الجرو الصغير / عبدالقادر رالة

جرو صغير ابيض ملطخ بالطين ينظر الي وأنا ألتهم حبة اجاص كبيرة!
ينظر الي...الاكيد أنه جائع لكن الكلاب لا تأكل الفواكه ...استمتاعي بقضم الاجاصة يعذبه ، لكني لم استطع أن أحس بما يشعر به ذلك الجرو ، نظراته الهادئة كان لها معنى لم استطع أن أميزه أو أفهمه !
حتى بعد أن أنهيت قضم الاجاصة وحمدت الله استمر ينظر الي ، الاكيد أنه يشتمني أو يعاتبني لأني شحيح ولم ارم له قليلا ! ولما سمعت جرس المدرسة اضطررت الى تركه وحيدا في الحديقة...
وأجبرت على الانتظار لخمس سنوات حتى احس بشعور ذاك الجرو الصغير.. استطعت أن أتفهم شعوره في ذلك اليوم في الحديقة...
كنت واصدقائي نلعب بكرة مصنوعة من الورق المقوى أمام مطعم... وقفت فجأة أنظر الى شخص يلتهم دجاجة مشوية وفريت... كان يستمتع بالتهامها أيما استمتاع... وتوقفت عن اللعب واستمررت انظر اليه، كان منشغلا غير أبه بي، وتذكرت ذاك الجرو الابيض الملطخ بالطين، احسست بالجرو واحسست بمن يريد شيئا ولا يستطيع الوصول اليه، نظرت الى وجهي المنعكس على زجاج المطعم الشفاف ، فنظراتي تشبه نظراته المليئة بأشياء كثيرة حتى بعد خمس سنوات لم استطع ان افهمها جيدا...لم انتبه الا على بوق منبه السيارة...اصدقائي يصرخون منبهين...والسائق يصرخ:ـ هل ضاقت عليكم كل الارض لكي تلعبوا في الطريق.....

سميرة وفاتح أكتوبر/ رحيمة بلقاس

 في هذه الأمسية الهادئة ، وبعد أن تراخت سدوف الليل ، وخيم السكون على المكان،هدأت حركة البيت وتطهرت الآذان من ضجيج النهار،نام الأولاد ونام الزوج، ليداهم سميرة، شعور بغربة هزت أضلاعها ، ارتجّت الوحشة بقلبها،وريّاح الماضي خلخلت رتاج اختلاجات دفينة بأعماقها ، لتعود بها لأحضانهما الدافئتين.
رفعت سميرة عينيها للساعة ، منتصف الليل ، إنه اليوم الأخير من العطلة الصيفية ، اليوم بداية الموسم الدراسي.
شريط الذكريات يمر سريعا.. وابتسامة كالفجر لمعت ضياء، أيقظت الحنين بجوانحها، غفوة خفيفة أخذتها مع مسلسل الماضي، فأحست يد والدها تمسد جبينها بحنان، وصوت أمها يداعب سمعها لتسترخي في فراشها وطمأنينة رحلت بها إلى فاتح أكتوبر يومها الأول بالمدرسة.
صوت رخيم يناديها يوقظها من نومة ناعمة في دفء البيت الذي اختزنته مخيلتها بأبهى الصور.
انهضي بنيتي حان موعد الذهاب إلى المدرسة ، قومي حبيبتي أبوك ينتظرك ليرافقك ، لقد أكملت ست سنوات وعليك أن تلتحقي بالدراسة كما أخوك .
استيقظت سميرة على رقة همسها يدغدغ أذنيها ، وعلى ابتسامتها الساحرة تنعش عينيها.
هبت واقفة وقلبها الصغير يكاد يحلق من الفرح.
أين فستاني الجميل؟ أمي !صففي لي شعري ! وضعي الوردات الحمراء التي أعددناها أمس!
أين حذائي؟أين وزرتي والمحفظة؟
وأمها تتبعها وتضحك وتقول حاضر حبيبتي.
لهفة سميرة تزداد وتزداد .. لا تستطيع أن تخفيها . إنه يومها الأول لتلتحق بالجد والعمل ، وتغادر اللهو واللعب. تحس أنها كبرت وغدت مسؤولة  مثلهم. مشاعر النضج اعترتها ..أصبحت مهمة ولها مكانتها بالمجتمع..
طفلة صغيرة لكنها فطنة وذكية، لم تفارق البيت أبدا إلا صحبة أبويها، حان وقت اعتمادها على نفسها .
الآن سأذهب للمدرسة وحدي .. أصفف شعري وحدي.. وأعود إلى أهلي وحدي.. أراجع دروسي وحدي..أقوم بواجباتي وأعتني بنفسي وحدي!
هاهي سميرة وأبوها يخرجان من البيت وهي تحمل محفظتها الفارغة إلا من ورقة تحمل اسمها والقسم الذي سيضمها مع صديقات الدراسة.
تقفز كالفراشة . تجري تجاه المؤسسة . وصوت الوالد يقول: انتبهي للطريق احفظيه لكي  لا تتوهين عند العودة!
دخلت ساحة المؤسسة ودهشة سرور ، فرح، خوف، انفعال، اضطراب، اعجاب،.. عشرات الأسئلة تتزاحم بذهنها الفتي.
ما أجمل هذا الفضاء!ما أبهاه!
أقسام رائعة ، مزينة بلوحات طبيعية ورسوم أطفال!
ساحة خضراء ببساطها الجميل المزركش  بورود ندية تخطف الألباب!
أشجار مورقة وارفة وظلالها ممتدة تنعش الروح وتثلج الصدور!
ياه ! هذا علم بلادي! إنه يتوسط الساحة الجميلة !
مر الوقت بسرعة لم تحس بتسربه. دق جرس الخروج. الكل في صفوف منتظمة ، لتجد نفسها وحيدة أمام باب المدرسة!
أين طريق بيتي ؟ من هنا؟ لا من هنا؟ سأتبع هذا الصور ؟ لا بل هذا ؟
المسكينة التبس الأمر أمامها . فقدت توازنها. انتابها الخوف. سارت مع الصور كما أوصاها والدها. طال دربها وكأنه لا نهاية له. كل شيء يبدو غريبا ! تمشي وتمشي ! وكلما حثت الخطى كلما ازداد طولا! يارب أين بيتي ؟ هل اختفى؟ ألن أرى أبي وأمي أبدا؟ ماذا أعمل؟
الدمع انساب على خدها في صمت وذهول!
قطعت المسافة ذهابا وإيابا أكثر من مرة .
وأخيرا اهتدت إلى أن تعود أدراجها إلى باب المدرسة وتقف هناك علها تجد أحد أبويها يبحث عنها.
وكما  القطة المذعورة هبّت تقفز وتجري في اتجاه المؤسسة .. وما كادت تصل حتى تهلّلت أسارير وجهها فرحا..
لتقوم سميرة من مكانها مسرعة ، وهي تنادي ندى قومي حبيبتي ! تمسد شعرها وتطبع القبل على جبينها! وتردد : سأصحبك إلى مدرستك اليوم غاليتي ، لقد كبرت الآن ، لا تخافي لن تتوهين عني ، لأنني سأكون بانتظارك.

في رحيل استاذ الفلسفة وشاعرها الدكتور عبد الغفار مكاوي/ شاكر فريد حسن

في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول المنصرم ، غاب عن الحياة والوجود، وبصمت وهدوء، وبلا صخب وضجيج اعلامي ، الاديب والمفكر المصري الكبير ، استاذ الفلسفة وشاعرها الدكتور عبد الغفار مكاوي ، الذي يعد احد القامات الثقافية والفكرية السامقة ومن اهرامات مصر العقلية وكبار اساتذة الفلسفة وابرز المعربين العرب من اللغة الالمانية للعربية.
وبرحيله وغيابه تفقد الحياة الثقافية والادبية والفكرية في مصر والعالم العربي مثقفاً موسوعياً، وناقداً رفيعاً، ومترجماً بارعاً، وفيلسوفاً شاعراً وشاعراً متفلسفاً ، وباحثاّ دقيقاً ، واستاذا اكاديمياً ، وكاتباً متعدد الاهتمامات والمحاور والادوار.
وبالرغم من نبوغ الراحل عبد الغفار مكاوي وعطائه المتشعب والمساحة الابداعية ،التي ملأها بتشكيلاته القصصية والمسرحية ودراساته الادبية، وابحاثه الفكرية والفلسفية ،وترجماته المتعددة ، وما قدمه من خدمات جلى للثقافة التنويرية والادب الحديث والفكر المعاصر ، الا انه كغيره من الكتاب والادباء والمبدعين العظماء الانقياء ، الذين لا يجيدون النفاق والدجل والتجارة الثقافية وفن العلاقات العامة ، عانى من التجاهل والتغييب المتعمد ، ولم يستحق الحفاوة والاهتمام البالغ ،والتقدير الادبي ،والتقييم النقدي، من رجالات الادب والثقافة والصحافة والاعلام  والدوائر والمؤسسات الثقافية الرسمية ، ولم يجن  - كما قال ذات مرة – من عمله الاكاديمي ولا من الادب شيئاً ، ولن يترك لاولاده سوى مكتبة ، وعلى الارجح سيبيعونها لسور الازبكية .
وعن ذلك يقول :"معظم كتبي مثل البنات في العصر الجاهلي توأد وتولد ميتة ، وأقول من باب الدعابة ، ان ذلك لسوء حظي ، ويسري علي الوصف الذي وصف به ابو حيان التوحيدي – وهو من خيرة كتاب القرن الرابع الهجري – اديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، وهذا القول قيل عن استاذي زكي نجيب محمود، فأنا لا مع الأدب ولا مع الفلسفة ولا القصة ولا الى المسرح، وحتى المشتغلين بالفلسفة لا يذكرونني او يتعمدون تجاهلي، فكتاب القصة يتجاهلونني ، والنقاد يذكرون كل كتاب القصة ولا يذكرون اسمي، لا اقول نادراً بل لا يذكرون كل كتاب المسرح، وأنا لي اكثر من عشرين ، كتاباتي تلاقي تجاهل اشبه بالمتعمد وانا اتجاهل هذا".
والراحل عبد الغفار مكاوي من مواليد محافظة الدقهلية سنة 1930، حصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة سنة 1951، والدكتوراة في الفلسفة والادب عام 1962 من جامعة فرايبورج بالمانيا. اشتغل في قسم الفهارس الاجنبية بدار الكتب المصرية ، وعمل بالتدريس الاكاديمي في قسم اللغة الالمانية ، ثم بقسم الفلسفة ، وبعد ذلك عمل محاضراً بجامعة صنعاء في اليمن ما بين الاعوام 1978 – 1982، فجامعة الكويت العام 1985 الى العام 1995.
وتمثل نشاط مكاوي الادبي والفلسفي عبر مقالات ودراسات نشرت في مجلات ومنابر ثقافية عدة ، منها :  الثقافة والادب والمجلة والاديب والفكر المعاصر وغيرها. عني بالترجمة والتعريب وانجز ترجمات لكبار الفلاسفة امثال كانط وهيدجر وسواهما . ومن ابرز الاعمال والكتب التي ترجمها " ملحمة جلجامش " و" سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونانيين"وغير ذلك الكثير. وتميزت ترجماته بالسلاسة والدقة والوضوح .
 اثرى المكتبة المصرية والعربية بخمسين مؤلفاً ومنجزاً في مجالات الفلسفة والبحث والقصة والمسرحية ، شكلت مصدراً اساسياً من مصادر التكوين المعرفي والفلسفي والفني والادبي. ومن اهم مؤلفاته العلمية : مدرسة الحكمة ، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ، جذور الاستبداد وسواها. اما في مجال القصة ،فله : ابن السلطان ، الست الطاهرة ، القبلة الاخيرة وغير ذلك.
غني عن القول ، ان عبد الغفار مكاوي شاخص فكري ،ومثقف تنويري ، وكاتب فلسفي من ثوابت العقلانية العربية ، ويمكن تصنيفه من الجيل الفلسفي الجديد الداعي لعقلانية عربية متنورة ذات طابع تحرري ديمقراطي وتجديدي.انه سليل الحبر العربي والقلم الشريف والنظيف والكلمة الحرة التي لا تباع في سوق النخاسة والتجارة الفكرية ،وباعماله وانجازاته اعطى صورة جديدة للنخبة الفكرية العربية ، فكان من صفوة المثقفين وخيرة المبدعين وطليعة المترجمين والباحثين . واذا كان قد غاب جسدا فسيظل مهيمناً وحاضراً في المشهد الثقافي والفكري المصري باثاره الفكرية والأدبية ذات العذوبة والانسانية .

