الشاعر الدكتور جميل الدويهي يحيي القائد سلطان باشا الاطرش


كتب اكرم برجس المغوّش

عندما كنت احادث الدكتور الشاعر والاعلامي والاكاديمي جميل ميلاد الدويهي في مقابلات صحفية  اجريتها معه ونشرتها في الصحف العربية في سيدني وجريدة الثقافة السورية وغيرها  كنا نستعيد التاريخ العربي الشريف من خلال ابطال وقادة اشاوس وميامين وخاصة ابو الثورات العربية القائد العظيم سلطان باش الاطرش ورفاقه الابرار وكان الدكتور الغالي الاستاذ جميل ميلاد الدويهي يتابع ما اكتبه دائماً عن القائد البطل سلطان وكان يقدم البرنامج الخاص عبر الاذاعة العربية  الذي اكتبه عن سيرته الخالدة اين العروبة الان  والى اين وصلنا فقال لي الدكتورجميل لقد اعجبت بسيرة القائد  العظيم وما قدمه من اجل استقلال سورية ولبنان وفلسطين والعروبة من امجاد وانا اعشق التاريخ والابطال .

فكتب الدكتور الشاعر جميل ميلاد الدويهي نثراً وشعراً لتكون عربون تقدير كبير من موطنه اهدن الى القريّا مسقط رأس القائد سلطان باشا الاطرش بعنوان “عاشق الارض”

سلطان باشا الاطرش ،ما زال صوتاً وصدى ،ويطلع الزهر من يديه في صخور الجبل الاشم انه القائد الجبل الذي وقف شامخاً في وجه المستعمرين ولم يتردد في قرار، فقمة العزم ان يقول ويفعل وينتصر وبعد ذلك يعود الى دفء الارض،يحضنها بكلتا يديه ويرفض حياة القصور والترف ودلع الساسة ليموت في تراب الجبل الذي ارتوى بدماء الشهداء الابطال والاحرار حيث تشرق الشمس وتتبارك الحقول من عرق الايدي الخيّرة.

قرأت عن القائد البطل سلطان باشا الاطرش فتراءى لي رجل أشم قوي الارادة  يمضي الى القتال باسماً ويلاحق دبابة مصفحة  بالسيف ليحطمها وان كان التاريخ اغفل كثيراً من الحقائق عن شهامة هذا القائد الفذ واعماله النادرة فأحرى بالشعر ان يقول فيه كلمة حق ووفاء لصنف الرجال الذين يفتقدون في الليالي الظلماء وخاصة ان والده القائد ذوقان الاطرش قد استشهد شنقاً مع القادة الابطال الشيخ ابو طرودي حمد المغّوش ويحيى ومزيد عامر ومحمد القلعاني وهزاع عز الدين على يد السفاح العثماني سامي الفاروقي عام 1911 في اول قافلة للشهداء العرب في ساحة المرجة بدمشق تناساها كتبة التاريخ المزيف يا للعار :

في ذرى المجد قد رفعت نبيا
                           يا عظيم الابا وطلق المحيا  
أنت سلطان ثورة ما استكانت
                           بل أضاءت توهجاً أبديا
أي سيف تبارك الشعر منه
                          ما تربى على يديك صبيا
أو أطل من الدياجير برقاً
                          يصرع الخوف والظلام العتيا
كنت ما زلت  شامخاً مثل طود
                          يلثم الشمس أويطال الثريا
وحواليك ثلة من رجال
                      نحو ساح القتال هبوا سويا
فالخيول أصيلة والمواضي
                         كالخلاخيل زغردت في (القريّا)
غمروا الارض بالدماء فصار
                          الموت وحياً وشاعراً ورويا
من معاني رصاصهم قد ولدنا
                           أمة حرة وشعباً أبيا
عاشق الارض لم يزل في تراب
                             يزرع الورد والصباح النديا
في الحقول سمعته في البوادي
                             في سفوح الجبال صوتاً قويا
عزمه الصخر كلما زاد عمراً
                         ظل في العمر يانعاً  وفتيا
كل رمح من الرماح العوالي
                         كان يفديه باكراً وعشيا
والعباءات ظللته  فكانت     
                         فوقه العطر والغناء الشجيا
من ربى الارز جحفل قد أتاه
                            غاضباً كالرحى محباً وفيا
صاح: لبيك ثورة الحق إما
                          نسترد بها الوجود الغنيا
أو نموت على التراب فنحيا
                          كم شهيداً مضى وما زال حيا
ان سيفاً يخاف ليس حديداً
                          إنما كان عاجزاً خشبيا
عد إلينا فمذ رحلت دخلنا
                         في السلام الجبان حياً فحيا
واختلفنا على الجمال وصرنا
                          نستعيد تراثنا القبليّا
وتركنا عبادة الله فينا
                      وعبدنا إلهنا الوثنيا
كل جيش  عن البلاد غريب
                         قد هديناه رقصنا العبثيا
كل حرب قد دخلتها قد هجونا
                              خيلها السمر وامتدحنا بغيا
عد إلينا لكي نقوم جميعاً
                        نملأ الارض رهبة  ودويا
سيفك الأن للوغى مستعد
                          جرد السيف واهزم الأجنبيا
أنت ما كنت فارساً من بلادي
                             إنما  كنت مارداً عربيا

في الواقع السياسي المصري الراهن/ شاكر فريد حسن

ما يحدث في مصر الآن مشهد في غاية الخطورة وينذر بحريق هائل لا تحمد عقباه ، وهو امر توقعناه بعد عزل مرسي واسقاط حكم الاخوان المسلمين ، الذين كشروا عن انيابهم من جديد، وعادوا بوجههم الحقيقي في ممارسة الارهاب الدموي ، الذي يحفل به تاريخهم الطويل ، وذلك في محاولة بائسة وخاسرة لافشال النقلة الجديدة في مسار الثورة المصرية وعرقلتها،  والوقوف ضد تقدمها . 
لقد قلنا منذ البداية اننا مع الشعب المصري وثورته التصحيحية ، التي جاءت لتخليص مصر من حكم مرسي والاخوان المسلمين ، بعد ان تنكروا لشعارات الثورة وساروا في الاتجاه المعاكس بعد تسلمهم مقاليد الحكم ، وابتلعوا مؤسسات الدولة وعملوا على اخونتها بالقوة والاكراه ، ناهيك عن نزعتهم الاقصائية وتكفير الآخرين، وتسعيرهم التناقضات الداخلية ، وعدم تجاوبهم مع مطالب المعارضة ، وفشلهم في ادارة البلاد وعدم تقديم اي برنامج عملي لحل المشاكل والأزمات الخانقة والمشاكل التي تعاني منها الطبقات الشعبية الفقيرة الكادحة ، وعدم تحقيق اي شيء من احلام وطموحات الشعب وشعارات الثورة الأولى ، ما أدى بالتالي الى الاحتقان والغضب الساطع وانتفاض الشعب المصري وصولاً الى الطوفان البشري في الثلاثين من يونيو  .
ان مصر اليوم تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد جماعات الارهاب الاصولي السلفي التكفيري الاخواني في رابعة العدوية وغيرها من ميادين ، التي تحاول جاهدة انتزاع السلطة وتغييب ارادة الشعب، ونسخ التجربة السورية بهدف اغراق الشعب المصري في دوامة التفجيرات وعمليات القتل، واشعال حريق هائل وفتيل حرب اهلية تؤدي الى نتائج كارثية ، وتقود الى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار وتدمير مصر .
اننا نرفض سياسة واستفزازات الاخوان المسلمين المعادية للثورة  ، ولسنا مع عسكرة البلاد ، ونحذر ونرفض اي تدخل خارجي من قبل اي عناصر في الشأن المصري الداخلي بحجة الدفاع عن "الشرعية "، حيث القوات الاجنبية تطمع في تراب مصر، والنيل من سيادتها، وتمزيق صفوفها وتجزئتها وتفكيكها، وبث الانقسام والفتنة بين أبناء شعبها . فالمطلوب الآن بعد سقوط نظام وسلطة الاخوان ، هو حماية القرار المصري المستقل واستغلال قوة زحف المارد الشعبي والجماهيري، الذي اطاح بهم ، لمواصلة النهوض ومسيرة التغيير، واستعادة الدور القومي والعروبي الذي رسخه وعبّده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، الذي نحتاج له ولامثاله في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية . وهنالك فرصة تاريخية امام مصر لقيادة العالم العربي من جديد ، والتصدي لمخطط تقسيم وتجزئة الوطن العربي ، وذلك بالانحياز الخارجي للمصالح القومية العربية والانحياز الداخلي للمواقف والمطالب الشعبية .
اخيراً يمكن القول ، ان مصر تقف على مفترق طرق تاريخي له انعكاساته وتداعياته على الشعب المصري وعلى شعوبنا العربية قاطبة ، واننا لعلى ثقة تامة بأن الشعب المصري،  الذي ثار على نظام مبارك ، واطاح بحكمه،  وتمرد واسقط حكم مرسي والاخوان ، قادر على حماية ثورته الماجدة من أي ارتداد أو استغلال او تزوير أو تحريف لمبادئها ، ودحر الارهاب الاخواني ، والتصدي لكل ما من شأنه تفجير الاوضاع الداخلية واراقة دماء الشعب وتمزيق الوطن المصري ، وسوف يقرر مصيره ومستقبله في صناديق الاقتراع القادمة . 

