز إلى طرفٍ ضدَّ الآخر، بل الانحياز إلى الحقِّ والعدالة والمساواة بين البشر، لعلَّنا نستطيع عبر هذا المنبر أن نحقِّقَ إنسانيّةَ الإنسانِ على وجهِ الأرضِ!                                                     
المجلّة سنويّة، وتصدرُ في كانون الأوَّل (ديسمبر) من كلِّ عام، كحصادٍ لغلالِ عامٍ من كتابات مبدعي ومبدعاتِ نصوصٍ ولوحاتٍ عن حيثيَّاتِ السَّلام من كافّةِ أنحاءِ العالم، واستقبالاً لعامٍ جديدٍ ينحو أكثر فأكثر نحوَ السَّلامِ والوئامِ بين البشر في كلِّ أرجاءِ المعمورة!".                                                                                                                            
شارك في باب الشِّعر كل من الشُّعراء والشَّاعرات بالقصائد التَّالية: الطُّفولة/ الأب يوسف سعيد، العراق- السُّويد، ضرير يبحث عن هاتف: صلاح فائق / العراق – الفلبِّين، خرجتُ من الحربِ سهواً وقصائد أخرى / عدنان الصائغ، العراق – لندن، سُلالتي الرِّيح وعنواني المطر: موسى حوامدة / فلسطين – الأردن، عمان، كُؤُوسِي مَلِيئةٌ فِي حَانَةِ فَرَاغِهَا: د. محمَّد حلمي الرِّيشة / فلسطين، لدينا حلم: نصر سامي/ تونس، يَا جَوْرَبَ الحُزْنِ اتَّسِع: منى الرَّزقي/ تونس، أراكَ، والحرب: عاشور الطُّويبي / ليبيا  يحملني شراعكَ إلى برِّ الإشتياق: فوزيّة أيوعلالن / الجزائر، أدمنته: فاطمة الزّهراء بنّيس / المغرب، أحجارٌ صلبة كالغرائز: نجيب مبارك / المغرب، ثماني قصائد: عبدالحق بن رحمون / المغرب، أطفالٌ في حضرة آلهةٍ غائبين: عبد العزيز حــزيزي / اليمن، نتآلف كما الألوان: قيصر عفيف / لبنان – المكسيك، الأطفال والسَّلام: إسحق قومي/ سورية – ألمانيا، أكوامارين: سوزان ابراهيم / سورية، ثلاثيّة البحر: قمر صبري الجَّاسم / سورية، هطولُ المطر وقصائد أخرى: وعد جرجس / سورية – ألمانيا، الحَوَارِيّون وقصائد أخرى: فاطِمَـة ناعـُوت / مصر، عوجُ الحياة: الشَّاعرة هبة عبدالوهاب / مصر، نحن النَّادرون في الأرض: هدى حسين / مصر، نصوص برائحة الحبِّ وقصائد أخرى: زهير بهنام بردى / العراق، احتضاراتٌ: فائزة سلطان / العراق – أميريكا، أمشي وحدي تحتَ المطر وقصائد أخرى: أمل ماركوس / العراق – السويد، كتاب الجُّنون: شاكر مجيد سيفو / العراق، الأرضُ والسَّماءُ: أحمد محمَّد رمضان / العراق، نحنُ الوطن: علي مولود الطَّالبي / العراق، ملح البحر: سامويس / العراق، لوحة من وحي العشق وقصائد أخرى: كابي سارة / سورية – السُّويد، مقاطع من الجزء الخامس من أنشودة الحياة، نص مفتوح، حمل عنواناً فرعياً، السَّلام أعمق من البحار: صبري يوسف / سورية – السُّويد.
وفي باب القصّة شارك القاصّ الأردني مهنَّد العزب بمجموعة قصص قصيرة جدّاً، حملت العناوين التَّالية: آفاق، توق، تواصل، تأمُّل، تراسل، وشارك بعض القاصّين بالقصص التَّالية: مسافر بلا حذاء وقصص أخرى: محمّد مباركي / المغرب، ذاكرة خرساء: مريم بن بخثة / المغرب، على شرف كواباتا: محمَّد أنوار محمَّد / المغرب، فتى القمامة: أمير بولص ابراهيم / العراق، حبّات السُّكَّر الحمراء: كابي سارة / سورية – السُّويد، مأساة أم معجونة بالسَّلام: فريد توما مراد / سورية – السُّويد، وللزهورِ طقوسُها أيضاً!: صبري يوسف / سورية – السُّويد. 
وفي باب المقال شارك مجموعة من الكتّاب والكاتبات بالمقالات التَّالية: رؤية، الشِّعْرُ لِحِوَار بينَ الحَضَارَاتِ: د. محمدّ حلمي الرِّيشة / فلسطين، السَّلام أوَّل اللُّغات وآخر اللُّغات: صبري يوسف / سورية – السُّويد، البحث عن الضَّوء وسط العتمة: نور يونان / سورية – السُّويد، الحوار والانفتاح والتَّسامح، ومقالات أخرى: العيَّاشي السَّربوت/ المغرب، السَّلام تراتيل عِشقٍ أبدي: اسحق قومي / سورية – ألمانيا. 
وفي باب الحوار أجرى محرِّر المجلّة، ثلاثة حوارات: مع فنّان تشكيلي وشاعرة وشاعر،  حملت العناوين التَّالية: "الفنَّان التَّشكيلي نزار صابور مشبّع بتقنياتٍ وتوهّجاتٍ لونيّة خلَّاقة"، "الشَّاعرة فاطمة ناعوت تلتقطُ تجلِّياتها الشِّعريّة على اِيقاعِ هدوءِ اللَّيلِ الجَّميل"، "الشَّاعر قاسم حدّاد يستنبتُ نصّه من رحيقِ الحياة".

وفي باب الدِّراسات، قدّم بعض الكتّاب والنُّقّاد الدِّراسات النَّقديّة والتَّحليليّة التّالية: ريشة البدوان .. ومخيّلة الفنَّان .. وتسامح الأديان: سامح عودة / فلسطين، رحلة في قصائد مجموعة: "عظمة أخرى لكلب القبيلة"، هشام القيسي / العراق، اغتصاب الطُّفولة: د. مصطفى سلوي / المغرب، بين سرديّة الخطاب الواقعي ودلالات المرموز: د. بهنام العطاالله / العراق، أراجيح في مدائن الحلم: سامي البدري / العراق.

