سعود الاسدي و"التيه الأخير"/ شاكر فريد حسن

 سعود الاسدي شاعر انيق شفاف وزجال كبير اثبت حضوره على خريطة الادب الشعبي الوطني والانساني الفلسطيني ، واعطى اهتمامه لقضايا الوطن والانسان البسيط الحالم والباحث عن الرخاء والفرح الدائم.
وقد صال الاسدي وجال في قرانا ومدننا العربية من الشمال حتى الجنوب ، صادحاً على انغام الردة الديراوية، بالاشعار الشعبية المحكية والاغاني التراثية الطافحة بالصدق والعفوية ، والعابقة برائحة ثرى الوطن وشذا زيتون الجليل.
وكان لسعود الاسدي نشاط ثقافي وادبي متعدد الجوانب ، وقد شارك في العديد من الندوات الادبية والثقافية وقدم محاضرات متنوعة حول التراث الفلسطيني والادب الشعبي العامي ، والقى قصائده من على منصات مهرجانات يوم الارض والمناسبات الوطنية . وفي اوج الانتفاضة الفلسطينية الاولى اعتقل واودع في السجن لانه هزج للانتفاضة وانشد للحجر الفلسطيني .
وسعود الاسدي يعانق في نصوصه الشعرية الابداعية وقصائده المحكية واهازيجه الشعبية هموم الوطن وجراحاته واحزانه واجواء قرانا الفلسطينية ، ويجسد مأساة شعبنا بابعادها الوطنية والسياسية والاجتماعية ، ويملأ حياتنا بالتفاؤل والأمل رغم الوجع والألم ، ويتغنى بجمال بلادنا وطبيعتها الخلابة الغناء ، وأشجارها اليانعة وارفة الظلال ، وبيادرها وحواكيرها وينابيعها وبساتينها الخضراء . كما يتغزل بحواري الوطن وصباياه الجميلة غزلاً عنيفاً ، ويحاكي المنزرعين الصامدين في وطنهم المتمسكين بجذورهم التاريخية وهويتهم الكنعانية الفلسطينية ، ويخاطب جياع الوطن القلبضين على الجمر والمكافحين لاجل ازاحة الليل عن صدورهم، والمشردين في مخيمات الجوع والفقر والشقاء ، الذين يتحرقون شوقاً وحنيناً لملامسة ثرى فلسطين المقدس.
ويهتف سعود ايضاً للفلاحين والكادحين البسطاء ، الذين خرجوا من الصخور والاشجار والامواج واغلال القهر والتخلف واصداف التكلس،ويبحثون عن العيش الحر الكريم . ويناجي ابطال انتفاضة الحجارة ، الذين تحدوا الحواجز والسدود والسواتر الترابية والحصار بصدورهم دفاعاً عن الشمس والحرية .
وكما عودنا سعود الاسدي على التألق والتوهج في قصائده وازجاله واهازيجه الشعبية والوطنية ، فقد توهج في رائعته "التيه الأخير" ، التي نشرت قبل سنوات خلت في "الاتحاد" و"فصل المقال" و"الأخبار" النصراوية ، حيث سخّر فيها ملكته الشعرية وفجّر طاقاته الابداعية  ، فجاءت من فطرة الشعور والاحساس الغامر، لتلامس القلب والوجدان وتسحر النفس والروح، بعذوبتها ورقتها وطلاوتها وتماسكها الفني ، وترابطها العضوي، ومضامينها العميقة.
وكانت هذه القصيدة اثارت الأصداء لدى متذوقي الشعر الجميل والابداع الراقي ، وذلك لمضمونها واسلوبها الرهيف الشفاف ومفرداتها الفنية الزاخرة بالخصب والايحاء والخيال الجامح ، ولغتها المستمدة من الموروث الشعبي والديني والتراث العربي الاصيل .
وقد اثبت ابو تميم بقصيدته هذه ،بأنه مثلما يجيد الحداء والزجل وقول الشعر الشعبي ، فانه يجيد كتابة القصيدة الفنية الابداعية ذات المضامين الجمالية العميقة والرؤية الانسانية الواضحة.
وغني عن القول ، ان "التيه الاخير" لوحة ربيعية زاهية الألوان  تؤكد عشق سعود الأسدي ، الذي بلغ من العمر عتياً ، للجمال والحب والوجه الحسن ، فيهيم ويتيه في العيون الجميلة ، التي سحرته وقتلته ، ويبحر في عباب الذاكرة مستعيداً "زمان التباهي" حين كان شاباً يافعاً تحيطه الصبايا والفاتنات من كل جانب.
لقد كتب وقيل الكثير في شعر سعود الاسدي ، واجمع الكتاب والنقاد على شاعريته الخصبة ومقدرته على الخلق والابداع والصياغة الفنية وانتقاء الكلمات والمفردات، واستلهام التاريخ، وتوظيف التراث العربي في خدمة اغراض وابعاد ومحاور قصائده . واننا نلمح اثر ثقافته وقراءاته ونهله من عيون وينابيع الشعر العربي القديم واضحاً في هذه القصيدة وسواها من الروائع. وقد احسن صنعاً في توضيح  الكثير من المفردات لكي يسهل على القارئ فهم وهضم محتوى قصيدته ، دون عناء التنقيب عن معانيها في بطون الكتب ومعاجم اللغة.
اخيراً، فأن قصيدة "التيه الاخير" تمثل انعطافة في مسيرة عطاء سعود الاسدي الأدبية ، لما تحمله من تأملات عاطفية ، وومضات روحية، وتجربة حياتية. ولا نختلف اذا قلنا ان حياتنا الأدبية بحاجة لمثل هذه القصائد الصافية ، ذات الخيال الخصب، واللغة السهلة القريبة من الذائقة الجمالية للشعب، خاصة في هذا الزمن الذي امتلأت فيه حياتنا بالشعر الرديء الفج والمستوى الهابط ، واختلط القمح بالزوان. فطابت انفاسك يا ابا تميم ودمت معطاءً وذخراً لحركتنا الثقافية الوطنية والانسانية ، لكي تبقى تتحفنا بالشعر الناعم الرقيق .

ولا زالت اللحظات راهنة في مؤتمر كتاب الدقهلية


كتبت فاطمة الزهراء فلا‏
كتاب وباحثون وشعراء وإعلاميون توافدوا منذ صباح الثلاثاء 27/11 علي استاد المنصورة رغم الحالة القاتمة التي سيطرت علي البلاد إبان القرارات الدستورية التي أعلنها الدكتور مرسي , والانقسامات بين طوائف الشعب مابين مؤيد ومعارض وقد جاء مؤتمر اتحاد كتاب الدقهلية ودمياط الكاتب وتحديات اللحظة الراهنة  مواكبا للحركة العاصفة التي تجتاح جميع القوي السياسية , وقد فكرت إدارة المؤتمر أن تؤجله لكن لم تستطع لأن كل الترتيبات قد أعدت ولا مناص  من التنفيذ, بدأت جلسة الافتتاح في الحادية عشرة كما كان محددا لها  وقد كان علي المنصة كل من الدكتور سعيد اللاوندي ضيف شرف المؤتمر, والشاعر جابر بسيوني رئيس لجنة الفروع باتحاد كتاب مصر والشاعرة فاطمة الزهراءفلا  رئيس المؤتمر والسعيد نجم أمين عام المؤتمر والإعلامي زينهم البدوي المكرم والذي قدم جلسة الافتتاح , ثم توالت المنصة في توجيه كلماتها التي أكدت جميعها علي أن الشعب لن يعود مرة أخري للتنازل عن حقوقه الديمقراطية التي دفع الشهداء ثمنها بدمائهم  ولا يصح إلا الصحيح يتواري الباطل بزيفه , وتنكس أعلام الفساد  , وفي نهاية جلسة الافتتاح تم تكريم الإعلامي زينهم البدوي , والإعلامية تهاني عيسي , والصحفي حماده عوضين بجريدة الأحرار نظرا لما قدموه للاتحاد  من إبراز للأنشطة وكذلك الأدباء واختتم المؤتمر جلسته الأولي بالشاعر الكبير ابراهيم رضوان ومجموعة من قصائده التي انتقدت زمن الإخوان , بعد ذلك توالت جلسات, فكان محور الجلسة الأولي بعنوان الوضع الراهن بأقلام الكتاب , فكتب محمد خليل عن شهادة مقتضبة عن ثورة يناير , وكتب سمير بسيوني عن الدولة البوليسية وكتب أمين مرسي : لن نوضع في حظيرة وكتب محمود اسماعيل, عن الوضع الراهن ومتطلباته وكتب سمير الأمير ماذا جري لثورة يناير , ركزت المقالات عل إبراز أشياء ما كان يتوقعها الشعب المصري فيتساءل سمير الأمير كيف يمكن لرئيس أن يعفو عن مسجون محكوم بالإعدام كان قد تم تخفيف الحكم عليه إلي خمسين عاما ثم يعتذر عن إطلاق سراح شباب مارسوا الشغب ضد القوات المسلحة برغم أن سيادته أطلق سراح بلطجية أطلقوا النار علي الجيش ؟ ألا يجعلنا هذا نشك في أن النظام الجديد يريد أن يرثهم أي هؤلاء البلطجية من نظام مبارك ليستخدمهم في ترويع الخصوم السياسيين كما فعل الحزب الوطني بعد ذلك , وجاء محمد خليل ضابطا ومحدثا لبقا علي المنصة التي تكونت من سمير بسيوني وفكري داوود وسمي الأمير فجعل ربطه متميزا بين الضيوف فها هو يقول لافتا النظر بأن هناك خطة استراتيجية وبها أسماء مصرية شهيرة ومقرها لندن وسلمت منها صورة لأحد القضاة وتعرف علي مدي خطورتها , لذا يجب أن تتواري الفضائيات التي ظلمت هذا الوطن لتنفيذ هذه الخطة الشيطانية ..
حلقات من البحث والرؤية الضبابية التي تسيطر عل مقدرات هذا الوطن , وقد كانت الجلسة الثانية التي حملت عنوان أدباؤنا في الميزان وضمت علي عبد العزيز ود أشرف حسن , ووحيد راغب , وأدارها فرج مجاهد الذي قدم الأديب صبري قنديل الذي أدلي بشهادته عن فؤاد جحازي, جاء المؤتمر مواكبا لما يحدث من ثورة في ميدان التحرير مما جعل المؤتمر مهما وجامعا لأكثر من تيار سياسئ , وفي الناية تبقي سعادة الأدباء للقائهم السنوي الذي أصرت رئيسة الفرع علي إقامته رغم الجو المفعم بالأحداث المتلاحقة ليبقي سؤال حزين ..ماذا سيحدث لو أصر الرئيس علي موقفه وأصر الشعب علي ثورته ..تري هل نحن علي أعتاب ثورة جديدة ؟ وماذا حققنا من ثورتنا الأولي حتي نفكر في الثانية؟

سريرة الغريب/ أسعد البصري

أحوال لا أقوال ، نحن رجال الأحوال
الكلام الذي تقرأ هو عن الماضي و أحواله
يجب أن أملأك بالمعنى
من ذلك الحال تخرج أقوال جديدة
كتابة جديدة تثبت دوام المحاولة .
مكابدة الأحوال في المكان والحاضر
لم نأت لنلعب مع صبيان المقاهي
جئنا معا من تلك القرية واجتزنا النهر معا
العجوز العمياء صاحبة الحانة أخبرتنا بأننا سنفترق
المحال سيصبح ممكناً
سندور كما تدور الكواكب
نفنى في القلب كالحب القديم
لم نأت لنلعب بالكلمات يا شيخي
ولم نأت لنقبل الإطراء على كلام هو مجرد ظلال
لقد اتسخت بالبشر مرة أخرى ، هذا خير كثير
لن يتركك المتسولون تعبر به كله إلى المقبرة
تألم كما يتألم شاعر
إلى أن تظهر على الناس سريرتك .
لقد تكلّمتَ كثيراً
اخترعتَ أعداءً لا تعرفهم ولا يعرفونك
مضى بك غرورك خارج الطبع
فأغسل ثيابك من لعاب عدوك و لعابك
كيف اتسع ثوب واحد لعدوين ؟؟
سأترك ثوبي لرياح الشمال حتى يجف و يتعض
يا إلهي ! لن يقبل شيخي بي على هذه الهيئة
سجادتي ليست في مكانها
قلبي فارغ تماماً
ماذا فعلت بنفسي ؟؟
حتى الصمت الذي زرعته في حديقة البيت و سقيته ماء السكوت الصافي
هذا النبات الأخضر مات بسبب ثرثرتي و بيعي و شرائي للسر
لن يقبل بي شيخي و في فمي رائحة خمر رديئة
لن تقبل بي الطرقات والليل والمنفى
يخدعك الإيقاع ، و تخدعك الصورة
تخدعك ابتسامة أولادك في العيد
فتظن أنك شاعر و مغني
وتنسى شيخك في منتصف الطريق
تنسى أنك لست منهم و ليسوا منك
وهذا كله شعرة من لحية الشتاء
أولادك ليسوا من صُلبك
وأنت لم تولد في أيّ مكان
حَبَلَتْ بك الأيام بعد الأيام ولم تجد بابا تنجبك منه
لقد تركت شيخي وحيدا وبعد قليل يحل المساء
قال: بعد الكتاب الذي يبدأ ب : اقرأ
أعلمك الكتاب الذي يبدأ ب : اسمع
النبي كان يسمع ولم يكن يقرأ ، يقول شيخي
توضّأ خلف تلك الشجرة هناك ينبوع و منشفة
ثم ضع هذا الرداء على كتفيك واتبعني
هناك خلف تلك التلة أخبرك بالحقيقة