العاشقة المكابرة/ اسحق قومي

مهداة إلى عاشقة ما

هي لغة ٌ وقصيدة ٌ ومدى...
هي دهشة ٌ ترسمُ أطرافَ أصابعي في الصقيع ِ
وتنتشي.
مهاجرٌ تنهدَ حينَ فاجأته ُ النجومُ بعريها...
أيقظتهُ قبلَ المواسم ِ...
وحينَ نامت ْ على أبواب الوعد
غاب بين الزّحام.
كأنهُ لمْ يولد لعرس الغجر
شاعراً وعاشقا..
كأنهُ لم ْ يولدْ لعناق الشهقة
مَنْ يُسكرُ  للأقحوان نشوتهُ؟!!
لمْ أعدْ في دروب ِ بهجتها مراهقاً...
تأخذني...
غريبٌ هو البوحُ...
والغريبُ مهاجرٌ ثملٌ في لجة الأزمنة...
أتذكرينَ ياقصيدة َ الوعد ِ والبوح ِ
كمْ تعرينا تحتَ أكوام ِ الثلج ِ
نبحثُ عن دفء أصابعنا المبعثرة
والدروبُ تقرأ ُ آَهاتنا المهاجرة؟؟؟؟؟؟!!!
عُرياً للمراهقة ِ للقصيدة الثائرة.
مواسمٌ وصقيعٌ
ولفافة ُ الوجد تحرقُ الذاكرة..
لا تهاجري براري العِشقَ
بيادرَ بهجتي
كقبرة ٍ ...كالحنين ِ
كالبلاد ِ التي ما احتوتكِ مشاكسة ً
أقيمي طقوسنا المتناثرة.
***
هي المحطاتٌ ...
مدنٌ ورحيلٌ تأخذنا..
هي الأوجاعُ لا تبحثُ عن عشب ِ
برارينا وبقايا أطرافنا الذابلة.
تعالي فأنا أحرقُ الوقتَ على أصابعي
والعناقُ أنا...
(سيزيف) العصور ِمحملاً بقهر غربتي.
تعالي لايهم...
كمْ من السنين ِ غادرتنا ...انطفاءً وعِشقا...؟!!!
وكمْ عاشق ٍ ودعتهُ أصابع الصقيع ِ
على أرصفة ِ المحطات ِ المسافرة ؟!!!
هي المحطاتُ........
لا تحتف ِ بذاكرة ِ الوقت ِ...
تُطفىءُ للعشق ِ درورتَهُ
طمثٌ هي البهجة ُ. الدهشة ُ..
والبكاءُ شتاءٌ في (السويد ) العاشقة ْ.
الثمي شفاهَ الأماني ورتبي الوردَ تباعاً
ونامي على وسادة الوعد
ولا تتعجلي فصول َ عِشقيَّ
كأنكِ أضعت ِ قمراً مدارياً هناكْ...
في زحام العمر ِ...
كأنك ِ النوتيُّ
على موانىء المساءات المهاجرة.
تبكينَ عاشقاً وشاعراً وزوجاً فارساً وقاهرا...
كأنكِ الصدفة ُ تكتبُ باقي  أعمارنا...
هل أنتِ التي علمتني أنْ أصنع زوارقي من الشهيق ِ..
منْ جداول العمر ِ حينَ مرني النعاسُ
صيفاً تناثرت فيه مواسم الغبار؟!!!!!
هلْ أنتِ التي عاقرتني سهراً وأناشيد الرّعاة هناك؟!!!
تعالي نامي على صدري
كطفلة ٍ واحرقي
كلَّ دهشتنا بأنفاسك ِ الجامحة...
اسرقي شغفاً في صباحات الغرباء
وعودي كما كُنت ِ
تعالي صباحاً مقمراً بلوّن الضحكة ِ
وارتجاف ِ نَهْدَيكِ
تعالي احضنيني
أضمك ِ عَبق الأماني التي سرقتنا..
وغادرتْ كأنها الخيال.
تعالي لا تقولي...
فقدنا قوافل َ الرعشة ِ البكر ِ
ونهارات الشمال.
لا تقولي كُنتَ وجعي ...
أبحثُ عنكَ في كينونة ِ الشهقة ِ.
لا تقولي للنهر رحلتينْ.
ولا للشاطىء صمتُ العصافير الساهرة.
وللبكاء ِ وأحلامك ِ المغادرة.
أُتسألينَ منْ أنا؟!!!
التقينا على أرصفة الصدفة في بلاد الصقيع...
وتسألين؟!!!
كما أجراسُ كنيسة ِ مهجورة هناك وتسألين؟!!!
حينَ كان المساءُ عاشقاً خجولاً وتسألين؟!!!
حينَ سرقَ من اللحظة ما احتوتهُ أنفاسك ِ
وبقايا رعشة أخطأت موانىء العبور
تعالي، لا تخجلي.
فأنا الآخرُ احتفي بمواسم ِ العِشق ِ
قبلَ أن تهجرني صبوتي الحالمةْ.
تعالي .
فمنْ سيكتبُ للزيزفون قصيدة...
غيرُ شفتيك ِ وأنفاسك ِ الحارقة؟!
صدقيني مراهقٌ أنا في حضرة ِ الإنصهار ِ
كالحنين ...والذاكرة.
صدقيني مراهقٌ أنا..
تعلمتُ كيفَ أتكورُ ساعة ً
بين َ أحضان عاشقتي المكابرة.
تعالي نلتقي ليلة ً وربما لا نلتقي.
إلا تحتَ مصابيح ِ العمر
خيالاً محاصرَ.
فإنْ غبتُ في زحمة ِ الغربة ِ
سيدتي...
ولمْ نلتق ِفلا تقولي.
كانَ عاشقاً رَغمَ الخجلْ
لا تقولي كانَ مسافراً
كما رحلة ُ الأملْ
لا تقولي.
أحببتهُ ذاتَ مساء ٍ على عجلْ.
***
اسحق قومي.
السويد ـ رنكبي.
13/3/2012م.
يوم الثلاثاء صباحاً الساعة قاربت على التاسعة والربع ولا زال الفنان صبري يوسف يغطُّ في نومه العميق...أما أنا فقد أنهيتُ طقوس بذار ِ قصيدتي.
اسحق

السيسي الفارس الذي عاد/ فاطمة الزهراء فلا‏

لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن يعانق آذان المغرب في رمضان أجراس الكنائس , رفرف قلبي بين جوانحي وعزف لحن الوحدة الوطنية , وحلق بي عبر آفاق بعيدة وأنا أري إفطارا جماعيا بطول مصر وعرضها , افترش البسطاء مع الأغنياء مائدة واحدة وهم رافعين أياديهم للسماء ..اللهم انصر قواتنا المسلحة , اللهم انصرك يا سيسي ..يا من أتيت لنا لتعدل المايلة علي رأي ستي لما قالت ..الظابط ده حلو ثم حملقت واقتربت من التليفزيون قائلة : ده بيفكرني بحبيبي ناصر قمشته غالية وتفصيلته غالية ..الله ع الكلام , والمنظر الذي لن تمحوه ذاكرتي ماعشت هذه الهتافات والفرحة بزوال حكم الإخوان وكأنهم استعمار , لماذا لا يصدقون أن الشعب يكرههم , يقولون أو هكذا صور لهم ضميرهم أن من خرج للتأكيد والتفويض  بلطجية وفلول , والسؤال البديهي إن كان كل هؤلاء فلول فقد نجح الحزب الوطني ,
 لماذا لم يجعلوا لهم مثل هذه الشعبية الجارفة التي فاقت كل التوقعات ؟ اللهم إذا انضم إلي الفلول جماعات إخوانية تلعب علي الحبلين مش مهم , المهم يعترفوا أن مصر الحديثة لا يمكن أن تقوم علي يد فصيلهم السياسي أبدا , أعود للسيسي حبيب الملايين الذي وصلت صورته إلي أن تباع في السوق السوداء وقد وضعت كل أسرة الصورة علي مائدة الإفطار معتقدة أن السيسي يفطر معها ,
حب إلهي غمر القلوب بحب هذا الزعيم العظيم خليفة ناصر الذي كنت أري صورته في منزلنا العتيق بمدينة المطرية دقهلية بجوار صورة جدي الكبير محمد سبع الفلا النجدي المنزلاوي ,فخرجنا عاشقين ناصر معتقدين بأنه أكبر راس في العيلة الكبيرة , هكذا قال جدي واعتبرنا كلامه عقيدة حتي عندما جاءت نكسة 67 لم يعترف أبي بها وخرج يؤيد جمال في محنته وحمل صورته لازلت أتذكرها ببدلته العسكرية والكسكته وأنفه الشامخ ,
كانت صورته تملأ كل شوارع المطرية , واليوم يعود ,بنفس البدلة والكسكتة والابتسامة وعشق الوطن ..نحبك يا سيسي لم يجبرنا أحد علي حبك , هكذا وجدنا جمال يعود فارسا يحب الوطن , مهما أشاعوا عنه لن يتزحزح أبدا هذا الحب الذي ملأ القلب والكيان ..أطفال في عمر الزهور يعلقون صورته علي صدورهم , يصفقون يرقصون , إلي كل من شكك في إرادة الشعب وقال انقلابا لا وألف لا وشاهدوا بأعينكم في شلالات البشر التي خرجت لتؤيد القوات المسلحة ..
كل عانس اعتبرت السيسي فارسا لأحلامها , كل أرملة اعتبرته رجلها الذي فقدته , كل أم شهيد اعتبرته ولدها الذي غاب, كل أم لم تنجب ولدا جعلته ابنها مثلي أنا ..ننتظر منك الكثير يا سيسي ونحن في هذه الليلة ليلة السابع عشر من رمضان وهو ذكري غزوة بدر الكبري والسادس والعشرين من يوليو العظيم أمام الدنيا نبايعك ونفوضك في بعث مصر جديدة تولد علي يديك من جديد..تحية واجبة لكل شعب مصر وتحية خاصة لأهل قريتي تلك القرية التي تزوجت فيها والذين لم يبرحوا الميدان لحظة واحدة ومعهم الأطفال والنساء مرددين الله أكبر وتحيا مصر ..فعلا نموت نموت ..ويحيا الوطن

د. محمد البوجي يحاور الكاتب والناقد نبيل عودة حول معنى الأدب وأهميته

*-  معنى الأدب وأهميته؟ والعلاقة بين الأدب والواقع الاجتماعي؟
الأدب هو شكل من أشكال النشاط الجمالي والإبداعي للإنسان، ليس من السهل فهم الدوافع الأولية لهذا النشاط الانساني، لست في باب تفسيره سوسيولوجيا ، او البحث في مركباته الأساسية، لكنه تطور مع تطور اشكال التعبير البشري واكتمل مع نشوء اللغات البشرية، فنجد أن التعبير بالرسم بدأ مع إنسان الكهوف، بينما تطور اللغة قاد الى مرحلة أرقى من تبادل المعرفة ونقل الأخبار  والتجارب والمخاطر  وصولا الى مرحلة الكتابة ووضع اول أبجدية (وضعها الكنعانيون) في تاريخ البشر وهي هدية الكنعانيين لشعوب الأرض .
الأدب هو جزء من الثقافة الاجتماعية. الثقافة تشمل كل أشكال الإبداع البشري، من الإبداع المادي، أي المنتجات الاستهلاكية والخيرات المادية التي ينتجها الانسان، حتى الإبداع الروحي الذي نسميه "الأدب". الأدب يتفرع الى أجناس عديدة أهمها الأدب النثري (قصة  ومسرح) والأدب الشعري.
عناصر الثقافة مرتبطة ببعضها البعض، يمكن القول ان الأدب  هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي للواقع الذي يعيشه الانسان بكل امتداده معبرا عنه بالتخيل او بالدمج بين الخيال والواقع. هذا أيضا لا يفي بالجواب الكامل، لأن الأدب تحول في مراحل متطورة من  حياة المجتمعات البشرية الى أداة لها أهميتها في نشر الفكر والفلسفة والعلوم المختلفة ، لعب الأدب دورا في عملية الرقي الحضاري، بل تحول الأدب في مرحلة الاستعمار مثلا الى اداة لنشر السيطرة على الشعوب المتخلفة كأداة إعلامية للاستعمار يظهر بها رقيه على الشعوب المستعمرة ( بفتح الميم)... ولم يتأخر الوقت لتستفيد الشعوب المغلوبة على أمرها  من هذا الجهاز الأدبي الذي تطور مع الاستعمار، لتنشئ أدبها المضاد ( المقاوم).
ادوارد سعيد في كتابه الهام الثقافة والامبريالية ، يطرح رؤيته الى ان تطور الرواية الانكليزية والفرنسية كان مع تطور الاستعمارين الإنكليزي والفرنسي ، بينما الرواية الأمريكية تأخرت حتى بدايات القرن التاسع عشر مع بداية تطور الاستعمار الأمريكي.
من هنا أشبك الجواب مع السؤال الثالث: العلاقة بين الأدب والواقع الاجتماعي  وأقول: لا أدب خارج المجتمع البشري وخارج الواقع الاجتماعي. لا أدب بدون مجتمع بشري يعي حقوقه  ويجعل أدبه المضاد جزءا من نضاله التحرري، او أدب مجند لخدمة قضية ما ، ليس شرطا انها قضية صادقة وانسانية.
اليوم في عصر العولمة اختلطت الأوراق، أصبح للأدب دورا جماليا، فكريا، تربويا ، فلسفيا وسياسيا  بالغ الأهمية في حياة المجتمعات البشرية وصيرورتها. نجد اتساع المدارس الأدبية وتعددها، لكني من تجربتي الخاصة أرى الأدب في مدرستين أساسيتين: تيار الأدب الإنساني وتيار الأدب غير الإنساني  وذلك بغض النظر عن أشكال الإبداع وتنوع أساليب العرض وفنون الكتابة.