وفي باب الفنّ التَّشكيلي، شارك 13 فنَّاناً وفنّانة من عدّة دول من العالم، بلوحات تشكيليّة رائعة، تترجم مشاعرهم وتوقهم العميق للسلام والحياة الكريمة بطريقتهم الإبداعيّة الرّاقية، وقدّم المحرِّر الفنّانين والفنّانات قبل عرض لوحاتهم، حيث شارك في هذا الملف الإبداعي كلّ من: د. نزار صابور / سورية،  صدرالدِّين أمين / العراق – أميريكا، كابي سارة / سورية – السُّويد، د. جمال بدوان / فلسطين – أوكرانيا، سامويس / العراق – السُّويد، جان استيفو / سورية، ناصر خانة / العراق، رنا حلمي الخميسي / العراق – بريطانيا، هدى حسين / مصر، آليرو ديلكادو فاونتيلبا / تشيلي – السُّويد، إيلينا مورينو / الأرجنتين – السُّويد، آنيت كلينكه / السُّويد، وإختتم المحرر صبري يوسف / سورية – السُّويد، المجلّة بمجموعة لوحات تدعو إلى الحبِّ والفرح والسَّلام بين البشر كلّ البشر!

وُلِد المسيح.. هللويا/ أنطوني ولسن

عندما يحتفل البشر باعياد ميلادهم.. طبيعي لا بد من وجود المحتفى به ساعة ويوم الاحتفال.. أليس كذلك؟!!

طبيعي  ستكون الاجابة.. نعم لا بد من وجود من نحتفل بعيد ميلاده.. على الاقل موجود بين أهله وعائلته وصحبه. فهل عندما نحتفل بعيد ميلاد المخلص الرب يسوع المسيح حقيقة يكون موجودا وسطنا؟!!

استطيع وأنا اكتب الآن ان اسمع منيقول لي.. نعم.. وإلا بمن نحتفل ونحتفي بعيد ميلاده!!.. أعود وأسأل.. هل حقيقة نفرح ونحن نحتفل ونقول عيد ميلاد يسوع المسيح ونهلل بفرح عظيم ونقول هللويا؟؟!! وهنا سيصمت الجميع.. لأننا في الشرق نقول عيد ميلاد مجيد.. دون ذكر اسم الذي نحتفل به.. وفي الغرب يقولون Merry Christmas   دون ذكر اسم المحتفى به يسوع المسيح.. وهذا خطأ وقع فيه المسيحيون في الشرق والغرب نسوا او تناسوا اسم المسيح الذي تجثو له كل ركبة على الارض وفي السماء، واهتموا بسانت كلوز في الغرب وبابا نويل في الشرق، واين اسم المسيح حتى في المحافل الدينية!!!.. لا يوجد مع الأسف!!..

يا ريت الأمر عند هذا الحد فالعيد يأتي مرة واحدة كل عام ان كان في الشرق او الغرب.. انما الأمر يتعدى الى ايماننا المسيحي الذي اختزلناه وشطبناه من حياتنا في الشرق وفي الغرب.. فيمصر تميزنا وعرفنا بالاقباط.. وكأن هذه الكلمة تحمل اسم الايمان المسيحي.. وفي لبنان عرف المسيحيون باسم  الموارنه او الملكين او الارثوذكس ولا اي منهم فيه ذكر المسيح او المسيحية.. وفي العراق مثلا كلدانيين او...الخ... فأين ما نفتخر به من ايمان؟!!.. لا أعرف!!..

بل ان اسماء كنائسنا الغربية والشرقية لا تحمل اسم المسيح غير كنيستين تحمل احداهما كنيسة المسيح  الآخرى تحمل اسم  Church of The Latest day Saint of JESUS CHRIST.  وهذه الكنيسة تصنف على انها بعيدة عن الايمان المسيحي القويم مثلها مثل بعض الكنائس الاخرى الدخيلة على المسيحية.

اما كنائس المؤمنين فلا تذكر اسم المسيح.. على سبيل المثال لا الحصر كنيسة القديسة العذراء مريم القبطية الارثوذكسية.. الكنيسة الانجيلية.. كنيسة القديسة العذراء مريم الكاثوليكية. وبالنسبة لمصر يمكن اضافة القبطية قبل الكاثوليكية.. الخ من كنائس لا تحمل اسم من فادانا وخلصنا بدمه الغالي الثمين لتكون لنا حياة.

فهل هذا يليق بملك الملوك ورب الأرباب والمخلص؟!! وهل يستيقظ الغافلون من باباوات ومطارنة وقساوسة وخدام للأنجيل على مستوى العالم ولنبدأ من الشرق المنير للتصحيح من خطأ غير مقصود؟!! أتمنى هذا.. لأننا لو صححنا هذا الخطأ وأعلنا عن مسيحيتنا بوضع اسم المسيح فوق وقبل اي اسم آخر مهما كانت قدسيته او طهارته.. سنستطيع كافراد ان نفتخر بالمسيح وصليب المسيح وتكون لنا حياة.

ولد المسيح، وفرحت السماء، وهللت الملائكة وخاف من خاف من البشر عندما علموا بمولده.

ولد المسيح ولم يحتفل به أحد في ذلك الزمان، لأنه ميلاد طريق «الجلجثة». ولد ليموت معلقا فوق خشبة الصليب وهي عار عند الشعوب القديمة في تلك الفترة وفي تلك البقعة من الأرض. اذن ولد ليسير في طريق العار.. طريق الصليب. ومع ذلك فرحت السماء وهللت الملائكة بمولده، وترنمت بأحلى الترانيم. لان مولده هو مولد الخلاص للبشرية، هو الطريق الى السلام بين الله الاب الذي في السموات، والبشرية التي اغلقت في وجهها أبواب السماء منذ خطيئة آدم إلى مولد المخلص.

مات المسيح على الصليب، لكنه قام و بقيامته كسر شوكة الموت «أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية». تمّ الصلح بين السماء والأرض، وأنشق حجاب الهيكل، قبل الآب الذبيحة الأبن، وصار للأرض خلاص..

مولد المسيح له المجد الدائم.. هو ميلاد الخلاص للبشرية، وهو الطريق لهذا الخلاص الذي كانت نهايته تلك الخشبة المعلقة في «الجلجلثة» والتي صلب عليها المسيح، وسفك دمه الكريم من أجل خلاصنا . لكن تحول الاحتفال بمولد المسيح من الاحتفال بالخلاص الذي تم على الصليب، الى الاحتفال باللهو والعربدة و «شيل» الهّم.

فرحة الخلاص حل محلها كآبة التفكير فيما سأشتري من هدايا ان كان لزوجتي او زوجي واولادي، او للأهل والاصدقاء. ونقول لبعضنا البعض  Christmas Merryوكلمة Merry تعني الدوار الذي يبدأ في الرأس، وأستدين لأرضي الاحتفال بالعيد.. مع من سأحتفل؟ من أرضي ومن أغضب؟ إن لم اذهب الى بيت العائلة فأنا ابن عاق. واذا ذهبت الى بيت عائلتي، ماذا عن زوجتي وعائلتها؟ اليس لها حق في ذلك؟ واذا حاولنا تجميع اكبر عدد من العائلتين تجد رأسك يدور حول من تدعو ومن لا تدعو، لان هذا مزاجه لا يتفق مع ذاك؟.