أمسيات روز شوملي الشعريّة في الجليل!/ آمال عوّاد رضوان

مع مطلع العام الجديد 2013 أحيت الشاعرة الأديبة الفلسطينية روز شوملي من بيت ساحور- رام الله أربع أمسيات شعريّة موسيقيّة في كلّ من الناصرة والرملة وعبلين ودالية الكرمل، بعدما حصلت على تصريح خاصّ بمناسبة الأعياد المجيدة في زيارة الجليل.
صالون نهى زعرب قعوار الأدبيّ استضاف الشاعرة للفلسطينيّة روز شوملي في أمسية شعريّة، وذلك بتاريخ 2-1-13، وسط حضور من نخبة المثقفين والشعراء وذوّاقي الحرف والكلمة، وبين الفقرات الشعريّة حاورتها آمال عوّاد رضوان حول مسيرتها الأدبية كشاعرة ومتخصصة في أدب الطفل ونقده، ودورها في الأبحاث والتراجم التي تجريها، ومن ثم كانت مداخلات شعرية للحضور أثرت اللقاء بمزيد من البهجة والرقيّ.
أما المركز الجماهيري العربيّ في الرملة، فقد أقام أمسية شعريّة فلسطينيّة للشاعرة الأديبة الباحثة الفلسطينية روز شوملي، بتاريخ 3-1-13، وسط حضور خاص وشريحة مميّزة من الأطفال والأمّهات، وقد حاورتها آمال عواد رضوان حول علاقتها بأدب الطفل ودورها الفاعل في المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، من أجل تأسيس رياض الأطفال ومساندة الأطفال والأمهات في تلك الحرب والمرحلة العصيبة، وقد أضفى الأطفال على الأمسية جوًّا جميلاً مختلفًا ومبتكرًا أسعد جميع من تواجد بالأمسية، ولا سيّما الأطفال منهم، إذ اعتلَوْا المنصة بثقة ليقرؤوا من قصائد روز الشوملي، التي تحاكي الطفل والأرض الوطن والإنسان، ومن ثمّ تمّ تكريم الشاعرة الشوملي من قِبل عضو البلدية ورئيس مجلس المركز الجماهيريّ العربيّ بالرملة المربّي فايز منصور، ومدير المركز الجماهيريّ المربّي ميخائيل فانوس، والمدير الفنيّ للمسرح الجماهيريّ الفنان والمخرج أديب جهشان، ومُركّزة مشروع النساء في المركز الجماهيريّ العربيّ الكاتبة الصحفيّة رانية مرجية، التي نظمت هذه الأمسية، لأهمّيّة التواصل بيننا نحن فلسطينيّو الداخل وفلسطينيّو الضفة. 
واستمرارا لنهايات الأسبوع الموسيقيّة التي يقيمها المعهد الموسيقيّ في عبلين في كانون الثاني من السنة الجديدة، فقد استضاف المعهد الموسيقيّ العبليني الجليليّ وجوقة الكروان العبلينيّة الشاعرة الأديبة المناضلة الاجتماعية روز شوملي، في أمسية شعريّة موسيقيّة متميزة في مقرّ المعهد الموسيقيّ القائم في مركز عبلين بتاريخ  4-1-2013، وبين الفقرات الموسيقيّة الثلاث وعزف طلاب المعهد الموسيقيّ، حاورتها ابنة عبلين آمال عواد رضوان، حول طفولتها في حقل الرعاة في بيت لحم، وكيفيّة تأثرها بالمشاهد والاحتفالات الميلادية، التي ساهمت ولعبت دورا أساسيًّا في تشكيل وبلورة مواهبها الموسيقيّة والشعريّة.
البداية كانت مع العزف الموسيقي، حيث شمل البرنامج ثلاث فقرات:
لطلاب آلة القانون بتدريب مها عوّاد: صافي دعيم، ماريا حاج، ماريا سليم، ايفا حبيب، إبراهيم عواد.
وطلاب الأورغ تدريب مها عوّاد: مجد عويّد، ديما شيخ أحمد، هديل حاج، صافي دعيم، شروق نجمي، ناصر خوري، ريم علي، آدم إدريس، راية مريح، فرحة عبيد، لورين سمرة، ميار محسن، إلياس أبو غنيمة، جاكي حاج.
وطلاب آلة الجيتارة بتدريب فريد متى: يارا دعيم، يونتان حاج، نيقولا فرهود، توفيق نصرالله، ياسمين طباجة، راشد سليم، جواد حسين، ماريا خليفة، هيا مريح .
وقد أدّى الطلاب عزفا متميّزًا في فقرات شرقيّة وغربيّة جميلة جدًّا، بتركيبات وتوليفات ملوّنة ومتناسقة، لاقت استحسان الحضور.
تحدثت الشاعرة روز شوملي عن طفولتها وغربتها في لبنان وعودتها الى بيت ساحور، وأكثر ما أدهشها وأفرحها اكتشافها أن جزءًا من أبناء عائلة الشوملي يتواجد في عبلين وشفاعمرو/ في الجليل.
في الفقرة الأخيرة من البرنامج قامت روز شوملي بقراءة شعريّة لبعض قصائدها بمرافقة عازف الجيتارة فريد متى، كما قامت ثلاث طالبات من المعهد الموسيقيّ ماريا سليم وهديل حاج وماريا حاج بقراءة قصائد روز شوملي .
في نهاية اللقاء قام مدير المعهد الموسيقي وجوقة الكروان الأستاذ نبيه عوّاد بتقديم هدية تقدير وشكر على  المشاركة والزيارة المهمّة للجليل، لتقوية أواصر الأخوّة والعلاقات بين أفراد الشعب الواحد.
أمّا المركز الثقافي في دالية الكرمل فقد استضاف الشاعرة الأديبة روز شوملي، بتاريخ 5-1-13 في أمسية شعرية مميّزة ، نظمها الشاعر مجيد حسيسي من دالية الكرمل وآمال عوّاد رضوان، وقد تخللت الأمسية قراءات شعريّة لروز شوملي ومجيد حسيسي، أمّا آمال عوّاد رضوان فقد حاورتها حول منجزها الشعريّ وقصص الأطفال، وحول دوْرها كمديرة عامّة لطاقم المرأة والمنجزات والمشاريع التي أنجزتها، وحول مواضيع الأبحاث والتراجم التي تعكف على مزاولتها في المرحلة الأخيرة، ومدى أهمّيّتها في عكس الوجه الفلسطينيّ أمام الرأي العالميّ.
 وبين الفقرات الشعرية عزف الفنان فراس نصر الدين ببراعة على آلة (المجوز) وآلة (اليرغول)، حيث نال استحسان الحضور، وقد برز بين الحضور الأديبة فاطمة ذياب والشاعر وهيب وهبة والشاعرة ملكة شاهين.
وجاء في كلمة روز شوملي الانطباعيّة حول زيارتها للجليل، وتحت عنوان الشعر والموسيقا والحبّ هي عناوين رحلتي هذه وكلها غذاء الروح تقول:
كأنما الذين بقوْا في الأرض حافظوا على أصالتهم وأصالتها. ذهبْتُ أحمل قلقي معي، وعدتُ أحمل في قلبي صورهم جميعًا: الكُتّاب والشعراء والمثقفين، الأطفال، النساء العاديات، عائلتي التي اكتشفتها هناك، وعودتي إلى الجذور مع الموسيقا.
آمال عواد رضوان الشاعرة الرائعة التي نظمت لي بدل الأمسية أربع أمسيات، فرحة بنتاج ما نظمته من جهود  من أجل أن يتعرف الكتاب الفلسطينينون بعضهم ببعض. آمال عوّاد رضوان التي أهدتنا السلام مطرًا في الذهاب والإياب، كرّست لي من وقتها الكثير الكثير، وكانت محاوِرتي في اللقاءات المختلفة.
فاطمة ذياب، القاصة القديمة المتجدّدة دائمًا، التي كتبت ولا تزال للصغار والكبار، وعينها الثاقبة تنقد وتحلل كلّ ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، استضافتني في بيتها في الليلة الأولى، كأنّما تستضيف أختها التي عادت بعد عقود غياب.
الرائعة آمال، قريبة آمال عوّاد رضوان، استضافتني في بيتها أربعة أيام وعاملتني كأنني أختها المدللة.
أمّا الشاعرة نهى زعرب قعوار التي جعلت من  بيتها صالونًا ثقافيًّا وأدبيًّا للكُتاب والمثقفين، استقبلتني في صالونها لأتحدّث عن تجربتي الشعرية، وأقرأ بعضًا من قصائدي.
في قلبي صور كلّ من التقيتهم من الشعراء: جورج جريس فرح، وهيب نديم وهبة، والأديب والناقد الدكتور بطرس دلة، والناقد د. منير توما، والقاص الأديب ناجي ظاهر، وغيرهم، والأستاذ القاصّ محمّد علي طه كاتب القصص المصوّرة للأطفال وهو الباحث والمترجم، والأستاذ الأديب محمّد على سعيد الذي بنى مكتبة يقصدها من يريد مرجعًا لاتمام بحوثه، ولا يجده في مكان آخر، وعضو البلدية ورئيس مجلس المركز الجماهيري العربي بالرملة المربي فايز منصور، ومدير المركز الجماهيريّ المربّي ميخائيل فانوس، والمدير الفنيّ للمسرح الجماهيريّ الفنان والمخرج أديب جهشان، ومُركّزة مشروع النساء في المركز الجماهيريّ العربيّ الكاتبة الصحفيّة رانية مرجية، والأستاذ نبيه عوّاد مايسترو جوقة الكروان ومدير المعهد الموسيقيّ في عبلين الجليليّة، والشاعر مجيد حسيسي ابن دالية الكرمل، وأخيرًا الإنسان الرائع الذي دفع الكثير لقاء مبادئه وجرأته على قول الحق والحقيقة، أستاذنا ومعلمنا حنا إبراهيم إلياس- الشاعر الحجّار، كلّهم وجميعهم أضافوا إلى تجربتي ومعرفتي وأغنَوْها.
أما الأطفال فقد التقيتهم كأفراد ومجموعات، فوجدوا في قلبي مرتعًا لهم. الطفل مطلق، حفيد القاصة فاطمة ذياب، الذي تحدثت معه عن اهتماماته واهتماماتي في عمره، كان يصغي باهتمام، ورغم أن لقائي به لم يكن طويلاً، لكن حديثه دخل قلبي وأتمنى أن أكون قد تركت  لديه نفس الأثر.
أما الأطفال الذين التقيتهم كمجموعة، بعضهم حصل على فرص جميلة، مثل أطفال عبلين الذين وفّرت لهم جوقة الكروان الغنائية والمعهد الموسيقيّ العبليني مجالاً رائعًا لتنمية مواهبهم وصقلها، لكن بعض الأطفال في مناطق أخرى، خاصّة في الجنوب، ما زالوا يعيشون في حالة ضياع، وهم في أمسّ الحاجة لظروف تنهض بهم، وفي مثل حالتهم، هم بحاجة إلى جهد مضاعف كي يعوض ما فاتهم.
حدّثت أطفال الرملة عن أطفال المخيمات في لبنان، وكيف عملوا على تغيير وضعهم حتى وهم في صف الروضة، وحدّثت الأهالي عن كيفيّة مساهمة الأهالي في عملية التغيير، ووجّهت الخطاب للمعلمات والمعلمين في الحديث عن كيفيّة تمكين معلمات الروضة من استخدام المكان بموارده البشريّة والماديّة، من أجل جعل الروضة مرتبطة مع البيئة المحليّة بعلاقة تكامليّة.
أما عائلتي – الشوملي- فقد اكتشفت أن عددها كبير في عبلين. كانت الدهشة كبيرة. جاؤوا للترحيب بي. الغريب أن سيماءهم كانت تشبه سيماء وجوهنا، هي الوراثة بلا شك.

مدخل لدراسة الرواية الفلسطينية في اسرائيل/ شاكر فريد حسن

تعتبر الرواية من ارقى الفنون الادبية واعظمها القادرة على اجتياز الزمان والمكان ، وهي مؤلف ادبي يسرد ويحكي في صورة شاملة متعددة الجوانب والاشكال قصة شخصية او عدة شخصيات متشابكة، مع توضيح تطور حياة هذه الشخصية او الشخصيات في تفاعلها المتبادل بدائرة الحياة الممتدة والمعقدة ، ومع الظروف الحياتية للعصر .
وتختلف نوعية الرواية تبعاً لاختلاف المضامين والموضوعات ، التي تعكسها وتطرحها، فهناك الروايات البوليسية والاجتماعية والفلسفية والنفسية والسياسية والعاطفية والتاريخية. وفي بلادنا لم تظهر الرواية الحقيقية الا في السبعينات من القرن الفائت ، ويرجع سبب ذلك الى حاجتها للبعد التاريخي وتراكم التجربة ، وكانت التجربة الروائية الاولى للكاتب الروائي والاديب والسياسي الراحل اميل حبيبي وهي "سداسية الايام الستة" ثم روايته "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل" ، التي صدرت طبعتها الاولى في صيف العام 1974، وتبرز فيها العناصر الاسلوبية التراثية المثيرة للاصداء القديمة ، وتطفح بالاجواء الشعبية والعامية والمواقف والاحداث ، التي تربط الحاضر بالماضي، وتؤسس لتفاؤل تاريخي منبثق من اعمال النفس الفلسطينية والانسانية المعذبة المتألمة والجريحة.
وهذه الرواية حظيت بشهرة واسعة بين القراء والمبدعين والدارسين والباحثين والنقاد العرب والفلسطينيين في الداخل والخارج ، الذين تلقفوها بشغف وتناولوها بالدراسة والعرض والنقد التحليلي، واجمعوا على خصوصيتها وفرادتها وتميزها في الادب القصصي والروائي الفلسطيني واشاروا الى تأثر اميل حبيبي بقصة "كنديد" لفولتير.
وفي حينه كتبت مجلة "الاقلام " العراقية : " لم يكن اميل حبيبي ليوفق الى بناء هذه الرواية الهائلة ، التي تعد بحق رواية المأساة الفلسطينية الاولى والحقيقية ، لو انه لم يتوخ الصدق، الصدق في كل شيء".
اما الكاتب والناقد الفلسطيني فاروق وادي فقال:" ان اميل حبيبي يؤسس اساليب وأشكالاً متجددة، فلا تنفصل الرؤية الجديدة عن تأسيس الاشكال الجديدة، بل يترلبطان باحكام جدلي لتحقيق نتاج جديد ، لا يتوقف طموحه عند حدود انعكاس الواقع على صفحته، ولكنه يتخطى ذلك ليصبح اداة هدم وبناء ايديولوجية ، هدم الايديولوجيا الرجعية وبناء وتثبيت الايديولوجيا الثورية ".
وفي منتصف الثمانينات اصدر الراحل اميل حبيبي "اخطيه" و"سرايا بنت الغول" وقد تميز في جميع رواياته بالسخرية والطرافة والضحك من اعماق الجرح والواقع البائس القاهر . ومع انفجار الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في المناطق المحتلة صدرت عدة روايات عالجت بمجملها الوضع الفلسطيني العام في ظل الاحتلال ، وتطرقت لممارساته القهرية التنكيلية ،وصورت الظروف الحياتية المأساوية الموجعة في المخيمات الفلسطينية . كما ابرزت الوعي السياسي الثوري الفلسطيني والرؤية الواقعية لحل العقدة الفلسطينية . ومن هذه الروايات :" عبير الياسمين" لجمال قعوار ، و"احمد محمود وّخرون" لزكي درويش ـ والآخرون هم بقية افراد الاسرة ، الأب، الأم، الأخت، والصديق وجميع الناس الذين يعايشون الانتفاضة الفلسطينية، ورواية" الطريق الى بير زيت" لادمون شحاده ، التي توزعت على ستة فصول وموضوعها هو نضال الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة ، ومسرح احداثها بلدة بير زيت التي عرفت واشتهرت بجامعتها ، التي كانت ركيزة وقاعدة اساسية في مسيرة الشعب الفلسطيني الكفاحية والنضالية ، وبطلها باسل عبد اللطيف ،المدرس في جامعة بير زيت وخريج جامعتي "بيروت" و"ايوه" الامريكية ، والذي ينحدر من عائلة عريقة ، صاحبة تاريخ نضالي مجيد في مقارعة الحكم الانجليزي والتركي والاردني ، وشخصياتها من الشرائح المثقفة والمتعلمة . وهي تنقل بصدق الصراع والتناقض الايديولوجي والسياسي والاجتماعي بين الفعاليات النضالية والقوى الوطنية والثورية العاملة والفاعلة في الشارع الفلسطيني ، وكذلك رواية "زغاريد المقاثي" للكاتب الراحل محمد وتد ، التي تدور احداثها في قرية الزبداوي في الضفة الغربية وتروي قصة ابي العبد الذي اغتالته دورية الاحتلال، ونتعرف من خلالها على شخصيات ايجابية كثيرة تنبض بالحياة كابي العبد الذي يعيش خارج الوطن ويتسلح بالفكر الثوري ، وعيوش التي ترى فارس احلامها المنتظر ، وسامح الشاب الواعي الذي يعتقل ويسجن، والشيخ عبد الصبور امام المسجد الذي يشارك في العمل الانتفاضي والنضالي ومقارعة الاحتلال ، وصبرية ابنته التي تمضي في السجن 18 يوماً ، وصابر الذي يقوم بخدمة رجال المقاومة المختبئين في الكهف وغيرهم.وهذه الرواية مفعمة بالالم والحيوية وملأى بالاوصاف الدقيقة المدهشة والفكاهة ، وتتلمس المعاناة والهاجس الفلسطيني .
بعد ذلك شهدت الحياة الثقافية الفلسطينية والمشهد القصصي والروائي صدور العديد من الاعمال الروائية لكل من احمد سليمان واحمد درويش ومحمد علي طه  واسمهان خلايلة وسواهم. واذا كان احمد درويش في روايته "ذاكرة التراب" يسبر اغوار الماضي ويثير فينا الحنين والوجد لقرانا المهجرة ، ويحيي قصة الترحيل والتهجير والتشبث بالتراب الغالي المقدس ، فان محمد علي طه ، الذي يعد احد فرسان القصة الفلسطينية في الداخل،ينقلنا في روايته"سيرة بني بلوط" الى فترة زمنية محددة عاشها شعبنا الفلسطيني ، هي فترة الحكم الانجليزي للبلاد ، وتتركز موضوعاتها حول ثورة 1936والتيارات السياسية والاجتماعية التي كانت فاعلة في تلك الفترة، وهي رواية تتصف بالعفوية والبساطة والجمالية الفنية .
اما اسمهان خلايلة فتقدم في روايتها "اّخر النفق" قصة من واقع وحياة المجتمع بطلها فاشل في حياته العائلية والاسرية ،وينعكس فشله في طباعه واخلاقه ومسلكياته وتعامله مع ابناء مجتمعه وافراد عائلته.
وفي الاجمال، الرواية الفلسطينية في اسرائيل ذات مضامين اجتماعية وسياسية مسحوبة من الواقع المعاش، وقد نجحت في القيام بدورها وواجبها تجاه الارض والوطن والشعب، واستطاعت معالجة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والتعبير عن قضايا جماهيرنا العربية واوضاع شعبنا الفلسطيني في الوطن المحتل.