المثقف العراقي دليل سياحي/ أسعد البصري

١- جوهر الحضارات

لا أتفق مع سيد قطب
لكنه يعجبني كثيراً
خصوصا حين حملته باخرة إلى آمريكا
وعاش و درس فيها فلم تعجبه = رفضها
ولا أتفق مع علي شريعتي
لكن يعجبني أنه عاش في فرنسا و درس في السوربون
لكنه بقي يحلم بعالم إسلامي كان هذا إيمانه
سيد قطب و علي شريعتي
عبقريات وجدانية عميقة في الثقافة الشرقية المعاصرة
لا يعجبني المثقف العراقي السطحي
الذي يدخل الغرب ويتحول إلى دليل سياحي سخيف
يسحق ثقافته و حضارته في وجدانه
جوهر الحضارات أعظم من مظاهرها

٢- الوجه / الوسامة / الحب

قالت لي عجوز فارسية قبل سنين
لا يحتاج الرجل أن يكون وسيما
بل عليه أن يختار زوجة جميلة
وكان جدي الحاج تركي يقول
بعد أن رحلتم ( خلا ) وجهي
لم أكن أعرف أن هذا تعبيرا قرآنيا
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
وجه يعقوب كان ممتلئاً بجمال يوسف
ووجه الرجل يكون ممتلئاً بجمال زوجته وأولاده
الكنديون يعرفون الوحيد من وجهه و يتجنبونه
الوحدة وجهٌ فارغٌ من الحب
كان بودي لو عندي وقت يا أصحابي
لحدثتكم عن الحب والوجه والأطفال
لكنني محاطٌ بأعداء قساة ماكرين

الباقيات الصالحات/ أسعد البصري

١- أصدقائي الكنديين
محوت أصدقائي الكنديين من الفيس بوك قبل عامين ، لم يبق منهم سوى ثلاثة أو خمسة . السبب هو أن حياتهم مليئة بالأحداث والصور . سفرة في قارب ، طيران إلى الهيمالايا ، البرازيل لاس ڤيگاس ، رقص كل أسبوع وحفلة ، سيارات جديدة . حتى الزوج والزوجة . صديقتي سونيا أرى على صفحتها رابع زوج خلال عامين . فساتين كلاب و قطط شامبانيا عناق احتكاك عري شذوذ جنسي ، عمليات تجميل . صديقي مارك أجرى عملية مؤخراً لأنفه و صديقتي سمر ديفس أجرت عملية لتضخيم صدرها . يتمددون تحت الشمس لسمار البشرة . هؤلاء مزعجون حقاً كائنات لا تطاق . صورهم تعذيب مستمر ، يريدون أن يقولوا لك إنهم سعداء بمليون طريقة و صورة . لا يطاقون . أحب أصدقائي العرب حيث أنجطل و ينجطلون ، يقولون و أقول دون صور و دون أن يحدث شيء ودون أن يرتكب أحد شيئاً . القول الجيد هو كل شيء وطز بالتفاهات . تستطيع أن تقرأ المعري و كافكا و تشعر بلذة لا يحلم بها إنسان . فقط يزعجني بعض العرب الذين يعتقدون الكتابة وسيلة للغزل والجنس والعلاقات . لأن الكتابة عدم قناعة بالحياة و عدم رغبة بها . فلماذا تشوهها برغبات دنيوية . يمكنك اللحاق بأصدقائي الكنديين وبالحياة لا يحتاج الأمر إلى عناء و شعر و ثقافة . فقط صورة و جرأة و سعادة . هل فهمت ؟؟
٢- الشاعر المسلم
أيتها الباقيات الصالحات
اجلسْنَ إلى جانبي هذه الليلة
يا زوجاتي الجميلات
هذا الرداء من صنع أيديكنّ
وهو يتّسعُ في الليل كما تعْلَمْنَ
لن أستطعمَ أحداً سواكنّ
طعامكنّ أطيب وأشهى
إنني شاعرٌ مُسلم
أخرق السفينة و أقتل الغلام وأبني الجدار
فمَن بعد هذا يستطيعُ معي صبرا ؟؟
٣- المئذنة والمدخنة
بعد أن انتهى إبراهيم من الأصنام التي صنعها قومه
كان النصر وشيكاً
لكنهم فاجأوه بالأصنام التي صنعها هو
وداعا مئذنتي التي سيعميني دخانها
(( بكتِ المئذنة
حين جاء الغريب اشتراها
بنى فوقها مدخنة )) / أدونيس
لم نكذب على الناس
إلا بالمقدار الضروري لنجاة الصدق

لو لامست عيناك أحرفي/ ضحى عبدالرؤوف المل

 رسائل من قلبي إليك...
لو لامست عيناك أحرفي لتشكّلت أبجدية أخرى، فهل أبوح بلوعة كتبتها أنفاسي في صمت على ورق تفوح منه ضمائر الأرق؟!.. ام أمنح دمعي خداً أحمر؟!.. ام أتأجّج ناراً ذات صخب، وفي الثغر سلام وراية مجد كبرى؟!....
تمرَّد إن شئت، فلستُ أزول وفي ذاكرتي هناك.. هنا.. أنت.. قلب منك اغتاظ وتفجّر...
لُفّ أهدابي واتّكئ على أناملي، فحروف أحبّك لن تختفي!.. لن تموت!... لن تمسك بتاريخي!.. لن تطلق صرخة امرأة حرَّى... سأصمت وفي رسائلي آهات مُرّة!.. ما عاد الزمان مشرداً، وما من مكان سيضمنا مرة أخرى...
سرابٌ تفوح منه رائحة المستحيل، بل وهمٌ يفتش عن حلم ممكن في قلب صبيّة كبياض الثلج تسافر كما الشمس في مجرات منسية، فكيف لي ان أتخطى كل ذكرى؟!...
حبيبي....
أنا أسيرة جسد منسيّ، أسيرة حواس سكرى. في النفس شوق وعيون قلّبت كل قصيدة، ضمّدت جراحي، صرخت مجلجلة هل يقوى القلب ان يطوي دفاتره؟... مميتٌ انتظارك، مميتٌ كل يوم يمر كفجر يبكي وقمر اكفهرَّ...
لجأت إليَّ.. إليكَ.. أسرعتُ الخطى!.. حطمتُ القيود، رسمتُ ملامحك في عيني، فكيف أمحو كل أثر ارتدى خيالي؟!.. تزيّا في ظل شمس ترنّح وتبعثر..
تدفَّق في صدري، في ثغر ورد نثر عطره ذرّة ذرّة... او اتركني في فجر يمتد، لا ينتهي.. يمزج الصمت بهمس!.. يلد ضوءًا يمزّق عتمة!.. يرتعش في شفق يغفو في قلب كل مجرّة، في غروب اختبأ خلف صخرة تكتحل في ليلة مُقمرة...
أحنُّ إليك والقلب يحترق... يئنّ... يمسك أناملي، يشنق كل شهقة تطير إليك كحبّة مطر في حقول الماء تقفز فرحاً..
ها نحن في مضجع الحياة نعانق السكون في صمت!.. نُهدي الشمس سحاباً يخفق الحباب فيه ويتناثر من شوقه مطراً، فهل أبكي؟!.. بين كفّي ليل وصبح كي أراك وأرسم على شفتيك أبجدية طفلة تأسرها وأنت عصيّ في أبجدية امرأة أدركها الكبر، فحنّ العمر عند فؤاد القدر!.. وأنثى أعياها السهر... تتهاوى.. تتغاوى على أوراقها تقاوم كل جنون قد يجعلها تتساقط قطرة قطرة....
حبيبي....
تلاش كبخور في عطر، في إيقاع، في نغمة ساحرة.. إبحث عني في كل حبّة رمل مسَكتْها يداك، وفكرة كتبها قلمك.. رسمها في صورة طفلة تقبّل مرآتها!.. تبحث عنك في أعشاش نسور... اعتزلت ظلالها، تركت كل سماء، تحرّرت من سجون مُلئت جدرانها رسائل حبّ تراتيلها!.. تزيدك سحراً.. لا تتأمل كل شجرة تتفيّأ أحضانها، فغيرتي في نبض قلبك تبارك كل ظل تلوّى واعتصر، وكل حرف لامس عينيك اختصر العمر في أبجدية مُسكِرة...

محمد علي خفاجي.. وداعأ يا شاعر الكلمة الشفافة!/ شاكر فريد حسن

بالأمس القريب ارتحل عن حياتنا وعالمنا ودنيانا الفانية الشاعر العراقي الكبير محمد علي خفاجي ، تاركاً وراءه سيرة ادبية مشرقة ، وارثاً شعرياً خالداً ، وكنوزاً ادبية ومسرحية ثمينة.
شاكر فريد حسن
ومحمد علي خفاجي  شاعر انساني ومبدع عظيم ، عربي الانتماء ، وعراقي الوجع والهم . غنى على قيثارة الشعر اعذب الالحان والانغام الانسانية المعبرة عن خلجات النفس ونبض الوجدان. قالت عنه الدكتورة سعاد البرزي من جامعة دمشق انه :"  شاعر يعرف كيف يجرح كبرياء الحرف وعنفوان الكلمة ويسلب تقوى التعبير وروعته".
ولد الخفاجي في كربلاء عام 1942ابان الاحتلال الانكليزي للعراق، وانهى دراسته الاكاديمية في كلية الآداب بجامعة بغداد ، ثم عمل مدرساً للغة العربية في مدارس العراق . ارتبط ارتباطاً جدلياً وثيقاً بهموم وقضايا شعبه العراقي ، وكرس كل طاقاته وجهوده ومواهبه للادب الجاد والشعر الانساني والوطني والرومانسي الهادف. شهدت ايام شبابه المبكر الابداعات الشعرية والنشاطات الثقافية والمطارحات الشعرية ، وساهم مع نفر من المثقفين والمبدعين العراقيين في اصدار اول مجلة محلية متخصصة في شؤون الادب والفكر والمسرح.
اختار محمد علي خفاجي الشعر كوسيلة لتجسيد الوجع العراقي والهم الانساني الدفين في اعماقه ، وكوسيلة للتعبير عن سمو الروح واشراق النفس والذات ، واتسمت شاعريته بصدق التعبير وقوة البيان وجزالة اللفظ وحرارة العاطفة . وقد صدر له اول ديوان شعر سنة 1964 وهو على مقاعد الدراسة واختار له عنوان "شباب وسراب" ثم صدر ديوانه الثاني "مهر لعينيها"، تلاهما ديوانه الثالث "لو ينطق النابالم " في العام 1967، فالرابع "انا وهواك خلف الباب" علم 1970، فالخامس "لم يأت امس ساقابله الليلة" ، فالسادس "يحدث بالقرب منا " ، واخيراً ديوانه السابع "الهامش يتقدم" .
كان محمد علي خفاجة صاحب شاعرية متمكنة نابضة بالوجدان والحس الانساني والابتكار التصويري التجديدي ، وذو طاقة ادبية ولغوية فياضة بالمشاعر الجياشة والعواطف الملتهبة تجاه بلده الحبيب ووطنه العراق ، وطن دجلة والفرات والنخيل، ومملوءة بشغف الجمال والوطن والحب والانسان البسيط المهمش الباحث عن السعادة والفرح.
والقارئ لنصوص الراحل محمد علي خفاجي الشعرية يجد انها نصوص متأججة في زخمها العاطفي والوجداني والانساني والصفاء الرومانسي والاشراق الفني . وهي اشعار تتصف بسلاسة الالفاظ وعذوبتها ورقتها ومتانة النسج ، انها من السهل الممتنع ، السلس، العذب ، والسهل الواضح ، المتدفق كجريان الماء في الجداول ، والمتتتبع للاحداث من غير انقطاع.
محمد علي خفاجي صوت عراقي دافئ وحنون ، وقامة شعرية باسقة ، حلقت في دنيا الابداع الشعري العراقي والعربي والانساني العالمي ، وسطعت في مجال الشعر المسرحي ، الذي احتل ريادته. اعطى الكثير للوطن والشعر والثقافة والادب في العراق ، وكان يحلم بالحرية والديمقراطية والمستقبل المشرق والغد الباسم ، ومات بسبب الاهمال من قبل  والمؤسسة الثقافية والنظام الحاكم في العراق ، الذي لا يقدر مبدعيه ومثقفيه ومفكريه ، فلم يسعفه ولم يسرع في علاجه من مرض الكلى ، الذي عانى منه طويلاً .
فسلام عليك يا محمد علي خفاجي في ضريحك ومرقدك الابدي ، ايها الشاعر العراقي الانساني المعطاء ، صاحب الكلمة الشفافة ، والروح المتوهجة . وكم كان شاعرنا الفلسطيني الكبير سعود الاسدي صادقاً حين قال في رثائك :
مبدع انت منذ ان كنت طفلاً
وبكحل الابداع كنت اكتحلت
مثقل بالفخار منذ صرت كهلاً
وبما يرتضي الوقار اكتهلت .

إبراهيم خليل إبراهيم ومن قلب الميدان توثيق لثورة 25 يناير/ ميمي قدري

من قلب الميدان 18 يوما أسقطت 30 سنة .. هذا هو عنوان الكتاب الجديد للأديب والمؤرخ والزميل الصحفي إبراهيم خليل إبراهيم ويقع الكتاب في 138 صفحة من القطع المتوسط وصدر عن سلسلة عزف القلم .
ضم الكتاب الأحداث التي عاشتها مصر بداية من إندلاعها في 25 يناير 2011 حتى سقوط الحكم وتخلى مبارك عن حكم مصر في مساء 11 فبراير 2011 م حيث حرص كاتبنا على رصد الأحداث من قلب ميدان التحرير ومحافظات مصر ومانشرته الصحف وطيرته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والساسة .
في الإهداء قال الكاتب القدير إبراهيم خليل إبراهيم : " إلى المصريين الذين بدأوا الثورة في 25 يناير 2011 لأجل المستقبل المشرق .. إلى أرواح الشهداء الأبرياء الذين قدموا حياتهم لأجل عزة وكرامة الوطن .. أهدي كتابي " .
ولأن الشاعر ضمير أمته رصد الكاتب والمؤرخ إبراهيم خليل إبراهيم ماقاله الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي يوم الأحد 6 فبراير 2011 م في قصيدته " الميدان " ونذكر منها :
الثورة فيض الأمل .. وغنوة الثوار
الليل إذا خانه لونه .. يتقلب لنهار
ضج الضجيج بالندا .. إصحى يا فجر الناس
فينك يا صوت الغلابة .. وضحكة الأنفار ؟!
...........
وإحنا وراهم أساتذة خايبة .. تتعلم
إزاى نحب الوطن .. وإمتى نتكلم ؟
طال الصّدا قلبنا .. ويئسنا من فتحُه
قلب الوطن قبلكم .. كان خاوى ومضلم !!
...............
أوّلنا فى الجوْلة .. لسه جولة ورا جولة
ده سوس بينخر يا بويا فى جسد دولة
أيوه الملك صار كتابة .. إنما أبداً
لو غَفِّلت عيننا لحظة .. حيقلبوا العُملة .
.............
لكنّ خوفى مازال جوه الفؤاد .. يكبش
خوفى اللى ساكن شقوق القلب ومعشش
يقوللى مش راح يسيبوا ، ولسه حيقِبُّوا
وحيلاقولهم سِكك .. وبيبان ماتتردش !!
.............
وحاسبوا قوى م الديابة اللى فى وسطيكم
وإلا تبقى الخيانة .. منّكم فيكم
الضحكة ع البُق .. بس الرك ع النِّيات
فيهم عدوين أشد من اللى حواليكم !!.
وأيضا ماقاله الشاعر الدكتور إكرامي قورة في قصيدته " هواجس مابعد التنحي " والتي كتبها بعد تنحي مبارك :
يا كاتبَ التاريخ إني فارسٌ حملتْ له الأيام صورةَ نعشِهِ
غنّتْ لرقتِهِ الجموعُ زمان سطوتِهِ
وقالوا إنهم قد نافقوا من بطشِهِ!
الآن أنتظر المماتَ مُخَلّصًا من كسرتي وهواجسي
فلتدفنوني حين أقضي في ثرى بلدي بقبرٍ لائقٍ
ولتجعلوا في نقشِهِ ..
: قد كان في يوم رئيسًا شامخًا
لكنْ تخلى مرغمًا عن عرشِهِ
يمكننا القول أن هذا الكتاب وثيقة تاريخية سوف تعرف الأجيال القادمة المغذى والقيمة كما يمكننا أن نقول أن المؤلف إبراهيم خليل إبراهيم هو جبرتي العصر الحديث حيث قدم للمكتبة العربية 35 كتابا منها 15 عن الوطنية وأدب الحرب وقصص الأبطال والشهداء الذين ضحوا وكافحوا لأجل وطننا الحبيب .. مصر