المرتب بسيط ومطالب «الكريسماس» باهظة، اهرب من هذا الدوار بدوار آخر تأثيره فعال في الحال، حتى لا أشعر ان كنت قد أرضيت هذا وذاك وتلك أم لا، وحتى أنسى ما استدنته من مال لأواجه مطالب هذا «الكريسماس» المكلف.

ارتمي الى الكاس ارتع منها واشرب حتى الثمالة. اشعر بالـ Merry الحقيقي، دوار ودوار، ودوار ..يخلصني الكأس من دوار الكريسماس بدوار آخر، قد ينهي حياتي وأنا اقود سيارتي عائدا من هذا الحفل أو ذاك.

قد أريح عائلتي ايضا من التفكير في الكريسماس القادم. وقد أريح احد ابناء هذا العالم الذي شغلهم الـ Merry عن الـ Happiness الحقيقية فأصدمه بسيارتي ونذهب جميعاً الى مكان اللاعودة واللادوار واللاكريسماس، واللا وجع للدماغ بالتفكير في الهدايا وشيل الهم، واغضاب من ومصالحة من، ومع من أقضي الكريسماس أو ابتعد عن مَن.

نسي لعالم معنى الكريسماس. نسي أنه الطريق الى الخلاص، نسي العالم ان صاحب هذه الذكرى لم يحتفل به احد لأنه فقير وهو الغني. وقد عاش كانسان عادي بين الناس يريهم ملكوت الله على الأرض. صُلب على الصليب من أجل خطاياهم مقدما ذاته ذبيحة وقرباناً.

فهل يسعد المسيح بطريقة، احتفالنا بالكريسماس؟

هل يرضيه ما هو عليه العالم هذه الأيام من حروب ودماء واغتصاب وضياع حقوق ومجاعات وزلازل وخراب؟ هل يرضيه أن لا يشعر بالأمان والاستقرار والعيش الهني فيلجأون الى المخدرات والجنس الرخيص هربا من شبح الموت الجاثم فوق صدورهم والمعشش في عقولهم؟ هل يرضيه أن يقتل الأخ اخاه، ويسرق الابن أباه، وتبيع الأم بنيها وتهرب من مسؤوليات الحياة؟

هل يرضيك يا يسوع يا مخلص الجموع ان يوقد لك الاطفال الشموع، بينما يشعل الكبار فتيل النار ويقتلونهم حرقا أو بالجوع؟

لا أظن، ولا يظن كل عاقل مفكر حكيم.. الاحتفال الذي يرضي صاحب العيد هو الاحتفال ببهجةخلاصنا ومسح دمعة أم تبكي ومساعدة محتاج وتغطية عريان وزيارة مريض.

هل نذكر أسم صاحب الاحتفال الرب يسوع المسيح ونقول وُلِدَ المسيح..  ويُرد علينا.. هللويا..؟

هل يفيق رجال الدين المسيحي بمختلف الطوائف والعقائد ويضعون اسم المسيح قبل أي اسم آخر بشري مهما كانت قدسيته وطهارته عند التعريف بالكنيسة؟.. لأن مما لا شك فيه الخالق يأتي في المقام الأول قبل المخلوق.

وهل تعرف الشعوب المسيحية في العالم ان الفخر والاعتزاز باسم المسيح يأتي في المقام الأول ليعرف العالم من نعبد وبمن نؤمن؟!!.. وأخيراً.. هل تحل كلمة مسيحي بدلا ن كلمة قبطي او قبلهاعندما نتحدث عن انفسنا ونخبر الناس بمن نكون؟؟

هنا يفرح صاحب العيد ويجعلنا نشعر بالسعادة الحقيقية ويزيل الغمة التي تكتم أنفاسنا، ويعم الأمن والسلام والأمان والاطمئنان هذا العالم.

في عيد القيامة يقول بعضنا لبعض .. المسيح قـــام ... ويكون ردنا ... بالحقيقة قــــام .

فهل من الصعب في عيد الميلاد يقول بعضنا لبعض ولـــد المسيــــح ... ويكون ردنا ... هللــويــــا .

فهل يمكننا فعل هذا؟ أتمنى أن تساعد الكنائس في فعل هذا العمل العظيم وتصحيح الخطأ الغير مقصود . وكل عام وانتم متمتعون بنعمة الرب يسوع المسيح، الذي نحتفل بعيد ميلاده ونقول.. وُلد المسيح.. هللويا..

آمين.

أين هي بشائر المصالحة الوطنية الفلسطينية؟!/ شاكر فريد حسن

تناقلت وسائل الاعلام المختلفة خلال الأيام الماضية أخبار وتسريبات ومعلومات ،  عن وجود نوايا جدية لتحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي "فتح " و" حماس"، والاتفاق بينهما على تشكيل حكومة وطنية ، في اعقاب اللقاءات والاتصالات المكثفة التي جرت بين الطرفين ، واثر المكالمة بين الرئيس محمود عباس وحالد مشعل ، ولكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات بصورة رسمية وقاطعة ، وهناك من تنصل منها .
في حقيقة الامر اننا لم نعد نثق او نصدق ما تبثه وتروجه وسائل الاعلام والصحافة المطبوعة والالكترونية بخصوص المصالحة الوطنية الفلسطينية . ونحن أبناء الشعب الفلسطيني أصابنا الملل والاحباط جرّاء عدم انجاز وحدة الوطن والفصائل ، وتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة منذ زمن بعيد . ومنذ حصول الانشقاق في الصف الوطني واقامة امارتي غزة والضفة ، ونحن نسمع عن "بشرى" تحقيق المصالحة ، ورغم القنوات الحوارية والمبادرات العربية والضغط الشعبي والحراك الشبابي في الشارع الفلسطيني لانهاء هذا الانقسام المدمر ، الذي لا يستفيد منه سوى الاحتلال ويخدم مشاريعه الاستيطانية ، الا أن شيئاً لم يتحقق على ارض الواقع  ، وكل ما سمعناه ولا نزال نسمعه ويتناقله الاعلام هو هراء وسراب وفقاعات في الهواء ، ومجرد تصريحات ليس الا ..! .
ان انهاء الانقسام هو احدى الركائز الأساسية لاستمرار الكفاح الوطني الفلسطيني ، ولا يمكن لشعب يقاوم بطش الاحتلال ، ويناضل للخلاص منه ونيل الاستقلال الوطني واقامة دولته المستقلة ، تحقيق أهداف ثورته ونضاله  وهو منقسم على نفسه ، وممزق وطنه ، ومقطعة اوصاله ، وتنقصه الاستراتيجية المشتركة ، والموقف السياسي والنضالي الموحد ، والهدف الواحد .
ان شعبنا الفلسطيني وقيادته أمام انعطافة هامة وتحدٍ كبير ، في ظل فشل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ، فإما طريق المصالحة والوحدة الوطنية وتحدي الاحتلال أو مواصلة الصدع والانشقاق والشرخ في الساحة الفلسطينية . والمشهد الفلسطيني الراهن ، وما يواجهه شعبنا من عدوان استيطاني متواصل ، وعمليات قتل واغتيال - كما حدث بالامس في مخيم جنين - يتطلب نبذ الفرقة والخصام وانهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ، وعزل كل المواقف والتصريحات الانقسامية ، وتعزيز المواقف الوحدوية ، وتكثيف العمل الفصائلي الموحد ، فهذا هو السبيل لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من حرية واستقلال تحت العلم الفلسطيني . 