*      بداياتكم في الكتابة  وكيف تم صقلها؟
قد اكون وصلت للكتابة الأدبية عن طريق الصدفة. حتى اليوم يصعب علي فهم دوافعي الأولية للكتابة وأهدافها.
كتبت في جيل مبكر جدا.. ربما بسبب تعلمي القراءة وانا في جيل صغير جدا، اذ اهتمت والدتي بتعليمي القراءة على صفحات جريدة "الاتحاد" الشيوعية، في مرحلة كنا نعاني في مدارسنا العربية ، في العقدين الأولين بعد نكبة شعبنا واقامة دولة اسرائيل على انقاض شعبي الفلسطيني من ارهاب عسكري، حصار ثقافي، مراقبة عسكرية لكل كتاب وارد او يطبع، كتب التعليم اللغوية كانت تافهة في نصوصها، المعلمين مهددين بالطرد، بل وطرد معظم المعلمين الذين حاولوا تثقيف ابناء شعبهم بشكل سليم .
 ربما كان يستوعب ذلك الفتى الصغير ابن الصف الثاني او الثالث ، بعض ما يقرأ، او تتكون في وعيه مفاهيم ومواقف مبكرة، كان لا بد لها في مرحلة ما ان تخرج لحيز التنفيذ في الشكل التعبيري الذي ترسخ في وعيه المبكر.. النثر اللغوي.
لم اكن بعد الصف الثالث بحاجة الى كتاب اللغة العربية المدرسي.. كنت بارعا في كتابة الانشاء، أذكر حادثة في الصف السادس حين طلب منا معلم اللغة العربية ان نكتب موضوع انشاء عن 10 سنوات على استقلال إسرائيل  و"تطور" المجتمع العربي في دولة إسرائيل.
كتبت ما علق بذهني من الصحافة الشيوعية، عن مصادرة الأرض والحكم العسكري ، النفي لشخصيات سياسية وطنية وشيوعية ، القمع لكل صوت محتج او معارض، الإرهاب الممارس ضد المواطنين العرب، طرد المعلمين الوطنيين  وتضييق الخناق على المواطنين "السلبيين"- أي الذين وقفوا متحدين سياسة حكومة إسرائيل العنصرية والإرهابية..
دخل المعلم وقال بصوت كأنه يأتي من مغارة : الطالب نبيل عودة  خذ دفترك واذهب الى غرفة المدير فورا.
لا اريد ان أذكر اسم المعلم الذي بعد تقاعده والمساحة الديمقراطية التي صرنا نتمتع بها بفضل نضال قاس وتضحيات قدمها شعبنا ، صار "الشاعر الفلسطيني" والبعض يضيف "الكبير".. ولا يقلي بيضه الا بفلسطينيته!!
صرخ المدير بشكل هستيري عندما رآني، قائلا باني أخرب مستقبلي  وان المدرسة ليست منبرا حزبيا للكلام الفارغ.. وان ما اكتبه  سيعرضني  للعقاب.. ويسبب  لي  مشاكل كبيرة في المستقبل. طردني  كي أعود مع والدي حتى يعرف كيف يؤدبني وينظف رأسي من الكلام الفارغ..
المدير أرعبني حقا وأنا فتى في بداية حياته وبداية تشكل وعيه، كنت على ثقة ان ما كتبته أقل كثيرا من الحقيقة المرة .
\ذهبت لوالدي وكان نجارا معروفا في الناصرة، كنت خائفا وأكاد أبكي ولا أعرف ما خطأي. نقلت حقائق عن مجلات يصدرها الحزب الشيوعي الذي لعب دورا تاريخيا في واقعنا السياسي والاجتماعي كقوة سياسية وحيدة تولت الدفاع عنا بعد النكبة.
 عندما فهم والدي ما جرى معي لم يؤنبني كما كنت أتوقع، بل شتم المدير وشتم الدولة وعملاء الشين بيت ( الجواسيس على شعبهم) وقادني في طريق العودة الى المدرسة وهو يواصل شتم عملاء المخابرات وتشويه عقول الشباب بالكذب والتخويف.
دخل لغرفة المدير غاضبا، سأله لماذا تصرف معي بهذا الشكل؟ قال له المدير بعد ان أجلسه  انه قلق على مستقبلي وان ما كتبته سيخرب مستقبلي ويعرضني لبطش السلطة. كان رد والدي :" طز في مستقبله اذا كان سيعيش على الكذب والعمالة ، طز في السلطة اذا كان فتى صغير سيرعب مخابراتها وشرطتها". لا اذكر التفاصيل كلها ولكن المدير قال لي بانكسار :"نبيل ارجع الى صفك".
 تعلمت ان الحقيقة مقدسة . ما زلت "متورطا" بقول رأيي بدون رتوش مما سبب لي مقاطعة واسعة  لدى الكثيرين الذين لم  تعجبهم مواقفي او ابداعاتي وخاصة نقدي ، لكني راض تماما عن صراحتي بل وأعتقد انه لا قيمة لصفة المثقف  بدون استقامة شخصية.
لا ادعي اني الصحيح دائما ولكني لا اكتب ما لا أقتنع به، لا اتخذ موقفا ثقافيا او سياسيا بدون قناعة كاملة، مرحلة التأثر، التلقين وتكرار ببغاوي عبرتها منذ شبابي المبكر.
قرأت في جيل مبكر الكثير من الأعمال الروائية . بدأت بتقليد هذه الكتابات دون فهم لمعنى الكتابة  وأهدافها، انما سحرني عالم الروايات التي قرأتها منذ الصف الرابع  واردت ان انتج  مثل ما أقرأ.
نشرت اولى قصصي في مجلة "الجديد"(1) الثقافية وانا على ابواب الصف الثامن او التاسع ، كنت في الخامسة عشرة من عمري. لم يكن وعيي للكتابة قد اكتمل، كنت وقتها قد ملأت عدة دفاتر بقصص متخيلة تقليدا لما كنت أقرأ.. للأسف لم احتفظ بتسجيلاتي تلك.
تطوير مفاهيمي الكتابية يتعلق بدراستي الفلسفية  ومفاهيمي التي تطورت  بكل ما يتعلق بالأدب والسياسة  والمجتمع والانسان. انتقلت عبر مراحل عديدة، من مفاهيم الأدب الملتزم  ( الواقعية الاشتراكية)  ، حتى التحرر الكامل من أي مدرسة  واعتماد الحس الابداعي والرؤية الفكرية لدور الأدب. لا اتبع الا مدرسة الحياة. في السنتين الأخيرتين حققت قفزات واسعة في المضامين والسرد القصصي والأفكار القصصية  كاسرا النمط الكلاسيكي ، كتبت القصص الفلسفية طارحا فكرا فلسفيا بطريقة جديدة مستعملا الطرفة المعبرة عن الفكرة الفلسفية، كتبت قصصا على لسان الحيوانات (الديوك) للتعبير عن واقع العالم العربي وواقع الثقافة وبعض المتثاقفين. انتجت بين اكتوبر 2010 وآذار 2011 أكثر من 80 قصة، عدا مئات المقالات الفكرية والنقدية والكتابة السياسية.  رؤيتي اليوم ان الابداع القصصي هو عمل مهني صرف وكل حديث عن الإلهام هو ترهات لا معنى لها.
*      تأثير تطور القضية الفلسطينية على مسيرة الحركة الأدبية الفلسطينية داخل اسرائيل.
انقسم الأدب الفلسطيني داخل اسرائيل الى تيارين اساسيين، التيار الأدبي الوطني- اليساري ( ويمكن القول المنضوي  تحت راية اليسار الشيوعي) وتيار ادباء حياديين او مع الحائط الواقف.
الأدب البارز والذي ساد ثقافتنا هو الأدب الملتزم، الأدب الآخر (في فترة الحكم العسكري) لم يستطع تقديم أي ابداع يستحق الاهتمام.
شكل الأدب الملتزم سلاحا معنويا هاما في مسيرتنا السياسية، كانت مهرجاناتنا السياسية لا تخلو من الشعراء ونظمت في فترة سنوات الستين مهرجانات شعرية جذبت الاف المواطنين تحديا للحكم العسكري الغاشم ضد الأقلية العربية.
حقا كان الشعر معظمه شعرا مهرجانيا ( منبريا)، لكنه لعب في حياتنا الاجتماعية، الثقافية  والسياسية دورا هاما لا يمكن مقارنته مع أي شعر منبري آخر.
انا اليوم خارج صفوف الحزب الشيوعي ، لكن لا يمكن الا لجاحد انكار دور الشيوعيين العرب في تطوير الأدب الفلسطيني داخل اسرائيل وجعله يرقى الى مصاف ارقى الشعر العربي  وابراز أسماء احتلت الصدارة الشعرية العربية.
الصحافة الشيوعية كسرت الحصار الثقافي في أصعب فترة حصار ثقافي وسياسي عنصري صهيوني واجهته الأقلية العربية الباقية في وطنها . كانت الصحافة الشيوعية منبرا ثقافيا ومدرسة خرجت عشرات الأدباء والمثقفين الثوريين والوطنيين والديمقراطيين.
 ايضا في النثر برز اميل حبيبي وهو قائد شيوعي مرموق، كذلك توفيق زياد هو من قادة الحزب الشيوعي، سالم جبران كان من أبرز الأدباء والمفكرين الشيوعيين وكل شعراء المقاومة هم نتاج هذا التيار السياسي.
بالطبع انا اتحدث عن تاريخ ثقافي وليس عن واقع سياسي وثقافي سائد. اليوم لي رأي نقدي فكري فيه السلبيات والايجابيات.
كانت القضية الفلسطينية محورا لكل ابداعنا  وهذا انطلق من قناعاتنا السياسية والأيديولوجية.
*       دوافع كل كتاب صدر لك وبعض أفكاره؟
اصدرت تسعة كتب :
1-   نهاية الزمن العاقر - قصص عن انتفاضة الحجارة بالأساس .
2-   يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها - قصص عن انتفاضة الحجارة وحرب اكتوبر ومأساة تل الزعتر.
3-   حازم يعود هذا المساء – رواية عن مأساة شخصية هي تعبير عن مأساة الشعب الفلسطينيين، عبر قصة حقيقة لصديق شخصي لي ، أقرب الى مأساة سيزيف .
4-   المستحيل – رواية اجتماعية، لا تخلو من الجو السياسي.
5-   الملح الفاسد -  مسرحية عن ضياع الوطن الفلسطيني.
6-   امرأة على لطرف الآخر- رواية اجتماعية لتجربة مررت بها.
7-   بين نقد الفكر وفكر النقد – نقد ومراجعات أدبية وفكرية .
8-   الانطلاقة – مراجعات ثقافية ونقد ادبي .
9-   الشيطان الذي في نفسي – ثلاث مجموعات قصصية في كتاب واحد ، قصص سياسية واجتماعية متنوعة.
·       لدي عدة كتب جاهزة للنشر، أكثر من عشرة كتب، امتنع عن نشرها نتيجة الواقع السيئ لتوزيع الكتاب وغياب دار نشر جادة  ومحاولة حلب صاحب الكتاب ماديا قبل طباعة كتابه، كذلك بسبب مستوى القراءة المتدن  والخسائر المتوقعة من إصدار أي كتاب. النشر يعني ان  تصبح بائعا للكتب حتى تسدد تكاليف الإصدار .
*      رؤيتكم لدور النقد في اثراء الحركة الأدبية في الحركة الأدبية الفلسطينية داخل اسرائيل.
من الصعب الحديث عن تيار نقدي. هناك ناقد كرس معظم جهده للثقافة العربية داخل اسرائيل هو الدكتور حبيب بولس، لا ارى ان سائر نقاد ادبنا المحلي أعطوا للنقد ما يستحقه من دور، معظم ما كتب كان على قاعدة علاقات عائلية او شخصية  او تسويق ذاتي للناقد  ضرره أكثر من فائدته.
جيلي واجه التجاهل النقدي فاضطررت لحمل السلم بالعرض. لا أعتبر نفسي ناقدا مهنيا رغم اني انتجت الكثير من المواد النقدية والنقدية الفكرية. كتاباتي ترتكز على ذائقتي الشخصية، اضطررت لذلك تحديا لتجاهل ابداعنا، ثم اتجهت لما يعرف بالتنظير الفكري والنقدي لأعبر عن تجربتي الشخصية ورؤيتي لجوهر الابداع.
المادة النقدية الوحيدة التي كتبت عني محليا كتبها الدكتور حبيب بولس عن كتابي الأول"نهاية الزمن العاقر" ورغم اني من أكثر المنتجين للقصة والكتابات الفكرية، لم أحظ بأي نقد آخر من نقدنا المحلي. على المستوى العربي العام  الناقد الفلسطيني المقيم في سوريا ، محمد توفيق الصواف في كتابة " الانتفاضة في أدب الوطن المحتل" (منشور على الانترنت) عالج بتوسع بعض قصصي ، وأعطاني مساحة هامة  وتقييم ايجابي كبير .. وهو النقد الوحيد الذي حظيت به بشكل تحليلي واسع وجاد. طبعا الى جانب مراجعة نقدية  كتبها الأديب والمفكر د. أفنان القاسم حول قصة "الزكام".(2)
*      مشاكل النشر والتوزيع في الداخل والخارج؟
اجابتي عن الأسئلة تتضمن عمليا شرحا عن واقع الكتاب المحلي  وسبب امتناعي عن نشر اعمالي الجديدة في كتب.
نفتقد لدار نشر ، كل ما هو موجود لا يسد الضرورة الى مؤسسة ثقافية ترعى الكتاب المحلي  نشرا وتوزيعا باسعار معقولة.
بعض الأدباء طبعوا كتبهم في الدول العربية  بتغطية كاملة لنفقات الطباعة من جيبهم الخاص، لا ارى ان ذلك يعبر عن انجاز أدبي ثقافي بقدر ما هي إمكانيات مادية. ماذا استفادوا ثقافيا؟ لا ارى أي نتيجة خارج مساحة الخبر انه طبع في بيروت او عمان أو القاهرة !!
هناك ضرورة ماسة لمؤسسة ثقافية تنشر الكتب وتوزعها وتنظم نشاطات ثقافية جادة ، للأسف كل ما هو موجود مبني على الربح المادي الشخصي والفئوي. الجمعيات الثقافية التي تحصل على مبالغ جادة من مصادر مختلفة لا تقوم بدورها، الأموال تذهب لتغطية لا علاقة لها بالثقافة والنشر الثقافي وتشجيع  اصدار الابداعات الأدبية.
نحن كأقلية نشعر اننا خارج الاجماع العربي، الجامعة العربية لا تأخذنا بعين الاعتبار، على الأقل ثقافيا، ان الثقافة والنشر الثقافي بكل جوانبه، هي عوامل اساسية في صمودنا ونضالنا من أجل حقوقنا الوطنية والاجتماعية.
آمل ان يصل صوتي لمن يهمه مستقبل ومصير الأقلية العربية داخل اسرائيل!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-         مجلة ثقافية اصدرها الحزب الشيوعي لعبت دورا هاما في حياتنا الثقافية، تناوب على تحريرها بالتتابع توفيق زياد ، محمود درويش ، سميح القاسم  وسالم جبران .
2-         غاب عن ذاكرتي اثناء الحوار مراجعة نقدية لقصتي القصيرة "الشيطان الذي في نفسي" كتبها الناقد والباحث والمحاضر الجامعي الدكتور محمد خليل من طرعان ( قرب الناصرة) لذا اقتضى التنويه.
*- الدكتور محمد بكر البوجي 
ناقد، باحث وأستاذ الأدب في جامعة الأزهر - غزة