العويس الثقافية: وجواز سفر دبلوماسي للفرقة القومية للفنون الشعبية المصرية



رسالة القاهرة الثقافية / كتب / عبدالواحد محمد
القرقة القومية للفنون الشعبية المصرية رائدة منذ مولدها عام 1960 م في عهد الزعيم المصري العربي الكبير جمال عبدالناصر وضمت العديد من المبدعين ومنهم الفنان الكبير محمد العزبي والمخرج محمود رضا والفنانة الكبيرة نادية فهمي وآخرون تصدروا المشهد الثقافي العربي  عقود من زمن ؟
ومن فلسفة الإبداع التي تتبناها  دوما مؤسسة العويس الثقافية تقدم  بمناسبة العام الميلادي الجديد 2013 عزفا متميزا من رحم  أمسيات فنية لن تنسي ومعها جماهير عاشقة للفن الجاد ..
تنظم مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في السابعة من مساء يوم الخميس 27 ديسمبر 2012 الجاري حفلاً فنياً كبيراً للفرقة القومية للفنون الشعبية المصرية التي تعتبر من أهم وأقدم فرق الفنون الشعبية في جمهورية مصر العربية ، حيث يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1960 .
وبذلك تختتم مؤسسة العويس الثقافية أنشطتها لعام 2012 والتي اشتملت على عشرات الأنشطة المتنوعة التي كان لها صداها الواسع في الإمارات وخارجها ، من ندوات و معارض ومحاضرات و إصدارات للكتب وغيرها ..
ويعد حفل الفرقة القومية للفنون الشعبية المصرية أحد أكبر العروض الفنية، فقد استعانت الفرقة بداية تأسيها بمجموعة خبراء الفن الشعبي من الاتحاد السوفييتي( السابق )  في مجالات الرقص والموسيقى وكان أبرزهم خبير الفنون الشعبية " رامازين"
تتلخص فلسفة الفرقة فى الاستعانة بالمنهج العلمى لجمع وتأصل كافة الرقصات الشعبية بتعبيراتها الحركية وملابسها واكسسواراتها من بيئتها الأصلية  وبما تشمل من العادات والتقاليد المصرية .. فمن الصعيد رقصات تمثل البيئة، ومن البحر رقصات تعبر عن الصيد، ومن الريف رقصات تمثل عادات وتقاليد الفلاحين .. بالإضافة الى رقصات تمثل بيئة البدو والغجر ومختلف الجماعات الشعبية الأخرى، من  خلال الاستعانة بالمنهج العلمي ونقله الى خشبة المسرح بعد إعادة صياغته ، وقد ضمت الفرقة منذ بدايتها أعضاء من خريجى الجامعات المصرية والمعاهد الفنية .
يبلغ عدد أعضاء الفرقة الآن 45 راقصاً 35 راقصة في حين كانت الفرقة عند تأسيسها تضم 56 راقصاً وراقصة فقط.
في عام 1996 اهتمت الفرقة بتكوين ورش فنية للأطفال تمخضت عن تكوين (الفرقة القومية لأطفال مصر)  أُلحقت بالفرقة الأم، وذلك لخلق جيل ثان وثالث ليكون ركيزة تمثل الفرقة مستقبلاً. وقدمت الفرقة عروضها الفنية خلال مشوارها في 105 دول من جميع أنحاء العالم ، كما أسهمت كوادر الفرقة من مصممي رقصات ومدربين في دعم وإنشاء أكثر من 80 فرقة للفنون الشعبية في أقاليم مصر.
شاركت الفرقة في في كثير من العروض حول العالم ، أبرزها المهرجان السياحي الدولي -إسبانيا عام 1965. و مهرجان داكار للفنون الشعبية الزنجية -السنغال عام 1966. ومهرجان دمشق المسرحي -سوريا عام 1969. ومهرجان الربيع بالموصل -العراق عام 1970. و مؤتمر الملوك والرؤساء للدول الإفريقية -أديس أبابا عام 1972.
والمهرجان العربي – تونغن -ألمانيا عام 1974. و مهرجان والت ديزني-أمريكا عام 1982. و مهرجان تايغون الدولي - كوريا الجنوبية عام 1993. ومهرجان صقلية -إيطاليا عام 1995. و مهرجان الفنون الشعبية الدولي الثالث -إيطاليا عام 2000 .
وتعتبر الامارات العربية المتحدة من أكثر الدول التي قدمت فيها الفرقة عروضها لأكثر من ست مرات على مدار الأعوام ( 1978، 1992، 1993، 1999، 2000، 2001).
وحازت الفرقة على جملة من الجوائز الجوائز منها جائزة البريمواونو من مهرجان باري للفنون الشعبية -إيطاليا عام 1997 ، دبلوم أفضل فرقة رقص شعبي في معرض بولونيا من بين 170 دولة شاركت في المعرض ، وحصلت الفرقة على كأس الشرق باعتبارها ضيف شرف لمهرجان ديغون الدولي للفولكلور بفرنسا. ودرع أندية الفتيات بالشارقة عام 1998. ودرع مهرجان جرش الدولي للفنون عام 1999. ودرع مهرجا وحلب للثقافة والفنون عام 1999  للمرة الثانية. ودرع القدس من الرئيس الراحل ياسر عرفات في مهرجان غزة للفنون الشعبية عام 1995.

والجدير بالذكر أن الفنان حسن إبراهيم .... مدير عام الفرقة القومية للفنون الشعبية
درس في أكاديمية الفنون (المعهد العالى للباليه ) من عام 1966 إلى عام 1971.
ألتحق بالفرقة من عام 1971 م وتدرج بها من راقص ثم مدرب ثم مشرف فنى إلى أن تولى حاليا ً المدير العام للفرقة.
حصل على درجة فنان قدير من وزارة الثقافة المصرية .
حصل على العديد من شهادات التقدير وخطابات الشكر من عدة مهرجانات دولية وعالمية.
قام بتصميم استعراضات العديد من العروض المسرحية الفنية والأعياد القومية في جمهورية مصر العربية . 
عبدالواحد محمد
كاتب وصحفي مصري
abdelwahedmohaned@yahoo.com
 