إسرائيل والسعودية تحالف علني/ راسم عبيدات

العلاقات السعودية – الإسرائيلية  خاصة والخليجية الإسرائيلية عامة،كانت تجري بالسر والخفاء،وتسارع الدول الخليجية الى نفي مثل هذه العلاقات واللقاءات التي تجمع مسؤوليها السياسيين والأمنيين مع نظرائهم الإسرائيليين،وعلى سبيل المثال لا الحصر شهدنا مثل هذه العلاقات،عندما طلبت قطر  إذنا خاصاً من اسرائيل لهبوط طائرة وزراء الخارجية العرب في مطار بيروت الدولي أثناء عدوانها على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006،ونحن هنا بصدد الحديث عن خروج العلاقات  واللقاءات السعودية – الإسرائيلية إلى العلن،ولتأخذ بعداً اكثر من التنسيق،لتصل مرحلة عقد التحالفات،وبرز ذلك بشكل جلي وواضح أثناء التهديدات الإسرائيلية لإيران قبل ان يجري الإتفاق بينها وبين مجموعة الست،حيث جرى الحديث بأن السعودية ستفتح مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية لضرب منشآت ايران النووية،ولكن التطور الأبرز واللافت،والذي دفع بالعلاقات الإسرائيلية-السعودية الى حد التحالف وعلى رأي صحيفة امريكية حد التزاوج،هو ما حصل في قضيتي الملف الكيماوي السوري والنووي الإيراني،حيث أمريكا لم تستجب لتوسلات السعودية،ولا إغراءتها المادية الكبيرة بتحمل كل نفقات الحرب على سوريا،من أجل ضرب سوريا واسقاط النظام هناك،وكذلك عقدها للإتفاق مع ايران دون معرفة السعودية حول ملفها النووي،الأمر الذي دفع بالسعودية واسرائيل الى التخبط والحرد،فالسعودية رفضت إلقاء كلمتها في الدورة السادسة والستين للجمعية العامة،واعتذرت عن قبول مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي للدورة الحالية،لتحل لاحقاً مكانها الأردن،واسرائيل أعلنت بأنها ستهاجم ايران منفرده،وأمنها فوق كل الاعتبارات والاتفاقيات،وسعيتا الى نظم تحالف جديد في سعي الى  الضغط على امريكا من أجل عدم توقيع الاتفاق مع ايران،حيث عهد الى هولاند رئيس الوزراء الفرنسي مهمة عرقلة عقد هذا الاتفاق في المجموعة السداسية،مقابل  اغراءات اقتصادية سعودية كبيرة،ولكن كل هذا التحرك السعودي- الإسرائيلي لم يجد نفعا في منع هذا الاتفاق،مما حدا باسرائيل والسعودية للتصعيد من رفضهما لهذا الاتفاق ولما يحصل في سوريا،حيث مسؤول مخابراتها بندر بن سلطان التقى قادة امنيين وسياسيين اسرائيليين وزار تل ابيب،واتفقوا على التصعيد فيما يخص الساحتين اللبنانية والسورية،حيث يعهد الى السعودية ليس فقط تمويل وتدريب وتسليح وتقديم الدعم الاستخباري واللوجستي والاعلامي لما يسى بقوى المعارضة في سوريا من داعش وجبهة النصرة والقاعدة،بل يجري تدخل سعودي مباشر في الحرب الدائرة هناك،وبالفعل في عدرا العمالية دخل لواء سعودي من القوات الخاصة والقناصة،حيث ارتكب اعوان السعودية هناك مجازر يقشعر لها الابدان،وكذلك في لبنان حلفاء السعودية يعملون على تفجير الأوضاع في طرابس وشنوا حرباً متزامنه مع الإسرائيليين على الجيش اللبناني،حيث جبهتي طرابس والناقوره اشتعلتا أمس من اجل مشاغلة الجيش اللبناني،على ان يقوم حلفاء السعودية بمواصلة مسلسل التفجيرات والاعتداءات على الجيش اللبناني من اجل تفجير الساحة اللبنانية ودفع حزب الله للمشاركة في الحرب الأهلية،لكي تأخذ الصفة المذهبية والطائفية،وبما يبرر لإسرائيل التدخل من اجل توجيه ضربة عسكرية لحزب الله،معتقدة ان انشغاله في الحرب الى جانب النظام السوري قد اضعف من قدراته العسكرية.

التطور اللافت والأبرز هنا،هو اللقاء بين قيادات سياسية سعودية واسرائيلية على هامش مؤتمر عقد في امارة مانكو الفرنسية،حيث دعا عضو "الكنيست" الإسرائيلي مئير شطريت الأمير السعودي تركي بن سلطان لزيارة "الكنيست" الإسرائيلي،وبما يؤشر الى ان التحالف السعودي- الإسرائيلي يأخذ ابعادا جديدة ابعد من التنسيق لجهة رسم تحالف استراتيجي،وخصوصا بان السعودية هي من يتولى الضغط على السلطة الفلسطينية من اجل عقد اتفاق انتقالي طويل الاجل مع اسرائيل،فهذا الملف كان مناطا بقطر عندما كانت مسؤولة عن الملف السوري،ولكن نقل للسعودية بعد الفشل القطري في معالجة الملف السوري.

واضح أننا نقف امام معادلات وتحالفات وتوازنات جديدة في المنطقة،أفرزها التراجع الأمريكي،وتقدم روسيا لإحتلال موقعها،بحيث أضحى الروس قوة مقررة في مصير العالم،ولم تعد امريكا شرطي هذا العالم وقدره،وهذا جعل سعودية تعيد حساباتها في تحالفها الإستراتيجي مع امريكا،وخشيتها ان تتركها امريكا وحيدة في مواجهة ايران،يدفع بها الى عقد تحالف استراتيجي مع اسرائيل،هي واكثر من دولة خليجية.