المحاكم الشرعية في غزة تغش الناس وتضللهم!/ عبد الكــريم عليـــان

المتعارف عليه أن وظيفة المحاكم الشرعية في غزة متعددة المهام، لكن الأكثر أهمية لهذه المهام هي التي تخص كل المواطنين، وهي توثيق الزواج والطلاق.. إذ لا يوجد مؤسسات رسمية أخرى لذلك.. ولعل الرسوم التي تجبيها هذه المحاكم مرتفعة في ظل ظروف اقتصادية غير خافية على أحد.. هذه الرسوم كانت مفروضة منذ عهد الاحتلال الصهيوني الذي كان يحارب ظاهرة الزواج ضمن سياسة ممنهجة كانت تهدف إلى تهجير أهل غزة، وبقت هذه الرسوم قائمة إن لم تكن قد ارتفعت عن السابق.. على عكس بعض الدول التي تشجع أبنائها على الزواج وتساهم في ذلك بالمساعدة في المهر عند بعض الدول الغنية، وتيسر عملية الزواج ولا تعقدها كما هو في غزة.. واليوم يستنكف الشباب والشابات في غزة عن الزواج نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأسوأ في تاريخها؛ فقلت نسبة الزواج مقابل حالات الطلاق، ولا أحد يحرك ساكنا.. لا من الجهات الرسمية، ولا غير الرسمية.. وكأن الأمر لا يعني أحدا ولا نعرف ماذا يفعل قاضي القضاة وأتباعه بهذه الأحوال؟؟

الموضوع الأهم في مقالتنا هذه هو موضوع: " مهر الصداق " وكيف تتعامل المحاكم الشرعية معه؟؟ فجرت العادة على تصنيف هذا المهر إلى ثلاثة أقسام هي:

1 ـ المهر المعجل وهو المهر المقبوض حال الاتفاق، وهذا ليس عليه خلاف لاتفاق الطرفين على ذلك ويتم قبضه قبل الزواج.

2 ـ المهر المؤجل وهو المهر الذي يتم دفعه في حال الطلاق، والخلاف على هذا محدود حسب حالة الطلاق.

3 ـ عفش البيت، وهو موضوع نقاشنا هنا.. حيث أنه مفهوم غامض مضلل.. تفسره المحاكم الشرعية في غير محله، أو في غير صالح الزوج.. ونعتقد أن معظم حالات الزواج تتم دون معرفة الزوج بهذا المفهوم الذي تفسره المحاكم الشرعية، ولا نعرف مصدر هذا التفسير، ولا نعرف لماذا يفرضون هذا التفسير عنوة على الزوج.. إذ أن العقد شريعة المتعاقدين، و" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى .." ونعتقد أن معظم الناس يتفقون على مفهوم "عفش البيت" بأنه "مبلغ من المال يمكن أن يغطي حاجة بيت الزوجة من الأثاث بحيث تعيش في بيت زوجها بشكل مريح ويعتبر ملك لها.." وعلى هذا التفسير تسير نية الطرفين قبل الزواج.. ولو كان غير ذلك لما كان سمي بهذه التسمية "عفش البيت" وكان يمكن تسميته بأسماء أخرى أو إلحاقه بالمهر المؤجل.. وفي حالات الزوج الذي يطلب زوجته لبيت الطاعة فإنه يطلب من الزوج عفش بيت جديد مؤثث بشكل جيد، إذ تخرج لجنة من المحكمة لفحص محتويات وعفش البيت.. فهل يجوز هذا بأن يدفع الزوج مرتان عفش البيت؟؟ لاعتبارات هم يفسرونها بأنها ملك الزوج.. إذن هل يجوز التسمية في المهر كما ذكرنا سابقا من توابع المهر "عفش البيت" ؟؟

          محاكم غزة الشرعية في حال بدء الخلاف بين الزوجين تطالب الزوج فورا بدفع قيمة العفش المذكور في العقد، حتى لو لم يكن خلاف بين الزوجين؛ فيحق للزوجة أن تطالب زوجها بقيمة عفش البيت في أي وقت يحلو لها.. ولو افترضنا أن الزوجين تم عقد قرانهما، لكنه لم يتم النكاح لأسباب ما.. وأراد الزوج الفراق دون أن يكون بينهما خلوة شرعية.. فالمحكمة تفرض عليه دفع عفش البيت أيضا.. وغير ذلك يمكن للزوجة أن تطالب بعفش البيت قبل الدخول بها.. هنا تدور المشاكل بين الطرفين بسبب تفسيرات المحاكم الشرعية لموضوع عفش البيت.. لماذا لا تسأل المحكمة الطرفين قبل فرض رؤيتها في الموضوع؟ إن كان الطرفان قد وضحا ما هو المقصود بعفش البيت؟ فإن كانا قد أقرا بمعرفتهما مسبقا بأنه حسب رؤية المحكمة فلا خلاف على ذلك.. وإن كان أحد الطرفين قد قال: أنه لم يكن المقصود ذلك، ولم يتم توضيح ذلك له من أي طرف.. وكانت نيته غير ذلك.. فسيظهر الخلاف وعلى المحكمة أن تغير رؤيتها في التفسير المعروف لديها.. وكذلك على المأذون الشرعي الذي يجري العقد ساعة وقوعه أن يفسر للطرفين بما هو مقصود بعفش البيت، ويستحسن تسجيل هذا التفسير في العقد الموقع عليه من قبل الطرفين وبحضور الشهود، وفي هذه الحالة سيكون التعامل أسهل وأسرع للقاضي البت في الأمر..

          المحاكم الشرعية التي وظيفتها توثيق الزواج والطلاق في غزة يجب أن تكون العنوان الأهم لسلوك المجتمع وتطوره، وهي التي يجب أن تقوم بتقييم هذا السلوك بشكل سنوي على الأقل، وتمد الباحثين والأخصائيين بالبيانات المطلوبة من إحصائيات تدلهم وتسهل لهم الطريق في اتخاذ التوصيات والقرارات كي يتم تعديل السلوك الاجتماعي للحد من الخلافات والصراعات الاجتماعية بين الأسر والأهالي.. لكن محاكمنا الشرعية مجرد هياكل في غير محلها إذ يوجد في كل محكمة قسم للإرشاد، لكن مهمتهم تقتصر على الإصلاح بين الطرفين وينتهي الأمر عند ذلك.. فهي لا تقوم بإجراء عمل الإحصائيات اللازمة، وأخذ العبر من البيانات والمؤشرات الإحصائية، ولا تقوم بإرشاد الناس على تغيير المفاهيم الخاطئة خصوصا في الأزمات والظروف العامة التي يتعرض لها المجتمع.. وإذا نجح الإرشاد في إصلاح ذات البين في بعض الحالات؛ فهو لم ينجح في الكثير.. ولم يدرس الكثير من القضايا التي تتم فيها حالات الطلاق.. ولم يعلن لنا عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الطلاق لأخذ العبر من الأسباب المتكررة عند تلك الحالات، والتي تشكل ظاهرة اجتماعية يجب الوقوف عندها ومحاولة الحد والتقليل منها.. إن مجتمع غزة قد مر في السابق بظروف أقسى وأصعب اقتصاديا، لكن حالات الطلاق والزواج لم تكن بهذه الصورة التي نعيشها اليوم، فأتذكر أن حالات الزواج كانت تتم ببساطة شديدة ولا يوجد بها تعقيدات مثل اليوم، وكان المهر يتم بما تيسر، وأذكر حالة لم تتوفر بها سيارات لنقل العروس من مخيم الشاطئ إلى مخيم جباليا فنقلت العروس على عربة كارو، إذ كانت جباليا تعيش في حالة فرض منع التجول واستغل أهل العريس السماح بالتجول ساعة؛ فجلبوا العروس خلالها من الشاطئ لجباليا.. هذه الحالة هي حالة الإصرار على الاستمرار في الحياة.. والإصرار على الصمود والتحدي.. لم يكن في ذلك الحين مؤسسات ولا قيادات مسئولة توجه الناس وتحميهم..

          متى ستتحول مؤسسة المحاكم الشرعية إلى مؤسسة تشعر بقدر مسئوليتها ؟ متى ستتحول هذه المؤسسة إلى مدرسة تربوية تقوم على تنشئة الأسرة بشكل يتلاءم مع متطلبات الحياة التي نعيشها؟؟ متى ستقيم هذه المؤسسة ورشات في التأهيل الاجتماعي والنفسي والجنسي أيضا للأزواج الشابة؟؟ متى ستتعاون هذه المؤسسة مع المؤسسات التربوية كالمدرسة والجامعة والمؤسسات التي تهتم بالتنشئة والتنمية ورعاية الأسرة كي نقيم أسرة سليمة قوية منتجة ومتماسكة، كي يكون لدينا مجتمعا سليما..؟ فالمجتمع أساسه الأسرة وهي حجر الزاوية في بناء مجتمع سليم، وبدونها سيكون هذا المجتمع كريشة تعصف بها الرياح.. وكل ذلك يتحمل مسئوليته المحاكم الشرعية التي يتم من خلالها بناء حجر الأساس في بناء الأسرة..

قرار الاتحاد الأوربي تجاه حزب الله قمة النفاق والمعايير المزدوجة/ راسم عبيدات

 القرار التي اتخذته دول الإتحاد الأوروبي،والذي لعبت بريطانيا دور العراب الرئيسي فيه،بريطانيا التي تتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عن مأساة شعبنا الفلسطيني،كونها المسؤولة عن زرع دولة الاحتلال الصهيوني فوق ارضنا الفلسطينية،قرار اعتبار الجناح العسكري لحزب الله منظمة"إرهابية "،هذا القرار ينطوي على الكثير من المعاني والدلالات،لعل أخطرها قوننة وتشريع العدوان ،وكذلك هو لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتيجة ضغوط كبيرة مارستها امريكا واسرائيل وباركتها مشيخات النفط والغاز العربية،ولعلنا نذكر جيدا بعد تدخل حزب الله الى جانب الجيش النظامي السوري في معركة القصير،من اجل حماية ظهر المقاومة اللبنانية،ومنع محاصرتها وتصفيتها،ومنع سقوط النظام السوري تحت السيطرة الأمريكية - الإسرائيلية،كيف تنادت عربان ومشيخات النفط بالدعوة إلى إعتبار حزب الله منظمة "إرهابية"والسعودية دفعت عربون إصدار هذا القرار 500 مليون دولار الى بريطانيا وفرنسا والمانيا.