حين يجتمع الشعراء في عزاوات الحبيبة يعيش الموت، ويحيا في ضوء الشعر/ هدلا القصار

وكأننا كنا بحاجة ماسةٍ للتحليق بفضاءٍ يتسع للغات الطيور المجنحة بألوان الحزن القائم، بين سيسولوجية الوطن، وسيكولوجية الشعب، وبين قذائف الكلمات التي أطلقوها الشعراء على غربان الزمن، لنكسر بحروف حضورهم حواجز غربة الروح التي جمعت صهيلِ شعراء تركوا قبلات حروفهم في المخيلة، لنتلمس جهازهم الذاتي.... قبل أن نترك حضورهم المتجلي على مصنفات الفكر والإبداع الجميل .
 شعراء لامسوا الألم الغزي وزرعوا أرضها لغة الشعر، كي تظل بندقية الكلمات شريكة القلم أبدا، وليظلوا الشعراء  يصرخون الشعر من ضلوعهم ... واقفين خلف تألق الكلمات ووقفات المعاني... عبر " منتدى الأدب و الفن و الفكر التقدمي " الذي جمعنا بالأديب والشاعر المتمرد توفيق الحاج، والشاب الهادئ والمتميز محمد الزقزوق، اللذان شاركا جراح الأديب والشاعر الجدلي الفلسطيني سميح محسن، الذي أتي من نابلس إلى غزة ليشارك هذه المدينة صراخ الصمت في بوح شذا الشعر، ويفرد بساط الكلمات، على رهيف إبداعات نصوصه التي تحمل نفساً حكائياً، فوق  طبقات أوراق تركت لغة الشاعر تأخذ راحتها بجرعات شعرية، تسرب الواقع والوقائع، بطريقة سردية، تنقلية،...لنستلذ من قصائده الهاربة من ادمع البلاء...، إلى ابتسامات محنية بأفكار ضبابية تحجب المسافة بين الشفاه، وحروف الشاعر سميح محسن، بأجنحة المظللة رحلة تنبض بمواجع الأصدقاء :
لكم أيها الأصدقاء
(1)
لكم أيها الأصدقاءُ الأحبةُ أن تعتبوا
فغزةُ تغرقُ بالنارِ
تؤنسها عتمةُ الوحدةِ القاتلةْ
(2)
لكم أيها الذاهبونَ إلى الموتِ
في عتمةِ الوقتِ
أن تبحثوا عن أنيسٍ يُهَوِّنُ وقعَ الصواريخِ
فوقَ سطوحِ المنازلِ
بيارةِ البرتقالِ
حقولِ الورودِ
صفيحِ المخيمِ
دورِ العبادةِ
والنبتةِ الذابلةْ
حمل الشاعر سميح محسن أورق صفصاف حقوق إنسانية الإنسان، في جو جدلي مع الموت والحياة .... هذا الموت الذي صوره الشاعر كصهيل حصان غير مروض ... يقتسم صحوت أقلام شاعريته، كلما راقصته حمرة الدماء على صور الأم، والابن، والشاب، والشيخ، اللذين حولوا قصائده إلى أمواج عامرة بمصابيح الشموع على أرواح من رحلوا فوق سطور الألم الغزية وندائه في سطوره :
(6)
تشبّثَ في يدِهِ بالشهيقِ الأخيرِ
وأمسَكَ بالوقتِ
من طرفِ الخيّطِ
طائرةٌ في بياضِ الفضاءِ ترفُّ
على جنحِ ليلٍ سيدخلُ في عتمةِ الروح والبيت
دماءُ الصبيّ التي التصقتْ في شظايا الصواريخِ أنَّتْ
على وَجَعِ القلبِ حينَ توقفَ نبضُ الحنينِ إلى دُميَةٍ
ظلّ يمسكُ أطرافَها اليابساتِ
وفيها تشبّثَ حتى الزفيرِ الأخير
لهُ الآنَ أنْ يستفيقَ على عجزِنا
أن ينامَ قريباً من اللهِ
يمضي إلى نومِه آمناً، مطمئناً
لَهُ الآنَ أن يستفيقَ
ويُعْلِنَ منّا براءَتَهُ
غزّةُ الآنَ عادَتْ تُدَثِّرُ أطفالَها بالشظايا
ولا تستريح
ليل
لغزةَ مقلةٌ تمتدُ من عينيّ امرأةٍ {{أسمّيها البلادَ}}
إلى ينابيعِ المياهِ تفجّرت من تحتِ إبطِ سحابةٍ
رسمت تضاريسَ الجليلِ،
وتعتلي نيسانَ،
تفرشُ أرضَهُ بالتوتِ والحنّاءْ
تفيضُ دماً
ودمعاً
كلّما مرت غماماتٌ محملةٌ بأطنانِ القذائفِ والمنايا
لغزةَ مقلةٌ تمتدُ من عينيّ امرأةٍ
تُمَشّطُ شعرَها في الليلِ
تصبُغهُ بماءِ الوردِ والدحنونِ
ربما كان الشاعر لم ينتهيِ بعد من رسم لوحات ما تواجهه مدينة غزة، التي رسم على جبينها خرائط الموت وتراتيل المواجع .... في قبلات نصوصه المحملة بصرخات موزعة بين ألواح الوطن، وبين غزة وولديها الطفل الذي لم يذهب ابعد من ثدي جذوره، بكلمات تتلوى من عمق الجرح المتناثر على توابل قصائد الشاعر سميح محسن، الذي لا ينضب من نهر حروفه الموغلة في قضايا المجتمع الفلسطيني، وهويته المصبوغة بلون الدم،  وبين أنواع الرصاص ....الموزع بين  قصيدة " لكم أيها الأصدقاء" وقصيدة " آمناً مطمئناً" و" ليل" و " إنْ لَمْ تُثِرك دماؤهمْ" حيث حلق الشاعر، كطائر أتم صراخ الوجع الإنساني ورغبته التي أصبحت كبقايا مركب تحطمت تحت شمس دخلت قدرها ....،  وخرجت من سخونة حكايات أخذت تلك الصور والأسماء من توابيت ذكرى موتانا ليقول لهم في:
قصائد قصيرة جداً
على صدرِ غزةَ علّقتُ قلبي، ونمتُ،
على نَبضِها في الصباحِ أقومُ من النومِ
أفتحُ عينيّ
وأضبطُ إيقاعَ يومي
على نَبضِها أحتسي قهوتي
تارةً تُنعِشُ القلبَ، تَمنحُهُ الدفءَ
أخرى تكونُ مبلّلةً بالدماءِ
وثالثةً مرّةً في المذاقِ
ورابعةً باردة،
وخامسةً دونَ طعمْ...
صباحكِ مجدٌ وعزّة...
على شاطئِ البحرِ تفردُ غزةُ ذاتَ صباحٍ جديدٍ جدائِلَها
كيّ تُنظّفَها من بقايا الرّصاصِ،
وتَضحكُ في سرّها...
بعدَ ليلٍ طويلٍ من القصفِ تنجو من الموتِ
تَنظرُ للبحرِ
والبحرُ يضحكُ في وجهِها...
يُشكّلُ سربُ الحمامِ غلافاً لقلبِ المدينةِ،
سَدّاً أمامَ القذائِفِ والطائراتِ
سواترَ تحمي البناياتِ
من حِمَمِ النّارِ
سربُ الحمامِ يصيرُ لطفلٍ كَفَنْ...
لِأُمّي التي شيَّعَتْ بينِ قافِلتينِ من الشهداءِ بَنيها
أخرُّ لها راكعاً
ساجداً لَها،
لستُ أعني هنا غيرَ غزةَ،
هذا العلو،
وهذا الشموخُ،
وإنْ كانتِ الآن تمشي على الرملِ حافيةً دونَ نعلْ ...
لقدْ خَلَعَتْ نعلَها
قدْ يكونُ لأمرٍ جَلَلُ ...
}{على مَنْ على رأسِهِ بطحةٌ أنْ يحاذرَ}{
يرقص الشاعر فوق الكلمات، كوتر عود ناي زرع في جوفِ عصفور يرفرف إلى ما يشاء، يرتل الشاعر محسن، بذاكرة تغني حمائم الشعر الممشط على إيقاعه الإنساني، المنثور على بياض أوراق حقوق الإنسان الفلسطيني، الذي يمطر أمنيات جديدة بعد كل وعد ليتحد بتراب أجساد التحفت بملائكة السماء:  
لَها،
لستُ أعني هنا طفلةً غيرَها،
تنحني في السماءِ ملائكةُ الرّبِ طَوعاً لَها،
في المساءِ اطمأنتْ،
وقالتْ بأنّ الصواريخَ تخطئُ أهدافَها في الظلام،
وكانَ مساءُ المدينةِ قد عادَ من نزهةٍ في شواطئِ غزّة،
كأمّ رءومٍ أعدّتْ حليباً لدُميتِها
هَدْهَدْتها
ونامَتْ على حِجْرِها في سكينةْ،
وفي غفلةٍ صَعَدَت للسّماءِ
مكللةً بالبياض...
على شرفاتِ مقابرهم يجلسُ الشهداءُ وحيدينَ هذا المساء...
وحيدينَ يسترجِعونَ تفاصيلَ ما أحدثَتْهُ الصواريخُ في مشهَدِ الحربِ،
لا ينظرونَ إلى شاشةِ التلفزيونْ،
لقدْ ضجروا
ليسَ من مَشْهَدِ القتلِ
بل من أحاديثِ ساسةِ هذي البلاد...
أزيزُ الرّصاصِ يُغَطّي سَماءَ المدينةِ
يَرسمُ شارةَ نَصْرٍ على جَبْهةِ البَحرِ
يجْفِلُ سربُ الحمامِ
يطيرُ،
يَحطُّ على سَطحِ بيتٍ تَقَوّسَ بالأرض،
أنينٌ لِطفلٍ تَدثّرَ بالرّدمِ
صوتُ شَهيدٍ يُهَدّهِدهُ
كيّ ينامْ....
مَطَرٌ على الأبوابْ،
صباحٌ غائمٌ بالغيبِ
والشهداءُ ينتظرونَ قَهوَتَهم
على وَجَعِ الغيابْ
وراءَ جِدارٍ تَشبَّثَ بالرّيحِ
طفلٌ يراقِبُ مِنْ كوةٍ بالجِدارِ
اصطفافَ الكِبارِ
على صَهوَاتِ الخِطَابةْ
بكى، عندما أسقطوا أمّهُ
أختَهُ
جَدّهُ
عمّهُ
خالَهُ
وأباهُ الذي ماتَ وهو يُجمِّعُ أشلاءَهم،
من نصوصِ الكتابَةْ
بكى، واختفى
غابَ في غابةٍ من كآبةْ
ها كم الأديب سميح محسن، لم يحاول أن يلبس ثوب غير ثوبه ليلاقي الآخر في منتصف الطريق، بل اتخذ طريق التعبير عما يجول في كاميرا عيناه ومشاعر قلبه الذي يحمل إنسانية الإنسان، وجوده على الأرض التي تحمل دمائه، في صدى مشاعره وثقافته الوطنية التي احتضنت سحابات الأنا واتحادها بالآخرين، لينقل همومه وما جال في خاطره من أفكار وتطلعات سامية، إنسانية صوفية، تعبر دهاليز العقل الذي رسم معالم طريق الواقع على ارض كنعان ....
*********
( يقول الشاعر البلجيكي " دونات شاينر" أن للشعراء أوطان، فهناك شعراء تجذبهم أجواء المدينة والحياة فيها ... وهناك شعراء تشدهم الأحاسيس الإنسانية في دواخل الإنسان..، وهناك شعراء تجذبهم المشاعر الثورية...النضالية، وهناك من يدخل عمق وطنه، وجذوره، وبيئته) .
كما جاء في نص الأديب والشاعر المتمرد والجريء توفيق الحاج، الذي شارك الشاعر سميح محسن، مرحبا بإقامة الصلات على السياسة والسياسيين، ومن تسيسوا بمفاتن كاذبة، وعلي المجتمعات المتكالبة على الكراسي, وبائعي المواقف المغلفة بالنفاق، في قصيدة تحمل من عشرون عاماً، لكنها ما زالت تصهل شذرات تلك المواقف التي لم تبتعد عن امتدادها حتى يومنا بعنوان (انتصار الأسئلة)  وهذا العنوان قد يكون انتصر على أسئلة الشاعر، الذي تنبئ بتلك الأسئلة .... وقد تكون هذه الأسئلة ما زالت منتصرة على شفاه الأوراق التي احتملت عشرون عاما، دون صدى لانتصار الأسئلة التي وردت في قصيدته :
انتصار الأسئلة
1
الوقت يسرقنا..
تنهشنا بذاءات الرماد
لا أكابر..حين تسلبني مزاريب السياسة كل صبح..
لا  أكابر..
هاهمو..نهبوا التهاليل..البدايات.. الضفيرة
وامتطى وطني لعاب المدعين..
أهل الفخامة والزعامة والإمامة..
والحكايات المثيرة..!!
2
أعذروني..
إن تكن مني القتيلة هذه المرة ..ليلي غجرية..!!
ما عدت أحتمل القوافي..
ما عدت أحتمل الليالي
ما عدت أحتمل البلاط ،وسجدة الشعراء..
حبا في العطايا المخملية..!!
وبهذه الصرخات المحمرة الوجه، والعينان الذاهبتان للبعيد، وبصوته الخشن أطلعنا الأديب والشاعر توفيق الحاج، على خط سير ذاك التاريخ، وخصوصا تاريخ الفكر الضالي، والسياسي، الذي قيمه الشاعر من خلال هذا النص كنوع من تحليل العقل العربي ومكوناته، وبنيته الثقافية، واللغوية، والأخلاقية، وقضايا مستقبل سليم معافى من مفاوضات ما زالت نائمة مع أهل الكهف .
3
يا رفاقي..
هلا سألتم نهركم عند التجلي..؟!!
كم من الأسماء فارق في مسارات الهوية..؟!!
كم من الأمراء باعوا.. ،واستفادوا ..
من دهاليز القضية..؟!!
4
اغفروا لي انفجاري..
في مواويل تعشش في زوايانا خرافة..
نحن بأنفسنا بنينا..كل أصنام البطولة ،والبلاغة، والحصافة
وجعلنا من تلاميذ القوافل ..أنبياء
وبكينا .. حين أدركنا المسافة..!!
5
أخشى عليكم ..
أخشى على نفسي..
من العزف  الغبي على وتر المحبة..
الصدق  والإيمان بالثورات لا يكفي ..
ولا تكفي المحبة..
علمتني جذوة الغزوات..
أن لا شيء أقسى من وساوس جائع استأنس الأوجاع..
وأضاع العمر بين الجائعين..
جرحي الأكبر..حلمي
نشوتي الأخرى التي ذهبت بعيدا
بينما خدم المليك من الشمال إلى اليمين
ومن اليمين إلى اليمين
الصاعدين النازلين
الحاصرين الغائبين
الملحدين المؤمنين..
يسرقون ،ويهربون ،ويدعون..
أنهم آباء كل الثائرين..!!
لكي لا يستغرب المتلقي أمام هذه النبوءة الزمنية، للشاعر توفيق الحاج، الذي وضع محتويات العقل السلطوي، نقول له: بان لا يستغرب هذه الواقعة، لان لكل كوكبة مكانة ولكل حكاية نورها، ومعناها، في علامات من يجاور السارد ورسائله الدالة على ما تيسر من ضلوع الشاعر، لنرى أنفسنا أمام اعتبارات تعني بالكلم الأدبي، والخصائص المميزة باللغة والأسلوب الجمالي... وفق رؤية مؤرشفة دالة للحظات مخبأة في صدر الشاعر توفيق الحاج، للرفاق الذين تاهوا وراء العولمة والخصخصة والبهرجة ..... 
6
يا رفاقي..
اسمحوا لي أن أمزق عنكمو صلف الثقافة
بعض من الترف المضلل.. لونه أجمل ..
لكن..
طفلنا المحروم يعرف..
آن للصادق وعد..
بينما للكاذب ..مليون ارتجافه..!!
7
آمنت جدا.. ان الشاعر الثوري شبهة..
وبراعة الزحف المنمق فوق جمر الضاد شبهة..
ومراودة الأماني دون وعي الشوق شبهة
يبحث الشاعر توفيق الحاج، عن من يتوحد مع مفهوم، فلسفته، وعمق تفكيره، اتجاه القضية التي أصبحت في خزائن بورصة العالم، والمتلاعبون بتجارة القضية الفلسطينية في الماضي، الذي ما زال يتلوى في اضطرابات حتى هذا الجيل ...
8
جئنا إلينا..
كي نمارس لهونا..
ونعد نضالنا التحتي في الغرف الوثيرة..
لحظة..يتضاءل المخدوع ..يسأل
كيف طاوعني شراعي..
أشرب الكاسين..
أهذي.. تحت اضواء الشموع
يا الهي..
كيف طاوعني شراعي..
وفي المخيم من يموت..
ومن يجوع..؟!!
يا الهي..
صور المآدب لا تساوي كف رمل من بلادي..
مهما تباكت..
فالدماء هي الدماء
والدموع هي الدموع..!!
9
لا ..
ليس حقدا..أعلن العصيان
من حقي..
أن ازدري الأصنام
ألا أشارك في سجود الذاهلين..!!
أن أبين..
كيف يخدعنا ..بريق الأغنية..؟!!
خذوا مثلا..
أولياء العشق في المنفى أرادوا
شهوة الأعشى تبول على سطوع الشنفرى
أرادوا.. عروة بن الورد يسجد ليزيد..
شاكرا..!!
أمراؤنا..
نحتوا البحار المعدنية
احتسوا خمر البغايا..
في كؤؤس الوطنية..
يا رفاقي..
أصبح الشعر حشيشا..
بيع من أجل  القضية..!!

وهكذا رأينا أن الشاعر، الذي لم يكن من بين الذين يبحثون عن الأضواء، وليس هو من بين اللذين يتنقلون كل يوم من مرحلة إلى مرحلة، ولا هو من احد المغمورين...، بل ما زال في نشاطاته الأدبية المتنوعة ..... وما زال ملتزم بحمل ثوابته القيمة، الآتية من الزمن النشط إلى زمن انعدم فيه صدق النضال الصادق ... فهو يمثل الاتجاه الأدبي القريب من الفلسفة الميتافيزيقية، العقلانية التي تجمع بين " المختلف والمؤتلف،" في الأخيلة الفكرية التي تدلت من سيمفونية "انتصار الأسئلة" وتكهنه للمفاهيم، في رحلة العزف على أوتار الزمن الشبيه بأسئلة الحاضر، المرتبط بالماضي، الذي عاش ومات في مهبط وحي الشعر والحكمة ...

وهكذا يذكرنا الأديب والشاعر توفيق الحاج، أن تلك الكلمات التي سبق وتنبئ بها... ما زالت تشبه ما يحصل على ارض الواقع.. ، ليطلع عليها ناشئ هذا الجيل الجديد، وليروا وما يدور من تحت الطاولات، وخلف الستائر المبهرة
10
قمر ..كما الشاطر حسن
كنا نصلي للخلاص بأغنياته
عشنا نثرثر كل شيء عن مزامير تلاها للبيادر
اكتشفنا فجأة ..
أن منقذنا ..توظف في شؤون المدح
يحمل صورة الوالي..
ويهرع في اتجاه السرب ليلا ..
ويغادر..!!
11
فرح.. كما عرس الشجن
أهدى إليه حزبه..
بعض نكهته، وال المعرفة
نادى طويلا بالتمترس ،والأغاني النازفة
رغم التشاؤل..
شاخت بدايته  فاهدي طعنة للدرب
عللها ..
بانحناء الاغنيات.. امام قصف العاصفة..!!
لا ..
لا..يارفاقي..
هذا هارب..
شكله الاممي غافلنا..
فاخجلنا انهزام الاغلفة...!!
11
لا تدهشوا..
بيننا نفر.. يجيد الغوص  في كل البحار
يراقص ألف غانية ،وينسى..
يدعى الحرص على شرف السبايا..
يطلب الحرب..
ويأسى..
ثم  يؤذن بالفرار..!!
بيننا.. من لا يزال يبيعنا وهم السلام
وبيننا ...من مزق الوطن الغريب لأجل ليل ..
قطعتين..!!
لمن..؟!! وكيف يامولاي..؟!!
أين..؟!!
يا ذا الحطام.. أنعى مصالحة تموت..
،والكل يشنقه السكوت..!!
بينما الأمراء ،والتجار ،والفجار ،والأنفاق، والأزلام تهتف:
يحيا الانقسام..!!
12
فليهنأ وا..
بقصائد المدن التي لم يعشقوها مثل روحي المحبطة..
فليفرحوا .. بموائد الإفتاء في بصرى الغبار.. الساقطة
وليرسموا..خطو العراة اللابسين..مطابع الأمراء..
اللاجئين إلى العواصم أغنياء..
مهما تدور الخارطة..!!
13
كذبووووووووا
وقالوا... ألف ملحمة عن الوطن النهار
سرقوا قصائدنا..
سحلوا أغانينا..
قتلوا أمانينا..
وقالوا :قاتل الله الحصار..!!
كتبوا... على نغم  المدافئء..
وصفا لبرد الاعتقال..
وحكوا فضائل نفيهم..مجد الخطايا في النضال
دوما ..اعدوا شعرهم..
رقصوا على حبل المواقف.. ،وارتشوا
قبضوا لكل قصيدة ثمنا..
وكانوا في دفاترنا...
رجال..!!
جعلوا لبيت الشعر سعرا في الدواوين المضيفة
أثروا دعاة ..لاهثين
وراء طاغية .. ،وجيفة
هاهمو.. في جوعنا امتشقوا
الفنادق ،والكواكب ،والقطيفة
لو أنهم صدقوا..
وكانوا بين أنات الأزقة ،ووصايا الراحلين
لو انهم صدقوا..
وكانوا وحي أبناء الحجارة..قبل قطف الياسمين
لكنهم ركبوا حكايانا
تباكوا.. في وداع العاشقين..!!
14
يا رفاقي..
تكلم وجوه الراقصين ..الحالقين ..الملتحين
على بساط المرحلة..!!
تكلم  قواف فارقت أحلامنا..
والقافلة..
هذا البريق المتباهي..
هذا الصراع على الفتات..
هذا اللهاث..
سينتهي عند انتصار الأسئلة
سينتهى..
عند انتصار الأسئلة..
********
لم يبقى لدينا سوى أن نلج بزوايا نزهة الشاعر الشاب محمد الزقزوق الذي تستفز حبر القلم  الذي شدته كهولة الشعر، وتسلق في سماء المخيلة كنورسه يبحث عن اصطياد المهد من غابات ليل مخبأ في خزائنه الساهرة فوق أوراقه، المستسلمة لحلم يقظته، وأطراف رؤيته التي منحته الإبحار في عرش يفوق مخيلة شاعر تهيئ للشعر....
في إطلالة خفية حمل الشاعر الشاب صهيله الغني بدلالات وصياغات محكمة البيان، في تراتيل صوفية مبدعة، تليق بحزن شاب اغتيلت مواهبه الشبابية بين حرب وحرب، وبين موت وموت، وبين قرار سياسي وبيان، والقصف والطائرات، وبين العزاء والعزاء، وبين النظرة وحزن القلب، بحروف تحمل فاكهة الإبداع، وبجمالية ذائقة التي نقلها للمتلقي، عبر مفرداته المغمسة بشهد المدى المكبل بالخوف على "غزة" في مجموعة حكايات من الحرب:
تَـــخـوف
أخشى أن تُصبِحينَ نُصباً تِذكاريا ً أو مزاراً لهُواةِ المغامرة يأتونَكِ من شتى بِقاعِ الأرض لالتقاط الصُورِ التِذكارية أو كِتابة قصص الدراما و المُغامرة أو رُبما مكاناً لِلبحثِ العِلمي أو مُختَبراً للفِزائين , أخشى أن يَنزعَ عنكِ المؤرخون بزتك العسكرية ويُلبِسوكِ ثِياب الأمم المتحدة كوني بخير يا مَدينتي الصغيرة
وكأنه الشاعر محمد الزقزوق، ينام ليكتب، ويكتب ليهدأ ما في داخل حروفه السرمدية  المقتحمة أبواب التأمل والصمت حيث يرفع الشاعر لجام الشباب لينتزع من الوجود أدواته ومفرداته التي بإمكانها أن تجمعه بمن سبقه من الشعراء عمرا.... يعيش في حيرة تساؤلات تحمل عبير الأنفاس المتكئة على ظله، المرتسم فوق تابوت الورق، كغدير توضأ للصلات .... بسطوة مرارة الحزن والغضب
المتجلي على توظيف مفرداته المنتشرة في منازل الجار والأخ والصديق والشاب والعجوز وحب الحبيبة في جسد غزة، إلى  تحول كرمال فارس اقتحم الشعر، وتواشيح أوتار الوفاء، في صوت يخفق كصدر دوري يبث غدير التساؤلات :