الان عربان الخليج يقفون رعاة في استعداء المشروع القومي العربي،فها هم يكشفون عن تآمرهم بشكل علني مع دولة الإحتلال،وها هم الوهابيون يقولون بشكل واضح انهم ضد حل الأزمة السورية سلميا،وضد امتلاك ايران للتكنلوجيا النووية،يريدون مواصلة مسلسل القتل والدمار على طول الجغرافيا العربية خدمة لأجندات واهداف غير عربية ولا تخدم المشروع القومي العربي،ودولة تجلد وتتسجن كاتب أربع سنوات لمجرد مطالبته بتحول السعودية الى الملكية الدستورية علاقتها بالديمقراطية كعلاقتي بالفلك،ولا يحق لها الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا.

قضايا ثقافية: القصة بين الوعي الفني والمواعظ/ نبيل عودة

 اعتمدت في قصصي الجديدة،بعضها ضمن سلسلة "يوميات نصراوي"،  عدا الأسلوب السردي السهل لغوياً وفنياً في الصياغة، مفاهيم فلسفية متعددة، كانت بالنسبة لي سابقاً نبراساً سياسياً بالأساس، ربما أثرت فكرياً على كتاباتي الثقافية والسياسية العامة، ولكني رأيت فجأة أنني قادر على تحويل أصعب المقولات الفلسفية إلى موضوع قصصي شيق وسهل الفهم، وان القيمة الثقافية الروحية في الفكر الفلسفي الذي أسرني منذ بداية وعيي، لا يقل أهمية عن الفهم السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي، هكذا وجدت نفسي غارقاً في سلسلة كتابات قصصية أمسكتني عن أية كتابة أخرى لفترة أشهر امتدت منذ أواسط العام 2010 وحتى شهرين قبل أن نطوي آخر أيامه وتوقفت بسبب استلامي رئاسة تحرير صحيفة "المساء"  اليوميةٍ السياسية .

ما ساءني أن نخبة قليلة من مثقفين، تسبق أسماءهم صفات طويلة وثقيلة القيمة، سماعياً على الأقل،التبس عليهم المفهوم القصصي، لم يفهموا المقروء الفلسفي أو حتى الأدبي البسيط... وراحوا نحو تفسيرات هرطقية ومواعظ دينية لا علاقة لها بالفن القصصي، أو الوعي الإبداعي بصفته نشاط يؤدي إلى اكتشاف جديد، يعتمد على استيعاب أوسع ما يمكن من الثقافة الإنسانية، كشكل من أشكال الوعي الثقافي والاجتماعي، مما يعني أن بينهم وبين الثقافة (والفن بمجمله) والرؤية القصصية ومفهوم الإبداع الفلسفي، المحيط الأطلسي بكل اتساعه. 
لو جاءت الهرطقة التنظيرية من قراء عاديين، لتفهّمت الموضوع ونسبته لمسألة تطور الوعي والتأثيرات الشعبية للفكر الماضوي السائد في المجتمعات العربية.

لا بد من توضيح أن الإبداع هو حالة من حالات الوعي وليس مسألة انفعالية  كما يتوهم البعض. الإبداع يقود المبدع إلى إعادة صياغة ذاته من جديد، أشبه بولادة جديدة، هنا القيمة الإنسانية السامية للمحرك الإبداعي في المجتمع، ليس في الثقافة الروحية (الكتابة الأدبية) فقط، إنما في الإبداع الشامل للمجتمع بجانبيه الروحي والمادي، عبر تطوير الثقافة، تطوير وسائل الإنتاج ، الرقي الاقتصادي وما يتطلبه المجتمع من ضروريات الحياة العصرية المتطورة.

حتى في القصص البسيطة والساخرة، مثلا قصة: "حتى يهديهما الله" .. هناك فكرة فلسفية بسيطة عن "فشل التفكير المنطقي" لدى بعض الناس (استمرار بطل القصة  في شرب الخمر بحجة انه يشرب عن صديقيه)... وليس مجرد لسعة فكاهية. أو غمز ضد الدين، كما تفلسف بعض الجهلة وراحوا يحفرون أنفاقاً فكرية توصلهم إلى زمن لم يعد يربطنا به إلا حكايات تاريخية هناك شك بصحتها أيضا..!! 
المضحك أن ناقد حصيف "أوضح" لي أن الخمر محرمة، ليس لشاربها فقط، بل كل التعامل "الثقافي" حولها ولا يجوز الكتابة عنها إلا بالذمّ وتصوير مفاسدها. 

مثلا في قصة أخرى تحمل اسم "أرملة على الشاطئ" انتقدتني إحدى "المثقفات" الكبيرات، لأن الأرملة، بطلة القصة، تخرج للبحث عن علاقة جديدة قبل مضي أربعين على وفاة زوجها وان الدين يقول "كيت وكيت". رغم أن القصة تعالج ما يسمى "المنفعية"، أي فيها نقد للفكرة القائلة إن "الهدف يعطي للوسائل المتبعة مصداقيتها"   وان "المصداقية الأخلاقية لتصرُّفٍ ما تتقرر بناء على النتائج". بالطبع أنا لا اطرح رأيي إنما أقدم حالة قصصية – اجتماعية ساخرة، لو كانت "المثقفة"، أمدها الله ببعض العقل، تفهم المقروء لما التجأت إلى نصوص دينية لتصويبي، حتى "أُصوّب" الأرملة في تصرفاتها. أي أن القصة حسب هذا الفهم الضيق، هي دين وعبادة وشريعة ومواعظ وقيود متزمّتة وانغلاق فكري وإنساني.. والكاتب يجب أن يستأجر مفتياً (وما أكثرهم) ليظل على صواب في كتاباته..

اعتمدت في الكثير من القصص الجديدة، على طرف سمعتها وشكلتها كما يلائم جو القصة، لكشف مضمون فلسفي عميق في معناها!!

ليس من المتبع أن يفسر الكاتب أفكاره.. أي أن يقدم اللقمة كاملة الهضم للقارئ، أو لنقاد لا يفهمون فلسفة المقروء.. أنا لا أكتب للتسلية كما اتهمني ناقد حصيف. يبدو أن الكثيرين من حملة ألقاب كبار المفكرين، كبار النقاد وكبار الكتاب، لا يختلفون في "فشل تفكيرهم المنطقي" عن القارئ البسيط. على الأقل القارئ العادي يجد ما يلفت يمتعه (وهذا بحد ذاته ضمن شروط اللعبة القصصية وفن القص).. أما بعض "الكبار" فيدعون أن قلمهم "شرفني" حين كتبوا عن قصة لي وإنهم عادة لا يكتبون إلا عن "كبار الأعمال" والبعض لم أقرأ ما كتبه لأنه حولها إلى خطبة دينية مكرّرة مملّة مستعرضاً عضلاته في حفظ النصوص الدينية وسرد الممنوعات حسب تفكيره القروسطي.. وجميعهم بالتلخيص الأخير يثبتون جهلهم الثقافي واللوجي (العقلي المنطقي) والتباس مرضي لمفهوم القصة تحديدا  والأدب عامة وفلسفة الثقافة والقدرة على التفكير بمنطق ثقافي، وليس بآلية مبرمجة بعقلية قتل "الميكي ماوس"، كما أفتي أحدهم بحماس وعصبية!!