القرار الأوروبي المتخذ لا يقرأ منعزلا او خارجا عن سياقاته وإرتباطاته واهدافه ومغازيه،فالإتحاد الأوروبي إتخذ قراراً بعدم التعامل مالياً وتجارياً مع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 القدس والضفة الغربية،هذا القرار شكل صدمة في أوساط حكومة الإحتلال الصهيوني،وبدأت بشن حملة واسعة ضد الإتحاد الأوروبي وسياساته،ورغم ان هذا التطور في الموقف الأوروبي تجاه حقوق شعبنا ننظر له بإيجابية،ولكنه لا يرتقي الى مستوى مقاطعة دولة الإحتلال اقتصادياً واتخاذ عقوبات  رادعة بحقها للضغط عليها للإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967،وفق قرارات الشرعية.

ومن هنا وجدنا ان الإتحاد الأوروبي سارع الى اتخاذ قرار بحق حزب الله باعتبار جناحه العسكري منظمة"إرهابية"وهذا ليس بالغريب ولا بالمفاجي،فالإتحاد الأوروبي،يقف الى جانب اسرائيل في كل سياساتها وممارساتها تجاه الأمة العربية والشعب الفلسطيني،وهو يرى في حزب الله خطراً على مصالحه في المنطقة،ويشكل عنواناً للكفاح والمقاومة،ولعل اتخاذ هذا القرار في الذكرى السنوية للنصر الذي حققته المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله على جيش الإحتلال ومنعت إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به أنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس"،مؤشراً على مدى خوف هذا الحلف الأوروبي الغربي- الصهيوني من المقاومة،وهي تسعى دائماً الى محاصرتها ومنع إنتشار وتجذر قيمها وثقافتها ومفاعيلها على المستوى الشعبي العربي والإسلامي.

فالقرار الذي اتخذ بحق الجناح العسكري لحزب الله يكشف عن مدى وقاحة و"عهر" وإزدواجية معايير الغرب الإستعماري في التعامل مع القوانين والقرارات والخروقات وقيم ومبادىء القانون الدولي،فلا توجد اية ادلة على تورط حزب الله بتفجير الحافلة في بورغاس في بلغاريا في 18 تموز من العام الفائت،والإتهام مبني على ادلة ظنية وكيدية وشكوك،فالمخابرات البلغارية ووزارة الداخلية فيها،تقول بانه لا توجد لديها أدلة قطعية على تورط حزب الله في حادث تفجير الحافلة ومقتل سبعة أشخاص من بينهم خمسة اسرائيليين،وبالمقابل هناك مئات الأدلة على خرق اسرائيل وخروجها بشكل سافر على كل القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية،وحتى ارتكابها جرائم حرب،كما حصل باستخدم الفسفور الأبيض من قبل القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين العزل في الحرب العدوانية التي شنتها على قطاع غزة في أواخر عام/2008،وأيضاً ما تقوم به من عمليات إستيطان متواصلة ومكثفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة،من أجل تغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي،وعمليات القمع والتنكيل اليومية بحق الأسرى الفلسطينيين...،ورغم كل ذلك لم نسمع عن أية عقوبات او قرارات إتخذت او صدرت بحق اسرائيل من قبل الإتحاد الأوروبي،بل لقيت كل الدعم والمساندة والتشجيع،حيث العديد من دول الاتحاد الأوروبي عدلت من قوانينها وإجراءاتها القضائية،من اجل منع اعتقال ومحاكمة قادة وجنود الإحتلال ومستوطنيه المتهمين بارتكاب جرائم حرب على اراضيها،وكذلك هي من رفضت التصويت في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ضد قرار إدانة اسرائيل بإرتكاب جرائم حرب ضد الأطفال الفلسطينيين العزل عندما جرى قصفهم بالأسلحة المحرمة دولياً"الفسفور الأبيض"

إن اتخاذ الإتحاد الأوروبي قرارا بإعتبار الجناح العسكري لحزب الله منظمة "إرهابية"،هو شكل من أشكال الإرهاب،فحزب الله،هو حركة مقاومة مشروعة تدافع عن شعبها وبلدها في وجه البلطجة والعربدة الإسرائيلية،وهذا القرار هو تشريع للعدوان على لبنان،وضوء اخضر لشن حرب عليه.

وهذا القرار ما كان ان يتم،لولا تواطؤ مشيخات وعربان النفط والغاز،الذين دفعوا مئات الملايين من الدولارات للعديد من دول الاتحاد الأوروبي الفاعلة والمؤثرة لإصدار مثل هذا القرار.

أبو نؤاس بين الله والناس/ كريم مرزة الأسدي

هجرة أبي نؤاس إلى مصر الخصيب 

9 -أبو نواس بسبب عراقته العربية لا شعوبيته ، هاجر إلى دمشق ومصر ، لا لبلاد فارس بعد نكبة البرامكة !!:
مما يغلّب ظني أنّ أبا نوس من جذور عربية يمانية ، وليس من عروق فارسية - من حيث الأب - ، وبالتالي ليس بشعوبي ، ولا يحمل أنفاس الشعوبية ، المقيتة في مضمونها ، والعادلة في تسميتها ، وإنما خرج عن المطالع الطللية ، والتهكم بأعراب بني أسد  وتميم وقيس ، بسبب التمدن الحضاري ، وحياة التبغدد التي سادت في عصره ، وكان هو أحد رموزها خلاعة وتهتكاً ومجونا ، وغنجاً ودلاعاً ، أين الأعراب من هؤلاء الشباب !!، أقول الذي يغلّب ظني ، إضافة لعقليته المتفتحة ، وشاعريته الفذة ، وعمق فكره ، فالرجل من أب دمشقي ، ومن جند مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وثبت الخطيب البغدادي  ، وابن عساكر في (تاريخيهما) جذوره العربية في أحد أوجه رواياتيهما ،  وكان أبو عبيدة يقول :  " ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه حديثه ب امرئ القيس في الأوائل, وأبي نواس في المحدثين " ، وكان يقال " شعراء اليمن ثلاثة ، امرؤ القيس ، وحسان بن ثابت ، وأبو نؤاس " (20) ، وله قصيدة يمدح فيها قبيلة قحطان اليمانية، وهي أصل العرب العاربة  ، ويهجو قبيلة عدنان النزارية ، وهي منبع العرب المسعربة ، ويستثني قريشاً منها ، لأن النبي (ص) من أصلابها ، وهذه القصيدة حبسه الرشيد عليها كثيراً : اقرأ رجاء :
ليست بدارٍعفت وغيرهــــا** ضـربان من قطرها وحاصبــها
فافخر بقحطان غير مكتئب** فحــاتم الجـــــود مـن مناقبـــها
ولا ترى فارســــاً كفارسها*** ان زلـــت الهمام عـن مناكبتها
عمرو وقيــــس والاشـــران وزيــــد الخيـــل أسـد لدى ملاعبها
أحب قريشا لحب أحمــدها**** واعرف لها اجزل من مواهبها 
ان قريشـــا اذا انتسبـــــت****كان لهـــا الشطــر من مناسبـها
ولمّا نُكب البرامكة ، لم يولِّ وجهه شطر بلاد فارس ، لأنّ ببساطة ليس له أي ارتباط ولائي أو عرقي أو فكري أو ثقافي أو لغوي معهم ، هل قرأتم له بيتاً باللغة الفارسية ، هل سمعتم أنّ الإيرانيين مجدّوا به قديماً وحديثاً كما مجدوا بالفردوسي والشيرازيين و ناصر خسروا وعمر الخيام شارب المدام !!، ومن المضحك والسخرية قي العهد البائد أبان التمايز العنصري ، أرادوا تهديم تمثاله في بغداد ، ورفع اسمه من شارعه الشهير  بحجة التبعية الفارسية ، إنّها سخرية ، وقد تدخل العقلاء لرفع البلاء ، هذه الفقرة تحتاج منا التأمل والتفكير ، لكي نحترم تاريخنا  ونجلّ عباقرتنا.
 10- لماذا يُجرّالعراقيون بغباء إلى صراع التبعيتين الفارسية والعثمانية  ، وهم أصل السيادة والخلافة ؟!!   
لماذا يُجرُّ العراقيون - على وجه الخصوص - بعامتهم وأفذاذهم وعباقرتهم    إلى مثل هذا الشرخ الاجتماعي ، الطائفي  والقومي ،  الاستعلائي الخطير ؟ أتفهم جيداً كل هذا البلاء المبرم  الكبير توارثناها ظلماً وجوراً منذا بدايات العصر العباسي ، وبروز ظاهرة الشعوبية ، وتغلغل نفوذ الجواري حتى وصلن إلى عرش الخلافة كأزواج وأمهات أولاد ، وما هؤلاء الأولاد إلا الخلفاء أنفسهم ، والوزراء ، والقادة ، فسيطر الفرس ، ومن بعدهم الترك ، وأخذ هذا الصراع يستفحل ليتحول إلى حروب دموية خطيرة بين العثمانيين والصفويين ، وجرّوا العراقيين أصحاب السيادة والخلافة الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل  ، ثم سحب أنفسهم ، وبقى العراقيون يجترون ويجترون هذا الموروث الدموي الغبي إلى يومنا هذا ، ومن سخرية الأقدار ، ومهازل التاريخ أن يطعن الرمز الأدبي الأول في تاريخنا ، وأعني المتنبي العظيم العربي القح ، بنسبه في مجلس أبي العشائر (338 هـ / 949 م ) ، وُيرمى إلى الفرس ، لكونه من كوفة العراق ، فينظم قصيدة من أروع الشعر العربي ، ويقول الدكتور طه حسين : عندي هذه الأبيات من أجمل ما قال المتنبي من الشعر :
أنا ابن من بعضه يفوق أبا الـ ** باحث والنجل بعض من نجله
وإنما يذكر الجــــــدود لهم ******* من نفروه وأنفدوا حيله
أنا الذي بين الإله به الأقـــــ *****  ـــدار والمرء حيثما جعله
جوهرةٌ تفرح الشراف بــــها  *****  وغصةٌ لا تسيغها السفله
سيظهر الجهل بي وأعرفــــه ****** والدّرُّ درٌّ برغم من جهله