تَســـــاؤل
كَيفَ تَتَسعُ أماكِنُكِ الضَيقة لضَجرِ العاطِلينَ عن العمل ولِصَخبِ سياسيوكِ الجدد , الحَربُ ضَيفَتُكِ المُعتادة تُكرمينها حتى البذخ يَومين أو أكثر تَترُكُك وقد اتفقتما على زيارةٍ أخري , يا مدينتي الصَغيرة كيفَ تُناوئين وكأنكِ أكبر مُدنِ العالم , أليس منَ الظُلمِ أن تَكونين أنت وحدك آخر المُدنِ التي ما زالت تَعرف قيمة الحرية وتدافع عنها , حبيبتي سَتكونين سيدة المدائن وجميلة الجميلات
أما في مقطوعة " قادة الحرب "  تحرك الشاعر محمد الزقزوق، في دائرة من جداول الشعر، ورغبات تطوف بحوارات شريدة، ليسطر أناه في جسد مدينة "غزة" في حوار مبتور الإجابة، المبحرة في لمعة عيناه الغائرتان السابحتان، في أغوار مواقف يترنح  في صوته المتجه نحوى مدينته التي تموت وتحيا أمام أعين القادة :   
قادة الحَرب
مَدينَتي الصَغيرة من يَصُدُ الضَرباتِ عَنكِ الآن هم صِغارك , يا لهم من بارِعون حتى بَعد أن يَموتوا تَبقي دمائَهم تقاتل الجُناة , أخبريني كيف أمسك هؤلاء الصِغار بِيدكِ عندما أردتِ أن تَتَجاوزي الطَريق ما قَبل الآخرة نحو النصر , وكيفَ هدءوا من روعك كُلما على ضجيجُ الحرب , ها هم يقودون المَعركة وكروش نعاج العرب ما زالت تكبر أكثر وأكثر , هم أسطورتُك الضاربة في أعماقِ الأرض
بين الموت والضوء المنعكس على تماوجات متعبة انفرد الشاعر الشاب محمد الزقزوق" الذي ذهب إلى ما بعد الروح في حروف تروي ما يكفي لجرعات تساهم في أعادة ترميم الأنفس التي تكسرت في معبدها، المتمايل بين البسمة والحزن في صهيل يوحد أصوات الشعراء في صراخ قد كان يجب أن يتغنى بأهازيج الحب والوجد :
صُــــراخ
غَزة أنا الان عاجِزٌ عن التَفكير أو القِراءة أو التَدخين بِالشكلِ المُعتاد كل ما أفعَلهُ الان هو تَأمُلِكِ , يا الله ما هي تِلكَ الأرض التي تَحمِلك أنت وحدك فيما الإنسانيةُ رجلٌ مُسِنٌ أبكَمٌ معصوم العنين مدمنٌ كُلما على ضَجيجك تناولَ جُرعةً منَ الأفيون وكلما ازداد نَزفكِ تَناولَ جُرعةً إضافة يا مدينتي الصغيرة كيف تَتَسعين لِكل هذا , صواريخ , قنابل , دماء, أشلاء, موت , حرب, ضرب, ضجيج, ضجر, صخب, فتور, قوة ., ضعف, ألم , سعادة , نشوة , هدنة , لا هدنة , عرب, جرب, عاشقون , محاربون , سياسيون, إعلاميون , وقت , لا وقت , يا الله كيف لا تصرخين , كفااااااا
وهكذا طاف الشاعر الشاب محمد الزقزوق، في بكائه على الجميلة "غزة" باندفاع وشعور سام،  وآماله تخالطها آثار السنين الهاربة من عوامل الشباب والوجد ... ليتخذ قمر الشباب رفيق درب معاناة شعبه، في موسيقى الشعر  قبل ان يفر العمر من سجن الأيام 

مع ديوان "فاكهة الندم" للشاعر الفلسطيني عبد الناصر صالح/ شاكر فريد حسن

"فاكهة الندم" هو عمل ابداعي ونص جمالي للشاعر الفلسطيني عبد الناصر صالح ، المقيم في طولكرم . وهو احد الاصوات الشعرية الرافضة والغاضبة وشديدة الحضور والتوهج في حركة الابداع الادبي الفلسطيني والحياة الثقافية والنضالية الفلسطينية تحت الاحتلال، وله صوته الخاص وملامحه المتفردة. وقد صدرت له عدة دواوين شعرية منها:"الفارس الذي قتل قبل المبارزة ، داخل اللحظة الحاسمة، خارطة للفرح، المجد ينحني امامكم ، نشيد البحر" وغير ذلك.
وعبد الناصر صالح يحمل هما وطنياً وقومياً وانسانياً يكاد يفوق كل همومه ، وتحس بانه شاعر طبقي يكتب للفقراء والمسحوقين والمحرومين ، عنهم ولاجلهم، لانه عاش وجاء من بيئة شعبية ينمو فيها بسطاء الناس . انه يؤمن بفكرهم وينحاز الى جانبهم في معركتهم نحو المستقبل الاخضر والاجمل ، ولذلك نجد ان وطنه مرسوم بحب عظيم وكبير لهؤلاء الناس الطيبين ، الذين سيرثون الارض ، القاعدين والجالسين على الطرقات والشوارع ، وبين الازقة والحارات، والسائرين في المظاهرات، والمناضلين المحبوسين والمسجونين في المعتقلات وسط دياجير العتمة والظلام ، والمكافحين من اجل بناء مملكة الشمس والحرية والعدالة الاجتماعية الحقة والفرح الحقيقي.. فلنصغ اليه وهو يتساءل في قصيدته المدهشة "فاكهة الندم" التي حملت عنوان الديوان ويستهله بها :
من يرث الارض
اعداؤها المستبيحون
ام حبل سرتها الفقراء؟
وتتشكل قصائد الديوان في لغة جديدة خاصة تستعيد تدفقها وألقها وحيويتها ولحظة اضاءتها من الواقع الراهن ، منطلقة الى رحاب وأفاق الوطن المنتظر ، مستوعبة كل الحالات القائمة والممكنة ، ومعبرة عن الراهن الذي لا يكتمل، وعن الحلم الفلسطيني الذي يكاد يتجسد ، وتعد لمرحلة قادمة بعد تسكين الالم وتضميد الجراح ، ناسجة خيوط الفجر القادمة،التي تزهو بالوانها مع زقزقة عصافير الصباح:
ونرسم افراحنا قمراً
وجزائر نخل على حلم هاجع في السماء
وحيدين كنا كيوم الاجازة
نكتب عن وردة تتسلق نافذة الشمس
عن عاشقين يؤرقهم صمتهم
ويعذبهم بوحهم
في ظلال الحدائق.
وشعر عبد الناصر صالح هو شعر التجربة الفلسطينية المريرة، انه التعبير الحي والصافي عن معاناة شعب محتل ومحاصر ومحاط بالاسلاك الشائكة والاطواق الحديدية ، ويقمع ويجوّع ويسفك دمه وتهدم بيوته وتصادر اراضيه. واذا كان الشعر الحقيقي هو الذي يغير الواقع ويطرح المعاناة والبديل معاً فأن الشعر بالنسبة لعبد الناصر صالح هو قيمة عليا لها طابع القدسية ، وتجسيداً مثالياً للطموح والحلم الانساني والنبوءة الثورية بحياة افضل واجمل، ومصدر سعادة وفرح، فنراه يسجل يحسه ورؤيته ويسطر بدمه المعاناة اليومية الفلسطينية والاغتراب الذي يعيشه الانسان الفلسطيني ويعطي الصورة الواضحة للمشهد الفلسطيني الراهن:
نجتث جذور الكآبة
حناؤنا المطر المتهجد في صفحة الكون
والشعر في ارائكنا
اي موت سيدخل فينا دماً
وشرانق مسمومة!
هكذا يبدأ الشجن المر يا صاحبي
يشعل الموت مصباحه المتهجم
يسقي حشائش صحرائنا
ثم يخطفنا فجأة من خلال الشجر
وحيدين كنا
وحيدين ها نحن يا صاحبي
مثل جذع قديم على حجر.
وعبد الناصر الملتزم بالهم الفلسطيني ، بالارض والقضية والوطن، ومن خلال تجربته النضالية والكفاحية، التي تفولذت خلف قضبان الزنازين والسجون الاحتلالية ، اكتسب طاقة ابداعية خلّاقة تنعكس في سطور قصيدة "ملائكة خضر وصبية فرعون" حيث تتفجر فيها مشاعره وتمتزج امتزاجاً فنياً مع بركان الغضب وانتفاضة الحجر وبطولات الانسان الفلسطيني،والعشق الدافئ لوطن الحب والالم والامل وسيد الكون:
لك المجد يا اخضر الوجه والقسمات
لك الكبرياء ، البهاء
لك الريح والمطر الدافق السرمدي
الحقول مكللة بالسنابل
تشدو على نغم الماء موالها
لكأني اسميك يا وطني سيبد الكون
سيد كل العصور
الفصول
وماوى الينابيع والصبية الفرحين الذين يجيئون
من اعين المستحيل.
وللشهداء والفقراء حضور ملح وقوي في الديوان ، فهو يكتب لاجلهم ترانيم الحب والعشق ، ويهتف للذين يسقطون و"تتوضأ الارض بدمهم" ويتجددون بعد موتهم ليرثواالحياة ، والذين يعبدون طريق الحرية والاستقلال بدمائهم الفواحة .. فيقول في قصيدة "افق مطرز بالندى" التي قالها في حضور شهداء المسجد الاقصى المبارك:
دمهم هويتهم
وطين الارض كحلها الامين
وزادهم عشق التراب
يدافعون
ويسقطون
ويبعثون
ويسقطون وينهضون
لا الموت يهزمهم ولا خوذ الجنود اليائسين
ويصمدون
القدس قبلتهم
ورايتهم تجوب الأفق نحو الشمس.
ورغم الألم والوجع والبكاء والجرح العميق فان شاعرنا يغني للفرح ويبشر بالآتي ، الذي يراه في العيون الحالمة والوجه المشقق المليء بالحزن الشفاف :
خذي ما شئت من عمري
ومن عطر دمي الفواح
طقس الماء والعشب
انطلاق الفرح المسبي
ايقاع اغانيي التي تنفذ للروح.
وفي قصيدة "سندس المدينة كحلها" يرثي الفارس النصرواي القادم من "غرة الفرح الآدمي" الشاعر والمناضل توفيق زياد ، الذي "القت الريح فوق مآذن مدينته وجهها المشرئب الشاحب ولآلىء كنيستها وبهجة اعيادها" حزناً واسى ولوعة لموته وفراقه التراجيدي ، فيخاطبه بكلمات مؤثرة وحزينة:
يا سيد الكلمات الجميلة
يا فارس المرج
ها انت تنهض مؤتلفاً كالمنارة
مزدهراً كالنبوءة تنثر فيروزها
في صدور الذين آبوا الى وطن ملهم.
وينجح عبد الناصر الى حد بعيد في تصوير رواية الصمود والبطولة والمقاومة الفلسطينية في ظل القهر والحصار والقمع والعسف الاحتلالي ، ورسم وتكوين ملامح المرحلة المقبلة والقادمة من مسيرة هذا الشعب المثخنة بالجراح والآلام، والشغوف بالحياة ، فيخلد الى الحلم والنبوءة ، رغم الانكسارات والهزائم والاخفاقات في هذا الزمن العاهر والمهترئ الرديء:
سيكتمل الآن ما بعثرته فتوحاتهم
واحتفالاتهم بالهزائم
هذا دمي بلسم العصر ملحمة النصر.
وهو يكثر من استخدام تعابير الرفض والثورة، ويهتم بالعنصر الموسيقي ، الذي يوظفه بنجاح في ايحاءاته وتداعياته ورؤى قصائده وابعادها الوطنية والسياسية والقومية والطبقية :
تجيئين من سرة الارض
من بؤرة الفرح المتآكل
حافلة بالاغاريد
كوكبة ساهرة
وموجة عشق على القلب تحنو
واغنية عاطرة
تجيئين مثل الهواء النقي
على تلة زاهرة.
ويمتاز اسلوبه بالبساطة الممزوجة بالرمز الشفاف، والايحاء العميق، واللغة المدهشة ،والمفردات الخاصة، وهو لا يتكلف او يتصنع وانما يكتب بما يمليه عليه وجدانه وقلبه.
وفي المحصلة ، فان عبد الناصر صالح شاعر يمتلك تجربة ثرية ومكثفة اغتنت في السجن ، واستطاع ان يحلق ويسمو في الفضاء الشعري الفلسطيني بما كتبه وانتجه من شعر ملتزم وصادق مليء بحرارة الانفعال، ويندرج في اطار الشعر الواضح والسهل الممتنع والادب المقاوم والرافض للظلم والقهر والاحتلال والاستغلال ، الملتصق والمسكون بالهاجس والعذاب الفلسطيني.