عندما لا أعرف شيئا عن الكاتب وآفاقه المترامية الأطراف، وتجربته الحياتية والثقافية، لا أستطيع أن أضعه في خانة وأبدأ بإطلاق الأحكام (الرصاص) عليه!!

فقط في ثقافتنا العربية هذا الأمر جائز لأننا بصراحة نعاني من أمية مثقفين وانتشار طبقة متثاقفين "يعرضون محاسنهم" مثل بعض نجمات الفضائيات  ويا ليت محاسنهم بنفس المستوى  لكُنَّا عذرناهم!!

إن مفهوم البعض للقصة يعاني من قصور فكري. القصة قادرة أن تحل مكان مقال سياسي أو فكري، مكان تحليل اجتماعي أو أخلاقي، مكان رؤية مستقبلية، مكان كتابة نقدية في مجالات متعددة  وليس في مجال الإبداع الروحي فقط.

المشكلة تتعلق كما أراها بتطوير قدراتنا القرائية، تطوير وعينا ومعارفنا حول عالمنا وحضاراته وخروجنا من حالة الشلل الحضاري والإبداعي بمفهومه الإنتاجي – إنتاج الخيرات المادية لسعادة المجتمع  وليس الإبداع الروحي فقط.

القصة كما أرى، تجاوزت مرحلة التسلية إلى مرحلة الوعي والفكر، وهذا لا ينفي متعة القراءة، بل يضاعفها بمفهوم أن مخاطبة القصة للوعي الانساني، تضاعف متعة القراءة بسبب الإضافة الكبيرة لمضامين النص إلى جانب الحس الإنساني للقارئ.

الرسائل التي تصلني تحمل الكثير من الملاحظات الممتعة والجادة وبعضها أفادني إلى أبعد الحدود، بالطبع هناك كبار المفكرين (الذين شرفوني بالكتابة عني) أثبتوا أن فكرهم وفهمهم يعاني من التباس وعُقَد تحتاج إلى عيادة طبيب نفسي وليس إلى عيادة كاتب مثلي لا يملك إلا تعميق ضياعهم الفكري وشططهم العقلي.
nabiloudeh@gmail.com