كليم الناقة/ أسعد البصري


(( لقدْ تركتْني أغبطُ الوحش أنْ أرى
أليفين منها لا يروعهما الزّجرُ))
أبو صخر الهذلي
هذه بلادي
سألتُ جدتي لماذا لا يقرأون القرآن في الأفراح
لأن الله يتركنا نفرح على طريقتنا
فقط في المصائب يجعلنا نحزن على طريقته
الرحمن يخاف علينا ، قالت جدّتي
في قريتنا يعيش البشر في الأرض وفي بعضهم
في هذه المدينة يعيش الجميع وحيدين و بالأقساط
حتى الموت بالأقساط
طائرات الشبح أقلعتْ يوماً من هذه المدينة
وحلقتْ فوق قريتي
لهذا أنا هنا ، أرى قريتي في القمر
و أبحث عن طريقة أكتب فيها
دون أن يتعرّف عليّ أحد
سلالة البصريّين القُدامى
منذ طلعتْ عليهم شمس في نبرتي
لا يوجد وطن
لا حُب في هذه المدينة
أعشاب الحب لا تكاد تنمو
حتى تأكلها أبقار المضاجعة
لا يوجد وطن و نبي و شرف هنا ؟ فقط شركات
في قريتي يعرفني الجدول وتعرفني الماشية
هنا يعرفني الطبيب و المحامي وصاحب الحانة
كبرتْ البنات وأنجبن وتغيرت البيوت
لكن قريتي ما زالت نخلاً و نهراً وعراقيين
لَم يكن هناك شعراء أيضاً
إلا أنه كان هناك بعض المجانين المذهلين
بينما في هذه المدينة يقبضون على مجانينهم
أطفال القرية يصطدمون
بأسراب العصافير ويتركون طفولتهم في يدي
في هذه المدينة يخافون على أولادهم من الشوارع
شوارعهم لا يسير فيها سوى المشردين
والمدمنين و أنا تحت الثلوج
نحن الثلاثة فقط لا نخاف ولا نمتلك سيارة
أولاد شوارع
الشعراء هم السلفيون والظلاميون الحقيقيون
ألستُ أكره النهار والضوضاء و أهيم الليل كلّه؟
ألستُ عاشقاً للتراث ؟؟
أنا سلفي و ظلامي إلى درجة أنني
لو كلّمتُ ناقةً لكلّمتني

فاطمة الزهراء فلا تحلل ديوان "دموع على وجنة الثورة" للشاعر طارق شعبان أبو النجا

الشعر ؛ ماهو إلا َّ مشاعر جيَّاشة ، قد تصنع شاعرا ً وقد تصنع أديبا ً.
لأنها – ببساطة – تتحول دون أن ندري الى كلمات تدق بداخلنا ، فنبحث عن مؤلفها وكاتبها ليضاف الى قائمة من نحب أن نقرأ لهم في دنيا الكلمـــــــــات .
أمَّا أنا – حقيقة ً – لم أكن أدري أنى سوف أضُم هذا الشاعر المتأجج الى قائمة الشعراء اللذين يغزوننى بكتاباتهم !
في البداية ... لم يلفت نظري ؛ فإنه " شاعر " كأي شاعر ٍ يأتي في أمسيَّة ٍ ، ثم ينفض السامر ، وقد لاأرى هذا الشاعر بالسنيين .
طارق أبو النجا ...... أهداني ديوان له بعنوان " دموع على وجنة الثورة " .
والعنوان محبط ٌ ؛ ليس للشاعر وحده ، ولكن لكل ابناء الوطن .
فالصور التى نقلها الينا صورا ً تغوص في اعماق النفس .
نقل الينا معاناته وهو يقع فريسة ً بين أنياب اليأس . هذا عن العنوان .
أما " القصائد " فهى تعصف بنا عصفا ً .
فلقد سكن الليل القلوب حين يقول في قصيدة ( ابني الوليد ) :

بيقولوا :  ابنك
 اللي من صلبك وفكرك
مستحيل يصبر على الظلم وهوانه
حالف يرجع فجرنا اللي فات أوانه
أبوه صحيح مقدرش يعمل ثورته
ظروفه صعبه والحياه جت هدته

هى دعوةٌ للثورة على الظلم و المهانة اللتين يلقاهما جيل الآباء
لكن هاهو يثور ، لم يعد يحتمل هذا الظلم والكابوس الذى يجثم على صدره – تصوير أكث من رائع ؛ حين يقسم الابن أن يعود بالفجر الذى كان لابد أن يطلع منذ زمن ، وقد آن أوانه و فات .
واعتقد ان هذه القصيدة ؛ هى قصيدة الإعداد للثورة – من أقوى القصائد في الديوان ؛ وهو يستعد – اقصد الابن – ليس ثورة
" بالبنادق ولا مشاعل نارها حمره " ولكنها كانت مفاجأة للعالم بأجمعه .
دوران القصيدة يذهب بنا و يطوف بالمشاعل ، ليشعل نار الثورة بالفكر و العلم .
وما أجمل تعبيره حين يخرج كطلقة الرصاص ...إن الحياة شوكها عال ٍ إن كنت تريد الزهــر .

والشاعر ... يجمع في شعره بين الفكر و الطرفة – حين تقرأ قصيدته -  أنا جالي حشيش من غزة .
أنا جالي حشيش من غزه
 معجون دم الشهداء
نفسين وتحس بلذه
تنسى مدابح الاعداء

وعلى الفور يفهم القارئ أن الحدوتة عميقة بعمق الجرح الذى نعانيه من احتلال فلسطين و غزة ؛ و العذابات اليومية التى يلاقيها الشعب الفلسطينى .
والبيت واضح لايحتاج لتفسير :

نسقيكم احلى حشيش
موتوا  واحنا  اللي نعيش
انتم لامؤاخذه بهايم
وإش  قوة " سبع " ونايم ؟
ومكسح مابيمشيش ؟

وهذه القصيدة فيها دلالة واضحة على تعذيب الشعب الفلسطينى عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ؛ وكأنها المخدر و المنوم الذى يجعلنا نرى مايحدث في الأرض المحتلة ؛ ونعرف ان مايحدث فيها ، يحدث لنا .... لأننا نتعذب في كل لحظة من قهر الحياة
ورغيف العيش و البطالة التى يعانى منها شبابنا فيجلسون على المقاهى و يتعاطون كافة أنواع المخدرات .

****
رُص  لنا  يا" ريس "  رُصّ
م انت في " غـُرزتنا " البـُص
رُصَّ  وخليها تولع
العيش والزيت والرز
عارف اننا مساطيل
ومقلعنا البناطيل

نفس مايعانى منه الشعب الفلسطينى ، تعانى منه الشعوب العربية ،و بالأخص مصر حين يذكر " الزيت و العيش و الرز " وهى متطلبات يومية ضرورية بالنسبة للشعوب .
وتسلمه القصيدة هذه من ثورة لأخرى من الغضب ليتحدث بلسان " السادس من نيسان " ونيسان هو شهر ابريل ... وكلنا قد علم دور (حركة السادس من ابريل ) في الثورة !
فيقول :

السادس من نيسان
إسمح لى إن كنت صديقى
أن أنفث غلى وحريقى
أن أصرخ من ألم الضيق
إسمح لى .. أسخر من نفسى
أتهكم من عجز اليأس
فالعيش حلا  لى  بالبأس
وإغفر لى ....
إن خرج الزيت على كفى
أتجشأ  حمضا  من جوفى
وبثور تملأ واجهتى
ملآى بالقيح ؛ وبالخوف
إغفر  لى ....
إذ راهنت على فرس أعرج
قاومت سنينا رغبته فى أن يخرج
واليوم يجرجر خيبته
إكليلا من "روث" أخرج
إغفر  لى .. ماوسع الغفران
فأنا أتوشح بالخسران وبالقطران

يالها من معان ٍ يقشعر لها البدن ..........
أعرج .. خيبة .. روث .. خسران .. قطران ..
الى أن يقول :

والعار   بحار  تغرقنى
وأبول  كما  بال  الصبيان

حالة من العجز تتوقف على حالة الوطن المصاب بالكساح و العجز والوهن ... ويصل الى النهاية التى تفيض باليأس و الهم :

هنيئا .... ياملك بلادى
هنيئا .... ياسيف السلطان
بقيت " الراعى " كما  شئت
إذ  كنا  لعصاك "الحملان" !!

**
وينتقل بنا " طارق شعبان " من قصيدة لأخرى مابين العامية و الفصحى ، وكلها تقريبا ً تتحدث عن حالة الشعب قبل الثورة ؛ فتدور محاور قصيدته " أنا عديت " ..... والتى يتحدث فيها عن جمال مصر وحالها بعد أن هجرها الابناء الى بلاد أخرى باحثين عن رغيف العيش الخالي من " المسامير ".... وان مجلس الشعب يصفر و يطبل .
**
الثورة ومابعدها
ينتقل ( طارق شعبان ) – الشاعر الذى ربط المراحل – ليأخذ القارئ في رحلة يطوف به من حال الشعب قبل الثورة ....... ثم
حاله بعدها ؛ و أنه أصرَّ على أن يكتب قصيدة عن     يوم الثورة  "  شرطه تحت عيد الشُرطة "
وفيها قام بفرشاته ورسم لنا عدة لوحات رائعة ، تؤجج المشاعر
حين يقول :

الناس بحالها في الميدان رافعه كفوفها
****
الموج اللى جواكم ماتحوشو أيد
****
الصوت كأنه فرح ؛ كأنه زعقة آدان
****
محروم من الدنيا وصابر وقانع
****
أنا الشاب اللى مرمي في الشوارع
****
أعتقد أن هذه القصيدة ؛ صورةدقيقة ومؤثرة لشكل الناس في مصر وحالتهم الاجتماعية وكأن بيده كاميرا يقوم فيها بتصوير فيلم تسجيلي ؛ مثل الفيلم الذى أخرجه " خالد يوسف " – حين ميسرة – وساعتها قامت الدنيا والحكومة في مصر ولم تقعد ؛ لأن مصر التى في معتقداتهم تأكل الشيكولاته وتستحم بالشامبو .....
ومازال يحكى .. الى أن يصل بالثورة الى ميدان التحرير
زغاريت بعدد النجوم بترقع في سما بلدى
****
ثم يكتب قصيدة كلها تفاؤل و أمل بعنوان " رجعت لك " .
وكذلك قصيدة " شكرا ً يازمن شكرا ً " .
متوسما ً بأن الخير على الاعتاب
ثم يختم في احدى قصائد ديوانه بقصيدة " قولوا ياناس "
وفيها نقد لاذع للثورة .... حين يقول :

****
قولوا ل"عمروأديب" يسيب الميكرفون
الثوره حامضه مش محتاجه ولا عصرة ليمون
لو كان للثوره صاحـــــب يا  " أديب "
كنا نمنا والأمل  ملو ّ الجفون
****
انها الدموع التى اغرقت وجنة الثورة
العديد من القصائد العامية والفصحى .
أمتعنى الديوان ... ولو تمهل الشاعر الذى امتدح الثورة لعرف النتائج ؛ وتمهل في اصدار ديوانه لتغير رأيه !
الدوان صرخة شاعر ؛ تمرد على واقعه قبل الثورة ، وتمرد عليه بعد الثورة . ولم يبق في جعبته إلاَ الدموع في لوحة في حضن صالون .
فاطمة الزهراء فلا