خواطر قيسية/ ماهر طلبة

الظلام حالك، فهل تدركينى بنور عينيك حتى أهتدى بهما، أم تتركينى -كعادتك دائما- أضل الطريق.
* * *
خرج من رحم الحقيقة الآن فقط فكيف كان سبوعا بلون الدم وطعمه.
* * *
فلنؤجل الحديث الآن فهى - المتسترة بظلام الليل - تستعد للذبح.
* * *
فقط عندما رفع المؤذن صوت الآذان انكشف وجه الخيانة النائم بجانبه وانكسر الحلم والحالم.
* * *
دفعها بيده وهى نائمة بجانبه، فقط ليتأكد أنه الآن وحيدا.
* * *
هيا إلى البئر لعله يستطيع أن يغسل وزرك أو نغرق فيه براءتى.
 * *  *
عندما خرج من خيمته هذا الصباح، انذهل الكون فالخنجر المرشوق بظهره يقطر دما.
* * *
لا شئ للأبد - كاذبة - الكل إلى فساد. 

الكاتب الإنتحاري/ أسعد البصري

أعطي من نفسي للآخرين
لأن ما أبحث عنه لا يوجد في كتاب
إنه هنا عند هذا الطفل الذي يغمض عينيه حين أضمّه
وحين أصحو في الصباح أجده تحت الغطاء
إن ما يبحث عنه الإنسان في الزمن كثير
وما يكتبه كثير
نكتب أمراضا عقلية أو سعياً وراء الرزق
حتى لو كنت كاتبا حقاً
ألن يحتاج الأمر إلى قاريء ؟؟
من أين نأتيك بقاريء ؟؟
نحن في عراق ديمقراطي صديقي
ولسنا في عصر دكتاتوري جميل
حيث الناس سواسية كأسنان المشط
في الديمقراطية
الشاعرة هيفاء الحسيني أهم من سعدي يوسف
إن الإبداع اليوم هو في القدرة على الصمت لا في الكتابة
الديمقراطية في العراق هيجت مواهب الغدر التاريخية عندنا
حيث يمكننا دائماً تحريض المتحمسين والقشامر ضد الحكومة
ثم نتخلى عنهم و نشي بهم لنكشف عن ولائنا الدائم للقوي
هذه هي ديمقراطيتنا اليوم
ديمقراطية مخبرين و قشامر
الثقافة المشبوهة حيث
الأصوات (( كأقدام فئران على زجاج مكسور ))
كما يعبر ت. س. إليوت يصبح فيها
كل شيء قائماً على خدعة و مؤامرة .
هكذا يكتب و يتكلم الرجال الفارغون
الذين لا أفهم سبب شعبيتهم .
يبدو أن الكلام الفارغ يجد صداه مباشرة في المجتمع الفارغ .
كائنات بلا إحساس تطبع دواوين شعرية
هذه هي ثقافتنا الوطنية العراقية
كانت الشعرية في العصر الدكتاتوري لا حدود لها
لأنها تمنحك ذلك التصور الجميل
وهو أن الناس ( كل الناس) ملائكة و ضحايا والمشكلة الوحيدة هي الدكتاتور
عدد كبير من الأبرياء صعدوا المشانق بسبب تصورهم الساذج عن الشعب
يتبخر هذا السحر الشعري في الديمقراطية
حين تكتشف الجشع والإجرام والطموح البشري
في الغرب لا توجد ديمقراطية بل يوجد نظام صارم رهيب
الديمقراطية في العراق حيث بإمكان الإنسان الظهور على حقيقته
نحن في العراق نفتقد الدكتاتور بعمق
لأنه كان يمنحنا ذلك التصور الجميل عن أنفسنا بالكمال والنقاء
كنا نتعذب ونشعر بأننا لا نستحق الظلم والعذاب
اليوم فقدنا ذلك الإحساس
صرنا نتعذب و نشعر بأننا نستحق هذا العذاب وأكثر
كان الألم يوحدنا ويبعث روح الشعب في زمن الدكتاتور
صار الألم يفرقنا ويبعث الحقد والفرقة في زمن الديمقراطية
الكتابة ليست خطراً
لكنها تصبح كذلك حين يظهر كتاب خطرون
وإلى أن يظهروا بإمكان الثرثارين
ملء هذه الصفحات الفارغة من الضمير والذوق والإحساس
الذي يكتب بصدق في مجتمع كهذا
هو انتحاري يفجر نفسه في حشد من الكذابين

الشعر والجنس والثورة في رواية " مسارات حادة جدا " للكاتب توفيقي بلعيد/ علي مسعاد

صدر قبل أيام ، للشاعر و الروائي المغربي ، توفيقي بلعيد رواية جديدة ، تحت عنوان " مسارات حادة جدا " عن كلمات للنشر و الطباعة و التوزيع ، في طبعتها الأولى ، تقع في 204 صفحة ، من الحجم المتوسط.
جاء على ظهر غلاف الرواية ، أنه " .. منذ أربعين سنة ، في أحد السجون الرهيبة ، من الزمن الرمادي ، تطوع كاتب في بداية بداياته ، من أجل خرق الحصار المضروب ، بواسطة كتابة قصة لفك العزلة عنه وعن رفاقه ...و كانت مغامرة أن تكتب وتمرر ما كتبته إلى رفاقك ، ويمرره أحدهم للآخر ...ولكن المغامرة نجحت ، وكانت ولادة قصة بعيدة عن أشجان و هموم السياسة ، لصيقة باحتياجات و استيهامات معتقل لم يتجاوز ، حينها ، العشرين سنه من عمره ..هذا العمل بعد تهريبه إلى خارج السجن قد ضاع سنة 1974 ، ضاع إلى الأبد ، بعد إنهاء سنوات سجنه سنة 1977 ، وعلى مدى ربع قرن و شخوص القصة يحيون بذاكرة صاحبها جنبا إلى جنب مع تجارب الحب و الجنون و المطاردات و الخوف و صور الشهداء و المنفيين و المغيبين قسرا ، و الإصرار على بناء عالم جديد ..حتى كانت 2004 و الكاتب يضع قدميه على عتبة الكهولة ، ليقرر الجميع النزول ، من الذاكرة ، و الخروج باتجاه الناس .." صيف 2004.
هذا وقد سبق للكاتب و الروائي توفيقي بلعيد ، سنة 1996 ديوان " منعطفات سائبة " وفي سنة 2001  رواية ّ ذاكرة الجراح ".
كما سبق له وأن نشر في عدة منابر إعلامية ك" العلم الثقافي ، الإتحاد الإشتراكي ،المسار ، مجلة أقلام المغربية، مجلة " عالم الفكر الديمقراطي" و مجلة " نجمة " .
حاليا ينشر في العديد من المنتديات الثقافية الالكترونية ، و له رواية قيد الطبع تحمل عنوان " الجرح ".
هو عضو اتحاد كتاب المغرب و عضو مكتبه بالدار البيضاء ، عضو دولي بمنظمة العفو الدولية و عضو منتدى الحقيقة و الإنصاف .
الشاعر والروائي  توفيقي بلعيد من مواليد 1952 بمنطقة وريكة أحواز مراكش .

فصل الربيع/ عبدالقادر رالة

   لطالما تساءلت وأنا طفل صغير يقضي أغلب وقته في الركض ومشاهدة التلفزيون وقراءة الكتب الكبيرة المزينة بالرسومات الجميلة والالوان الزاهية : لماذا يحتفي الناس كثيرا بالربيع ؟ رغم أن الربيع لا فائدة منه، فالخريف هو الذي تحرث فيه الأرض وتبذر البذور ،وهو الفصل الذي تفتح فيه المدارس ،وهو الفصل الذي تنضج فيه أشهى الفواكه! وفصل الشتاء هو الذي تهطل فيه الأمطار ونلعب فيه بالثلج ، هو الفصل الذي تروى فيه الارض بالماء....وهو الفصل الذي نلبس فيه الملابس الشتوية الدافئة !
 أما فصل الصيف فهو الذي تنضج فيه السنابل ويفرح فيه التلاميذ الناجحون ،وتقام فيه الأعراس وتزف فيه العرائس ، وفيه يذهب المحظوظون الى البحر! فبأي شيء فضل فصل الربيع ؟ هل فقط لأنه شهر السنونو ؟ أم لأنه شهر الفراشات والنحل النشيط؟
 وبعد تفكير طويل أدركت لوحدي بدون أن يخبرني أحد أن فصل الربيع هو فصل الحياة بل هو الحياة نفسها...إذ فيه تتفتح الأزهار وتتزين الأرض بالألوان...فهو الفصل الوحيد الذي نرى فيه جميع الألوان....فاللون الرمادي هو الغالب على الخريف، واللون الابيض هو الغالب على الشتاء، أما الأصفر فهو لون الصيف ! أما الربيع فتجتمع فيه كل الألوان ، جميع الألوان، لذلك كان فصل الربيع أحب إلينا في حصة الرسم إذ يمكننا أن نستخدم جميع الألوان ونلون بجميع الأقلام....

آن لي أن أعود من حيث بدأت/ خليل الوافي

مرت عليك اللحظات دون أن تدري ٬ تجمع بنات أفكارك و ترتب أوراقك على الشكل الذي يوحي أن ثمة شيء يحتاج منك مجهودا مضاعفا ؛ لتحصل على ذلك التوازن المفقود في دواخلك ؛ تبحث جاهدا دون كلل و لا ملل ، يراودك الشك أحيانا ، و أحيان أخرى يحتويك إحساس فاتر أن الأمور بدأت تأخذ منحى تصاعدي نحو نهاية محتومة في مشهد الإنصات إلى الذات و ما يختلج القلب من حيرة زائدة ، تزيد من مؤشرات الضغط و الإنفلات من قبضة الشعور الغريب ؛ بأن خطبا ما سيقع ٠
تتراكم الصور و الأحداث تباعا كسيل نهر هائج يحمل معه فتات المدن الجديدة على سواحل البحار الثائرة في وجه العواصف الغربية ؛ لا مجال الآن لتشرق شمس هذا الصباح حيث الوجوه تحمل أقنعة الوحل ، و ترفع شعار الصمت ، وترتدي سحب الضباب ، و تصلي لإله الخوف في معابد النسيان ؛ تجد الجهل و ملامح الجاهلية الأولى تتربع على عرش القذارة ، و عبادة الحجارة على طقس الجذبة والندوب التي لم تترك مكانا في جسد يغالبه الصداع و الوجع اليومي ٠
يكثر الصمت في دروب العتمة ، و يرتفع صوت النواح في مداخل الجسد ؛ أبحث عن فصل الهدنة و ترك السلاح ، وإبعاد الموت قليلا عن عيون الأطفال ، و إخراج القذائف من بؤرة السؤال الحرج عن عدد القتلى و اليتامى و الهاربين من أوطانهم إلى حدود المجهول ، و التطهير العرقي لسلالة العربي من خريطة الألم ؛ لا نصيب لهم اليوم بإعتراف يقيهم حرارة هذا الصيف الممتد أكثر من نصف قرن ، وما تزال أوراش التهجير القصري تشتغل ليل نهار تخرج أفواج العاطلين عن وطن و شكل إنتماء ٠
تخاصمني عروبتي أمام باب السلطان ، وتقول : ماذا فعلت بي يا أيها العربي ؟ ؛ أتجاهل السؤال و أراوغ نفسي عن إسقاط المعنى في جوف الجواب العقيم أمام شاشة التلفزة ، لا تأتي الأسئلة ــــ كعادتها ـــ بريئة من إشارة خفية تختزل جرح أمة ، و تفقد الأشياء الجميلة بريقها الصافي مثل حبات الثلج ؛ وهي تلامس وجه براءة نازلة للتو من معارج السماء ، يهبط الوحي ثانية يعالج مسام الدعاء المباح فوق جبل التوبة ؛ أراني أسير في دربك أتلمس الخطى ، تزهر في طريقي شقائق النعمان ، و تحلق فوقي طيور البجع ؛ لا سماء اليوم تعرف أختها الأرض ، مادامت الأشياء تأخذ شكلها الطبيعي في سهول المطر ٠
أنعرج نحو أزقة طفولتي ، و ساحات اللعب ، و الركض الحر في أرض الخلاء ؛ كانت الأرض تحن إلى أقدامنا الصغيرة التي لا تهدأ بفعل الحيوية الزائدة ، و الشغف المفرط بحب الحياة كما كانت تتماثل إلينا في رحابة الأفق ، و إتساع مجال الرؤية إلى أبعد الحدود ؛ حيث يمتد الجسد بعيدا ، موغلا في رسم معالم جغرافيا جديدة ، تغير مشهد الألوان الشاحبة في وجه الإنفلات المجبر على خوض معركة الحياة ؛ عندها آن لي أن أعود من حيث بدأت ٠


خليل الوافي ـــــ كاتب و شاعر من المغرب
في طنجة بتاريخ : 15/12/2012
khalil-louafi@hotmail.com