فاطمة يوسف ذياب تحاور قصيدة سَماويّةُ غُوايتي لامال عواد رضوان

قصيدة "سماويّة غوايتي"، من ديوان "سلامي لك مطرًا"، للشاعرة آمال عوّاد رضوان.
عزيزتي آمال الشاعرة.. هكذا أنتما، بينَ ضباب الأفق ولقاءِ الغياب، تتناغم لديكِ الفصولُ، تسكبينَ الحرفَ وجعًا (تحُفُّهُ هالةٌ مِن سُكون)، وفي غفلةٍ تتزاحمُ الصّورُ البلاغيّةُ في (مِحرابِ لحظة)، قد يكونُ هو الملاذُ الأخيرُ لطفرةِ الوجعِ في بناءِ النصّ، برقّةِ عتابٍ وقسوةِ عقابٍ (لموت أو حياة)، تُحاولينَ الهروبَ إلى الأمام، إلى نصٍّ سحريٍّ أخّاذ.. هو النصُّ الّذي مِن خلالِهِ تُجابهينَ (أسرابَ السراب)، حين (لا يُجدي سؤالُ السلوى سرابا)، (وصليلُ صمتِكِ.. غفوةُ ليلٍ)، ما بينَ جرارِ الأمسِ الآتي. 
بهفهفةِ قلبٍ يَنبضُ بعشقٍ أسطوريٍّ لمُراوغةِ الأبجديّةِ بلغةٍ عصيّة، قد تُثقلك شيفراتها، ولكن، ما تلبثَ أن تفردَ القصيدةُ بِساطَها الحريريّ، مُعطّرًا بعشقٍ لازورديٍّ مُخمليٍّ، تضعُهُ آمال بينَ أنفاسِكَ وأنفاسِ القصيدة، وحتّى أنفاسِها هي ككاتبة، مِن رحمِ حُروفِها تولدُ الأنفاسُ الأخرى، مُترَعةً بهذا العشقِ الخرافيّ، في مناجاةٍ روحيّةٍ ملائكيّة. 
(أسكبيني).. أين؟ (بزبَدِ ضياعي).. (ولا تسقِنيها)! هكذا نقفُ بدهشةٍ مأخوذينَ باللوحةِ الشعريّةِ مِن ذاتِها، بتأمّلٍ لغويّ يَفيضُ مِن مُنحنياتِهِ إلى الينابيعِ الأخرى، حيثُ نرى الأملَ لديها (شقيًّا حين يَثملُ)، وبَعدَها نجدُهُ أيضًا قد غادرَ بُرجَهُ العاجيَّ، ونزلَ مِن عليائِهِ، ليُخاطبَنا بلغتِنا السهلةِ المُتمنعة..
(أنتِ.. وَ حْ دَ كِ:/ وَجْدُ.. وَحْدي/ عِطرُ.. عُمْري/ مَسْرَحُ.. جِنِّي)، وسرعانَ ما تسحبُنا إلى علياءِ الحروفِ ورمزيّتِها، فنرانا نلهثُ مِن جديدٍ كي نستكشفَ ألمًا وراءَ حرفِها: (اِزْرَعي سَكرةَ دمي/ بِخيالاتِ الفرَحِ/ شاغِليني بِمُرِّ عَفوِكِ/ لِتَفيضَ أقمارُ عَينيْكِ/ نورًا.. بَخورًا).
هكذا نرانا ونراها مُوزّعةً ما بينَ ذاتِها وذاتِ القصيدة، بحروفٍ مُتناغمةٍ معَ الرّوحِ والجسد، مُنصهرةٍ في الثنايا والخلايا، مُشفّرة حينًا، ورقراقة شفافة حينًا آخر. هكذا تظلّ آمال تَدورُ في أفلاكِ النصّ، بوحدةٍ هي (عطر عمر)، مِن (نور وبخور)، تسكبُهُ (على هِضابِ الحُروفِ)، ومن ثمّ تقومُ بقذفِها إلى (ضِفافِ صوْمعةٍ/ يُضمِّخُها موّالٌ كئيبٌ).
إذن؛ نحنُ أمامَ شاعرةٍ صدفيّةِ الحروفِ والنثرِ، وولادةُ القصيدةِ لديها تحتاجُ إلى أطولِ فترةٍ مِن الحمْل، قبلَ أنْ تفجِّرَها بميلاد، (ينبوعًا من نورٍ وبخورٍ)، وحينَ يحينُ القطافُ بعدَ (سفوح الترقّب)، نراه (يتدحرجُ) كما (ثمارُ الفرحِ في سِلالِ اللحظاتِ).
وهنا فقط، تُقدّمُ لنا آمال بطاقةَ دعوةٍ بخيَلاءَ وكبرياءٍ وغنجٍ ودلالٍ.. (تعالَيْ تتبّعي رفيفِيَ العسَليَّ). رفيفٌ وعسل؟ غذاءُ الروح والجسدٍ، يأخذنا إلى الأصلِ، إلى خليّةِ نحلٍ فيها مبنى القصيدةِ هو المَلكة، وأدواتُها هُم الشغّالات في خليّة النصّ..
إذن آمال الشاعرة لا تُلقي القصيدةَ على عواهنِها.. فالقصيدة حَمْلٌ ومخاضٌ يمرُّ بعدّةِ مراحل، قبلَ أن تقذفَها مِن رحم نصّ.. إنّها تُطوّعُ الصورَ الشعريّة مِن حولِها، بكلّ ألوانِها السوداء والرماديّة أيضًا.. حيث تجعلُها تطوفُ (حولَ يعاسيبِ الصوت)، والصوتُ هنا هو بناءُ القصيدةِ المُتكاملة.
(بلسانِ القلمِ اليَصهَلُ)، وهذا الاستخدامُ الحداثي لألـ التعريف في الـ يصهل، نوعٌ مِن أنواع الشقاوة الشعريّة، ظنًّا أنّها تزيدُ مِن عددِ أوتارِ العودِ بوَتر، يَختلف عن كلّ الأوتارِ الشرقيّة المعتادة، قد يَستسيغُها البعضُ قراءةً، ولكنّي أنا التي اعتادتْ أسلوبَ السهل الممتنع، رأيتُ في الـ يصهل لحنًا مباغِتًا يأخذني مِنَ الاسترسال، ولكنّها كما ذكرتُ، تعودُ لتُرخي حبالَ غوايةِ النصّ بـ (أحبُّكِ.. خليّةَ القلبِ لاغِفيها)، وتتهجأ هيهات، تقطّعها، وكأنّي بها هي القصيدة الأنثى، ترجوها آمال أنتِ: (تملئينَ الخواءَ بشهدِ بنفسجِكِ)، هكذا تبغي من القصيدة أن تحتويَ الخواءَ ببنفسجها اللفظيّ، الذي تُودِعُهُ مكنوناتِ الروحِ والقلب، وحتّى الجسد.. 
وأمّا (عندِليني)، أي اجعلي منّي العندليبَ، أو كوني أنتِ عندليبي الذي يُغنّيني.. ويُثير الغناءُ انتباهَ الهزار.. وهذا مُنتهى الرجاء الذي يَرجوهُ الشاعرُ مِن خلال القصيدة.. حضورُ النصّ ما بينَ فعلٍ وردّ فعل.. نعم، بكلّ ثِقلِها حاورتِ الشاعرةُ ذاتَ القصيدة، فمرّة تُحاورُها ومرّةً تؤنّبُها، وحينًا تُجادلها وأحيانًا تُواجهُها.. 
(لا تندثر بزوابع الأحزان)، ونراها تعترفُ أنّ القصيدةَ هي راعيةُ الفؤاد في نصٍّ مُتفجّرٍ بالعواطفِ والرمزيّة.. كأنّها عروسٌ بعباءةٍ وبخِدرِ عذراء حريريّة، تتدثّرُ آمال القوافي (غزالة في مراعي الغزل)، وترنو إلى ما بعد حدود الفضاء، كي (تُغافلَ وسَنَ الأنجم) في تواثبٍ وهّاج، (فوقَ انسكاب الرّوح روحك).
وحين ذاك، تعود آمال الى جلدتها الكروانيّة، (حيث ترعرعت ببيت موسيقيّ)، عايشت الكلمة المُغنّاة.. حيث ينسكبُ البوحُ لديها على (رنين كأسيْن)؛ هي وذات القصيدة.. في عناق سرمديٍّ نرجسيّ.. يأخذنا من ذواتِنا، ويَجعلنا نقفُ أمامَ هذا التجلّي، في حضرة وعيٍ مُطلَقٍ، تُطوّقُهُ آمال كوشاح مِن لهيب، على جيد بردٍ مُتأجّج.. يُرسلها إلى لحظاتٍ من انعتاق الروح والقافية، والكلمة التي تستلّها أنغامُ قدسيّةِ الابتهالات.. كما أنّها مَلَكًا نورانيًّا (يقدحُ سحابي قزحًا)، أو كما لو أنّها (العصا السحريّة تزرع النجوم) في الألوانِ الكالحة.. (ويهزّ فيافيَ الوجدِ مهدُ الوجد).
إنّها مخاطبة تريدها الشاعرة أن تكون النبراسَ في (أروقة اليأس)، تريدها كذلك (رحمة تتسربل أرجوان الوجع) طاهرة، تصلُ بقدسيّتِها إلى فجرِ صلاتِها (بخشوع همسة)، (تُرتّق الجراحَ النرجسيّة)، (من زغاريدَ تودعها مناقير فرح الحنين). 
عزيزتي الشاعرة آمال- يا صدفيّةَ الحروفِ والنثر، هكذا تمتشقينَ البلاغة بسماويّةِ الحروف، تُسافرينَ ونسافرُ معكِ في رحاب النصّ المُتوتّر حينًا، والملائكيِّ أحيانًا أخرى.. برمزيّةٍ مُتعاليةٍ، وبخيلاء ممتعٍ يُخاطب كلّ هوامشِ القصيدة في رحمِها، وعند مخاضِها، وعند انطلاقتِها سماويّةً بغوايتِها....
تحيّاتي أيّتها الشاعرة المتوثّبة المُتحفّزة دومًا ..
فاطمة يوسف ذياب (فاطمة اليوسف) كما تعرفني مدينتي
سَماويّةُ غُوايتي- لآمال عوّاد رضوان
في ضبابِ الأُفُقِ الهاربِ منكِ
تَتناغمُ فُصولُ الحزنِ الفرِحِ؛
بينَ لقاءِ الغيابِ.. وَ.. غيابِ اللّقاءِ
يَلوحُ مَعبدُ روحِكِ تُحفةً
تَحُفُّهُ هالةٌ مِن سُكون
يَفوحُ في انسِكابِ ندًى..
شَوقٍ .. عَطِرٍ
وَفي مِحرابِ اللّحظةِ
تَجثو أَحلامُ كافرٍ
تَتزاحمُ في غَفلةٍ مِن غُروبِ إيمان
مَلاذِيَ
- في عِتابِ المَوتِ وَعِقابِ الحياةِ -
كَفْكِفي حورِيَّاتِ المُقَلِ بِندى كَفَّيْكِ،
وَلا تَسْليني؛
حينَ لا يُجْدي سُؤالُ السَّلوى سرابًا
ساهِريني
على صَليلِ صَمتٍ
تُناكِفُهُ غَشاوةُ غَفوةِ اللّيلِ
غَافِلي نوافِذَ هَذَياني التَتراقصُ بِهَفهَفَةِ رِقّتِكِ..
يا مَنْ كُنتِ جِرارَ أَمسيَ الآتي
وَغَدوْتِ أَنفاسَ غَديَ الماضي
اُسْكُبيني
في كأسِكِ الطّافحِ بِزبدِ ضَياعي
وَلا تَسْقِنيها
آآآآآآآآآآآآآهٍ
ما أشْقاهُ حينَ يَثمَلُ الأملُ..
أنتِ.. وَ حْ دَ كِ:
وَجْدُ.. وَحْدي
عِطرُ.. عُمْري
مَسْرَحُ.. جِنِّي
اِزْرَعي سَكرةَ دمي بِخيالاتِ الفرَحِ
شاغِليني بِمُرِّ عَفوِكِ
لِتَفيضَ أقمارُ عَينيْكِ
نورًا.. بَخورًا
على هِضابِ الحُروفِ..
تَراذذي عطورَ أَملٍ
على ضِفافِ صوْمعةٍ
يُضمِّخُها موّالٌ كئيبٌ