هذا ما حدَّثتُ به نفسي في الحمّام/ أسعد البصري

(1)
لم يكن جان بول سارتر سوى رجل يتحدث الى نفسه
يتحدث بكثرة . روايات و مسرحيات و محاضرات و مجلدات فلسفية
مصير الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية في لغته و كلامه
كان لا يقدم حلولا شافية بل قاتلة أحيانا
مع هذا كان عدد كبير من الناس متعلقا بما يقول و يكتب
كان سارتر مجرد إنسان في محنة
لكنها من النوع الذي يخص الجميع
هيرمان هيس كان يكتب الرسائل لمواطنين ألمان معذبين لا يعرفهم بعد الحرب
في هذه الأثناء كان مارتن هيدغر في الغابة السوداء منعزلا عن البشر
الزمن تغير يبدو لي أننا نعيش عصرا معاديا للثقافة
يبدو لي أن الشركات اكتشفت ضررا كبيرا في الثقافة
وإلا كيف يمكن بناء كل هذه المكتبات العامة الفارغة تماماً من الناس
(2)
تتعب مهما كنت قويا تتعب
وكما كنا نصطاد البلابل يتم اصطيادك
كنا نطارده بشكل جماعي
نضرب كل شجرة يحاول أن يحط ويستريح عليها
في النهاية يتعب و يسقط على الأرض في أيدي أعدائه
كنا نستدل على البلبل من غنائه
فكيف يحارب بصوت هو دليلنا إليه
هل أفعل كما يفعل غيري ؟؟
أكتب دراسة عن طقوس الزواج في العهد الأكادي ؟؟؟
أو ربما عن الشاعرات في بابل ؟؟
تأثير ابن رشد على سيرڤانتس أم علاقة دانتي بالمعري ؟؟
هذا الهروب لا يروق لي أبدا .
(3)
ثقافة الإحتلال والعملاء تستفيد من خبرات متطورة في قمع الثقافة
لا يتركون الثقافة تتطور في حوار وطني محتمل في الهوامش كما مضى
يشغلونك بأي شيء آخر حتى لو جلبوا قردا وداروا حوله يمجدون عبقريته
ستترك كل شيء لتثبت للناس بأن هذا مجرد قرد
بعد ضياع الوقت والجهد تكتشف بأن الجميع يعلم حقيقة القرد
وأن الحفلة كانت لإضاعة الوقت وهدر طاقة المثقف
بدليل أنهم يجلبون قردا آخر للتمجيد في حال شعروا بإحراج
صناعة ثقافة وهمية و منحها مراكز وامتيازات
للتشويش على الثقافة الوطنية المهمشة القليلة الباقية .
(4)
ولماذا علي كتابة هكذا أشياء ؟؟ رجل مثلي يتفرغ للأدب والنصوص
المشكلة هناك كلام لا يقوله أحد عليك أن تقوم بهذه المهمة حتى لو كانت فوق قدراتك وأبعد عن اختصاصك واهتمامك .
في الخمسينات من القرن الماضي كنا نوجه نقدنا إلى الإستعمار و الشركات المتعددة الجنسيات ونطالب بالعدالة الإجتماعية والبعث القومي للأمة كلها بالتعليم والكفاح . اليوم لا نوجه نقدنا إلا للإسلام وللطوائف والهوية ولا نحارب سوى بعضنا . حتى تحت الإحتلال الأمريكي يقتل الشيعي السني في العراق . المثقف نفسه يكتب مقالات تنتقد الذات ولا تنتقد الإستعمار . الشعوب تعاقب بشكل جماعي . التنوير يتوقف والنهضة تتوقف والمنجزات الإجتماعية تتراجع ، تتفشى الأوبئة الطائفية والعنف باسم الحرية والديمقراطية . ديمقراطية الشيطان والإحتلال والتقسيم .
لقد كان الشيوعيون والقوميون يتمتعون باحترام و قوة
لأنهم كانوا حالمين و كانوا شعراء
المثقف اليوم أكثر واقعية من سماسرة البيوت
كائنات بلا روح .
(5)
من قرية جميلة نائية في الهند أو الصين أو العراق أو أثيوبيا
يأتون بعائلة رائعة باسم اللجوء والحروب والهجرة
بعد صعوبات وانتظار و أدعية في المخيمات
يرمون هذه العائلة في مدينة بشعة قاسية مثل تورونتو
ما هي النتيجة ؟؟؟ الأب يعمل ليل نهار
الأم تتعلم اللغة الأجنبية ، تتحسس الدولارات لأول مرة في حياتها وتفكر بالخيانة
هل حقاً على الشعراء الحالمين القبول بهذا الواقع البشع ؟؟
شاعر عراقي يأخذ صوراً تحت شلالات نياغرا و قرب أبراج تورونتو
وكأنه اخترع هذه الأشياء
يجب أن يتكلم الشاعر كشاعر إن وُجد
وليس كدليل سياحي ، و تاجر عقارات أو وكيل استثمارات .
الشاعر الحقيقي في حضارة عجوز كهذه يجب أن يكون مخرباً .
الرأسمالية ليست فكرة لقد انتهى زمن الأفكار
لم تعد الدولة مهتمة بأفكار الناس و قناعاتهم
الرأسمالية هي قانون و محنة اقتصادية تحتاج إلى عمل
والعمل هو الذي يعاقب الإنسان و يجعله مفيدا للدولة وللرأسمالية .
كل تفاؤل مشكوك في قيمته
خصوصا التفاؤل الفلسفي والفني .
إن حزناً في ساعة الموت أضعا
فُ سرورٍ في ساعة الميلادِ
المعري
(6)
هل الخبر الجديد هو أننا لسنا عربا لا توجد أمة بهذا الإسم
وإسرائيل دولة ديمقراطية عظيمة تحترم الإنسان والحرية
ونحن مَنْ نحن ؟؟ ماذا تقصد ب نحن ؟؟ العرب ؟ العراقيين ؟؟ الشيعة ؟؟
السنة ؟؟ أهل الجنوب ؟؟ المثلث السني ؟؟ النجفيين ؟؟ التكارتة ؟؟
نحن زيت البنادق و حطب الحروب الأهلية
ولأنه لا معنى لحياتنا يخترع أعداؤنا لنا سبباً للموت والإنتحار والحروب الأهلية
مَن هو العدو ؟؟ إنه العرب ، لا لا إنه الإسلام
لا لا لا إنه نحن ، نحن العدوّ يجب أن نقتل بعضنا .
(7)
لم أدخل الغرب موفداً من جامعة إلى جامعة ك طه حسين و عبد الرحمن بدوي بل دخلته لاجئا يبيع السگائر في قاع المدينة ، دخلته لأعيش على المساعدات الإجتماعية و أسكن في شارع مدمنين ، لأطلق زوجتي و أعيش في ملجأ مشردين ، لأدخل السجن بسبب خلاف عائلي ، لأرى لعبة النقود والمحامين ومحنة الرجل و عزلة الإنسان ، لأشتغل في شركات وهمية ، لأتناول حبوب الإكتآب وأرى العيادات النفسية . هذا هو الغرب الحقيقي وليس ما يراه السائح . الرأسمالية ليست مزاحا .والتقدم أسرع من يقظة الروح و متابعتها للحاضر لهذا تزداد غيبوبة الإنسان واغترابه . نعم هناك واحد بالألف يعيشون كآلهة مقابل غيبوبة الباقين في الإستهلاك و فخ الوجود .
إن تصوير الغرب وكأنه جنة بديلة بطريقة رومانسية هو مجرد منطق ديني و منطق معجزات بصيغة أخرى . هذا تصوير كارتوني غير حقيقي . ما هي الحرية ؟؟؟ . اتفق معك بأن الحرية مهمة ، لكن هل وصلنا إليها ؟؟ .
البارحة كنت في تورونتو ، مدينة كبيرة و قطارات تحت الأرض ، وجوه البشر مخيفة من الوحدة والإغتراب و نقص الحب ، لا تنس معاناة الإنسان في المدن الكبيرة و موته الغريب فيها .
والمال شيطان المدينة ، حيث تتفتح كأزاهر الدفلى مصابيح الطريق كعيون ميدوزا تحجر كل قلبٍ بالضغينة ، ألم يكن هذا موقف الشاعر بدر شاكر السياب و شعوره تجاه المدينة ؟؟ ماذا جرى لشعراء اليوم ؟؟؟ .
ماذا أريد أن أقول ؟؟ لا أعرف ولكن هذا ما حدثت به نفسي في الحمام .

احساس قلم/ ليلى حجازى

امسكت قلمي وجلست لاكتب ولكنه لم يكتب امرته بذلك فرفض وقال: لن اكتب,غضبت ورميته وامسكت قلما آخر فقال هو الآخر لن اكتب!! وهكذا مع جميع اقلامي.
فرجعت مرة اخري لقلم
ي الاول وحاولت معه ولكنه رفض,فقلت له:لماذا لا تكتب؟ قال: وكيف اكتب وقلبي ينزف دما!؟ فقلت له في سخرية:اولك قلب؟! رد:نعم. قلت له:لا اعتقد هذا
قال: انت مخطئة انك لا تعرفين ان كل الجماد الذي حولك يحس ويشعر ويتنفس ايضا.
ضحكت وقلت له:كفي انك تهزي. قال:لا...انه يحس بنعم الله ويتنفس بحب الله والاعظم انه يسبح بحمد الله.
فقلت له:اذن قل لي لماذا لاتكتب؟
قال:قلت لك ان قلبي ينزف دما قلت له: انا اعرف ولكن لماذا؟
قال: لانك تريديني ان اكتب ولكني عندما اكتب اصعد الي عنان السماء واطوف كل الاجواء فأنت عندما تريدي الكتابة ينطلق خيالك وافكارك الي بعيد بعيد وانا كقلم سيكتب ما تفكرين به اجري وراء افكارك في عنان السماء.
قلت له: كوما العيب في هذا؟
قال لي: انه عندما كنت اطوف مع افكارك في تلك الايام وقع بصري علي اطفال مذبوحة وامهات مجروحة وآباء شعروا انهم فقدوا رجولتهم لانهم لم يستطيعوا حماية اسرهم, فلم استطع ان اكمل المشوار ورجعت وقررت الا اكتب حتي لا اري هذا مرة اخري.
قلت له: اذن فهي اخر مرة تكتب معي.
رفض بشدة وقال: يااختي العرب انك هنا تكتبين وهم هناك ينزفون الا تري الفرق شاسع والابشع انكم جميعا مسلمون فعلا يا اختي ان الاسلام قد بدأ غريبا وسيوجد في قوم لن يقدروه حق قدره ويجلوه اجل الاجلال.
ثم اشاح بوجهه واراد ان ينسل من بين اصابعي فأمسكته بقوة وقلت: لاترحل... لاترحل انتظر معي.
قال: لا اقدر.انظري الي ما حولك دققي النظر ارهفي سمعك ستجدي كل ما حولك يبكي وانت لا تشعرين...
حينئذ ستدركين ان الكتابة ليست لها قيمة الا لك فقط اما هم فلا زالوا يموتون... ومن فضلك اتركيني اذهب ولاتستخدميني مرة اخري.
فقلت له: لن اتركك ابدا لأنني اقدرك واحبك فأنت غير كل الاقلام؟ قال: وكيف هذا؟
قلت:....... فأنت لديك قلب
باريس