مع مرافئ الحب/ د. عدنان الظاهر


( مع كتاب الدكتور علي القاسمي الموسوم : مرافئ الحب السبعة )
للأستاذ القاسمي أسلوب متميّز في القص ولغته لغة حلوة مُخملية الملمس عذبة التأثير في نفوس قرّاء ما يكتب . كما أنَّ له ذاكرة قوية يستذكر بها أدق تفاصيل حياته مُذْ كان طفلاً في ناحية " الحمزة الشرقي " التابعة لمحافظة القادسية العراقية. سرد حياته طفلاً كأحلى ما يكون السرد ولكن ... توقفتُ طويلاً حين كتبَ أنْ كان في بيتهم الريفي [ حوض سباحة ] ! هل في البيوت العراقية القروية أحواض سباحة خاصة وقد بيّن أنَّ سقوف بيتهم كانت من جذوع النخيل ! ثم ... كان يخاطب والدته البدوية بلفظة " ماما " . كنا نخاطب أمّهاتنا في ذاك الزمان بكلمة " يُمّةْ " أي يا أمّي أو يا أَمَةْ أو يا أُمّة وهذا أفضل بالطبع  فالأمُّ أمّةٌ بحق وحقيق . ثم درج على وصف " شيلة " والدته بأنها " شال " ! ما كان لأمّهاتنا شال بل فوطة أو شيلة أو عصابة الرأس ثم الجرغد . ماما والشال أبعدتاني عن أجواء القرية التي وُلد فيها دكتور علي وأمضى طفولته فيها ووصفها أدق وصف. لفت نظري تعلّقه بنخلة بيتهم التي كانت تتوسط هذا البيت ثم حبه للنهر ولبط هذا النهر حتى نكبه فقد إنضمّت بطته لسرب قادم وتركته على الضفّة حزيناً وربما باكياً . في هذه القصة رمز جميل ومؤثّر مفاده أنَّ كل شئ في هذه الدنيا لا بدَّ راجع لأصله وبيئته وكامل حريته . لمن الأفضلية ،  للوفاء أو للحريّة والعودة للأصل ؟ للطبع أم للتطبّع ؟ نقرأ ما قال عن النهر والبط [[ رفاقي ! ألا يزالُ النهر يجري في أحضان قريتنا ؟ ألا تزالُ مياهه الثرّة تفيض كلَّ ربيع فتغسل عتبات دارنا ؟ وهل ما زال ( السليم أنْ يقولَ . أما زال البط .. لا يمكن الجمع بين هل وما .. هكذا تقول عربيتنا ) البط يسبح في مجراه كما كان ؟ وهل ما زالت ( كررالخطأ السابق ) الأغنام ترتع على شاطئيه تحت ظلال النخيل / الصفحة 219 ]] .
 سأتعامل مع كتاب مراقئ الحب السبعة باعتباره كتابَ سيرة ذاتية أو كمجموعة قصص بطلها صاحبها " سليم " لا كرواية لأني غير مُقتنع بأنها رواية ذاك لأنها تفتقر إلى أسس وتقاليد الروايات . سليم نفسه حيّرني فمرة يتكلم بضمير الحاضر : أنا أو سليم .. ويتكلم مراتٍ بضمير الغائب : هو .. إنه ... قال ... سافر ... إلخ. إعتراضي الآخر حول تسمية الكتاب بمرافئ الحب السبعة ! وجدتها أربعة مرافئ لا سبعة هي كما يلي :
1 ـ مرفأ طفولته المبكّرة
2 ـ قصة الرومانس الأول التي إنتهت بمأساة .. قصة الحب الذي ربطه بوداد زميلته في كلية التربية / جامعة بغداد .هذه القصة كذلك تحيّرني لأنَّ أصدقاء وزملاء السيد علي عرفوه شاباً محافظاً حيياً خجولاً لم يره أحد مع إحدى زميلاته في الكلية لكنه رسم ذات مرّة صورة هي الخيال بعينه : جلسا معاً على إحدى المصاطب المواجهة لحديقة الكلية وهناك تعانقا ... هذا أمر نادر الوقوع في عراق خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي !
3 ـ قصته مع الأمريكية سوزان في جامعة تاكسس . القاسمي بارع في تصميم قصص الرومانس كأنه كازانوفا أو دون جوان اللورد الإنكليزي البيروني .
4 ـ أخيراً قصته مع الفتاة المغربية الأرملة " أثيرة " طالبة جامعة الرباط ... واحدة من طالباته . هنا عثرتُ على الصديق علي القاسمي متأججاً بنيران حب حقيقي لم يقصّر في وصفه وما يترتب عليه وما ينجمُ عنه . أجاد في ملاحقة ذكرياته مع طالبته أثيرة التي جعلها تحمل منه ولم تشأ أنْ تُسقط ما حَملتْ سِفاحاً.
إذاً نحن أمام أربعة محطات أو مواقف أو مرافئ كما أسماها علي لا سبعة . إلاّ إذا قصدَ بالرقم 7 مجموعة البلدان التي درسّ في جامعاتها أو درّسَ فيها .
الأمر المحيّر الآخر أو الأمران المحيران هما  ذكره لمرات عديدة أنه ترك العراق هرباً وخلاصاً من ملاحقة واضطهاد وربما الإغتيال كما حصل في بيروت لصديقه زكي حيث إغتالته مخابرات الحكومة العراقية في منطقة الحمراء من بيروت . نموذج لما كتب الدكتور القاسمي بهذا الصدد [[ هرب من بلده بعد أنْ استولى العسكرتارية على الحكم وملأوا السجون بالمفكّرين الأحرار ولاحقوا مَنْ هرب منهم خارج البلاد بالإغتيالات التي تنظمها سفاراتهم ، في الفنادق والمطارات والشوارع وفي كل مكان / الصفحة 241 ]] . نوذج آخر [[ لك الله يا أبتاه ...كيف لك أنْ تستسيغ ـ الصحيح تسيغ ـ دخول أحد أبنائك السجن أو تشرّده في المنافي لأنَّ السلطة " الثورية " تختلف معه في الرأي والميول السياسية / الصفحة 91 ]] . حسب علمي ومعرفتي بالصديق القاسمي ما كانت له ميول سياسية في العراق لا طالباً في الكلية ولا مُدرّساً معي في مدارس الحلة بعد ثورة تموز . لعله أحبَّ أنْ يقصَّ تأريخ بعض أصدقائه وينسبه لنفسه . بالطبع كان يقصد إنقلاب الثامن من شهر شباط 1963 الفاشي الدموي الأكثر سواداً في تأريخ العراق المعاصر .
عرفت الأستاذ القاسمي طالباً في الكلية ثم زميلَ التدريس في مدارس مدينة الحلة زمان عبد الكريم قاسم . ما كان متورطاً بالسياسة ولم يمارسها أصلاً وكان محايداً وصديقاً لجميع زملائه ومعارفه من اليسار حتى أقصى اليمين . هو يعرف ما تعرّض له ومن تعرّض من زملائه في الهيئات التدريسية في مدارس الحلة من سجن وقتل وتعذيب واختفاء قسري في وبعد إنقلاب الثامن من شهر شباط عام 1963 . ما كان الصديق أحد هؤلاء . أمر آخر حيّرني كثيراً : شكواه المُرّة من الحزن والسواد وسوء الطالع والقلق وكوابيس الليل ! القاسمي رجل ناجح حقق الكثير من طموحات الرجال وكان محسوداً لذلك من قِبل الداني والقاصي . زار البلدان المختلفة طالباً أو مدرّساً أو سائحاً ومارس وظائفَ مرموقة يتمناها العديد من صحابه وأصدقائه فعلام الشكوى المرّة وسب الزمان واللطم على الذات ؟
نموذج ذو علاقة بهذا الشأن [[ فلحظة حزن واحدة تمسحُ ساعات طويلة من الفرح كأنها لم تكنْ قط ... وللفرح أغنية أخرى لم يتيسر لي سماعها ولم أتهجَ أبجديتها ... أما الحزنُ فهو مقيم في شمال الروح وفي جنوبها ومستقر في سيوداء القلب وصميمه / الصفحة 164 ]]. نموذج آخر [[ يقولون ، يا أمّي ، أربعة تهدم البدن : الهم والحزن والجوع والسهر . وقد تضافرت هذه الأربعة عليَّ كما يتضافر القَتَلة على وحيد أعزل / الصفحة 225 ]]. ذكّرتني الجملة الأولى بما قال أبو العلاء المِعرّي :
إنَّ حزناً في ساعة الموتِ أضعا
فُ سُرورٍ في ساعة الميلادِ
هل أضيف شأناً آخر لفت نظري بعد فراغي من قراءة كتابه ؟ لا بأس .. وليغضب صديقي مني فأن أكون مع الحقيقة خيرٌ لي بمليون مليون مرّة وأفضل من موقف الساكت عنها والساكت عن الحق شيطانٌ أخرس وأكمه وأعمى . أعني أم أولاده .. لم يذكرها قطُّ في كتابه هذا وكان الأولى به أنْ يُضيفها إلى بقية مرافئ حياته وهي المرفأ الأنبل والأشرف والأجدر بالذكر . له منها ولدٌ وبنت .
الكاتب حر فيما يكتب وكيف يكتب ولكنْ حين ينشر للملأ ما كتب أعطى القرّاءَ حق التساؤل وحقوق التفكير والبحث في السطور وفيما بينها وفيما وراءها .
قد يعيب البعض عليه أنه عقد صداقة تطورت إلى حب جارف مع إحدى طالباته بل ووطأها فحملت منه ! صحيح إنه في الرباط كان وحيداً له سَكنٌ لكن ليس له  من يسكن إليها من نساء العالم . تهرّب من صديقته الأمريكية لأنها كانت فتاة يهودية وهنا أُكبرهُ أيّما إكبار . تركها وترك بلدها ليعمل في جامعات المغرب مدرّساً . في المغرب  داهمه مرض الحنين للوطن ثم لسوزان التي أحبّته ودعته إلى دار أبويها فتناول معهم الطعام ثم أمضى الليلة معهم في بيتهم الفاره . فتعلّقه بطالبته الأرملة أثيرة كان له ما يبرره .
لم يذكر القاسمي إلاّ إسمين فقط في طول وعرض كتابه هما عديله رفيق الحريري ثم صديقنا الرائع المشترك دكتور عبد اللطيف إطيميش .. علماً أنه أهمل ذكر لقب عبد اللطيف " إطيميش " / الصفحات 226 ـ 228 . أما مكي وزكي فلا أظنهما إسمين حقيقيين .. أسماء حركية مستعارة .
إعتراضي الأكبر هو أنَّ الدكتور علي القاسمي قد إدّعى أنه درس الكيمياء في كلية التربية ثم درس خارج العراق وعاد مدرّساً للكيمياء في نفس الكلية ! ما كانت الكيمياء تخصص القاسمي أبداً فما الذي جعله يختارها ! ما الذي يضرّه لو قال إنه متخصص باللغة الإنكليزية وآدابها ثم درس في أمريكا الفهرسة وعلم المكتبات كما أخبرني في شقته في الرباط ؟ هذا الأمر يحيّرني حقاً . ترك اسمه الحقيقي " علي القاسمي " واستعار اسمَ " سليم الهاشمي " . أسليم أفضل من علي والهاشمي أفضل من القاسمي ؟
قصص وذكريات جميلة ومؤثّرة كتبها صاحبها بأساليب فنية وربط بين أجزاء وجزئيات قصصه ربطاً محكماً وكشف نفسه للناس إنساناً كثير الرقة ومحباً وعاشقاً من الطراز الأول وقد حقق في مسيرته النجاح تلو النجاح لكنه ظلَّ توّاقاً لما هو أكبر وأكثر وهذه هي طبيعة النفوس التي عبّر المتنبي عنها أروع وأبلغ تعبير :
وإذا كانت النفوسُ كِباراً
تَعِبتْ في مُرادها الأجسامُ
طموحات الإنسان مثل نيران الجحيم في الآخرة ومثل الثقب الكوني الأسود يبتلع ما حوله ويصرخ هل من مّزيد .. يجوع بشبعه ويظلُّ يجوع .
ملاحظة أخيرة : بالحساب البسيط يتضح لنا أنَّ الدكتور القاسمي كان قد دخل المدرسة الإبتدائية في ناحية علي الشرقي حين كان في الثالثة من عمره ! هذا أمر مستحيل فطفل الثالثة لا يعي ولا يفهم إلا القليل .. وفي بريطانيا لا تقبل المدارس طفلاً إلاّ إذا بلغ الخامسة من عمره وقد يحصل مثل هذا في مدارس العراق القروية والبعيدة عن مراكز المدن . أقول قد يحدث لأنه ليس قاعدة كما هو الشأن في بريطانيا . وُلد علي عام 1942 وأكمل دراسته في كلية التربية في بغداد عام 1960 ... وبالحساب البسيط يتضح أنه تخرّج في الثامنة عشرة من عمره وهذا يعني أنه دخل الإبتدائية في الثالثة ! سنوات دراسته هي 15 عاماً : ست سنوات  في الإبتدائية وخمس في الثانوية وأربع في الكلية ويكون المجموع 15 سنةً ! صحح سنة ميلادك صديقنا دكتور علي القاسمي .
*
علي القاسمي / مرافئ الحب السبعة . الناشر : المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ـ المغرب . الطبعة الأولى 2012 .