أَيا راعيةَ حقولِ القلبِ: أَما حانَ القِطافُ؟
على سُفوحِ التّرقُّبِ
تونِعُ ابتساماتُ براعتِكِ يراعًا
تَتدحرَجُ ثمارَ فرَحٍ
إلى سلالِ اللّحَظات
تعالَيْ..
تَتبّعي رفيفِيَ العَسلِيَّ
إلى مِنحلَةِ الصَّفاءِ..
هذا الأسوَدُ النّاصِعُ بِكِ
رَمادُ مارِدي
تَطوفُ من حولِهِ يَعاسيبُ صَوتِكِ
تَبلُّ بِحنانٍ
لسانَ القلمِ اليَصْهلُ: "أُحِبُّكِ"
خليّةَ القلبِ لاغِفيها
هَيْهات... هَيْ... هَااااات...
تَملئينَ خَواءَها بِشَهدِ بَنَفسجِكِ
عَنْدِليني بِلفتاتِ هَزارِكِ..
لا تُ مَ زِّ قِ ي شِغافِيَ بِطَنينِ الخوفِ
لِئلاّ أَندثِرَ في تَزوْبُعِ الأحزانِ 
*
أَيا راعيةَ الفُؤادِ
سرِّحي غزالةَ قلبي شادِنًا
في مَراعي الغزَلِ
لأُغافِلَ وَسَنَ النّجومِ
لأَنْجُمَ سَماءَنا بِقُبلِ أسمائِنا
تَتَشابكُ لثْمًا
تَتواشَجُ وَهجًا
فوقَ انسِكابِ روحِكِ
شُعاعاتُ سَحَرٍ ناعسةٍ
تَغمُرُ عيونِيَ
تَنهمِرُ موسيقا تَتغنْدرُ
تَهفو في انسِيابِ البوْحِ
على/ إيقاعِ رَنينِ كَأْسيْنِ توّاقيْنِ للعِناق 
أَباريقُ روحي مُترَعةٌ بِكِ حتّى الجَمامِ
تَطفحُ حُبًّا.. تَرشحُ شِعرًا..
وَيْحي إنْ تَحترِقْ أسرابُ عَنادِلي
في اشتعالاتِ بوْحِكِ
أيّتُها الضّوءُ الغمامِيُّ
اِخْتالي بهاءً في بَهوِ إلْحادي
لا تَسخري بِتَرانيمِ طُهرِي المَجروحةِ
بَلِ اقطُري بُؤبؤَ حياتي بِعَذبِ العذابِ
لوِّنيني... مزِّقيني...
طرِّزيني برحيقِ هَواكِ
لَملِمي سُبحَةَ آلامي تَعويذةً
تُرصِّعُ صدرَ لوْعتي
وَتَبختري نِداءً يَهجعُ
في حناجِرِ ليليَ المَبحوحةِ 
*
أيا سَماوِيَّةَ هُيامي
اِغزِلي وُشاحَ لَهيبي
طوِّقيهِ على جيدِ بَرْدِكِ المُتأجّجِ دوني
لأَنسَلَّ إِلْهامًا إلى حيثُ روحِكِ
وَشِّحِيني أَنغامًا بِسريرةِ سِحْرِكِ
اِعْتمِري قُدْسِيّةَ ابتِهالاتي
عَمامةَ اخْتفاءٍ 
وَسُوحِي .. ملَكًا نورانِيًّا
يَقدحُ سحابِيَ قُزحًا
أوْ .. عصًا سِحريّةً تَزْرعُني نجومًا
في بَراحِ أكواني الكالحَة 
يا طَفْرةَ النّعاسِ الأَخرس:
لآلئُ عَينيْكِ غُوايةُ براءَةٍ
تَنداحُ سحابًا ساهيًا
يَهُزُّ مَهدَ وَجْدي في فَيافي البُعْدِ
يَروي مناهِلَ عيونٍ
غاصَتْ في تيهِ المناديل
رَحمةً بي..
رَحمةً بِتمْثالٍ أَعرجَ يَتصخّرُ
يَتعثّرُ في فُجورِ فجْرٍ
تتنافرُ نبَضاتُهُ في وَهَنِ الاحتمال.. 
لا تُطفِئي مشاعِلَ الشِّعرِ الغَضِّ
في أَروقةِ يأسٍ يزحفُ خوَرًا
بَلِ انهمِري حنانًا
يَنضحُني بطُهْرِكِ
فأبرأُ مِنْ يبابي
رحمةً باليَتَسَرْبَلُ أرْجوانَ الوجَعِ؛
تَخيطُهُ إبرةُ الشّغبِ بخيوطِ الشّغفِ..
لا تُرتّقي جِراحَ نرجِسي
بشوْكِ التّمنّي
لا تُزْغِبي أجنحةَ صلواتي
بأرياشِ الحسَراتِ
اُمْسُسي واحاتِيَ الذّابلةَ
بخُشوعِ همسةٍ
ولا تَعبثي بي
بَلِ ابْعثي أعراسَ الزّقزقةِ
زغاريدَ فرَحٍ
في مناقيرِ فِراخِ الحنينِ!