إصدار الجِّزء السَّابع من أنشودة الحياة للشَّاعر صبري يوسف

صبري يوسف ـ ستوكهولم

صدر للأديب والشَّاعر السُّوري صبري يوسف ديوان جديد بعنوان: أنشودة الحياة، الجِّزء السَّابع، حملَ عنواناً فرعيَّاً: (بخورُ الأساطيرِ القديمة) في ستوكهولم 2012، نصّ مفتوح، قصيدة شعريّة ذات نَفَس ملحمي طويل، تتألّف من عدّة أجزاء، كلّ جزء (مائة صفحة) بمثابة ديوان مستقل، ومرتبط  مع الأجزاء اللاحقة. أنجزَ المجلَّد الأوَّل، (عشرة أجزاء). ينشر هذه الأجزاء تباعاً، بإصدارات خاصّة عن طريق دار نشره، ثمَّ سينشرها بعدئذٍ بمجلِّدٍ واحد، بعد أن يتمّ ترجمتها إلى اللُّغاتِ العالميّة الحيّة، رغبةً منه في التَّواصل مع الآخر عبر يراعِ القصيدة.
يتناول هذا النَّصّ، الجِّزء السَّابع، استكمالاً للأجزاء السُّتة السَّابقة، قضايا رومانسيّة عشقيّة أسطوريّة فرحيّة إنسانيِّة وحياتيّة عديدة، مركِّزاً على فضاءاتِ الحبِّ والعشق والوئام بين البشر بإيقاعٍ انسيابي شفيف، كما تطرَّق عبر النَّصّ إلى حفاوةِ الإنسان مع الطَّبيعة، مع الكائنات، مع الأرضِ والحياة كمحور لبناء هذا النَّصّ ـ الأنشودة المرفرفة فوقَ وجنةِ الحياة. وقد استلهم فضاءات هذا الجِّزء من وحي قراءته ديوان عودة ليليت، للشاعرة اللُّبنانيّة جمانة حدّاد، وبعد عدّة قراءات لهذا الدِّيوان، ولد هذا النَّصّ، كشرارة أولى، كومضة أولى من نصِّ عودة ليليت، لكنِّه التقطَ الخيط الأوَّل، ثم كتبَ النَّص من وحي تدفُّقاته وجموحاته، فلا يوجد أيّة محاكاة أو تماهي مع نصّ عودة ليليت ـ كما ربّما يُخَيَّلُ للبعض ـ ، بل أغلب عوالم النَّص منبعثة من فضاءات وخيال الشّاعر، لأن الشَّاعر اعتمد على أسلوبه الخاصّ في بناء هذا النَّصّ، وقد حملَ عنواناً فرعياً: بخورُ الأساطيرِ القديمة.
يتقاطع هذا الدِّيوان إلى حدٍّ كبير مع عوالم وفضاءات الدِّيوان السَّابق، "حالة عشق مسربلة بالانتعاش"، لهذا أدرجته بعده مباشرةً، لأنّه يتماهى مع عوالم عشقيّة فرحيّة رومانسيّة، ولكن الفرق بينهما كبير، لأنّ النَّص السَّابق تمخّض من خلال عوالم عشقيّة مع مروج المرأة العاشقة، المرأة الحب، المرأة الإنسان، المرأة الحياة، بينما أغلب تدفُّقات هذا النّصّ منبعثة من عوالم ليليت: المرأة الأسطورة، المرأة العاشقة الندّ القويّة الماجنة المتمرّدة الباذخة في غرائبية عشقها وعوالمها الأسطوريّة، كما أشارت إليها جمانة حدَّاد في مقدِّمة ديوانها حيث تقول: 
"ليليت: جاء ذكرها في الميثولوجيات السُّومريّة والبابليّة والآشوريّة والكنعانيّة كما في العهد القديم والتَّلمود. تروي الأسطورة أنّها المرأة الأولى، الَّتي خلقها الله من التُّراب على غرارِِ آدم، لكنَّ ليليت رفضَت الخضوع الأعمى للرجل وسئمت الجَّنّة، فتمرَّدَتْ وهربَتْ ورفضَتْ العودة. آنذلك نفاها الربّ إلى ظلالِ الأرض المقفرة ثمَّ خلق من ضلعِ آدم المرأة الثَّانية، حوّاء.".
وهكذا أمسكْتُ هذا الخيط المتوهّج مثل شرارةِ عشقٍ، وبدأتُ أنسجُ من وحي هذه العوالم فضاءات شعريّة.
أودُّ أن أشير إلى أنَّني قرأتُ نصّ عودة ليليت في موقع جهة الشِّعر، فاستهواني جدّاً، وكلَّما كنتُ أعيد قراءته، كنتُ أزداد انجذاباً وإعجاباً في عوالمه وخصوصيّته البديعة، وبدأتُ أتدفَّقُ شيئاً فشيئاً، إلى أن وصلتُ إلى حالة تواصليّة حميميّة مع النَّص الأصلي عودة ليليت. بحثتُ آنذاك عن الكتاب في مكتبات ستوكهولم ولم أجده، فتواصلتُ مع الشَّاعرة جمانة حدّاد عبر بريدها الالكتروني، وشرحت لها الحالة الحميميّة بيني وبين نصّها وما تمخّض عنه من مشروعٍ شعري، لأنّ النَّص المنشور في جهة الشّعر لم يتضمّن الدِّيوان كاملاً، بل تضمّن قصيدة عودة ليليت الّتي حملت عنوان الدِّيوان، وهكذا ما وجدْتُ إلا جمانة تردُّ علي بسرعة رائعة، تطلب منّي عنواني البريدي، وبعد أيام تلقّيتُ منها عبر بريدي ديوانها عودة ليليت بإهداء جميل: "الصَّديق الشَّاعر صبري يوسف، ليليت عادَتْ من أجلكَ، فاسهر عليها، مع محبّتي. جمانة.".
كانت هدية راقية، شعرت بفرحٍ عميق، ولم أخذل جمانة لأنَّني سهرتُ على ليليت طويلاً، قرأتُ الدِّيوان عدّة مرّات، يبدو أنَّ جمانة لديها إطلاع كبير على عوالم ليليت الأسطورة، ولم تتوفَّر لي هذه المراجع، ولم أحاول البحث عن عوالم ليليت الأسطورة، كمراجع، ككتب، وأكتفيت بأنْ أخلقَ عوالم ليليت جديدة كما يراها خيالي، وكما تستجيب شهقة الرُّوح وحنين القلب إلى أنثى من لونِ ضياء الشَّمس. تعلَّقت بها جدّاً، وسهرتُ اللَّيالي وأنا أسبح مع عوالمها الباذخة، كانت تزورني في الحلم مثل شهقة غيمة، وعندما كنت أكتب نصِّي، كان ينتابني شعور كبير أنّني أظلمها لأنّني لا أعرف عنها ما يوازي كتابة نصٍّ عنها بهذه الرّحابة الإنسابيّة، ومع هذا أصرَرْتُ أنْ أتابعَ عبوري في فضاءت النّص، هامساً لنفسي، لا بأس أنْ أعودَ إلى عوالم ليليت الأسطورة يوماً ما، كي أستلهم من عوالمها الشَّفيفة نصوصاً سرديّة، لأنَّ شخصيَّتها الأسطوريّة تتواءم أكثر مع بحبوحة النَّص السَّردي، أكثر من الشِّعر، هذا من وجهة نظري على الأقل. لهذا أعد جمانة على أنَّني سأسهرُ على ليليت طويلاً، ومَن يدري ربّما أعثر على تفاصيل غرائبيَّتها الأسطوريّة في أمّهات الكتب، وأستلهم من تمرّدها البديع نصَّاً سرديّاً يليقُ بهذه المرأة المنبعثة من شهقةِ الطِّينِ منذُ الأزلِ! 
ومن خلال قراءتنا لهذا الدِّيوان نجد كيف توغّل الشَّاعر بحميميّةٍ دافئة في تدفُّقات وجموحات الحبِّ والعشق بما ينسحب كما تخيَّل الشَّاعر مع عوالم ليليت الأسطورة، برومانسيّة شاعريّة جانحة نحوَ هذا المرأة المتمرّدة على كلِّ النِّساء، مستولداً صوراً وترميزات جديدة متعانقة مع جموحِ المرأة الأصل، المرأة الأولى الَّتي تبرعمَتْ من الطِّين وليسَتْ من ضلعِ الخضوعِ، وهكذا بنى عوالمها كأنَّها متدفِّقة من بسمة الصَّباح ومن إغفاءةِ غيمةٍ فوق أمواج البحار، كأنَّنا في رحلةٍ فرحٍ وحبٍّ مع روعةِ وغرابة أنثى من نكهةِ الشَّعر.
أهدى الشَّاعر هذا الدِّيوان: "إلى الشَّاعرة الدَّافئة ببهجةِ الشّعر جمانة حدَّاد"، ويرى أنّه لولا قراءة عودة ليليت لما انبعث الخيط الأوَّل، ولا ولدَت الشَّرارة الأولى ولما ظهر بالتَّالي هذا الدِّيوان إلى النّور، فإلى الشَّاعرة الصَّديقة جمانة حدّاد خالص المودّة والإمتنان، وإلى ليليت المرأة المتمرّدة، المرأة الأسطورة، والمرأة العاشقة خالص المحبَّة والإحتضان!
ومن أجواء الدِّيوان نقتطف هذه المقاطع الَّتي نشرها الشَّاعر على ظهر الغلاف:
حلمٌ من وهجِ اللَّيلِ
شوقٌ أزهى من الماءِ الزُّلالِ
تنعشينَ قلبي كأنّكِ
     من عبقِ العطورِ!
تعبرينَ أعماقَ الرِّيحِ
     قيعانَ البحرِ
تزدادينَ سُمُوَّاً في تواشيحَ اللَّونِ
     على مدى الدُّهورِ!
تتناثرُ براعمُ روحِكِ
 فوقَ بسمةِ السَّماءِ
تغفو البراعِمُ فوقَ موجاتِ الحلمِ   
     فوقَ بتلاتِ الزُّهورِ!
تعالي نرقصُ مثلَ زوربا
     على اِيقاعِ التَّجلّي
     على هدى الأحلامِ
ننتشي من بهجةِ البدرِ
نشربُ كأسَ المحبّة    
     من معتَّقاتِ الخمورِ!    
تعالي نعبرُ وهادَ الأرضِ
ننشدُ أغنيةَ الحلمِ الآتي
نرقصُ فرحاً على ايقاعِ الغيومِ
     على نغماتِ الحبورِ!
هل من الطِّينِ جُبِلْتِ
أم انبعثْتِ من شهقةِ نيزكٍ
تثورينَ مثلَ اهتياجِ البحرِ
     مثلَ أفواجِ النُّمورِ!

براءة زمن/ ميمي قدري

لم يكن للربيع أن يستمر طويلاً في تلك البقاع,.. حقول القمح الممتدة على إمتداد البصر تَموج تحت الرياح كأمواج بحر هائل بدأت بالنضوج ثم الإصفرار رويداً ... رويداً ...
تُهييء نفسها للحصاد ...
كروم العنب بدأت تنضج ثمارها من الحصرم الحامض الذي لايؤكل .. تحولت إلى أعناب شديدة الحلاوة في الطعم والمنظر ... تتدلى بخيلاء من غصونها ..
بدأ الفلاحون يهيئون الأرض لزراعة الطماطم والقطن والسمسم والبصل وكل الخضروات .. مما خلق الله على هذه البسيطة ..
الذي يسير بين هذه الحقول والمزارع اذا جاع يقطف من السنابل رؤوسها ويفركها بين راحتيه ليأكل حتى الشبع أو أن يقطف ماطاب له من ثمار الأرض كالبطيخ والخيار والباذنجان وغيرها ليشبع جوعه.
هذه المرحلة الزمنية .. جنة الأطفال .. يلعبون ويمرحون بين الحقول وخصوصاً في المساء تحت برودة الهواء حماية لهم من قيظ النهار الملتهب حرارته بأشعة الشمس ... يلقون بأنفسهم في الترع ليسبحوا بملابسهم في ذاك الماء الزلال مع الضفادع والحشرات الغريبة المنظر وأحياناً مع بعض الأسماك التي كانت تُحير الجميع بوجودها ...
الجداول كانت تأتي من عيون تتفجر من تحت الأرض لا من مصادر الأنهار القريبة.
العُشاق كانوا يخروجون قبل مغيب الشمس أو نحوه زرافات ... زرافات ...
الصبية يخرجون منفردين .. والصبايا أيضاً ... كل منهم على حِدَة يتمشون بين الحقول وهم يسترقون النظرة للآخر من بعيد .. إذ كان الكلام محرم بين الجنسين ماعدا إلقاء السلام مع خفض الرأس إلى الأرض ومن يَحظى بهذه الإيماءة أو النظرة يكون كمن مسه ملاك ... يذهب بعقله فتراه .. يبتسم كمن حلقت روحه في فضاءات العشق وكأنه إمتلك سموات السموات
تلك البراءة جعلت هؤلاء الفقراء المُعدمين يعمروا طويلاً رغم قساوة حياتهم وبساطة سُبل عيشهم وإفتقارهم إلى أية رعاية طبية من أي نوع كانت .
من صور التخلف في هذا المضمار انه عندما شيدت لهم الدولة دائرة صحية لاحقاً في ثمانينات القرن الماضي ...
ذهبت سيدة مُسنة تجاوزت الثمانين من العمر لتشكوا ألماً في بطنها وصدرها ..
بعد الفحوص الآولية قال لها الطبيب :
خذي هذا الكوب الورقي وإذهبي إلى البيت وإجلبي لنا عينة من إدرارك عندما يتوفر ذلك .
بدأت السيدة ترتجف من الشعور بالقهر والفحش المستتر .. أم لخمسة عشر ولداً وبنتاً ... ذهبت إلى البيت وأخذت بندقية أحد أبنائها وأسرعت غاضبة إلى المستوصف الصحي ..
صدفة إلتقاها أحد أبنائها .. علم أن هناك امراً جللاً ما قد حدث
فاستوقفها وسألها :
ما الخطب أماه ؟
قالت : يجب أن أذبح هذا الخنزير الذي يسمونه الحكيم ...
بعد أخذ ورد علم الإبن مع العشيرة .. حاصروا الطاقم الطبي .. طلبوا خروج الدكتور من مخبأه ... جاء امام مسجد القرية .. أمرهم بالرجوع إلى بيوتهم ..
خرج الطبيب .. لعن المهنة .. شكر الله على سلامته ثم ذهب ولم يرجع .. لم يكن يرغب العمل في محله أحد ..
أنشدَ الأغنيات للشرف الرفيع .................