إن الكذاب الذي أكـــــاد به ******* أهون عندي من الذي نقله
وربما أشهد الطعام معي  **** مــــن لا يساوي الخبز الذي أكله
تستطيع أن تتمتع بالقصيدة وشرحها في (معجز أحمد ) لأبي العلاء المعري (21) ، مهما يكن سأشارك عميد الأدب العربي ، الدكتور طه حسين في إبداء رأيه  بهذه المشكلة العويصة التي أوقعنا بها القدر ، والسياسيون ، عديمو البصر والبصيرة ، والقادة الدينيون والاجتماعيون ممن يقع على ذمتهم هذا الشرخ الدامي ، يقول دكتورنا  العميد  في معرض دفاعه عن المتنبي الرمز الأدبي الأول : " وأكثر المعاصرين من الشعوب العربية في الشرق الأدنى ، لا يحفظون أنسابهم ، ولا يستطيعون أن يرقوا بها إلى عدنان أو قحطان ، أفنجحد تحدّرهم من العنصر العربي الصريح ؟ ! وما هذا العنصر العربي الصريح ؟ وكيف السبيل إلى تحقيقه واستخلاصه من العناصر المختلفة التي لا تحصى ، والتي اتصلت به وأثرت فيه على تتابع الأحداث ومر العصور ؟  ولكن ماذا؟ أراني استطرد وأسرف في الاستطراد ، وأكاذ أثير مسألة الأجناس التي يثيرها بعض الساسة المعاصرين ، ويندفعون معها إلى كثير من الحمق ، وإلى كثير من الظلم أيضاً ..." (22) ، لا يمكن لهذه الطامة الكبرى ، ومثلها الطائفية ، والمناطقية ، والأثنية ، والقبلية ، لا يمكن التغلب عليها إلا بتكاتف كل عقلاء الأمة ورموزها ومثقفيها وأدبائها وشعرائها وعلمائها لتكريس روح الوطنية المقدسة ، والإنسانية النبيلة ، والتضحية بالمنافع الأنانية الرخيصة المكتسبة من سياسة (فرّق تسد) ، نحن ننادي ، ولكن هل من سميع مجيب ؟ !!  أنا في شكٍّ من ذلك !! ما دام الدرهم والدينار سيدي الموقف ، ولا من رمز وطني غيور تجتمع حوله الأمة . أو تفرزه ضرورة المرحلة وحتمية التاريخ ، ونحن بالأنتظار لدفع مسيرة الأزدهار ، ومن ثم الاعتماد على العقل الجمعي السليم القادر على التحكم بمسيرته   .      
11 - وصول الشاعر إلى مصر، سبب تولية الخصيب عليها، وقصيدة شاعرنا الرائية في حقّ خصيبه:
توجه شاعرنا إلى دمشق مفلساً ، فلم يبق لديه في بغداد برامكة ترعاه ، ولا رشيد يرضاه ، ومنها شدّ رحاله إلى فسطاط  مصر ، وهي عاصمة المصر ،  حيث واليهاعلى الخراج  من قبل الرشيد أبو نصر الخصيب بن عبد الحميد الضحاك الجرجاني وذلك سنة (187 هـ / 803 م) ، وكان له به معرفة من قبل ، ومن الجدير ذكره أنّ مدينة أبي الخصيب قرب البصرة قد مصرها هذا الخصيب ، ومن ثم أصبحت عاصمة لقائد ثورة الزنج علي بن محمد ، وأطلق عليها (المختارة) ، بين عامي ( 255 ه - 270 هـ / 869 - 884 م) ، يذكر ابن خلكان في ( وفيات أعيانه) سبب تولية هذا الخصيب خادمه ولاية مصر قائلاً  :" كان سبب توليته أن الرشيد قرأ يوما في المصحف فانتهى إلى قوله تعالى: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي، الآية فقال: لعنه الله ما كان أرقعه، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولاها الخصيب وكان على وضوئه. ولأبي نواس فيه قصيدتاه الرائيتان  ، وكان قد قصده بهما إلى مصر وهو أميرها، وما أحسن قوله في إحداهما :
تقول التي من بيتها خف مركبي**عزيز علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنى متطلب ***  بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها واستعجلتها بوادر ** جرت فجرى من جريهن عبير
دعيني أكثر حاسديك برحلة ***** إلى بلد فيه الخصيب أمير 
وهي طويلة وأجازه عليها جائزة سنية  " (23)
والحقيقة أنّ أبا نواس طلب - من بعد -  بالصريح لا التلميح ، العطايا والهبات من هذا الخصيب المخصب : 
أنتَ الخصيبُ وهذه مصر *****  فتدفَّقــا فكلاهما بحر
 لا تقعدا بي عن مدى أملي *****شيئا فما لكما به عذرُ
 ويحقّ لي إذ صرت بينكما  *****  ألا يحلّ بساحتي فقرُ
إني لآمل يا خصيب على *****يدك اليســارة آخر الدهر 
وكذاك نعم السوق أنت لمن***كســدت عليه تجارة الشعرِ
  فأغدق الخصيب على وافده الشاعر حتى أتخمه ، ولا تفوتك  الصورة البلاغية في التشبيه البليغ الذي جمع بين الخصيب في كرمه، ومصر في ثروتها  وبين البحر بكنوزه وتدفق موجه 
لقد طار البيت الأول: (أنت الخصيب ... )  ، وحفظه القاصي والداني ، من مشرق دنيا العرب حتى مغربها 
 ومن بعد بحوالي قرن ونصف من الزمان تحديداً سنة (348 هـ / 959 م)، يفرّ المتنبي إلى مصر الكنانة ، وكان عليها كافورها الأخشيدي ، لا خصيبها الجرجاني ، وأيضاً جاهر المتنبي صراحة من العبد الأخشيدي -على حد توصيفه ،وأنا لا أقرّه على هذا التوصيف غير الإنساني- أن يرجع والياً :
وغير كثير أن يزورك راجل *** فيرجع ملكًا للعراقيين واليا
إذا كسب الناس المعالي بالندى**فإنك تعطي في نداك المعاليا
وغير كثير أن يزورك راجل **** فيرجع ملكا للعـراقين واليا
بل يزيد المتنبي إلحاحاً حتى استجداء الفضلة : 
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله ***فإني أغنِّي منذ حين وتشربُ
وما كان هذا الكافور بغافل لتسليم ولاية لشاعر طموح حتى النخاع ، بل ادّعى النبوة  - كما يقال - وسجن على دعواه ما بين ( 323 - 324 هـ)  على يد لؤلؤ  أمير حمص من قبل الأخشيد ، ولما خيّب آماله الكافور الأخشيدي ، أصبح متنبينا بعد خيبة أمله  حاله حال :
أقمت بأرض مصر فلا ورائي*** تخب بي الركاب ولا أمامي 
وملني الفراش وكــان جنبي ***** يمـــل لقاءه في كل عام
قليل عائدي ســــقم فؤادي **** كثير حاسدي صعب مرامي
بقى المتنبي  يتحين الفرصة  للهروب من مصر حتى وجدها سانحة ليلة عيد الأضحى (350 هـ / 961 م)  ، وهرب بعد أن ترك للكافور ( عيدٌ بأيّة حال عدت ياعيدُ) ، و ( لا تشتري العبد ...) .
 أبو نواس غير المتنبي ،  عصره غير عصره وتطلعاته غير تطلعاته ، وشخصيته غير شخصيته ،وفلسفته في الحياة غير فلسفته ، والهاء تعودعلى التعاقب للشاعرين .  
 نعود لأبي نواس ، وكيف هلّ على الخصيب ، يروى العباسي في ( معاهد تنصيصه) بدايات إطلالة الشاعر على الخصيب قائلا  : إن أبا نواس لما قدم على الخصيب صادف في مجلسه جماعة من الشعراء ينشدون مدائح لهم فيه، فلمَّا فرغوا قال الخصيب: ألا تنشدنا يا أبا علي، فقال: أنشدك أيُّها الأَمير قصيدة هي بمنزلة عصا موسى تَلْقَفُ ما يأفكون، فأنشد هذه القصيدة فاهتزَّ لها وأمر لها بجائزة سنية.
 ويستطرد العباسي : ماج النَّاس في مصر بسبب السعر، فبلغ الخصيب وهو يشرب مع أبي نواس، فقال الأخير : دعني أسكِّنهم، فقال: ذلك إليك، فخرج أبو نواس حتَّى وافى المسجد الجامع فصعد على المنبر، واعتمد على عضادتيه، وحول وجهه للناس، وعليه ثياب مشهرات، فقال
منَحْتُكُمْ يا أهل مصر نَصيحَتي***** ألا فخُذُوا مــن ناصحٍ بنصيبِ
ولا تثبوا وثب السّفاه فتركَبوا**على ظهر عاري الظهر غير ركوبي
فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم ****  فإنَّ عصا موسى بكفِّ خصيب
قال: فتفرَّق الناس ولم يجتمعوا بعده
وحدث مطيعٌ خادم البرامكة قال: كنت واقفاً على رأس الرشيد إذْ دخل أبو نواس، فقال: أنشدني قولك في الخصيب :
فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم *** فإنَّ عصا موسى بكف خصيب
فأنشده، فقال الرشيد: ألا قلت فباقي عصا موسى بكف خصيب، فقال أبو نواس: هذا أحسن والله، ولكنَّه لم يقع لي. (24)
وفي قصيدة أخرى ، يمدح فيها خصيبه ، يقول :
لم تدرِ جارتنا ولا تدري ***** أن الملامـــة إنما تغري
واستبعدت مصرا وما بعُدت *** أرض يحلّ بها أبو نصر ِ
ولقد وصلت بك الرجاء ولي**مندوحة لو شئتُ عن مصر ِ
وفي قصيدة مدح رابعة ، يطلع علينا بقوله :
ذكر الكرخ نازح الأوطان ِ******  فصبا صبـوة ولات أوان ِ
يا ابنتي أبشري بميرة مصر *** وتمني واسرفي في الأماني
أنا في ذمة الخصيب مقيم *** حيث لا تعتدي صروف الزمان ِ
كيف أخشى عليّ غول الليالي ***ومكاني من الخصيب مكاني
قد علقنا من الخصيب جبالا ******* آمنتنا ط،وارق الحدثان  
يقول سهر العامري في معرض بحثه ( أبو نواس في مصر) : يظهر فيها أن الشاعر قد ظفر ببغيته، ووصل الى غايته التي تجشم من أجلها عناء سفر طويل، وذلك حين حصل من بيعه للخصيب على ثروة عظيمة، عد هو حملها حمل جبال، فزف البشرى لابنته في بغداد، وهو مازال في مصر بعدُ، ويبدو لي أن هذه القصيدة كانت آخر قصيدة مدح قالها في مصر للخصيب، ففيها يطلب هو الأذن منه بالعودة الى بغداد بعد أن هزه الشوق الى أوجه هناك (25)
ويروي لنا ابن الأثير في (مثله السائر) :أن أبا نواس لما دخل مصر مادحا للخصيب جلس يوما في رهط من الأدباء وتذكروا منازه بغداد فأنشد مرتجلا 
 ذكر الكرخ نازح الأوطان *** فصبا صبوة ولات أوان  
ثم أتم ذلك قصيدا مدح به الخصيب فلما عاد إلى بغداد دخل عليه العباس ابن الأحنف وقال أنشدني شيئا من شعرك بمصر فأنشده (ذكر الكرخ نازح الأوطان ) ، فلما استتم الأبيات قال له لقد ظلمك من ناواك وتخلف عنك من جاراك وحرام على أحد يتفوه بقول الشعر بعدك (26) 
، وإليك مقاطع من قصيدته الرائية الأولى بروعة مطلعها ، وحسن ختامها ، وما بينهما من حسن التخلص ، والتشبيه البليغ ، وقبل هذا وذاك عبقرية القصيد في بحرها الطويل  :   
أجارة َ بَيْتَيْنَا أبوكِ غَيورُ،**** وميْسُـــورُ ما يُرْجَى لديْكِ عسِيرُ
و إن كنتِ لا خِلماً ولا أنتِ زوْجة ٌ** فلا برحَتْ دوني عليكِ ستُورُ
وجاوَرْتُ قوْماً لا تزاوُرَ بينهمْ  ****ولا وَصْلَ إلاّ أن يكونَ نُشُورُ
فما أنا بالمشْغُوفِ شَرْبَة َ لازِبٍ **** ولا كلّ ســــلطانٍ عليّ قَديرُ
وإنّي لِطَرْفِ العينِ بالعينِ زَاجِرٌ**** فقد كدْتُ لا يخْفى عليّ ضميرُ
تقولُ التي عن بيتها خفّ مرْكبي :**** عزيزٌ علينا أن نَرَاكَ تَسيرُ 
أما دونَ مصْرٍ للغنَى مُتَطَلّبٌ؟ ******بلى إنّ أسْبـــاب الغِنَى لكثيرُ
فقلتُ لها: واستعجلَتْها بَوَادِرٌ **** جرتْ ، فجرى في جرْيهِنّ عبيرُ
 ذريني أكَثّرْ حاسديكِ برِحْلَة ٍ***** إلى بلَــــــــدٍ فيـه الخصيبُ أميرُ
إذا لم تَزُرْ أرْضَ الخصِيبِ ركابُنا*** فأيّ فتى ً ، بعدَ الخصيبِ ،تزور
فتًى يشْتري حسْنَ الثناءِ بمالِهِ ****** ويعْلَمُ أنّ الدّائِرَاتِ تَـــــــدُورُ
فما جازَهُ جُودُ ، ولا حَلّ دونَه **** ولكنْ يصيــــرُ الجودُ حيثُ يصيرُ
جوادٌ إذا الأيْدي كفَفْنَ عن النّدى **** ومن دونِ عَوْراتِ النساءِ غَيُورُ 
 وإني جديرُ ، إذ بلغْتُكَ بالمُنى  ****** وأنْتَ بمــــــــا أمّلْتُ منكَ جديرُ 
فإنْ تُولِني منك الجَمِيلَ ، فأهْلُهُ *******  وإلاّ فإنّي عـــــــاذرٌ وشَكُورُ

مهما يكن،قد عارض قصيدة أبي نواس الرائية ، أحمد ابن دَرَّاج القَسْطَليُّ بقصيدة طنَّانة، منها :
ألم تعلمي أن الثوَاء هو الثَّوَى*** وأنَّ بُيُوت العـاجزين قُبُورُ
تخوفني طولَ السفار وإنَّه *****  لـتقبيل كفّ العامريّ سفيرُ
لئن ودعت منِّي غيوراً فإنَّني**على عزمتي من شجوها لغيورُ
لقد أيقنت أن المنى طوع همَّتي*** وأنِّي بعَطْفِ العامريّ جديرُ
بهذا نكون قد أحطنا بجو لة أبي نواس المصرية الخصيبية التي أخصبته  تخلصاً من سطوة الرشيد ، وغضبه على البرامكة ، وماديا إذ جعلتع في بحبوحة من العيش الرغيد ، وشهرة حيث طارت شهرته من بلاد الأندلس حتى بلاد الهند والسند ، وآفاقاً متجددة لتفهم مجتمعات جديدة ، ولكل جديد لذة ، ووجدت جديد الموت غير لذيذ ، وإلى الله المآل ، والسلام ومع السلام الاحترام . 