فهد ابو خضرة وعودة الى الورد/ نبيل عودة

د. فهد أبو خضرة
ديوان شعر: عائدون الى الورد- للشاعر د. فهد أبو خضرة
منشورات مواقف -2012
يمكن اعتبار الديوان الجديد للشاعر والمحاضر الجامعي  الدكتور فهد ابو خضرة تلخيصا لمسيرته الشعرية، او معلما ثقافيا شعريا لكل اصدارته الشعرية بين السنوات 1972 – 2012.
هذا الإنطباع هو بناء على ما سجله الشاعر نفسه في مقدمة ديوانه، بأن قصائد هذا الديوان كتبها في فترات مختلفة من حياته، ونشرها في مجموعاته الشعرية التي صدرت في السنوات المذكورة أعلاه.
اذن عودة الى الورد هي عودة الى ما يعتبره الشاعر أجمل القصائد (الورود) في مسيرته الشعرية.
ما يشدني لشعر فهد أبو خضرة هو الصوت الهادئ ، المتأمل، الحالم والرقيق في تعابيره  الذي يميز نصوصه، أحيانا نوع من العبادة والصلاة والتنسك الشعري، ورأيت دائما قوة الظاهرة الصوفية* في شعره.
الشرح الزائد يعيق الوصول الى أسباب في صياغة بعض القصائد. لا ضرورة احيانا للشرح لأن الصمت امام بعض الأفكار التي يطرحها الشاعر تزيد جمالية النص، خاصة القارئ المثقف المتميز بوعي فلسفي وانساني وشمولية ثقافية قادرة على ربط أطراف عديدة من الحلم الشعري بواقع الحياة، بوجعها وجمالها ، بحزنها وفرحها،بيأسها واصرارها وبفهم واع ان الظاهرة الشعرية، تخاطب العقل الباطني ، الأحاسيس، الأحلام،الأمنيات وصولا الى الإدراك الواعي للإنسان،  الذي يربط بين الكلمة والصورة الشعرية، بين جمالية النص ، وعمق الرؤية.
 رؤيتي في القراءات الشعرية انه من الأفضل اعطاء تفسير للظاهرة والإجتهاد للوصول الى الجوهر. بعد تفسير الظاهر يكاد يتوارى جهد تفسير الجوهر لأن الظاهرة هي شكل فلسفي لوجود الجوهر،الذي يسطع بقوة لا تحتاج الى مزيد من التفسير ، حتى لا يصير حالنا كمن فسر الماء بالماء، وتصبح الثقافة حسابات هندسية، وهو ما أكرهه في الكثير من النقد الذي يغرق بالشكل ويتجاهل الجوهر.
هذه الإشكالية بين الظاهر والجوهر،هي من الأشياء التي لا يستطع الإنسان ان يعبر عنها بالكلمات فقط، ولذلك ظهر الأدب عامة والشعر خاصة  بالإيحاء والصور القلمية عن الفكرة والكلمة والجوهر الفلسفي للأفكار التي تحرك قلم ونشاط المبدع .
فهد ابو خضرة في قصائده يعلن ان العالم لا يدور حول مصادر الضجيج، رغم انها تلفت النظر  ولكنها سرعان ما تتوارى، انما ما يشغل العالم ، وخاصة مفكريه وادبائه، ان يقدموا للإنسان قيم جديدة تأخذهم الى رحاب انسانية اجمل واوسع وتستحق ان نحيا من أجلها  بعد ان يستتب العدل والحب بين البشر.
ايها القادم في مركبة الشمس الى أرض الفداء
لم يحن وقتك بعد
(من قصيدة  ايها القادم)
والآن اريدكم الإنتباه للمفارقة . الشاعر يخاطب القادم بأن وقته لم يحن بعد،هو قادم فلماذا ياتي قبل الوقت؟ الجواب في تتمة القصيدة:
ها هنا في قمة الأحقاد والويل المعاد
لم تزل تنتظر الأيام نيرون الجديد
علها تحرق في ذاكرة الحاضر روما ،
والرماد
يبرئ الأعين من داء طواها الف عام.
القادم في مركبة الشمس هو المسيح المنتظر، نيرون لم ينه مهمته بعد... ليحرق ما تبقى ، فحتى ينهي نيرون وظيفته، حتى يصل الشر الى اقصى حدود الويل والأحقاد ، بعدها سيكون ل "ألقادم" ان يجيئ ليبرى النفس البشرية من نيرون وأمثاله .
يمكن تأويل القصيدة في اتجاهات عديدة،من هنا جمالية الشعر الذي يدفعك للتفكير وليس للإسترخاء لحسن النظم فقط. يسطع بقوة في صوره الشعرية شكلا من الرؤية الصوفية، البعض قد يربط الفكرة الشعرية بالواقع السياسي، بالمأسي التي تواجه العديد من الشعوب وليس شعبنا فقط. انا اميل لفكرة ان فهد ابو خضرة اقرب للصوفية (بمفهومها الفلسفي) في ايماءاته الشعرية، الصوفية لا تعني التنسك عن واقع الإنسان ومعاناته، بل ظاهرة احتجاجية لغياب العدل الذي يحطم كمال الإنسان الأخلاقي.
ينهي قصيدته بتساؤلات يطرحها للقادم في مركبة الشمس اذا حان وقته – (التكنولوجيا جعلت الحمار الأبيض مركبة شمسية):
أترى ما كان بالأمس يعاد؟
اترى تورق في الصحراء اغصان؟
أترى يقتلع الوهم الذي ساد الزمان؟
اكاد اسمع فيروز تنشد "سنرجع يوما الى حينا". والأهم الا يكشف فهد في هذه القصيدة أكثر مما يخفي؟ في آخر جملتين تتضح الصورة:
ايها القادم في مركبة الشمس الى أرض الفداء
أترى وقتك وقتي؟
هذا ما يقلقنا جميعا. نريد للقادم ان يعود في وقتنا حتى يتسنى لنا يوم نحياه بفرح بدون نيرون وشركاه، بدون الحرق والقتل ومعاناة بني البشر.
لا أظن ان اجتهادي في طرح رؤيتي الذاتية يخدم عرضي الثقافي، ولا اقول نقدي، فقد أسعفني الدكتور الأديب والمفكر والمحاضر في السوربون افنان القاسم بتعبير "عرض" بدل كلمة "نقد" التي لم أحبها يوما، في وصف مراجعاتي الثقافية، وانا شاكر له اعفائي من آفة تعبير النقد.
لا بد من شحذ ذهن القارئ الى ان موضوع القادم لا ينتهي مع القصيدة الأولى، الا يشير ذلك الى رؤية فلسفية ما يحاول الشاعر ان يطرحها ؟ مثلا هل يختلف جوهر كلمة "قادم" بمعناها العملي، عن كلمة "عائد"؟ اليس في القدوم عودة وفي العودة قدوم؟ اذن قصيدته الثانية هي استمرار لإنتظار القادم، الذي يصير هنا عائدا. هذا ما وجدته في قصيدته الثانية: " ايوب الجليلي يعود الى الورد":
عاد أيوب الجليلي الى الورد وطيبه
بعد ان جرعه الدهر العذابا
المسيح هو ابن الجليل حيث القى خطبته المشهورة باسم التطويبات وقام باول واهم عجائبه، وايوب الجليلي هو الفلسطيني الذي شرد وصودرت احلامه وايوب هو مثال الصبر والإصرار على العودة  ولا بد للفلسطيني ان يكون ايوب في صبره أيضا.. حتى يعود الى "الورد وطيبه" حين ياتي "القادم" بمركبة الشمس.
الشاعر يكشف برمزيته، وايحاءات شعره، المزيد من المضامين بدون ان يجعل من قصائده وأفكاره ظواهر  صوتية شعاراتية.
عاد أيوب الجليلي الى الورد وطيبه
واحتفى كل حبيب بحبيبه
العودة هي مسك الختام. فهد ابو خضرة ينشد العودة بطريقته الصوفية الحالمة، آخرون ينشدون العودة بقوة الصوت والمنابر،آخرون بوسائل قوة لم يترك لهم الزمن خيارات غيرها. لا افاضل بين الأساليب، انما ارى ان فهد اعطى للشعر، للرؤية الإنسانية، الدور الفاعل ، وهذا يذكرني بقول لماركس بان "الفكرة حين تتغلغل بالجمهور تصبح قوة هائلة".
القصيدة الثالثة هي عودة أخرى لنفس الأجواء: "اغنية للزمن الآتي"، ننتقل من القادم بمركبة الشمس الى أيوب الجليلي العائد وصولا الى الزمن الآتي ، سلسلة لا تنقطع متماسكة من حيث الفكرة والصورة الشعرية والفلسفية:
هي العودة البكر
كل الزمان الذي مر في النار
وهج من الحب،
بسر من الحكمة الخالدة.
طبعا الروح الصوفية تشتد حدة في هذه القصيدة. الزمان الذي مر في النار هو زمن الضياع ،زمن الشتات.  فهد لا يتخلى عن كونه انسان اولا،  مطلع قصائد فهد تكاد تبدو بدايات لصلوات فيها جمالية الرمز الشفاف ، قوة الطيبة البشرية التي ترفض ان تتخلى عن قيم البشر مهما جار الزمان، لأن الإنسان كما احاول ان أفهم فهد ابو خضرة هو  ليس أداة ميكانيكية  بل مشاعر طاهرة اذا فقدها فقد انسانيته، نجد هذه الثيمة عبر كل نصوصه الشعرية:
بقوة هذا الذي فيك كان،
وكنت به الحب والدفء للعاشقين
(من قصيدة اغنية للقدس)
حقول من الشمع
ترسل أنفاسها
صلاة
وأناتها
دعاء
الى واهب العفو والمغفرة
(من قصيدة شاعر في مغارة التجليات)
شامخا في الساحة الكبرى أمام النهر
عشرين ذراعا ، مرمرا أبيض
في يمناه سيف
وعلى يساره وحش بشري
(من قصيدة الفتى والوحش)
اكتفي بهذه المقاطع التي أخذتها تباعا من ثلاث قصائد. الصور توحي باجواء معبد مسيحي، في قصيدة "الفتى والوحش" مثلا يتابع:
حدث الراوون قالوا
ان هذا راس سفاح أثيم
انه الأخطبوط (الوحش) الذي يقتله "مار جرجس" حسب القصة المسيحية. هذه الصور تتماثل مع الواقع لمن يملك خيالا يتجاوز الصورة الشعرية، وهنا جماليتها الصياغية اولا، والرؤيوية ثانيا، مما يجعل القارئ يغرق متاملا، طبعا ليس اي قارئ، بل القارئ المتمرس خصب الخيال الواسع المعرفة.
ان مطلع قصائد فهد لها مميز هام انها تشكل تأكيدا على الرؤية المتوهجة التي يقود القارئ اليها دون عناء.
البعض يفهم ان فهد ابو خضرة هو شاعر وجداني، هذا لا ينفي وجدانيته القوية في نصوصه  وهذه ميزة لكل مبدع ، ان تكون وجدانيته مطبوعة في نصوصه، ولكنها لا تنغلق على ذاتيته وتعزله عن واقع الحياة، بل تضيف الى نصوصه  الشعرية  الانطلاق الى آفاق واسعة حدودها السماء، يمكن القول ان نصوصه تحاكي الواقع عبر وجدانية الشاعر.
قصائده هي خطاب للعقلانية.
كلما تعمقت بقصائد اليوان أشعر باني يجب ان أضيف، ولكني اكتفي حتى لا اكرر نفسي. الشاعر نجح ببناء صرحه الشعري الخاص والمميز في شعرنا المحلي كله.
هذا يعيدني الى الفترة التي اكتشف فيها العالم العربي شعرنا الفلسطيني واطلقوا عليه تعبير "أدب المقاومة"، ربما لغياب أي مقاومة عربية حقيقية غير الشعر.. وخاصة شعرنا الفلسطيني المحلي.
سادت وقتها القصائد المهرجانية  الخطابية والمباشرة، من ناحية أخرى لعبت الهيكلية الحزبية والإعلامية السائدة  دورا كبيرا في التسويق.
لا ادعي ان الشعراء الذين برزوا لا يستحقون ما اكتسبوه من اعجاب، انما اسجل حقيقة ان شعرنا لم يكن يستحق ما حظى به من حماس مبالغ وصل حد التقديس ولم يكن كله على نمط واحد . هناك اسماء عديدة ظلت في الظل .
من هنا ارى ان مسيرتنا الشعرية تحتاج الى اعادة تقييم جذرية لا تغمط حق أحد.

*- الصوفية: تيار في الفكر العربي – الإسلامي ظهر في القرن الثامن الميلادي وتتميز بصهرها بين نظرية المعرفة حول وحدة الوجود ، أي اعتبار كل الموجودات تجليات للإله وبين مذهب يرى كمال الإنسان الأخلاقي.طبعا هناك بحر من التفسيرات والتقسيمات في تأويل هذه الظاهرة، لكني على قناعة ان جوهرالصوفية هو ما سجلته، من منطلق ان كل ظاهرة فكرية او دينية او فلسفية لا تظهر لتكرر ما هو موجود فقط.
nabiloudeh@gmail.com

الفنان شوقي دلال يدعوكم لمشاركته توقيع كتابه الجديد

اضغطوا على الدعوة لتكبيرها
الفنان شوقي دلال يدعوكم لمشاركته توقيع كتابه الجديد نهار الأحد القادم 16/12/2012 في معرض الكتاب العربي الدولي ، جناح النادي الثقافي العربي، الساعة الخامسة عصراً، البيال ، بيروت.
تشريفكم يُغني اللقاء

مع قصيدة "ايوب المعلولي" للشاعر مفلح طبعوني/ شاكر فريد حسن

"ايوب المعلولي"هي قصيدة للشاعر النصراوي/ الفلسطيني مفلح طبعوني، صاحب ديواني "قصائد معتقة" و"عطايا العناق" ، الذي عرفته الساحة الادبية في هذه البلاد شاعراً وطنياً وسياسياً ملتزماً بعذابات الطبقة العاملة المسحوقة والمقهورة، والقضايا الوطنية والقومية ، والهموم السياسية والانسانية. وهو يأتينا بين حين وآخر بقصيدة دافئة وانسيابية صادرة من اغوار القلب والجرح ، ذات احساس مرهف ، وتشد القارئ بعاطفتها الرقيقة والجياشة . وقصيدته "ايوب المعلولي" مرثاة للشاعر عدوان علي الصالح، الذي انتحر احتجاجاً على حياة البؤس والعذاب وعلى المجتمع الظالم القاسي، الذي لم يفهم احاسياسه وافقده متعة ولذة وطيب العيش . انها قصيدة مترعة بالعاطفة النبيلة والافكار والمعاني الحزينة والروح الانسانية المتمردة ، وبالحسرة والتفجع على فقدان هذا الشاعر المرهف، الذي حاصره اليأس والاحباط والاكتئاب النفسي ، فعانى طويلاً من اضطرابات نفسية وعصبية قادته الى موته التراجيدي – وهو كما قال عنه مفلح ونعته بـ "الصالح في هذا الزمن غير الصالح ، الذي يتفاعل مع ندى الارض ودم الزيتون".
وهذه القصيدة ذات ايقاع موسيقي ، وتتبدى فيها المشاعر الصادقة والصور المشحونة بعمق الانفعال بالحدث الأليم والمشهد المأساوي الحزين، وبالصدق الفني الذي يعتبر شرطاً اساسياً وضرورياً في العمل الشعري الابداعي.
ولا يخفي مفلح طبعوني ثورته ونقمته على واقع الحال ، الذي تعيشه امته وشعبه في ظل انظمة سياسية قمعية وفاسدة  في هذا الزمن الاخرس، الذي اضحى فيه الصمت افضل تعبير عن هذا الوضع ، فيصف هذا الزمن بأوصاف مدهشة قائلاً:
هذا زمن اخرس ، رغم تعالي الأصوات
فيه وارتفاع الصراخ الى ما فوق الفوق
فالصمت فيه الاحسن
هذا زمن البهائم والخيانات ، زمن الفضائيات
فالصمت فيه الارقى
هذا زمن التكالب على الوفاء لدول
البلاد ودويلات الشقاء
ويضمن مفلح قصيدته اقوالاً من التراث العربي القديم لابي العلاء المعري ومنصور التميمي وتميم بن مقبل ، وهذا التضمين يجئ كمعادل موضوعي لحالته الشعورية والنفسية وانسيابه لتداعي المعاني ، التي يصاحبها التوهج العاطفي لتحقيق البنية الايقاعية للقصيدة.
لقد غمرنا مفلح طبعوني وهز افئدتنا وجوارحنا بمشاعره الفياضة وروحه المتوثبة وكلماته المنسابة الممزوجة بالحزن والشجن والاسى والغضب والثورة على الواقع الاجتماعي القهري المزيف والمدجن ، وتمكن واجاد في اقتناص اللفتات اللامعة وتطويع الاساليب الفنية لخدمة تجربته الانسانية .
وقد تلمسنا في هذه القصيدة وغيرها من قصائد، انفاسش اعر متوهج بكبرياء الشعر استطاع اثبات حضوره ونجوميته في مشهدنا الشعري والادبي والثقافي.