أيام في "بابا عمرو" رواية للكاتب: عبد الله المكسور/ زياد جيوسي


   ليست الرواية الأولى التي أخوض غمارها للكاتب السوري الشاب عبد الله المكسور، وربما لحسن الحظ أننا قد ارتبطنا بصداقة قوية رغم المسافات ما أتاح لي الاطلاع على رواياته وهي ما زالت مخطوطات قبل أن تنشر، ومتعة التفرد بالقراءة لمخطوط أشعر بها متعة تتفوق على القراءة بعد الطباعة والنشر.
   في هذه الرواية والتي صدرت عن دار فضاءات – الأردن، وكالعادة أول ما يلفت نظري العنوان، وهنا شعرت أن العنوان أثارني لقراءة الرواية بسرعة، فالمكان في سوريا- حمص، وشهد المكان أحداثاً كثيرة وما زال في ظل الأحداث التي تشهدها سوريا منذ آذار 2012، والتي تفجرت وامتدت بشكل كبير وأدت إلى سقوط آلاف الضحايا من الدم السوري العربي الزكي، وكنت بحاجة لقراءة الأحداث بعيداً عن زيف الإعلام، والمسألة الأخرى التي شدتني هو الإهداء: (إلى حبات التراب المشكلة لاسمها الممتد عبر حروف خمسة.. إلى.. سوريا.. الوطن والأم..). ولعل كلمتي (حروف خمسة) قد لفتت نظري كثيراً، فأنا في كتابين من مؤلفاتي كان الإهداء فيها (لحروفي الخمسة)، ما دفعني للتساؤل في داخلي: هل كانت سوريا في عقلي الباطن حين أهديت مؤلفاتي لحروفي الخمسة؟
   الرواية اعتمدت أسلوب استدراك الذاكرة من الشوق في الاغتراب عن الوطن، وتبدأ عملية الاستدراك من لحظة الوقوف للنافذة والهمس: اشتقتك سوريا، لينطلق بطل الرواية في طرح السؤال الذي شكل البداية للرواية حين يتساءل: لماذا قلت اشتقتك ولم أقل أحبك سوريا؟ لينطلق لتذكر ابنة العم وهواه الأموي الطويل، وقصة البوح بالهوى العام 2003، وزيارته الأخيرة للوطن ومدى إحساسه بالغربة الذي دفعه للعودة (كالغيم الذي يسافر في كل البلاد ثم يعود)، فهو في الغربة يلجأ للكتابة وللصمت وتنتابه كراهية التكنولوجيا فيبتعد حتى عن بريده الإلكتروني، لاجئاً للذاكرة والشخوص الذين عرفهم، فيتذكر ناجي الزواوي الذي هرب من مدينة حماة في فترة الأحداث التي ألمت بها منذ أعوام طويلة، حتى أصبحت عنده (رغبة عارمة في كسر الآخرين) من خلال اصطحاب نساء (الأسواق والبارات والحانات)، (كما كسروا أهله في زمن مضى).
   يواصل بطل الرواية استدراك الذاكرة والأحداث التي تركت أثرها عليه، ومنها زيارته للجولان المحرر وهو في السابعة عشرة من عمره، فيقول: (لم أجد فرقاً بين وطني المحتل وبين وطني المحرر)، ويستذكر شخوصاً أعدمت في وطنه إما لمحاولة انقلابية أو لأسباب أخرى لها علاقة بالوطن، ويستذكر أنه لم يختر الكتابة الأدبية والروائية لولا تأثير زوجته (رفقة) على هذا المسار، فيقرر في لحظة تحقيق حلم له أن يزور سوريا كي يعد لتصوير أفلام وثائقية عن الأحداث، فيتجه إلى عمان عاصمة الأردن حيث يشعر هناك بالرعشة، فهو أصبح أكثر قرباً من الشام، (فهل قدر الشام أن تسافر معنا نحن أبناءها في كل المطارات وفي كل الحقائب وفي كل جوازات السفر؟)، وهو يرى أن الحدود العربية والمطارات تتشابه بالأسئلة وأسلوب التعامل مع القادمين إليها.
   الأمكنة والمدن حاضرة بقوة في ذاكرة بطل الرواية كما الأشخاص، فهناك زياد الكاتب والمرتبط بفلسطين إلى درجة العشق، والمستضاف سنوات من زهرة شبابه في المعتقلات العربية، وجهاد الشاعر والناشر في عمّان والحالم ببناء صرح من الثقافة يتجاوز الحدود، حيث (دائماً في عمّان هناك مساحة برغم كل شيء للأدب والشعر)، فيعيد المكان ذكرى المكان والأمكنة الأخرى، بغداد وحماة والعاصي وغيرها من الأماكن، وهذا يدفع بطل الرواية للتساؤل: (أتساءل لماذا مدننا العربية بالمجمل نختصرها بأسماء ملوكها أو أسيادها الذي رحلوا أو الحاضرين.. هل مدننا لا تستحق أن تكون مستقلة بذاتها فهي دوماً على عصمة رجل، ولا يجوز لها أن تحضر مفردة دون محرم!!). ويكمل الحديث عن المكان ورائحته فيقول: (لكل مدينة رائحتها المميزة التي يختزلها زائرها في جيوبه الأنفية، لا يستطيع تشبيهها بشيء عندما يود الحديث لأحد عنها ولا يستطيع وصفها رغم محاولاته المتلعثمة فيكتفي بالقول: (رائحة غريبة لا أعلم مثل ماذا ولكنها مميزة ولا تشبه إلا ذاتها، يستحضرها في أنفه وخلاياه ولكنه لا يجدها بين يديه عندما يطلبها فيغمض عينيه لتعود تسبح في قلب المكان الأول. للحاضر في حماه رائحة تميزه عن السوق، ولسوق المنصور أو سوق الطويل رائحة مختلفة تماماً عن جسر المراكب أو جسر السرايا، لباب قبلي رائحة تتفرد بنوعها عن حي الجراجمة والبولمان والسوق المسقوف.. في كل مدينة هناك روائح تعشش كما الذاكرة لتكون جزءاً منها دون أن تزول، في خان الزيت في القدس هناك رائحة، إذا أصغيت وبرغم كل محاولات العابرين من كل مكان لإخفائها لكنها تفوح معلنة حدادها وبقاءها والتزامها الأبدي بعروبة المكان، وقد حدثتني مرة زوجتي رفقة عن سوق البصل في نابلس والخان النابلسي فهناك روائح البهارات والزعتر والسمك والذبائح المتعددة الأسباب، لتسيطر بعد ذلك رائحة الياسمين في نهاية السوق رغم كل شيء، فللرائحة لسان لو سألته يجيب!! في المدن العربية تتشابه الروائح وتتفق الأرصفة مع بعضها بالعطور رخيصة الثمن وأوراق أمهات الكتب!! ولا زلت أذكر رائحة بيت جدتي عائشة رغم كل الأماكن التي مررت بها، ولصومعة زياد رائحة متفردة تشبه تلك النصوص المرتبكة التي تخرج فيها.. فهل الرائحة هوية ومكان!!).
 هذه الاستدراكات من الذاكرة والحديث عن الشخوص والمكان كانت عملياً هي المدخل للرواية التي تبدأ أحداثها المؤلمة وذكر التفاصيل من لحظة دخول الحدود، فدفع الإتاوة جزء من تقاليد الحدود لتسهيل المرور، والرشوة أصبحت تقليداً رسمياً، والتحقيق جزء آخر، فبطل الرواية صحافي، وفي ظل الأحداث فهذه الصفة تعامل بحذر وفي كثير من المواقف تصبح تهمة، وتبدأ المعاناة مع الأسئلة المعتادة من ضباط أمن الحدود (هناك من ينتظر دوماً في الأوطان ليسألك عن سبب عودتك وليس سبب غيابك الطويل، ليسألك عن أولئك خلف الحدود وليس من حقك أن تسأل عمن هم داخل الحدود، وإلا فماذا تعني سايكس بيكو!!) ويبدأ التساؤل الداخلي: (لماذا أوطاننا توقفنا على أبوابها وكأننا متهمون حينما نعود، أشياء لا يمكن أن نفهمها إلا حين نمر بها فحبنا لأوطاننا تهمة نحاسب عليها تحت سلطة الدولة والقانون.. لا يمكن أن تكون وطنياً إلا على مقاسهم، ولا يمكن أن تحمل ولاءك لتراب هذا الوطن، دون أن تسأل نفسك عن مفهوم الوطن الذي تؤمن به...).
   رحلة العودة إلى الوطن تعيد استدراج الذاكرة في كل الأمكنة التي مر بها بطل الرواية ذات يوم، دمشق، قاصيون، وفي الطريق ومن لحظة الوصول إلى عمان قبل الحدود إلى سوريا، ومن خلال لقاء صدفة مع بعض الأشخاص من أبناء بلده، يبدأ يسمع الروايات والمعاناة التي مروا بها، فلكلٍّ حكاية، ومجمل هذه الحكايات أكبر من رواية، أكبر من ملحمة، حتى لحظة الوصول إلى حاجز طيار يتم حجزه فيه لأنه يحمل جواز سفر، فهو قادم من الخارج ولا يحمل هوية، لتبدأ المعاناة مع رحلة التحقيق والمهانة والضرب والاحتجاز، ونقله إلى المخابرات المعنية في حمص، ليرى الموت في كل دقيقة ويرى من صنوف العذاب الكثير من ضمن كم من المعتقلين، وحين يفرج عنه بعفو مؤقت يخرج بلا هوية ولا جواز ولا نقود ولا حقيبة، فيلخص الحالة بقوله: (لأول مرة أنزوي إلى مجتمع ذكوري بالكامل ولا يكون هناك حضور للمرأة إطلاقاً، كانت لدي قناعة مطلقة فيما مضى أن المرأة هي الملاذ الوحيد للرجل في كل أوقاته كما القهوة تماماً، عندما يكون الرجل في قمة زهوته وفرحه فهو يطمح لأنثى تشاركه متعته وعندما يخوض انكساراته المتتالية يبحث عن أنثى تأخذ بيده ليبكي على صدرها، وعندما يكتب فهو بحاجة لملهمة توحي له بأفكار لم تولد بعد من رحمها المتصدع، وعندما يعود من الحرب فأول ما يبحث عنه هي الأنثى لتزغرد له وتطنب آذانه بأوصاف المديح والبطولة، كما القهوة؛ هي المرأة في فرح الرجل، وحزنه، وبطولاته، وانكساراته وأتراحه، لها وجود ولها حضور) ليجد نفسه اثر تقديمه خدمة اتصال هاتفي لأحد الذين قتلوا بالمعتقل لأخيه، بين الثائرين على النظام، ليقضي أياماً في بابا عمرو، فيجرب القصف والجنون وإطلاق النار، ويكون شاهداً مختبئاً على الاغتصاب في ظل المعارك المحتدمة ما بين النظام والثائرين عليه.. حتى يتمكن من الوصول بمساعدة الثوار إلى بيت أهله في حماة..
   لن أدخل في تفاصيل ما يرويه بطل الرواية الذي حمل في نفس الوقت اسم المؤلف، تاركاً المجال للقارئ أن يرى ويحكم بنفسه على الرواية، التي اعتمدت أسلوب استدراك الذاكرة، وممازجته بخيال الكاتب وكيف يرى الأحداث، مازجاً الخيال الروائي بوقائع ومعلومات وصلته واعتمد عليها، ومازجاً الذاكرة التاريخية لأحداث حماة السابقة قبل سنوات طويلة مع الظروف الحالية، مؤكداً أن بطل الرواية ليس أكثر من صحافي تعرّض للمأساة بأشكالها المختلفة ليكتشف من خلال جندي انشق عن النظام، أنه حين تم اعتقاله كان ضحية رشوة قدمت للضابط ليفرج عن معتقل آخر، وأنه كان البديل لذلك الشخص، فنقل ما يراه عبر الرواية، وإن كان واضحاً ميل بطل الرواية للثائرين على النظام، مصوراً نماذج من الذين ثاروا على النظام وأسباب ثورتهم، متأثراً بما سبق وما يحصل الآن، ومتحدثاً عن الواقع الاقتصادي من رشاوى واختلاسات وسرقات، خلقت طبقة ثرية وأخرى مسحوقة، والرشوة في أي مجتمع مؤشر فساد يكون المعول الذي يهدم المجتمع، فالرشوة كما أسميها أنا: (الجرذان التي هدمت سد مأرب)، إلا أن بطل الرواية كان أكثر وضوحاً بالموقف بجانب الأناس العاديين، الذين هم الضحايا بشكل خاص في ظل مأساة بدأت ولم تنته بعد.
   بحياديةٍ نقل بطل الرواية تلخيص الآراء حول ما يجري في البلاد بقوله: (مصطفى شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره تقريباً يقف ضد العمل العسكري فهو مع التظاهر السلمي والنضال الثوري السياسي دون حمل السلاح، وتوجيهه لأبناء المؤسسة العسكرية أو الأمنية، وحجته في ذلك عدم القدرة على ضبط السلاح بيد الشعب بعد سقوط النظام، أما عمر فقد حمل السلاح منذ وقع الاستهداف الأول للمنطقة معتبراً أن هذا النظام لا يذهب إلا بالقوة، بينما ظلّ خليل على ولائه المطلق للسلطة الحاكمة رافضاً أي تظاهرة أو أي عمل مسلّح، فهو يكتفي بالإصلاحات التي لا حاجة لها أصلاً من وجهة نظره، بينما كان هناك طيف واسع من الناس يلتزمون الصمت، وهم ثلة كبيرة لمست منهم تخاذلاً أو جبناً في الحديث والاشتراك بالاحتجاجات، أو الاستهزاء بمطالب الثائرين على هذه الأرض بينما هرب قسم آخر خارج البلاد).
   الرواية التي امتازت بقوة الحبكة وقلة الثغرات فيها، ينهيها الكاتب بعد أن تمكن من تهريب بطل الرواية عبر التسلل إلى تركيا بدون نهاية، فقد اعتمد أسلوب النهاية المفتوحة، وقد كان موفقاً في ذلك، فلا أحد يمكنه بعد هذه الفترة الطويلة من الأحداث المستمرة، وتحول الوضع في سوريا إلى حرب حقيقية في كل المدن والقرى والحواري، وفي ظل سقوط مراهنة البعض على التدخل العسكري الغربي لحسم وضع النظام، وبعد آلاف الضحايا والفقر والجوع والدماء، لا أحد يمكنه أن يضع نهاية دقيقة لما يجري.
   قد يختلف البعض مع مؤلف الرواية وروايته، وقد يراها البعض رواية حقيقية، وقد يتهمه آخرون أنه قد باع روحه وقلمه، وكلّ سيكون موقفه متأثراً بحجم المأساة التي تعانيها سوريا، مع النظام أو مع الثائرين أو مع الشعب، لكن لا أحد يمكنه أن ينفي أن ما يجري مأساة كبيرة، وأن الضحايا هم الخاسرون، وأن الشعب هو من يعاني، ولكننا بالتأكيد لن نختلف أن من واجب المبدع أن لا يقف صامتاً أمام مأساة يعيشها شعبه.

مساء الخير يا شارقة/ زياد جيوسي


   عصر الأربعاء السابع من تشرين الثاني كنت أصل مطار دبي الدولي، مدعوا لحضور معرض الشارقة الدولي، هي المرة الأولى في حياتي التي أزور بها دولة الامارات المتحدة، ومن خلال الأصدقاء كنت أسمع االكثير عن الشارقة وجمالياتها، وفي لحظة وصولنا المطار حيث ترافقنا الشاعر جهاد أبو حشيش مدير دار فضاءات الرحلة، وكان المفترض أن ترافقني الرحلة أيضا زوجتي ختام، لكن خلل فني مفاجئ أجل سفرها لليوم التالي الخميس.
  كان بانتظارنا في المطار الروائي السوداني الرائع صديقي أسامة رقيعة، الذي كان قد تولى ترتيبات الدعوة والزيارة بالكامل، فهذا الرائع أدبا وخلقا صديق متميز بروحه وحروفه، اضافة لابتسامته المشرقة دوما وعشقه لكل جميل،  ليأخذنا من المطار لنتجه الى بيت أبنائي وأصدقائي الرائعين الروائي عبد الله مكسور والباحثة رفقة شقور، فهمست لأسامة: الشارقة تعنى الشمس المشرقة عبر تسميتها التاريخية، لكني أعتقد أن من أطلقوا هذا الاسم عليها كانوا يستشرفون المستقبل وتوقعوا وجودك فيها مع ابتسامتك المشرقة.
 من مطار دبي الى الشارقة حيث بيت مضيفيني عبد الله ورفقة، وبعد أن احتسينا القهوة استأذن أسامة وجهاد بالذهاب، فتغدينا وارتحت قليلا قبل أن نذهب لمعرض الشارقة الدولي للكتاب سويا، ومن شرفة البيت على الطابق الخامس عشر، كنت انظر للمشهد أمامي، فكانت هذه اللقطات الثمانية الأولى من رحلتي للإمارات ستليها صور عديدة للمعرض والزيارة.

    الشارقة تعنى الشمس المشرقة وحسبما سمعت  أن اصل الاسم يعود لمرحلة تاريخية في مرحلة ما قبل الديانات السماوية، حين كانت تعبد الآلهة الوضعية فكان اسم أحد الآلهة (شارجة)، ويرجع تاريخها إلى ما يزيد عن خمسة الآف سنة، وهناك خريطة رسمها الجغرافي اليوناني بطليموس في بدايات القرن الثاني قبل الميلاد، وفيها اشارات لاستيطان أحد القبائل فيها، وفي عام 1490 ذكرت الشارقة في سجلات البحار الشهير أحمد بن ماجد حيث أبحر في مياه الخليج العربي.
   للشارقة حديث آخر وجمال سيكون مجال لمقالاتي القادمة بعد استكمال تجوالي فيها، آملا أن يتاح لي ذلك رغم انشغالي في معرض الكتاب.
(الشارقة 8/11/2012)

لماذا يغتالون طه حسين بعد موته؟/ شاكر فريد حسن

من حين لاخر تنبري بعض الأقلام والأصوات الارتزاقية المأجورة لتهاجم عميد الادب العربي الدكتور طه حسين والتطاول عليه وهو في قبره وتتهمه ب "الزندقة " و"الكفر" و"الالحاد" و"الردة"عن الاسلام . وهذه الحملة الظالمة، والمتزمتة، والعمياء التي تشنها هذه الاقلام الحاقدة والقوى الظلامية والجماعات الاصولية المتعصبة والمنغلقة  تستهدف اولاً وقبل كل شيء الاساءة  الى واحد من ابرز الوجوه المضيئة والأعلام الساطعة في النهضة الثقافية العربية المعاصرة ،النيل من أفكاره الطليعية النيّرة والعميقة ،وتشويه صورته الزاهية وسيرة حياته الغنية بالعطاء الفكري والأدبي والاجتهاد العلمي .
ان حقد الجماعات الظلامية التكفيرية المتعصبة البهيمي على طه حسين نابع من أفكاره الانسانية وفلسفته ورؤيته الحضارية الرحبة والمشرقة للتراث العربي الاسلامي التي لا تنال اعجابها ولا تروق لها ،ولأنه كان نصيراً مثابراً وداعياً الى التمازج والتلاقح الثقافي بين الحضارات العالمية ،ومدافعاً عن حرية التعبير والتفكير التجديدي والديمقراطي ،واحترام  كرامة الانسان ومعتقده الديني والمذهبي وحريته الشخصية ،الأمر الذي يتناقض مع الطرح الديني المتعصب والمنغلق .
الهجوم الكاسح والظالم والافتراء الرخيص على طه حسين واغتياله وهو ميّت ،هو اعتداء على حرية الكلمة والفكر المستنير والرؤية الديمقراطية الحضارية الشاملة والطموح الانساني في الحياة المدنية والعصرية الذي كان يتطلع ويرنو اليه طه حسين ويحلم به ،وهو دليل ومؤشر حقيقي على رداءة الواقع العربي السياسي والاجتماعي والفكري ،المصاب بالشلل الثقافي والتمزق القومي والتخلف والبلادة والزيف والتحجر والتزمت والتطرف والارهاب الديني المعادي للتقدم وحرية التفكير والمعتقد السياسي والمسلك الفكري والممارسة الحرة.
ولذلك فان هنالك ضرورة ملحة وحاجة ماسة للمواجهة الفكرية والمعركة الحضارية والتصدي لنهج وفكر قوى الارهاب الاصولي وعقليتها الارتدادية المتشددة ،التي تخاف الفكر التنويري والنهضوي ،وتعريتها سياسياً وفكرياً امام الجماهير وفضح ممارساتها وتوجهاتها وافكارها السلفية ومعاداتها لكل ما هو تجديدي وحضاري ومتنور ،وهجومها المقصود والعلني على كل الرجال النهضويين الذين حملوا فكرا مستنيراً مدنياً بعيداًعن القداسة والتزمت.