ياسمين آذار المخضب بالدم ـ الحلقة 41/ محمد فاروق الإمام

الإرهاصات التي سبقت مجزرة تدمر
دوريات السلطة الراجلة في حماة

مع تصاعد التوتر بين الطليعة المقاتلة والسلطة، خصوصاً بعد النتائج التي أفرزتها أحداث نيسان 1981 سيّرت السلطة دوريات راجلة مشتركة على امتداد مدينة حماة، وكانت هذه الدوريات مؤلفة من عناصر الوحدات الخاصّة والمخابرات وعناصر الكتائب الحزبية الذين كان دورهم الرئيسي في الدورية كمخبرين عندما يشاهدون أحد المشتبه بهم يشيرون إليه فيتم اعتقاله أو قتله، وكان عدد أفراد هذه الدورية يتراوح ما بين 15عنصراً إلى 25 عنصراً ويمشون متباعدين وعلى طرفي الشارع خوفاً من الوقوع بكمين أو حتى حصرهم في زاوية معينة ومهاجمتهم، وبهذا التطور الخطير تعقدت الأمور كثيراً وأصبح الناس لا يأمنون على أنفسهم من الدوريات الراجلة والمنتشرة حتى داخل الأزقة والحارات الضيقة والتي كان من صلاحياتها إيقاف كل شخص يريدون تفتيشه واعتقاله أو حتى قتله، وكان العنف والقهر أسلوبهم في التعامل فلم يكونوا يظهروا للناس العاديين في الشوارع من نساء وأطفال وشيوخ أي رحمة أو شفقة، بل كانت نظراتهم إلى من حولهم من الناس موزعةً بين الشك والخوف والارتياب، في حين كان كثير من الجنود غير الحزبيين يتعاملون بأدب واحترام ورحمة مع الآخرين ويقولون للأهالي نحن لا يُرضينا ما نفعله هنا ولكن والله ما باليد حيلة، إلا أن هؤلاء الجنود لا يتأخرون عن مساعدة أي أحد من الأهالي عندما تسمحُ لهم الفرصة وكثيراً ما أبدوا التعاون مع الأهالي أثناء حصار الأحياء أو حتى عند الحواجز الثابتة أو الطيّارة، وكان هؤلاء الجنود مع الأهالي بعيداً عن عيون ضبّاطهم النصيريين الحاقدين على أبناء هذه المدينة، وقد حصلت وقائع كثيرة جداً لتعاون هؤلاء الجنود مع المعتقلين أيضاً حيث كانوا يوصلون الأخبار لأهليهم وعائلاتهم وبالعكس، كما ساهم كثير منهم بتنبيه سكّان الأحياء وعزم السلطة على حصارها وتفتيشها قبل العملية بساعات فيتدارك شباب الحي الأمر ويخرجون من المنطقة أثناء التفتيش. 
تمَّ تسيير هذه الدوريات ابتداء من مطلع شهر تشرين أول  عام 1981 بعد أن تم دمج فرعيّ مخابرات أمن الدولة تحت قيادة رئيس فرع أمن الدولة بحمص المقدم مصطفى أيوب وبين فرع أمن الدولة بحماة الذي كان برئاسة الرائد راغب حمدون وهو من مدينة حماة، أمّا أيوب فقد تم تكليفه بإدارة العمليات لكلتا المحافظتين بحجة أنَّ أداء الفرع بحماة لا يُرضي طموحات الأسياد، فجاء مصطفى أيوب بهذه الفكرة الشيطانية، والمقدم مصطفى أيوب شيعي من متاولة جنوب لبنان منطقة بنت جبيل، هاجر مع أهله إلى مدينة درعا في سورية وانتسب للجيش وتخرج على يدي الطائفي محمد الخولي وانتهى به المطاف رئيساً لفرع مخابرات أمن الدولة بحمص، وفي شهر تشرين أول 1981انتُدِبَ لرئاسة فرعي حمص وحماة بعد أن تم دمجهما، أيوب هذا الذي اخترع فكرة الدوريات الراجلة المشتركة بين عناصر المخابرات والوحدات والكتائب الحزبية وإعطائها الصلاحيات المطلقة في اعتقال أي شخص من المارة ولو على مجرد الاشتباه، أو تفتيشه أو حتى بإطلاق النار عليه وقتله أيضاً، واستمرت هذه المرحلة الحرجة لأكثر من خمسة شهور تقريباً ولم تتوقف إلا قبل أحداث المجزرة الكبرى في شباط 1982 بقليل، وسقط نتيجة هذه السياسة الجهنمية العشرات من شباب الطليعة وقياديهم. 
دوريات الطليعة المقاتلة الراجلة في حماة
وفي مقابل دوريّات السلطة الراجلة قامت الطليعة المقاتلة بتسيير دوريات راجلة ليلية ونهارية تتألف ما بين ثلاثة عناصر إلى خمسة عناصر، وكان لباس الدوريات النهارية كلباس الناس المدنيين، أمّا الدوريات الليلية فكان لباسهم مختَلطاً على نمط دوريات السلطة مدنياً وعسكرياً بلباس الوحدات الخاصّة، وكانت تُحدد لدوريات شباب الطليعة مناطق نفوذ محددة ولساعات معينة نهاراً أو ليلاً يحظر على كل الإخوة الملاحقين أن يتواجدوا فيها أثناء ساعات الدورية، وكانت مع أفراد الدورية صلاحية مهاجمة وإطلاق النار على أي هدف من أهداف السلطة ودوريّاتها، كما وتم توزيع صوراً لبعض الضباط والحزبيين والمخبرين على عناصر هذه الدوريات لتنفيذ حكم الإعدام فيهم في أي مكان يتمكنون منهم فيه، لقد كان الهدف العام لهذه الدوريات ضرب أية أهداف أمنية للسلطة واردة ضمن قائمة طويلة أُعطيت للمجموعات الضاربة. لم يكن أمام المقاتلين في الطليعة المقاتلة من خَيَارٍ آخر لمواجهة التصعيد الخطير الذي أقدمَ عليه مصطفى أيوب والذي حدَّ من حركتهم وقَلَّصَها إلى أبعد الحدود إلاَّ بأن يخطو خطوة مماثلة لإرباك السلطة والتشويش عليها ومحاربتها بنفس الأسلوب . 
وبالفعل تحركت مجموعات الطليعة المقاتلة بتسيير دورياتها وتنفيذ أهدافها في شوارع المدينة وفي وضح النهار مما أربك السلطة كثيراً، وكان أخطر هذه الدوريات هي الدوريات الليلية التي تتخفى بلباس الوحدات الخاصّة، وذات مساء بتاريخ 11/10/1981 أوقفت دورية للطليعة سيارة دورية مشتركة تابعة للسلطة فيها ثمانية عناصر من الوحدات والمخابرات والكتائب الحزبية في منطقة عين اللوزة، وتجرأ قائد الدورية وشهر سلاحه في وجه دورية السلطة وطلب منهم تسليم أسلحتهم باعتبارهم دورية مزيفة تابعة لعصابة الإخوان المسلمين، ولم ينتظر الأخوة عليهم ليتناقشوا بالموضوع حيث بادروهم بإطلاق النار عليهم وتم إعدام الثمانية رمياً بالرصاص وغنم هؤلاء أسلحتهم ومعداتهم وأخلوا المنطقة على الفور، وجُنَّ جنون السلطة لما جرى وزجّوا بقوات عسكرية كبيرة وحاصروا منطقة البرازية والمحالبة وباب البلد عين اللوزة وقامت بتفتيشها بحثاً عن عناصر الطليعة ولكنهم لم يعثروا لهم على أثر. تنبهت السلطة لما يجري في المدينة فصعّدت الأمور أكثر وزجّت بأعداد كبيرة من الدوريات الراجلة والمتحركة في الشوارع التي أصبحت كساحة معركة حقيقية، وباتت أعداد عناصر الجيش والأمن في الشوارع تفوق أعداد الناس في بعض الأحيان، وصارت الاشتباكات بين السلطة والطليعة يومية وعلى مدار الساعة ليلاً ونهاراً، وبدلاً من الضغط على السلطة لتخفيف حملتها زادت السلطة في غيّها وقمعها، وضاقت الأمور على الطليعة أكثر من قبل.
ويروي أحد عناصر الطليعة (الذي طلب عدم ذكر اسمه) أنه  من خلال مقابلاته الميدانية في حماة في تلك الفترة أن أحد مقاتلي الطليعة من الذين شاركوا في هذه الدوريات حدثه قائلاً: (لقد كُلِّفَتْ مجموعتنا ضمن عدة مجموعات أخرى للقيام بتنفيذ هذه المهمة في الفترة الصباحية الممتدة من الصباح وحتى الظهيرة، وباشرنا فعلاً بتنفيذ مهمتنا اليومية التي سارت على أكمل وجه لأكثر من ثلاثة أسابيع، كانت رؤيتي الشخصية لهذه العمليات مختلفة عن نظرة بعض الأخوة لها، حيث كان البعض منهم يرون فيها رداً مباشراً على استفزازات السلطة للمجاهدين، وكنت أرى أن هذه العمليات فاشلة من الناحية العسكرية لعدة أسباب: 
أولاً: فيها تعريضٌ مباشر وغير ذي نفعٍ كبير لحياة الإخوة للخطر المحقق في مواجهة المئات من عناصر السلطة يوميا.ً 
ثانياً: إنّ فقداننا لأي أخ في هذه العمليات تُعتبر خسارة كبيرة لنا في ظل هذه الظروف القاسية التي أودت بحياة العشرات من شبابنا واعتقال المئات منهم مما يعني خسارة كبيرة للجماعة. 
ثالثاً: إنّ الأخ الذي يُستشهد أو يُعتقل من الصعب علينا تأمين بديل له يملك نفس الخبرة والتجربة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لهؤلاء الشباب المتدربين ونحن نسمع من هنا وهناك عن أنَّ موعد الحسم مع السلطة قد اقترب أوانه). 
ويتابع الطليعي حديثه فيقول: (حاولت الاعتراض بادئ الأمر على تنفيذ هذه العمليات فلم أُفلح وصِرت كمن يواجه الأمواج العاتية والسيول الهادرة بصدره المنعزل والوحيد، فتوجهات الشباب بمجملها كانت مندفعة بدون تحفظ وراء الاستمرار بتنفيذ هذه العمليات، ثم كررت المحاولة بحزمٍ بعد أن ثبتت لي ولبعض الأخوة عدم وجود ذلك النفع أو تلك الفائدة التي تتناسب وتلكمُ المخاطر التي نتعرض لها أثناء هذه العمليات، ولمَّا لم تفلح جهودي في إقناع أمير مجموعتنا ليقوم هو بالتباحث مع القيادة للعدول عن العملية وإيقافها قررت أن أتصل بالقيادة مباشرةً، وفي مساء ذلك اليوم قمت بكتابة رسالة خطية للقيادة مباشرة وكلّفتُ أمير مجموعتنا بنقلها للقيادة على الفور بخصوص الموضوع المذكور، وتم ترتيب لقاءٍ لي مع أحد الأخوة من طرف القيادة لسماع ما عندي من وجهات نظري حول العمليات الجارية وخطورة تصعيد الموقف أكثر مما هو عليه في المدينة، خصوصاً إذا ما علمنا بأن حركة الأخوة أصبحت شبه معدومة ومن يتحرك منهم كان يلاقي ما يلاقي من تلك الدوريات الراجلة والتي أصبحت شبحاً يلاحق الأخوة في كل مكان، ولم تنقض تلك الليلة حتى تمَّ إصدار الأمر من القيادة بإيقاف عمل تلك الدوريات والتزام الإخوة قواعدهم بفضل الله رب العالمين، ومرَّت أول ليلة بسلام وسطعت شمس نهار أول يوم على هدوء كامل عمَّ أرجاء المدينة ونفوس أهلها.
يتبع