مـــرة ملكـــة .. دائمــا ملكـــة!/ نبيــل عــودة

ترك الزمن اخاديده على وجهها وجسدها. الجيل غلبها ولم تعد تنفع الأصباغ. مفاتنها أضحت في سجلات التاريخ  المنسي. تشعر بالم عميق . لم يخطر ببالها ان تصبح نسيا منسيا. مجرد كتلة لحم لم يعد يحتاجها أحد. لم تعد تلك الفاتنة المرغوبة التي امتدت شهرتها طول البلاد وعرضها، حتى قيل ان الرجل لا تكتمل رجولته، الا بعد ان يحظى بخدماتها.
جاءوا من الشمال والجنوب، من ساحل البلاد جاءوا ومن الجبال، جاءوا من الحقول ، جاءوا من المصانع. يقول بعض العارفين ان اسمها كان ماركة مسجلة قصدها العديد من السياح أيضا، فهل حقا ساهم جمالها وفتنتها في زيادة عدد السياح القادمين الى البلاد؟
بعد عمر طويل اكتشفت انها لم تعد الملكة المتوجة التي تلقى التودد والتذلل امام سريرها من شخصيات لا تعد ولا تحصى. بعضهم اناس عاديون لم يترددوا في صرف معاش الشهر من اجل ساعة بقربها، بعضهم صرفوا عليها بطيب خاطر وتنافسوا للفوز بها  في نهاية الأسبوع. بعضهم ادعى انه سائق سيارة أجرة ولكن شخصيته اوحت لها انه شخصية كبيرة في جهاز الأمن او الشرطة او الوزارة. حتى رجال دين تخفوا كأشخاص عاديين ليقتربوا من معبدها ويتنشقوا رحيقها الساحر . آخرون لم يخفوا هويتهم، يدفعون المطلوب بطيب خاطر بل ويضيفون حبة مسك بكرم حاتمي ، يهمهم رضاء الملكة!!
رغم ان مهنتها تثير المتاعب الا ان احدا لم يجروء على الاقتراب منها. تعلم انها محمية وانها فوق اي قانون.  الفنادق تستقبلها بترحاب واحترام وتخصص  لها احد الأجنحة الفاخرة لتستقبل زبائنها من أصحاب المداخيل الكبيرة. لم تجب منها اطلاقا اجرة الفندق حتى حين تكون لوحدها في نهاية الأسبوع ، مدراء الفنادق ايضا يتسابقون لجني ثمار خدمتهم. كانت النقود تمطر عليها صيفاً شتاءً.
تعلم انها العنوان لمن يبحث عن ليلة حمراء لا تنسى،عن فخر يرويه بين الرجال وهو منتش كالطاووس. ربما بسبب كونها تتصرف كإمراة تعشق ما تقوم به ولا تقوم به مجبرة او  مضطرة او لسبب اقتصادي او اجتماعي ما ، هذا جعلها الملكة المرغوبة التي تعطي زبونها أجمل ما يحلم به من اثبات رجولة ومتعة لا بعدها متعة  .
بدأت تمارس المهنة القديمة بحب وشغف لا يعرف الإرتواء. كانت تتمتع بجمال وجاذبية نسائية وجنسية من الصعب تجاهلها.
بدأت تاريخها الملوكي بعد فوزها بمسابقة ملكة جمال البلاد. تدفقت عليها الهدايا والجوائز. شعرت بقيمة المال واهميته. تدفقت عليها العروض ، بعضها عروض فاضحة بلا  تورية. اول عرض غير فاضح شكليا تلقته من رجل اعمال في الخمسين من عمره، اقترح عليها أن  ترافقه في يخته بجولة على دول البحر الأبيض المتوسط،  وانه سيرافقه في القارب ثلاثة من أصدقائه. ترددت. قال لها انهم سيدفعون لها أضعاف قيمة الجائزة التي فازت بها بمسابقة ملكة الجمال، وانها غير ملزمة بمعاشرة احد ، ما يهمهم ان يتمتعوا بمرافقة أجمل النساء وأن أصحابه رجال مجتمع محترمين.. وان كأس نبيذ جيد بوجود امرأة جميلة، يخلق جوا شاعريا، هو أقصى أمنيات مجموعته.
أجرت بينها وبين نفسها حسابا صغيرا. فهمت ان الدعوة لا تخلوا من مغامرة جنسية، لكن مائة الف دولار مقابل اسبوع ونصف الأسبوع في اليخت مع الرجال الأربعة ، بدون التزام لأي علاقة ... هذا يبدو امراً مغريا.
لم تكن عذراء. كانت قد مارست الجنس منذ وجودها في الصف التاسع، والتهبت شوقا من يومها. ولكن هل ستشعر بنفس الرغبة مع رجال يكبرونها جيلا مرتين ونصف على الأقل؟
رجل الأعمال يبدو اصغر من جيله، بل يشع رجولة فيها اغراء ما. هل سيكون هو الوحيد الذي ستعاشره؟
ترددت . شعرت بخوف ما، خوف المرة الأولى . ولكن الشيك بقيمة مائة الف دولار قبل ان تقرر مرافقتهم، جعلها تلين وتقبل المغامرة.
كانوا اربعة، رغم جيلهم الذي يقارب الخمسين الا ان رجولتهم مصانة بشكل جيد.
مارست الجنس مع رجل الأعمال الذي دعاها ،وجدته يداعبها ويعريها بلا مقدمات وكأنه متأكد ان موافقتها لتلبية دعوته وقبولها المبلغ الضخم، هو اعلان الإمتثال لرغباته التي لم يفصح عنها مباشرة.  لم تعترض ، بادلته الرغبة برغبة مترددة أولا، زادته التهابا، قبَّلها اينما استطاع، تغنجت بين ذراعيه فازداد شبقاً، ثم اندمجت بلعبته. كانت في الغرفة معه لوحده ، ولكن ما ان انتشت وارتفعت حرارة الاندماج حتى وجدت اصدقائه الثلاثة حولها يتبادلون ملاطفتها، شيئا فشئا وجدت نفسها بينهم  متحررة من ترددها ومن خوفها ، تزداد شبقا وشعورا  بانه لو اجتمع رجال الدنيا كلها في اليخت لما أشبعوها .
كان تلك اجمل عشرة ايام في حياتها. جولة على مدن ساحرة،ومطاعم فاخرة، ملأوها بأجمل الهدايا، البسوها أجمل ما الفاترينات من موديلات، اطلبي ونحن خاتم شبيك لبيك بين يديك. بعدها لم تتوقف. رجال اليخت أصبحوا من زوارها الأسبوعيين. رافقتهم مرات أخرى في رحلاتهم الماجنة ..  امتلأ حسابها وامتلأت خزائنها بما تشتهيه نفسها من ملابس وأحذية وميكياجات وحلى وقطع جميلة للزينة. اصبحت قادرة على الحصول على ما كانت تشتهيه نفسها في مراهقتها. تجولت في العالم طولا وعرضا، بمرافقة عشاقها او بدونهم، وفي رحلاتها المنفردة لم تتردد في معاشرة من طابت نفسها لهم، بعد العودة للبلاد أصبح العديد من زملاء السفر من زبائنها الدائمين. بعضهم اليوم محاضري جامعات، كتاب ، صحفيين ، مدراء شركات، مدراء مدارس، اعضاء برلمان ، رجال دين، تجار ، صناعيين  واكاديميين في مختلف المجالات والمهن الحرة.
كانت غارقة في استعراض تاريخها الملكي وتسأل نفسها أين ارتكبت حماقة حياتها، بحيث أضحت اليوم بالكاد تقيت نفسها. كيف لم تفكر وهي في قمة شهرتها وغناها بتوفير ما  يضمن شيخوختها بكرامة؟ هل حقا توهمت انها باقية ملكة أبد الدهر؟ وهل في مهنتها ملكة لا ينزل التاج عن رأسها؟
اليوم لا أحد يلتفت اليها، صغيرات وجميلات من حولها  احتللن الشارع. تشعر بثقل حركتها. حتى الآلة خربت رغم الرغبة الباقية.
باعت بيتها واشترت بيتا بربع ثمنه، كانت تتهاوى تدريجيا. دخلها من تأمين الشيخوخة لا يفي بمتطلباتها. شركة الكهرباء انذرتها بانها ستقطع التيار الكهربائي عن منزلها اذا لم تسدد دينها، وهو يتجاوز ثلاثة اضعاف دخلها من التأمين. البلدية تنذرها بقطع المياه اذا لم تسدد اثمان المياه فورا. بقالة الحارة لم تعد تستقبلها بنفس الترحاب والحماس ، صاحب البقالة لم يعد ينظر اليها ، يرسل زوجته لتخبرها ان الدين ممنوع. نسي انه كان يحبو على قدمية ويديه مقبلا رجليها قبل ان يصل الى مبتغاه. هل تهدده بكشف المستور اذا لم يلب احتياجاتها؟
 بعد تردد انسحبت بشعور من المذلة.
حاولت الاتصال بمن كانت تعتقد انهم عشاقها حقا، من الذين عرضوا عليها الزواج في الماضي والانتقال الى مكان لا يعرفهم فيها أحد او الى دولة أجنبية. ردودهم كانت جافة جدا. بعضهم طلب بفظاظة ان لا تتصل به، آخرين اقفلوا سماعة الهاتف بعد ان عرفوا شخصية المتحدث.
خدمة التلفون توقفت قبل ايام. العزلة حولها تشتد. التيار الكهربائي انقطع أيضا، البلدية أعطتها مهلة قصيرة بسبب شيخوختها وتدخل احد الجيران  لمنع قطع المياه عنها  شارحا حالها المزرية بدون كهرباء وبدون تلفون وبدون طعام اولي مناسب.
ذلك الجار الذي لم تكن تعرف اسمه، قرع باب منزلها وقال لها انه سيوصلها بالكهرباء عن طريق توصيلة من بيته  لتضيئ منزلها وتشغل ثلاجتها.وانه اتصل مع مسؤول يعرفه في البلدية كي لا تقطع المياه عنها. بكت بحرقة وهي تشكره. قال: لا داعي للبكاء، أعرف وضعك جيدا، لا تتردي بطلب المعونة مني.
قالت كانها تخاطب نفسها:  لا اعرف كيف تدهورت بي الحال .
قال: لا ضرورة للشرح . كلنا بشر، لنا صعودنا ولنا هبوطنا. عندي فكرة تعيدك سيدة فوق رؤوس كل من يتهربون من الحديث معك اليوم.
- اعرف اني انتهيت واتمنى لو يأتي الموت مبكرا !!                
- اتركي هذه التمنيات لمن كانوا يزحفون على أربعة امام سريرك.
شعرت انه يتحدث من مصدر قوة رغم انها انتقلت لهذه الشقة الصغيرة منذ ستة أشهر فقط ، وكانت تظن انها مجهولة التاريخ هنا. صمتت.
- لدي فكرة لانقاذك مما انت فيه. انا اعمل في الصحافة، سانشر خبرا مع صورتك وانت صبية مرغوب فيها، أعلن فيه بانك تؤلفين كتابا عن حياتك وذكرياتك مع شخصيات مختلفة من مجتمعنا  وما كانوا يقترحونه عليك  وما قمت به من رحلات معهم وما مارسوه معك وما دفعوه بطيب خاطر ونوادرهم وغرائبهم وجنونهم بك  .
- ولكني لا انوي فضح أحد.. لست مؤهلة لفضحهم والتسبب بنزاعات عائلية.
- نحن نتحدث عن مجرد لعبة. لن يكون هناك  كتابا، لا تقلقي.  اتوقع ان يتراكض زبائن الأمس لدفع ما كانوا يدفعونه ايام كنت ملكتهم المتوجة.. على شرط ان لا تذكري أسمائهم بمذكراتك.
- هل سينجح مشروعك؟ انهم يرفضون التحدث معي ..؟
- سنرى.. لن نخسر شيئا. اتوقع ان انقذك من وضعك الحالي ، لا افعل ذلك لأني اريد لهم سوءا بل لأنهم فاسدين ويدعون اليوم ما ليس فيهم.
 ستحدث بذلك هزة أرضية اذا نجحت الفكرة.. هناك شخصيات هامة كثيرة؟-
 لماذا لا تنجح مع المرعوبين من ماضيهم؟ -
- هل يحق لي قانونيا ان اصدر كتابا افضح فيه زبائني السابقين؟
- اتركي القانون نائما، حتى لو قررت حقا اصدار كتاب، القانون لا يمنعك ان تذكري حقائق حياتك واسماء زبائنك. هل وقعت معهم اتفاق بعدم كشف اسمائهم؟
 الن يرسلوا من يعتدي علي؟ بعض زبائني صاروا اليوم من زعماء هذه الدولة؟!-
 لا أظن ان جنونهم سيصل درجة الاعتداء عليك. سيفضحون انفسهم أكثر اذا فكروا بهذه الطريقة.-
بعد يومين صدرت الصحيفة بخبر صغير يحمل صورتها وهي فتية مشتهاة، بانها بالتعاون مع الصحفي اياه ، ستصدر كتاب مذكرات تكشف فيه اسماء الشخصيات الهامة التي مرت في مخدعها ، وما عرضوه عليها ، والى اين رافقتهم في جولاتهم ، وستستعرض نوادرهم وتصرفاتهم وعروض الزواج التي تلقتها منهم.
كان اسمها ما زال ماركة مسجلة، أشهر من نار على علم. تاريخ لا يمحوه الزمن. اختفت نسخ الجريدة من الأسواق قبل ساعات الظهيرة. تلفونها الذي سدد جارها ديونه، عاد يرن بقوة طول النهار والليل. كانت اصوات الكثيرين منهم  مألوفة لها. ارادت ان تسألهم لماذا اغلقوا تلفوناتهم بوجهها والآن يصرون على لقائها؟ لكن جارها الصحفي قال لها لا عتاب ولا كلمة غضب. فقط استقبال ضاحك كأيام زمان.
وأضاف بسخرية :"لنر ما في جعبتهم".
اتفقت على لقاء مع من تعتبره اقواهم ماديا.ذلك الذي رافقها في القارب مع اصدقائه الثلاثة، كان قد تجاوز السبعين من عمره، ولكن مبنى جسمه وهيئته لا يكشفان عمره الحقيقي.
كان حديثه حارا. قال لها انه لا ينسى ايامه معها. كانت أجمل ايام عاشها في حياته، لكنه أب لثلاثة بنات متزوجات، وله أحفاد وحفيدات بجيل واع، ولا يريد ان يكشف ماضيه امام أحفاده ، وهو مستعد لدفع ما يساعدها على الحياة، وقدم لها في ظرف مبلغا كبيرا قال انه سيكفيها لسنتين، وانه لن يكون المبلغ الأخير، وطلب منها فواتير الكهرباء ليسددها عندما علم بان التيار الكهربائي قطع عن منزلها وانه سيعطي امرا لمدير شركته بدفع فواتير الكهرباء من حسابه. ورجاء ان لا تذكر اسمه الحقيقي في كتابها او اسم أصدقائه لأن اثنان منهم قد توفيا ، وفي ذكرهما احراج  غير لائق.
بعده التقت ضابط شرطة ببدلته الرسمية، سألها وهو يضحك بشيء من التذلل :"هل تذكريني؟" وكيف لا تذكر من يحب ان يستعمل لسانه ؟
قدم لها مغلفا فيه ثلاثة الاف دولار، ورجاء ان لا تفقده التعيين الجديد الهام الذي يحلم به منذ سنوات. وختم قوله بوعد وحركة من أصبعه :" ساذكرك دوما ، لا تذكري أسمي في كتابك ، ستصلك مني مبالغ أخرى".
بقال الحارة جاء محملا باكياس عديدة، وشيكا بمبلغ غير صغير، ورجاء ان ترى ببقالته عنوانا لها تاخذ ما تشاء.. وانه آسف على معاملة زوجته لها بمنعها من الاستدانة. وأضاف :"طبعا لا تفضحي ما كان بيننا.."
انقلبت الدنيا ولم تعد تميز بين القادمين والمغادرين، المهم ان صندوق المال امتلأ اكثر مما كان يمتلئ عندما كانت ملكة الشارع بلا منازع. حتى مدير البنك صار يستقبلها راكضا نحو مدخل البنك مجلسا اياها في مكتبه ليسجل ما تودعه من أموال، ولكنها لا تذكر اذا كان من زبائنها سابقا.وهل يتوهم احد ان ذاكرتها تقدر على الاحتفاظ بالاف الزبائن؟!
صارت امرأة محترمة يتسابقون لإلقاء التحية عليها ولمساعدتها في حمل احتياجاتها لباب منزلها.
عبثا حاولت ان تقدم لجارها الصحفي بعض المال فرفض. وقالت انها تريد ان تكون بمثابة ام له، ولكنها خجلة من ماضيها. ابتسم وقال انها افضل ام  الآن. وكثيرا ما دعته لتناول الطعام معها، الذي كانت توصي عليه من مطعم فرنسي مشهور يرفض ان يأخذ مقابل الطعام وفقط تدفع للشاب الذي يحضره.. واحتارت هل من علاقة سابقة ربطتها بصاحب المطعم؟ اسمه لم يعن شيئا لها، ثم لم تعد تسأل. حتى لو لم تتصل كانت تصلها الوجبات الشهية يوميا.
الغريب ما حدث بعد ثلاثة اسابيع.
حضر الى منزلها شابان، بالتأكيد لا شيء يربطها بهما، لوهلة دق قلبها رعبا ان يكون وراء مجيئهما اعتداء مدبر عليها، لكنهما يتحدثان معها بلطافة ، يسألان عن تاريخ اصدار الكتاب. قالت انها لم تنهي بعد تسجيل التفاصيل وان الوقت مبكر على صدوره. اخرج احد الشابين دوسية ومغلف كبير  من حقيبة يد يحملها، وقال لها انه يريد ان يقدم لها خدمة كبيرة ها هي دفعة بقيمة 150 الف دولار، وان تدخل الأسماء والتفاصيل المسجلة في الدوسية ضمن كتابها!!
nabiloudeh@gmail.com

ادوار حرب... من منبر الزجل العامي الى منبر الصرح الجامعي


تحقيق ريما يوسف

سلس، عذب، يتهادى على أنغام ربانية، تخرج من الحنجرة بأروع قافية وخاتمة، روعته تكمن بالتحدي، وسحره بتسلسله المتناغم، كلماته المرتجلة تخرج من القلب والعقل فتشكل صورة بهية يتخيل امامها الصاغي لوحة مسرحية ابطالها كثر، فيضحك حينا، وينتظر الرد الآخر حينا، إلا أنه في النهاية يصفق بقوة لكلمات دخلت الى اعماقه وحملته الى ساحة قتال بالحروف والعبر.
من منا لا يتذكر طاولة مستطيلة طويلة يجلس حولها رجال ينقرون على آلة الدف وامامهم ما لذ وطاب من الخضار والمشروب. إنه الزجل العامي، فن من فنون الأدب الشعبي، يعود اصله الى جزيرة العرب قبل الاسلام وهو شكل تقليدي من أشكال الشعر العربي باللغة المحكية. ولئن كان الشعر الشعبي نتيجة طبيعية لظهور اللغة العامية، فإنه من الثابت أن تطوره في لبنان كان بتأثير الألحان السريانية الكنسية.
وقد عرف المسيحيون الآراميون والسريان الشعر، تسابيح وأناشيد روحية لانارة العقول والايمان بالله، ولمحاربة البدع الهدامة. كما عرفه الغربيون أنغاما وصورا رومنسية، وغناء راقصا أحيانا. وأطلقه العرب القاء في الأسواق واثارة عنفية في الغزوات والصراعات القبلية. ثم تطور بعد ذلك بالانفتاح على ثقافات عدة، فطرق أبواب الحكمة والمثل، والوصف والفخر والمدح والهجاء والغزل والرثاء، وصولا الى الوطنيات والاجتماعيات وجميع الفنون والأغراض الانسانية.
الشاعر الزجلي، فنان كبير يلاسن الروعة والجلال، يحاسن البهاء والجمال، ويغزل الشعر كما الورد يغزل البهجة من زهو اللون، والنشوة من شميم العطر الذي يفوح من جبل وواد.
وللشعر الزجلي اوزان: المعنى، القصيدة، الشروقي، الشروقي القصير، والقصيدة القصيرة، القرادي، والموشح.
ومن أبرز رواد المنبر الزجلي الذين تركوا بصمتهم في لبنان ومدحوه وتفننوا الحب، وبرروا الفقر والغنى، شاعر خسره وطنه في اوج عطائه (تشرين الاول 1989)، الشاعر ادوار حرب الذي بدأ مسيرته في الستينات، ارادت جامعة رائدة بالعلم وبتكريم عمالقة من بلادي ان تقيم له نصبا تذكاريا في حرمها.
فجامعة سيدة اللويزة ونقابة شعراء الزجل في لبنان دعت الى المشاركة في الاحتفال بإزاحة الستارة عن النصب التذكاري للشاعر إدوار حرب السادسة مساء الجمعة 9 تشرين الثاني الحالي في قاعة عصام فارس في جامعة سيدة اللويزة، ذوق مصبح. يتخلل الاحتفال فيلم وثائقي عن الراحل، وكلمات لنائب رئيس الجامعة سهيل مطر ولنقيب الشعراء جورج ابو انطون، والشعراء زغلول الدامور، طليع حمدان،انطوان سعادة، القاضي غالب غانم، وكلمة الختام للشاعر بسام حرب.
حرب
وفي حديث ل "الوكالة الوطنية للاعلام" اعتبر نجله، الشاعرالزجلي بسام حرب أن "فكرة النصب التذكاري لوالده جاءت بعد سلسلة مناقشات بين الجامعة ونقابة شعراء الزجل، وخصوصا أن عددا من الزجليين اقيم لهم نصب تذكاري في بلداتهم، وقد اشتهرت الجامعة بتكريم عمالقة من لبنان كالرحابنة، وزكي ناصيف، وجبران خليل جبران، وسعيد عقل، ومي زيادة وغيرهم.
وشرح حرب مسيرة والده التي بدأت  في عام 1962 مع جوقة حنا موسى، ثم اكمل ولمدة 15 عاما مع زغلول الدامور وزين شعيب وطليع حمدان، ثم ختمها مع جوقة القلعة الى ان وافته المنية.
وأشار إلى أن "محبته للشعر كانت منذ الصغر بفعل تأثره بوالده على اعتباره مثاله الاعلى، إضافة الى موهبته وشوقه للكلمة الحلوة الارتجالية".
ومن ابرز ما قال الشاعر ادوار حرب:
وجدنيات
يا أرض الهم، يا شوار النهايي      انهيني نهايتي فيكي بدايي
متل الأنبيا بذات الطريقة            حملت فقرك تاحملتك غنايي
غزل
مسافر وماشي الهم قدامي             وخلفي حنيني وكل أحلامي
عم فتش عليكي وعلى الأيام            لا لقيتك ولا لقيت أيامي
بكلمة، الشعر الزجلي هو ابن البيئة والطبيعة والتراث، وركن أساسي من أركان الثقافة الشعبية التي طبعت لبنان بخصوصية مميزة فريدة، تقوم على حضارته وتاريخه وشخصيته وهويته وعاداته وتقاليده، وحتى لغته ولهجاته المتنوعة بألفاظها ومفرداتها وتعابيرها، والتي تختلف ما بين مدينة وأخرى وبلدة وقرية، بسبب المؤثرات الثقافية والاجتماعية.

تاء وهمزة/ عبدالقادر رالة

كلما يذكرون المعلمين الأكفاء الجيدين أمامي إلا وتحدثوا بإعجاب عن تاونزة، يذكره أترابي ، كما يذكره الذين هم أكبر مني في السن! وتلاميذه الأن معلمون وأساتذة وأطباء!...يتحدثون عنه بإعجاب واحترام كبيرين،يتحدثون عن صداقته المميزة بالأستاذ أبو علي منذ أن كانا زميلين في معهد تكوين المعلمين في منتصف السبعينات. والحقيقة أن حديثهم كان دائما يشوقني لرؤيته والأسف لأني لم أدرس عنده! أما تاونزة فكنيته ؛من تاء وهمزة لأنه معلم لغة عربية!
لم يمكث في مدينتنا الصغيرة سوى الستة سنوات لكن ترك مكانه جميلا وذكراه عطرة بالرغم أنه غادر المدينة متألما ، فمنذ أن غادرها لم يعد إليها رغم وفاة العديد من أصدقائه المقربين!
كان محبوبا لأنه كان معلم لغة عربية متمكن في زمن كان التفكير بالعربية قليل وتعريب التعليم في بداياته! وأخلاقه العالية وتواضعه، وأيضا روح الدعابة التي كان يمتاز بها !
لماذا غادر مدينتنا وقطع العلاقة معها نهائيا ،رغم أنه أحبها وأحبه أهلها من معلمين ،وتلاميذ، وجيران، ورغم أن مدينته الأصلية لا تبعد عنا الا ثلاثين كيلومترا؟!
سألت صديقي الأستاذ يحي الذي درس عنده فابتسم وقال :ـ الانتخابات!
قلت مشمئزا:
ـ الانتخابات! الانتخابات! وهل السياسة تلاحق الجميع؟ وحسب ما أعرف ،تاونزة رحل عن مدينتنا قبل التعددية السياسية وظهور مرض الحساسيات الدينية والوطنية والفكرية!
ـ بل في زمن الحزب الواحد، إذ أراد أن يترشح للانتخابات البلدية ، بل ترشح لمنصب رئيس البلدية.... ويوم فرز الأصوات لم يتحصل على أي صوت ! ولا صوت واحد!...جن جنونه ولم يصدق... وكأنه اكتشف حقيقة الناس المتخفية تحت الابتسامات! واعتقد أن الناس ... بدأ يصرخ بشكل جنوني...أين صوتي؟ أين صوت زوجتي؟ كم كنت مخطئا لما اعتقدت أنكم تحبونني ! لكن يا للأسف حب غيرحقيقي! حب سطحي ومخادع! يا للأسف ،مهما عشت معكم إلا أنكم اعتبرتموني أجنبيا! لست ابن مدينتكم، ولا جدي وُلد هنا! فكيف تسمحون لي بتسيير شؤونكم! لست دهلاسيا، ولا غاديا، ولا قبليا، ولاحداويا، ولا جرداويا! فكيف.... إذن ما فائدة التعليم؟ وما فائدة الجهود التي يبذلها رجال التعليم ما دامت العروشية هي التي تتحكم! لن أبقى في هذه المدينة..... لم يتكلم أحد لأنهم يحترمونه....ترجاه صديقه الأثير أبو علي:
ـ لا تقل ....أنت معلم...درست وتكونت ،ولك الحق في التعليم في أي مكان.. أنت جزائري! وكلنا نقدرك ولا نقول فيك الا الخير...ـ أنا جزائري! ابتسم ثم انفجر يبكي...:
ـ أنا جزائري! لم تفهم يا صديقي! حسنا... هم غير مقتنعين بي! أقبل هذا...لكن لدرجة أن لا أجد صوتي وصوت زوجتي!.....هذا لا تفسير... الا أننا لا نحتاجك ويجب أن تلزم حدودك!
وبعد أيام ذهب الى أكاديمية التعليم في الولاية يحمل في يده طلب التغييرالى مدرسة أخرى، ولما رحل لم يخبر أحدا ، ولم يودع سوى أبو علي وثلاث من تلاميذه المتفوقين، وكان يحي أحدهم.....

في ذكرى الرحيل نجيب سرور.. الشاعر "المجنون " تمرداً/ شاكر فريد حسن

نجيب سرور الكاتب والشاعر المصري الفقير المتسول الذي لم يساوم على قناعاته ، فاختار درب الفقر والصعلكة "حباً وطواعية".نجيب الفنان العاصف الذي لم يتحمل مأساة السقوط وقسوة الخديعة والتفتت،والانسان الحر الصادق الواعي النقي الذي طورد واضطهد واتهم بالجنون تمرداً وبالجنون شعراً ومسرحاً ، وزرعوا الجوع في معدته والأفلاس في جيبه والفقر في حقيبته.
عاش نجيب سرور عذاباً لم يتوقف ورحل عن الدنيا قبل 30عاماً ، بعد أن ساهم في اثراء الحركة الأدبية والمشهد الثقافي والأدبي المصري والعربي بالعديد من الابداعات والمجاميع الشعرية والمسرحية التي تظهره كفنان جذري في مواقفه ورؤاه ، وما أندر هذا النوع من المبدعين في واقعنا الثقافي العربي الراكد!.
نجيب سرور رفض أن يؤطر فنه يوماً في خدمة المؤسسة والسلطان مهما كان عنفه وضراوته وحدته، ولم يكن عضواً في أي شلة أو حزب أو قبيلة، وانما كان خارج التقسيمات وحرص أن يكون مختلفاً وسط هذا الزمن الرديء العاهر، كما رفض مسايرة الرموز الاجتماعية والثقافية الزائفة والمزيفة التي سادت زمانه، وكانت هوة عميقة بينه وبين الواقع الذي عاش في جنباته ، فلم يتمكن من التكيف والتصالح مع هذا الواقع وتجاوز الهوة أو تبريرها كما يفعل غيره من الشعراء ومرتزقة الكلمة، فاشتدت أزمته النفسية وتفاقمت بعد اصراره على الاحتفاظ بشرفه وكرامته وأصالته ونقاوته ، كفنان جذري وثوري أصيل وحقيقي ونزق، متمرد ولم يتمكن من تجاوز رموز المرحلة ، وبالتالي وصل الى قناعة بضرورة انغلاق لغته الرمزية الخاصة فاتهم بـ"الجنون" وعومل على انه بالفعل أصيب بالجنون وادخل الى مستشفى الأمراض العقلية.
ومن نافلة القول في النهاية، نجيب سرور شاعر مقهور ومضطهد عانى الاغتراب والفقر في حياته، وجريمته انه شرع في الابحار الى نهايات امكانيات الانسان في مجتمع تقليدي ونظام قمعي واستبدادي يغتال الحرية ويصادر الكلمة ولا يسمح بتحقيق ضروريات الانسان، وهذا الابحار جعله يعيش قلقاً دائماً فتحرك بعنف حتى انهار، لأنه لم يحفظ قواعد اللعبة وضرورات التكتيك وبقي متمسكاً بالاستراتيجية ، فله عهد الكلمة الشريفة النظيفة المؤمنة والملتزمة بالانسان وقضايه وحريته.