الآليات الدفاعية ضد الهدر الإنساني/ زهير الخويلدي

"إننا أكثر فأكثر بصدد التحكم المُحَلَّىSweetened control  الذي يسهل تسويقه وتسويغه حتى بالنسبة لأكثر الناس تعرضا للهدر"[1]
نتناول في هذا البحث كتاب الأستاذ مصطفى حجازي "الانسان المهدور" الذي يأتي ضمن سلسلة أعمال أنثربولوجية ضمت كتب " التخلف الاجتماعي: بسوكولوجيا الانسان المقهور" وبعد ذلك   " حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية" و" إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي و"الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة" و"الفحص الفني" و"علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية و"لماذا العرب ليسوا أحرارا؟". فماذا يقصد حجازي بالهدر؟ ماهي أبعاده؟ هل تفطن الى أسبابه وشخص دواعيه وعلله؟ والى أي مدى تمكن الكاتب من تقديم الحلول الكافية بالتخلص منه ومجابهة تداعياته وانعكاساته على الانسان والحياة؟ وماهي الآليات الدفاعية التي يذود بها المرء لمواجهة الهدر؟
1- مفهوم الهدر:
" الهدر هو نقيض بناء التمكين والاقتدار وصناعة المصير. ومن ذلك يتضح كيف أن الهدر يستوعب القهر، بحيث أنه لا يصبح ممكنا ( القهر) الا بعد هدر قيمة الانسان واستباحة حرمته وكيانه في عملية الاخضاع والاتباع"[2]
يدل لفظ الهدر لغة على الإبطال والاستنزاف وسقوط المكانة والاستباحة وسحب القيمة وغياب الموانع عند التصرف وإزالة الحصانة وفقدان الحق وإمكانية التعدي والقضاء عليه والتنكر وعدم الاعتراف والازدراء والحرمان والتهميش والاقصاء واضاعة الفرص والخسارة. وعلى الصعيد المادي يشير الهدر الى سوء التصرف والتبذير والاسراف وغياب التخطيط والإنفاق في غير محله والاثراء غير المشروع والتفقير والاحتكار والسرقة والارتشاء والفساد.
" إن الهدر حالة ليست نادرة وإنها تتفاوت من اباحة اراقة الدم في فعل القتل او التصفيات كحد أقصى الى سحب القيمة والتنكر لها مما يجعل الكيان الانساني يفقد مكانته أو منعته أو حرمته. وقد يتخذ الهدر شكل عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة ، وحتى الوعي بالذات والوجود، مما يفتح السبيل أمام مختلف ألوان التسخير والتحقير والتلاعب وإساءة الاستخدام"[3]. لكن ماهي الأبعاد والفضاءات التي يتعرض فيها الانسان للهدر؟
2- مجالات الهدر:
لا ينحصر الهدر في المجال المادي فقط ولا يحضر فقط في البعد الرمزي وانما يغطي جميع مجالات التجربة الانسانية وقد يتحول الى مرض كياني لا يمس الفرد فحسب وانما يطال الجماعة بأسرها ويصيب النوع البشري ويبدد ثروات الطبيعة ويقلل من مقومات الحياة ويضيع مستلزمات حفظ الكيان ويجفف منابع العيش السوي ويصحر الكينونة. 
ويجب التفريق بين الهدر الداخلي الذي يتجلى في العلاقة المتوترة بين الذات وذاتها وخاصة عندما ينفجر العنف والغضب والانفعال لحظة الانشطار الذاتي والاكتئاب الوجودي والنكوص النفسي والتفكك الأسري وتكاثر نسب الجريمة والطلاق والانتحار والفشل المدرسي والنكبة الكينونية والوقوع في مرض التعصب الهووي، وبين الهدر الخارجي الذي يظهر في العلاقة المتوترة مع الغير والدخول في صراع دائم وحرب مع الخارج واستبداد مشاعر الكراهية والتنفير والترهيب والتفريط في الوطن والمؤسسات.
"العولمة تهدر الانتماء من خلال مشروعها الموجه الى الشباب تحديدا. انها تحاول سلخهم عن هويتهم وانتماءاتهم واتباعهم باقتصاد السوق فوق الوطني...كما أنها تهدر الوعي من خلال آليات الاستيعاب الخفي"[4]. هكذا يلجىء الانسان الى اضاعة الفرص واستنفاذ الرصيد الديني والثقافي والأخلاقي ويتحول الى مجرد رقم وشيء مادي وعبء على عائلته والى حمل ثقيل على الوطن. كما يتم اهدار الطاقات الفكرية والثروات المادية والرمزية والقوة البشرية ويقع التضحية بالنخبة المتعلمة في الوظيفة وتدجين الشريحة المثقفة في السياسة ويلقى بالفئات الشابة في جحيم البطالة والمناولة والتشغيل الهش ويقع التلاعب بمشاعر الانتماء والوفاء.
3- أسباب الهدر:
" هدر الفكر هو أهم ركن في ثلاثية الهدر الأخطر- أي هدر الفكر والوعي والطاقات- لأنها تصيب حيوية المجتمع ونمائه في الصميم"[5].
بما أن الهدر مرض كياني يتهدد الانسان الفرد والمجتمع والنوع والطبيعة والحياة والمنافع والموارد فإنه من البديهي التفتيش عن الدواعي المسببة له والوضعيات التي ساهمت في حصول العواقب الوخيمة التي انجرت عنه والنتائج الكارثية التي ترتبت عنه والورطات التي تردى اليها الوعي.
لعل أهم أسباب الهدر هو الاستبداد والتسلط والحكم الفردي والانفراد بالرأي والطغيان والبحث عن الهيمنة والاعتداء على كرامة الانسان وتسويف انسانيته بتقديم ثقافة الولاء والعلاقات الدموية والمحسوبية والخضوع التام والقبول اللاّمشروط للأوامر وتحويل الناس الى أدوات تنفيذ وانتفاع. أضف الى ذلك تدفع العصبية في اتجاه الترويض والتحكم وكبح الطاقات المنتجة وتسمح لعلاقات التبعية والقصور أن تتشكل بين المريدين والشيوخ وتغرس الوصاية والطفلية عند المراهقين وتعوق الارتقاء والتأهيل وتحول دون بلوغ مرحلة النضج والرشد والاستقلالية.
"" فرص هذه الشريحة من الشباب لا تهدر فقط في خط الوصول وبعد التخرج، بل هي تهدر على الأغلب منذ خط البداية. وهو ما يتمثل في تواضع نوعية التعليم الذي يتوفر لها وتدني مستواه، مما لا يؤهلها أصلا للمنافسة في سوق العمل ومتطلباته المتزايدة في مجال الاقتدار المعرفي والمهني."[6]
 كما يلعب الاقتران الشرطي بين السلطة والتهديد دورا بارزا في تشكل منظومة رقابة على العقول وسيطرة هادئة على الأجساد تعكس سيكولوجيا الجلاد بتسطيح الوعي والهدر المتبادل والتفكير السلبي، وتقوم بتركيز تكنولوجيا السلوك تمارس نوعا من التحكم الناعم والترويض وعند المعارض تلجىء الى نوع من العقاب بالتعزير والتعذيب الجسدي والتحقير المعنوي ومصادرة الاحلام بصناعة النجومية وتوجيه الرغبات والتشجيع على الشهرة وجلب الأضواء والدعاية واتباع صيحات الموضة والعلامات التجارية وثقافة التسلية ومليء أوقات الفراغ بالترفيه عن النفس واللعب وتعطيل المشاركة الفعالة والإجهاد في البحث عن الثروة والحلم بالقفز فوق حاجز البؤس والخلاص من التواجد في منطقة ما دون خط الفقر التي هي منطقة ما دون الانسانية والسقوط في جلد الذات والاستنقاص أو ثقافة التفخيم والمديح الذاتي والحضور الكلي والتجميل الفارغ.
4- مجابهة الهدر:
"يساعد الاستغراق في قضايا حيوية على أن يصبح المرء مدفوعا بالمكافآت الداخلية...وهكذا تنمو المهارات ويتقدم السير على طريق بناء مشروع الوجود، ويرتفع تقدير الذات ويتم التحصّن ضد الشدائد، وعلى رأسها الهدر"[7]
رأس الأمر أن الرد على ما يتعرض له الانسان من هدر وحط من القيمة وتحكم في حاجات الجسد وحد من آفاق التفكير وتضييق على مدى الخيال ونطاق الحلم يقتضي اطلاق ملكات العقل اللاّمحدود وتحرير قدرات الجسد وتعزيز الاعتراف بإنسانية الانسان والتسلح بثقافة الانجاز.
من جهة أخرى تتطلب مواجهة هدر الكيان البشري احلال سلطان العقل والإرادة محل سلطان الغيب والخرافة والاحتكام الى منطق العقل بدل اقتناص ضربات الحظ السعيد، ويستلزم تنمية الانسان الاعتراف بقدرة الشباب والنساء وتشغيل المؤسسات الناجعة وتقوية الآليات الديمقراطية.
بناء على ذلك تكمن الآليات الدفاعية ضد الهدر في الدخول الى عالم القوة والتزود بمتطلبات الاقتدار والتشبث بقيم التقدم والارتقاء وحسن الحال والحياة الجيدة وبناء نظرة تفاؤلية حالمة وتشغيل التفكير الايجابي وتصويب الانفعالات نحو الاثبات وتقوية العواطف النبيلة وسيكولوجيا الفرح وتشغيل قوة المبادرة والدافعية والتعويل على الكفاءات الشابة والديناميات النفسية الصلبة.
يجد الانسان المهدور نفسه بين الانفجار والانتحار ولكنه يتحمل واقعه الوجودي العاصف ويرد على الصورة المبخسة وفاقدة القيمة عن ذاته بتوفير التوازن الضامن للشخصية استمرارية الوجود.
ينبغي الابتعاد عن حلول تجنب مواجهة المآزق والاحتماء بالماضي وبالقدر والمكتوب والحظ والمقدس والإدمان والاستلام والعجز والتبلد واللامبالاة واختيار الهجوم والتعرض للامتحان والابتلاء والصبر والفعل والتسلح بالعزيمة عند الشدائد والإصرار على النجاح وتكرار المحاولة والتجديد بالتعلق بالمعايير السامية والنهل من القوى الكامنة والمصالحة مع الاحساس بالامتلاء.
غاية المراد أن الانتقال من الانسان المهدور الى الانسان القادر يقتضي توفر ثلاثة شروط هي:
-        الاقتدار الفردي من خلال الصحة الفردية بالوعي بأسباب الهدر والتواطؤ الذاتي مع الفشل وتبني أسلوب التفسير المتفائل واختيار البدائل البناءة.
-       الكفاءة المؤسسية من خلال الديمقراطية واعتماد النجاعة وابتداع الوسائل الأرقى.
-       الحصانة المجتمعية من خلال الاستفادة من قوى النماء الحية لدى الأفراد وتحقيق الاعتراف بالكفاءات.
خلاصة القول أن استراتيجية مواجهة الهدر وتجاوزه لا تتوقف عند الربط بين التفكير الآمل والتفكير الوسائلي والتفكير التدبيري بل تتعدى ذلك نحو الاندماج في المجتمع والانخراط في الفعل وخدمة الصالح العام وانجاز الأهداف والالتزام بقضية كبرى والشعور بامتلاء الوجود.
لكن ما حيلة المرء أمام العزلة عن الآخرين وفي ظل قلق الانفصال؟ ألا يحتاج المرء الى درجات عليا من السكينة النفسية والمناعة المؤسساتية والحصانة الاجتماعية كي يقاوم آثار الهدر؟
المرجع:
مصطفى حجازي، الانسان المهدور، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، طبعة أولى، 2005.
[1]  مصطفى حجازي، الانسان المهدور، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، 2005.ص.122.
[2]  مصطفى حجازي، الانسان المهدور، نفس المرجع ، ص.16. 
[3]   مصطفى حجازي، الانسان المهدور، نفس المرجع ، ص.28.
[4]  مصطفى حجازي، الانسان المهدور، نفس المرجع ، ص.33.
[5]  مصطفى حجازي، الانسان المهدور، نفس المرجع، ص.163.
[6]  مصطفى حجازي، الانسان المهدور، نفس المرجع، ص.209.